البخور في العبادة المسيحية
قيمة البخور في الصلاة والعبادة
للبخور قيمة عملية في الصلاة، لذلك أمر الرب موسى أن يقدّم في العبادة اليومية بخوراً طيباً يحرقه على المذبح في مجمرة من ذهب (خر30: 1-10).
وأمر الرب أن لا يقدّم بخور إلى أحد سواه فجعله قدساً له (خر30 : 36- 38).
لذلك صارت رائحة البخور دائماً مقترنة بالشعور بوجود الله، توحي إلى الإنسان بحلوله.
فبمجرد أن تفوح رائحة البخور تبتهج النفس وتتهلل الحواس الداخلية إيذاناً للشعور بالوجود في حضرة الله.
العين الساذجة لا ترى في البخور إلا مجرّد دخان طيب الرائحة تختفي حلقاته في الهواء، إلا أن عين النفس تراه صاعداً حتى السماء محملا بصلوات القديسين ترفعه أيدي جماهير الملائكة المقدسين بتهليل وتسبيح:
“وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مبخرة من ذهب وأعطي بخوراً كثيراً لكي يقدمه مع صلوات القديسين جميعهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش فصعد دخان البخور مع صلوات القديسين من يد الملاك أمام الله” (رؤيا 8: 3-4).
كم من نفس متعَبَة دخلت الكنيسة، فسرت فيها موجة من الهدوء والصلاة حينما غشيتها سحابة البخور المقدس المتصاعد من مبخرة في يد الكاهن.
أقوال الآباء عن البخور
البخور فوق المذبح (المائدة المقدسة ) يشير إلى عمل الروح القدس في تقديس الأمكنة وحلول نعمة الرب في هيكل قدسه.
البخور أمام أيقونات القديسين يشير كيف أن صلاتهم لأجلنا صارت مقبولة أمام الرب كرائحة البخور.
تبخير رئيس الكهنة والكهنة والشعب هو تأكيد على ما جاء في الكتاب المقدس : “أنتم هياكل الروح القدس وأعضاء جسد المسيح”
حينما نشمّ رائحة البخور الزكية تجتمع حواسنا وتأخذ النفس نشوة روحية بتنسّم رائحة الفضيلة والتقوى وحلاوة بيت الله . فنتنهد على خطايانا المرة، ونتذ ّ كر قول بولس الرسول : “شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان لأننا رائحة المسيح الزكية لله” ( 2كو 2: 14-15).
استعمال البخور في الكنيسة الارثوذكسية
الكنيسة الأرثوذكسية تأتي ببشارة يسوع إلى كل إنسان. وهي تتوجه لا فقط إلى العين والأذن بل، أيضاً إلى حاسة الشم. فإذا كان إنسان أعمى أو أصم ليدخل إلى كنيسة أرثوذكسية فإنه سيعرف، للحال، أنه في مكان مقدّس من خلال رائحة البخور الزكية.
إن غيوم الدخان العطِر المنبعثة من المبخرة ترمز إلى صلواتنا الصاعدة إلى الله. “عطر” البخور يعبِّر عن سرور الله بصلواتنا.
المسيحيون الأوائل كانوا مطالبين من الرومان الوثنيين بإحراق قبضة من البخور، علناً، كل سنة أمام تمثال القيصر. وبإحراق البخور أمام تمثال القيصر كانوا يعترفون بأن له صفة إلهية. المسيحيون رفضوا أن يقوموا بذلك لأنهم كانوا يعتبرون أن ذلك عبادة أوثان. بالنسبة إليهم كان هناك سيّد واحد هو يسوع المسيح. ولأنهم كانوا يرفضون أن يحرقوا البخور أمام القيصر كانوا يُلقون للأسود.
اليوم، الكاهن الأرثوذكسي يُحرق البخور أمام المائدة المقدسة. وهو يبخّر جسد المسيح ودمه والإيقونات. بكلام آخر، نحن نُحرق البخور، اليوم، أمام الإله الحقيقي وحده. حين نُحرق البخور أمام يسوع نعتبر بإيماننا أنّه هو وحده السيّد.
بعد أن يبخّر الكاهن المائدة والأيقونات يدور ويبخّر المؤمنين. بهذه الطريقة يوقّر أيقونة الله التي فينا، وأعني بها صورة الله التي خُلقنا عليها. هذا العمل يذكّرنا بأننا أشخاص مهمّون في عيني الله، أي أننا أيقوناته المتحركة.
على كل بيت أرثوذكسي أن يقتني مبخرة بيتية صغيرة توضع بقرب الأيقونة. بإمكان الأهل أن يعلّموا أولادهم كيف يعدّون الفحم للمبخرة وكيف يضعون البخور عليه عندما تُقال الصلوات العائلية. بعض الأهل قد يفضّل أن يشعل المبخرة فقط في أمسيات يوم السبت وأمسيات الأعياد الكبيرة. معنى البخور يمكن شرحه للأولاد منذ وقت مبكر من عمرهم ليتسنى لهم أن يشتركوا بشكل أوفى بفعل العبادة.
وهناك ممارسة جيدة بالنسبة للأهل وهي أن يرسموا بالمبخرة إشارة الصليب على كل ولد ثمّ يشرحوا له أنّهم بذلك يكرّمون صورة الله في كل منهم.
تصوّر كم من الذكريات الجميلة يمكن لهذا العمل أن يطبع في الأولاد. كلّما أتوا إلى الكنيسة كراشدين، سوف يربطون البخور العطر بمجموعة الذكريات العزيزة من الصلوات العائلية كأولاد في البيت. كلّما رأوا الكاهن يبخّر المائدة المقدسة والشعب في القداس الإلهي، سيقفون بتوقير في حضرة السيد. سوف يرون في الدخان المتصاعد صلواتهم وهي تصعد إلى عرش الله.