للذكرى والتاريخ
معجزة للعذراء في قبرص
في مشاركة لي عام 1984 في قبرص بمجلس كنائس الشرق الأوسط في مركزه في بلدة (أيا نابا) بمؤتمر نظمه “معهد الدراسات المسكونية” التابع للمجلس، كان بعنوان: “العقيدة الأرثوذكسية” من ليتورجيا وموسيقى وايقونات وتاريخ ورهبنة وكهنوت… كان وفد الكرسي الانطاكي مؤلفاً من سيادة المتروبوليت العلامة جورج خضر مطران ابرشية جبيل والبترون وتوابعهما رئيساً والسيد د.طارق متري الاستاذ في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند، والاستاذة فريدا حداد، والارشمندريت
دامسكينوس (منصور) (متروبوليت البرازيل حالياً) والسيد جبران اللاطي (كاهن حاليا ومن اداريي معهد اللاهوت في البلمند)، اي ان هذا الوفد كان على مستوى رفيع في اللاهوت والمعرفة والعلم، والثلاثة الاوائل كانوا من المحاضرين في هذه الحلقة المخصصة للتعريف بالكنيسة الارثوذكسية اضافة الى مشاركين من شتى الكنائس الارثوذكسية في اليونان وروسيا… والكنائس الشرقية من السريان والأقباط، ومن العائلة الانجيلية ولم تكن العائلة الكاثوليكية مشاركة بعد في مجلس كنائس الشرق الاوسط وتشارك بصفة مراقب فقط، كانت مدة المؤتمر 12 يوماً وخصصت ادارته الايام الثلاثة الأخيرة منه بزيارات ميدانية للاطلاع على الارثوذكسية من نواحيها المتميزة كالرهبنة والفن الايقونوغرافي… وقد تسنى للمشاركين من كل الكنائس زيارة اديار قبرص الرهبانية وكان منها دير دير كيكو
الرئاسي حيث تتجلى فيه فخامة القصور الرئاسية حيث كان القصر الصيفي للرئيس القبرصي الراحل رئيس اساقفة قبرص مكاريوس، وهناك ترهب منذ طفولته، ودفن فيه وهو دير رهباني رائع بفخامته الارثوذكسية من نقوش ومنمنات وايقونات وفريسك ايقونوغرافي… ومقصداً للرحلات من كل انحاء العالم، ودير هريسوروياتيسا الوادع ويقع وسط طبيعة خلابة من الغابات الجميلة،
ويضم نيف و50 راهباً معظمهم من الشباب الحائز الدكتوراه والشهادات العليا في العلوم والمعارف اضافة الى اللاهوت وهم يعيشون نسكاً قاسياً بايمان وعشق الهيين وبوفاء للنذور الرهبانية الثلاثة الفقر والعفة والطاعة…
حكى لنا رئيس الدير عن ان الدير ودع منذ شهر تقريباً اكبر رهبانه واقدمهم بانتقاله الى الأخدار السماوية، وحكى لنا قصة رهبنته قبل اكثر من ثلاثة ارباع القرن، وكان فتى حين هرب من بيت ذويه وجاء الى هذا الدير راغباً بالنسك، وحكى لرئيس الدير ان اهله يرغبون بتزويجه كونه وحيدهم ولتأسيس اسرة وهو لايرغب…
لحقه والداه الى الدير واجتمعا مع الرئيس وسألاه اقناع ابنهما بالعودة معهما للبيت ريثما يصير بعمر الزواج ، وانهما لن يمانعا في كهنوته كخوري رعية بعد زواجه…
على الرغم من عدم قناعته، استدعى رئيس الدير الفتى اليه بحضور والديه واقنعه بصعوبة بالعدول عن فكرة الرهبنة، والعودة مع اهله وعندما يصير بعمر الزواج يتزوج وفق رغبة اهله ليفرحهما بذرية، وأذن له بوداع اخوته الرهبان، فودعهم باكياً، ودخل الكنيسة ليتبرك بتقبيل ايقونات الأيقونسطاس، وكان والداه واقفان على باب الكنيسة يشاهدان مايقوم به ولدهما.
سجد الفتى الباكي امام الباب الملوكي، وعمل مطانية، وسجد لأيقونة السيد يمين الباب الملوكي وقبلها، ثم انتقل الى ايقونة السيدة شفيعة الدير يسار الباب الملوكي، وعمل امامها مطانية وسجد امامها… وفيم هو منحن امامها سقط من سقف الكنيسة حجر كبير باتجاه رأس الفتى، فما كان الا وخيط ايقونة السيدة( المخصصة للتقبيل) الذي يشدها للأيقونسطاس قد انقطع وغطت رأس الفتى حيث سقط الحجر على ظاهرها المدعم بعارضة خشبية متينة…
ساد صمت وذهول لفترة ثم قام الفتى وركض نحوه والداه والرهبان، فقام بتقبيل الأيقونة وهو يبكي فرحاً ويصلي للسيدة التي حمته. اما والداه فقد اعلنا وبصوت واحد ان ابنهما هو ابن العذراء، ونذراه لها، وتركاه من يومها لرغبته في الرهبنة، وانا بدوري وكل المشاركين وخاصة من الكنيسة الانجيلية وكانوا في معظمهم من القساوسة وزوجات القساوسة ومن الكنائس الأميركية لما سمعت بهذه الأعجوبة التي اجترحتها السيدة الطاهرة بأيقونتها، سجدت امامها وقبلتها بدموع على معجزاتها الدائمة… ومعي كل الوفد الانطاكي…
اما الاخوة المشاركين من الكنائس الانجيلية، وكلهم ووفق عقيدتهم لا وزن للقديسين في عقيدتهم، والسيدة العذراء مجرد واسطة لمولد المخلص، ولا وزن لا للايقونة ولا للترتيل اطلاقاً في عقيدتهم، سيما وكانوا كلهم من القساوسة وزوجات القساوسة ومن الولايات المتحدة تحديداً ولكل منهم باع كبير في التبشير فقد تمثل ردهم في اقدامهم على اقتناء الايقونات وخاصة ايقونة السيدة الطاهرة.
اليوم اناشد كل من يؤمن بالعذراء اخوتي المسلمين قبل المسيحيين فهم يوقرونها ويصفونها (ستنا مريم ) فلنصل امامها جميعنا، ونتضرع لها لتحمي وطننا وهذا الشعب الطيب والمسكين والذي يُذبح أكثر فأكثر، ولتوقف هذا النهر من الدماء السورية الطاهرة وانا اسجد معهم بدموع.