نبذة من تاريخ المسيحية الارثوذكسية في لبنان
مدخل
كان لبنان وهو جزء من سورية الكبرى و مازال فخراً للمسيحية الشرقية وللحضارة العالمية. منذ فجر التاريخ و لبنان يعني البياض والسمو والحضارة. و قد ورد اسمه سبعين مرة في الكتب المقدسة، فكان مثالاً للجمال بجباله العالية البيضاء وسهوله و وديانه الخضراء وزهوره و ثماره اليانعة. فورد في نشيد الأناشيد أن الحبيب” جميل كلبنان و ثابت كالأرز” و أن العروس آتية “من لبنان” وأن الملك سليمان أعطاه الله حكمة فتكلم في جميع النباتات والأشجار “من أرز لبنان إلى الزوفى النابت على الجدران” و هذا دليل على أن أرز لبنان هو أجمل الأشجار و أنبلها. أما المزامير فشبّهت الصدّيق بالأرز النابت في لبنان. وفي فترة القحط سكن نبي الله إيليا في لبنان في مدينة صرفة (بين صوروصيدا) وأعان هناك أرملة لبنانية على العيش ثلاث سنوات.يبدوأن النبيذ اللبناني الشهير كان معروفاً من يومها” يعود الساكنون في ظله يحيون حنطة ويزهرون كجفنة.يكون ذكرهم كخمر لبنان”، حتى أن “مجد لبنان” قد أعطي للمسيح.
تشرفت أرض لبنان بالمسيح الإله، فقد بشر بنفسه في صوروصيدا ونواحيهما، ويذكر التقليد – اعتماداً على بعض دلائل الكتب المقدسة – أن يسوع زار أيضاً ضواحي بيروت، و قام بأول معجزاته العلنية في قانا بجنوب لبنان، و تجلّى على أحد قمم جبل حرمون(الشيخ) الواقع في سلسلة جبل لبنان الشرقية، لهذا يُعتبر لبنان أرضاً مقدسة مثل فلسطين و الأردن و سورية و مصر، و هي البلاد التي عاش فيها- أو زارها- الرب يسوع المسيح في كرازته الأرضية.
عبر تاريخه وإلى يومنا الحاضر يستمر لبنان بإعطاء المسيحية قديسين وشهداء ونساكاً، و كيف يستطيع من يعيش في جبل لبنان وتحت كل هذا الجمال أن لا يسبح الله و يمجده ؟؟؟
هذه نبذه و فهرس زمني لبعض القديسين اللبنانيين أو من أصل لبناني، و هو نقطة من بحر لأن الروح يهب حيث يشاء ولا نستطيع حصر القداسة لا في صفحة ولا في ملايين الصفحات!
1-كوارتس(+القرن الأول): رسول من السبعين رسولاً، أول أسقف لبيروت، يُروى أن بطرس الرسول أقامه أسقفاً عليها، و قد ذكره بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومة (16/23) “يسلّم عليكم… كوارتوس الأخ” .
2-بربارة(+القرن الثالث): شهيدة عظيمة بين الشهداء، تتنازع بلدان كثيرة شرف انتساب القديسة بربارة إليها، إلا أنه من المتعارف عليه في المشرق أنها من مدينة بعلبك الشهيرة في البقاع، كانت مؤمنة بالمسيح بينما كان والدها من الوثنيين المتنفذين في المدينة، رغم هذا جاهرت بإيمانها وهربت إلا أن جنود أبيها لاحقوها، فاختبأت و تنكرت لتفلت منهم في قصة شهيرة ماتزال أدبياتنا الشعبية ترويها للأطفال و الكبار و تتمثل بها في عيدها. استطاعوا القبض عليها وطلبوا منها نكران المسيح فرفضت، عندئذ قاموا بقتلها فاستشهدت لأجل اسم يسوع المسيح كلي المجد.
القديسة بربارة ذات شهرة واسعة جداً في الشرق و الغرب، و تمتلىء الحكايات الشعبية بذكراها وأخبار عجائبها وقصصها.
3-أكويلينا(+293): شهيدة، ولدت في جبيل عام 281، اعتمدت وهي يافعة على يد إفثاليوس أسقف المدينة، و بدأت بالتبشير والكرازة، أمسكها الحاكم وطلب منها نكران المسيح فرفضت، عندئذ أمر بأن تسجن ويقطع رأسها، و وجدت في اليوم الثاني ميتة في زنزانتها، أخذ جسدها مسيحيو جبيل ودفنوها خارج المدينة حيث صار قبرها مزاراً للتبرك والأشفية، لاحقاً نقلت رفاتها المكرمة إلى القسطنطينية حيث أودعت كنيسة بنيت خصيصاً على اسمها.
4-بمفيلوس(+309): كاهن شهيد، ولد في بيروت عام 250 من أسرة فينيقية عريقة ونبيلة، درس في معهد بيروت الحقوقي الروماني الشهير وامتلأ علماً بالقانون واللغات اللاتينية واليونانية والسورية، ثم تعرف في قيصرية فلسطين على العلاّمة و المؤرخ أوسابيوس القيصري فكان له نعم الصديق. وقام بمفيلوس بمساعدته في نسخ مكتبته الكبيرة وتنقيح الترجمة السبعينية للكتاب المقدس. وعند اضطهاد مكسيمانوس دايا العنيف قام والي قيصرية بسجنه مع تسعة من رفاقه و طلب منهم نكران المسيح فرفضوا، قُطع رأسه مع رفاقه فمات شهيد إيمانه.
5-فرومنتيوس الصوري(+380): أسقف معادل للرسل، رسول أثيوبيا(الحبشة). فينيقي الأصل من مدينة صور الشهيرة، أكبر مدن فينيقية، كان مع أخيه أداسيوس في رحلة في البحر الأحمر لغرض تجاري أو استكشافي عندما رمتهم عاصفة على شاطىء الحبشة (أثيوبيا)، حيثُ نُقلوا إلى أكسوم العاصمة وتمتعوا بحظوة لدى الملك كمستشارين ( كان للرومان والهيلينستيين وقتها نفوذ كبير في أثيوبيا)، وبعد وفاة الملك تسلمت المُلك زوجته وابنه الصغير فسمحا للقديس بإقامة كنائس في البلاد، عندها بدأ الأخوان بنشر الإنجيل وهداية الأثيوبيين إلى الرب الإله. صار أداسيوس كاهناً، أما فرومنتيوس فسافر إلى الإسكندرية حيث عرض على بطريركها القديس أثناسيوس الكبير أن يرسم اسقفاً لأثيوبيا ويبعث إليها بمبشرين، فوافق القديس الكبير على كل هذا ورسم فرومنتيوس نفسه أسقفاً. و يبدو أن يسوع الإله منح فرومنتيوس آيات على مثال الرسل، فاستطاع بقداسته أن يهدي أغلبية الأثيوبيين إلى المسيح.
استمر قديسنا بالتبشير بحماسة و غيرة إلى أن رقد بالرب عام 380 مسيحية ممتلئاً بالبركات.
لقديسنا إكرام كبير في أثيوبيا ومناطق شرق أفريقيا، و هو من القديسين العجائبيين الذين ملأوا صفحة الزمان بمجد المسيح.
6-ماليتون البيروتي(+537) : راهب، من بيروت في الأصل، خلف القديس سابا في رئاسة دير اللافرا قرب المدينة المقدسة، و قد ساس ماليتون قطيع الأب سابا بكل قداسة خمس سنوات قبل أن يمضي إلى ربه.
7-زوسيماس الفينيقي(+القرن السادس): أصله من قرية قريبة من مدينة صور الفينيقية اللبنانية, ترهّب في دير في تلك النواحي أوائل القرن السادس, ثم انتقل إلى دير القديس جيراسيموس قرب الأردن. و أسس أخيراً ديراً قرب قيصرية فلسطين. نما في الفضيلة حتى أعطاه الرب الإله نعمة التنبؤ و التبصر. تنبأ مرة و هو يبكي بزلزال فظيع سيحدث في أنطاكية عام 528 مسيحية وهذا ما حدث. و مرة عند ذهابه إلى قيصرية قام أسد بافتراس حمارهِ، فطلب زوسيماس- الذي لم يخف – من الأسد بكل وداعة أن يحمل أمتعته لأنه هو رجل شيخ و لا يستطيع حملها لوحده، فما كان من الأسد إلا أن حمل الأمتعة بكل وداعة حتى أبواب سور المدينة!! هناك أنزل عنه الحمل ثم عاد إلى البرية. يا عجائب الرب في قديسيه!
8-إيليا البعلبكي(+779): شهيد، من مدينة بعلبك اللبنانية، ترك مسقط رأسه مع أمه الأرملة وقصد دمشق حيث عمل هناك، استشهد لأنه رفض نكران المسيح أمام رب عمله، و بقي جسده معلقاً بعد استشهاده أربعة عشر يوماً كان خلالها ينضح برائحة طيب عجيبة زكية، جرت برفاته عجائب جمّة.
9-مارينا(+ القرن الخامس أو الثامن): قديسة راهبة، يقال أنها ولدت في قرية القلمون القريبة من طرابلس، و ترهبت في وادي قاديشا( الوادي المقدس) في شمال لبنان. سيرتها ناقصة ولا يعرف عنها إلا النزر اليسير، لكن الأساطير حولها كثيرة، منها أنها تنكرت بزي رجل وترهبت في أحد الأديرة الرجالية باسم مارينوس، توفيت القديسة و دفنت في وادي قاديشا في شمال لبنان، و جسدها ما يزال مصدر نعمة وأشفية للجميع.
10-رزق الله بن نبع الدمشقي (+1477): شهيد، من مواليد دمشق وقد ترعرع فيها وصار كاتباً لدى حاكم طرابلس، و استشهد لأجل المسيح بعذابات كثيرة لأنه رفض نكرانه، قام المؤمنون بتهريب جسده الطاهر إلى جزيرة قبرص حيث صلّوا عليه و دفنوه هناك بكل إكرام.