دير القديس سمعان العمودي
هو عبارة عن مبنى اثري كبير اضافة الى مبان أثرية ملحقة به يقع في المنطقة التي تسمت باسمه (جبل سمعان) من محافظة حلب ويقع الى الشمال الغربي من مدينة حلب ويحلو للبعض تسميته قلعة سمعان في حين ان الراهب سمعان العمودي هو عبارة عن ناسك وليس قائد عسكري ولم يصبح الدير يوماً قلعة وبالأصل فإن تلاميذ الراهب الناسك هم الذين بنوا هذا الدير في محيط العمود الحجري الذي نسك عليه معلمهم كل عمره. وتابعت القسطنطينية ممثلة بالأمبراطور الرومي زينون ببناء الكاتدرائية… وقد انتقل الى الأخدار السماوية السنة 459 وتسمى باسم القديس سمعان العمودي.
ويتألف البناء من كاتدرائية بيزنطية فخمة ودير ومضافة وكنيسة للتعميد تعود جميعها إلى عام 476م
القديس سمعان العمودي
قديس وناسك سوري ولد في قرية سيسان بين سورية وكيليكية في الربع الأخير من القرن الرابع السنة 389 مسيحية. وقد عاش في منطقة حلب في سورية وهو أول من ابتكر طريقة التنسك على عمود حجري، وهي طريقة انتشرت بعده في كافة مدن ومناطق الشمال السوري ومنها انتقلت إلى أوربة وخاصة الشرقية. وبلغ طول العمود حوالي 15 متراً. وصفه تيودوريطس أسقف قورش في كتاب يتحدث فيه عن نساك سورية، ونسب إليه الكثير من المعجزات ومنها انه يعيش طيلة فترة الصوم الاربعيني المقدس اي قبل الفصح بدون طعام او شراب…
ذاعت سمعة القديس سمعان وانتشرت طريقته في التعبد مما دفع كثيراً من الرهبان إلى إتباع تلك الطريقة. ومن أهم العموديين المعروفين الذين ساروا على نهج الراهب سمعان العمودي، القديس دانيال العمودي (409-493 مسيحية) في القسطنطينية، والقديس سمعان العمودي الصغير (517-592مسيحية) على جبل بالقرب من أنطاكية، والقديس اليبيوس البغلفوني (القرن السابع المسيحي)، و القديس لوقا (879-979مسيحية) في خلقيدونية، والقديس اليعازر (968-1054مسيحية) على جبل جاليزيون بالقرب من أفسس، هذا إلى جانب عدد آخر من العموديين تذكرهم النصوص الرهبانية والسنكسار ( سير القديسين) عاشوا في وادي العمق في سورية وفي آسية الصغرى وكانت يونانية اضافة الى اقوام اخرى عاشت بها وبلاد اليونان الحالية…
كما وجدت إشارة إلى قديسة عمودية. ولكن أبرز هؤلاء جميعاً كان القديس دانيال العمودي المار ذكره الذي كان أحد تجار القسطنطينية الأغنياء، فترك تجارته ودخل سلك الرهبنة وظل يتدرج فيها حتى نال حظوة كبيرة عند الإمبراطورين ليون وزينون فطالبهما ببناء كنيسة كبيرة تخليداً للقديس سمعان.
بدأ مشروع بناء الكنيسة في عهد الإمبراطور ليون، ولكن الأخير توفي قبل أن يتحقق مشروعه، فتولى الإمبراطور زينون تحقيقه. بعد وفاة القديس سمعان بنى الإمبراطورالرومي زينون في نفس المكان كنيسة فخمة حول العمود لا تزال قائمة اليوم ما عدا السقف ضمن آثار دير كبير. وقد أصر بطريرك أنطاكية على نقل جثمان سمعان إلى أنطاكية بأمر من الإمبراطور ليون، ولكن الأهالي رفضوا، فأرسل الإمبراطور 600 جندي للقضاء على مقاومتهم، واستطاع نقل الجثمان إلى كنيسة القديس قسطنطين في أنطاكية. نقل الرفات لاحقاً إلى القسطنطينية ودفن في كنيسة آجيا صوفيا الشهيدة التي اغتصبها الأتراك العثمانيون بقيادة السلطان محمد الثاني السنة 1453مسيحية يوم سقوط القسطنطينية وتحويل الكاتدرائية الى مسجد آيا صوفيا.
أصبحت الكنيسة في جبل سمعان في سورية مقصداً للحجاج المسيحيين من اوربة وخاصة الشرقية و من الشرق فكان الناس تحج إليها طوال العام، فتحها السلطان الايوبي صلاح الدين من يد الفرنجة وحولها إلى قلعة عسكرية، لا زالت تعرف باسم “قلعة سمعان” ودير سمعان وهي من الأماكن الأثرية المسيحية الهامة في السياحة الدينية المسيحية. ا
بدئ العمل في بناء الكنيسة عام 476م وأنجز في عام 490م أي أنه استمر حوالي الأربع عشر عاماً وتعتبر هذه الكنيسة أحد الإنجازات المعمارية الرائعة التي حققها الإمبراطور زينون في عهده، وقد أنفق في بنائها الأموال الكثيرة
بنيت الكنيسة على شكل صليب يتوسطه العمود الذي كان يعيش فوقه القديس سمعان (ومن هنا لقب بالعمودي) وفي نهاية القرن الخامس أقيمت بعض الأبنية حول الكنيسة سخرت لخدمتها ومن أهمها بناء المعمودية وبعض المنازل لتكون سكناً للرهبان وطلاب العلم.
في الفترة الممتدة بين 526 و528 مسيحية تطورت المنشآت هذه ونمت، بعدها مباشرة ضربت سلسلة من الزلازل المدمرة سورية الشمالية اوقعت أضراراً كبيرة في المدن الهامة كحلب وأنطاكية وسلوقيا، كما أحدثت أضراراً بالغة بكنيسة سمعان الكبرى.
وعند فتح سورية بيد المسلمين ابقوا دير القديس سمعان مع كنيسته الكبرى بيد المسيحيين كما ابقوا الكنائس والاديار التي وقعت المناطق والمدن التي فتحت صلحاً فبقت الكنائس والاديار بيد المسيحيين ولو الى حين والكثير منها تحولت الى مساجد وتكايا ومدارس دينية اسلامية وتدل عليها وبشكل بين ابنيتها وواوابدها…
وعندما ضعفت الدولة الإسلامية وتمزقت استطاع الروم البيزنطيين استرجاع كنيسة سمعان وحصنوها وبذلك تحولت إلى مايشبه قلعة حصينة، ومنذ ذلك الوقت أصبحت تعرف احياناً باسم قلعة سمعان وخاصة من يود سلخ صفة الدير عنها.
بقي الدير بيد البيزنطيين قرابة القرن تشكل حصناً منيعاً من الحصون الدفاعية أمام حدود إمارة حلب الحمدانية، في أثناء هذه الفترة رصفت ارضية الكنيسة بالفسيفساء وأجريت بعض الترميمات، وهذا ما تشير إليه الكتابة التي وجدت على الفسيفساء التي اكتشفت في أرضية الكنيسة إذ تذكر أن الإمبراطور باسيليوس الثاني (976-1026مسيحية) وأخاه قسطنطين الثامن (976-1028م) قد قاما برصف الكنيسة بالفسيفساء وإجراء بعض الإضافات والإصلاحات فيها
في عام 986م تمكن الأمير الحمداني سعد الدولة ابن سيف الدولة من استعادة دير القديس سمعان بعد حصار استمر ثلاثة أيام، وفي مطلع القرن 11المسيحي تمكن الفاطميون الذين سيطروا على سورية الشمالية وقتذاك من السيطرة على دير مار سمعان العمودي بعد ان استماتوا في فتحه وكان ذلك السنة 1016 مسيحية.
بعد هذا التاريخ لم يعد للقلعة أهمية عسكرية وهجرت تدريجياً، سكنها في القرن السادس عشر أحد المتنفذين الأكراد وأقام في الضلع الشرقي من الكنيسة الكبرى طابقين، كما سكن المعمودية متنفذ آخر من المناطق المجاورة. إلى أن قامت السلطات الأثرية بإفراغها والاعتناء بها…
أقسام كنيسة دير مار سمعان
1- الكاتدرائية او الكنيسة الكبرى.
2- الكنيسة الصغرى او كنيسة المعمودية
1- الكاتدرائية
تحتضن كنيسة مار سمعان العمودي العمود الذي نسك عليه القديس سمعان العمودي في منتصف البناء المثمن الشكل والذي
تلتقي فيه أربعة كنائس لتشكلصليباً، وتبلغ مساحة الكنيسة خمسة آلاف متر مربع.
تتشابه الكنائس أو الأضلاع الغربية والشمالية والجنوبية من حيث الحجم بالنسبة إلى قاعدة عامود القديس، أما الضلع الشرقي فهو أعظم تلك الكنائس سعة وأجملها زينة وأهمها شأناً وأطول من بقية الأضلاع، وليس على خط مستقيم تماماً مع الضلع الغربي وإنما ينحرف قليلاً إلى الشمال ذلك أن الجهة الشرقية من قاعدة عامود القديس سمعان المربعة غير متجهة تماماً نحو الشرق، فاقتضى الأمر إلى إمالة الضلع الشرقي بكامله نحو الشرق.
لقد تميز الضلع الشرقي عن بقية الأضلاع أو الكنائس لكونه كان الكنيسة الرئيسة، ففيها كانت تقام القداديس والصلوات الاحتفالية أيام الآحاد والأعياد، ويشترك فيها أهل الدير والحجاج على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم، في حين كانت تفتح الكنائس الثلاث الأخرى يومياً أبوابها لجماهير الحجاج وكان كل فريق يصلي بلغته الخاصة.
في البناء
بنيت الكنائس الأربعة أي أضلاع الصليب على النمط البازيليك أي على شكل رواق واحد مقسوم إلى ثلاثة أسواق بواسطة ثمانية قناطر محمولة على تسعة أعمدة، وبهذا فإن الكنيسة تشمل على جميع أنماط البناء البازيليك والمثمن والمصلب معاً في آن واحد.
مدفن الرهبان
يعود بناؤه إلى نهاية القرن الخامس المسيحي، ويقع في الشمال الشرقي من الكنيسة الكبرى قرب السور الشمالي، وهو عبارة عن غرفة مستطيلة الشكل نحتت في الصخر، وتضم في كل من جدارها الشمالي والجنوبي ثلاثة قبور، وفي الجدار الشرقي قبرين فقط، وقد جوفت ارض هذه الغرفة بقبو حفر بكامله في نفس الصخرة بغية وضع عظام المتوفين من الرهبان بعد إخراجها من القبور التي في الجدران، وهناك قبر تاسع خارج الغرفة محفور في سور الدير الشمالي.
دير الرهبان
يشكل بناء الدير الملحق بالكنيسة مع ضلعيها الشرقي والجنوبي باحة مستطيلة، ويتألف من بناء ذي طبقة أرضية وطبقتين علويتين فوقها، خصص جزء من الطبقة الأرضية إسطبلاً للحيوانات، وقد أضيفت بعض الجدران في القرون الوسطى
كانت إقامة الرهبان في الجهة الشرقية منه وقامت إلى الجنوب الشرقي لضلع الكنيسة الكبرى كنيسة صغيرة أو مصلى خاص بالدير يستعمل لصلوات الرهبان اليومية، وهي من طراز البازيليك المؤلف من بهو رئيسي في الوسط وبهوين جانبيين يفصل بينهم أعمدة وأقواس.
الحنية كالعادة باتجاه الشرق وجد في الزاوية الجنوبية الغربية من الكنيسة حجر كبير بديع الزخرفة ربما كان غطاء جرن المعمودية المستعمل لعماد الأطفال آنذاك، وفي الباحة الفاصلة بين الدير والكنيسة الكبرى وفي طرفها الغربي تقوم منصة صخرية كأنها أعدت للوعظ، بينما توجد أحواض صخرية خارج الواجهة الغربية لكنيسة الدير لعلها كانت تستعمل معاصر لصناعة الخمور أو زيت الزيتون، وتبلغ مساحة الدير مع باحته والمقبرة خمسة آلاف متراً مربعاً.
2- كنيسة المعمودية
تتألف من بناء مربع أقيم في وسطه مثمن في جهته الشرقية حنية في أسفلها حفرة مستطيلة بدل الجرن لمعمودية البالغين، وهي مكسوة بالقرميد الأحمر ولها دَرَجٌ في الشمال وآخر في الجنوب للنزول فيها والصعود منها، وهناك قناة لتجري إليها المياه، وبعد المعمودية كان الجميع يتوجه إلى الكنيسة الملاصقة لهذا البناء من جهته الجنوبية حيث كان يتم استكمال طقس المعمودية،
والتثبيت بالميرون المقدس والمناولة المقدسة وقص شعر المعمود
وتبلغ مساحة كنيسة وبيت المعمودية مع ملحقاتها ال2000 متراً مربعاً
خاتمة
تعتبر كنيسة القديس سمعان العمودي بحق جوهرة كنائس المدن المنسية، ومن أجمل روائع الفن ومن أضخم وأروع الكنائس التي بنيت في العالم وهي مقصد السياحة الدينية المسيحية في سورية من كل العالم.