أضواء على جنسية ولغة الرب يسوع
يتضمن هذا البحث
- مقدمة في تاريخ الكنيسة الأم وفي تراثها.
- نبذة في جنسية الرب يسوع وما قيل فيها.
- ما قيل في اللغة التي تكلمها الرب يسوع وخاطب بها الناس.
4- خاتمة
مقدمة في تاريخ الكنيسة الأم وفي تراثها
قبل ولادة الرب يسوع بقليل صدر أمر من أغسطس قيصر بإجراء إحصاء “بان يكتتب كل المسكونة”، وكانت المسكونة تعني في تلك الأيام الأمبراطورية الرومانية. وقد اكتتب رعايا هذه الأمبراطورية في مناطقهم وكان منهم العذراء مريم وخطيبها يوسف، ولابد من أن الطفل الإلهي اكتتب هو أيضا فيما بعد.
أما الرسول بولس فعلى الرغم من كونه يهودياً هو أيضاً، إلا أن رعويته كانت تختلف إذ كان من مواليد طرسوس ويتمتع بالجنسية الرومانية من الدرجة الأولى.
على أية حال لقد كانت وحدة الأمبراطورية وإزالة الحواجز بين البلدان التي تتشكل منها، ووجود اليونانية اللغة العالمية الموحدة، من العوامل التي يسرت بشارة الرسل، وساعدت على تأسيس الكنائس الأولى التي تكلمت عنها أسفار العهد الجديد مثل أورشليم، دمشق، أنطاكية، غلاصة، أفسس، تسالونيكية، كورنثوس،… وعلى الرغم من الصعوبات الهائلة والمقاومات الرهيبة من اليهود ومن الوثنيين وفيما بعد من السلطة نفسها، امتدت البشارة الإلهية بقوة الروح القدس، ومن دون توقف الى كل الأقطار والمناطق في اوسع إمبراطورية عرفها التاريخ، مع العلم أن جميع أعضاء الكنائس التي تأسست ظلت تجمعهم زمنياً، رعوية واحدة هي المواطنة الرومانية على الرغم من الاختلاف في درجاتها والظلم وسوء المعاملة الذين كانت الإمبراطورية تحكم بها في تلك الأيام.
إلى ذلك فإن وجود جميع هذه الكنائس في إطار إمبراطورية واحدة سهل لها الإيمان بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسوليه، بغض النظر عن انتماءاتها الأممية والاثنية والاجتماعية المختلفة ولغاتها الخاصة المتعددة والقول مع الرسول بولس
” ليس يوناني ويهودي ختان وغرلة اسكيثي أو بربري عبد وحر… لأنكم جميعاً واحد في المسيح يسوع.”
إلا أن الانقسامات في هذه الكنيسة المدعوة رومية لم تأت من الاختلافات الأممية والاجتماعية بمقدار ماأتت من الهرطقات والبدع التي سبق وحذر منها السيد والرسل وصارعتها الكنيسة بدون هوادة وبمعونة الروح القدس منذ القرن الأول إذ لم يكن الهدف الحفاظ على وحدة الكنيسة فحسب بل وعلى صحة الإيمان الواحد الذي تسلمته جميع الكنائس الأولى من الرسل.
وتجدر الإشارة إلى أن الاضطهادات المريعة التي شنها الأباطرة الوثنيون لمدة ثلاثة قرون ساعدت على تقوية الشعور بالانتماء إلى كنيسة واحدة، إذ تحمل جميع أبناء الكنائس الأولى الملاحقات والشدائد والرعب والتعذيبات، وكانوا يشتركون جميعهم في تكريم شهداء الكنيسة الواحدة، في أي مكان تم استشهادهم فيه، ولأي جنس أو أمة انتموا.
من البديهي أن يؤدي رفع الأمبراطور قسطنطين الاضطهادات عن المسيحيين ورعايته الخاصة للكنيسة مطلع القرن الرابع بموجب براءة ميلانو السنة 313مسيحية إلى فرح غامر عند جميع أبنائها واستعداد أكبر لتجاوزهم فروقاتهم الأممية (وماندعوه القومية اليوم) والاجتماعية وقبولهم به طوعياً كأب وراعٍ للجميع، خصوصاً أنه ألغى من قوانين الدولة التأثيرات الوثنية من ظلم وعقوبات وحشية، وأدخل فيها ما يقترب من وصايا المسيح في العلاقات العائلية والاجتماعية، وقد زاد من تقديرهم له دعوته أساقفة المسكونة من سائر أقطارها وتحمله نفقات سفرهم من اجل حضور المجمع المسكوني الأول الذي انعقد سنة325 مسيحية في نيقية بآسيا الصغرى تلافياً لخطر الانقسام في الكنيسة، والإمبراطورية، الذي سببته الهرطقة الأريوسية، وقد تولت الدولة تطبيق قرارات المجمع وبهذا وضع الأمبراطور قسطنطين القواعد التي دُعيت على أساسها كل المجامع المسكونية اللاحقة لمجابهة الهرطقات الطارئة، وكما أن نقله العاصمة لم يعن بداية لإمبراطورية جديدة، وهي ما اصطلحوا على تسميتها (بيزنطية)، كذلك فإن رعايته للكنيسة الرومية، لم يَعن بداية لكنيسة جديدة، سموها أيضاً بدون حق بيزنطية أو يونانية، فمنذ البداية أي منذ القرن الأول، تأسست الكنيسة الرومية واستمرت دون أي تغيير جوهري في إيمانها أو حياتها الإلهية في القرن الرابع أو غيره ولا تزال هي هي حتى أيامنا هذه، وما أهمية بقاء الاسم الأول سوى كونه إحدى العلامات الخارجية لعدم التغيير هذا للكنيسة الأولى التي أسسها الرب يسوع والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإطار التاريخي الذي وجدت فيه.
نعطي مثالاً عن هذا الارتباط
-
تطور التنظيم الرعائي للكنيسة الأولى والمرتبط منذ البدء بالتقسيمات الإدارية للإمبراطورية الرومية القديمة، بدءاً من الأسقفيات ثم الأبرشيات وفيما بعد البطريركيات.
وقد صار عدد هذه البطريركيات رسمياَ، خمساً متطابقة مع المراكز الإدارية الكبرى للإمبراطورية الرومية، وهي بحسب الترتيب: رومية القديمة العاصمة الاولى، رومية الجديدة القسطنطينية العاصمة الامبراطورية الجديدة، الإسكندرية عاصمة مصر ووادي النيل وكل الشمال الافريقي وقرطاج ، أنطاكية عين الشرق وعاصمة الشرق كله وكانت دمشق تدخل تحت ولايتها وبالغم من كونها العاصمة الأساس، أورشليم لقدسيتها كونها بلد الرب يسوع الارضي.
وقد جاء هذا الترتيب الاكرامي بسبب المراكز الإدارية للإمبراطورية وليس لأي سبب آخر، وهو ما تشهد عليه بوضوح قوانين المجامع المسكونية. والواضح أن توقف الاضطهادات هو الذي يسّر نمو انتشار الهرطقات التي زرعت النزاعات والانشقاقات في أرجاء الأمبراطورية الأمر الذي اوجب على أباطرتها الدعوة إلى عقد المجامع المسكونية كان من هذه المجامع(المجمع المسكوني الثالث أفسس 431 مسيحية) الذي حكم على هرطقة نسطوريوس، مما أسفر بالنتيجة عن انفصال الكنيسة النسطورية ( المعروفة اليوم بالكنيسة الآشورية) التي شجعتها الدولة الفارسية ضداً لعدوتها الدولة الرومانية ووليدتها الرومية. والمجمع المسكوني الرابع المنعقد في خلقيدونية السنة 451 للرد على هرطقة اوطيخا.
وللأسف فقد أدت هذه الانفصالات إلى تشكل كنائس مستقلة حاولت أن تتخذ صفة قومية رافضة بآن معاً للدولة الرومية التي تعتبرها مستعمِرة للمنطقة وضداً لقرارات مجمع خلقيدونية “المحكوم بأمر الملك الرومي”، متهمة شقيقتها بالخضوع لارادة الملك الرومي نظراً لتوافَقَ معتقدها بالطبيعتين والمشيئتين مع معتقد الدولة البيزنطية، وأطلقت عليها بتهكم صفة “ملكية” أي الخاضعة لمشيئة الملك الرومي… وقد ردت عليها تلك بأن لقبتها بلقب اللاخلقيدونية ( لعدم خضوعها لمقررات خلقيدونية) وكنيسة اليعاقية مثلاً نسبة الى يعقوب البرادعي، وهذه الكنائس الشقيقة كانت القبطية والسريانية الخاضعة للحكم الرومي إضافة إلى الأرمنية والحبشية التي تقع خارج حدود الدولة الرومية. ومن المؤكد أن الرافضين لقرارات المجمع لم يكونوا حصراً من أبناء الشعوب التي تنتمي إليها الكنائس المذكورة بل كانت هناك غالبية كبيرة في غرب وشرق الأمبراطورية قبلت قرارات المجمع المذكور ليس فقط من الرومان أو من اليونان بل من جميع الشعوب دون استثناء كشعوب تلك الكنائس الشرقية ذاتها المشار إليها والتي هي على سبيل المثال لا الحصر، كان الموارنة ذوو الأصل السرياني منها.
وللتأكيد على حقيقة أن أبناء الكنيسة الرومية كانوا من جميع شعوب الأمبراطورية الرومية قاطبة، نشير إلى أن اللغات المستعملة في طقوس الكنائس المحلية لم تكن فقط اليونانية واللاتينية بل وأيضاً لغات الشعوب الأخرى، وقد بقي هذا التنوع اللغوي في القسم الشرقي من الأمبراطورية بعد قرون من انفصال الكنائس المذكورة، ولا يزال حتى اليوم. ويشهد على ذلك مثلاً، في التراث الأرثوذكسي الأنطاكي، بعض الموجود في دائرة الوثائق البطريركية في بطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس وفي الأديار البطريركية من المخطوطات والكتب الليتورجية الرومية كالقداس الإلهي لباسيليوس الكبير ويوحنا الذهبي الفم والمكتوبة باللغة السريانية (اللغة المشتركة لكثير من الشعوب وهي اللغة الطقسية للكنائس الشرقية كالآشورية والكلدانية والسريانية واللغة الكرشونية المستخدمة في الكنيسة المارونية الشقيقة رغم اختلاف كل هذه الكنائس في العقيدة) وكانت تتلى في الكنائس الأرثوذكسية في معلولا، وعين التينة وبخعا قبل إسلام الأخيرتين من منتصف القرن 18 وحتى أوائل القرن 20 ولا تزال اللغة السائدة في هذه القرى هي الآرامية ( أم السريانية). مما يفرض القناعة ان مجرد التكلم بالسريانية لايعني بالضرورة ان المتكلم سرياني العقيدة، بل يتوجب ان يكون العكس اي سرياني العقيدة ويصلي بلغة كنيسته.
من هنا يمكننا القول أن من ظلوا يُسموَنَ (روم) حتى اليوم هم من جميع شعوب الكنيسة الرومية الذين قبلوا بالمجامع المسكونية السبعة مع غيرها من مجامع محلية وقوانين الرسل وقوانين …من أصول التراث الرومي، ونكرر بان اسم (ملكيون) الذي شاع قديماً في فترة ما، لم يطلقه الخلقيدونيون على أنفسهم بل كان نعتاً تهكمياً أطلقه عليهم أبناء الكنائس الشرقية اللاخلقيدونية لخضوعهم للملك وإرادته في قرار مجمع خلقيدونية. وفي الحقيقة فإن إيمان الكنيسة الخلقيدونية قائم على ما وضعه الرب يسوع وعلى نهجه الذي سار عليه قديسوها وشهداؤها الذين ظللهم المعزي روح الحق.
هذه هي ذاتها هي الكنيسة الأولى الجامعة التي نشأت في القرن الأول بعد قيام الرسل بتبشير جميع أقطار وشعوب الأمبراطورية الرومانية وتوغلهم في شرق آسية وشرق أوربة وكان تراث هذه الكنيسة الإيماني هو تراث كل هذه الشعوب. وبالنسبة إلى بطريركية رومه القديمة فهي لم تستمر في الانتساب إلى الأمبراطورية الرومانية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية (رومه الجديدة) لان القسم الغربي من هذه الأمبراطورية بدأ يقع تدريجياً تحت سيطرة القبائل الجرمانية كالقوط والإفرنج واللومبارديين والأنكلوسكسون…بدأ من سنة 471 مسيحية بعد سنة من سقوط رومة العاصمة والدولة والكنيسة بيد البرابرة الجرمان الأمر الذي أدى منذ ذلك الحين إلى بداية انفصال، وتنازع سياسي وعسكري بين إمبراطورية الروم القديمة اي الرومانية، وما يتشكل في الغرب من دول وإمبراطوريات.
وعندما تحول المحتلون الجدد عبر قرون إلى المسيحية بعد أن كانوا في معظمهم وثنيين أو آريوسيين انتقل النزاع إلى الصعيدين اللاهوتي والكنسي، ولاسيما بسبب ابتعادهم عن منابع التقليد الرسولي، كل هذه الأسباب أدت في النهاية إلى الانشقاق الكبير بين الكنيستين الذي كان بدأ في مستهل القرن التاسع، وتثبت سنة 1053 بحرم متبادل بين رومه والقسطنطينية.
أما صفة (أرثوذكسية) والتي تعني استقامة الرأي فكانت ومنذ البدء ( ولاتزال) تضاف/ ليس من باب الطائفية/ إلى عقائد الكنيسة لتؤكد استقامتها وصحتها بالمقارنة مع الآراء المنحرفة التي يروج له المبتدعون الخارجون عن المجامع المسكونية السبعة، ثم صارت صفة للكنيسة ذاتها وهي الكنيسة المحافظة على استقامة الإيمان ونقاوته، وخاصة بعد الانشقاق الكبير 1053.
من هو السيد يسوع المسيح؟ ما هي صفته؟ ما هي جنسيته ولغته؟
يقول كلّ منا معلناً إيمانه: “أؤمن…” وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، اله حق من اله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر…”
هذا هو إيماننا الذي نعلنه بصوت متفق في كل صلاة معترفين بربنا وبأنه أسس كنيسته على الأرض والتي أبواب الجحيم لم ولن تقوَّ عليها”، وقد دفعت ضريبته مئات الألوف من الشهداء عبر التاريخ ولم يكن آخرهم (الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي عام 1860 ورفقته وكانوا ألوفاً مؤلفة استشهدوا في دمشق وبلاد الشام وروُوا تربتها من دمائهم الطاهرة دفاعاً عن إيمانهم بالرب يسوع وعن مسيحية ارض الشام وعاصمة كرسيها دمشق).
يسوع هو الكلمة التي بشر بها الملاك جبرائيل الفتاة اللطيمة مريم فأبدت خضوعها العبودي للرب: ” ها أن أمة للرب” وتنبأت “بان جميع الأجيال تغبطها”، فحملته في أحشائها وأنجبته طفلاً بالجسد عاش وترعرع بين ذويه وأقاربه، وامتهن حرفة مربيه يوسف (النجارة)، حتى كان وقت الخلاص فساح في اليهودية مبشراً باقتراب ملكوت السموات، ومنذراً هذا الشعب الردئ هذا الشعب الذي حكم عليه بالموت مؤكداً بأن دمه عليهم وعلى أولادهم من بعدهم.
أو هل يعني ذلك أن المسيح كان الابن البار لإسرائيل وفق قول البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عام 1997 في زيارته إلى البوسنة، والتي أتت بعد اعتراف الفاتيكان بإسرائيل كدولة واستقباله في الفاتيكان لاحقاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي (وقتئذ) الحالي بنيامين نتنياهو. ومن ثم قوله في عام 1998 أنه يجب على الكنيسة المسيحية، ويقصد الكنيسة الغربية، أن تقدم اعتذاراً لليهودية على ما فعلته بها عبر التاريخ.
وكان البابا الأسبق بولس السادس قد برأ اليهود من دم السيد المسيح في عام 1967، وفي كل مرة كانت تتعالى الأصوات الرافضة من مسيحيين ومسلمين والمحتجة على هذه التبرئة، وأصوات مستحسنة من إسرائيل.
لغة الرب يسوع
تعالت الأصوات، فأكد بعضها أن الرب يسوع من سورية القديمة، وقد تحدث باللغة الآرامية كما ذكر أنطون سعادة وبالتالي هو لم يكن إسرائيلياً.
قال البطريرك السرياني الأرثوذكسي الراحل زكا في عيد الفصح عام 1997 رداً على هذا القول: ” المسيح جاء من أجل الرجاء ولم يأت ليبرر عدواناً أو ليقيم شعباً فوق الشعوب ولن يستطيع أحد أن يحتكره، وظهر في بلادنا بلاد الشام وتكلم لغتنا الآرامية السريانية لغة سورية القديم،ونحن نعتز به ولن ينجح أعداؤه في سرقته منا ولا تشويه طبيعة رسالته.”
كما دوّى صوت بابا الأقباط الأرثوذكس الراحل شنودة قائلاً: ” إسرائيل في التاريخ كانت مجرد رمزٍ وانتهى… أقصد كانت أيام الأنبياء، الشعب الذي يعبد الله في ظل الأنبياء في وجود الوثنية…ولكن بعد الإيمان الذي يغطي اليوم معظم أنحاء الأرض فإن الرسالة القديمة انتهت وإسرائيل لم تعد شعب الله المختار،شعب الله اليوم كل من يؤمن به.” وقد قال مضيفاً: ” أن لا استطيع أن أحكم على اتجاهات بابا رومة… ولكن هذا الإتجاه هو غير اتجاه المسيحيين في الشرق جميعاً. وكان موقف كنيستنا الأرثوذكسية واضحاً في تأكيد مطران جبل لبنان المعلم جورج خضر:”بأن دولة إسرائيل هي من صنع الصهاينة ولا علاقة لها بكلمة إسرائيل الواردة في العهد القديم…”، ولكنه قال عن الجدل بخصوص هوية السيد المسيح: ” الكنيسة المسيحية لا تبحث في القوميات، وبالتالي لا تنسب المسيح إلى قومية ما، السؤال: المسيح يهودي أم غير يهودي؟ طبعاً يهودياً، هذه ولا تحتاج إلى بحث، القرآن يقول ذلك…
المسيح بجنسه، بلحمه، بدمه، منحدر من امرأة يهودية ينسبها العهد الجديد إلى داود وبولس الرسول ينسبها إلى داود، والناس كانوا يخاطبون المسيح ويتوجهون إليه على أنه ابن داود.
القول أن له قومية، أو أن فلسطين كانت جزءاً من سورية أو غير ذلك – هذا بحث انطلق في القرن العشرين ولا وجود له في تلك الأيام…”
وأضاف المطران خضر رداً على قول قداسة البابا: “إن الفاتيكان دولة تعترف بإسرائيل هذا لا يروق لنا نحن العرب، هي لها مبررات ولكننا نحن الأرثوذكس لا نوافق على مضمون الحوار القائم حالياً حول العهد القديم بين المسيحية الغربية ( الكاثوليكية والبروتستانتية ) واليهودية أن الفكر الغربي يقول أن العبرانيين لا يزالون شعب الله بينما الفكر الأرثوذكسي يقول:هذا تحديد أو مصطلح في الكتاب المقدس وهذه التسمية انتقلت إلى كل من يؤمن بالله…”
وتابع المعلم جورج خضر بالقول:”…هذا الصراع يتجلى بشكل خاص الآن في موقف الكنيسة الأرثوذكسية الأكثر وعياً لمفهوم تخطي المسيحية الديانة اليهودية التي أنجزت رسالتها وتقوقعت على ذاتها فجاءت الكنيسة الأرثوذكسية وتجاوزتها، نحن غير راضين عن هذا الاختلاط الكبير الذي يقوم بين الكنيسة الكاثوليكية واليهودية الذي يحاول جعل المسيحية شعبة من اليهودية”
هنا في هذه النقطة أوضح المطران خضر أن المسيحيين العرب تحركوا كثيراً في أوساط الكنائس لتوضيح هذه الأمور حيث أكدّ أن العدو الألد لليهودية هي المسيحية، وكل هذا النبش لجثث الأموات المصلوبة الذي يقوم به علماء الآثار الصهاينة هو للإيحاء بان يسوع الناصري يجوز أن يكون بين هؤلاء المصلوبين، وبالتالي هو لم يقم من بين الأموات. وطبعاً هؤلاء العلماء مع علماء الدين اليهود وعلماء في ميادين أخرى متجهون لنقض الديانة المسيحية ولجعلها شعبة أو فرعاً من اليهودية، ومن المؤسف أن بعض البروتستانت في أوربا وأميركا يتقبلون ذلك وخاصة مع ازدياد اعداد الشيع البروتستانتية المتصهينة والمتهودة ومحاولتها بالدرهم الرنان مستغلة ذبح سورية واستمالة ابناء الكنيسة ارثوذكسية كانت ام سواها.
مع ضراوة هذه الهجمة الصهيونية ضد المسيح والمسيحية، برز المؤرخ الإسرائيلي آفي خاي من القدس ليعترف بصلب المسيح وبأنه حقيقة تاريخية. وهنا اسمحوا لي بإضافة فكرة قد تكون (عند البعض) ساذجة وهي أن المستهدف من هذه الحملة الصهيونية هي الكنيسة الأرثوذكسية والبلدان الارثوذكسية، ولنتذكر بعض ما مر في الدول الأرثوذكسية خلال القرن العشرين. أو لم تقوض الصهيونية الروسية القيصرية الروسية عام 1917 وكانت الأرثوذكسية الروسية تعد رومه الثالثة ببعدها الكنسي والقيصري الحامي للكنيسة كما كانت رومة الثانية البيزنطية، وأقامت الصهيونية الحكم الشيوعي وأعدمت الاكليروس … وأذكر وثيقة من وثائق البطريركية وهي عبارة عن رسالة من رئيس الأمطوش الأنطاكي في موسكو يصف فيها ممارسات اليهود وكانوا من عناصر الثورة وتدنيسهم للمقدسات والكنائس بإباحية فاضحة مع نسائهم فيها وعلى المائدة المقدسة والمذبح المقدس في كل الكنائس الروسية (وكأنهم رعاع الانكشارية العثمانيين في كنيسة آجيا صوفيا) وأخذهم المصاغ الذهبي الموجود في هذه الكنائس لزوجاتهم.
أو لم تحاول الماسونية ( شقيقة الصهيونية ووجهها الآخر) شرخ بطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس إلى قسمين بتشجيع من الانتداب الفرنسي بعد وفاة البطريرك غريغوريوس الرابع فيما دعيت الأزمة البطريركية من 1928 – 1931 إلى قسمين سوري ولبناني وذلك لتفتيت الموقف الأرثوذكسي الوطني الرافض للانتداب بما في ذلك مساعدة الثوار السوريين ميدانياً في الغوطة وسواها.
أو لم تُشن حرب إبادة بحق الصرب الأرثوذكس من قبل الألمان النازيين وحلفائهم الكروات والبوسنيين في الحرب العالمية الثانية أبادوا فيها أكثر من مليون ونصف صربي لا تزال إلى الآن بقاياهم في مقابر جماعية ولكن العالم سكت عنهم، ثم تدخلت أميركا والأطلسي فقضوا على يوغوسلافيا السابقة وفتتوها وشنوا الحرب نفسها على الصرب بشكل ممنهج وأكثر فتكاً، وقلبوا الحقائق فجعلوا الكروات والبوسنيين مجدداً ضحايا للصرب بكذبة مهولة، وهذه هي الذريعة التي دخلوا بموجبها إلى البوسنة وأقاموا دولاً اسلامية في البوسنة والهرسك وكوسوفوواصول هؤلاء تعود الى الاتراك الغزاة، فأصبح الصرب لاجئين في وطنهم الأساس في كانتونات بحماية من القوات الدولية الغازية التي دّمّرتهم، ولكن الأشد إيلاما أن الضحايا الصرب على يد الكروات والبوسنيين الذين يقدر عددهم بمئات الألوف أيضا دفنوا في مقابر جماعية وبالمقابل وقف العالم ولم يقعد تجاه المجازر الصربية بحق البوسنيين والتي اعتبروها مجازر طائفية، وقد اتهموا وقتها في شتى وسائل الأعلام الأجنبية المدارة صهيونياً الكنيسة الصربية بأنها هي التي أفتت بهذا الفتك وباغتصاب البوسنيات… وبكل الأسف انقادت معها وسائل إعلام عربية وإسلامية وكان منها وخلافاً لنزاهة الإعلام السوري، صحيفة سورية محلية أدرجت مقالاً لصحفي سوري تبين لاحقاً انه اختلسه حرفياً من صحيفة إماراتية اتُهمت فيه الكنيسة الأرثوذكسية الصربية بأنها وراء حوادث القتل للبوسنيين وحوادث الاغتصاب للنساء البوسنيات وأن المستند في هذه المنكرات فتوى أصدرتها بطريركية الصرب على حد ادعاء المقال وكاتبه، فرددنا عليه وقتها باسم البطريركية الأنطاكية ورفعنا الأمر إلى القيادة السياسية الحكيمة في سورية والى وزارة الإعلام موضحين كذب وافتراء المذكور، وطالبنا بنشر تكذيبنا لمنع أية حساسية في الشارع السوري وتم إجراء ما يلزم بحق الصحفي المذكور.
أو لم تُستهدف روسيا الاتحادية بحرب انفصالية شيشانية، صُورت على أنها عدوان مسيحي أرثوذكسي روسي على الشيشان المسلمين، في حين انها كانت حرباً قومية بين قوميات وأعراق تتنازع أرضاً واحدة وتدعى كل منها حقها وحدها بها، كما جرى في يوغوسلافيا السابقة ولكن تبين فيما بعد ان من هو وراء الانفصاليين الشيشان وممولهم كان ذاك الملياردير اليهودي الروسي… وان الذي ا كان قد أسهم في تفكيك الاتحاد السوفييتي البابا الراحل يوحنا بولس الثاني والولايات المتحدة الأميركية. ولكل دوافعه وذرائعه. ولكن الخطاب الديني يبقى هو الفاعل في أرضية التعدد الديني والمذهبي، ليس بين الأديان المتعددة فقط بل وبين طوائف ومذاهب الدين الواحد كما هو حاصل اليوم… وما فعله دعاة الربيع العربي بتدبير الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفيفي ليبيا وتونس والجزائر والعراق وفي سورية التي ذبحها الارهاب والتكفير وتهجير المسيحيين بالتعاون مع دول غربية وهذا ما تعزف عليه الصهيونية العالمية لتفكيك العالم والسيطرة عليه ولافراغ الشرق المسيحي الاصيل من مسيحييه.
أو لم تقسم الجزيرة القبرصية من قبل الغزاة الأتراك 1974، وتركيا الحليف الاستراتيجي لإسرائيل في الشرق الأوسط.
وكان المستهدف في كل ما جرى ويجري هو العالم الأرثوذكسي كنيسة وشعباً ومقدسات وهاهي الكنائس والأديار في كل تلك المناطق التي أتينا على ذكرها خربة ينعق فيها البوم ومدنسة…تذكروا معلولا والقلمون وحمص وادلب وحلب والرقة ودير الزور وكسب وحماة والجولان… لماذا؟ لأن الأرثوذكسية وقفت مدافعة عن عقائدها وحافظت عليها نقية عبر 20 قرنا المنصرمة، ولم تتهود، كما حصل لشقيقتيها الكاثوليكية التي تغيرت مواقفها نحو اليهود بتبرئتهم من دم السيد المسيح، والبروتستانتية وخاصة في أميركا والغرب التي تستمتع بلقب المسيحية المتهودة بفرقها ودكاكينها المعروفة وفي مقدمها شهود يهوه والسبتية والاتحاد المسيحي”اصطلاحاً كنيسة يسوع نور العالم” والمعمدانية… الخ والتي كادت ان تفرغ سورية من مسيحييها بتهجير منتظم طيلة ثماني سنوات كما فعلت قبلا في العراق وقبلها في لبنان… وانحيازها الباطني المطلق لإسرائيل ضداً لحق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وإقامة دولته المستقلة فيه، وهي دينياً لا تأخذ من المسيحية إلا بعض من الاسم فقط، ولكنها ظاهرة أمام العالم الإسلامي بشكل يؤكد ان المسيحية عدوة للإسلام. ومعروفة التداعيات التي نشأت اولاً في العراق بقتل المسيحيين وتهجيرهم من وطنهم الذي عاشوا فيه بجذورهم الآشورية منذ آلاف السنين والحال عينه في مصر حالياً… وماعشناه في سورية طيلة ثماني سنوات عجاف…
ولا نعلم ماذا يخبئون لها بعد كل ما مر عليها في هذه الحرب الشعواء ولا ما الذي يخبئه لها رأس المال الصهيوني. إن المطلوب هو اختراقها وتهودها لخدمة المخطط الصهيوني، أو اقتلاع أبنائها من أوطانهم بتخويفهم من الشقيق في الوطن، ولكنهم واعتماداً على تاريخهم فهم طليعة ونخبة وطنية تسهم مع هذا الشقيق أياً كان دينه أو مذهبه في بناء الوطن وهذه هي حالنا في وطننا الحبيب الجريح سورية بالرغم مما جري ويجري للمسيحيين فيها وفي المشرق.
جنسية الرب يسوع
حول جنسية الرب يسوع قال بطريرك اللاتين (السابق) في القدس ميشيل صباح:
” يسوع يهودي ولكن شعبه تركه رفضه (جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله) ويقول يسوع نفسه “يأتون من المشارق والمغارب ويأخذون مكان إبراهيم وأبناء إبراهيم” إذاً نحن المسيحيين شعب يسوع نحن الذين قبلناه ونحن الذين نكمل وجوده بعد ألفي سنة واليهود حتى اليوم يرفضونه وبهذا لا يعنيني أن يكون المسيح قد وُلد يهودياً المهم ما الذي حصل بعد ذلك.”
ولكن الأب إبراهيم عياد وهو ابرز كهنة البطريركية اللاتينية في القدس وكان مستشار الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات لشؤون الفاتيكان والمسؤول الثقافي لمنظمة التحرير الفلسطينية في أميركا الجنوبية يرى أن المسيح هو فوق الجنسيات الأرضية، علماً أنه ولد وبشر في فلسطين وهناك تألم وتعذب وصلب بالجسد وهذا يجعله أقرب لأن يكون فلسطينياً.”
أعجبني جداً قول الأب عياد التالي:” كانت يهودية مريم العذراء حقيقية، ولكنها صارت أعلى من هذا لأنها أم الله ولهذا لا يمكننا أن نعطيها جنسية أرضية يهودية، عربية أو فلسطينية هي أعلى من هذه الأشياء الصنعية الوطنية.”
وأضاف:” فالمسيح ولد عندما كان في فلسطين يهود رغم أننا نقدر كلام البابا إلا أننا نعتبر أن المسيح لا يحمل أي جنسية فهو أعلى من كل الجنسيات.
لقد كان في فلسطين يهود ولكن، جاء الفلسطينيون قبل اليهود من قرية قرب كريت وسكنوا في الشواطئ الممتدة من عسقلان إلى عكا وأعطوا اسمهم لفلسطين قبل مجيء إبراهيم وعشيرته إليها من أور الكلدانيين في بلاد مابين النهرين.
السيد المسيح لا تحدده أي جنسية ولا أي لغة هو أسمى من أن يكون يهوديًا أو فلسطينياً أو من أي جنسية أرضية لأنه سماوي فهو ملك السماوات والأرض هو الإله غير المحدود” وتابع: ” المسيح لم يتقيد بشعائر يوم السبت بل نقضها لأن الشريعة للإنسان. يحاول أتباع ديانات العهد القديم تفسير كل حادث في حياة السيد المسيح بأنه يتمم دينه على أساس أنه المسيح المنتظر وأنه به تتم نبؤات العهد القديم وفي مختلف اللغات القديمة.
يوحنا ومرقس ولوقا كتبوا بشارتهم باليونانية حتى متى كتب باليونانية والآرامية أن اللغة التي كانت تتداول هي الآرامية ولكنها أي الآرامية ليست لغة قومية، إن الذي يعطي القومية هو المكان أو الأرض التي عاش فيها واللغة هي التي تحدد المكان والمسيح عاش في فلسطين وتحدث بلغتها هذه التي يفاخر الفلسطينيون بأنها الفلسطينية المحكية وهي الآرامية وقد تداخلت فيها مؤثرات فلسطينية. وختم الأب عياد قوله:” بان اليهود يعتقدون أن المسيح لم يجيء والذي جاء كان هو المسيح الدجال.”
ونحن نقول قول الأب عياد ونضيف عليه ان يسوع تكلم كل اللغات المحكية على الارض الفلسطينية فتحدث باليونانية كما الآرامية كما اللاتينية… ولوكان يسوع حل في وسط افريقيا لتحدث بلغاتها وهذا لايكسبه جنسية اللغة التي تحدث بها، بالعكس فان المكان تقدس مع اللغة بتحدث الرب يسوع بها.
أما في الإسلام
فجاء في سورة آل عمران حول البشارة: “إذ قالت الملائكة يا مريم أن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين”.
إذن عيسى المسيح هو نبي الله وقد شّرفه الله في خلفه بنسبته إلى نسبة تشريف لا نسبة قرابة، ولا نسبة أبوة: “ونفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين”.
الروح هو جبريل وهي من أسمائه ونسبته لله هي نسبة تشريف كما في نسبته، إن الإنسان ينتسب إلى العشيرة التي منها أبوه وما كان لعيسى أن ينسب إلى أب ولا إلى عشيرة، فلا أب له يصله بنسبه إلى الناس، وقد هيأ الله ولادته من أم من غير وطءٍ ولا حَمْلٍ كما تحمل النساء، إنما كان كلمة الله وقولة الحق والمعجزة الإلهية الكبرى، وأي شرف أعظم من أن يكون عيسى آية من آيات الله الدالة على قدرته الباهرة فتكون نسبته إلى الله كنسبة آياته ومعجزاته التي لا حصر لها ولا عد.
أما في اللغة التي تكلم بها الرب يسوع فكانت الآرامية، فمن هم الآراميون؟
الآراميون
هم أقوام عربية تدعى اخلامو خرجت من بادية الشام وتوطنت في أطراف البلاد وفي وادي الفرات حوالي 1500ق.م وهي الموجة السادسة من عشر موجات أو هجرات عربية قديمة خرجت من جنوب الجزيرة العربية بنتيجة القحط والجفاف وضغط القبائل القوية إلى مناطق في بلاد الشام والرافدين أي الهلال الخصيب إضافة إلى وادي النيل وقد أسس الآراميون مجموعات من ممالك المدن من أهمها حامات (حماه)، شمآل في أقصى الشمال، ودمشق التي تزعمت ( ديما شكي) فترة طويلة تلك الممالك ضد الأخطار الخارجية وكان من أبرز ملوكها رصين وبن حدد.
وعلى ذلك سادت هذه اللغة مناطق سورية حسب قول المطران خضر لأن كل اليهود في فلسطين كانوا يتكلمونها بينما كانت اللغة العبرية القديمة هي لغة الكتاب المقدس والتي كان لا يعرفها إلا علماؤهم، أما لغة الشعب والمخاطبة والتجارة فكانت الآرامية، وقد اتخذوها عن بلاد ما بين النهرين عند سبيهم إلى تلك البلاد، فنسوا اللغة العبرية، وعندما عادوا كانوا يتكلمون الآرامية.
وتوضيحاً لهذا القول نقول
ان اللغة الآرامية هي التي شاعت في الألف الأول قبل الميلاد في منطقة الهلال الخصيب، وحلت محل اللغات السامية البابلية والآشورية والفينيقية والعمورية والعبرانية، وكانت تعرف بالآرامية نسبة إلى بلاد آرام أي سورية، أما تغيير التسمية لاحقاً إلى السريانية، ومن آرام إلى سورية، فقد تم بعد اعتناق الآراميين للمسيحية.
أما تكلم اليهود بها بديلاً عن لغتهم العبرانية فقد كان ذلك نتيجة السبيين اللذين تعرض لهما اليهود وكان أولهما على يد الملك الآشوري صارغون الثاني في منتصف عهد الدولة الآشورية التي استمرت من 1100-612 ق.م. وثانيهما تم بيد أشهر ملوك الدولة البابلية الثانية (الكلدانية)نبوخذ نصر أو بختنصر وقد دعي هذا السبي بالبابلي وقد قضى على مملكة يهوذا عندما هاجم أورشليم وسبى اليهود الى بابل لمدة 70 سنة إلى أن قضى على هذه الدولة الملك كورش الفارسي عام 539 ق.م فأعادهم إلى فلسطين وكانوا قد تكلموا الآرامية التي سادت بقوة في الهلال الخصيب بفضل النشاط التجاري ولكونها أكثر تهذيباً من شقيقاتها الساميات حتى يمكننا القول أن جميع تلك اللغات ومنها الآرامية كانت عبارة عن لهجات عربية قديمة من جذر واحد مستمدة من موطن الهجرات العربية الأساس جنوب الجزيرة العربية، وكأنها لهجة المغرب العربي ولهجة المشرق العربي وبقية لهجات الوطن العربي حالياً، فلا يكاد الشامي يفهم اللهجة المغربية إلا بصعوبة والعكس صحيح.
وعندما قام كورش الفارسي باحتلال الهلال الخصيب جعلها اللغة الدبلوماسية ويقول مطران دمشق السرياني الكاثوليكي اقليمس داود مطلع القرن 20: ” إن العرب الشماليين تعلموا صناعة الكتابة من السريان في القرن 5 أو6، وكان الخط الكوفي واخذ عنهم اليمنيون الخط الحميري وعن الأخير اخذ الأحباش”، ويضيف مغالياً:” حتى أن الأرمنية القديمة مأخوذة عن السريانية وأن العبرانيين واليونانيين واللاتين نقلوا الكتابة من السريان، ونختم بالقول أن العقل يضطرنا أن ننسب اختراع صناعة الكتابة إلى الكلدانيين الذين هم السريان الشرقيون”. ولكن مما لاشك فيه أن هذا القول مبالغ فيه كثيراً ومحل نظر لأنه مغالاة قومية وكأن السريان هم وحدهم من كان متعلماً وفي هذا يقول كذلك اهل التلمود عن فرادة اليهود وفي هذا الصدد ينسب فيليب حتي “الأساس الذي شيدت عليه قومية الأمة السورية الحديثة بأنه اللغة السريانية أي أنها لغة لبنان وسورية وفلسطين.”
ولكن كيف وجدت اللغة اليونانية في سورية؟
يعود ذلك إلى ما يسمى حتى الآن” بالمسالة الشرقية” التي تجسد صراع الشرق والغرب والتي بدأت بما دعي “الحروب الميدية” عندما قام داريوس الأول الفارسي بغزو بلاد اليونان وقد هُزم فيها الفرس في معركتي ماراتون البرية وسلاميس البحرية وعادوا مدحورين إلى بلاد فارس ورغب فيليب المقدوني الانتقام من الفرس لكن وفاته جعلت ابنه الاسكندر يقوم بهذه المهمة، وكان الاسكندر تلميذاً للفيلسوف اليوناني أرسطو، وعسكرياً بارعاً. وكان يطمح إلى إنشاء حضارة عالمية ذات طابع يوناني وفق ما غرسه فيه أرسطو، وقد دُعيت هذه الفترة من بداية فتوحاته للشرق وحتى مجيء الرومان “بالعصر الهلنستي” أي الحضارة الشرقية اليونانية، وتابع سلوقس في سورية وبطليموس في مصر بعد وفاة الاسكندر المبكرة عن عمر 33 عاماً.
فبنى أنطاكية على اسم والده انطيوخوس مدينة أنطاكية ثم اللاذقية على اسم أمه لاوذيكياس وكذلك أفامية على اسم زوجته وابيفانيا مدينة حماه، وقليلاً قليلاً شقت اليونانية بثبات طريقها في صفوف الناس ولاسيما في المدن الكبرى سالفة الذكر أو القديمة فأضحت لغة الدوائر الرسمية والثقافة والتجارة حتى أن الآلهة اليونانية أخذت تحل محل الآلهة المحلية فحل زوس كبير آلهة اليونان محل حدد الآرامي كبير آلهة الآراميين. لا بل أن سلوقس جعل مقر هذا الإله قمة الجبل الأقرع لحفظ عاصمته أنطاكية على غرار مقر الآلهة اليونان في جبل اولمب المطل على أثينا…
ولقد تعامل سكان سورية مع اليونانيين وتعلموا لغتهم فصارت اليونانية شائعة على خلفيتهم السامية، بينما لم يتعلم اليونانيون اللغة المحلية بل تركوها لأهلها. ويذهب الأب قسطنطين باشا المخلصي إلى القول بأن سورية صارت يونانية وكذلك أهلها ولا يختلفون عن سكان بلاد اليونان، لا بل أن الأمة اليونانية جعلت مركزها في سورية بعد فتح الاسكندر لها.ولكن معظم البحاثة يرون أن العامة حافظت على لغتها الآرامية وطقوسها الدينية وعاداتها الاجتماعية ولم تذب في الحضارة الوافدة ونحن نقول أن كل الذين تهلنوا وتعلموا اليونانية، وكانوا كثراً، كانوا يهدفون الحصول على حقوق المواطنة ومنها على سبيل المثال المشاركة في الحكم من خلال المجالس الشعبية. وبذا تكون اللغة اليونانية قد تجذرت في الثقافة والآداب والفنون ولم تقو عليها اللاتينية في الفتح الروماني لبلاد الشام سنة 63 ق.م لا بل أبقى الرومان اليونانية لغة للثقافة والفلسفة وحتى للادارة واستمر ذلك الى منتصف عهد الخلافة الاموية…
وقد اشتد عود اليونانية منذ تدشين القسطنطينية في عهد قسطنطين، ثم في عهد ثيوذوسيوس الكبير، وبدأت اللاتينية بالتراجع على الرغم من أنها كانت اللغة التي كتبت بها شرعة ثيوذوسيوس في القرن السادس، وعلى الرغم من أنها كانت لغة التعليم في مدرسة بيروت الحقوقية من القرن 2 إلى القرن 6 ثم سادت اليونانية بعد يوستنيانوس ولم تعد للاتينية في الشرق أرضية مؤثرة.
وفي هذه دخلت المسيحية فكانت اليونانية احدى اللغات التي تكلم بها الرب يسوع في فلسطين، وهي بالتالي لغة التبشير فيها بطول البلاد وعرضها ولغة العهد الجديد الا بشارة متى التي كتبت بداية بالآرامية ولم ترى النور وترجمت بشارته الى اليونانية كشقيقاتها الثلاث مرقس ولوق ويوحنا واعمال الرسل والرسائل الجامعة وكانت اليونانية هي لغة البشارة والآباء والمجامع وحتى القرن 7 وبقيت سورية وفلسطين موطن أكثر الكتبة الكنسيين الذين كتبوا باليونانية وحين سقطت دمشق بيد المسلمين كانت تتحدث باليونانية بدليل كبيرها سرجون النصراني وابنه وحفيده يوحنا الدمشقي.
إلا أن هذا لا يعني انه لم تكن هناك لغات أخرى للشعوب الأخرى إن كان في حياتها العادية أو في عبادتها، ففي كنيسة أنطاكية مثلاً كانت اللغة الآرامية سائدة بين اغلب الشعوب في المنطقة الشرقية فيها واللغة العربية منتشرة في بعض المناطق، لاسيما الولاية الواقعة في جنوب سورية المسماة (العربية) وطبيعي أن يزداد هذا الانتشار بعد وصول المسلمين أن تصلنا كتابات مسيحية باللغة العربية في هذه الفترة مثل كتابات ثيوذوروس أبو قرة أسقف حران الارثوذكسي الخلقيدوني المتوفي سنة 825 م لكنها لم تبدأ في أن تصبح اللغة العامة لشعوب أنطاكية مدنياً أو كنسياً إلا في أوائل القرن 13 وكانت قد بدأت كنسياً في القرن العاشر مع الشماس عبد الله بن الفضل الأنطاكي المطران رائد التعريب في الكرسي الأنطاكي المقدس.
وكانت قلة عزيزة قد كتبت بالسريانية قبل القرن الخامس هذا إذا استثنيا الرها التي بقيت فيها السريانية غالبة.
وفي القرن الخامس انشق اليعاقبة على أثر مجمع خلقيدونية 451م فجعلوا السريانية رمزاً لفرادتهم اللغوية ولانصرافهم العقائدي عن القسطنطينية، كذلك فعل الموارنة في القرن السابع بعدما أخذوا بالقول بالمشيئة الواحدة واستبقت ذلك حركة نقل واسعة للتراث المشترك الى السريانية؟
ويقول الارشمندريت المتوحد توما بيطاررئيس دير عائلة الثالوث المقدس في دوما لبنان ما يلي: ” إن القول بان سكان السواحل والمدن كانوا يتكلمون اليونانية في حين كانت السريانية لغة القرى والداخل، ليس دقيقاً، لأنه لا يمكن عزل السكان ضمن هذا التقسيم، حيث أن التحرك السكاني والتفاعل الحضاري الذي طال كل بعد من أبعاد الحياة العامة على مدى تسعة قرون لايسمحان بتوزيع مناطقي فاللغات المتداولة متداخلة لذا برزت ثلاث فئات أساسية:
1- هلينية أصلاً استوطنت المدن والجوار.
2- محلية وهي اكبر عددياً، وتهلنت واتخذت الحضارة اليونانية مع المحافظة على لغتها الأصلية ومخزونها التراثي.
3- محلية ثانية اعتزلت أو كادت وبقيت تتكلم السريانية.”
وعلى ذلك لا يمكن إجراء فصل مناطقي ونحن نؤيد ذلك ونؤيد بالتالي عدم سيادة أي من اللغتين على الأخرى سواء كان ذلك من زمن الحضارة الهلنستية والى ما بعد دخةل المشرق تحت حكم المسلمين وتعريب الدواوين من اليونانية في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان.
إذ انه وطيلة تسعة قرون لم تتوارى السريانية ولم تنصهر باليونانية إلا أنها زهت وخاصة بعد سقوط دمشق( وقد كان السريان عوناً لخالد بن الوليد في فتح الباب الشرقي بدمشق من خلال الراهب يونان راعي السريان اليعاقبة وقتها نكاية بالحاكم الرومي والكنيسة الرومية طاعنا بذلك مساعي الوجيه سرجون وفتحه باب الجابية صلحا لأب عبيدة بن الجراح كما كان الحال في مصر بقيام الأقباط بنصرة ومساعدة المسلمين بقيادة عمرو بن العاص على الروم الحاكم والشقيق في البطريركية والمسيحية) وقد قّرب الفاتحون المسلمون اليعاقبة السريان في البداية في دمشق واعطوهم مؤقتا كنيسة يوحنا المعمدان وقد انتزعوها من الروم ومنحوهم امتيازات في حين ضيقوا الخناق على الأرثوذكس لوحدة عقيدتهم مع الروم…فحصلت هجرات أرثوذكسية إلى آسية الصغرى، وارتفعت وتيرة الهجرة الأرثوذكسية في العصر العباسي لازدياد حالة العداء بين العباسيين والبيزنطيين مع تقريب أكثر للسريان فازدهرت السريانية على حساب تراجع اليونانية وعمل السريان على نقل التراث اليوناني إلى العربية وخاصة في منطقة جنديسابور (عربستان) وكانت معقلاً لأسرى الروم وأصبح فيها بيمارستاناً يعالج فيه المرضى ويدرس الآراميون العاملون فيه الطب اليوناني باللغة السريانية وكان منهم كبير أطباء السريان جورجيوس بن بختيشوع الذي نزح الى بغداد وصار طبيباً لأبي جعفر المنصور وكذلك مدرستي الرها وحران والكتابة فيها بالسريانية في العلوم والكنسيات.
وبقيت السريانية مزدهرة إلى القرن 13 وقد ترافقت والعربية إلى أن تضاءلت وازدهرت العربية على حسابها مع الإشارة إلى تمسك الأقوام الذي كانت السريانية تمثل إليهم رمزاً دينياً وقومياً وأصبحت بعد القرن 13 لغة العبادة أكثر منها لغة العامة واستمرت كذلك إلى أن زالت من الاستعمال وبقيت لدى بعض الأقوام حتى وقتنا الحاضر(السريان والنساطرة والموارنة) فيما توارت أو كادت من الكنيسة الرومية وخاصة في الارياف كالقلمون مثلاً بدليل المخطوطات الليتورجية الارثوذكسية بالآرامية والكرشونية… وكان الارثوذكس وهم وحدهم سكان المنطقة المسيحيون يصلون بها اضافة للعربية.
ان الشواهد على ذيوع السريانية في بلاد الشام واضحة بما فيها فلسطين والرب يسوع وتلاميذه تكلموا بالآرامية الفلسطينية والعهد الجديد مشبع بالمفردات والتعابير والأسماء الآرامية وما ذلك إلا نتيجة لانتشار هذه اللغة بفضل النشاط التجاري الذي تميّز به السوريون منذ الأزل.
ونقول هنا أن الرب يسوع لو أراد تكريس الآرامية التي بشر فيها لغة عالمية شاملة لكنيسته التي اقتناها بدمه الكريم لفعل ولكنه ليس يوناني ولا يهودي بل الكل في المسيح وأعطى للعالم أجمع البشارة بكل اللغات في يوم العنصرة أن الرب يسوع لم يحصر كنيسته بلغة واحدة حتى لو كانت التي تكلمها لأن الرب يسوع لم يكن قومياً بل هو أرفع من القوميات والجنسيات، أو لم يعط بطرس الحق في تبشير الجميع عندما رمز له في الرؤيا بالحيوانات المختلفة الموجودة في السلة النازلة عليه من السماء “اذبح وكل”.
يسوع تكلم لغة الشعب الذي عاش بين ظهرانيه والبشارة انتقلت الى العالم بلغة العالم المتحضر وقتئذ اليونانية التي أصبحت فيما بعد لغة المجامع المسكونية فإن كانت الآرامية تشرفت بأن الرب يسوع تكلم بها الا انه تكلم ايضا باليونانية وهي لغة العلم في فلسطين وباللاتينية وهي لغة العسكر الروماني الحاكم، إلا أن اليونانية تشرفت بدورها بنقل خبرية الرب يسوع وبشارته وبوضع دستور الإيمان والعقائد والقوانين ومع ذلك لو قلنا مع القائلين بأن القديس يوحنا الدمشقي كان سريانياً فلم ترهب في دير مار سابا اليوناني؟ ولم كتبَ تراثه الخالد، ونظم إشعاره باليونانية، ولحنها وفق الموسيقى البيزنطية ؟ ألا يتوجب عليه أن يكون وفياً لقومه السريان/ طبعاً، مع احترامنا الشديد لهذه الكنيسة الشقيقة/ فيكتب بلغتهم؟ وإن نسينا في هنيهة إلا انه يتوجب علينا الإقرار بأن المسيحية دخلت إلى بلاد العرب مع الحجاج العرب الذين كان بعضهم في العلية يوم العنصرة/ حسب أعمال الرسل/ وتمت البشارة فيها بلغة العرب، ثم ألم يكن نصارى نجران عرباً وشارك أساقفتهم في المجامع المسكونية وخاصة الثلاثة الأولى. وكذلك أساقفة المضارب المتنقلين مع العرب الرحل في مناطق العربية لرعايتهم روحياً، لذا فإن حصر الشرف باللغة السريانية التي تكلم بها الرب يسوع محل نظر ونقد… ولا يجوز إطلاقه،( مع التأكيد على الاحترام الشديد للسريانية كنيسة ولغة وهذه من لغات الكنيسة الأنطاكية الواحدة… والاحترام لكل الكنائس الشقيقة ولغاتها الطقسية لأن الجميع أثروا كنيسة الرب يسوع وخاصة الأنطاكية منها وقدموا الشهادات الحية بالدم والكلمة وقدموا أفواجاً من القديسين) وإلا لما كان المسيحيون غير السريان مسيحيين أو كانت مسيحيتهم ناقصة، أو أدنى مرتبة لمجرد أنهم لم يتكلموا بلغة الرب يسوع، ولعمري أرى أن هذا متماثل مع إصرار البابوية على اعتبار اللاتينية لغة الكتاب المقدس.
وأضيف وبشكل علمي فأقول أن وجود المخطوطات الليتورجية المكتوبة باللغات السريانية والعربية واليونانية وكانت منتشرة حتى في أصغر القرى والبلدات والمحفوظة في دائرة الوثائق البطريركية وفي العديد من الأديرة البطريركية والأبرشية لهو دليل ناصع على أن السريانية وخاصة الطقسية الليتورجية ليست حصراً على الإخوة السريان ودليل جلي على اشتراكنا في هذا التراث كوننا نحن سوريون وأصحاب الأرض مثلهم، جغرافياً، وأنطاكيون لجهة الانتماء الروحي المسيحي ويحلو لي أن أورد مثالين على هذا الاشتراك:
أولهما: لم يوقع الأساقفة الملكيون سنة 1360 محضر انتخاب البطريرك الأنطاكي الأرثوذكسي باخوميوس الأول إلا بالسريانية.
ثانيهما: في جواب البطريرك الأنطاكي الأرثوذكسي مكاريوس بن الزعيم على أسئلة سفير الملك الفرنسي لويس الرابع عشر سنة 1671 بشان أتباع كالفن (المخطوط العربي رقم 224 والمحفوظ في مكتبة باريس الوطنية) قال متحدثاً عن الكنيسة الأنطاكية في زمانه: ” نستعمل اللسان اليوناني والسرياني في كنائسنا”.
ولنا شاهد حي إلى ما شاء الله على هذا التراث المشترك، وهو تكلم سكان معلولا بالآرامية وليس فيهم سرياني واحد كانوا كلهم أرثوذكساً ثم تكثلك قسم منهم وحافظوا على الآرامية لغتهم الشعبية إضافة إلى القريتين المجاورتين بخعا وعين التينة القريتين اللتين أسلمتا من منتصف القرن 17 وكانوا كسكان معلولا أرثوذكسا ويتكلمون ولازالوا بالآرامية (وبعض اهل يبرود المسلمين كذلك…) أو هل يمكن اعتبار سكانهما سرياناً كونهم يتكلمون السريانية مع كونهم مسلمين. ومؤخراً وبمبادرة محلية من أهل معلولا قام المرحوم الأستاذ جورج رزق الله (أرثوذكسي) بوضع أبجدية لهذه اللغة ولاق تشجيعاً حاراً من الدولة السورية و فتح معهداً لتدريس هذه اللغة بمباركة من الدولة على أنها لغة الرب يسوع وذلك قبل اجتياح الارهابيين للبلدة 2013.
ونتيجة للنيات الطيبة وبعد مشاورات تم اتفاق رعوي صدر أواخر القرن 20 وصدر بالبيان المشترك المجمعي والبطريركي بين كنيستي أنطاكية الأرثوذكسية والسريان الأرثوذكس.
خاتمة
إننا نفتخر بداية مع بولس الرسول بقولنا:” أما أنا فحاشى لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح.”
ونتمسك بشهادة القديس باسيليوس الكبير بأنطاكية عندما قال فيها:” إنها أجدى نفعاً من كل كنائس المسكونة”، لأنه حتى في الأزمنة التي وصلت فيها أنطاكية إلى أدنى درجات كربها وعوزها وانحطاطها في القرن 19 أعطت سحابة من الشهداء والشهود للمسيح كالقديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي ورفقته الذي كان لي شرف وفخر نبش سيرته العاطرة وسيرة تلميذه القديس المنسي ديمتري نقولا شحادة الصباغ الدمشقي المتوفي في العقد الأول من القرن 20( وسأنشر سيرته بإذن الله قريباً) وبطريرك الرحمة غريغوريوس حداد والخوري الشهيد نقولا خشة 1918 في مرسين على يد الأتراك القتلة وابنه الخوري الشهيد حبيب خشة 1949 على يد أشقياء شبعا والخوري الشهيد سليمان سويدان عام 1949 الذي اغتيل دهساً مقصوداً بدمشق…
وأختم فأقول لقد حفرت اللغات السريانية واليونانية والعربية عميقاً في وجدان أنطاكية الأرثوذكسية.
إن اللغة إناء يحل فيه السيد بالروح وهي ليست قناعاً، إن هذه اللغات الثلاث لم تمر بنا عبوراً بل استقرت فيما بيننا وفي ذواتنا جيلاً بعد جيل.
اليونانية المسيحية تمشرقت وتسرينت شكلاً ومضموناً وأنّى لنا أو لغيرنا ان نعزل ما هو يوناني عن ما هو آرامي سرياني في تراث الأرثوذكسية حتى تراث القديسين اللاتين كان له نصيب في أرثوذكسيتنا /طبعاً قبل الانشقاق الكبير 1053م/
احتفت اليونانية والسريانية بالإنجيل منذ البدء احتفاف مراتب الملائكة بعرش الله وهذه الليتورجيا الرومية خير شاهد على مابين الاثنتين من تمثل وتماثل وتفاعل وتداخل وما يقال في السريانية يقال أيضاً في اليونانية، فاليونانية طبعت الروح والفكر والوجدان في البلاد السورية بطابع لا يمحى، السريانية تهلنت: يا رب ارحم
” قور يالياصون” أي باليونانية كير ياليسون. اليونانية تسرينت ودخلت في اللغة العربية: مار: قديس، مريم: السيدة.
هذه جعبة أنطاكية العظمى وهذه موهبتها للكنيسة الجامعة المقدسة برمتها، أنها مستودع الثقافة الكنسية والعبادة المسيحية بصورة مميزة.
كان سروري لا يوصف في الجلسة الختامية لندوة الإخاء الديني التي عقدت في مكتبة الأسد بمناسبة الألفية الثالثة لميلاد الرب يسوع بدعوة مشتركة من وزارة الأوقاف وبطريركية الروم الأرثوذكس عندما عقب نقيب الصحفيين السوريين السيد علي عقلة عرسان على طرح لسيادة مطران حلب السرياني يوحنا إبراهيم (المخطوف بيد الارهابيين مع شقيقه مطران حلب الارثوذكسي بولس يازجي والكاهنين الارثوذكسي والارمني الكاثوليكي) بقوله:
” لماذا يُصر البعض على أن المسيح يهودي، ويصر البعض الآخر على أنه سرياني، المسيح ليس يهودياً ولا سريانياً المسيح هو ابن الله”.
- محاضرة ألقيتها في مدارس الأحد الأرثوذكسية بدمشق في 14/2/2000
مزيدة ومنقحة بتاريخ نشرها في موقعنا