عيد رقاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة وانتقالها الى السماء
قصة العيد:
رتبت الكنيسة المقدسة قبل هذا العيد المبارك ان يتم الصوم لمدة 14 يوماً، وهو من احب الأصوام في الكنيسة الارثوذكسية ويحلو للكثيرين وحتى الآن ان يؤدونه بالانقطاع ليس فقط عن الألبان والأجبان واللحوم حتى الانقطاع عن الزيت والاكتفاء بالعشب الطازج والمسلوق بالماء فقط ابتغاء ارضاء السيدة الطاهرة، ونظراً لمكانة العذراء الطاهرة في كنيستنا الأرثوذكسية
* ان ماتسلمته الكنيسة المقدسة من الآباء منذ قديم الزمان عن رقاد والدة الاله هو مايأتي
وهوأنه لما حان ملء الزمان الذي سر فيه مخلصنا أن ينقل اليه والدته ارسل اليها ملاكاً قبل ثلاثة أيام ليخبَرها بقرب انتقالها من هذه الحياة الزائلة الى الحياة الأبدية المغبوطة، فلما سمعت هي بذلك صعدت بسرعة الى جبل الزيتون الذي كانت تذهب اليه كثيراً للصلاة وأدت الشكر لله، ثم عادت راجعةً الى بيتها وأخذت تهيءُ مايقتضي للدفن وفيما هي على هذه الحال اختطف الرسل من أقاصي الأرض كلا منها من حيث يُكرزُ بالبشارة وأحضروا في وهلة واحدةٍ الى بيت والدة الاله فأخبرتهم بسبب جمعهم بغتةً وعزتهم بمثابة أمٍّ عن الحزن الذي اعتراهم لا محالة، ثم رفعت يديها وتضرعت من أجل سلامة العالم، وباركت الرسل واخيرااضطجعت على سريرها وجعلت جسمها على الهيئة التي شاءت وهكذا أسلمت روحها الفائقة القداسةفي يدي ابنها وإلهها أما الرسل فرفعوا السرير الذي كان عليه جسدها المتقبل الآله بورع عظيم ومصابيح كثيرة مرتلين نشائد التجنيز وحملوه الى القبر وكانت الملائكة إذ ذاك ترتل معهم من السماء مشيعين من هي اعلى من الشاروبيم وإذ تجاسر أحدُ اليهود حَسداً أن يمد يديه على ذلك السرير بوقاحةٍ ناله في الحال من لدن القضاء الالهي ماكانت تستوجبه وقاحته من القصاص فإن يديه الجريئتين قطعتا بضربة لم تُر. ولما وصلوا الى القرية
التي تدعى الجسمانية دفنوا هناك ذلك الجسم الفائق الطهارة ينبوع الحياة بوقار عظيم. ثم في اليوم الثالث لدفنه اجتمعوا لتعزية بعضهم بعضاً. ولما رفعوا جزء الرب يسوع من الخبز كعادتهم ظهرت والدة الاله في الهواء قائلة لهم “سلام لكم” فتيقن الرسل من ذلك بأن والدة الإله انتقلت الى السماء بالجسد.”
(السواعي الكبير والسنكسار الجزء الأول)
تاريخية العيد
أصول هذا العيد غامضة، قبل العام 500 مسيحية كان يُحتفل به في فلسطين في 28 آب فيما كان المصريون يحتفلون به في 18 كانون الثاني.
انتقلت العادة المصرية إلى بلاد الغال (فرنسا) في القرن 4 مسيحية. بين الروم الأرثوذكس اتبع البعض العادة الفلسطينية، والبعض الأخر العادة المصرية. أما اعتماد تاريخ 28 آب في كل الإمبراطورية الرومية، بصورة نهائية، فكان بتدبير الإمبراطورالرومي موريق في القرن 7مسيحية.
ثمّة كتابات منحولة تُنسب إلى القديس يوحنا الإنجيلي والقديس مليتون أسقف صردة والقديس ديونيسيوس الأريوباغي تشير إلى انتقال مريم، والدة الإله. هذه تعود إلى حدود القرن الخامس المسيحي. وهناك عظات تتحدث عن رقاد وانتقال والدة الإله لدى قديسين أمثال أندراوس الدمشقي اسقف كريت، ويوحنا الدمشقي وجرمانوس القسطنطيني وثيودوروس الستوديتي وغريغوريوس بالاماس.
طروبارية عيد الرقاد والانتقال باللحن الأول
” ” في ميلادك حفظت البتولية وصنتها وفي رقادك ما اهملت العالم وتركته ياوالدة الاله لأنك انتقلت الى الحياة، بما أنك أم الحياة، فبشفاعاتك أنقذي من الموت نفوسنا.”
بعض من الخدمة الليتورجية للعيد
العناصر الأساسية للعيد معبّر عنها بوضوح في الخدمة الليتورجية. والدة الإله ذاقت الموت، رقدت، وأودعت القبر، لكنها لم تعرف فساداً لأنها انتقلت إلى السماء. في كاثسما سَحر العيد نخاطبها على هذا النحو: ” أما في ميلادك فحبل بغير زرع، وأما في رقادك فموت بغير فساد”. وفي الأودية التاسعة من صلاة السحر نقول: ” إن المولد بتولي والموت قد صار عربوناً للحياة “. من جهة أخرى، في صلاة الغروب، في برصومية على يا رب إليك صرخت ” أن ينبوع الحياة قد وضعت في قب،ر واللحد قد صار سلماً مصعدة إلى السماء”. هكذا انتقلت من حياة إلى حياة (الغروب. قطعة الليتين). انتقلت من الأرض إلى السماء (برصومية على يا رب إليك صرخت). وقد كان انتقالها بتمجيد وبحال تفوق الوصف على يدي ابنها وسيّدها (الغروب. قطعة الأبوستيخا). كل الأرض والسماء معنية برقادها. لذلك نشدّد “أن السلطات والكراسي والرئاسات والأرباب والقوات والشاروبيم والسارافيم المرهوبين يمجّدون رقادك. ويبتهج الأرضيون مزينين بمجدك الإلهي وتسجد الملوك مع رؤساء الملائكة والملائكة يرنمون…” (برصومية على يا رب إليك صرخت. صلاة الغروب). كذلك في صلاة السحر أن رقادها كان حدثاً كونياً إذ ” انتقلتِ برقادك الموقر إلى الحياة الخالدة محفوفة بالملائكة والرئاسات والرسل والأنبياء وسائر الخليقة” (صلاة السحر. قطعة الإينوس الثالثة)
من هنا مخاطبتنا لها باعتبارها الطاهرة الحية على الدوام مع ابنها اللابس الحياة (قطعة المجد والآن على يا رب إليك صرخت. صلاة الغروب). بهذا صار لها من حيث هذه المعية، دور مشارك في خلاص البشرية. رقادها جعلها مساهمة في خلاص العالم على أوسع نطاق. في إحدى طروباريات الأودية التاسعة نعبّر عن هذا المعطى الجديد بالكلمات التالية: “يا والدة الإله بما أنك منطلقة إلى الأخدار السماوية نحو ابنك فأنت تخلصين ميراثك دائماً “.
في هذا السياق، الذي حدّدته الخدمة الليتورجية، كتب القديس غريغوريوس بالاماس يقول: ” اليوم نحتفل برقادها أو انتقالها المقدس إلى حياة أخرى. فإذ هي دون الملائكة قليلاً، لمواتيتها، فإنها، بدنوها من إله الكل، قد سَمَت على الملائكة ورؤساء الملائكة وكل القوات السماوية الأرفع منها “. وفي عظة للقديس ثيودوروس الستوديتي في رقاد والدة الإله هذه الالتماعات: “إذ نحمل على ظهورنا ثوب الفضائل نحتفل بعيد دفن وعبور الكلية القداسة إلى السماء. فإن السماء على الأرض، لما اتشحت بثوب الخلود، انتقلت اليوم إلى الخدر السماوي الأبدي. اليوم والدة الإله، التي أطبقت عينيها الجسديتين، تقدّم لنا أنواراً مقدسة مشعّة، كانت، إلى عهد قريب، غير مألوفة وهي السهر على العالم والضراعة من أجله أمام وجه الله. اليوم، وقد أضحت خالدة، ترفع يديها إلى الرب من أجل خلاص العالم. لأنها سمت إلى القمم، فإنها، كحمامة نقيّة، لا تكف عن الذود عنا ههنا. أما وقد ارتفعت إلى السماء فإنها تطرد الأبالسة لأنها صلاة الشفاعة، من جهتنا، لدى الله. الموت، قبلاً، بسط سلطانه من خلال أمنا حواء، لكنه، حالما مسّ ابنتها المغبوطة، مات بموتها لأنه انغلب من ذاك الذي استمددت منه والدة الإله قوتها. والدة الإله رقدت _ وأقول رقدت لا انطفأت، لأنها منذ أن عبرت إلى السماء لم تكف، هناك، عن الذود عن الجنس البشري. بأي كلمات نصف سرك؟ فإن الذهن ينحني واللسان يستبين عاجزاً لأن مجد هذا السر يفوق كل ذهن. لا شيء
يضاهيه ويتيح لنا أن نفسره على نحو أو على آخر: كل ما هو منك يتخطانا. فقد عدّلت ما للطبيعة بميلادك الذي لا يوصف. من سبق أن سمع بعذراء تحبل بغير زرع؟ يا للعجب! هذه الأم التي تلد هي، أيضاً، عذراء عفيفة، فإن من يولد منها هو الله. هذا الأمر وحده يجعلها مختلفة عن الجميع. لذا تقتبلين، عن حق، في رقادك المحيي، خلود النفس والجسد (…) هل سبق لنا أن سمعنا عن وفاة كالوفاة التي أهلت لها والدة الإله؟ كم ذلك عادل لأنه لا أعلى من التي هي أعلى من الكل؟ إن نفسي تدهش متى ارتحل عقلي إلى رحيلك الفاخر، أيتها العذراء! نفسي تعجب إذ تهذ في رقادك العجيب! لساني يُعتقل متى تكلمت على قيامتك السرية؟ من تُراه، في الحقيقة، أهلاً لسرد كل عجائبك؟ أي ذهن، مهما سما يقدر، وأي لسان مهما كان فصيحاً، يحيط بقيمة أفعالك ويعرض ويقيم أسرار مجدك وعيدك ومديحك؟ كل لسان ينضب ويهن إن حاول، لأنك تفوقين وتسمين بغير قياس، على القمم السماوية الشاهقة، وبهاء نورك أكثر ألفاً من الشمس، وقد حزت على ما يزيد عظمة عن الملائكة وكل القوات الروحية غير المتجسمة”. هذه المعاني الفائقة لوالدة الإله، وخصوصاً لرقادها، وردت في التراث على نحو قصصي. فقد قيل إن الرب يسوع أعلم والدة الإله برقادها، بملاك، قبل حدوثه بثلاثة أيام. هذا ملأها فرحاً لأنها اشتهت أن تصعد إلى ابنها وإلهها. لذلك توجهت إلى جبل الزيتون لتصلي في سكون، كما كانت عادتها. وقد ورد أنها لما بلغت القمة خضعت لها الأشجار. بعد ذلك عادت لترتب أمرها وأذاعت على النسوة اللواتي أتين إليها خبر ارتحالها إلى السماء. وإثباتاً لذلك استودعتهن غصن النخيل، رمز الغلبة وعدم الفساد، الذي زودها به الملاك. وإذ حزنَّ لخبر فراقها أكدت لهن أنها ولو رحلت إلى السماء فإنها لن تكف عن الذود عنهن وعن كل العالم، بصلاتها.”
هذا وقد ذُكر أن البيت امتلأ غيماً سماوياً أحضر الرسل من أطراف الأرض. الكنيسة كلها، بأشخاص الرسل، انوجدت، سرياً، احتفاء بجنازة والدة الإله. وإلى جوق الرسل انضم الأساقفة القديسون نظير القديس إيروثاوس الأثنائي، المعيد له في 4 تشرين الأول، وديونيسيوس الأريوباغي، المعيد له في 3 تشرين الأول، وتيموثاوس الأفسسي، المعيد له في 22 كانون الثاني. الرسول بولس كان أيضاً، حاضراً.
وبحسب القديس يوحنا الدمشقي، حضر عدد من أنبياء العهد القديم. وقيل إن حنة، أم والدة الإله، مع إليصابات وإبراهيم وإسحق ويعقوب وداود كانوا حاضرين.
رقدت والدة الإله بسلام واستقرت، أبهى من كل نور، بين يدي ابنها وإلهها الذي ظهر بمعية رئيس الملائكة ميخائيل وجوق من الملائكة. تمّ رقادها بلا ألم وبلا قلق كما كان وضعها لإبنها دون أوجاع. تداخلت أصوات الملائكة بأصوات البشر إكراماً لرقادها. تنقى الهواء بصعود نفسها وتقدست الأرض باقتبال جسدها. وقد استعاد العديد من المرضى عافيتهم. حسد اليهود وحقدهم جرى التعبير عنه بإثارة زعمائهم قوماً للتعرض للمحمل الذي سجيت عليه والدة الإله. وإذ تجاسر كاهن اسمه، التراث، يلفونياس على الدنو منها انقطعت يداه. لكنه تاب وآمن واستعاد اليدين بنعمة الله. وآخرون ضربوا بالعمى آمنوا بالرب يسوع وجرى شفاؤهم.
جرى دفن والدة الإله في بستان الجثسمانية، هناك أقام الرب مع الملائكة في الصلاة ثلاثة أيام.
توما الرسول، تدبيراً، لم يحضر الجنازة. وصل إلى الجسمانية في اليوم الثالث وقد استبد به حزن عميق. كان يرغب في أن يلقي نظرة أخيرة على والدة الإله راقدة ليتبرك منها. ولأجل إصراره قرّر الرسل فتح الضريح ليتسنى لتوما أن يُكرم الجسد المقدس. فلما رفعوا الحجر الذي يسد المدخل استبد بهم الدهش لأن الجسد كان قد اختفى. وحده الكفن الذي اشتمل والدة الإله كان هناك وقد اتخذ شكل الجسد. كان هذا دليلاً على انتقال والدة الإله إلى السماء، أي على قيامتها وصعود جسدها الذي انضم، من جديد، إلى نفسها، صعودها إلى ما هو أرفع من السموات، إلى حميمية ابنها لتكون ممثلة لنا ومحاميتنا لدى الله.
مريم “ابنة آدم” التي صارت أماً للإله وأماً للحياة ذاقت، إذاً، الموت. لكن موتها لم يكن مُذلاً بحال، فإنه بالموت، إذ انغلب للمسيح الذي اقتبله، طوعاً، لخلاصنا، استحالت دينونة آدم “موتاً محيياً” ومبدأ وجود جديد. ولحد جسمانية، كالقبر المقدس، استبان خدراً جرى في كليهما عرس عدم الفساد. لقد كان لائقاً، انسجاماً مع ما جرى للمسيح المخلص، أن تعبر والدة الإله بكل السبل التي سلكها المسيح ليمد القداسة في طبيعتنا. فبعدما تبعته في آلامه وعاينت قيامته خبرت الموت. ولما انفصلت عن جسدها أنوجدت نفسها الكلية النقاوة متحدة بالنور الإلهي. أما جسدها فقد بقي قليلاً في الأرض ثم قام بنعمة المسيح الناهض من بين الأموات. هذا الجسد الروحاني اقتبل في السماء كهيكل للإله المتجسد، كعرش الله. إنه الجزء الأبرز من جسد المسيح، وكثيراً ما ماثله آباء الكنيسة بالكنيسة المقدسة عينها، مسكن الله بين الناس وموضع حالنا الآتية ومصدر تأليهنا. من الحشا العفيف لمريم، والدة الإله، انفتح لنا ملكوت السموات. لذلك صار انتقالها إلى السماء سبب فرح لكل المؤمنين الذين تلقوا بذلك الضمانة إن كل الطبيعة البشرية، في شخص مريم، أضحت حاملة للمسيح ومدعوة لأن تسكن في الله.(السنكسار)