عيد دخول ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح إلى الهيكل
تسميات عيد الدخول
نحن/ الكنيسة الارثوذكسية/ والموارنة والأقباط وجماعات أخرى ندعوه “عيد الدخول”.
يعرف باليونانية بـِ “عيد اللقاء” أي “أبانديسيس” ويسميه اللاتين “عيد التطهير” وآخرون “عيد التقدمة”.
وفيما يصنفه الشرق المسيحي برمته عيداً للسيد، يجعله الغرب عيداً لوالدة الإله.
الهدف من هذا الاسم إذن اي “عيد اللقاء” التركيز على المعنى الجوهري للعيد، النبوءات تتحقق واحدة تلو الأخرى
“السماء أصبحت كلّها على الأرض، الخالق يُحمل من المخلوق ليكون هو نفسه ذبيحةً عن كلّ واحد منّا.”
تاريخية ونشأة العيد
الاحتفال بالعيد كان معروفاً في أورشليم منذ القرن الرابع المسيحي، ولكنّ هذا الطرح لم يُحسم، مع التأكيد أن في مضمون عيد الدخول وجوهره ولاهوته ما يختلف كلّ الاختلاف عن أي عيد غير مسيحي.
تسميته بعيد “اللقاء”، ليس وليد الصدفة ولا كلاماً شعرياً، بل ترجمة حقيقيّة لروحيّة الكنيسة وما يعيشه المؤمنون.
هذا الاسم أي عيد اللقاء عُبّر عنه في ليتورجيا الكنيسة الأرثوذكسيّة منذ الأيام الأولى للمسيحيّة، فهو
– لقاء العهد القديم بالعهد الجديد
– لقاء الشريعة والناموس بالنعمة
– لقاء الرمز بالحق
– لقاء النبوءات بواضعها ومحقّقها
– لقاء الإنسان القديم بالإنسان الجديد
عيد اللقاء أو عيد الدخول هو عيد سيدي
لمّا كانت تُقام احتفالات هذا العيد في القسطنطينيّة عام 602م في كنيسة السيدة في بلاشيرن La Vierge des Blachernes على سبيل المثال لم يأخذ العيد طابعاً مريمياً، كما ظنّ بعضهم، بل كان عيدًا
سيّديًّاً بامتياز (“سيديًّا”، نسبة إلى السيّد)، لأنّه يرتبط بكلّ التدبير الخلاصي الذي أعدّه الله للإنسان وحققّه بتجسّده وصلبه وقيامته.
تاريخ العيد الأساسي 14 شباط
ورد في الدراسات ذات الصلة أنّ أصول العيد تعود إلى كنيسة أورشليم نفسها. فنقرأ مثلاً ذكرًا له، وللمرّة الأولى، في القرن الرابع ميلادي في مذكّرات الرّحالة إيجريا، حيث كان العيد يُحتفل به بعد أربعين يومًا من عيد الظهور الإلهيّ الذي كان هو نفسه عيد الميلاد. أي كان عيد الميلاد يقع في ٦ كانون الثاني، وبالتالي يصبح عيد الدخول في ١٤شباط.
هذه طريقة متّبعة في ليتورجيا الكنيسة الأرثوذكسيّة أيضا، فعيد رفع الصليب مثلاً يأتي بعد أربعين يومًا من عيد التجلّي، لما في الرقم أربعين من معاني العبور القياميّ. وكان قدّاس العيد يتمّ في كنيسة القيامة وتتناول العظة جوهر العيد ومفهومه الخلاصي.
تغيير تاريخ العيد الى 2 شباط
يكتب ثيوفانوس في حوليّاته أنّه في شهر تشرين الأول من عام ٥٣٤م، اجتاح القسطنطينيّة وباءٌ خطيرٌ أودى بكثيرين وعلى ماورد كان تفشي الطاعون فيها وفي جوارها، وأخذ يحصد كل يوم ما معدله خمسة آلاف ضحية، كما ضرب زلزال رهيب مدينة إنطاكية. لا نعرف أي زلزال كان. أقرب ما في السجلات زلزال السنة 539 م الذي ذهب ضحيته أربعة آلاف من السكان وأحدث خراباً شديداً في المدينة. إذ بدا انه لا حول ولا قوة للعباد إلا بالله. نادى الإمبراطور والبطريرك القسطنطيني بالصوم والصلاة في كل الإمبراطورية. فلما كان الثاني من شباط خرجت مسيرات في المدن والقرى تسأل عفو الله ورضاه، فانلجم الطاعون وزال يوم 2 شباط واستكانت الأرض. فشاع العيد،على الأثر، وجرى تبنَيه في كل أرجاء الإمبراطورية الرومية. وكان ليوستنيانوس قيصر الفضل الأكبر في تعميمه. يستند العيد إلى النص الإنجيلي الذي أورده لوقا البشير في (الإصحاح الثاني، عبر الآيات22 إلى 38)
وأكد الامبراطور نيقوفورس عمّ يوستينيانوس، ان الأخيرهوالذي قام بنقل هذا العيد.
في الحقيقة هذه المعلومات لا تتعارض فيما بينها. ويرجّح أن يكون يوستينيانوس هو من قام بهذه العمليّة، ولكن لعلّ الاختلاف يرتبط بتثبيت تاريخ عيد الميلاد في القسطنطينيّة في يوم ٢٥ كانون الأول الذي كان في ٦ كانون الثاني في عهد هذا الإمبراطور.
والعيد وبحسب سفر اللاويين (الإصحاح الثاني عشر)، يُقدّم الصبي إلى الهيكل بعد أربعين يوماً من ولادته. وفعلاً هناك ٤٠ يوماً بين ٦ كانون الثاني و١٤ شباط، وإذا كان عيد ميلاد الرب قد ثبت في 25 كانون الأول، فهناك أيضًا ٤٠ يومًا حتى ٢ شباط وهو عيد دخوله الى الهيكل.
من هنا يمكننا التأكد أنّه في نهاية القرن الخامس، وبداية القرن السادس، كانت غالبيّة الكنائس في الشرق تحتفل بهذا العيد المبارك.
دخول العيد إلى الغرب
دخل هذا العيد إلى روما مع البابا سرجيوس الأوّل (٦٨٧-٧٠١م) وهو سوري الأصل وإيطالي من سيسيليا. نسب بعض الدارسين أن دخول العيد إلى روما القديمة كان ليحلّ مكان عيد وثنيّ.
عناصر تشكل العيد
يتشكل العيد من ثلاثة عناصر هي
• – تطهير مريم لوضعها مولوداً ذكراً
• – تقديم المولود الجديد للرب
• – لقاء سمعان وحنة النبيَّيْن
تفسير الآية : “لأن عينيَّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته أمام كل الشعوب. نور إعلان للأمم ومجدا لشعبك إسرائيل”.
إن كنيستنا الأرثوذكسية تحتفل اليوم في 2 شباط بعيد دخول السيد إلى الهيكل مظهرة وناقلة لنا رسائل ومعانٍ كثيرة عبر هذا العيد المقدس. فإننا نرى اليوم المخلص يسوع بعدما رأيناه مُتَجسِّدًا في مذود بيت لحم وشاباً ثلاثينياً معتمداً في نهر الأردن بيد يوحنا الصابغ، نراه اليوم طفلاً مقبلاً إلى الهيكل محمولاً على يدي والدته الطاهرة مريم ثم محمولاً على يدي سمعان الشيخ داخل الهيكل، الذي انتظر يسوع طيلة 80 سنة ليتمم الوعد والناموس.
من أجل خلاصنا تنازلَ الإله لكي يُصعد الإنسان، فترى والدة الإله مقبلة إلى الهيكل، وعلى ذراعيها الطفل يسوع، ويوسف الصديق معها في اليوم الأربعيني من ولادتها، وفي يديهم على حسب الناموس إمّا زوج يمام أو فرخي حمام.
رمزية تقدمة اليمام والحمام
يرمز اليمام للطهارة والعذارى إذ أنه عندما يموت أحدهما (الذكر أو الأنثى) لا يأخذ الثاني آخر بدلا منه، بل يذهب إلى الجبال بعيدا عن ضجيج العالم.
أما الحمام فيرمز إلى الوداعة على حسب قول السيد: ” كونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحمام”. وهكذا وعلى حسب الناموس أيضا يُذبَح أحد الطيرين ويترك الآخر دالاً ذلك على طبيعتي يسوع الإلهية والإنسانية الأولى التي لا يسود الموت عليها، والثانية التي ذبحت على الصليب.
سمعان الشيخ
أما سمعان الشيخ الذي استقبل اليوم السيد على ذراعيه فكان من السبعين معلماً الذين قاموا بترجمة العهد القديم من العبرانية إلى اليونانية، وفيما كان يترجم في اشعيا النبي النبوة التي تقول: ” ها أن العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانوئيل”، حيث استغرب من هذا الكلام قائلاً: “كيف يمكن أن تلد العذراء؟ كيف يمكن أن يولد الإله؟”
فيما كان يقول إن ذلك لا يُصدَّق، ضربته يدٌ غير منظورة كفّاً…
وسمع صوتاً يقول له: ” انك سوف ترى يسوع وسوف تمسكه بيديك”.
هكذا في اليوم التالي وهو ماشياً على ضفة نهر رمى خاتمه في الماء وقال:
“إن وجدتُ خاتمي سيكون الكلامُ حقيقياً”.
بعد ثلاثة أيام، وهو يتناول طعامه الذي كان سمكاً وجد خاتمه في بطن السمكة، وفي هذه اللحظة اخبر سمعان الجميع بالذي حدث له، ومن ذلك الوقت أي قبل ثمانين سنة من ميلاد يسوع كان ينتظر في الهيكل هذا اليوم.
وهكذا نحن اليوم نرى سمعان الشيخ حاملاً على ذراعيه المولود من العذراء، حاملاً على ذراعيه ضابط الكل خالق السماء والأرض، حاملاً على ذراعيه الفادي يسوع. وها نحن نسمعه بصوته الورع يُرَنِّم “الآن تطلق عبدك أيها السيد على حسب قولك بسلام، فان عينيّ قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته أمام كل الشعوب نور إعلان للأمم ومجدا لشعبك إسرائيل”.
ففي لحظة ابتهاج الشيخ بحمل الصبي، نراه يطلب انتقاله فرحًا، إذ لا موت بمجيء المسيح، بل هذه هي القيامة. إلى ذلك، فهو يشير لمريم عن الصليب والمجد معًا. فعوض التطهير الجسديّ، والتركيز عليه، لتطبيق الشريعة، وحتى التقدمة، يُصبح تطّهير الذات وتقدمة النفس، المبتغى والمطلوب للقاء السيّد والمخلّص الآتي، على أن نقبل دم السيّد الذي سال من جنبه على الصليب لتطّهيرنا جميعاً.
يمثل سمعان الشيخ، الأجيال التي انتظرت الخلاص. وحنّة النبيّة تمثّل النسك والإلتزام والصبر والنقاوة.
هذه هي صورة الأنبياء الذين يجاهدون دون كلل ولا ملل.
مباركة الشموع
أمّا مسألة الشموع ومباركتها، فتعود إلى عهد الإمبراطور مرقيانوس (٤٥٠-٤٥٧م) حيث كان يرافق العيد تطوافًا بالشموع. (ملاحظة هذا الامبراطور هو الذي نقل اول عهده رأس القديس يوحنا المعمدان من القسطنطينية الى دمشق ليوضع على مائدة كاتدرائية دمشق اي كنيسة النبي يوحنا المعمدان الذي حوله الوليد غصباً الى الجامع الأموي.)
كذلك نجد عند القدّيس كيرلّس الإسكندري (٤٤٤م) كلاماً يتوّجه فيه إلى المؤمنين بالاحتفال بالعيد بابتهاج كبير، وهم يحملون الشموع المضاءة. بالإضافة إلى كلمات عظة أورشليميّة تعود إلى القرن الخامس ميلادي تعلن:
“لنكن فرحين ومبتهجين ومنيرين ولتكن شموعنا لامعةً كقلوبنا. فيا أولاد النور لنقدّم المشاعل والمصابيح إلى النور الحقيقي الذي هو المسيح”.
وأيضًا نعرف من خلال سفاريوس بطريرك أنطاكيّة في القرن السادس ميلاديّ (٥١٢-٥١٨م)، أن هذا العيد كان يُحتفل به في كنائس أنطاكية وأورشليم والقسطنطينيّة منذ سنوات عدّة.
طروبارية عيد دخول السيّد إلى الهيكل الرائعة باللحن الأول
“إفرحي يا والدة الإله العذراء الممتلئة نعمةً، لأنّه منك أشرقَ شمسُ العدل المسيح إلهنا، منيرًا الذين في الظلام. سُرَّ وابتهج أنت أيها الشيخ الصدِّيق، حاملاً على ذراعيكَ المعتق نفوسنا، والمانح لنا القيامة”.
الخاتمة
في هذا العيد، يتحوّل الهيكل الحجري، الزائل، إلى هيكل بشريّ سماويّ. “الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا ورأينا مجده (يوحنا ١٤:١)”
وعوض سكب العرق البشري، والتعب الجسدي، لبناء هياكل حجريّة وحسب، أصبحنا مدعوّين لبناء هيكل روحيّ بالدموع والجهاد والنقاوة وإفراغ الذات والتوّبة.
هذا كلّه ظاهر في صلوات العيد وقراءاته وترانيمه.
هنا يكمن جمال الليتورجيا الأرثوذكسيّة.
هكذا جاء اليوم الذي طالما انتظره سمعان الشيخ بعناء طويل، حتى تتحرر روحه الطاهرة من جسده، وينتقل من هذه الحياة الوقتية الفانية إلى حياة الراحة الأبدية لذلك قال للرب:” الآن تطلق عبدك أيها السيد بعدما حدث كل شيء حَسْبَ تدبيرك. هذه الكلمات كانت اعترافاً إيمانياً وشكراً لله وفي نفس الوقت تنبُّؤ، الآن أطلق عبدك بعدما رأت عيني الخلاص الذي تجسد، والذي سيكون لجميع الأمم نوراً يسطع عليهم وينير طرقهم إلى الملكوت، وهو الذي يكون مجداً لشعبك إسرائيل أي سوف يصبح مجداً للذين يؤمنون بيسوع المسيح، لأن إسرائيل الجديد على حسب تعبير الآباء القديسين هم نحن المسيحيون.
إن هذه الكلمات التي قالها سمعان الشيخ ترددها كنيستنا يومياً في كل صلواتها، ترددها كل نفس مسيحية مشتاقة إلى الغبطة السماوية، والى الديار السماوية، فتقولها بعد القداس الإلهي في صلاة الشكر بعد المناولة، وكذلك في صلاة الغروب، ولقد وضعت كنيستنا فوق أبوابها من الداخل أيقونة الدينونة لكي يراها المؤمن وهو خارج من الكنيسة، ويقول هذه الكلمات: ” الآن تطلق عبدك…” كونه اخذ النور الحقيقي من خلال مشاركته في سر الشكر الإلهي وباقي الصلوات.
مصادر البحث
(بتصرف)
-السنكسار الأرثوذكسي
-موقع بطريركية انطاكية الارثوذكسية