القديس العظيم في الشهداء إيليا الجديد
شهيد الشام البعلبكي
+ استشهد في 1 شباط 779م وتعيد له كنيستنا المقدسة الارثوذكسية الانطاكية والعالمية في مثل هذا اليوم.
أصلَهُ
أصلَهُ من مدينة بعلبك، كان حِرَفياً، ترك مسقط رأسه مع أمِّهِ الأرملة الفقيرة وأخويه وقصد الشام…
عملُهُ
عَمِلَ الصبي إيليا أجيراً عند شخص سرياني كان قد اعتنق كغيره الإسلام للنجاة من دفع الجزية المفروضة على المسيحيين في الدولة الاسلامية اولاً، طمعاً بالسلطة والمال ثانياً…!!!
محاولات معلمه أسلمته
حاول هذا السرياني المسلم أن يقنع إيليا باعتناق الاسلام، لإظهار ذاته أمام المسلمين بأنه يسعى لهداية المسيحيين إلى الاسلام فينال الحظوات، هذا من جانب، ومن جانب آخر لكي يبقيه معه لِما شهد فيه من الإخلاص والتضحية في العمل، كي لايصرفه من عنده، لأنه لايجوز ان يقوم المسلم بتشغيل مسيحي عنده، ووعده بأن يجعله كابنٍ لهُ، لكنَّ إيليا رفض أن يكفر بمسيحِهِ.
محاولةُ أسلمة إيليا عنوةً
لما فشِلَ معلمه السرياني المسلم في إقناع إيليا باعتناق الإسلام، حاول أصحاب هذا الأخير، أن يجعلوهُ مسلماً بالحيلةِ.
ففي إحدى الامسيات كان إيليا يتناول العشاء عند معلمه السرياني، وكان حاضراً أصحاب هذا الأخير، فشرعوا يمرحون ويرقصون وإذ بهم يمسكون بيدي إيليا للرقص ويدورون، فحلَّ أحدهم زنَّارهُ وألقاه على ظهره فيما حلَّ إيليا الطرف الآخر من الزنار لكي لا يتعثر به من أجل الرقص.
انقضى الليل وأطلَّ الصباح فنهض إيليا باكراً وتزنَّر كعادتِه، ثمَّ غسل وجهه وهمَّ بالخروج إلى الصلاة الباكرية في الكنيسة كعادته.
فسأله أحد المتآمرين عليه: “إلى أين أنت ذاهب؟”
أجابَ:” للصلاة!”
إلاَّ أن إيليا سمع من محدِّثه جواباً غريباً فَهِمَ منهُ أن حادث الزنَّار أثناء الليل كان معناه أنهُ أنكر المسيح!!!
لم يعرْ ايليا الموضوع اهتماماً جدياً، لأنَّهُ ظنَّ أن محدِّثه كان يمازحُهُ. فخرج من المنزل الى الكنيسة، حيث صلَّى ثمَّ توجه إلى عمله كعادتِهِ، وإذ به يفاجأ بمعلمه السرياني المسلم يقول لهُ بأنَّهُ منع أصحابَهُ من أذيَّتِهِ لأنهُ – أي إيليا – بعد أن رفض المسيح استمرَّ على مسيحيَّتِهِ. إذ ذاك أدرك إيليا خطورة الحادث فاستشار أمَّه وأخويه فارتأوا أن يخرج على الأثر إلى السرياني ليأخذ ما لَهُ من أجرة عنده ثمَّ يعود إلى بعلبك. لكن السرياني أبى أن يسدِدَ ما عليه وأنذر إيليا، في المقابل، بأنه لن يسمح لهُ بمغادرة دمشق لأنهُ لم يعد مسيَّحياً. واحتدم الجدال بين الاثنين. وإذ كان السرياني جشعاً وكان همَّه الأول أن يبخس إيليا حقَّهُ، تركهُ يذهب، بعد أن تنازل هذا الأخير عمَّا له في ذمَّتِهِ. وعاد إيليا إلى مسقط رأسه، بعلبك.
في بعلبك
عمل ايليا في صناعة المحاريث وسواها. بقي فيها ثماني سنوات عنَّ بعدها على بالِهِ أن يعود إلى دمشق من جديد لأن فرص العمل والترقي فيها كانت خيراً من بعلبك. فانتقل إلى الشام لا يلوي على شيء واستأجر دكاناً وبدأ يعمل لحسابِهِ الخاص.
حادثة الزنَّار بدت لناظِرَيه كأنما سقطت بمرور الزمان. وزاده يقيناً أن الأمر مضى وانقضى لاسيما أن معلمه السرياني الجاحد صادف أخويه بضع مرات، ولم يأتِ على ذكرها البتَّة. على هذا باشر إيليا عملَهُ مطمئِن البال وأخذ يصنع الرحال للجمال والبرادع للدواب. ولم يمضِ وقتٌ طويل حتَّى شعر السرياني بإيليا مزاحماً له في صناعته لأن صنعتهما واحدة، لاسيَّما وأنَّ دكانَهُ غير بعيد عن دكان إيليا كثيراً. فجاءهُ عارضاً عليه العودة إلى العمل عنده من جديد لقاء أجر فلم يوافقه، فذهب إلى ابن أحد المتآمرين على إيليا في حادثة الزنار، وكان ذاك عارفاً بما جرى، فأخذ شهادته لدى رجل من المتنفذين يُدعى “الليثي”، مدعياً أن إيليا سبق لهُ أن أنكر المسيح، وقَبِلَ الإسلام ثمَّ عاد إلى نصرانيَّتِهِ.
القبض عليه ومحاكمته بتهمة الردة
أمر الليثي بإلقاء القبض على المتَّهم وإحضاره إليه. فلما وقف إيليا أمام الرجل سأله هذا الأخير أن كان قد سبق له أن جَحَدَ مسيحيَّتِهِ فأنكر.
فقال لهُ: “لنفرض أنك لم تكفر بدينك ولا جحدت مسيحَكَ، وأنا أدعوك إلى ذلك أفلا تفعل وتأتي إلى ديننا لتنعم بالكرامات والشرف الكثير؟”
أجاب إيليا: “لا سمح الله أن أفعل هذا ما حييت لأني أنا مسيحي ابن أبوين مسيحيين، وأنا مستعد أن أموت في سبيل إيماني.”
تعذيبه
إذ ذاك أعلن الوالي أنه يقبل الشكاية عليه بناء على شهادة شهود الحال. فشهد من شهد أن إيليا فعل ذلك حقاً، فأمر به الليثي فعرّي وأعمل الجلاَّد فيه جلداً لا هوادة فيه حتَّى سال دمه. كان الفتى يومذاك في العشرين من العمر.
وكان الليثي يقول لهُ: “لا يخطرن ببالك أني سأطلقك قبل أن ترفض المسيح!”. فأجاب إيليا بعزمٍ ثابتٍ أكيد: “إذن عليك بالضرب وعليَّ بالصبر والاحتمال!”. وبعدما أشبع الليثي إيليا جلداً أمر بإلقائِهِ في السجن فسُحِبَ برجليه مضرجاً بدمائِه. وقد تمكَّن أخواه من الوصول إليه فناشداه باكيين ألاَّ يكفر بمسيحِه مهما كلَّف الأمر، فزادهُ ذلك عزماً وتصميماً. عرض الليثي أمر إيليا على محمد، رئيس الشرطة، فتولىَّ هذا الأخير محاولة إقناع إيليا بالحسنى والمواعيد إن رفض المسيح. ولكنه وجد إيليا صامداً لا يلين. وإذ أخبره أن الخليفة المهدي أمر بإنزال عقوبة الموت بكل من صار مسلماً فارتد، لم يلق لديه إذعاناً ولا ترداد بل عزماً وثباتاً على الإيمان. واستمر الأمر على هذا الحال ردحاً، وكان جلاَّدو إيليا يأخذونه إلى غوطة دمشق ويعذبونه عارياً قي البرد والصقيع. وقد عرضوا عليه أن يقول ولو كلمة واحدة في الكفر بالمسيح فيُخلى سبيله لكنه لم يذعن…
استشهادُهُ
أخيراً حلَّ أول أيام شهر شباط السنة 779م وهو اليوم السابق لدخول السيِّد إلى الهيكل، فأمر الليثي جنديَّاً بالتظاهر بأنه سيقطع رأسَهُ لتخويفه لعله يقبل بالاسلام. لكن إيليا ركع واحنى رقبته منتظراً تنفيذ الحكم.
أثارفعله غيظ الليثي فأمر بقطع رأسه بالفعل، فأبى الجنود،عندها احضر رجلاً فارسياً أوأعطاه عشرين من الفضَّة فقطع رأسَهُ.
هكذا سقط الشاب القديس “ذبيحاً كالخروف”. وبقي وجهُهُ محتفظاً بحيويَّةٍ مذهلة فهِمَ سِرَّها أحد الشيوخ الواقفين هناك، وكان جاهلاً ما هو من أمر استشهاده، فأخذ ينتف شعر رأسِه.
أمر الليثي بأن يعلَّق جسد إيليا على صليب في البستان خارج “أبواب المدينة”، وأقام عليه حُراساً لئلا يأتي المسيحيون فيسرقونه. وقد بقي الجسد معلقاً أربعة عشر يوماً، كان المسيحيون والمسلمون يشتمّون رائحة طيب عجيبة تفوح من الجسد المعلق، المفترض أن يكون قد أنتن.
لما علم الليثي بذلك أمر بإحراقِهِ حتى لا يأخذه المسيحيون ويبنوا على اسمه كنائس ويحتفلون بعيده شهيداً. ولكن إذ لم يحترق الجسد بالرغم من ضراوة النار وتكرار المحاولات قطَّعوه تقطيعاً وطرحوه في النهر.
بعد ذلك ظهر الشهيد ايليا لبعض المسيحيين ودلَّهم على مكان قطع جسده الطاهر، فالتقطوا بعضها واحتفظوا بها، وكانت تصير بواسطتها عجائب جمَّة…
عجيب هو الله في قديسيه…
( السنكسار بتصرف)