Quantcast
Channel: د.جوزيف زيتون
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

الخوري إيليّا ‫(‬برباري‫)‬ في أسطر ‬‫1913 – 1974‬

$
0
0
الخوري إيليّا ‫(‬برباري‫)‬ في أسطر ‬‫1913 – 1974‬
مــدخــــل 
عندما كنت في العشرين من عمري سمعت بعضًا من أصحابي يتحدّثون عن كاهن تميّز بمواقف إنسانيّة كبيرة، تجلّت في حوادث متعدّدة من أواخر أربعينيّات القرن العشرين. ولشدّة اهتمامهم به، قالوا لي إنّ أحد الأدباء الملتزمين فكريًّا كتب عنه في أحد مؤلّفاته تحت عنوان «حدّثني الكاهن الذي عرّفه»، وإذا أردت أن أعرف المزيد عنه، عليّ شراء مؤلّفاته من «دار النهار للنشر».
خلال هذه الفترة، كنت أتردّد إلى دير «سيّدة الدخول» في الأشرفيّة. كانت في هذا الدير راهبتان من بلدتي شرين وهما حنّة صليبا وماريّا كفوري. ذات مرّة، زرت الراهبة حنّة صليبا في مزار «النوريّة»، فبادرتني بالقول: «سأعرّفك إلى كاهن، مهمّ أن تتعرّف إليه». كما أخبرتني أنّها طلبت إلى الكاهن أن يتعرّف إليّ، فوافق أن نلتقي في الدير.
قصدت الدير باكرًا، لم تكن الراهبة حنّة في دوامها في المزار، بل في الدير، فاستقبلتني وأمسكت بيدي وتوجّهنا إلى صالون الدير، فإذا بكاهن يجلس في كرسيّ على الناحية اليسرى من الصالون، ولـمّا رآني مع الراهبة وقف وقال لها: «أهذا هو الشاب الذي أخبرتني عنه؟»، أجابته «هو بذاته». تقدّمت هي منه وقبّلت يده، واقتربت منه فسلّمت عليه بطريقة عاديّة. أجلسني إلى جانبه مرحّبًا، مبادرًا بالسؤال عن حالي ووضعي ودراستي. تعجّبت منه عندما قال لي: «أنا الخوري إيليّا برباري».
ومنذ ذلك الحين كنت أقصد الدير لأزور الراهبتين وأجالس الأب إيليّا برباري. أمّا السبب في نشر هذا البحث، فهو أنّ معظم الناس لا يعرفون من هو الأب إيليّا برباري.
وقبل الشروع بالبحث، اتّصلت بالأخت لولو صيبعة والأب جورج (برباري) أسألهما عن عائلة الأب إيليّا (برباري)، فتبرّع الأب جورج واهتمّ بالموضوع وحصل على رقم هاتف السيّد سامي ابن الأب إيليّا (برباري). زرت السيّد سامي برباري في منزله الكائن في بلدة «بطلّون» قرب بحمدون في السادس عشر من شهر آب 2021. خلال هذه الزيارة، أهداني السيّد سامي بعض الصور والكتابات عن والده.
ملاحظة مهمّة، وهي أنّني لست الوحيد الذي كتب عن الأب إيليّا (برباري)، أو أنا الناشر الوحيد لهذه المعلومات، إنّما من أراد الاطّلاع على السيرة الذاتيّة «للكاهن» من موقع الـــ (ويكيبيديا Wikipedia) يجد عددًا من الباحثين والمواقع قد نشرت عنه. أمّا أنا، فمساهم في هذه المجموعة ومتوجّه إلى الجيل الجديد، ممّن يحبّون أن يعرفوا عن آباء نشأوا في كنف الفكر الأنطاكيّ، وأن يعرفوا عن أيّ كاهن نتكلّم. وسيتضمن هذا البحث العناوين والأفكار التالية:
– سيرة ذاتيّة للأب إيليّا برباري.
– مقتطفات من مراسم دفنه السنة 1974.
الأب إيليّا برباري في سبعينيّات القرن الماضي
السيرة الذاتيّة
ولد الأب إيليّا في بلدة (سبنيه) حدث بيروت، بتاريخ 15 كانون الأوّل 1913، من والدين تقيّين هما: أندراوس برباري وراحيل حنّا برباري. انتقل في دراسته من مدرسة «تشارلي سعد» في الشويفات إلى مدرسة الثلاثة الأقمار التابعة لأبرشيّة بيروت في الأشرفيّة، ثمّ انتقل إلى المدرسة الإكليريكيّة في ديرالقديس جاورجيوس الحميراء في منطقة الحصن، وادي النصارى.
دخل الحياة الإكليريكيّة العام 1933، رسم شمّاسًا إنجيليًّا بتاريخ 29 حزيران 1936 (تذكار هامتي الرسل بطرس وبولس) بوضع يد المثلّث الرحمة المطران إيليّا (كرم) (مطران لبنان أو جبل لبنان) في كنيسة مار يوحنّا في البوشريّة. وفي السنة ذاتها (1936) تزوّج بماري يوسف ناصيف، وكان له منها غبريال وسامي.
رقّاه المطران إيليّا (كرم) إلى الرتبة الكهنوتيّة بتاريخ 5 تمّوز 1936، في كنيسة النبيّ إيليّاس في المكلّس. تنقّل بعدها في عمله الرعائيّ بين كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل في أنطلياس، التي خدم فيها تسعة أشهر، وكنيسة القدّيس جاورجيوس في عاليه، وأمضى فيها خمس سنوات.
يبدو أنّ الوضع في أبرشيّة جبل لبنان لم يلائم الأب إيليّا (برباري)، فتقدّم بطلب إلى المتروبوليت إيليّا (الصليبي) مطران بيروت ليلتحق بأبرشيّته، والسنة 1941 وافق المتروبوليت على التحاق الأب إيليّا بأبرشيّته، وعيّنه كاهنًا لمحلّة المصيطبة يخدم رعيّة الروم الأرثوذكس فيها.
نقله المتروبوليت إيليّا الصليبي في شهر حزيران من السنة 1954 إلى دير سيّدة الدخول في الأشرفيّة حيث تشغل هذا الدير راهبات يتبعن لأبرشيّة بيروت. بقي الأب إيليّا (برباري) يخدم في دير راهبات سيّدة الدخول رغم مرضه وعدم اكتراثه لحالته الصحّيّة، وكان مواظبًا على واجباته الرعائيّة في خدمة أبناء الرعيّة إلى حين وفاته ظهر يوم الجمعة الواقع فيه 24 أيّار 1974.
مقتطفات من مراسم دفن الأب إيليّا برباري
صدر عن أبرشيّة بيروت هذا النعي للأب إيليّا (برباري):
«فقدت أبرشيّة بيروت ظهر يوم الجمعة الواقع فيه 24– 5– 1974، أبًا روحيًّا واعيًا ورعًا هو قدس الأب إيليّا (برباري)، إثر ذبحة قلبيّة لم تمهله دقيقة واحدة. وكان لنبأ الوفاة صدى مؤثّر ومذهل صعب على الجميع تصديقه لما عرف به الفقيد من حيويّة عارمة واندفاع ونشاط. فتوافد على الفور إلى بيته أخوته رجال الإكليروس وجميع معارفه وأهله. ونعاه راعي الأبرشيّة الجليل المطران إيليّا (الصليبي) والأسقف غفرائيل (الصليبي)، معاونه، ومصفّ الكهنة في بيروت، وذلك بعد أن تحدّد موعد الصلاة عن نفسه وإجراء مراسم الدفن في كنيسة دير دخول السيّدة في الأشرفيّة، يوم السبت الساعة الخامسة بعد الظهر 25 أيّار 1974، ثمّ نقل جثمانه إلى دير الراهبات مساء الجمعة حيث سجّي هناك، وتناوب الكهنة على الصلاة وقراءة الأناجيل المقدّسة حتّى ساعة الدفن. كما أقيم صباح السبت القدّاس الإلهيّ عقبه ترتيب جنّاز الكهنة الخاصّ. وفي تمام الساعة الخامسة ترأس الأسقف غفرائيل صلاة الجنّاز بمشاركة الأسقف إلياس (نجم) ومعاونة سائر المصفّ الإكليريكيّ، وقد غصّت الكنيسة بالمؤمنين والمشيّعين الكثر الذين أتوا يودّعون أباهم الروحيّ الوداع الأخير، لأنّهم لمسوا مقدار تفاني الفقيد في خدمة أبناء الرعيّة، ومدى عشقه للطقوس الدينيّة، وهذا ما لـمّح إليه أيضًا الأسقف غفرائيل في تأبينه وبيّن النواحي المميّزة في حياة الراحل التي جعلت الكثيرين يتعلّقون به ويطلبون مشورته ومساعدته. وفي نهاية الصلاة حمل الكهنة النعش ليوارى الراحل الثرى في مقبرة الدير مأسوفًا عليه».
خاتمــــة
يعتبر الأب إيليّا برباري ركنًا مهمًّا من أركان أبرشيّة بيروت الأرثوذكسيّة، في فترة عصيبة من تاريخ مدينة بيروت الحديث. خدم رعيّته بشكل لائق، يليق برجل دين تعهّد أمام اللَّه، وعلى مذبحه، أن يخدمه عبر رعيّته المقدّسة التي أمّنه عليها عندما سيم كاهنًا ليخدم مذبحه.
لم يقتصر عمل الأب إيليّا (برباري) على الأمور الروحيّة والدينيّة، بل تعدّاه إلى الأمور الدنيويّة والحياتيّة التي كان أبناء رعيّته بأشدّ الحاجة إليها، من مساعدة ووعظ ومعالجة مشاكل اجتماعيّة تحدث بين البشر، في أيّة رعيّة كانوا.
خلال فترة من تاريخ خدمته في بيروت، واجه مصاعب كثيرة عبر تصرّفات رجال السلطة بحقّ أبناء رعيّته، فوقف بجانبهم حتّى إنّه كان يدافع عنهم متخطّيًا كلّ الأمور ومواجهًا الظلم بحمايتهم. كان الأمل الوحيد لهم من تصرّفات تعسفيّة كانت ترتكب بحقّهم.
مارس حياته على الأرض بين أبنائه الروحيّين متشبّثًا بهم كما أوصاه سيّده، أي إذا أردت أن تبدّد الرعيّة فتخلّص من الراعي. لكنّه بثباته وإيمانه بمعتقده حافظ بكامل قدرته على رعيّته ولم يسمح للشرّ بأن يبدّدها، لأنّه اتّكل على اللَّه، وقرّر أن يعيد الوزنات مع فوائدها ليقبله اللَّه في عداد أبنائه الذين اختارهم للخدمة.
فهنيئًا للأب إيليّا بحياته الأرضيّة، وهنيئًا له بإيمانه وورعه وثباته، وهنيئًا للرعيّة التي خدمها على الأرض، كي يكون خادمًا لها من السموات، وهنيئًا لمن يحبّه اللَّه كما أحبّ الأب إيليّا (برباري) في مسيرته الدينيّة والدنيويّة.
 الاب متري جرداق
مجلة النور

Viewing all articles
Browse latest Browse all 1470

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>