الفرق الخريستولوجية
ذات يوم كتبت في هرطقة كنت انوي نشرها في مجلة النشرة البطريركية لسان حال بطريركية انطاكية وسائر المشرق، وكنت وقتها في مهمة بطريركية في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي/ البلمند
وبالمصادفة كان مثلث الرحمات الشماس اللاهوتي والمحامي اللامع اسبيرو جبور وقد كان يرسل لي دوما محبته وادعيته على ما بذلته وابذله من اهتمام قي وثائقنا الانطاكية واظهارها بشكل يليق بكنيستنا الانطاكية، جالساً في احدى قاعات استقبال المعهد فدخلت وسلمت عليه بحرارة وكان رحمه الله قد صار ضعيف النظر جداً فلم يعرفني ولما عرفته بنفسي غمرني وقبلني مراراً معتذراً بأنه لسبب ضعف بصره لم يعرفني، والتقت الى مجالسيه وكانوا في معظمهم من طلاب المعهد معرفاً بي ومشيداً بغيرتي الآرثوذكسية وحرصي الشديد على التراث الانطاكي وتوثيقه واصداره في السلسلة التي كان يصدرها مركز الدراسات والابحاث الانطاكية بجامعة البلمند، طبعا الطلاب كلهم يعرفوني وكلهم كانوا مطرح مساعدتي في اطروحاتهم، طبعا اظهرت امتناني للشماس اسبيرو وخجلي من اطرائه بقولي حب الكنيسة والوطن ليسا بحاجة الى شكر وهذا هو واجبي وسألتي عن الزمن الذي امضيته في هذه الخدمة فأجبته اني منذ سنة 1987 وحتى الآن وكان هذا اللقاء قبل انتقاله الى الاخدار السماوية بحوالي السنة فزاد من دعواته لي، وكان حديثه مع الطلاب حول الانشقاقات والخلقيدونية واللاخلقيدونية فأعطيت رأي ومن خلال ماكتبت وتلوته على مسامعه ومسامع الطلاب وكانت ردة فعله في بهض النقاط عنيفة بابتسامة حلوة وصحح لي بعض النقاط الجوهرية… امضينا وقتها هنيهة ممتعة من العلم واللاهوت فهو قل تظيره من جهة الغيرة الارثوذكسية ولا يتساهل امام ارثوذكسيته الرسولية ابداً، وسيرته تشهد على غيرته ومعرفته اللاهوتية وتضلعه بالقانون والرعائيات…
بعد ايام وانا في مكتبة البطريركية جاءني احد الطلاب جاملاً ظرفاً من الشماس اسبيرو ففتخته ووجدت به هذه التدوينة اللاهوتية الرائعة التي قومت معرفتي وما كنت سأنشره، واخبرني الطالب ان الشماس لم يرد ان يعطيني اياها امام الطلاب لئلا يخدش معرفتي وفضل بارسالها لاحقاً الي في دمشق…
انا على الفور اتصلت بالبلمند وتحدثت معه شاكراً ومفتخراً بأني كنت من اصحاب المكانة عند هذا الكبير بتزويدي بهذه الدراسة العالية الاهمية…
ما رويته كان للأمانة والتاريخ واتشرف بأني ادرج هنا في تدوينتي هذه دراسته وفيها نذر يسير مما اقام به بالدفاع عن الايمان الارثوذكسي القويم بتجرد وطواعية… راجياً ان يتغمده الله برحمته، وسائلاً اياه وهو في علياء الملكوت ان يشملني بدعواته مع عائلتي وهو في الفردوس حيث يسكن بالتأكيد مع الابرار والشهداء والقديسين…بالمناسبة كتبت عنه في موقعي هنا تدوينتين ” العلامة الشماس اسبيرو جبور” و ” الشماس اسبيرو جبور عاشق انطاكية” وهو ابسط الواجب بحقه…
شكرا ابونا اسبيرو اذكرني في ملكوت الله.
تشهد الوثائق البطريركية لك…
الفرق الخريستولوجية
الأبولينارية المسيح اقنوم واحد، وطبيعة واحدة، ومشيئة واحدة، وفعل واحد، ابوليناريوس اسطوري.
ارسطو يقول إن الاتحاد بين كلين أمر غير ممكن. فإن كانت الطبيعة البشرية كلاً تاماً استحال بينها وبين الطبيعة الإلهية. لذا قال: إن الطبيعة البشرية في يسوع هي بدون نوس Nous (ذهن). ولكن بما أن يسوع هو كلمة الله (Logos)صار ذهناً لها. إذاً: الطبيعة البشرية في يسوع هي بدون Nous ” نفس عاقلة روحية” ( راجع الصفحة من كتابنا” سر التدبير الالهي”)
النسطورية: للمسيح أقنومان وثلاثة أشخاص وطلبعتان ومشيئة واحدة.
المونوفيزية ( الطبيعة الواحدة): اوطيخا، المسيح أقنوم واحدة قد ابتلعت الطبيعة البشرية.
الساوريون ( السريان- الأقباط-…): من ساويرس. قبل التجسد، اقنومان وطبيعتان ومشيئتان وفعلان. بعد التجسد الالهي: أقنوم واحد وطبيعة إلهية واحدة وفعل الهي واحد بدون امتزاج واختلاط.
يعيب عليهم القديس مكسيموس المعترف كونهم ” نسطورية جديدة”. في الحقيقة هم كما يلي
1- الصيغة الأولى صيغة نسطورية متطرفة تقول بمشيئتين وفعلين، بينما تقول النسطورية بمشيئة واحدة.
2- الصيغة الثانية أبولينارية وكيرللسية، هي أبو لينارية بالقول بأقنوم واحد وطبيعة واحدة. ولكنها تختلف عن ابوليناريوس بالقول إن الطبيعة البشرية تامة فيها روح وجسد. وهي كيرللسية بالقول: إن الطبيعتين ما اختلطا ولا امتزجتا كما قال اوطيخا، ولذلك فهي مونوفيزتية جديدة ليست بالأبولينارية ولا بالأوطيخية.
وهنا تختلط فيها الامور بين الايبولينارية والنسطورية والكيرللسية.
وقد اصدر الأب الفرنسي غوستاف لوبون في العام 1909 كتاباً ضخماً عن المونوفيزية السويرية ذهب فيه الى أن مونوفيزيتهم هي لفظية فساد رأيه في الاوساط المسيحية العالمية الا ان الشماس اسبيرو جبور تنبه لما جاء لدى مكسيموس المعترف وفي كتاباتهم بالعربية منذ 1951، فكتب الى صديقه جان كلود لارشيه يطالبه بجمع النصوص كلها من مكسيموس ودراستها. ولكنه لم يفهم تهمة مكسيموس المعترف قبل ان يبلغه الشماس اسبيرو الصيغة العربية الواردة اعلاه. ولكنه كان قد اصدر مئة صفحة رائعة بقلمه الرائع، لذلك يرى الشماس اسبيرو ان لوبون لم يطلع على مكسيموس المعترف فضَّلَّ السبيل، وتوهم ان مونوفيزيتهم لفظية، بينما هي في الحقيقة الواردة اعلاه ملبدة جداً وليست لفظية فقط. فعليهم أن يعيدوا النظر في هذا الخلط بين النسطورية والأبولينارية والكيرللسية وسواها.
وقد نجح لارشيه في موسكو وأثينا وسواها في توضيح الغموض الى حد بعيد. ولذلك طلبت موسكو اعادة الابحاث جميعا وفي تسالونيك كان للاستاذ لارشيه مداخلة جيدة، وكان الشماس اسبيرو قد بعث بمذكرات فرنسية الى البطاركة في اوربة ومعاهد اللاهوت ولارشيه. وأثبت لهم ان ثيوذوريتوس كان قطب الارثوذكسية في القرن الخامس ورفع آبار الكنيسة الكبار ( راجع تاريخ انطاكية، ترجمة المثلث الرحمات الاسقف استفانوس حداد، ص 470)
3- التجسد تم في لحظة واحدة، فلم تكن الطبيعة البشرية موجودة قبل هذه اللحظة. القول بوجود طبيعتين قبل التجسد وبالتصاقهما بعد التجسد نظرية اسطورية وأفلاطونية، أفلاطون يقول بسبق وجود الارواح، وهم يقولون بسبق وجود الطبيعة البشرية. أرسطو يقول بالتصاق الروح والجسد.
الأرثوذكسية تقول أن الابن ضم اليه الطبيعة البشرية التي خلقها الروح القدس الى اقنومه الإلهي في لحظة واحدة فصارت جزءاً من هذا الاقنوم الإلهي الى الأبد وهو جسد فيه “نفس هاقلة روحية”. (سر التدبير الالهي” صفحة 120).
4- قولهم بطبيعة واحدة يعني ان الطبيعة البشرية موجودة في الطبيعة الالهية، وهي بالتالي صارت طبيعة للثالوث القدوس، الأرثوذكسية تقول مع يوحنا الدمشقي وبالاماس إن الالوهة تجسدت في أقنوم الابن، فصارت الطبيعة الالهية متحدة بالطبيعة البشرية في اقنوم الابن فقط.
5- في كراسة قبطية صدرت في العام 1951 جاء أننا نقول إن يسوع هو إله وإنسان. في العام 1985 صدرت كراسة للبطريرك شنودة بعنوان ” الطبيعة الواحدة” يقول فيها القول نفسه. فرّدَّ عليه الشماس اسبيرو جبور في كتاب ” سألتني فأجبتك”. يسوع نفسه قال:” أنا إنسان” يوحنا (40:8). قال بولس في لك في أمكنة عديدة.
6- في 5/3/1972 صدر بيان البلمند الذ نشرته في كتابي ” سر التدبير الالهي” معجباً به. في آب من العام نفسه كتب البطريرك السرياني السابق (اغناطيوس زكا عيواص) في جريدة النهار متهماً اياناً بالنسطورية، فرددت عليه رداً كاسحاً اتهمتهم فيه بالمسؤولية هم واليهود عن الفتح الفارسي في العام 604م.
7- كتب في العام 1992 مطران جبل لبنان السرياني كتاب “مائدة أنطاكية” متمسكاً بالصيغة الواردة أعلاه إي أقنوم من اقنومين وطبيعة من طبيعتين و و…ثم كتب سواه مايؤيد ذلك. الاسقف تادروس يعقوب ملطي متمسك جداً بالطبيعة الواحدة.
8- في الاجتماعات المشتركة لايعترفون بما يكتبونه بالعربية فينخدع بهم الارثوذكس. اجتمعوا مع اللاهوتيين الكاثوليك في فيينا بحضور المخ الكاثوليكي الأكبر Grillmaier فحار في امرهم فانتقدته في “سر التدبير الالهي”. أما الآن فلا الومه لأنه لم بفهم صيغتهم التي فهمتها انا وشرحتها أعلاه. لذلك يجب محاصرتهم لتوضيح هذه النقاط جميعاً ووضع النقاط على الحروف.
9- قال الرب يسوع: “انا إنسان” يوحنا(40:8) لايمكن ان يكون يسوع إلا إنساناً تاماً كما هو إله تام. الانسان التام يكون ذا فعل بشري وذا مشيئة بشرية تامة، والا كان خيالاً ووهماً وسراباً، وكان التجسد الإلهي ظاهرياً بدون طبيعة بشرية حقيقية تامة. وهكذا يقع الناس في الظاهرية التي تقول إن التجسد كان ظاهرياً، عملياً الذين تركوا الطبيعة الواحدة وقالوا ان التجسد ظاهري.
10- الأرثوذكسية تركز على وحدة الأقنوم،أي الشخص، لأن بولس في أفسس(5:4) قالفي يسوع إنه رب واحد، ونقول ان هذا الشخص موجود في طبيعتين تامتين متحدتين الى أبد الآبدين بدون اختلاط وبدون امتزاج وبدون انشطار وبدون انفصال.
ونقول إن الطبيعةالبشرية موجودة في اقنوم يسوع فقط لأن يسوع وحده تجسد. ونقول إن يسوع قدم للطبيعة البشرية أي صار لها اقنوماً فليست اذاً بدون اقنوم، وبهذا امتلأت الطبيعة البشرية من انوار اللاهوت التي نحصل عليها نحن ايضا عندما نصير بالمعمودية أعضاء في جسد يسوع. قال بولس في كولوسي (9:2) “فيه حل ملء اللاهوت جسدياً”. فطبيعة يسوع البشرية ممتلئة من كل ماتستطيع احتماله من القوى الالهية والأنوار الإلهية بدون ان تكون قد صارت الهاً بالجوهر وانما صارت إلهاً بالنعمة.
11- النسطورية (أي الآشوريون) والأقباط وصحبهم محتاجون الى فهم عقيدة “التقنيم”. بدونها يبقون غير فاهمين لإيماننا الأرثوذكسي.
الاسباب الجوهرية للخلاف
في “سر التدبير الإلهي” ذكرتُ ان الأنثروبولوجيا الأرثوذكسية تقوم على الخريستولوجيا (علم المسيح). هذا يعني أن المرأة تحبل في لحظة يعلمها الله. يخلق الله الشخص فيه روح، والروح من الله والجسد من الةالدين. كما في التجسد الالهي: أي اتخذ شخص الابن طبيعة بشرية في لحظة خاطفة خلقها الروح القدس، فيها الجسد من مريم والروح من الروح القدس. هذه الأنثروبولوجية نسفت افلاطون وارسطو. التركيز فيها على الشخص أي على الأقنوم. في يسوع أقنوم في طبيعتين. في الانسان أقنوم في جسد وروح متحدين.
الضعف في كل هذه الفرق هو ضعف الأنثروبولوجية لأن اصحابها تابعون لأفلاطون وأرسطو كما ذكرنا.
الآن الكاثوليك تأثروا بالآباء الارثوذكسيين القدامى، فقالوا بالتصاق الروح بالجسد في لحظة الحبل، ولكنهم بقوا أرسطويين يقولون بالالتصاق. حتى الكتب الفلسفية الكاثوليكية التي لديّ تقول بالالتصاق وبأن الشخص ينتج من الالتصاق أي أنه مركب كيماوي.
أتذكر منهم الآن بالاسم الدكتور شوشار Paul CHauchard ولدي سواه…
إذاً بقي اللاتين بعيدين عن مفاهيمنا الشخصانية. مازالوا مرتبطين بأرسطو. نحن نركز على الشخص أي على الأقنوم في الثالوث وفي التجسد وهنا تكمن عبقرية اللاهوت الأرثوذكسي.