عودة السلطان…
يقع المسلمون في مغالطة كبرى حين يصفون الغزوات التي قام بها المسلمون الى العالم بالفتوحات الاسلامية، لأننا كمسلمين سنختبر نعيم هذه الفتوحات لاحقاً حين ستقع علينا.
هذه الغزوات المغلفه بغلاف الدين حقيقتها كانت تسليب المغانم وخطف السبايا نساءاً ورجالا ً وأطفالاً من ديارهم، واستعمالهم كعبيد أو بيعهم في أسواق النخاسة.
وهذه الغزوات هي التي أسقطت دولة الإسلام من داخلها، واستعدت علينا العالم الخارجي من حينها وحتى اليوم، وتصديقاً لما ذُكر نأخذ بعض الأمثلة. حين عاش أبو ذر الغفاري في الشام، شارك معاوية بن ابي سفيان عامل عثمان بن عفان على الشام في حملته ( لفتح ) قبرص، هاله ما رآه هناك من أهوال قام بها المسلمون من قتل وحرق وتسليب وخطف، فجاهر بنقمته على ذلك مستنكراً وقوعه تحت راية لا اله الا الله محمد رسول الله، فأسرها له معاويه في نفسه وتحيّن له الفرص حتى نفاه بأسوأ حال الى الربذه التي مات فيها.
تلك الغزوات هي التي أسقطت دولة الإسلام من داخلها، فقد كان المسلمون يعملون في ديارهم وكانت الحياة تسير بهم، حين جاءت الغزوات رأى المسلمون أن مكاسبها أجدى لهم من رزق العمل، فحملوا راية الفتوحات وخرجوا، تعطلت الاعمال والمصالح، وتخربت الزراعه والصناعه والتجاره، جاع المسلمون، فأمر عمر بمساعدة مالية مقدارها درهماً لكل مسلم من بيت المال، لكن الأوضاع بقيت سيئة، قُتل عمر على يد سبيٌ فارسي هو ابو لؤلؤه فيروز، جُلب الى الحجاز مع من جُلب من السبي عند ( فتح ) بلاد فارس.
حين تسلم عثمان الخلافة، زاد عطاء بيت المال لكل مسلم من درهم الى درهمين، فزاد الوضع سوءاً، حيث تضاعفت الأسعار مع بقاء حالة الجوع، فعمَ الهياج وتم انتقاد الخليفة وتحميله الذنوب ومحاسبته على أدق الأمور فوقعت الفتنة الكبرى وادى الأمر الى مقتله.
تلك الغزوات إستعدت العالم علينا ومازالت، في العام 1453 ميلادي قام الخليفه العثماني محمد ( الفاتح ) ب ( فتح ) القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية بعد حصار حوالي شهرين، وقعت اثناء (هذا الفتح) جرائم يندى لها الجبين على كتابيينَ من أهل الذمة (مسيحيين) يؤمنون بالله ولم تكن واقعة على عبدة أوثان.
شكّل ذلك ضربه موجعه للعالم المسيحي والبابويَّه الكاثوليكيَّه رُغم الاختلاف والخلاف المذهبي والعقائدي بين الكنيستين الشرقيَّه الأرثوذكسيَّه والغربيَّه الكاثوليكيَّه، ذلك ان القسطنطينيه كانت عائقاً وحاجزأ بوجه التوغل الإسلامي في اوربة، وحين سقطت أصبح بإمكان العثمانيين المضي في غزواتهم دون أي ما يثنيهم عن أهدافهم، وحين قام محمد الفاتح بنقل عاصمته من أدرنه (أضنة) الى القسطنطينه وقام بتغيير اسمها الى : اسلام بول اي: تخت الاسلام، فهو قد إستعدى العالم على المسلمين اذا تحدثنا بلغة ارنولد توينبي Arnold J. Toynbee ونظريته في التحدي والإستجابهة
Challenge and Response Theory
فإن سقوط القسطنطينيه ومنذ العام 1453 وحتى اليوم يشكل تحدياً للعالم الغربي المسيحي، واستجابتهم له مستمرة بجعل العالم الإسلامي متخلفاً تابعاً لا تقوم له قائمة، فاذا كان هذا التخلف يشكل تحدياً لنا كمسلمين، فكيف ستكون استجابتنا للرد عليه في ظل حكومات الفساد والإفساد، التي تحكم عالمنا الإسلامي؟
إتسع العالم الإسلامي وأُدخلت فيه أقوام شتى برضاها أو بغيره، وهي أقوام لها أطماعها ايضاً، ثم جاء اليوم الذي أصبح فيه المسلمون يحتلون ديار أخوانهم المسلمين، في العراق وبحمد الله ونعمته تم احتلالنا من قبل مسلمين عدة مرات…نعمنا بالإحتلال الحجازي في عهد عمر، ثم احتلنا البويهيون والسلاجقه والعثمانيون والصفويون والمماليك، لكن اغلبنا لايسمي ذلك احتلالاً لأن المحتل مسلم..! البريطانيون والأمريكان وحدهم من نطلق عليهم صفة: محتل .. ! لأنهم غير مسلمين مع أن لافرق بين احتلال واحتلال .. فكل من يصادر حرية قرارك ويجبرك على التقيد بشروطه ويقاسمك خيرات بلادك هو محتل كائناً من يكون…
في العام 2019 وفي خطاب الرئيس اللبناني ميشال عون لمناسبة مئوية لبنان الكبير، تحدث عن المآسي التي عاشها لبنان الكبير، في ظل فترة الاستعمار العثماني، فتم استنكار خطابه من قبل الخارجية التركية، وتم استدعاء السفير اللبناني في تركيا لإبلاغه بذلك، فردّت وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان باستدعاء السفير التركي للاستيضاح منه حول بيان خارجية بلاده بشأن خطاب الرئيس اللبناني، حيث استهجنت الخارجية اللبنانية البيان الصادر عن وزارة الخارجيه التركيه بهذا الخصوص، معلنة إدانتها ورفضها لطريقة التخاطب مع الرئيس اللبناني الذي تحدث عن أحداث تاريخية، واجهها لبنان في ظل الحكم العثماني، من تخلف وجوع وأعمال سخرة وتجنيد إجباري في حروب عثمانية لادخل للبنان بها ولا طائل له منها. كما ذكر الرئيس عون في خطابه أن كل محاولات التحرر من النير العثماني كانت تقابل بالعنف والقتل والإعدامات الوحشية وإذكاء الفتن الطائفية، وأن إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين خاصة خلال الحرب العالمية الأولى، كان قد أودى بحياة مئات آلاف الضحايا،
ولأننا نعيش مجدداً في زمان صراع الآق قوينلو مع القره قوينلو فقد قامت (جماعة لبنانية) بتعليق لافته على بوابة السفارة التركية في بيروت تحمل علم تركيا مع صورة جمجمة مغطاة بالدماء وعبارة ”انتو كمان انضبّوا” وتعني: “أنتم أيضا الزموا حدودكم”.
ولأننا نعيش في زمن (ديمقراطي) فقد نقلت وكالة الأناضول خبراً أفادت فيه بأن (ناشطين لبنانيين) مناصرين للوجود العثماني الجديد في لبنان، قاموا بإطلاق وسم بعنوان:” # خلافتنا_نور_عهدكم_ظلام ” عبر موقع تويتر ناشرين العلم التركي، وصورة السلطان عبد الحميد الثاني في إشارة إلى رفضهم تصريحات الرئيس اللبناني ميشال عون ضد الدوله العثمانيه. ثم استدعت وزارة الخارجيه التركيه السفير اللبناني لدى أنقره غسان المعلّم وأبلغته انزعاج انقره من العمل الإستفزازي الذي تعرضت له السفارة التركية في بيروت.!
يتناسى المدافعون عن الوجود العثماني في لبنان، أن ذلك الوجود لم يختلف أبداً عن فترة الإنتداب الفرنسي عقب الحرب العالمية الأولى، ولا عن فترة العبث الفلسطيني في لبنان بعد أحداث ما يعرف بأيلول الأسود، ذلك العبث الذي أشعل الحرب الأهلية في لبنان , ولا يختلف عن فترة الإحتلال السوري للبنان الذي أمرت به الجامعه العربيه نزولاً عند رغبة أنور السادات لحماية أمن اسرائيل بعد تطبيعه معها، فخوًلت الجامعةُ الجيشَ السوري دخول لبنان تحت عنوان:” حماية السكان المدنيين من المناوشات الجاريه بين منظمة التحرير الفلسطينيه والقوات الإسرائيليه” وفي حقيقته هو أمر بإخراج منظمة التحرير الفلسطينيه من لبنان. ولا يختلف عن نظام الدولة داخل الدولة الذي يمارسه حزب الله اللبناني المدعوم من ايران على أرض لبنان.
يتناسى المدافعون أساساً أن هناك التباس كبير حول علاقة السلطنه العثمانية، بالخلافة الإسلامية العربية فأثناء معركة مرج دابق سنة 1516 قبض السلطان العثماني سليم الأول على الخليفة المتوكل على الله، واقتاده إلى مصر، ثم إلى إسطنبول ونفاه إلى منطقة نائية في الريف التركي بعد أن انتزع منه بردة النبي وذخائره النبويه وهي العصا والحذاء والخاتم وخصلة من الشعر, وبعد موت السلطان والخليفة حصل خلاف حول مصير الخلافة، العثمانيون ادعوا أن المتوكل تنازل عنها للسلطان سليم الأول، والمسلمون العرب ينفون ذلك التنازل، أما الفقهاء فيعتبرون أي تنازل غير مرفق بالبيعة فهو موضوع طعن…
السلطات اللبنانيه وفي موضع دفاعها عن موقفها ذكرت أن هناك قطيعه وراثيه بين تركيا المعاصره والسلطنه العثمانيه أكدتها تركيا برفضها الاعتراف بمسؤوليتها عن إبادة الأرمن 1915، وعلى أساس هذه القطيعه الوراثيه فلبنان يتعامل مع تركيا كدوله صديقه ويعتبر علاقاته معها ضروريه ومفيده لذلك لا يفترض بحكومة تركيا أن تتأثر عند انتقاد السياسه العثمانيه، وهذا بالضبط يثير حفيظة اردوغان ويصيبه في مقتل وهو الذي يعتبر نفسه اسلامياً منسلخاً عن تركيا اتاتورك العلمانيه، حالماً حلماً وردياً بتنصيب نفسه خليفة للمسلمين عند قدوم تموز 2023 بعد انتهاء مفعول معاهدة لوزان التي كبلت تركيا عن أطماعها العثمانيه قرناً كاملاً.
خليفة للمسلمين ونساء بلاده مسموح لهن بيع الجسد شرط الحصول على ترخيص حكومي لغرض المحاسبة الضريبيه , خليفة للمسلمين بتعطيش ملايين المسلمين بحجز المياه خلف السدود وتجفيف الأنهار , خليفة للمسلمين في ظل إستعداء متواصل لأمم أوربة والغرب على الإسلام والمسلمين وما تحويل كاتدرائية أيا صوفيا المسيحيه الى جامع والصلاة فيها الا الإستعداء بعينه، لا بل أن تركيا التي انضمت الى حلف الناتو كعضو ثانوي إبان العدوان الثلاثيني على العراق 1991 أصبحت تتحكم بسياسات حلف الناتو حيث أرجأت لأجل غير مسمّى اجتماعاً مع السويد وفنلندا بشأن انضمامهما إلى حلف شمال الأطلسي الناتو وفق ما أفادت وسائل إعلام تركية رسميه قبل يومين.
سابقاً تذرعت بتواجد اعضاء من حزب العمال التركي على اراضي السويد وفنلندا لغرض التأجيل… واليوم بحجة قيام متطرف يميني بحرق نسخة من القرآن الكريم … ناسيا ًالسلطان العثماني أو متناسياً معنى تحويل كاتدرائية آيا صوفيا الى جامع للمسلمين…
إنه السلطان العثماني يا ساده .. فقط انتظروا حتى تموز المقبل ..
الشاعر الأمريكي من أصل افريقي
لانكستون هيوز Langston Hughes
كتب يقول: “كل الجلادين لهم نفس العيون ونفس النظرة.”