تذكر الروايات التاريخية، أن قرية صغيرة تبعد عن اللاذقية 5 كم وبقطر دائري لا يتجاوز 2 كم، كانت عبر التاريخ ممراً هاماً يصل بين نبع “بسنادا” ومخازن الغذاء والكساء في قرية “بكسا” ومدينة “اللاذقية” الفينيقية ومن ثم الرومانية جنوباً وصولاً إلى شواطئ “أوغاريت” شمالاً.
.
سُمي هذا الطريق باسم طريق “القبو” بسبب انخفاض مستواه عمّا يحيط به، فهو يجري في وادٍ منخفض تتربع على جانبيه تلال الزيتون والحمضيات، وقد أمّن له هذا الانخفاض حماية من اعتداءات قُطاع الطرق وغيرهم، وقد تواجدت عليها نقاط دفاعية بقيت بعض آثارها.
.
وقد ذكرت “بكسا” في حوليات “أوغاريت” كمخزن للحبوب التابعة إلى مملكة أوغاريت مع “سيانو” و”جابلا”.في داخل “بكسا” يتجه الطريق إلى معاصر الزيتون القديمة التي اختفت آثار أغلبها فلم يبق منها سوى (الباطوس القديم)،
ويمر بالساحة الرئيسية للقرية، كما يمر بعدد من البيوت القديمة جداً،
كما يمر بنفس المنطقة التي اكتشفت فيها أدوات الاستيطان البشري القديمة.يتغير اسم الطريق بعد أن يخرج من “بكسا”، ويتابع إلى قرية “القنجرة” القريبة وهي إحدى القرى الملحقة بمملكة أوغاريت أيضاً، ليصل في آخر الأمر إلى أوغاريت.
.
يضيع الزائر إلى قرية “بكسا” اليوم بين عمرانها الحديث وخضرتها المتسعة، وبين حداثتها وعراقتها الموغلة في قدم التاريخ، فهي أقدم من “أوغاريت” بآلاف السنين.
.
وهي قرية تاريخية عريقة تخفر المتوسط عن قرب بخط نظر لا يتجاوز 5 كم وتطل على سد القنجرة من الشمال وتبعد عن مدينة اللاذقية 10 كم،
.
وحتى تصل إلى “بكسا” ليس عليك السؤال كثيراً، فإما أن تتجه:
• من طريق “اللاذقية ـ كسب” الدولي عند منطقة “كرسانا” مفرق “القنجرة” ثم إلى القرية من طريق “القبو” القديم،
• أو أن تقصدها من طريق “مدينة اللاذقية ـ المشيرفة” الرئيسي
فلا تبعد القرية عن مركز المدينة سوى ثمانية كيلومترات.
.
بكسا قرية كبيرة يبلغ عدد سكانها نحو12 آلف نسمة يتوزعون على 1200 بيت تقريباً، إلا أن عدد السكان الحقيقي اليوم يتجاوز هذا الرقم بسبب النهضة العمرانية الكثيفة التي شهدتها المنطقة منذ سنوات،
وتوافد العديد من السكان إليها نظراً لانخفاض أسعار العقارات مقارنة مع المدينة، إضافة إلى توافر مختلف أنواع الخدمات التي يحتاجها الناس، وقربها من المدينة.
.
بكسا ذات موقع جغرافي جميل تتوسط الكثير من القرى ذات الكثافة السكانية الكبيرة (المشيرفة، ستمرخو، سقوبين، القنجرة)
وقد تم إحداث البلدية فيها حديثاً بتاريخ 1/3/2019 بعد أن جرى فصلها عن بلدية القنجرة
.
وتمتد فوق هضبة منبسطة متدرجة المستويات تضم إلى جانب “بكسا” قرى تجاورها شرقاً وشمالاً مثل “المشيرفة”،
وتنتهي الهضبة بسهل منبسط يمتد حتى القرى المجاورة غرباً وجنوباً هي “القنجرة”، و”جناتا”،
وترتفع الهضبة عن سطح البحر أكثر من مئة متر بقليل.
.
تتميز القرية بأن تربتها في أغلب سطحها بيضاء، أي إنها تربة غنية وصالحة للزراعة خاصة البعلية التي تعتمد مياه الأمطار، وهذا ما اكتشفه السكان مبكراً فغطيت الهضبة بأشجار الزيتون والحمضيات والفواكه الصيفية، مثل الرمان والتين والعنب والتوت.
.
أما الزراعة المروية فتعتمد على استجرار المياه من السد المجاور (سد القنجرة) وقد قام ببنائه الأهالي، فتزرع الخضار بأنواعها، وتبلغ مساحة القرية مع الأراضي المزروعة في محيطها مئة هكتار.
.
وقد ضُمت القرية بعد عام 2012 إلى تجمع “جناتا” و”القنجرة”؛ لتشكيل بلدة من الدرجة الثالثة، حيث تم توفير مركز لصيانة الكهرباء وثلاث جمعيات فلاحية (واحدة لكل قرية)، ووحدة إرشادية وملعب كرة قدم وخدمات أخرى متصلة.(قبل ان تحدث فيها البلدية الجديدة عام2019)
.
تتواجد في “بكسا” المدارس الابتدائية والإعدادية، ويكمل طلاب القرية دراستهم الثانوية إما في قرية “المشيرفة” القريبة أو في “جناتا” أو في المدينة،
.
وتكاد تنعدم الأمية في القرية، فغالبية السكان حصلوا على تعليم أساسي باستثناء بعض كبار السن،
وتعد مدرسة “بكسا” الإعدادية من المدارس القديمة في المنطقة فقد أنشئت منتصف الخمسينيات،
وهي من المدارس شبه النموذجية في المحافظة ومن المدارس المشهورة بتقديم المتفوقين والمتميزين لكنها تعاني من فائض الطلاب في حلقة التعليم الأساسي بسبب الكثافة السكانية،
ومن أبرز الشخصيات التي خرجت من “بكسا” الفنان السوري الكبير “أسعد فضة”.
.
في بكسا التي لا يتجاوز عدد سكانها 12 آلف نسمة، يبلغ عدد الأطباء بها 100 طبيب و1400 مهندس من كافة الاختصاصات، وأستاذة جامعة قرابة 10 ، وطلاب جامعة ينوف عددهم عن 300 طالب، وشعراء ونحاتين وأدباء ومنها فنانين كما ذكرنا سابقا
وأحرز طلبتها لقب الأول على سورية في شهادة الثانوية العلمية اعوام2011 و2012 وهم أوس عزت لايقة، سومر يوسف بدور، ريان طلال صبوح.
الاهتمام العلمي هو العنصر الحديث الذي يكسو بكسا، إضافة إلى مواهب ذاتية خلاقة سمتها الإبداع.
.
ذكرت “بكسا” في التاريخ باعتبارها أحد مراكز الاستيطان البشري الأول، فقد كشفت التنقيبات الأثرية التي أجرتها البعثتان السورية والفرنسية في ثمانينيات القرن الماضي في محيط القرية عن استخدام أدوات حجرية مصنوعة من الصوان بحجم قبضة اليد لها قبضة مستديرة وحدّان عاملان.
وتعد هذه الأدوات الأولى في الشرق العربي، وهي أدوات تشبه أدوات موقع “ستمرخو” المعروف عالمياً (ينسب لها في علم الإناسة ما يسمى “إنسان ستمرخو”) ولكنها أكثر تطوراً،كسا مخازن الحبوب والكساء
.
كما كشفت أن استيطان الإنسان القديم في هذه المنطقة بدأ منذ أكثر من 700 ألف عام، ويشير العالم الفرنسي “فرانسوا بورد” في كتابه “نمطية أدوات العصر الحجري القديم الأسفل والأوسط” إلى أن الإنسان القديم عاش في كهوف قريبة من مصبات المياه والينابيع لحاجته الدائمة إلى المياه، ومنها “بكسا”، و”ستمرخو”، و”الهنادي”، و”الشير”، وغيرها.
.
القنجرة
• أن حرف “الباء” في الكلمة من كلمة “بَـت” الآرامية التي تعني البيت أو المقام أو الهيكل،
• في حين يرى المطران “يعقوب منَّـا” في “القاموس الكلداني” أنها تعني “المحبرة” أو “الكأس” واللفظ يوناني،
• ويرى اخرون أن لفظة “كسا” كنعانية الأصل وتعني بيت الكساء والحياكة، وهو الوجه الأقرب إلى الدقة باعتبار أن “بكسا” ذكرت في مراسلات أوغاريت بصفتها “مخازن للحبوب والكساء”.أي المكان الذي توضع فيه مؤونة القرى المجاورة،
.
من أهم الأماكن السياحية في القرية بحيرتها التي تتوسط القرى الثلاث (بكسا، القنجرة، جناتا)، وهي من أهم البحيرات في المنطقة وتبلغ مساحتها ما يقارب عشرة هكتارات،
وتتميز البحيرة بغزارة مياهها وإطلالتها الساحرة على مشهد أخضر يمتد حتى القرى المجاورة موزعاً على أشجار الحمضيات والفواكه حتى البحر،
وقد أنشئت عام 1982، وتستفيد منها القرى الثلاث في سقاية المزروعات والري وصيد السمك، كما أقيمت على ضفافها مطاعم ومتنزهات شعبية كثيرة، تساهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لكامل المنطقة.
.
وكان يطلق عليها (تل بكسا وجبرو) التي يوجد فيها قلعة أثرية مهملة، وهي قرية متقدمة من حيث حركة العلم والثقافة والشهادات العلمية العالية والفنانين والشعراء، ومعظم سكانها يعملون بالزراعة ومؤسسات الدولة وتجود فيها زراعة الحمضيات والزيتون وسائر الخضراوات ويوجد في القرية نصب تذكاري لشهداء القرية من تقدمة المختار.
.
تنتشر القرية على مساحة حوالي 1500 هكتار وتوجد فيها ثلاث معاصر زيتون (اثنتان حديثتان وواحدة قديمة) ويتم إرواؤها بمياه الشرب من وحدة مياه القلوف، ينابيع الصفصاف وإرواء أراضيها من الشمال من خطوط ري 16 تشرين، ومن الغرب من سد القنجرة وتخديمها إرشادياً من الوحدة الإرشادية الزراعية في ستمرخو،
ويتم تخديمها بالخدمة الهاتفية وبوابات الأنترنت من مقسم القنجرة،.
وهناك جمعية فلاحية تقوم بتخديم القرية ومزرعتها بالأسمدة والأعلاف حسب المتوفر في مستودعات المؤسسة العامة، ويوجد فيها فرن آلي خاص يمد القرية والكثير من أبناء القرى المجاورة بالرغيف الجيد،
.
كمايوجد في بكسا جمعية خيرية مرخصة من مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل تقوم بتقديم الخدمات المجانية في حالات الوفاة والواجب والعزاء، ودعم أسر الشهداء والجرحى والمحتاجين بتقديم سلات غذائية شهرية وتوزيع الأدوية على جرحى القوات المسلحة بشكل مباشر أو عبر هبات نقدية.
.
ويغلب ضيق الشوارع على معظم الأحياء فيها، وهي مخدمة بالصرف الصحي ماعدا الحارة الشمالية التي تقع على كتف سد القنجرة لحماية السد من التلوث.