التأثير الحضاري للمسيحية
التأثير الحضاري للمسيحية مُعقّد ويشمل مجالات الحضارة كافة؛ حيث لعبت المسيحية دوراً رئيساً في تشكيل أسس وسمات الثقافة والحضارة العالمية إذ أثرّت المسيحية بشكل كبير على المجتمع الاوربي بداية ثم العالمي ككل بما في ذلك الفنون واللغة والحياة السياسية والقانون وحياة الاسرة والموسيقى. تلونت طريقة التفكير تحت تأثير المسيحية ما يقرب ألفي سنة من تاريخ العالم الغربي، كما كانت مصدرًا رئيساً للتعليم فقد تم تأسيس العديد من كبرى الجامعات في العالم من قبل الكنيسة ، ويُشير عدد من الباحثين والمؤرخين كذلك إلى دور المسيحية الرائد في رعاية وتطوير العلوم، فقد كانت أيضاً المسؤول الرئيس عن نشوء بعضها كعلم الوراثة، وساهمت في ظهور الثورة العلمية، إلى جانب تقديم الرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية. كما كان لها تأثير واضح في العمارة فقد أنتجت كاتدرائيات لا يزال بعضها يشهد مآثر وروائع الهندسة المعمارية الأكثر شهرًة في الحضارة الاوربية والانتشار. كان دور المسيحية في الحضارة متشابكًا بشكل معقد في تاريخ وتشكيل أسس المجتمع المسكوني، وكان جزءٌ كبيراً من تاريخ الكنيسة مرتبطًا بالأمبراطورية الرومانية روما والقسطنطينية.
نشأت المسيحية بداية من اليهودية ” انا ماجئت لأنقض بل جئت لأتمم”، ولذلك تعرضت للاضطهاد الشديد من اليهودية كما في الشهداء الاوائل اطفال بيت لحم ثم موجة الاضطهادات اليهودية الدموية الشديدة فلجأ العديد من المسيحيين في النصف الاول من القرن الاول المسيحي الى انطاكية عاصمة الشرق الروماني. وكانت الامبراطورية الرومانية لاتنظر الى المسيحيين على انهم خارجون عن القانون بل اعتبرتهم شيعة يهودية وتركت امرهم كونه لايعنيها لليهود انفسهم حيث عرفوا بأنهم طريقة يهودية جديدة، كما في استشهاد اول الشمامسة استفانوس رجما بيد اليهود بعد صعود الرب الى السماء، وكما في ايفاد مجمع اليهود العالمي ومركزه اورشليم (السنهدريم) شاول المضطهد على رأس قوة عسكرية الى دمشق لاقتياد المسيحيين الى اورشليم ليتم ايقاع العقاب بهم، ولكن الرب اصطاد شاول على الطريق الى دمشق وتحول من مضطهد الى الرسول الاول بولس الرسول، بل هامة الرسل بعد مقابلته الرهيبة للرب يسوع على طريق دمشق في منطقة كوكب بقرب دمشق (هناك دير رؤية القديس بولس البطريركي) واصابته بالعمى ثم عماده في دمشق بيد اسقفها حنانيا الرسول.
ولكن بعد ذلك شعرت الامبراطورية الرومانية صاحبة عبادة شخص الامبراطور على انه اله، ان المسيحيين يكفرون بذلك وبالوثنية وآلهتها، وهي محور الامبراطورية الرومانية مايهدد وحدتها، فشنت حملات ضاريةعلى المسيحيين افنت مئات الألوف منهم حرقاً كمشاعل في قصور الولاة والامبراطور، وذبحاً وطعاماً للوحوش وفي المصارعات الدموية، لكن المسيحية صمدت لأن الرب يسوع مؤسسها في وسطها فلم تتزعزع بل نمت كحبات الحنطة وشملت كل المسكونة اي الامبراطورية الرومانية التي شملت العالم المشرقي واوربة اضافة الى بلاد فارس والهند وشرق آسيا… أصبحت المسيحية في عام 330 مسيحية الديانة الرسمية للامبراطورية الرومانية، فشاركت في السياسة الأوروبية لاحقاً، ولا يزال تأثيرها السياسي راسخ حتى اليوم في العالم الغربي والتابع له، ثم عودتها الى صدارة المجتمع في اوربة الشرقية وصار فيها عدد من البطريركيات الارثوذكسية كروسيا وبلغاريا وصربيا ورومانيا وجورجيا ورئاسات اساقفة في بقية اوربة الشرقية اضافة الى اليونان وقبرص…
وكانت تعاليم الرب يسوع والوصايا العشر مصدر الهام للقوانين الغربية بأساسها المسيحي، وذات تأثير أخلاقي على الفكر االعالمي بما في ذلك شرعة حقوق الانسان في الامم المتحدة والقانون الدولي العام والخاص والمنظمات الانسانية الدولية، ومنظمات الطفولة الدولية وحماية اللاجئين، وشكلّت تعاليم الرب يسوع والكتاب المقدس وخاصة العهد الجديد واحدة من ركائز الحضارة اينما انتشرت المسيحية، وتركت بصمة واضحة على الفلسفة الاوربية بشقيها الغربي والشرقي. بعض من أمثال الرب يسوع له المجد، مِثل مََثل السامري الصالح، تعد اليوم مصدرًا مهمًا لمفاهيم حقوق الانسان، وكان أيضًا لتعاليم المسيحية ولاهوتها أثر على الزواج والحياة العائلية بتقديس الزواج كونه سر الهي، كذلك كان للمرأة نصيب من المسيحية حيث رفعت الكنيسة من قيمتها فأصبحت مساوية للرجل بكل شيء وزادت من تأثيرها على المجتمع، وكان لها دور بارز في تاريخ المسيحية وانتشارها.
اعتمدت الكنيسة على كلام الرب يسوع بنقاء الاطفال ” ان لم تصيروا كالأطفال فلن تدخلوا ملكوت السماوات” لذلك نقول في طروبارية الشعانين “لذلك ونحن كالأطفال نحمل علامات الغلبة والظفر صارخين اليك ياغالب الموت أوصنا في الأعالي مبارك الآتي باسم الرب”.
الكنيسة حاربت ظاهرة الطلاق وتعدد الزوجات، “ذكراً وانثى جمعهما” وقوله” انموا واكثروا واملأوا الارض” ورفضا للطلاق”وماجمعه الله لايفرقنه انسان”، ومنع زواج الأقارب كما في الكنيسة الارثوذكسية لمنع الامراض والعاهات…وحض على اخلاقيات الاسرة ومنع سفاح المحارم، والمثلية الجنسية كما هو مشرعن اليوم بكل اسف، كذلك تعدد الزوجات والتحول الجنسي، وتنظيم النسل والاجهاض والخيانة الزوجية.
لا يتوقف تأثير المسيحية على الحضارة االعالمية السائدة اليوم، فقد لعب المسيحيون أيضًا دورًا بارزًا ورياديًا في تطوير معالم الحضارة الاسلامية والشرقية لاحقاً، وكانت لهم اليد الطولى والمساهمة الأكبر في صنعهما. ففي عهد الدولة العباسية نشط المسيحيون في الترجمة من اليونانية وحضارتها المتنوعة مروراً بالسريانية ومنها للعربية، حيث كان معظم المترجمين في بيت الحكمة من المسيحيين، ضافة الى مراكز اعتقال الجنود الروم وقد صارت في الخلافة العباسية مراكز لنقل الفكر اليوناني الى العربية، ونشطوا أيضًا بالفلسفة اليونانية والطب والعلوم والرياضيات والفيزياء عن اليونان والرومان فاعتمد عليهم الخلفاء العباسيون، كما وقاد المسيحيون في العصر الحديث النهضة العربية اواخر القرن التاسع عشر،وكانوا رواد القومية العربية وهم من بعثها، وهم جيل المتنورين الشوام والمصريين رداً على التتريك بشعار الخلافة الاسلامية ومحورها الاتراك، واسسوا الصحف والمدارس والجمعيات الأدبية والسياسية، وكافأهم الاتراك باعدامهم على اعواد المشانق في 6 ايار 1916 في بيروت ودمشق ولولاهم لذابت اللغة العربية، وحتى اليوم لهم الدور الفعّال في العالمين العربي والاسلامي في مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكانوا طليعة النضال في بناء الدول العربية في بلاد الشام والرافدين ووادي النيل، ومقارعة الانتدابين الفرنسي والانكليزي ووعد بلفور وسقط منهم مئات الشهداء على بطاح فلسطين في 1948ونكل اليهود بهم ولايزالوا يدفعون ضريبة الدم في فلسطين حفاظاً على عروبة فلسطين وسورية ولبنان والعراق ومصر واول الشهيد السوري اللاذقي جول جمال بطل قناة السويس 1956 الذي بكل اسف يُعتم عليه…! كذلك الأمر في الشرق الأقصى وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وشبه القارة الهندية والفيليبين والعالم الجديد في جنوب شرق آسيا والاميركيتين، للمسيحية إرث عريق بالمحبة والانفتاح على الآخر وحب الاوطان وبنائهاولا يزال في كافة المجالات .
واقع المسيحية عالمياً
تعتبر المسيحية أكبر ديانة في العالم إذ يبلغ عدد أتباعها أكثر من 2.2 مليار نسمة، وتأثيرها على العالم كله واضح من خلال إنتشار ثقافتها الدينية؛ في أعيادها الكبرى كالفصح والميلاد كونها أيام عطل رسمية للأمم الغربية ولعدد كبير من الدول الغير مسيحية، ولكون تقويمها، التقويم الميلادي هو التقويم الأكثر انتشارًا في العالم، وهو التقويم الدولي في العصر الحديث، وفي (أنو دوميني) أي تقسيم تواريخ البشرية إلى قبل وبعد ميلاد الرب يسوع مؤسس الكنيسة، وفي دور المسيحية ودور ابنائها الهام في تطوير الحضارة، إذ ذكرت 75 شخصية مسيحية من مختلف المجالات في “كتاب الخالدون المائة” في قائمة المائة شخصية الأكثر تأثيرًا في تاريخ البشرية، كما أنَّ حوالي (65.4%) من الحاصلين على جائزة نوبل بين الأعوام 1901- 2000 كانوا من المسيحيين وبات للمسيحية بصمة واضحة في الحضارة العالمية وتاريخ البشرية على مختلف الأصعدة.
انتُقدت العديد من الإجراءات الكنسيّة والتي كان لها تأثير عميق على المجتمع الغربي، تجدر الإشارة بوجه خاص الانتقادت الموجهة إلى الممارسات التعسفية والقاسية عبر التاريخ لمحاكم التفتيش الرومانية والاسبانية الكاثوليكية بحق ارثوذكس السواحل الغربية الايطالية وشبه الجزيرة الايبيرية ( اسبانيا والبرتغال لجعلهم لاتينيين ونجح اليسوعيون وامثالهم بذلك). ثم ممارسات البابوية التي شقت الكنيسة الكاثوليكية كصكوك الغفران والتي انشق بسببها الراهب اليسوعي مارتن لوثر ورفيقه كالفن وانشأآ البروتستانتية احتجاجاً ( البروتستانت اي المحتجون من فعل Protester الفرنسي …فخسرت الكنيسة البابوية نصف اتباعها. وفي بعض القضايا اللاهوتية ككهنوت المرأة وتحريم زواج المثليين…عند بعض الفئات البروتستانتية الرافضة لكل تنظيم قامت به الكنيسة الجامعة منذ عهد الرسل والمجامع المسكونية وحتى الانشقاق الكبيرعام 1054حفاظاً على نقاء المسيحية وماعلمنا اياه ربنا يسوع المسيح ومجمع الرسل وقوانينهم وقوانين المجامع المسكونية السبعة المنظمة للكنيسة.
مساهمة المسيحيين في الحضارة العالمية
على مر العصور ساهم كل من رجال الدين والعلمانيين المسيحيين على حد سواء مساهمات كبيرة في تطوير الحضارة الانسانية، كما ويُذكر أن هناك المئات من المسيحيين البارزين الذين ساهموا في الحضارة الإنسانية والمجتمع الغربي من خلال تعزيز وتطويرالعلوم، والطب، والفن، والموسيقى، والأدب، والمسرح، 75 شخصية مسيحية من مختلف المجالات. وذَكَرَ كتابُ “ذكرى 100 عام لجائزة نوبل” أنَّ حوالي (65.4%) من الحاصلين على جائزة نوبل بين الأعوام 1901- 2000 كانوا من المسيحيين، وكذلك ارباب عصر النهضة في اوربة في القرون 18 و19 والذين خدموا البشرية برمتها كانوا مسيحيين، وفي معظمهم مسيحيين مؤمنين ممارسين لايمانهم.
تطول قائمة الأدباء المسيحيين البارزين وفي العلوم والكيمياء والفيزياء والطب والاقتصاد والاقتصاد السياسي وعالم المال، والرياضيات والميكانيك وعلم الوراثة والهندسة التحليلية والتشريح والصيدلة واكتشاف الامراض ووضع الادوية، والطباعة وعلوم الفضاء والكون والطائرة والذرة والفضاء الالكتروني ووضع لبنات علوم الاستشراق والكشف عن الآثار…الخ
القيم الإنسانية
الأخلاق وحقوق الإنسان
ترتكز الأخلاق المسيحية على تعاليم الرب يسوع وامثاله في الانجيل المقدس ومحورها التطويبات والموعظة على الجبل، وشكلت تعاليم الكتاب المقدس وقوانين الرسل والمجامع المسكونية المقدسة وتعاليم الآباء القديسين والصلوات التضرعية والليتورجيا الأخاذة البديعة وسير القديسين والشهداء، المرجع الأخلاقي الرئيس للمسيحية.
دعا الرب يسوع إلى مساعدة الآخرين والكنيسة تطلق على هذه المساعدات اسم أعمال الرحمة، وتأخذ هذه الأعمال أهمية خصوصًا لدى الكنيسة قاطبة وينظر إلى هذه الأعمال كوسيلة لنيل النعمة والقداسة تقليديًا تم تقسيم أعمال الرحمة إلى فئتين، في كل منها سبعة عناصر: أعمال الرحمة البدنية والتي تهتم بالاحتياجات المادية للآخرين، وأعمال الرحمة الروحية التي تهتم بالاحتياجات الروحية للآخرين. ولعبت الرهبنات دوراً بالغ الاهمية في مساعدة الناس مادياً وروحياً بدون مقابل، وكما يحصل اليوم في مجاهل افريقيا وسيبيريا وفي المناطق الملتهبة في العالم وقدم العديد من الرهبان ارواحهم…
واتباعًا لتعاليم الرب يسوع في خدمة الآخرين أنشأت الكنيسة المستشفيات منذ زمن القديس باسيليوس الكبير “باسيليات” والمدارس والجامعات والجمعيات الخيرية ودور الأيتام والملاجئ لمن هو بلا مأوى. وخلال القرون الوسطى وحروب الفرنجة ظهرت فرق دينية كاثوليكية من الفرسان وكانت وظيفتهم حماية العزّل والضعفاء والعجزة، والكفاح من أجل المصلحة العامة للجميع. كانت هذه بعض الإرشادات والواجبات الرئيسة لفرسان القرون الوسطى، التي بنيت على مبدأ رئيس في توجيه حياة الفرسان كالرجولة والشهامة، وقد تناول رُمز الشهامة ثلاثة مجالات رئيسة هي: الجيش، والحياة الاجتماعية، والدين.
وقد تأثر مبدأ الشهامة بالأخلاق المسيحية، وساعدت حملات الفرنجة في المبدأ العام في وقت مبكر لتوضيح رمز الشهامة واخلاق الفروسية وارتباطه الاخلاقي بالدين. نتيجة لذلك، بدأت فرق الفرسان المسيحية تكريس جهودها لخدمة أغراض مقدسة. ومع مرور الوقت، طالب رجال الدين الفرسان استخدام أسلحتهم في المقام الأول من أجل حماية النساء والضعفاء والعزل بشكل خاص، واليتامى، والكنائس، وان شابت ذلك شوائب قاتلة كما في اجتياحهم الاماكن الارثوذكسية وتحديداً في القسطنطينية وانطاكية والقدس…بمافي ذلك قتل البطاركة والاساقفة الارثوذكس والاستيلاء على الكراسي البطريركية بالسيف وعلى الكنائس…! ومحاولة كثلكتهم بالقوة وكانت الاساس عند البابوية في كثلكة ارثوذكس المشرق، وليس مسحنة مسلمي الشرق الاسلامي كما يشاع، وتحرير الاماكن المقدسة في فلسطين من اضطهاد المسلمين وخاصة الفاطميين…بعد ازدياد ظلمهم للمسيحيين والحجاج المسيحيين… اضافة الى الاستعمار والاستيلاء على طريق الحرير والدوافع التجارية لكبار النبلاء. اي ان الغايات كانت متعددة…
في العهد الجديد ركزت تعاليم الرب يسوع على المحبة والتسامح وعدم اللجوء الى العنف، وفي العصور المسيحية المبكرةاعتبرت المسيحية بحسب المؤرخين ديانة مسالمة، لكن طرأت تغييرات بعدما أعلنت المسيحية كديانة رسمية فصارت دين الدولة للامبراطورية الرومانية الغربية والشرقية وركوب السياسيين الموجة الدينية كما حصل ويحصل لدى كل الاديان العالمية عبر التاريخ والاسلام احدها.
خلال القرون المسيحية الاولى، رفض العديد من المسيحيين الانخراط في المعارك العسكرية بماينسجم مع تعاليم الرب يسوع. في الواقع، كان هناك عدد من الأمثلة الشهيرة من الجنود الذين أصبحوا مسيحيين، ورفضوا الانخراط في القتال بعد اعتناقهم الدين، وأعدم لاحقًا الكثير منهم لرفضهم القتال. ويرجع سبب التزام السلمية ورفض الخدمة العسكرية حسب المؤرخ مارك المان إلى مبدأين: «أولًا كان ينظر إلى استخدام القوة والعنف كمتناقض مع تعاليم الرب يسوع ووصية المحبة بمافي ذلك حب الاعداء. وثانيًا كان ينظر إلى الخدمة في الجيش الروماني كنوع من العبادة المطلوبة لتأليه الإمبراطور الذي هو شكل من أشكال الوثنية بالنسبة للمسيحيين» وعلى ذلك استشهد القديس جاورجيوس والقديس ديمتريوس والقديسين سرجيوس وباخوس… بينما نجد عكس ذلك في الكنيسة الارثوذكسية في المشرق سورية ولبنان وروسيا وصربيا واوربة الشرقية واليونان وقبرص…اذ قادت الكنيسة حروب تحرير الاوطان والتحرر من الاستعمار ودفعوا ضريبة الاستشهاد وخاصة بمواجهة الاتراك والنازية و…
تاريخيًا تمتلك المسيحية تقليدًا طويلاً مع معارضة العنف لعلّ كتابات آباء الكنيسة أبرزت تجلياته، فكتب اوريجانوس: «لا يمكن أبداً أن يذبح المسيحييون أعداءهم، حتى لو كان أكثر الملوك والحكام والشعوب اضطهادًا لهم، وكان ذلك سببًا لزيادة في عدد وقوة المسيحيين».وكتب اكليمنضوس الاسكندري: «قبل كل شيء، لا يسمح للمسيحيين في استعمال العنف». كما جادل ترتليان بقوة ضد كل أشكال العنف، معتبرًا الاجهاض والحرب والعقوبات القضائية حتى الموت شكل من أشكال القتل. وتعتبر هذه المواقف لثلاثة من آباء الكنيسة الكبار والتي تتمسك بها اليوم كل من الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية. وقد نشأت في الوقت الحاضر عدة كنائس مسيحية دعيت باسم كنائس اللاعنف، وتدعو إلى الاعتراض الضميري على الخدمة العسكرية، جزء أساسي من الإيمان.
نجد ان الكنيسة في كل صلواتها تصلي من اجل سلام العالم ومن اجل الاوطان والحكام ومن اجل شفاء الامراض ومن اجل وفرة غلال الأرض ومن اجل المحبة للجميع وتدعي لأجل الاعداء لكي ينير الرب الاله بصائرهم، ولم ترفع الكنيسة قاطبة اللعنات بحق الاعداء بل صلت وتصلي لهم ومن يمارس الصلوات والقداديس الالهية يدرك كم الكنيسة تواقة لمحبة الجميع ومساعدة الفقراء، ومافعلته كنائسنا في سورية في معاناتها المسمرة من 2011 من تقديم الخير والاحسان والرعاية والتعليم والاستشفاء بحق كل المنكوبين والمهجرين والذين تحت كل شدة والم جراء الاستشهاد والجرحى والمأسورين والمفقودين وخلاصهم من معاناتهم بغض النظر عن اديانهم ومذاهبهم …هذه هي الاخلاق المسيحية التي عبر عنها الرب يسوع في انجيله وتحديداً المحبة وهي اول وصاياه احبوا بعضكم بعضاً باركوا لاعنيكم…ان احببت اخي فلا فضل لي بذلك بل يجب ان احب الكل، من ضربك على خدك الايمن در له الايسر، لاتقاوموا الشر يالشر، وردا على من يصف المسيحية بأنها ديانة خنوع وذل نقول ليست ديانة خنوع بل تؤمن بأن الرب هو الذي يقتص من المسيئين اليها والى الجنس البشري…
المرأة في المسيحية
في اللاهوت المسيحي يتساوى الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، استنادًا إلى تعاليم الرب يسوع في المساواة بين الجنسين، ولعل من أبرز مظاهر تكريم ورفع شأن المرأة هو التكريم الخاص لوالدة الاله مريم العذراء، لدى أغلب كنائس العالم.
اعتبرت الكنيسة علاقتها مع امنا والدة الاله مريم العذراء علاقة بنوّة، فهي التي قادت بنفسها حملة العثور على الصليب المحيّ، وهو ما أثر على عدد وافر من الفنانين في صورة مريم العذراء والتي أطلق عليها لقب السيّدة. وكانت موضوعًا محوريًا للفن والموسيقى االكنسية والأمومة والأسرة بعامة. كذلك في وقف بدعة محاربة الايقونات من قبل الامبراطورة ايريني عام 786م
حيث اوقفت الاضطهادات بحق الارثوذكسيين والرهبان المحبين لاكرام الايقونات واعادت مجد تكريم الايقونات، وكان للأميرة أولغا، أميرة كييف، التى تحولت إلى المسيحية فى الفترة ما بين عامى 945 – 957. وهي والدة الامير فلاديمير امير كييف الدور الاهم في تنصير روسيا قبل احد عشر قرناً…
غير أن الأمر لا يخلو من الانتقادات المهاجمة للكنيسة من البعض، إذ إن الكنيسة الأرثوذكسية بخاصة ترفض منح سر الكهنوت للمرأة. ما وجده البعض انتقاصًا من حقوق المرأة ومساواتها، عمومًا ذلك لا يمنع التأثير والدور الكبير لها في المؤسسات المسيحية وخاصة في الرهبنات وما يتبع لها من مؤسسات، كما كانت هناك العديد من القديسات في هذه الكنائس كما اسلفنا.
وتتجلى مظاهر المساواة بين الرجل والمرأة حسب الكنيسة في القوانين الكنيسة وتشريعاتها مع وجود الاختلافات بين الأحوال الشخصية لمختلف الكنائس، إلا أنها تشترك في عدد من التشريعات مثل قضية الارث حيث يتساوى الرجل والمرأة في حصته من الإرث، وكذلك في حالة الطلاق في حال السماح به بما فيه فسخ الزواج أو الهجر، حيث يشترك الأب والأم في النفقات وتقاسم الثروات المدخرة بشكل متساوي إلا في بعض الحالات الخاصة، كما تعطى الحضانة للمرأة، في سنين الطفولة الأولى.
المسيحية والاطفال
في العالم القديم، على سبيل المثال في الأمبراطورية الرومانية أوفي اليونان القديمة، لم يكن وأد الاطفال يعتبر جريمة، في بعض نواحي الامبراطورية. تعددت أسباب اللجوء إلى الؤاد وذبح الاطفال كتضحية للآلهة أو إذا كان الطفل غير شرعي، أو بحالة صحيّة سيئة، أو ذو عاهة، أو حتى أنثى، أو إذا شكل عبئًا على الأسرة بشكل عام.
عند ظهور المسيحية أُبطلت هذه الشرائع والممارسات الهمجية ورفضت المسيحية الوأد بشكل قاطع، وذلك استنادًا إلى تعاليم الرسل والذيذاخي: «لا تقتل من ولدت» وهي الحالة الرافضة للاجهاض.لاحقًا شجب آباء الكنيسة هذه الممارسات وكتب عدد منهم مؤلفات مثل ترتليان وأثيناغوراس وغيرهما لشجب هذه المماراسات واعتبروا أن قتل طفل هو «خطيئة شريرة». وفي عام 318مسيحية صدر قانون من قسطنطين الكبير في القسطنطينية يجرم الوأد وقتل الاولاد، وحرمت تعايم المجامع المسكونية الاجهاض واعتبرته قتلاً لخليقة الله.
وبعد القضاء على ممارسة الوأد والتضحية بالأطفال كذبائح بشرية ترضية للآلهة، شهدت القرون الوسطى ولادة أول دور للأيتام كتطوير لما كان يتم خلال تلك المرحلة من ترك الأطفال غير المرغوب فيهم عند باب الكنيسة أو الدير، وكان يكلف رجال الدين لرعايتم وتربيتهم.
كذلك كانت ممارسة وأد الأطفال منشرة في افريقيا واوستراليا والإمريكيتين عند الشعوب الاصلية، وعند مجيء المبشرين المسيحيين شجبوا هذه الممارسات وعملوا على منع قتل الأطفال، وكانوا العامل الأساسي وراء القضاء على هذه الممارسات بين الشعوب التي دخلت المسيحية.
ونكررفيما يخصّ الإجهاض، فمنذ نشوؤها اتخذت المسيحية موقفًا معارضًا للإجهاض، مع أنه لا يوجد أي ذكر له في الكتاب المقدس، إلا أن العقائد أدرجته ضمن فعل القتل المنهي عنه في الوصايا العشر. ويشمل تجريم الإجهاض بدءًا من اللحظة الأولى للتخصيب أي أنه وبمفهوم الكنيسة العَقدي فإن الجنين يتمتع بكامل حقوق الحياة. لا يزال هذا الموقف المسيحي مستمراً وبحزم وتشجع الكنيسة على الإنجاب، تاركة أيّاه لتقدير الزوجين، وتراه «هبة إلهية».
حتى القرن 19 كانت غالبية الدول المسيحية لا تسمح بإجراء عمليات إجهاض،غير أنه ومع تكاثر انتشار الظاهرة تزامنًا مع فصل الدين عن الدولة والحركات الدستورية ونشوء الدول الاوربية، أخذت القوانين المؤيدة له تنتشر في العالم الغربي بكل اسف، إلا أن ذلك لم يطو الجدل حول هذه القضية.
العبودية والرق
“ليس يوناني ولا اسكيثي ، لاعبد ولا حر فالكل في المسيح واحد وللمسيح” وفق بولس الرسول مايعني المساواة بين الناس في المسيحية، وقد شهدت الكنيسة في بداية عمرها اقبالاً منقطع النظير من العبيد والارقاء الذين رأوا في تعاليمها الانسانية والمحبة، منجاة لهم في الدنيا والآخرة، وكثيراً من الشهداء والقديسين كانوا من العبيد الارقاء، ولكن غضت الكنيسة الطرف مرغمة لما كانت في قرونها الثلاثة الاولى الدموية، وتحت الاضطهادات المريعة كون العبودية كانت جزءاً من النسيج الاجتماعي للمجتمع الروماني، ولكنها بالمقابل في حينه حضّت على المعاملة الإنسانية للعبيد وطالبت العبيد على التصرف بشكل مناسب تجاه أسيادهم.
خلال القرون الوسطى، تغير هذا الموقف فعارضت الكنيسة استعباد المسيحيين، ومع نهاية العصر الوسيط، كانت ظاهرة الرق في أوربة قد اندثرت، ولكن ازدهرت تجارة العبيد ومع بداية عصر الاستكشاف للعالم الجديد بيد الاستعمار الغربي وسرقة العبيد من افريقيا… ونقلهم الى العالم الجديد في اميركا للعمل بالسخرة، وقد سادت هذه التجارة مجددا، ولكن اصدرت الكنيسة منشورات تدين إساءة معاملة الأمريكيين لليهود الحمر والسكان الاصليين والعبيد الأرقاء، إلا أنها قد تجوهلت.
لقد عرف عن الجيش الأسباني بالقسوة في تعامله مع السكان الاصليين في أميركا اللاتينية، مما جعل المبشرين ال المسيحيين يعملون لمكافحة قوانين استعباد الهنود الحمر. ولعب عدد من الرهبان أدوارًا مهمة في الدفاع عن حقوق العبيد والسكان الأصليين وأدت جهودهم في الدفاع عن حقوق العبيد إلى نقاش حول طبيعة حقوق الانسان في الفكر الغربي، وولادة القانون الدولي المعاصر. فمثلا بارثولومي دي لاس كاساس كانت له مساعي حثيثة لرفع الظلم الذي وقع على السكان الأصليين بعد الغزو الإسباني، وكذلك تصدى الراهب فرانشيسكو دي فيريتا لقوانين العبودية وللانتهاكات التي ارتكبتها السلطات الأسبانية ضد الهنود الحمر.
بحلول نهاية القرن 19 كانت القوى الأوروبية قد تمكنت من السيطرة على معظم المناطق الداخلية الأفريقية، وقد لحقهم بعد ذلك المبشرون المسيحيون فقاموا ببناء المدارس والمستشفيات والكنائس والأديرة، كما تفعل اليوم البطريركية الاسكندرية للروم الارثوذكس في افريقيا وكان للمؤسسات المسيحية دور في تثقيف ونحسين المستوى التعليمي والطبي للأفارقة.
بشكل عام كما تشير الابحاث الموثقة كان المسيحيين ينظرون إلى الرق على انه خطئية ضد الإنسانية وفق عقيدتهم، ما ساعد على إنهاء الرق في جميع أنحاء العالم، واصدرت اللولايات المتحدة قانون مكافحة العبودية منحت فيه الحقوق والواجبات للزنوج كما للبيض، وان لم تلتزم به كل الولايات ولايزال التمييز العنصري يظهر بشكل او بآخر وقدم داعية حقوق الانسان القس مارتن لوثر كينغ حياته في اميركا في السبعينيات لذلك.
خلال عصر الاضطهاد، تميز المسيحيون بالتماسك والترابط الأسري والاجتماعي فمثلاً، يعلن إريك كاوفمان أن المسيحيين طوروا نظامًا اجتماعيًا فعالاً في ضوء الانجيل، فعلى عكس الوثنيين فإن المسيحيين كانوا يعتنون بمرضاهم خلال فترات انتشار الأوبئة إلى جانب عنايتهم بالمعاقين والعجزة ويودعونهم في الكنائس ليترافق العلاج مع الصلاة، فضلاً عن التشديد على أهمية إخلاص الذكور في الزواج ووحدانية هذا الزواج، ما خلق نوعًا من العائلة المستقرة التي افتقدها المجتمع الروماني وجعل المؤمنات الجدد في ظل هذا الاستقرار يلدن ويربين عددًا أكبر من الأطفال، إضافة إلى وجود حياة اجتماعية مميزة فيما بين أعضاء الجماعة الواحدة ومساعداتهم الدائمة لبعضهم البعض.
ظهر أثر المسيحية في تنظيم الاسرة، وتلاشت أو كادت تتلاشى ما كان سائداً في العصر الروماني سلطة رب الأسرة. حيث اعترف القانون للابن بقدر من الشحصية القانونية، وحرّم على الأب قتل أبناءه وحلّ محله التأديب وأصبح كل من حق الإرث والنفقة قائمًا على صلة الدم سواءً عبر علاقة تعتبرها الكنيسة شرعيّة أما لا، وجعل مدة العدّة كاملة للمرأة الأرملة. وكانت كتابات العهد الجديد وآباء الكنيسة قد حددت دور كل فرد من أفراد الأسرة وخصصت لهم حقوق وواجبات معينة: فالأب هو المسؤول الرئيس عن حفظ ورعاية العائلة، والام بدورها الاحترام والعناية بالأسرة وتربية الاولاد حسناً ومساعدة زوجها، كما وعلى الأبناء احترام وإكرام الوالدين.
ومن جهة أخرى استحدث القانون الروماني كثيرًا من مبادئ، في نظام الأسرة، من تأثير المسيحية. كانت مصدراً للكثير من قوانين الدول المعاصرة كالقانون الفرنسي والايطالي والاسباني… من ذلك موانع الزواج التي أدخلت في العصر الرومي مثل تحريم الزواج بين المسيحيين وغير المسيحيين وذلك استنادا إلى الكتاب المقدس، وبين الفتاة والرجل الذي تولى تعميدها لأنه يعتبر أبًا روحيًا لها، وإعطاء المرأة الحق في التبني إذا لم يكن لها أولاد، ونظام منح البنوة الشرعية أو تصحيح النسب.
تنظر المبادئ المسيحية للزواج على أنه علاقة أبدية. لذلك من الصعب الحصول على الطلاق نظرًا لكون الزواج عقدًا الهياً غير منحل، فقد فيّد القانون الكنسي حق الطلاق بعدة قيود لكن لم يصل إلى إلغائه، وظهرت أوضاع أخرى من التسهيلات كفسخ الزواج أو الهجر. ولعل إحدى أشهر قضايا الطلاق في التاريخ الغربي قضية طلاق هنري الثامن ملك انجلترا من كاترين آراغون عام 1534 ما أدى إلى تأسيس الكنيسة الانجليكانية وذلك بعدما رفض البابا ترخيص طلاقه. تاريخيًا كانت القوانين الغربية تمنع الطلاق ولم يتغير ذلك الا مع بداية فصل الدين عن الدولة واستحداث الزواج المدني. كانت إحدى اخر الدول التي تمنع الطلاق مالطا وذلك حتى عام 2011.علمًا أن عددًا من الكنائس البروتستانتية تسمح بالطلاق التوافقي بين الشخصين، إذ لا ترى به سرًا.
تبدو المسيحية أكثر تعقيدًا للزواج بين الاقارب بالنسبة لديانات اخرى منها الاسلام واليهودية، وإن كان هناك تفاوت ملحوظ بين مختلف المذاهب المسيحية الفرعية، عمومًا لا يجوز زواج أبناء العمومة المباشرين في الكنيسة الارثوذكسية تحديداً بينما يتساهل الكاثوليك في زواج الاقارب عموما اما ابناء العمومة فيتم بعد إذن خاص من السلطات الروحية العليا، ولظروف قاهرة. ولعلّ بعض الطوائف البروتستانتية هي الأكثر تساهلاً في هذا الخصوص.
أدان آباء الكنيسة منذ عصر الرسل تعدد الزوجات والمثلية الجنسية، والزنا وسفاح المحارم كما ورفعت الكنيسة من شأن البتولية وأهميتها بحياة الرهبنة والتوحد. وقد كان لنظرة الكنيسة حول وحدانية الزواج أثر في القوانين الغربية، فغالبية الدول المسيحية لا تعترف قوانينها بأي تعدد للزوجات.
عام 360م جرّم الإمبراطور ثيوذوسيوس الكبير المثلية الجنسيّة، استنادًا إلى إدانة العهد الجديد لها. وتمّ من بعد ذلك تطبيق عقوبات بحق المثليين، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى عام 1861مع بداية فصل الدين عن الدولة.
لا تزال الكنائس كلها الارثوذكسية والكاثوليكية ومعظم البروتستانتية تدين المثلية الجنسية، وتنظر إلى الممارسة الجنسية المثلية على أنها خطيئة وزنا وتجرم فاعليها. وهي ايضا تمنع منح سر الكهنوت للمثليين ولا دخول الرهبنة للمثليين.
تمنع الكنيسة الكاثوليكية اللاتينية زواج الكهنة ولكن الكنائس الشرقية التي انشقت عن امهاتها والتحقت برومة تتقبل زواج الكهنة، شرط أن يتم قبل نيل السر الكهنوتي، وينذر الرهبان نذر العفة أي البتولية إلى جانب الطاعة والفقر. بينما تسمح الكنائس الارثوذكسية الخلقيدونية واللاخلقيدونية في زواج الكهنة قبل كهنوتهم طبعاً، وتفرض البتولية على الرهبان وحدهم، وكذلك حال الكنائس البروتستانتية التقليديّة، أما البروتستانتية الغير تقليدية فلا يوجد لديها سر كهنوت من الأساس.
من عصر الاضطهاد إلى الديانة الرسمية
شكلت حياة وتعاليم الرب يسوع والتي مصادرها الرسميّة الكتاب المقدس أساس عقيدة المسيحية،
ولقد واجه خلال313 سنة الاهوال والاضطهادات من قبل الأمبراطورية الرومانية، وذلك بسبب رفضهم الاعتراف بعبادة الأباطرة. ومع ذلك، فإن المسيحية ، انتشرت كانتشار النار في الهشيم بداية بتبشير الرسل وخلفائهم… عن طريق الكنيسة ثم التجار والمبشرين في أنحاء العالم القديم، ونمت المسيحية بسرعة فائقة إن كان في الحجم والتأثير.
أنهى مرسوم ميلانو عام 313 م الذي اصدره الامبراطور قسطنطين مرحلة الاضطهادات، وشكل اعتناقه هو للمسيحية نقطة تحول جذرية في التاريخ. وبعد المرسوم المذكور سنّ قوانين وسياسات بما يتفق مع المبادئ المسيحية، فجعل يوم الاحد عطلة رسميّة بالنسبة للمجتمع الروماني رومة اولا ثم القسطنطينية، وشرع في بناء الكنائس، وترأس المجمع المسكوني الاول في نيقية عام 325م، قبل أن يعلن الامبراطور ثيودوسيوس المسيحية دينًا رسميا للإمبراطورية.
ومع ازدياد السكان والثروة في الامبراطورية الرومانية الشرقية ولضرورة حماية خاصرتها الشرقية، أنشأ قسطنطين عاصمته القسطنطينية لتكون عاصمة للأمبراطورية الرومانية الشرقية اي الامبراطورية الرومية، وغدت مركز حضاري سيّما بالنسبة للمسيحية الشرقية ومقر بطريركية القسطنطينية وبطريركها كونه بطريرك العاصمة تساوى مع بابا رومة اي العاصمة القديمة في التقدم على الاساقفة الآخرين وهم الاسكندري والانطاكي والاورشليمي. وبالتالي ظهرت منافسة سياسية قوية من بابا رومة برفض هذا التساوي مع البطريرك المسكوني حول رئاسة الكنيسة المبتدع من روما، وكان حصار رومة من قبل القوط الغربيين والواندال والجرمان في عام 410م وفي عام 455م قد صعّد من أجواء المنافسة. وعلى الرغم من التواصل الثقافي والتبادل بين الشقيّن الشرقي والغربي للإمبراطورية الرومانية، الى حين سقوط رومة عام 476 م بيد البرابرة الجرمان عندها دفع هؤلاء بعد اعتناقهم المسيحية الغربية بقيادة بابا رومية الى المناداة بأنه الاول والكل تابعين له، وتبنت البابوية هذا الادعاء بالأولوية، استنادا على ان كرسي رومة هو كرسي بطرس الرسول، اي الاول بين الرسل، وتناسوا ان بطرس اسس مع بولس عام 42 كرسي انطاكية كأول كرسي اسقفي، واستوى عليه بطرس كأول بطاركته عام 45م الى سنة 53م ثم اسس وبولس عام 64 م كرسي رومة اي بعد 22 سنة من تأسيسهما لكرسي أنطاكية العظمى، واستوى عليه بطرس كأول اساقفته الى حين استشهاده مع بولس في رومة بأمر نيرون السنة 66م، وهذا يعني تقدم انطاكية على رومة وفقا لهذه الذريعة، ولكن الاساس الذي بني عليه هذا التقدم ه اداري مرتبط بمكانة اسقف العاصمة، كانت رومة هي العاصمة واسقفها يتقدم على غيره من الاساقفة فهو بمواجهة السلطات حتى بناء قسطنطين للقسطنطينية عاصمة جديدة حظر فيها اقامة معابد وثنية او اي طقس وثني،فهي مدينة الله القسطنطينية العظمى، وقررت المجامع المسكونية اقامة كرسي بطريركي ههو اسقف المدينة المتملكة، وتقرر منح الاولوية ذاتها لبطريركها لنفس السبب بعد نقل العاصمة من روما الى القسطنطينيةعام 330م، ولماسقطت رومة السنة 476م وقد صارت العاصمة الثانية واستبيحت من البرابرة سقطت حجة التقدم والاولوية، اما الادعاء بأن بطرس اقامه الرب يسوع خليفة له فهو غير دقيق، فكل الرسل متساويين على قول السيد له المجد يوم العنصرة والسنة الروح القدس على رؤوسهم جميعاً” اذهبوا وتلمذوا كل الامم معمدين اياهم باسم الآب والابن والروح القد” اي اسند لهم المسؤولية مجتمعين ومن هنا جاء المجمع الرسولي في السنة الخمسين في اورشليم الذي كان برئاسة يعقوب الرسول ولم يكن برئاسة بطرس الرسول، و”الرب يسوع في وسط كنيسته” ليس بحاجة الى خليفة له من لحم ودم ليقود الكنيسة كنائب عنه واحتمالات غلط هذا النائب عديدة ومنها الكثير مما وقع به الباباوات!!! وكل الاساقفة. وادت الى الانشقاق الكبير 1054 ثم الى خروج البروتستانت زمن مارتن لوثر ف القرن 15احتجاجاً على صكوك الغفران البدعة التي دمرت وحدة الكنيسة الغربية… في مفهوم الكنيسة الجامعة القيادة في الكنيسة للمجامع المقدسة وليس لشخص يتمتع بالعصمة وليس من يتمتع بها الا الرب وحده…
وقد تجلى تحول المسيحية من طائفة هامشية، إلى قوة رئيسة داخل مجتمع الإمبراطورية الرومانية من تأثير امبروسيوس اسقف ميلانو. وهو أحد معلمي الكنيسة الجامعة، وواحد من أكثر الشخصيات الكنسية تأثيرًا في القرن الرابع، وقد أصبح لاعب في السياسة الإمبراطورية، ويتودد لنفوذه المتنافسون على العرش الامبراطوري. عندما أمر الإمبراطور ثيودوسيوس الاول بمذبحة عقابية ضد الآلاف من المواطنين في سالونيك، منعه إمبروسيوس من دخول الكنيسة وقبول سر القربان المقدس حتى يقدم توبة وكفارة عمليّة وعلنيّة ويصلح ما أمكن من آثار هذه المذابح، وهو ما كان بداية سيطرة الكنيسة على الحياة السياسية في أوربة.
عام 543م قام الإمبراطور يوستنيانوس الاول بجمع القوانين بما يتلائم مع تعاليم المسيحية والتي دعيت بقوانين يوستنيانوس و تم ذلك بمساعدة من الإكليروس المثقف، وقد عُرف عن هذه المجموعة أنها من أكبر الإسهامات الرومانية في مجال الحضارة، وقد هيمنت هذه القوانين على العالم الأرثوذكسي لعدة قرون، ولا تزال الكنائس المسيحية الشرقية تُطبق قانون يوستنيانوس في مسائل الأحوال الشخصية.
بعد سقوط روما أصبحت البابوية مصدر استمراري للسلطة وسيطرت على المسائل العسكرية، قام البابا غريغوريوس الكبير (وهو من قديسي الكنيسة الارثوذكسية ايضاً) بإصلاحات صارمة في إدارة الكنيسة، وبرز كمحامي روماني ومسؤول، وراهب، ومثل التحول من الكلاسيكية إلى آفاق القرون الوسطى، وكان أبًا لكثير من الهياكل التابعة للكنيسة في وقت لاحق. ولكنه وفقا للموسوعة الكاثوليكية وفقًا فإنه تطلع إلى الكنيسة والدولة كوحدة مشتركة، ولكنها عملت في مجالين متميزين، الكنسية والعلمانية والإكليريكية، وبحلول وقت وفاته، كانت البابوية قوة عظمى في إيطاليا.
مصادر
كتاب تاريخ الكنيسة المسيحية، سميرنوف، تعريب الكسندروس جحا
تاريخ كنيسة انطاكية، خريسوستموس، تعريب الاسقف استفانوس حداد
تاريخ كرسي مدينة الله انطاكية العظمى، الدكتور اسد رستم
كتاب نحن ورومة والفاتيكان، الدكتور اسد رستم
تاريخ الكرسي الانطاكي المقدس، الدكتور جوزيف زيتون
مختصر تاريخ الكرسي الانطاكي المقدس، الدكتور جوزيف زيتون
تاريخ دمشق المسيحية ، الدكتور جوزيف زيتون
ويكيبيديا