لمن يعمل كيم جونغ ـ أون ؟
لحساب من يعمل كيم جونغ أون … للصين أم لأميركا ؟ ثم , لماذا يقرع اليت الأبيض الطبول في وجه ايران, دون أن تدخل بعد في الزمن النووي, فيما راقص دونالد ترامب الزعيم الكوري الشمالي المدجج بالقنابل النووية، ناهيك عن أن الأولى تقع في الجزء الآخر من الكرة الأرضية. الثانية على ضفاف الباسيفيك الذي تشاطئه خمس ولايات أميركية بما فيها كاليفورنيا وواشنطن ..
الجواب لدى سايمون هندرسون، الباحث في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى. اذ يرى أن الجمهورية الاسلامية تطفو فوق أوقيانوس من النفط والغاز, تحاول, بخلفيات أمبراطورية الامساك بمفاصل أساسية في الشرق الأوسط. من اليمن على البحر الأحمر الى لبنان على المتوسط مروراً بالعراق على الخليج.
الى ذلك, وتبعاً لهندرسون يتقاطع راديكالياً لدى آيات الله، التاريخ بفوضويته الدموية، والايديولوجيا بابعادها الماورائية، وحيث الحياة ليست أكثر من محطة عبور الى العالم الآخر. هذا ما ينتج عادة ـ بحسب الباحث ـ “ذلك النوع من مجانين الله”!
في نظره، بيونغ يانغ, بالايديولوجيا الماركسية، وبالموارد الضئيلة، أزالت أي اثر للتاريخ، كما أنها بعيدة كلياً عن ثقافة الغيب، وترى من خلال ديكتاتورية غرائبية، أن الماركسية وجدت لتفتح أبواباً أخرى للحياة.
النفط واسرائيل، ليسا فقط الأولوية الاستراتيجية للولايات المتحدة. ايضاً الأولوية اللاهوتية، جون آدامز، الرئيس الأميركي الثاني، قال ان الدستور كتب بأصابع موسى لا بأصابع بنيامين فرنكلين، وجون جاي، وجيمس ماديسون، والكسندر هاملتون، وتوماس جيفرسون.
جين فيلنتز المؤرخ في جاعة برنستون يصف كوريا الشمالية بـ”الغرفة النووية” التي مفتاحها في الصين . وأثناء ولاية ترامب أظهرت أن ما يعنيها ازالة العقوبات التي تخنق البلاد على نحو كارثي، ليشير الى أن الادارات المتعاقبة هي التي تحث جونغ ـ أون على تطوير ترسانته النووية، لتظل واشنطن تتحكم بثلاثة محاور رئيسية في الباسيفيك (اليابان، كوريا الجنوبية، والفيليبين …) .
كلما ازدادت كوريا الشمالية قوة كلما ازدادت حاجة الدول الثلات الى الوجود الأميركي فضلاً عن الأسلحة بتريليونات الدولارات. ها هي اليابان تتخلى عن مبدأ “اللاعسكرة” الذي انتهجته منذ قنبلة هيروشيما وتعود الى العسكرة. دائماً تحت المظلة الأميركية دون اغفال الشبح الصيني الذي يظهر بمنتهى الوضوح في شقوق التاريخ لدى الدول اياها.
حتماً , لا يفكر كيم جونغ ـ أون بضرب لوس انجلوس أو حتى طوكيو أو سيول. كل ما يعنيه بقاء السلالة في السلطة. هذا البقاء الذي يثير ألغازاً كثيرة لم تتمكن حتى وكالة الاستخبارات المركزية من تفكيك أي منها.
كيف يمكن لرجل أقرب ما يكون الى الحائط أن يحكم 26 مليون نسمة تعيش غالبيتهم في حالة من العوز الرهيب، دون أن تكون هناك امكانية لاحداث أي كوة في الحائط توحي بأن الوضع لن يبقى هكذا حتى نهاية العالم.
ايران حالة مختلفة الى حد بعيد. هنا ضوضاء التاريخ وضوضاء الايديولوجيا، وان ببعض البراغماتية التكتيكية بين الحين والآخر. وفي منطقة تحتوي على أضخم احتياطي نفطي في العالم، وما أدراك ما دور النفط في لعبة الأمم ! المثال أمامنا في ما أحدثته الحرب في أوكرانيا من تداعيات على مختلف المناطق في الكرة الأرضية .
بالرغم من كل العروش، ومن كل الثروات، وترسانات الأسلحة، لا تزال المنطقة تعاني من التيه الاستراتيجي ما حمل واشنطن على اطلاق “مبدأ ايزنهاور” عام 1957 لملْ الفراغ كـ “طريقة فلسفية” لاحكام السيطرة على الشرق الأوسط…
لهذا يقول الديبلوماسي السابق آرون ميلر ان الأتراك والايرانيين لم يتوقفوا، يوماً، عن التفكير بالاختراق الجيوسياسي لبلدان المنطقة، وهم الذين خاضوا سلسلة من الحروب بينهم، يخوضون الآن حرباً من نوع آخر. حالة من العشق المتبادل فرضتها، بطبيعة الحال، لعبة المصالح.
لكأننا دوماً أمام ذلك الطراز من الكوميديا السوداء. أميركا التي استنسخت النعجة دولي، ودون الحاجة لاستسنساخ كاليغولا الذي عيّن حصانه وزيراً، تستنسخ الآلهة الآن. البيت الأبيض بكل مواصفات جبل الأولمب، مقر الآلهة في الميثولوجيا الأغريقية ..
انها ـ أيها السادة ـ الميثولوجيا الأميركية …
نبيه البرجي