ماهو انجيل يهوذا؟ الجزء الثاني
ثالثاً نشر موقع العربية 22
نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) — وثيقة تاريخية يجهل الكثير من المسيحيين أنها موجودة، وهي إنجيل يهوذا الأسخريوطي، الذي تشير الأناجيل الرسمية إلى أنه المسؤول عن خيانة المسيح وتسليمه إلى السلطات لصلبه، لكن باحثين يعملون على تحليل الوثيقة تشير إلى أن الحقيقة قد تكون مغايرة كليا، وأن يهوذا في الواقع كان التلميذ المفضل للمسيح الذي طلب منه شخصيا الوشاية به.
ديفيد غيبسون، المشارك في تأليف وثائقي “البحث عن المسيح” الذي يعرض على CNN يوضح محتوى الإنجيل بالقول: “يهوذا كان يقوم بما أراد منه المسيح فعله. الله أرسل المسيح ليموت تكفيرا عن خطايا البشر، وبالتالي كان يجب أن يكون هناك من يخونه ويقوم بهذه المهمة.”
أما تاجرة الآثار فريدا تاخوس، فتقول “إنجيل يهوذا يشير إلى أن المسيح طلب من يهوذا خيانته وقد سأله يهوذا: لماذا أنا؟ فرد المسيح بالقول: لأنك أنت الأقرب إلي، أتمنى منك أن تقوم بذلك.” أما كانديدا موس، الباحثة من جامعة نوتردام فتقول إن محتوى الإنجيل يدل على أن يهوذا “كان يدرك ما يحصل، وكان يساعد المسيح وكان يعلم أنه بسبب ذلك سيكره الناس للأبد.”
من جانبه، يشرح بايرن ماكين، رئيس دائرة الشؤون الدينية بجامعة وفورد، الظروف المرافقة للعثور على الإنجيل والهدف من دراسته بالقول: “إنجيل يهوذا ظهر قبل سنوات قليلة في سوق للقطع الأثرية، أي أنه لم يظهر ضمن بعثة تنقيب عادية، وهذه المشكلة هي أولى المشاكل التي تعترض الباحثين حوله، كما أنه بحالة سيئة إذ لم يكن موضع عناية من ملاكه.”
ويضيف ماكين: “هناك أجزاء تستحيل قراءتها وهناك خلاف بين العلماء حول حقيقة ما يرد فيها، ولكن الأرجح أنها تشير إلى أن يهوذا كان يقوم بما طلبه منه المسيح ولم يكن بالتالي شخصا سيئا.. بالنسبة لي على المستوى الأكاديمي، فإنني أرجح ألا يكون الإنجيل مزورا، ولكن معناه الحقيقي معقد للغاية.”
وعن سبب دراسة هذا الإنجيل يقول ماكين: “الهدف هو دفع الناس إلى التفكير وإعادة النظر في المسلمات، طبعا الإنجيل الذي نتحدث عنه كُتب بعد 300 سنة على ولادة المسيح، فهل يمكن الوثوق بنص يتحدث عن وقائع تسبقه بثلاثة قرون؟ ربما تكون الإجابة نعم وربما تكون لا.”
رابعاً رد الكنيسة الارثوذكسية
وقد جاء رد من الكنيسة الارثوذكسية بقلم الاستاذ د. دانيال غلوش استاذ مادة الكتاب المقدس في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي وهو كلية اللاهوت في جامعة البلمند الارثوذكسية (مقال منشور في مجلة النشرة البطريركية بدمشق العدد الرابع 2006بعنوان:
تعليقاً على مايسمى “انجيل يهوذا” حقائق الانجيل واستغلالها لاختلاق الحدث الإعلامي
الدكتور دانيال علوش
تبث المحطة الأجنبية الفضائية المتخصصة ناسيونال جيوغرافيك برنامجاً ثقافياً بعنوان “انجيل يهوذا” ، مرتين في الاسبوع طوال شهر نيسان يتمحور موضوع هذا البرنامج حول حدث إعلامي انتشر عبر ابرز المجلات والصحف العالمية، وأدى الى طرح أسئلة عدة في مايخص صدقية العهد الجديد التاريخية وقيمة التعليم المسيحي في الكنائس. مايلفت الانتباه أن توقيت هذا البث يأتي في موسم الاحتفالات بغيد الفصح والقيامة، إذ يزيد اهتمام المؤمنين أثناءه بالتعمق في ايمانهم. إلا ان هذا البرنامج يأتي مشككاً بأهم معتقدات المسيحيين الايمانية وبتقليدهم. في هذه المرة، وخلافاً لكتاب دان براون ولفيلم المخرج ميل حيبسون اللذين تطرقا الى شخص يسوع الناصري ، يُسلط الضوء على شخص يهوذا وعلى مايسمى انجيل يهوذا.
ماهو أصل هذه الوثيقة؟ متى كتبت واين؟ ماهو مضمونها، وماهو تأثير هذا المضمون على المسيحيين؟
هذا مانحن بصدد معالجته في هذا المقال من خلال التطرق الى أهم النظريات التي استند اليها منتجو البرنامج المذكور، ثم اكتشاف النسخة الوحيدة التي وصلت الينا من انجيل يهوذا في كهف بالقرب من مدينة المنيا المصرية، في العقد السابع من القرن الماضي. واشتراها تاجر تحف وأثريات من مدينة زوريخ، السويسرية عام 2000 تحتوي هذه المخطوطة على إحدى وثلاثين صفحة موضوعة باللغة القبطية، وهي لغة مصرية مطعمة باليونانية القديمة تعود الى حقبة الامبراطورية الرومانية، وأخيراً توصل فريق من الباحثين برئاسة البروفسور رودولف كاسر، الاستاذ المتقاعد من جامعة جنيف والمتخصص باللفة القبطية الى ترميم المخطوطة وترجمة مضمونها. وقد أعلن هؤلاء البا حثون، قبل بضعة أشهر، عن نتائج أعمالهم، وقالوا أن هذه المخطوطة تعود على الارجح الى النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي، وذلك استناداً الى نتائج فحص الكاربون14. ثمة العديد من الوثائق القبطية القديمة التي عثر عليها في منطقةمصر، منها الوثائق التي دعيت إنجيل توما وإنجيل فيليبس وإنجيل المصريين وانجيل مريم المجدلية وانجيل الحقيقة. وتنتمي هذه الأناجيل الى مكتبة نجع حمادي الشهيرة التي اكتشفت عام 1945 ونُشرت نصوصها باللغات المعاصرة ابتداء من عام 1978.
تنتمي الوثائق القبطية المكتشفة حتى يومنا هذا الى جماعات غنوصية تنتشر خصوصاً في مناطق مصر القديمة. ويعود المصطلح “غنوصي” الى الكلمة اليونانية “غنوسيس (Gnosis)” التي تعني بالعربية “المعرفة” كان الغنوصيون يعتقدون بوجود مصدر سام ً للخير اسمه العقل الإلهي. يحمل كل انسان في داخله شرارة من هذا العقل الإلهي، إلا أن العالم المادي يمنعه من التعرف اليها. لم يكتفِ الغنوصيون باعتبار العالم الجسدي والمادي عالماً سفلياً، كما اعتقدت بحمل المدارس الفلسفية اليونانية آنذاك، بل شددوا أيضاً على ان هذا العالم شرير ، وكل مايتصل به هو شرير ايضاً، كالجسد والزواج والجنس، بصرف النظر عن مسبب وجوده، سواء أكان إلهاً خالقاً، أم وسيطاً، أم شيطاناً.
من ابرز الفروقات بين تعليم الغنوصية وتعليم المسيحية نظرة كل منهما الخاصة الى مسألة أصل الشر في العالم.
يعتقد المسيحيون أن الله هو إله صالح، خلق عالماً صالحاً وخيّراً، وأن الانسان استغل حريته فأدخل الخطيئة والفساد الى العالم، مماسبب الألم والخلل في نظام الطبيعة. أما الغنوصيون، فقد نسبوا شر العالم الى إله خالق قصد إيجاد عالم فاسد. لذلك توصلوا، استناداً الى هذه المعتقدات، الى تصوير بعض الشخصيات الوارد اسمها في العهد القديم على أنها أبطال وقدوة رغم اعمالها الشريرة. نذكر منها قايين (الذي قتل اخاه هابيل) وعيسو ( أخو يعقوب الكبير الذي تخلى عن بكريته مقابل صحن من العدس). وفي هذه الرؤية الغنوصية التي تظهر رضا الخالق عن وجود الشر في العالم، تدخل تماماً شخصية يهوذا ودوره المسيء الى شخص يسوع الناصري. تفسر هذه الرؤية رفض الكنيسة الأولى لهذه التعاليم التي تتناقض مع الرؤية المسيحية للانسان والخليقة. اما اية اعتبارات أخرى لتفسير هذا الرفض فهي من نسج خيال صاحبها لغاية في نفسه ربما.
كان للحماعات الغنوصية طابع نخبوي، غير منفتح على العالم، يقتصر على مجموعة من المبتدئين بتعليمهم. واعتبر الغنوصيون أنفسهم مختارين ومتميزين عن اي تجمع ديني آخر. هذا هو السبب الرئيس لبقاء نصوص الجماعات الغنوصية مكتومة. لايمكننا توصيف الوثائق الغنوصية بوثائق مسيحية، إذ انها تعود الى جماعات توفيقية تجمع اعتقاداتها من ديانات عدة، منها المسيحية واليهودية والديانات الرومانية والفلسفة اليونانية.
منذ نشوء الغنوصية، أظهر المسيحيون رفضهم لوثائقها، وقالوا بعدم انسجامها مع الايمان المسيحي. ويندرج ” انجيل يهوذا” في هذه المجموعة من الوثائق التي لها قيمة تاريخية كبيرة لأنها تساهم في معرفة الحركة الغنوصية، ولكنها لا تشكل أي خطر على الايمان المسيحي كما تُعلمه الكنيسة.
مايرد في هذا البرنامج عن انجيل يهوذا يتناغم مع الاعتقادات الغنوصية، يهوذا هو الوحيد الذي “يعرف”، وهو من يتسلم من يسوع الأمر التالي:”سوف تقدم الجسد البشري الذي ارتديه ذبيحة”. وبالفعل يشير هذا النص الغنوصي الى ان يسوع ليس إنساناً حقيقياً ولكنه لبس جسداً بشرياً، وبفضل يهوذا سيتحرر منه. علاوة على ذلك يهوذا “يعرف” أن البشرية كلها سترفضه على مدار القرون، باستثناء الغنوصيين طبعاً لأنهم يعرفونه ويعرفون مضمون انجيله.
يذكر القديس ايريناوس الذي من ليون (+ 200مسيحية) وجود النزعة الغنوصية ، وذلك في كتابه “ضد الهرطقات”، والذي يتطرق فيه الى بدعة القايينيين. في الكتاب الأول، الفصل 31، يقول ايريناوس أن القايينيين شددوا عى معرفة يهوذا المميزة وعلى انه اتم رسالة سرية عندما سلّم المسيح الى السلطات اليهودية، وان هذه المعلومات ترد في قصة خرافية سماها اصحابها انجيل يهوذا. الا اننا لانقدر أن نجزم حتى الآن أن انجيل يهوذا الذي ذكره ايريناوس هو نفسه الذي نحن في صدد دراسته، لأنه وبحسب ماجاء في البرنامج الوثائقي، لا احد يدري ماهو مصدره: هل هذه الوثيقة كتبت باليونانية وترجمت، أم أنها وُضعت باللغة القبطية؟
هل لرواية انجيل يهوذا أية صدقية تاريخية؟ إذا ما راجعنا الأناجيل القانونية نلاحظ عدم التوافق على السبب الذي دفع بيهوذا الى تسليم يسوع. ويروي متى أن يهوذا سلم يسوع من اجل المال(مت26: 14 – 15)، ولايأتي مرقس على ذكر السبب 0مر14: 10 – 11) بينما لوقا ويوحنا يؤكدان أن الشيطان دخل فيه ودفعه الى فعل التسليم (لو 22: 3، يو 13 : 27). فضلاً عن ذلك، لانجد روةاية موحدة لطريقة موت يهوذا . فبحسب انجيل متى يشنق يهوذا نفسه (مت 27 : 5) ويذكر سفر أعمال الرسل أن يهوذا” وقع على رأسه منكساً وانشق من وسطه” (أع 1 : 18). هذا الاختلاف في السرد الروائي يعود الى ان العهد الجديد لايهتم في وصف الأحداث كوقائع تاريخية مجردة، بمقدار مايفسرها تفسيراً لاهوتياً. ولكن، إذا اعتمدنا مناهج علم التاريخ الحديث، يمكننا أن نستنتج أن القاسم المشترك في هذه الروايات يؤكد أمرين أساسيين: الأول أن يهوذا سلم يسوع ، والثاني أنه انفصل عن مجموعة الرسل الاثني عشر اثر ذلك. وما يعزز الصدقية التاريخية لهذين الأمرين هو بالضببط الاختلاف في تفاصيل الروايات الانجيلية حول يهوذا، لأن هذا الاختلاف يؤكد شهادة موحدة تنبع من تقاليد آتية من مصادر مختلفة، حسب مبدأ تعدد الشهادات الذي يعتمد عليه علم التاريخ. ولابد من ذكر أن كتاب العهد الجديد يقدمون قراءة للأحداث التاريخية من منظار ايماني تتبلور في قراءة كل اسفار الكتاب المقدس.
بناء على ذلك يمكننا تناول إحدى النقاط الجوهرية التي تطرق اليها البرنامج الوثائقي، ألا وهي التهمة بأن مسؤولية الاعتداءات على الشعب اليهودي من المسيحيين عبر التاريختقع على مايعلمه العهد الجديد، وبصورة خاصةعلى تعليم انجيل يوحنا. ويستنتج منتجو البرنامجأن انجيل يهوذا قد يُحدث تغييراً مهماً إذ أنه يعيد الى شخصية يهوذا( وفي العبرية، اسم يهوذايُشتق من اسم اليهود) دوراً ايجابياً بين الرسل. هذا النوع من التحليل يبتعد كل البعد عن إطار الكلام المذكور في النصوص الكتابية، ويُهم فقط في إطار التفسير الحرفي للكتاب المقدس.
ولو طبقنا هذا النهج التفسيري الحرفي على نصوص العهد القديم، لوجدنا أن العهد القديم، قد علم الكراهية ضد الأمم غير اليهودية، وأنه برر القتل من اجل الحصول على الأرض بحق الهي. لذلك، لايمكننا أن نقرأ الكتاب المقدس ، إلا في إطار قانونه الذي حدده تقليد الكنيسة، وبمناهج تفسيرية تعتمد العقل والفكر النقدي. ولايسمح العهد الجديد بأي موقف كرهي تجاه اي انسان، ولايعلم العنصرية ولا التمييز.ويكفي ان نذكر كخلاصة لنهج تفسير يسوع للأسفار المقدسة النص الآتي الذي ورد في انجيل متى: ” أما الفريسيون فلما سمعوا أنه ابكم الصدوقيين اجتمعوا معاً. وسأله واحد منهم وهو ناموسي ليجربه قائلاً: يامعلم أية وصية هي العظمى في الناموس” فقال له يسوع: تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء”. (مت 22 : 34 – 40).
في هذا النص، يعلم يسوع أن علاقة الانسان بالله وبقريبه مبنية أولاً على المحبةكما يُعرف عنها في اسفار الشريعة والأنبياء. لاشك في ان الصورة التي يرسمها ” انجيل يهوذا” عن يسوع تختلف كل الاختلاف عما ترويه الاناجيل الأربعة القانونية. ولكن البرنامج الوثائقي وصف مضمون “انجيل يهوذا” ب” أصيل “. والصفة “أصيل” تتردد مرات عدة بمعان مختلفة أثناء البرنامج. فماذا يعني إذا قيل إن المخطوطة أصيلة؟ هل يقصد التلميح الى ان كاتبها كان يهوذا الاسخريوطي؟ أو أن رواية يهوذا حول المسيح هي ذات أصالة؟ أو، بكل بساطة، يقصد ان المخطوطة تحتوي على كتابة غنوصية أصيلة تعود الى القرنين الثالث او الرابع المسيحيين؟ يعرف الاختصاصيون أن درجة الأصالة التي قد تنالها هذه المخطوطة تتمحور على تعلق مضمونها بالفكر الغنوصي فحسب، وليس بأصالة الكاتب، ولا بصدقية روايتها حول يسوع.
لاشك في ان البحث في نصوص “انجيل يهوذا” سيساهم في فهم افضل للنزعات الدينية والفلسفية داخل الامبراطورية الرومانية التي عاصرت المسيحية. من جهة أخرى، لن تفيدنا هذه المخطوطة في التعرف على شخص يهوذا التاريخي بطريقة أفضل، لكونها لاتعتمد وقائع تاريخية موثوقاً بها. كا أنها لاتؤثر لا من قريب ولا من بعيد في جوهر الايمان المسيحي كما تدعي الدعاية الاعلانية للبرنامج. ان تلميح منتجي البرنامج الوثائقي باستمرار الى نظرية مؤامرة الكنيسة على كشف بعض الحقائق الخاصة بحياة يسوع وتلاميذه، والتي يسندون إطلاقها زوراً الى القديس ايريناوس، ليس له اية جذور علمية ولا تاريخية، حتى وان كان الموضوع مشوقاً جداً بالنسبة الى دور نشر الكتب والمجلات والى معدي الأفلام السينمائية ومنتجيها. وبالفعل، يمكن لأي شخص أن يحصل على نسخة من الأناجيل الغنوصية من اية مكتبة متخصصة. لقد أدت نظريات المؤامرة الى ارتفاع نسبة الأرباح في التسعينيات من القرن الماضي عندما أصر القائمون على الاعلام العالمي على كشف أسرار “مخطوطات قمران”أي مخطوطات البحر الميت. أما كتاب دان براون حول اسرار يسوع والكنيسة، فقد ادى الى حركات تجارية ضخمة ليس لها سوابق. وليس صدفة أن الموعد المختار لكشف نصوص انجيل يهوذا يتزامن مع فترة عيد الفصح المسيحي ويسبق الاطلاق العالمي لفيلم “شيفرة دافنشي” في 19 ايار المقبل. هذا الاخراج التسويقي يوقع الجماهير في حمى الاستهلاك الجماعي، الأمر الذي يدر أرباحاً عملاقة لشركات الاعلام وان كان ذلك على حساب الانجيل والايمان المسيحي.
ان هذه النظريات حول يهوذا ليست بجديدة، ففي العصر الحديث ظهرت صور جديدة ليهوذا تبعده عن شخصية يهوذا الخائن المذكورة بتكرار في الأدب والفنون. يجدر، على سبيل المثال، ذكر المسرحية الغنائية Jesus Christ Superstar عام 1973، التي يلعب فيها دور يهوذا رجل أسود، ويقول عند تسليم يسوع:” بالحق لم آتِ الى ههنا بإرادتي أنا، للدلالة على انه لم يشأ تسليمه. كما اننا نذكر أيضاً رواية نيكوس كازانتزاكيس، “تجربة المسيح الأخيرة” (1951)، التي صورها سينمائياً مارتن سكورسيسي عام 1988. في هذين العملين، يأخذ يهوذا دور ضمير المسيح، فيطلبه بأن يتمم رسالته المسيانية، أي أن ينظم ثورة شعبية من اورشليم. وفي هذا الاطار ، نستذكر أيضاً رواية تيلور كالدويل بعنوان “أنا يهوذا” عام 1977.
لقد تعددت الاتهامات ضد الكتاب المقدس منذ زمن بعيد، كما تعددت منذ نهاية القرن الماضي النصوص المشككة بشخص يسوع المسيح. لكن الكتاب المقدس سيبقى ثابتاً أمام كل تلك التحديات لأن رسالته متينة ومنسجمة في كل ابعادها ، ولأن حافزه الأول هو اعلان محبة الله واعماله من اجل الانسان، من خلال يسوع المسيح وعمل الروح القدس في الكنيسة.
من درس الكتاب المقدس علمياً عرف انه من المستحيل اعتباره كتاباً مزيفاً أو مضللاً، بل هو كتاب اصيل، يخاطب الجيع ويدعوهم الى التأمل بالخيرات التي وضعها الله في الانسان وفي الخليقة كلها.
- مجلة النشرة البطريركية بدمشق العدد الرابع 2006
- موقع وجريدة النهار اللبنانية 21/4/2006