ولد عزت طنوس في مدينة نابلس سنة 1894 لعائلة مسيحية. والده: جريس. أخوه: سليمان؛ أخته: ليديا. أولاده: رجا، فريد، ليلى.
فقد عزت طنوس والده وهو في الخامسة من عمره، فتولت والدته رعايته وبعثت به سنة 1906 إلى القدس على ظهر بهيم لانعدام المواصلات الحديثة، واستمرت الرحلة يوماً ونصف اليوم، ودخل مدرسة “المطران” (مدرسة السان جورج) وتخرج فيها بتفوق سنة 1911.
درّس عزت طنوس في مدرسة المطران مادة الرياضيات خلال ثلاث سنوات، قبل أن يسافر إلى بيروت ويلتحق، في خريف سنة 1914، بكلية الطب التابعة لـ “الكلية السورية الإنجيلية” في بيروت (الجامعة الأميركية لاحقاً), وكان خلال دراسته رياضياً، فنال الميدالية الذهبية للرياضة من مدرسته في القدس، وتفوق في لعبة كرة القدم حتى توصل إلى أن يترأس فرقة كلية الطب بالجامعة الأميركية وفرقة الجامعة نفسها.
بعد أن تخرّج طبيباً، دُعي عزت طنوس للالتحاق بالجيش العثماني في دمشق في تموز 1918، فعُيّن في مستشفى في حيفا وظل يعمل فيه عدة أسابيع بعد أن احتل البريطانيون المدينة في أواخر أيلول عاد الدكتور عزت طنوس في سنة 1919 إلى القدس وعمل في مركز تابع للصليب الأحمر الأميركي، ثم افتتح عيادة طبية خاصة، وكان يحب الأطفال كثيراً الأمر الذي جعله يرغب في معالجتهم، فقصد لندن سنة 1928 ليتخصص في طب الأطفال ودخل كلية الطب في جامعة لندن، وبعد أن تخرج فيها عاد إلى القدس في صيف سنة 1929 ليمارس اختصاصه فنجح نجاحاً باهراً، وكانت عيادته محجة للأطفال المرضى من جميع أنحاء فلسطين.
بعيد عودة الدكتور طنوس إلى فلسطين، اندلعت “هبّة البراق” (15-29 آب)، وتبعتها اتهامات متبادلة بين القيادات الفلسطينية والحركة الصهيونية بشأن المسؤولية عن الأحداث الدامية، فعمدت اللجنة التنفيذية العربية المنبثقة من المؤتمر الوطني الفلسطيني السابع إلى تنظيم حملة إعلامية في مقر “المجلس الإسلامي الأعلى” تضمنت إعداد بيانات ولقاءات مع صحافيين أجانب. حينئذ قرر عزت طنوس إغلاق عيادته مدة شهر للتفرغ والمساهمة في هذا العمل. وفي خريف سنة 1933، شارك في التظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن الفلسطينية، وخصوصاً يافا والقدس، احتجاجاً على الهجرة اليهودية المتعاظمة. وشارك في وفد لمقابلة المندوب السامي البريطاني والاحتجاج على تصرفات سلطات الانتداب القمعية القاسية إزاء المتظاهرين.
أصبح الدكتور طنوس مقرباً من الحزب العربي الفلسطيني بعد تأسيسه في آذار 1935، ودُعي، في حزيران 1936، بعد شهرين على إعلان الإضراب العام، ليصحب جمال الحسيني وشبلي الجمل وإميل الغوري إلى لندن لمقابلة وزير المستعمرات البريطاني والبحث معه في إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وكذلك لمقابلة أعضاء مجلس النواب ورجال الصحافة وشخصيات أُخرى لشرح مدى الظلم الذي صبته بريطانيا على الشعب الفلسطيني. وخلال وجوده في لندن نشر كتيباً بعنوان: “The Palestine Case”، واضطلع بدور بارز في التشجيع على تأليف لجنة برلمانية لدعم القضية الفلسطينية. كما أشرف على تأسيس مكتب عربي (“المركز العربي”) في العاصمة البريطانية تكون مهمته شرح قضية فلسطين أمام الرأي العام البريطاني.
كان الدكتور طنوس، في خريف سنة 1936، من ضمن ممثلي العرب الفلسطينيين الذين التقتهم لجنة بيل الملكية للتحقيق في أحداث الثورة الفلسطينية. ثم عاد في بداية سنة 1937 إلى لندن لاستلام مهماته في “المركز العربي”. وفي ربيع سنة 1937، كلفته اللجنة العربية العليا الذهاب إلى الولايات المتحدة والاتصال بالمهاجرين الفلسطينيين والعرب وتعبئتهم لمناصرة القضية الفلسطينية، فقصدها في 10 حزيران. وهناك رتبت الجمعية العربية الوطنية التي كانت تعمل في نيويورك، اجتماعات له في نيويورك وواشنطن وبوسطن وديترويت وشيكاغو وغيرها. وفي نيويورك، شارك معه في النشاطات الأديب والفيلسوف اللبناني الشهير أمين الريحاني الذي كان في زيارة للمدينة.
كلفته اللجنة العربية العليا، في خريف سنة 1937، السفر إلى جنيف ليكون سكرتيراً للوفد العربي الفلسطيني الذي قصد عصبة الأمم في أثناء مناقشة القضية الفلسطينية، ومقابلة لجنة الانتدابات، وكان الوفد مؤلفاً من جمال الحسيني، ألفرد روك، عوني عبد الهادي، موسى العلمي، الأمير عادل أرسلان. وعقب مقابلات عديدة أجراها الوفد الفلسطيني مع لجنة الانتدابات، ليستوضح منها عما إذا كانت فلسطين في طريقها إلى الحكم الذاتي بحسب صك الانتداب، صارحته هذه اللجنة بأنها لا تستطيع أن تؤدي خدمة للشعب العربي الفلسطيني لأن بريطانيا تمانع في ذلك.
عاد الدكتور طنوس إلى لندن لمزاولة أعماله في المركز العربي، ثم التحق بالمفتي محمد أمين الحسيني الذي كان قد لجأ إلى لبنان في تشرين الأول 1937 بعد أن قررت السلطات البريطانية حظر اللجنة العربية العليا. ومن بيروت، انتقل الدكتور طنوس إلى القدس حيث أجرى محادثات مع المندوب السامي البريطاني آرثر واكهوب ومع رئيس الجامعة العبرية يهودا ماغنس. وبعد رجوعه إلى العاصمة البريطانية، اتصل بوزير المستعمرات البريطاني الجديد مالكولم ماكدونالد، وتمت أول مقابلة بينهما في 20 حزيران 1938. وبعد أسبوع من اللقاء، بعث له مذكرة قال فيها إن الحل الوحيد الذي يراه العرب هو أن “يصبح لجميع الفلسطينيين بصرف النظر عن الجنس، والدين، حقوق مدنية وسياسية متساوية، وتقام حكومة وطنية تتمثل فيها جميع طبقات الشعب بنسبة عددهم، مع ضمان حفظ حقوق الأقليات، كذلك تضمن مصالح بريطانيا المشروعة، وتعقد محالفة بين فلسطين وإنكلترة شبيهة بمحالفة العراق معها.”
وإزاء عزم الحكومة البريطانية على عقد مؤتمر في لندن بشأن فلسطين تشارك فيه اللجنة العربية العليا والوكالة اليهودية، كل على حدة، اقترح طنوس على ماكدونالد أن تشترك الحكومات العربية في ذلك المؤتمر، وحظي هذا الاقتراح بموافقة الحكومة البريطانية. عُقد المؤتمر في شباط/ فبراير 1939 بقصر سان جيمس في لندن، وقد افتتحه رئيس الحكومة البريطانية، واستمر على مدى ثلاثة شهور. واشترك الدكتور طنوس في جلساته، وكان المركز العربي الذي يترأسه في لندن قد أعد جميع الوثائق والدراسات والإحصاءات اللازمة للمؤتمر وقدمها للوفد العربي الفلسطيني.
وفي أيار 1939، أصدرت الحكومة البريطانية “كتاب ماكدونالد الأبيض” الذي وضع قيوداً على الهجرة اليهودية إلى فلسطين بالسماح بإدخال 75 ألف مهاجر يهودي خلال السنوات الخمس اللاحقة، كما وضع قيوداً على بيع الأراضي لليهود، وتبنى فكرة إقامة حكم ذاتي لفلسطين يرتكز على نسبة عدد السكان العرب واليهود حتى تستقل البلاد استقلالاً ناجزاً خلال عشر سنوات. رفض الصهيونيون “الكتاب الأبيض” رفضاً باتاً. أمّا اللجنة العربية العليا التي كانت تجتمع في لبنان برئاسة الحاج أمين الحسيني، فقد بحثت “الكتاب الأبيض” بحثاً دقيقاً ووافق عليه أعضاؤها جميعاً باستثناء رئيسها أمين الحسيني. وكان الدكتور طنوس من الذين دعوا إلى قبوله.
بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، رجع الدكتور طنوس إلى القدس، وإلى عيادته لممارسة مهنة الطب.
في حزيران 1945، طلبت منه جامعة الدول العربية أن يتوجه إلى لندن ويؤسس مكتباً للجامعة العربية يتولى الدعاية للقضية العربية ولا سيما قضية فلسطين، فلبى الدكتور طنوس الطلب وقصد لندن وأسس مكتباً صغيراً شرع يعمل بجد واندفاع.
وبعد أن أمضى طنوس خمسة أشهر في لندن يعمل في المكتب العربي توفيت قرينته المريضة، فعاد إلى بيروت حيث كانت تخضع للعلاج ومنها انتقل إلى القدس، وانضم، في تشرين الثاني 1945، إلى اللجنة العربية التي أُعيد إحياؤها، وعهد إليه بأمانة سر اللجنة وأمانة صندوقها، وقد اتخذت من مكتبه الخاص مكتباً لشؤونها. ولما عاد جمال الحسيني من منفاه في روديسيا في شباط 1946، طلب منه أعضاء اللجنة أن يتولى رئاستها ففعل.
وبعد أن اتُخذ قرار في جامعة الدول العربية بتأليف الهيئة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني الذي فرّ من معتقله بفرنسا إلى القاهرة، كُلف الدكتور طنوس بمهمة الأمين العام لـ “بيت المال” الذي قررت الهيئة إنشاءه. فألف لجنة من الخبراء الماليين والتجار ليعمل بيت المال تحت رعايتها وإرشاداتها، ثم أنشأ ستة مكاتب لبيت المال في كل من القدس، يافا، حيفا، نابلس، غزة، الناصرة، كان لكل واحد منها مدير ومحاسب وجابٍ.
وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين في 29 تشرين الثاني 1947، ونشوب القتال بين العرب واليهود، كان الدكتور طنوس وأحمد حلمي (باشا) عبد الباقي وروحي الخطيب من القلائل الذين بقوا في القدس، فعملوا على تعزيز الدفاع عن أحياء البلدة القديمة. وبصفته أميناً عاماً لبيت المال، صار الدكتور طنوس يشرف على تمويل اللجان القومية وفرق المقاتلين، ومن ضمنها فرقة القائد عبد القادر الحسيني، الذي سقط في معركة القسطل في 8 نيسان 1948، وفرقة القائد إبراهيم أبو دية الذي أُصيب في معركة رامات راحيل جنوب القدس في 20 أيار.
تواصل نشاط الدكتور طنوس الوطني بعد وقوع النكبة، إذ أنشأ مكتباً عربياً فلسطينياً في بيروت، وسافر في سنة 1951 إلى باريس للمشاركة في دورة الجمعية العامة الأمم المتحدة، واستطاع أن يتكلم في اللجنة السياسية الخاصة بالنيابة عن الشعب الفلسطيني. ثم توجّه في سنة 1952 إلى نيويورك ليتكلم ثانية باسم الشعب الفلسطيني. وفي نيويورك، أسس الدكتور طنوس المكتب العربي للاجئين الفلسطينيين الذي حظي بدعم مالي عراقي. إلاّ أن إيقاف الدعم من الحكومة العراقية بعد ثورة سنة 1958 اضطر طنوس إلى إقفال المكتب سنة 1962.
شارك الدكتور طنوس في القدس في أيار 1964 في المؤتمر العربي الفلسطيني الذي انبثقت منه منظمة التحرير الفلسطينية، التي انتدبته ليؤسس مكتباً لها في نيويورك. فقام طنوس في كانون الثاني 1965 بتسجيل منظمة التحرير لدى وزارة العدل الأميركية وفقاً لقانون تسجيل الوكلاء الأجانب، ثم افتتح المكتب في آذار تحت اسم “البعثة الدائمة لمنظمة التحرير الفلسطينية”. ترأس طنوس المكتب حتى تشرين الأول 1968، عاد بعدها إلى بيروت حيث اعتزل العمل السياسي والإعلامي وتفرغ لكتابة مذكراته. توفي في أرلنغتن، فرجينيا، سنة 1993.
عزت طنوس من الأطباء الفلسطينيين الأوائل، ومن المناضلين الفلسطينيين الذين برزوا في ميدان الدعاية للقضية الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي؛ اضطلع بدور بارز في الدفاع عن مدينة القدس وحماية قسمها الشرقي من هجمات القوات الصهيونية والحفاظ على عروبتها، وكان من المشاركين البارزين في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية؛ قال عنه إدوارد سعيد: “إنه من أكثر الناس الذين احترمهم في العالم”.
توفي في 6 آب 1993, أرلنغتن، فرجينيا
من آثاره:
وضع الدكتور عزت طنوس عشرات النشرات والكراسات باللغتين العربية والإنكليزية وكلها يدور حول القضية الفلسطينية، ونشر الجزء الأول من مذكرات لم تُتح له فرصة استكمالها بعنوان: “الفلسطينيون: ماض مجيد ومستقبل باهر”. الجزء الأول. بيروت: مركز الأبحاث-منظمة التحرير الفلسطينية، 1982.
المصادر:
الحوت، بيان نويهض. “القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين، 1917- 1948“. بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1981.
دروزة، محمد عزة. “مذكرات محمد عزة دروزة: سجل حافل بمسيرة الحركة العربية والقضية الفلسطينية خلال قرن من الزمن”. بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1993.
طنوس، عزت. “مذكرة الدكتور طنوس لوزير المستعمرات”. جريدة “فلسطين”، 7 تموز/ يوليو 1938.
طنوس، عزت. “الفلسطينيون: ماض مجيد ومستقبل باهر”. الجزء الأول. بيروت: مركز الأبحاث-منظمة التحرير الفلسطينية، 1982 .
العودات، يعقوب. “من أعلام الفكر والأدب في فلسطين”. عمّان: د.ن.، 1976.
“من هو؟: رجالات فلسطين، 1945- 1946”. ط 2. عمّان: مؤسسة التعاون، 1999.
“الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني، الدراسات الخاصة”. المجلد الثالث. بيروت: إصدار هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1990.
Abdul Hadi, Mahdi, ed. Palestinian Personalities: a Biographic Dictionary. 2nd ed., revised and updated. Jerusalem: Passia Publication, 2006.
Fischbach, Michael R. “Palestinian Offices in the United States: Microcosms of the Palestinian Experience.” Journal of Palestine Studies, vol. 48, no.1 (Autumn 2018), pp. 104-118.
Labelle, Maurice M. “’The American People Know So Little’: The Palestine Arab Refugee Office and the Challenges of Anti-Orientalism in the United States, 1955–1962.” Mashriq & Mahjar: Journal of Middle East and North African Migration Studies, vol. 5, no. 2 (2018), pp. 78-104.