الحجاب في الإسلام: دين أم طبقية؟
بقلم الدكتور نبيل فياض مقال لتوضيح أن الحجاب لا علاقة له بالدين وليس فرض…
مما لاشك فيه أن عامة المسلمين لا يفقهون شيئاً من أمور دينهم؛ وهذا الجهل بالدين ليس بالأمر الغريب، فقد تميّز المجتمع الإسلامي، منذ البداية الأولى، بالجهل غير العادي: باستثناء معرفة بعض الخواص ممن يسمونهم خطأ بالعلماء ببعض من دقائق الشرع.
وإذا كان عموم المسلمين يعتقدون أن الإسلام يحض كدين على العلم بالمعنى الوضعي للكلمة فالاعتقاد خاطئ بالكامل: إن ما يقصده المسلمون بالعلم هو تَّعَّلُمْ القضايا التشريعية والدخول غير المتناهي في تفاصيلها، على الطريقة التلمودية. فالإسلام، كما تنقل لنا شواهد لا تحصى، حظر حتى الاطلاع على كتب غير المسلمين المقدسة، فما بالك بعلوم القدماء ونتاج فلاسفة اليونان والرومان وما إلى ذلك. وقد سبق وأشرنا في أكثر من بحث إلى حرق المسلمين الأوائل لأهم مكتبات عصرهم لأنهم يعتقدون – مازالوا – أن القرآن يحتوي كل ما وصل إليه العلم وما يمكنه أن يصل إليه في المستقبل.
مما لا شك فيه أن الحوادث اليوميّة، المغرقة في خصوصيتها، كانت تلعب دوراً أساسيّاً في قضايا التشريع الإسلامي. فحادث بعينه، كإضاعة السيّدة عائشة لعقدها الظفاري يوماً، أدى إلى ظهور شرع التيمم على سبيل المثال لا الحصر. في الإٌطار ذاته، ومن منظور حيادي دينيّاً، يمكن القول إن الحجاب أُقرّ أيضاً بناء على حدث أو سلسلة حوادث من فترة زمنيّة بعينها.
تخبرنا المراجع الإسلاميّة التراثيّة بما يلي: ” عن أبي مالك؛ قال: كان نساء نبي الله صلى الله عليه وسلم يخرجن بالليل لحاجتهن، وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين، فشكوا ذلك، فقيل ذلك للمنافقين؛ فقالوا: إنما نفعله بالإماء! فنزلت هذه الآية:” يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين”… عن الحسن في قوله: ” يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين “؛ قال: إماء كن بالمدينة يتعرض لهن السفهاء فيؤذين فكانت الحرة تخرج فتحسب أنها أمة فتؤذى فأمرهن الله أن يدنين عليهن من جلابيبهن! عن أبي صخر عن بن كعب القرظي؛ قال: كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن؛ فإذا قيل له، قال: كنت أحسبها أمة!! فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن تخمر وجهها إلا إحدى عينيها؛ يقول ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين؛ يقول ذلك أحرى أن يعرفن “.
إذن، في تحليل سريع للنص، يمكن القول إن الحجاب فُرض للتمييز بين الحرّة والأمة فلا تؤذى الأولى من المنافقين. والنص القرآني، لمن يجادل في صحة الرواية، قاطع في وضوحه: ” يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين “.
لقد اختلف أصحاب المذاهب في حجاب الحرّة، بين من اعتبر الوجه والكفيّن من العورة، ومن اعتبرهما ليسا بعورة. لقد استند أصحاب الرأي الأخير على وقائع كثيرة من تاريخ النبي والصحابة؛ منها: ” فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن؛ فصح أن اليد من المرأة، والوجه: ليسا عورة، ما عداهما؛ ففرض عليها ستره!”.
كما أخبرنا ابن عباس: “أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم: وذكر الحديث. وفيه “فأخذ الفضل يلتفت إليها، وكانت امرأة حسناء، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحول وجه الفضل من الشق الآخر”. فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه السلام على كشفه بحضرة الناس، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء؟ “.
الحقيقة أن الحجاب في الإسلام اجتماعي-طبقي لا ديني. والدليل على صحة ما نقول هو أن الأمة المسلمة غير مأمورة بحجاب الحرة المسلمة: ” قال أبو حنيفة: العورة تختلف؛ فهي من الرجال: ما بين السرة إلى الركبة والركبة عورة، والسرة ليست عورة.
وهي من الحرة: جميع جسدها، حاشا الوجه، والكفين، والقدمين.
وهي من الأمة كالرجل سواء سواء؛ فتصلي الأمة، وأم الولد، والمدبرة: عندهم عريانة الرأس، والجسد كله، حاشا مئزراً يستر ما بين سرتها وركبتها فقط، لا كراهة عندهم في ذلك.” (المحلى ابن حزم 279 )؛ وما يؤكد صحة ما ندعي هو قول أبي حنيفة: ” فإن أعتقت أمة في الصلاة فإنها تأخذ قناعها وتستتر ” (المحلى ابن حزم 279)، بمعنى أنه مجرد أن تتحول العبدة إلى حرة تنطبق عليها أحكام اللباس المعروفة اليوم.
أم الولد، وهي الأمة التي تنجب من سيدها بغير زواج، تنطبق عليها أحكام اللباس التي تنطبق على الحرة، فقط لأنها لا تشرى ولا تباع؛ بمعنى أنها تظل ملكاً للذكر لا أداة للهو: ” وأما أم الولد فقال الأثرم: سمعته – يعني أحمد بن حنبل – يسأل عن أم الولد كيف تصلي؟ فقال: تغطي رأسها وقدميها؛ لأنها لا تباع، وتصلي كما تصلي الحرة. وأما الأمة فالعورة منها ما تحت ثديها، ولها أن تبدي رأسها ومعصميها. وقيل: حكمها حكم الرجل. وقيل: يكره لها كشف رأسها وصدرها. وكان عمر رضي الله عنه يضرب الإماء على تغطيتهن رءوسهن ويقول: لا تشبهن بالحرائر ” ( تفسير القرطبي 1412).
بالانتقال إلى الإمامين مالك والشافعي، نقرأ: ” وقال مالك: الأمة عورة كالحرة؛ حاشا شعرها فقط؛ فليس عورة … وقال الشافعي: إن انكشف من عورة الرجل – وهي ما بين سرته إلى ركبته – أو عورة المرأة – وهو جميع جسد الحرة، والأمة، حاشا شعر الأمة ووجهها، ووجه الحرة وكفيها، وكفي الأمة ” (المحلى ابن حزم 279 ).
في تعريفه للعورة، يؤكّد المرجع الشهير، لسان العرب، ما قلناه من قبل؛ يقول هذا العمل الموسوعي عن العورة: ” وهي كل ما يستحيا منه إذا ظهر، وهي من الرجل ما بين السرة والركبة، ومن المرأَة الحرة جميعُ جسدها إِلا الوجه واليدين إِلى الكوعين، وفي أَخْمَصِها خلاف، ومن الأَمَة مثلُ الرجل، وما يبدو منها في حال الخدمة كالرأْس والرقبة والساعد فليس بِعَوْرة ” ( لسان العرب 4091 ).
ويؤكد مرجع لغوي شهير آخر صحة ما ندعي، فيقول في معرض حديثه عن العورة: ” وهي من الرَّجُل ما بَيْنَ السُّرَّة والرُّكْبَة، ومن المَرْأَة الحُرَّةِ جَمِيعُ جَسَدِهَا إِلاّ الوَجْهَ واليَدَيْنِ إِلى الكُوْعَيْن، وفي أَخْمَصِها خِلافٌ، ومن الأَمَةِ مِثْلُ الرَّجُل ” ( تاج العروس 3257 ).
يقدّم لنا الإمام النووي بعض التفاصيل الأخرى، فيقول: ” وإن كانت أمة أو مكاتبة أو مستولدة أو مدبرة أو بعضها رقيقا ففيها ثلاثة أوجه أصحها عورتها كعورة الرجل؛ والثاني كعورة الحرة إلا رأسها فإنه ليس بعورة؛ والثالث ما ينكشف في حال خدمتها وتصرفها كالرأس والرقبة والساعد وطرف الساق فليس بعورة وما عداه عورة ” ( روضة الطالبين وعمدة المفتين النووي 957 )؛ راجع: الاختيار لتعليل المختار، ابن مودود الموصلي 4؛ أعلام الموقعين عن رب العالمين ابن قيم الجوزية 226.
ثمة رأي هام للغاية يتمثل في السماح للحرّات بأن ينكشفن على عبيدهن من الرجال: ” لأن الله تعالى يقول: “والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم – إلى قوله – العادون” وصح بالدليل من القرآن، وبالإجماع: أن المرأة لا تحل لملك يمينها وأنه منها ذو محرم، لأن الله تعالى أسقط الحجاب عن أمهات المؤمنين عن عبيدهن مع ذي محارمهن من النساء ” ( المحلى 2233 )؛ ويحدد القرطبي المسألة، فيقول: ” قال أصحاب الرأي: عورة المرأة مع عبدها من السرة إلى الركبة ” ( تفسير القرطبي 3483 ).
يقدّم لنا أحد المراجع سبباً اجتماعياً لفرض نوع معين من اللباس: ” الأحزاب 59. الآية وقد كانت الممازحة مع إماء الغير عادة في العرب فأمر الله تعالى الحرائر باتخاذ الجلباب ليعرفن به من الإماء فدل أن الإماء لا تتخذ الجلباب؛ وكان عمر رضي الله عنه إذا رأي أمة متقنعة علاها بالدرة، وقال: ألقي عنك الخمار يا دفار؛ وقال عمر رضي الله عنه: إن الأمة ألقت قرونها من وراء الجدار أي لا تتقنع! قال أنس رضي الله عنه: كن جواري عمر رضي الله عنه يخدمن الضيفان كاشفات الرؤوس مضطربات البدن!! ولأن الأمة تحتاج إلى الخروج لحوائج مولاها وإنما تخرج في ثياب مهنتها وحالها مع جميع الرجال في معنى البلوى بالنظر والمس كحال الرجل في ذوات محارمه ولا يحل له أن ينظر إلى ظهرها وبطنها كما في حق ذوات المحارم! وكان محمد بن مقاتل الرازي يقول: لا ينظر إلى ما بين سرتها إلى ركبتها ولا بأس بالنظر إلى ما وراء ذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث طويل قال: ومن أراد أن يشتري جارية فلينظر إليها إلا إلى موضع المئزر!! ولكن تأويل هذا الحديث عندنا أن المرأة قد تتزر على الصدر فهو مراد ابن عباس رضي الله عنه؛ وكل ما يباح النظر إليه منها يباح مسه منها إذا أمن الشهوة على نفسه وعليها، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر بجارية تباع فضرب في صدرها ومس ذراعها ثم قال: اشتروا فإنها رخيصة!! فهذا ونحوه لا بأس به لمن يريد الشراء أو لا يريد وهذا لأنه بمنزلة ذوات المحارم في حكم المس ولأنه كما يحتاج إلى النظر يحتاج إلى المس ليعرف لين بشرتها فيرغب في شرائها وتحل الخلوة والمسافرة بينهما كما في ذوات المحارم إلا أن عند بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى ليس له أن يعالجها في الإركاب والإنزال لأن معنى العورة وإن انعدم بالستر فمعنى الشهوة باق فيها فإنها ممن يحل له والأصح أنه لا بأس بذلك إذا أمن الشهوة على نفسه وعليها لأن المولى قد يبعثها في حاجته من بلد إلى بلد ولا تجد محرماً ليسافر معها وهي تحتاج إلى من يركبها وينزلها فلا بأس بذلك وكذلك لا بأس بأن يخلو بها كالمحارم ” ( المبسوط للسرخسي 1564).
الرجل الوسيم
يبدو أن للمثلية الجنسية حصتها الكبيرة في قضية الإغواء الجنسي في التراث الإسلامي. يتحدّث أحد المراجع التقليدية عن مسألة إثارة الذكر للذكر، فيقول: ” ومما يتأكد غضّ البصر عنه- سيما في الحمام – الغلام الأمرد – سيما -الجميل الصورة… وقال صلى الله عليه وسلم: “النظر إلى محاسن الأمرد سهم مسموم”. ويحرم على الولى تمكينه من الدخول مع الرجل أو الرجال الذين ليسوا بمحارم له، لأن الخلوة بالأمرد كالخلوة بالمرأة. كما ذكره النووي-رحمه الله- في فتاويه وسواء ويحرم على الرجل والمرأة النظر إلى وجه الأمرد بشهوة ” ( سلوة الأحزان للاجتناب عن مجالسة الأحداث والنسوان، المشتولي، 12).
25 كانون2 2012