الارشمندريت باسيليوس صيداوي الدمشقي
من اعلام كرسينا الانطاكي المقدس في العصر الحديث بين اواخر القرن التاسع عشر، وثلثي القرن العشرين، ابن دمشق التي طالما انجبت اعلاماً عبر تاريخها خدموا الكرسي الانطاكي المقدس في الوطن والمهجر، وخدموا رعاياه ومؤسساته والوطن، لأن من يخدم الكرسي االانطاكي والكنيسة في الوطن، فهو خدم الوطن، لأن الكنيسة من جانب هي وطن …والوطن يدين لكنيسة انطاكية بماقدمته من خدمة واعلام ومواقف مشرفة وكانت مشاعل نور يجب ان تشعل امامهم الشموع ويحرق لهم البخور فأعلام انطاكية العظمى هم ايقونات وطنية وعلمنا منهم.
أسرة الصيداوي من الاسر الدمشقية العريقة والمتمكنة جداً في ايمانها الارثوذكسي القويم والممارسة لهذا الايمان في المواظبة على الصلوات في الكنائس والاصوام والواجبات الروحية، وفي خدمة الكنيسة الانطاكية والمجتمع الدمشقي من خلال المجالس الملية ووكالات الكنائس والاوقاف…
لذلك نشأ هذا العلم البار في هذا الجو وصار من الاكليروس الدمشقي الخادم للبطريركية الانطاكية ومؤسساتها الرعوية والتعليمية.
نبذة في النشأة
ولد علمنا (وهو نسبياً بات مجهولاً!) في حي آيا ماريا ( القيمرية) بدمشق القديمة مطلع عام 1881 من والدين فاضلين هما حنا نقولا صيداوي ومرتا سابا سبانخ وكما كانت عائلة ابيه في الايمان والخدمة، كانت عائلة امه آل سبانخ مثلها، لذلك تربى تربية ايمانية حقيقية عليهما صوماً وصلاة، ونهل منهما غذاء الايمان الارثوذكسي القويم، وكان يرافقهما على الدوام لحضور الصلاة في مريمية الشام، وكنيسة القديس يوحنا الدمشقي بجانب مدارس الآسية، والخدمة في هيكلهما طفلاً صغيرا الى آخر تعليمه الثانوي، وقد لفت ورعه البطريرك ملاتيوس الدوماني قريبه حيث العائلتان قريبتين.
تلقى تعليمه من نعومة اظافره في مدرسة الكنيسة اي في مدرسة مار نقولا الارثوذكسية في المرحلة ماقبل الابتدائية وكانت في حرم الدار البطريركية، ثم انتقل كالعادة الى المدرسة التجهيزية الارثوذكسية وهي مدارس الآسية الشهيرة حيث اتم فيها ماهو الآن المرحلتين الاعدادية والثانوية بامتياز.
منذ طفوليته كان يحلم بالكهنوت، لذلك انتقل وبتشجيع من اهله ومن المطران اثناسيوس ابو شعر والبطريرك ملاتيوس الى المدرسة الاكليريكية البطريركية التي كان قد احدثها الأخير(1) في دير سيدة البلمند البطريركي، فرسمه مبتدئاً أناغنسطاً وكان هو احد الطلاب الاكليريكيين الأربعة الأربعة الذين شكلوا الفوج الأول من الخريجين البلمنديين في الصفوف الثالث والرابع والخامس وهم (انطونيوس مبيض (حلب)، وباسيليوس صيداوي(دمشق)، غريغوريوس ابو حطب (دمشق) واياروثاوس عقل (جبل لبنان))، واحرز شهادة الاكليريكية البلمندية بجدارة.
اوفده البطريرك ملاتيوس الى اكاديمية كييف اللاهوتية في روسيا، فأحرز شهادتها بجدارة. حيث تمت رسامته بها كاهناً ثم ارشمندريتاً وساعد المعتمد البطريركي في موسكو الارشمندريت المجاهد اغناطيوس ابو الروس الذي كان قد حصل على رتبة الارشمندريتية بيد مثلث الرحمات البطريرك ملاتيوس الدوماني عام 1905 واعتمده معتمدا بطريركيا في الامطوش الانطاكي في موسكو على الفور، لمدة اربع سنوات ليعود بعدها الى دمشق بناء على طلب البطريرك غريغوريوس.
عاد الى دمشق فعينه البطريرك غريغوريوس الرابع(1906-1928) مديراً لمدارس الآسية بين اعوام 1909-1912 لمدة ثلاث سنوات.
وفي الوقت عينه وفي العام 1912 تولى نيابة رئاسة جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لرعاية الايتام الدمشقية المحدثة من قبل المطران اثناسيوس ابو شعر وكوكبة من الدمشقيين الأفاضل وكان اسمها في التأسيس جمعية حب الرحمة والتسبيح الأرثوذكسية، وقد رئسها حين التأسيس الى عام 1920 حين وفاته الوكيل البطريركي المطران أثناسيوس ابو شعر، فتولاها الارشمندريت اثناسيوس كليلة، وكانت هذه الجمعية قد غيرت اسمها وهدفها الى جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام واتخذت من اسم القديس غريغوريوس الكبير شفيع البطريرك اسماً لها، وكانت منذ تأسيسها تعتمد التعليم الفني ( صنائع)اضافة الى العلوم واللغات لتعليم الايتام في الدور المستأجرة لهذه الغاية، فكان هو المسؤول عنهابحكم خبرته في مجال ادارة المدارس وتعليم الطلاب.
بعد اعتراف البطريركيات اليونانية الثلاث بغبطة البطريرك غريغوريوس الرابع (والغائها مقاطعتها للكرسي الانطاكي المقدس بسبب تعريب رئاسة الكرسي الانطاكي منذ البطريرك ملاتيوس عام 1899)اوفده البطريرك غريغوريوس عام 1910 بمعية السيد بولس ابو عضل (اول مطران لجبل لبنان حال إحداث هذه الابرشية بفصلها عن ابرشية بيروت ولبنان 1902الى وفاته 1928) الى اثينا لحضور حفلة الذكرى السنوية ال75 لتأسيس جامعتها، وبقي في اليونان لتعلم اللغة اليونانية، بناء على طلب ملكة اليونان اولغا التي لمست فيه النبوغ المعرفي وخدمة الكنيسة فمنحته هذه المنحة التعليمية…
درس خلالها اللغة اليونانية القديمة والجديدة خلال سنتين متعاقبيتين، وتميز بهما، ثم عاد الى جبل لبنان والتحق بمطرانية جبل لبنان، حيث عُيّن مشرفاً على مدارس دير مار يوحنا دوما، ودير سيدة النورية حامات، ودير القديس جاورجيوس الحرف لمدة ثلاث سنوات أيضاً.
عاد الى دمشق بطلب من البطريرك، وأقام في المقر البطريركي وصار معاونا للوكيل البطريركي المطران زخريا، وعضوا في المحكمة الروحية الاستئنافية البطريركية بدمشق، اضافة الى ماكان غبطته يكلفه به من مهام روحية في اي مكان، وعاد بالتالي مجددا الى مركزه في جمعية القديس غريغوريوس عام 1919 نائباً لرئيسها المطران اثناسيوس ابو شعرلمدة سنة، ثم نائبا لرئيسها الارشمندريت اثناسيوس كليلة حتى 1920 حيث عينه البطريرك غريغوريوس الرابع كاتباً ووكيلاً في دير سيدة صيدنايا مابين دمشق والدير لرعاية اوقافه ومدرسة الدير والبستان، ثم أوفده بمهمة رعوية الى مصر دامت بضعة اشهرمعتمداً بطريركياً انطاكياً في القاهرة، ثم عاد الى دير سيدة صيدنايا، ليعينه البطريرك غريغوريوس مجدداً معتمداً بطريركياً في ابرشية حمص المترملة بوفاة ملاكها السيد اثناسيوس عطا الله السنة 1924 حيث نظم الترشيح لمنصب المطرانية وساس الامور المتفجرة بكل حكمة.
بعد ذلك عينه البطريرك ذاته مديراً لمدرسة البلمند الاكليريكية في الديرلمدة سنة، ليعود بعدها الى دمشق ويتولى الاشراف على المدارس الآسية وكل المدارس الأرثوذكسية في دمشق وابرشيتها وحوران والقنيطرة وتوابعها ومعظمها كانت قد اسستها الجمعية الامبراطورية الفلسطينية الروسية الارثوذكسية(2) وتركتها للبطريركية لادارتها ومتابعتها.
ثم رأى البطريرك الكسندروس الثالث (1931-1958) أن يكلفه بمهمة جديدة فأوفده الى الاصقاع الاميركية السنة 1937 حيث بقي فيها لمدة 24 عاماً مساعداً لمطرانها القدير انطونيوس بشير حتى العام 1961، فخدم رعايا ابرشية اميركا وحافظ على خدمتهم بلغتهم الام العربية، وزاد من التصاق ابناء هذا المهجر الكبير بالوطن الام في سورية ولبنان وفلسطين والعراق …بدون تحزب او انتماء من اي منهم لوطنه فهم جميعهم ابناء انطاكية الواحدة وابناء الوطن الواحد، كما كان معاونا لمطران الابرشية انطونيوس في تنظيم رعايا الابرشية وفي كيفية ادارة شؤونها ومجالسها وجمعياتها وشؤونها المالية وساعياً الى حين انفكاكه عن ابرشية اميركا لجمع متروبوليت توليدو اوهايو صموئيل داوود بمتروبوليت بروكلن وسائر اميركا الشمالية المتروبوليت انطونيوس بشير.
بطلب من البطريرك ثيوذوسيوس السادس في عام 1960 عاد الى دمشق مطيعاً للبطريرك وفي هذا العمر الجليل 79 سنة، منها حوالي 60 سنة في الكهنوت، و23 سنة معاوناً لمتروبوليت اميركا…!
وفاته المحفوظة بذاكرتي الطفولية
بعد عودته الى دمشق عام 1960 تلبية لطلب البطريرك ثيوذوسيوس واقام في دار البطريركية في البناء الحديث الذي كان يسمى بالقصر البطريركي، بجناح لائق خصه به البطريرك “كما قال له” في بناء البطريركية الحديث(3) ولاسيما وان البناء تم بنفقة رئيسة من ابرشية اميركا قدمها المطران بشير للبطريرك الكسندروس عامي 1952 و1953.
وكان علمنا قد بلغ من العمر79 سنة منها 60 سنة في الخدمة المخلصة للكنيسة، وللرعايا الانطاكيين والمدارس في كل مكان، لم يرتح فيها اطلاقاً فتراه منطلقاً من خدمة الى خدمة باخلاص وطاعة موصوفين وبكل ضمير نقي وبسعادة بالغة، وقد خدم بكل طاعة وانسحاق القلب راعياً من مريمية الشام الى اصغر كنيسة في دمشق وابرشيتها المترامية حتى كنائس اصغر القرى، وكاهنا في كنيسة اصغرقرية من قرى الجنوب السوري الفقير الى اوسع الرعايا في ابرشية اميركا المترامية، ومن اصغر مدرسة في كل مكان ذكرنا والآسية في المقدمة ومدرستي القديس يوحنا الدمشقي بالقصاع ومدرسة مار نقولا في الصرح البطريركي بدمشق… الى تدريسه للتربية المسيحية وادارته لكل المدارس في نطاق ابرشية دمشق وابرشية بصرى حوران وجبل العرب والقنيطرة، والشيء ذاته في اميركا الشمالية…لذلك لم يمهله القدر ليرتاح قليلاً من عناء تلك السنين الحافلة بالجهاد، فارتقى عام 1962 ليس بعد زمان طويل من عودته الى الوطن متذكراً وصف جدي فارس زيتون رحمه الله لجنازته الحافلة جداً وكانت برئاسة البطريرك ثيوذوسيوس السادس رفيق دربه، وكان جدي عضوا في جمعية القديس جاورجيوس لدفن الموتى، (اي الجمعية المسؤولة عن دفن الموتى في دمشق) وكان يحكي للعائلة مساء يوم دفن علمنا باسيليوس والعائلة كلها مجتمعة (بيت العائلة) عن فخامة وضخامة تلك الجنازة الحافلة، وطبعاً كانت هذه الجمعية كما اسلفت تتولى الدفن وخاصة الاكليروس من اساقفة وكهنة وشمامسة حيث يتم دفنهم في المدفن الخاص بالاكليريكيين في المدفن الارثوذكسي وهو مقام القديس جاورجيوس.
فبحديث جدي تذكرت الارشمندريت باسيليوس لان ادارة مدرسة القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية في القصاع، و كنت تلميذاً في الصف الرابع الابتدائي فيها، كانت قد جمعتنا كل التلاميذ في باحة المدرسة لاستقبال هذا الشيخ الطاعن الذي يمشي متثاقلاً بمساعدة احد الشمامسة الصغار،وبجاوره اعضاء جمعية المدرسة ومديرتها… تذكرت هذا الاستقبال الولادي المدرسي العارم لهذا الاكليريكي الوديع صاحب الوجه المبتسم، الذي زار المدرسة كواحد من اهم رعاتها التاريخيين، فأنشدنا له اناشيد مدرسية ورتلنا بعض القطع التي تعلمناها في دروس الديانة، وفي مشاركتنا بالقداس الالهي في كنيسة الصليب المقدس صباح كل احد، ففاضت عبناه دموعاً وهو يضحك فرحاً بكل الوداعة…
بتلك الذاكرة الطفولية التي رجعت بها قرابة ستة عقود من عمري… تذكرته، وتذكرت حديث جدي عن جنازته لأنه في ذات العام توفي اي عام 1962 وعمره حين انتقاله كان 80 سنة…
صفاته
كان مثالاً للاكليريكي الحقيقي الذي يقوم بما توجبه عليه الرئاسة الروحية، على اكمل وجه مستطاع من العفة والطاعة والفقر الاختياري في الوطن والمهجر. وسلم ارادته الى الرئاسة صائراً رهن اشارتها، ومنفذاً لأوامرها ونواهيها بدون نقاش في الحضرة والغياب، في الصحة والمرض، في القرب والبعد، في الشباب والكهولة والشيخوخة أياً كانت الموانع، ومهما بلغت العقبات، وخصوصاً عند فراغ الابرشيات وازدحام الإقدام لاعتلاء عروش الرئاسة فيها.
لايمكن أن يذكر معاصروه مرة ان رأوه مدة متجهم الوجه مبتسماً على قاعدة ان البشاشة هي زهرة الفضيلة، كان شيخاً فاضلاً على قاعدة ثانية ان الشيخوخة المبتسمة الباشة على قاعدة من عفةٍ وطاعة وفقر اختياري.
رغم استحقاقه كل الاستحقاق لها ومؤهلاته الروحية مع حسن الادارة والطاعة ودماثة الخلق ومثاليته في محبة الكنيسة والغيرة على الشعب والارثوذكسية والوطنية.
لم يؤخذ يوماً في اي موقف بغيظ او حدة طبع بل كان مسالماً حنوناً صفوحاً دوماً ومتواضع القلب وجهه يطفح نوراً الى آخر نفس من انفاسه الطاهرة الى المقر الأخير وكان البطريرك ثيوذوسيوس السادس قد كتب له رسالة رقيقة يدعوه فيها للعودة الى دمشق هذا نصها(4)
“قدس الأب الفاضل الغيور الارشمندريت كير باسيليوس صيداوي الجزيل بره واحترامه
بعد الابتهال الى الله بأن يزيدكم قوة ونعمة وهناء وطول بقاء.
نعلمكم بأن المشاغل الكبرى والمسؤوليات الجسام التي احاطت بنا منذ ماتسلمنا مقاليد الرئاسة بنعمته تعالىلم تستطع أن تشغلنا عن تذكر اخ لنا بالرب ورفيق مخلص وصديق صدوق منذ الحداثة، قد طالما تجاذبنا واياه الأحاديث الروحية وتدارسنا المواضيع العلمية والادبية في الخلوات والمجتمعات، والأروقة والساحات والمتنزهات، فكان يبني أحدنا الآخر استعداداً لخدمة الخير والبنيان في الكنيسة المقدسة، الى ان اتت الظروف القاهرة، ففرقت بيننا وجعلت كلاً منا على بعد سحيق عن الآخر، فهل لكم الآن، وقد قرّب الطيران الأبعاد أن تصلحوا ما افسده الدهر فتعقدوا النية على اعطاء حد لهذا التباعد غير المرغوب فيه منا، ونعود كلانا الى الالتقاء في دمشق، ونقضي معاً أمسية الحياة في دارالبطريركية الجديدة حيث يُفرز لاقامتكم قسم خاص تعيشون فيه وفق ارادتكم بالقرب منا ومن ذوي قرباكم الذين يذوبون حسرة على رؤيتكم.
والى اللقاء القريب ايها الحبيب والنعمة الالهية تتولاكم آمين.
عن دمشق في 6 تموز 1960 الداعي لبنوتكم
بطريرك انطاكية وسائر المشرق
وقال في جنازته مؤبناً
” هو قول سيدي حري بنا ان يُردد على المسامع، ونحن أمام رفيق لنا في الزمالة الدراسية وابن حبيب لنا في الاكليريكية ونحن نشيع الى المقر الأخير الطافح نوراً حيث أتاح الله له أن يمثل دور الحياة بأكمله في هذا الوطن المفدى، وماوراء البحار حتى الابعاد السحيقة وروحانية رحابها بجسم بشري وروح ملائكة، وروحانية مثالية…
“حيث أكون أنا هناك يكون خادمي”
ذلك انه منذ الحدثة انقطع عن الحياة العالمية، وانصرف الى خدمة ربه ومازال على هذا المنوال فاستحق رضاه تعالى في دنياه وفي عقباه لامحالة، وذلك بعد اغتراب طال مداه حتى آخر نفس لفظه من انفاسه الطاهرة، وذلك سحابة عمر طالت مدته في الدراسة العلمية، وبين الكتب المقدسة والترانيم الكنسية والصلوات الخاشعة في دور العبادة وترهب واصوام واديرة النسك وكنائس الرعايا ومعاهد العلم حتى آخر نفس حتى المنتهى ونحن نتحفز للسير بجثمانه الى الارض التي منها أُخِذْ، وهاهو يتابع سيره منها الى حيث ينضم لأجواق الملائكة في السماء وروحه الى يد خالقها مصداقاًللقول السيدي حيثما اكون …
نقف امام جثمان هذا الابن الحبيب لنا في الاكليريكية والرفيق في الزمالة الدراسية منذ الصغر.
وتابع: اجل كان مثال الاكليريكي الحقيق قلباً وقالباً وسراً وجهراً ينفذ شرائط الاكليريكية بحذافيرها اينما دعاه الواجب للخدمة دون تلكؤ ولاتمايل ذات اليمين وذات اليسار واياه ارتحل في الوطن والمهجر في الحضرة والغيبة للعسر واليسر في السر والجهر في الصحة والمرض في الشباب والكهولة اياً كانت الموانع في وجهه ومهما بلغت العقبات.”
وفي ختام الجنازة سار الموكب الحزين والفاخر جداً يتقدمه البطريرك ثيوذوسيوس وعدد من مطارنة الابرشيات وكل الاكليروس في ابرشية دمشق الى مقبرة القديس جاورجيوس الارثوذكسية في منطقة باب شرقي وصلى غبطته عليه صلاة التريصاحيون في كنيسة المدفن ثم وري الثرى في مدفن الاكليروس وهو مقام القديس جاورجيوس.
الخاتمة
لنا في رثاء البطريرك العلامة والفقيه اللغوي ثيودوسيوس السادس المعروف بوفائه عبر حياته التي عرفناها من خلال الوثائق البطريركية وعن بالغ تقديره لمن عمل معه عبر تاريخه اجلى بيان عن خصال مثلث الرحمات الارشمندريت باسيليوس صيداوي الذي نجزم بقولنا عنه في ختام تدوينتنا
انه كان ملاكاً في خدمة المذبح الالهي، وكان راهباً بنذور الرهبنة الثلاثة
الفقر والعفة والطاعة…
في الوثائق البطريركية وخاصة في عهود البطاركة الثلاثة ملاتيوس الدوماني وغريغوريوس حداد والكسندروس طحان، نجد ذكراً مستفيضاً لعلمنا في تكشيفاتنا لوثائق ابرشية دمشق في العقود الاربعة الاولى من القرن 20، ولا افشي سراً بقولي اني تفاجئت من شدة وفاء البطريرك ثيوذوسيوس ابورجيلي تجاهه فقد صرح بأنه زميل دراسة، وانه ابنه الروحي… ومن شدة محبته لعلمنا اراد تكريمه بالتعاقد عن جهاده في ابرشية اميركا وقد صار بهذا العمر وارجاعه الى الحضن البطريركي ليكونا معاً معاً في آخر العمر كما كانا في اوله بجلساتهما الادبية والعلمية، ولتكون عودة علمنا الى دمشق مصدر سعادة وسرور لعائلته التي طال انتظارها لهذه العودة…
ليكن ذكره مؤبدا
وقد شئنا ان نعيده الى الاذهان وهذا حق له كما لغيره من اعلام انطاكية والكنيسة والوطن وواجب علينا حملناه نيراً هنا في موقعنا بما دوّناه ونشرناه عن هؤلاء الاعلام واكيد ان آخر عارفيه ومعاصريه انتقلوا الى الحضرة الالهية، لذا كانت هذه التدوينة البسيطة هدفنا فيها القاء بصيص من نوربسيط يعطيه بعض حقه، ولربما يقتدبنا آخرون فيزيدون بمايبحثون عنه…
ولربما يأتي احدهم يوماً ويسلط علينا بعض الضوء حين انتقالنا، فيسعد اولادنا بسيرتنا كما سعد كل اولاد واقارب من كتبنا عنهم هنا وفي وسائل الاعلام المقرؤة والمسموعة والمرئية…
حواشي البحث
1- مثلث الرحمات البطريرك المجاهد العظيم ملاتيوس الدوماني 1898 قائمقام البطريركية ومن 1899-1906 بطريركاً وهو اول بطريرك بعد التعريب وعاقبته البطريركيات اليونانية الثلاث القسطنطينية والاسكندرية واورشليم بالمقاطعة وقطع الشركة مع انطاكية وعدم الاعتراف به بطريركاً لانطاكية توفي بالسكتة الدماغية مطلع 1906 نتيجة ماعاناه من قهر ومضايقة وفقر موارد الكرسي، وهو الموصوف بجهاده في سبيل انطاكية العظمى منذ ان كان مطراناً للاذقية (1864-1898) وقد صنع نهضتها الروحية والتنظيمية بالرغم من ضعف الموارد ووقتها اولى التعليم الاهمية القصوى، وعندما تولى السدة البطريركية سعى لفتح مدرسة اكليريكية في البلمند وافتتحها في العام الدراسي 1901-1902) وعين مديرا لها الاستاذ الشهيرغطاس بطرس قندلفت.
2- انظر بحثنا هنا في موقعنا بعنوان المدرسة المسكوبية او مدارس الجمعية الامبراطورية الفلسطينية – الروسية الارثوذكسية، توقفت عن العمل عند استيلاء الشيوعيين على روسيا في اكتوبر 1917 وتنازلت عن هذه المدارس للبطريركية بدمشق والابرشيات الانطاكية فقام البطريرك غريغوريوس وخليفته الكسندروس باسناد مهمة الاشراف على المدارس الارثوذكسية ومن ضمنها المدارس المسكوبية التي اصبحت تابعة للكرسي الانطاكي الى علمنا الارشمندريت باسيليوس صيداوي فأدارها بكل نجاح مع ترقية مناهجها وزيادة مواردها، وصار يتابع المدارس في اصغر القرى كقرى جبل الشبخ…
3- قام مثلث الرحمات البطريرك الكسندروس الثالث ببناء الجناح الجنوبي لدار البطريركية ( انظر سيرة البطريرك المذكور هنا في موقعنا /باب اعلام كنسيون وقصة بناء الدار البطريركية بمرحلتها الاولى بهمته ومتابعته الميدانية) وقد تابع مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع (1979-2012) بناء الصرح البطريركي بحلته الحالية، وبنى الجناحين الشرقي والغربي، وحدّثَ بناء الكاتدرائية المريمية والساحات، ونقل مدفن البطاركة من وسط ساحة المريمية الى شرق الكاتدرائية في مدفن البطاركة تحت هيكلها وامامه حديقة جميلة، وقد تم نقل رفات بطاركة انطاكية المدفونين في المدفن القديم منذ ان تم نقل الكرسي الانطاكي من مدينة انطاكية عام 1344 الى عهده، وقد دفن فيه.
4- وثيقة من وثائق البطريركية فيها رسالة البطريرك ثيودوسيوس السادس له وكلمته التأبينية بجنازه الذي رئسه في الكاتدرائية المريمية…