“مغر المير”….. قصة ضيعة
في طريقك إلى قرى “جبل الشيخ” وقبل أن تصل قرية “بيت جن” يستوقفك مفترق منسي إلى يمنك، تتقدمه لافتة صغيرة كتب عليها (قرية مغرالمي)
للوهلة الأولى تشعر بأنها مهجورة، لأنك إذا اتبعت اتجاه المؤشر ودخلت القرية ربما لن تصادف أحدا في شارعها الرئيسي أو الوحيد، شارع يقسم القرية إلى ثلث أسفل الطريق وثلثين أعلاه، ويصلها بالقرية المجاورة “حينه”.
رغم أن هذه القرية لم تشهد معركة حاسمة تجعلها تدخل التاريخ من أوسع أبوابه، كما لم يصادف أن غنتها “فيروز” قصة عاطفية تجعلها حاضرة في الأذهان، إلا أن لها سجلا خاصا ترويه معطيات غنية.
كانت المنطقة مراعي للمواشي وبدأ سكان القرى التي ترعى مواشيها في المغر يبنون بيوتا بسيطة إلى أن أصبحت قرية جميلة وخصبة تستقبل الزوار وتعلو شامخة على تله معانقة “جبل الشيخ”
استقر سكانها فيها في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، حين قدم بعضهم من قرية جبلية اسمها “عين الشعرة”، وكان لهم ملكيات في قرية تسمى “دورين” الواقعة على الطريق الواصل لمحافظة “القنيطرة” في منطقة وعرة، و”مغر المير” تقع وسط الطريق بين “دورين” و”عين الشعرة”،
وبعضهم الآخر قدموا من قرية جبلية قريبة منها تسمى “حينة”، وشكلوا مجتمعاً صغيراً لا يتجاوز تعداده المئة نسمة، وعملوا في سهولها المملوكة من غير قرى، إلى أن اشترى ميسورو الحال قسماً منها وبدؤوا ينتفعون من خيرات أرضها، في حين عمد بعضهم لاستئجار الأراضي من أصحابها غير القاطنين أصلاً في القرية، ثم باع أهل القرية ممتلكاتهم في “دورين” واشتروا ملكيات في قريتهم، وأصبح عدد سكانها حالياً ما يقارب ال800 نسمة، ويغادرها الكثيرون من شبابها بعد الزواج ويقطنون في ضواحي العاصمة لارتباطهم بأعمالهم الحكومية.
تقع قرية “مغر المير” على تلة متوسطة الارتفاع، تحيط بها سهول القرية من الجهات الأربع وتتوسط قرى المنطقة، حيث يحدها
• من الغرب قرية “مزرعة بيت جن”
• ومن الشمال قرية “حينة”
• ومن الشرق قرية “بيت سابر” و”بيتيما”
• وقرية “كفرحور” من الشمال الشرقي
• ومن الجنوب قرية “خان المقروصة”
ووجود البساتين حولها جعلها مرجاً أخضرَ طوال العام . هانئة هادئة؛ تمكث “مغر المير” في أحضان جبل الشيخ؛ متوسطة قراه، مستعيرةً من المكان جمال الطبيعة، ومن الجبل شموخاً وعزةً.
قالوا إن اسمها المركب
أتى من طبيعة تلة تجثم عليها القرية، تعددت مغاراتها الطويلة كأنفاق صنعتها الطبيعة لحاجة ما فوقها من السكان لإيواء محاصيلها وحيواناتها، حيث لا يخلو منزل من مغارة أسفل البناء الحديث بعضها مستخدم لأغراض المونة والتخزين وبعضها الآخر مهجورأو حتى مجهول في بعض الأحيان. وكانت ملكية القرية تتبع لأمير في غابر الزمان، بما فيها مجموعة المغارات التي في القرية، إذ جمعت لتصبح مغارات صاحبها الأمير فأصبح الاسم “مغر الأمير” الذي تحول لسهولة اللفظ إلى “مغر المير”.
تحافظ هذه القرية على عادات الكرم والتعاون التي كنا نسمع عنها في الروايات والقصص، وما يميز القرية ان اهلها أسرة واحدة وضيف القرية هو ضيف للجميع.
كما تعتمد القرية في الحياة اليومية على الزراعة حيث تشتهر بزراعة الحبوب مثل (العدس والقمح والشعير والحمص) كذلك الأشجار المثمرة مثل ( التفاح والمشمش والدراق) كما تهتم برعاية الماشية وهذا ما كانت تقوم به القرية منذ نشأتها إلا أنها تمتاز بشبه مشاعية هذه المواسم، فليس بالضرورة أن تملك بستانا من الدراق لتأكل الدراق دون أن تشتريه ، بل يكفي أن يكون أحد أبناء القرية يمتلك واحدا ليتذوقه كل من لا يملك هذه الفاكهة، وهكذا تجري الأمور.
باتت هذه التفاصيل عادية بالنسبة إلى أهلها، ربما يعود ذلك إلى عدد السكان القليل فإذا لم تجمع القرابة بين شخصين فالرابط هو صداقة وعشرة قديمة.
تعتبر القرية أراضي زراعية خصبة ومعظم سكانها من قرية “عين الشعرا” وقرية “حضر”، يعمل سكانها في الزراعة والماشية وعدد منازل القرية 92 منزلاً وتعداد سكانها ما يقارب 800 نسمة ومساحتها حوالي 5000 دونم تخدمها بلدية “حينه”، والنفوس في قرية “مزرعة بيت جن”، وهي تتبع لمنطقة “قطنا”
يعتمد أهل القرية على زراعة الحبوب والمواسم الشتوية، إذ يروي نهر الأعوج المار بمحاذاة القرية معظم سهولها، ويقع جوارها ثلاثة ينابيع؛ اثنان منها دائمان، وهما: “السيوف، والطماثية”؛ ويرويان قسماً قليلاً من أراضيها، ونبع “الأعوج” الموسمي الذي يروي معظم أراضيها قبل الشهرين الأخيرين من فصل الصيف، ومنذ عقدين من الزمن زرع فلاحو القرية الأشجار المثمرة، واعتنوا بها حتى أصبحت تمثل مورداً جيداً للرزق، فتحسن مستوى أبناء القرية المعيشي، وعملوا على تحديث العمل في الزراعة معتمدين على الآلات الحديثة.
وقد أثَّر تحسن مستواهم الاقتصادي في وقوفهم إلى جانب أولادهم ودعمهم في تحصيلهم العلمي،
ورغم بساطة الضيعة وصغر حجمها إلا أنها يوما فيوم تكبر بأبنائها الذين يعلون شأنها كل عام بتفوقهم وإنجازاتهم على الصعيد العلمي
تعتبر هذه القرية نموذجية بنسبة نجاح عالية في الثانوية العامة كما انها ودعت الأمية منذ 40 عاما فلا يوجد في القرية كبير وصغير لا يعرف الكتابة أو القراءة كما أنها القرية المميزة بالنسبة لحملة الشهادات الجامعية والدراسات العليا.
وجد في القرية مدرسة الشهيد “صياح أبو حامد” وهي حلقة أولى الصف الخامس والسادس وصفوف مجمعة تتألف من 6 غرف مع إدارة، أما بالنسبة للمدرسة الإعدادية فهي في قرية “حينة” حيث يتم التعاقد مع باص لينقل الطلاب ذهابا وإيابا.
وقد سادت القرية تظاهرة علم غريبة، بدأت في عام/1997/ ومستمرة إلى الآن، بدأت على شكل منافسة بين الطلاب وامتدت لتشمل الأهل، وخاصة طلاب الشهادة الثانوية، حيث يسود القرية طقوس خاصة في أشهر الامتحان أغربها وأكثرها حميمية شهر المراجعة الخاص بالشهادة الثانوية.
بالنسبة لعدد السكان، فإن المتعلمين من الأبناء هي نسبة ممتازة، بل المتفوقين في الشهادتين الإعدادية والثانوية، والملتحقين بالجامعات رغم ظروف المواصلات السيئة التي تصلهم بالعاصمة “دمشق”.
تشمل الضيعة كل الفروع الجامعية بمعظم الاختصاصات الشائع منها والنادر ابتداء بالطب وانتهاء بالمعاهد.
ويقارب عدد الأطباء في القرية الـ 25 طبيباً بين دارس ومتخرج، إضافة إلى15 مهندسا”، ناهيك عن الذين يكملون دراساتهم العليا في بعض الاختصاصات.
ولازال الأمر مستمرا وتزداد المنافسة مع ظهور جيل جديد ومعطيات الحياة المتجددة، كما حصل أول محامي في القرية على منصب القاضي ليكون أيضا أول قاضٍ فيها “شحاذة أبو حامد”.
ورغم نسبة التعليم العالية في القرية الا ان الجميع يعمل في الزراعة ..
أما بالنسبة للخدمات المتواجدة في القرية فقد شقت الدولة الطريق الذي يشطر القرية إلى نصفين، أحدهما في الأعلى، والآخر جانب النهر؛ وذلك عام 1963، وتم تعبيده حتى قرية “سعسع” وجدد لأكثر من مرة، وزودت القرية بخدمة الاتصالات الأرضية من عام 1975، حين كان المقسم نصف آلي؛ وبقي حتى عام 1995، حيث تم تحديث المقسم الآلي في قرية “حينة” المجاورة فاستفادت منه القرية.
أما بالنسبة للمياه الصالحة للشرب فوجدت عام 1963 كمنهل واحد فقط في القرية، كما نفذت شبكة الصرف الصحي ما بين عامي 1987_1989 وخدَّمت جميع بيوت القرية.
كما قامت القرية بإنشاء جمعية فلاحية متعددة الأغراض في عام 1974، وأمنت لفلاحي القرية البذار والأسمدة والمراقبة من الوحدات الإرشادية للمحاصيل.
وكانت القرية تنعم منذ التسعينيات بمواصلات معقولة المستوى واتصالات متميزة، وخدمة في شبكات المياه والصرف الصحي ممتازة.
وعلى اعتبار أن القرية حديثة العهد (تاريخياً) لم يعثر فيها حتى الآن على أي دلالات أثرية، عدا بعض المغارات وأبوابها وعتباتها الحجرية المستطيلة؛ متوسطة الحجم، ويروى أن نبع “تل السيوف” تكون ونبع من دخول رجل ناقة سيدنا “علي بن أبي طالب” في الصخر ثم خروجها فأصبح النبع على شكل قدم.
والتل جانب النبع مقسوم لأربعة أقسام متساوية يحكى أنها نتيجة لتقطيع هذا التل بالسيف، وهكذا نقلت هذه المعلومة مشافهة، إلا أن الثابت في الموضوع أن الماء صاف؛ بارد جاهز للشرب طوال أيام الصيف وبقية الفصول.
تعتبرالقرية موقعا سياحيا مميزا لان أراضيها خصبة كما أن مياه “جبل الشيخ” تشق أراضيها لينبع الخير فيها، وقوافل السياح القادمة وخاصة في أيام العطل لتقف على المرتفعات وتشاهد امتداد الأراضي وغروب الشمس من تلك القرية المميزة.