صفحة سوداء في تاريخنا الرومي الارثوذكسي
اجتياح القسطنطينية واستباحتها
في الجناز الذي أقامته الجمعية الثقافية الرومية في بيروت بمناسبة ذكرى إستباحة القسطنطينية الأليمة يوم 29 إيار 1453،
ألقى رئيسُ الجمعية البروفسور نجيب جهشان كلمةَ شكرٍ لله وللكهنة الذين أقاموا الذبيحة الإلهية وللشعبِ المشارك في المناسبة، تطرق فيها الى ذلك الحدث الأليم ودعا الرومَ لينفضوا عنهم عقدتَي النقص والخوف وينشروا ثقافتَهم وإيمانهم في كل زمان ومكان. ومما جاء في الكلمة:
في مثل هذا اليوم من سنة 1453، إنتهى حصارٌ محكمٌ دام سبعاً وخمسين يوماً، ضربَه الأتراك العثمانيون حول أسوار مدينة القسطنطينية، فمات من مات جوعاً وعطشاً، ومرض من مرضَ معانياً متألماً. أما جنودُ المدينة ورهبانها، قادتُها وسياسيوها فأمضوا أيامَهم الأخيرةَ عند الأسوار الضخمة يردّون هجومَ الأعداء، ويرمِّمون الخرابَ الناتجَ عن مدافع العثمانيين الرهيبة التي صنَّعها لهم المرتزقة الهنغاريون. إنتظرَ مواطنو القسطنطينية عوناً من الغربِ وُعِدوا به ولم يأتِ. إنتظروا طعاماً وشراباً من ممالك اللاتين ولم تصِلْ. وافقوا، على مضضِ، على إعلانِ الولاءِ لكرسي روما القديمة ولم تستجبْ روما. ناقشوا وتجادلوا في أحقيةِ الولاء لروما، فشوَّه الغربُ هذا الجدل وقالوا عنه زوراً بأنه جدلٌ حول جنس الملائكة.
في مثل هذا اليوم من سنة 1453، تُركَ الرومُ لمصيرِهم الذي أقفلَ على 1123 سنة من الحضارةِ والرقيّ والعلم والإبداع والعبادةِ الحسنة. وإنتهى عصرٌ تراكمت في سنيه وعقودِه وقرونِه إنجازاتٌ حضاريةٌ وعمرانيةٌ وعلميةٌ وروحيةٌ عظيمة، وفي الوقتِ عينِه هفواتٌ وأخطاءٌ وخطايا كثيرة. وهذه الإزدواجية ليست بالأمر الغريبِ في أيِّ جماعةٍ بشريةٍ تحيا حياةً بيولوجية وإجتماعية وإقتصادية أعطاها الله أن تحياها عل الأرض. إنها سُنّةُ الحياةِ أن يترافقَ العظامُ والصغار، الأبرارُ والخطأة، القديسون والأبالسة في كلِّ مجتمعٍ، وليس من عيبٍ أن تكونَ هذه حالُ القسطنطينية وحالُ كل مدينة ودولة ومجتمع.
لكنَّ الرومَ، منذ ذلك اليوم، أضحوا مصابين بعقدةِ النقص وعقدة الخوف. نحن نعاني عقدة النقص، فنظنُّ بأنَّ خطايانا تراكمَت وأعمالنَا فسُدَت وتصرفاتِنا شانَت. نجلدُ أنفسنا يوماً بعد يومٍ. نستحي بتاريخِنا وحضارتِنا وقيمِنا وإرثِنا، ونحمِّلُ ذاتَنا وزرَ تلك الخطايا ونبرِّرُ سقوطَ القسطنطينة وسقوطَ بلادِنا وسقوطَ الأناضول بشدةِ فسادِنا وتراكمِ أخطائنا. ونحنُ نعاني أيضاً عقدةَ الخوف من الأعداء الذين إغتصبوا بلادنا ومدننا وقرانا ومزارعنا منذ مئات السنين، وباتوا يتحكمون بمصيرنا، ويشوِّهون تاريخَنا، ويُفسِدون عقولنا. بِتنا فريسةً دائمةً لهم يتلهّون ويتلذَّذون بإلتهامها، وأصبحَت أجيالُنا الجديدة تائهةً خارج سربِها الرومي فاقدةً للأملِ مقسيةً عن الحقيقة مقتنصة في غياهبِ الجهلِ والضياع. لقد أعمينا بصيرتَنا خوفاً من قول الحقيقة وخوفاً من تنكيلِ أعدائنا معنوياً ومادياً.
لذلك أوجدنا الجمعية الثقافية الرومية لكي نعلوَ فوقَ النقص ونغلبَ عقدة الخوف، وسبيلُنا الى هذا المرام أن نحتفظَ بإرثِنا ونكشفَ تراثَنا ونتشبَّثَ بإيمانِنا ونضيءَ بفرحٍ وعزةٍ على ماضينا الزاهر ومبدعينا الكبار. نبتهلُ الى المسيح الإله، في أحدِ الأعمى، أن ينيرَ بصيرتَنا ويرفعَ عنا عقدتَي النقص والخوف لنبصرَ الحقائقَ ونجاهر بها وننشرَ تراثنا وإيماننا في كل مكانٍ وزمان. وفي هذا المنحى، جعلنا يوم التاسع والعشرين من كلِّ عام يوماً لذكرى المبدعين الراقدين من عظمائنا، بدءاً بالذين سقطوا في حصار القسطنطينية، مروراً بكلِّ شهيدٍ سقط بسببِ عنادِه في حفظ الأمانةِ الرومية وبسببِ تشبُّثِه بالعقيدة المسيحية المستقيمة، وصولاً الى الراقدين حديثاً الذين لم يستسلموا لعقدتَي النقص والخوف فأبدعوا في مجتمعاتهم رافعين راية الإرث التاريخي الرومي ومعلنين بفخرٍ إيمانهم الأرثوذكسي الجامع.
لتتعانقْ سواعدُنا مرتفعة، ولتتحدْ الآن وغداً وفي كلِّ ساعةٍ أصواتُنا هاتفةً في إثرِ هؤلاء المبدعين الروم، من أجدادنا وآبائنا وإخوتنا: ليكن ذكركم مؤبداً، ليكن ذكرُكم مؤبداً، Aiwnia i mnimi autoi