القديس آفمانيوس ساريداكيس
الصديق الإلهي للبُرص
اعلان القداسة ليس ترفا ولا اظهاراً بل هو مكافأة من الكنيسة الارضية اي جماعة المؤمنين لهذا القديس، اعترافاً بأتعابه الروحية تجاهها وبذل النفي بمحبة طلبها الرب يسوع بتوجيهاته وأمثاله وبوصاياه واعظمها وصية المحبة
بذل النفس تجاه الآخر. قديسنا الجديد آفمانيوس ساريداكيس كان صديقا لمرضى الجزام وبذل حياته في خدمتهم حتى استحق تسمية الصديق الالهي للبرص، وعلى هذا قرر المجمع المسكوني اعلان قداسته مؤخراً بهذه الصفة ولا زال ذكره وخاصة عند من كان يخدمهم…
السيرة الذاتية
وُلِد الشيخ آفمانيوس باِسم قسطنطين ساريداكيس، في الأول من كانون الثاني 1931 في قرية آثيا الكريتية، لعائلة مؤمنة. والداه هما جورج وصوفيا ساريداكيس. هو الطفل الثامن والأخير في هذه الأسرة الفقيرة التي فقدت معيلها في وقت مبكر. بالكاد سمحت سنوات الاحتلال النازي الصعبة في اليونان لقسطنطين تحصيل التعليم الابتدائي. ومع ذلك، فقد كان صبياً بارزاً ليس فقط لذكائه بل لتقواه أيضاً.
الدعوة الالهية
يروي الشيخ حدثاً من العام 1944 قرر على إثْرِه أن يصير راهباً. ويختم بقوله: ” إذا كان الإنسان مدعواً من الله إلى شيء صالح، فالله يعمل ويعينه”. في عام 1951، دخل قسطنطين ساريداكيس إلى دير على اسم النبي إيليا، غير بعيد عن قريته. كان في هذا الدير، إلى جانب رئيسه، راهبان مسنّان وأعميان، خدمهم الشاب المبتدئ بمحبة كبيرة. بعد ثلاث سنوات، رُسم قسطنطين راهباً وأعطي اسم صفرونيوس.
في عام 1954، انضم الراهب صوفرونيوس إلى الجيش، التزاماً بقوانين اليونان التي كانت تتطلب الخدمة الإلزامية في ذلك الوقت. كما في الدير، لم يأنف الراهب الشاب القيام بأي نوع من الأعمال، مُظهِراً الاحترام والطاعة لرؤسائه، وفي الوقت نفسه سعى إلى حفظ واجباته الرهبانية أيضًا.
اصابته بالبرص ( الجذام)
لكن الراهب صوفرونيوس تعرّض في الجيش لتجربة عظيمة حيث أصيب بحمى لم تكن تنخفض على الرغم من كل جهود الأطباء. نُقل الراهب المجنَّد إلى تسالونيكي في حالة خطيرة، وهناك وجدوا أن السبب الرهيب لهذا المرض الغريب هو البَرَص (الجذام)! شكر صوفرونيوس الربَّ على هذا الصليب الثقيل. نُقل الراهب المريض إلى مستشفى البرص في أثينا، في ضاحية القديسة بربارة. هناك، لحسن حظه، نجح العلاج وتعافى تمامًا. ولكنه بعد أن تذوق مرارة ذلك المرض الرهيب، قرر البقاء في ذلك المستشفى وخدمة الذين يعانون. كان هناك أكثر من خمسمائة مريض في المستشفى! أعطت إدارة المستشفى الراهب كوخًا صغيرًا بالقرب من كنيسة المستشفى التي على اسم القديسين كوزما وداميانوس. هناك قضى صوفرونيوس بقية أيامه في مستشفى البرص بأعمال نسكية روحية ورعاية البُرص المطروحين في الفراش، وفي خِدَم الكنيسة.
لقد كانت نعمةً عظيمةً للأب صوفرونيوس أن يلتقي بالقديس نيكيفوروس الأبرص الذي كان قد أصيب بهذا المرض منذ صغره وقضى ثلاثاً وأربعين عاماً في مستشفى البرص في جزيرة خيوس، بالقرب من القديس أنثيموس. وكان القديس نيكيفوروس راهبًا ناضجًا يتمتع بحياة روحية عالية، مع أن جسده كان في حالة سيئة للغاية. لذا، في عام 1957، كان لا بد من نقله إلى مستشفى البرص في أثينا للحصول على رعاية خاصة لأنه كان بالفعل قد عمي وكان شلله يزداد ببطء.
عندما وصل القديس نيكيفوروس إلى مستشفى البرص في أثينا، كان الراهب صوفرونيوس حاضراً للترحيب به، إذ كان قد تلقّى رسالة من القديس أنثيموس يقول فيها: “أيها الأب صوفرونيوس، ترسل لك السيدة (الباناييا) كنزًا. لا يزال راهبًا مبتدئًا، لكنه أكثر شبهاً بالراهب الأكثر كمالًا. سيعلّمك طريق القديسين الأكيد. اخدمْه، وكل مواهب الروح التي لديه، سوف يمنحك الله إياها أيضًا”.
صوفرونيوس والراهبَ الأبرص والأعمى نيكيفوروس
كان القديس أنثيموس يحاول أن يُظهِر للراهب صوفرونيوس أن عليه أن يعتني بالقديس ويحتضنه حتى يرث هذه المواهب الروحية. من تلك اللحظة قَبِل صوفرونيوس الراهبَ الأبرص والأعمى نيكيفوروس. كان له ممرضاً، وطباخاً، فكان يغسله، ويساعده على ارتداء حذائه، ويرشده إلى الكنيسة، ويوجهه إلى القرّاية – كان يده اليسرى واليمنى، وقدميه وعينيه. كان مطيعًا له في كل شيء، مدركًا أن الله قد أرسل له ملاكًا ليعلّمه الحياة الروحية. في أحد الأيام، وكان قد صار “الشيخ آفمانيوس”، أخبر تلميذه نيوفيتوس على انفراد، “أنت تعرف يا بني، اضطررت لمغادرة ديري في كريت في سن مبكرة فلم يكن لدي مَن يعلّمني الحياة الروحية. أردت بشدة أن يكلّمني أحدهم عن الصلاة الداخلية، ويعلّمني طرقًا محددة للتوبة. لذلك أرسل لي الله الشيخ نيكيفوروس”. صار القديس نيكيفوروس الأب الروحي لصوفرونيوس حتى رقاده عام 1964. اعتنى صوفرونيوس بالقديس بمحبة عظيمة إلى آخر أيامه.
كاهنا
في عام 1975، رُسم الراهب صوفرونيوس كاهنًا باسم آفمانيوس وكان له من العمر أربعٌ وأربعون عامًا، وأصبح الأبَ المعرّفَ لمستشفى البُرص، الذي كان قد تحوّل إلى مستشفى الإصابات الحادة.
عاش الأب آفمانيوس أكثر من نصف قرن في كوخه المتواضع قرب المستشفى، خادماً الله والناس بلا توقف، متقبلاً الاعترافات، خادماً للمذبح المقدس، مؤاسياً ومقدّماً المشورة في المواقف المعقدة، صانعاً المعجزات، وشافياً الأمراض الروحية والجسدية. حافظ الشيخ آفمانيوس على حياة رهبانية داخلية صارمة، لكنه كان دائمًا على استعداد لخدمة الآخرين: زيارة المصابين بالإيدز، والصلاة في المنازل، والتواجد مع الناس. لم يكن خاملاً ولا منطوياً، لا بل أتاحت له يقظته بعض الحرية كما يكتب القديس بولس “حَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ” (2 كورنثوس 3:17). على الرغم من الأمراض الصعبة التي عانى منها، إلا أن الابتسامة لم تترك وجهه أبدًا، ومحبته اللامحدودة لله ولكل الناس كانت تشرق في عينيه. بحسب شهود العيان، فإن معرفة ما سيأتي، وعمل المعجزات، ورؤية القديسين كانت كلها أعمالًا عادية في سيرة الأب آفمانيوس. وبالرغم من مواهب الروح القدس المفعَمَة بالنعمة التي تمتع بها، نجح الأب آفمانيوس بالاختباء خلف جدران المستشفى.
القديس الخفي
كان القديس بورفيريوس الكافسوكاليفي يذهب أحيانًا إلى الأب آفمانيوس للاعتراف، وقد سمّاه “القديس الخفي في أيامنا هذه”. كان القديس بورفيريوس يرى في الشيخ آفمانيوس بطلاً وقديساً سرياً في أثينا يخفي مواهبه عن الآخرين. وقد قال عنه القديس بورفيريوس ذات مرة: “إنه قديس. إنه يصلي إلى الله ألا ينكشف للآخرين ولكنْ، في آخر حياته سوف ينكشف”.
سفره الى روسيا
بعد سقوط الشيوعية في الاتحاد السوفياتي، قام الأب آفمانيوس وابنه الروحي، نيوفيتوس مطران مورفو (قبرص)، برحلة حج إلى كييف وموسكو وسانت بطرسبورغ، حيث كرّم قبر القديس يوحنا كرونشتادت.
يخبر الميتروبوليت نيوفيتوس أن الشيخ آفمانيوس كان يقوم كل يوم بكل الخِدَم وكانت تستغرق أحيانًا خمس ساعات. كان كثيرون يقولون له “أنت الأب نيكولاس بلاناس الجديد!” الذي كان معروفاً بقضاء الكثير من الوقت في الخِدَم، فيجيب: “باه! كان قديساً. أنا لست قديساً”. كان يخدم الآخرين طوال اليوم ويعزّيهم ويهتم بهم، ليس فقط المصابين بالبَرَص وحسب، بل كان يذهب إلى منازل العديد من الأشخاص الذين يدعونه إلى إقامة الباراكليسيات وخِدَم الزيت والمسحة المقدسة.
مرضه ورقاده
بعد العودة إلى أثينا من روسيا، ساءت صحة الشيخ آفمانيوس: مرض السكري، وضعف الرؤية، مشاكل الكلى والساقين التي اقترح الأطباء بترهما. ورغم أنه قضى السنوات القليلة التالية في محاربة الموت، إلا أنه لم يقطع أبدًا خدمته الرعائية التي تمثّلت في استقبال سيل لا ينتهي من الناس. في عام 1992، تقديراً لخدمته للكنيسة، مُنح الأب آفمانيوس رتبة أرشمندريت. في عام 1999 تم إدخاله إلى مستشفى البشارة “Evangelismos” في أثينا، حيث أسلم روحه في 23 أيار. دفن الشيخ المبارك في قريته آثيا. بعد رقاده وإلى أيامنا هذه، بصلوات وشفاعة الشيخ المبارك آفمانيوس، يصنع الرب العديد من معجزات الشفاء والتعزية الروحية للمرضى والمتألمين.
مثل كثيرين قبله، لم يخفِ الشيخ آفمانيوس مواهبه كَمَن يضع سراجًا تحت مكيال (متى 1:6) بل كان ذلك هربًا من مديح الناس. لكن في زمن الله، تظهر هذه الأعمال الحسنة مشرقة أمام الناس فيمجّدوا أبانا الذي في السماء (متى 16:5).
الخاتمة
يعلّق الميتروبوليت نيوفيتوس مطران مورفو على حياة القديس آفمانيوس: “لكي نفهم وندرك طبيعة ومدى قداسة شخصٍ ما قد أخفى نفسه بجدٍ، علينا أن نبحث حقًا عن ماضيه، وخاصة عن جذوره الروحية، لتحديد المكان الذي بدأ فيه صراعه من أجل التوبة، حيث بدأت رحلته نحو الحياة في المسيح. على سبيل المثال، عند الشيخ آفمانيوس، لدينا سلسلة غير منقطعة من القداسة: وراء قداسة الشيخ آفمانيوس ساريداكيس توجد قداسة الشيخ نيكيفوروس الأبرص. خلف القديس نيكيفوروس توجد قداسة القديس أنثيموس الذي في خيوس، والد البرص، الذي كان إلى جانب القديس باخوميوس الذي من خيوس، ابناً روحياً للقديس نكتاريوس أسقف المدن الخمس. بهذه الطريقة يمكننا أن نفهم بشكل أفضل الروحانية المواهبية للشيخ آفمانيوس بالإشارة أولاً إلى أصله الروحي، أي شخص القديس نيكيفوروس الأبرص الموقّر”.
فلتكن شفاعته معنا.
اعلان قداسته
في جلسة المجمع المقدس يوم الخميس 14 نيسان 2022، أعلنت البطريركية المسكونية ضمّ القدّيس آفمانيوس ساريداكيس، الصديق الإلهي للبرص، إلى لائحة قديسي الكنيسة الأرثوذكسية. كان المؤمنون قد قَبلوا القديسَ قبل ذلك، وإعلانُ قداسته كان مسألة وقت ليس إلا. حُدّد عيده في الثالث والعشرين من أيار.
Sources:
• Gevorg Kazaryan. Elder Eumenios (Saridakis), the Saint From the Leper Colony. Pravoslavie. 7/5/2018. https://orthochristian.com/114159.html
• Στίς Αγιολογικές Δέλτους της Εκκλησίας ο Πατήρ Ευμένιος Σαριδάκης· Ο κρυφός άγιος της εποχής μας († 23 Μαΐου 1999).α14 Απριλίου 2022. Πεμπτουσια. https://www.pemptousia.gr/…/patir-evmenios-o-krifos…/
• Μητροπολιτου Μορφου Νεοφυτου, Ομιλιες, Τομος Β´. Λογοι Εμπειρικης Θεολογιας Αγιων Πατερων Και Μητερων. Εκδόσεις Θεομόρφου. Ιερα Μητροπολη Μορφου. 2022.
طروبارية القديس آفمانيوس الجديد
لنكرّمْ نحن المؤمنين آفمانيوس، المولودَ في كريتَ الذي لَمَعَ في أثينا، تلميذَ نيكيفوروس الإلهي، والكاهنَ العظيم، العجائبيَّ والخادمَ البرص. إذ إنه يمنح الأشفية للصارخين إليه بتوقيرٍ: المجدُ لمَن وهبك القوة، المجدُ للذي توجَّك، المجدُ لمَن قدّسَك إلى الأدهار.
نظم: أندرياس خاتزيستيليس
نقلها إلى العربية: الأب أنطوان ملكي
ضَبَط لحنَها: الياس رزوق
تجميع أسرة التراث الأرثوذكسي