الحنطور…
الحنطور عربة مخصصة للركاب، يجرها حصان، وهي وسيلة مواصلات تقليدية تراثية منتشرة في بعض البلدان الاوربية والآسيوية والعربية، منها مصر والمغرب وتونس والجزائر. عادة مايتم تعريف الحنطور كوسيلة نقل خفيفة، بسيطة، تتسع لشخصين عادة في القرن 18 وال19 وال20
تاريخية الحنطور
لم تعرف بلاد الشام عربات نقل تجرها الخيول قبل عام 1833، بل كانت الجياد والبغال والجمال والحمير هي وسائل النقل المعروفة في أرجاء بلاد الشام كلها . وكان أبناء برجا عامة ، كغيرهم من رعايا الدولة العثمانية ينتقلون من دمشق وغيرها إلى بيروت وطرابلس وصيدا ، وأحياناً إلى فلسطين مشياً على الأقدام ، أو على الدواب التي يقتنونها أو يستأجرونها لهذه الغاية .
أول عربة تجرها الخيول
وفي عام 1833، أدخل قنصل بريطانيا في دمشق أول عربة تجرها الخيول الى بلاد الشام ، فاضطر الولاة العثمانيون إلى شق الطرقات لتسير العربات القليلة المستوردة .
وفي عام 1863 فُتحت أول طريق معبدة بين بيروت ودمشق، فنشطت حركة النقل بالعربات.
وفي عام 1880 بوشر بفتح الطرقات شمال بيروت وجنوبها، ثم إستمر العمل إلى عام 1901، حينما فتحت طريق للعربات من جامع المصيطبة إلى كل من برج البراجنة مروراً بحرش بيروت الأوزاعي. ولم تواكب دمشقهذه الحركة المتصاعدة في بيروت.
لم تحل عربة الحنطور محل الطنبر الذي جعل لنقل الأمتعة والسلع على اختلاف أنواعها ، فقد كان له دور أساسي في صنع تاريخ العمران في بلاد التخلف والحرمان .
ولئن انقرض عهد عربات الخيول في بلادنا، بإجتياح السيارة الحديثة، فإن البقية الباقية من الطنابرلا تزال تنوء بنا وعنا ، تحت أثقال السنين الغابرة، تحكي حكايا ماضينا التعيس.
وأما عربة الخيول، فهي لا تزال في الغرب، رمز ثراء وترف وإستعلاء وسلطان كبريطانيا مثلا حيث تتم المحافظة على التقاليد والفخامة.
ولطالما خففت تلك الطنابر عن الناس أثقالاً وهموماً ، غير التي كانوا يرزحون تحت وطأتها ، في أحلك أيام الدولة العثمانية العجوز الجائرة.
واضح إذن، أن العثمانيين لم يشجعوا إستيراد وسائل النقل المتطورة، فلم يواكبوا تسارع تقدم الآلة في أوربة الثورة الصناعية. فيضعوا منجزات العقل الأوروبي في خدمة سكان الولايات العربية التي زادها حرمانها من دخول التكنولوجيا الحديثة إليها فقراً وتخلفاً.
وفي عهد المتصرف يوسف فرانكو باشا 1907 – 1912 متصرف جبل لبنان أُدخلت أول سيارة حديثة إلى بيروت قادمة من الاسكندرية في 24 حزيران 1908 فاجتازت طريق بيروت – صيدا بساعتين وثلث ، مما أدهش الناس ، وكاد يذهب بعقولهم .
ثم سير آل النعماني ثلاث سيارات يومياً بين بيروت وصيدا، وظلت العربات والطنابر تعمل إلى جانب السيارات التي لم يتجاوز عددها في لبنان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى مئة سيارة فقط .
وعلى الرغم من سياسة الانتداب الفرنسي الجشعة العاتية فقد إنتسر إستعمال السيارات لتحل محل عربات الخيول .
الحنطور ..نزهة العشاق والسياح
تطورت العربة التي تجرها الخيول خاصة، والحيوانات عامة، لتتخذ أشكالا وتصاميم واستخدامات وأسماء كثيرة عبر مختلف العصور ومختلف بلدان العالم، شرقا وغربا، وذلك منذ ظهورها للمرة الأولى على ضفاف نهري الفرات ودجلة على يد السومريين، وغزا الهكسوس مصر بفضل هذه العربة قرابة العام 1700 ق.م، حيث كانت السلاح المرعب الذي استخدموه في سيطرتهم على مصر، إذ شاهد المصريون الخيول للمرة الأولى.
في مصر
تطورت هذه العربة (الحنطور) في مصر لتصبح ذروة التطور العسكري المصري، وكانت العربة الهكسوسية عبارة عن صندوق مثلث الأضلاع يتكون كل ضلع فيه من عارض خشبي سميك وثقيل للحماية، ومرتكزة على عجلتين يرتبطان مع بعضهما عن طريق محور خشبي يمر في منتصف صندوق الركوب، ولهذا الصندوق فتحة دخول جانبية، ويرتكز صندوق الركوب على محور العجلات، وتسير تلك العربات فوق عجلتين فقط.
وأول ما فكر به المصريون في تطوير العربة هو استخدام عدد أقل من الخيل للعربة الواحدة بما يمكنهم من صنع عربات أكثر بالخيل المتوافرة، لكنهم في الوقت ذاته كانوا يريدون عربة حربية أسرع وأخف من العربة الهكسوسية، حتى يمكنها أن تفوقها بالمناورة وتتخلص من الاشتباك، كلما لزم الأمر، لذا فقد قاموا أول ما قاموا بالتخلص من الألواح الخشبية الغليظة المكونة لجسم العربة واستبدلوها بالعديد من الأجزاء المركبة والألواح الرقيقة والتي تم ثنيها بالحرارة ولصقت بالغراء، ولتدعيم الحماية تم تزويد الجدار الخارجي للعربة بطبقة رقيقة من البرونز، وبذلك تم تخفيض وزن العربة بشكل كبير جداً.
وكان التغيير الثاني هو تقليص عدد الركاب إلى اثنين فقط، على أن يقوم السائق بدور حامل الدرع، وبهذا فقد كانت العربة المصرية، رغم تخفيض عدد الأحصنة التي تجرها إلى اثنين، تتمتع بقوة دفع أعلى وأفضل بكثير من العربة الهكسوسية.
الحنطور تطور طبيعي
تمثل العربة «الكارو» و«الكارتة» والحنطور، تطورا طبيعيا لهذه العربة السومرية ـ الهكسوسية ـ الفرعونية، لذا لا غرابة إذا وجدت العربة الكارو والكارتة والحنطور في مختلف بلدان العالمين العربي والإسلامي.
فلقد تطورت هذه العربة لتصبح بمرور الوقت احدى وسائل النقل والمواصلات، ثم اتخذها بعض الملوك والأمراء والأثرياء وسيلة انتقال ورمز أبهة وسلطان، والآن ومنذ ظهور السيارة والتاكسي تراجع دورها في النقل والمواصلات، لتبقى أثراً تاريخياً أو معلماً تراثياً للسياح أو الأحباء والعشاق عندما يرغبون في نزهة بعد منتصف الليل، وذلك إثر سهرة طويلة تسمح لهم بالرغبة في استرجاع الأيام الخوالي.
وتنتشر عربات «الحنطور» في كل المناطق السياحية والأثرية والمتنزهات في مصر صيفا وشتاء، فهي قبل أن تكون نزهة ممتعة للسياح العرب والأجانب، تعد نزهة أيضا للعشاق والأحباء من أبناء البلد، وزفة شعبية رائعة.
نجدها في القاهرة تحت الكباري التي تعبر النيل، مثل كبري 6 أكتوبر وكبري قصر النيل قرب ميدان التحرير بوسط العاصمة القاهرة، كما نجدها في منطقة الأهرامات ونزلة السمان وسقارة بالجيزة، وفي الأقصر وأسوان، حيث فيها ثلث آثار العالم، وبذا تتوفر عربات «الحنطور» بكثافة باعتبارها وسيلة التنزه والانتقال المميزة بالنسبة للسياح الأجانب.
احتفاء سينمائي وغنائي
في عام 1945 عرض فيلم «تاكسي حنطور»، من بطولة محمد عبد المطلب ومحمد فوزي ونور الهدى وسامية جمال، وتحدث الفيلم عن المنافسة بين التاكسي والحنطور، كوسيلة للانتقال.
وبطبيعة الأحوال فقد انتهى الفيلم بنهاية سعيدة فتزوج ابن صاحب الحنطور بابنة صاحب التاكسي، وذلك بعد صراع طويل بينهما، مؤكدا بذلك أن هناك تعايشاً بين «القديم» و«الجديد»، وأنه لا مجال للتخلص من أحدهما.
ومن بعده كان فيلم «الحنطور » في 1954، أول فيلم استعراضي غنت فيه هدى سلطان مع عبد العزيز محمود الدويتو الشهير «يا تاكسي الغرام»، كما غنت مفردة «اسكتش الحنطور»، وفي فيلم «دايما معاك» غنى محمد فوزي لفاتن حمامة على إيقاعه أغنيته «دايما معاك»، وحفلت السينما العربية بعدد غير قليل من المشاهد الذي ظهر فيها الحنطور «أو الكارتة» ـ وهي نوع من الحناطير ـ كوسيلة من وسائل المواصلات تارة، وأخرى كوسيلة أبهة وعظمة.
وأخير خرجت المطربة الشعبية أمينة بأغنيتها «أركب الحنطور»، في فيلم «قصة الحي الشرقي»، والتي ذاعت في أرجاء مصر، ليتغنى بها في الأفراح ومختلف المناسبات السعيدة، ومن كلماتها التي تعطي صورة كاملة عن نزهة الحنطور: «أركب الحنطور.. واتحنطر، بس اقعد قدام..
واشد اللجام، واركب الحنطور واتحنطر، وهجيب الجو بتاعي.. يركب جنبي ويتحنطر، ويحط ايديه في دراعي.. يأنججني ونتمخطر، ونركن على أي جنب.. وننزل ناكل بطاطا، وكمان نقزقز لب.. ونحلي بالشوكولاتة، واركب الحنطور واتحنطر».
بين الامس واليوم
تتكون عربة الحنطور في الوقت الراهن، من مقعد أمامي مرتفع لسائق العربة، وعلى يمين وشمال مقعده، هناك قاعدة فانوسي كيروسين مخروطي الشكل، تنار ليلا، وفي أسفل المقعد في مواجهة الأرض يوجد فانوس مشابه آخر، كما يلامس قدم السائق الذي يقود العربة عتلة المنبه الموصولة بجرس مثبت بحزام على بطن الحصان، وهو شبيه بجرس الدراجة الهوائية.
أما الركاب فمقعدهم تطوقه مضلة متحركة للخلف وأعلى الأمام، تسمى الشمسية، ولونها اسود، وهي اقل ارتفاعا من مقعد السائق المتسع والمفروش بفرش من القماش الناعم المريح وأسفله «دوشمة» الأسفنج المثبتة على قاعدة المقعد الذي يواجه مقعد آخر صغير للصبية.
زمن الحناطير
إن الحناطير موجودة في كل بلاد الدنيا، فحتى في لندن يوجد حناطير عديدة متنوعة، والعرب والسياح يأتون إلى مصر خصوصا لركوب الحناطير، ويستمتعون بالفسحة على الكورنيش بالحنطور.
فهي مازالت حاضرة ولم تغيبها معالم التكنولوجيا الحديثة،. لكن يبقى هناك طعم مميز لذاك الزمن الذي كانت فيه تتسيد الساحة، وفي هذا السياق يقول جمال فرغلي، شيخ سائقي الحناطير، الذي يمتلك أسطولا من عربات الحنطور( 47 حنطورا):
«أصبح الحنطور الآن يستخدم للديكور أو السياحة والنزهة. في مصر نوعان من الحنطور، الأول منذ عهد الاحتلال الإنجليزي وهو معروف باسم «الدوران»، ويتميز بحلية دائرية عند السلم الخلفي لمساعدة الركاب، والنوع الأخر «الطلياني»، وهي العربة الحديثة».