مخطوطات البحر الميت او مخطوطات وادي قمران
مضمونها وسر أصحابها
توطئة
مخطوطات البحر الميت هي عبارة عن عدد كبير من النصوص وفتائت المخطوطات التي تشكل في مجموعها مايزيد عن 850 مخطوطة وهي مكتوبة بالعبرية والآرامية وقليل منها باليونانية القديمة.
اكتسفت تلك النصوص بين سنتي 1947 و1956 في إحدى عشرة مغارة تقع بالقرب من خربة قمران التي تشرف على الشاطىء الشمالي الغربي للبحر الميت. ربع المخطوطات نصوص توراتية والباقي نصوص خاصة بجماعة قمران.
لاتحمل المخطوطات أي تاريخ. وقد تبين بعد دراستها أن أصحابها هم من اليهود الغيورين على الشريعة. الذين يعتقدون أن نهاية الأيام قد أتت، فراحوا يستعدون، خلال فترة جيل واحد من الزمن لشن حرب مقدسة ضد المحتل الغريب وضد الامم والشعوب كافة وخاصة ضد مخالفي الشريعة الموسوية، وقد اعتقدوا أنه خلال تلك الحرب سيأتي المسيح المنتظر ليملك على العالم.
تعددت نظريات العلماء حول مخطوطات البحر الميت، فأصاب كل باحث شيئاً من الحقيقة دون ان يتمكن من معرفة سر أصحابها.
الرأي السائد أن أصحاب المخطوطات، هم من طائفة اليهود الأسينيين الذين عُرف عنهم حبُهم للسلام وكرههم للحرب وأدواتها، استنادا لما ذكره عنهم الفيلسوف اليهودي “فيلون الاسكندري”. غير ان مفهوم حرب “نهاية الازمنة” الذي تتمحور حوله مخطوطات البحر الميت، لايتوافق مع “طابع المسالمة” الذي اشتهر به الأسينيون وفقاً لمصادرهم، كما تؤكد مخطوطة “وثيقة دمشق” ان المدة الزمنية الفاصلة بين موت مؤسس الجماعة “معلم البر” ومجيء “المسّيا المنتظر” ليحقق الانتصار النهائي لجماعة قمران على أعدائهم، وهي أربعون سنة تقريبا، وهذا لايتوافق مع ماذكرته المصادر القديمة عن تواجد الاسينيين في فلسطين خلال فترة طويلة من الزمن.
ورأى عدد آخر من الباحثين ان اصحاب المخطوطات هم من “الغيورين الأصوليين” اليهود الذين يعرفون ب الزيلوت(1) وان الحرب اليهودية الكبرى ضد الرومان التي اندلعت في فلسطين سنة 66 م وانتهت بدمار اورشليم وهيكلها السنة 70 مسيحية وتشكل الخلفية التاريخية لمخطوطات البحر الميت.
هذه النظرية تتوافق مع مايستنتج من بعض المخطوطات لناحية كره أصحابها للأجنبي المحتل، ومع واقعة إخفاء المخطوطات في مغاور قمران سنة 38 م، غير انها لاتفسر الشبه الكبير القائم بين الاسينيين وأصحاب المخطوطات، وخاصة لناحية الانظمة والسلوك الاجتماعي والعقائد. كما انها لاتتوافق مع آراء بعض الباحثين الذين أثبتوا وجود عدد من العبارات والمصطلحات ذات الطابع اليهودي-النصراني في المخطوطات…
ماهو سر المخطوطات واصحابها؟(2)
بعد البحث والتحليل والمقارنة والاستدلال تبين ان الأسينيين هم فعلا أصحاب مخطوطات البحر الميت، لكنهم لم ينشأوا منذ قديم الزمان كما زعم الفيلسوف اليهودي الاسكندري “فيلون” والمؤرخ اليهودي “يوسيفوس” والكاتب اللاتيني “بلينوس الكبير” الذين عاصروا الاسينيين في القرن الأول المسيحي بل نشأوا بعد سنوات قليلة من ظهور المسيحية اي حوالي سنة 40 م. وقد ادعوا زوراً عراقتهم في التاريخ بفضل نشوئهم في أبنية “خربة قمران” العريقة في القدم كما يحتمل انهم تحدروا من فلول “طائفة الحسيديبين” الذين سبقوهم في سكنى ذلك الموقع.
هناك عملية تزوير كبرى للتاريخ، بدأ بها الاسينيون أانفسهم وجاراهم في ريائهم “فيلون الاسكندري” الذين عاصرنشأتهم، واشتهر بدفاعه عن اليهود في تلك الفترة المضطربة من تاريخهم.
كان الهدف من ذلك تضليل السلطات الرومانية وإخفاء استعدادات الأسينيين العسكرية ضدها، فهؤلاء لم يذهبوا الى البرية بهدف التنسك والتزهد، بل لإعداد الطريق لمجيء “يهوه” لكي ينصرهم على أعدائهم في حربهم المقدسة ضد الرومان والشعوب كافة. كما ان اشتراك الأسينيين في الحرب اليهودية الكبرى ثابت من خلال تأكيد المؤرخ اليهودي يوسيفوس بان أحد قادتهم المدعو يوحنا الأسيني شارك في الهجوم على مدينة عسقلان في بداية الحرب، كما أكد المؤرخ المذكور تعرض الاسينيين للعذاب على أيدي جلاديهم الرومان وإيثارهم الموت على مخالفة الشريعة.
ماهو سبب نشوء طائفة الاسينيين؟
اذا عدنا بالزمن الى الوراء وفتحنا صفحة من تاريخ فلسطين في عهد كاليغولا وهو الأمبراطورغايوس قيصر (37-41م) نقع على حدثين تاريخيين مهمين، أحدثا هزة كبيرة في المجتمع اليهودي.
الحدث الاول
كان قد بدأ يتفاعل بشكل ملحوظ في عهد كاليغولا بالرغم من نشوئه قبل سنوات معدودة من استلامه الحكم، ونعني بذلك امتداد البشارة المسيحية التي راحت تتغلغل شيئا فشيئاً في المجتمع اليهودي، ولو على نطاق محصور، محدثة رد فعل قوية لدى الأكثرية الهودية، التي كانت تعتبر الشريعة الموسوية، ركناً أساسياً في عملية الخلاص، في حين أن الرسل والشيوخ في كنيسة أورشليم آمنوا أن يسوع هو المسيح المخلص، وان الإيمان به كاف لتحقيق الخلاص، لكنهم ثابروا على العمل بأحكام الشريعة، أضف إلى ذلك امتداد البشارة المسيحية إلى خارج حدود فلسطين، واهتداء القديس بولس سنة 35 م وتحوله من مضطهد للكنيسة إلى رسولها الأول ومنظمها.
الحدث الآخرالذي هز المجتمع اليهودي في فلسطين وبلدان الشتات، هو عزم الأمبراطور غايوس قيصر الملقب كاليغولا على فرض عبادته الوثنية على اليهود، فأمر بوضع تمثاله في هيكل اورشليم. وقد حصلت بسبب ذلك فتنة كبيرة في الاسكندرية بين اليهود والجالية اليونانية، كما تمرد يهود فلسطين، وبدأوا يفكرون بالثورة على الرومان، اذ كانوا يفضلون أن تذبح الأمة اليهودية بكاملها على القبول بعبادة الأباطرة، وبالرغم من من أن موت الأمبراطور كاليغولا اغتيالاً سنة 41 م حسم هذه المسألة لصالح اليهود، لكن ماحصل أدى إلى نشوء موجة عارمة من التطرف والغيرة على الشريعة، لدى جماعات كثيرة من يهود فلسطين، وازدياد الأعتقاد لديهم بأن نهاية الأزمنة قد بدأت بالفعل، وان المسيا الذي تحدث عنه انبياء التوراة، سوف يأتي ليحرر بني اسرائيل من الغريب المحتل، ويملك على العالم.
في ذلك نشأ الأسينيون، وتشبهوا بالجماعة المسيحية الأولى، وكان هدفهم الأول جعل السلطات الرومانية تعتقد عند اندلاع الحرب اليهودية الكبرى(66-70م) التي شاركوا فيها وحاربوا الرومان، إن المسيحيين هم الداعون الى هذه الحرب. فتعمد السلطات الرومانية الى الاقتصاص منهم والقضاء عليهم، اما هدفهم الآخر فتشويه المسيحية ومحاولة ردها الى أحضان الموسوية، فقد زعم الأسينيون أن مؤسسهم هو “معلم البر”، وهم يقصدون بذلك معلم المسيحية الأول “يسوع الناصري” الذي اعترفوا أنه انسان بار، لكنهم أنكروا أن يكون هو المسيح المنتظر، لأن مسيحهم المنتظر هو قائد زمني محارب يأتي ليخدمهم ويخدم الأمم والشعوب.
آمن الاسينيون أنهم البقية المختارة التي تمثل العهد الجديد لكنهم اعتقدوا أن العهد الجديد هو تجديد للعهد القديم القائم على الشريعة، فتشددوا بتطبيقها، وعاقبوا بالموت كل من خالف أحكامها وقد اعتبروا بولس الرسول عدوهم اللدود، وأطلقوا عليه لقب الرجل الكذاب، بعدما زعموا أنه احتقر الشريعة أمام كل الجماعة، فشابهوا بذلك المتهودين في كنائس غلاطية الذين حاربوا بولس، واعتبروه رسولاً كاذباً وزعموا ان انجيله مختلق.(3)
وعلى هذا الاساس يمكن اعتبار الأسينيين انهم الجماعة اليهودية – النصرانية الأولى بمعناها الهرطوقي في تاريخ المسيحية، كيف لا، وان من تبقى منهم بعد سقوط اورشليم سنة 70 ساهم بتأسيس شيعة الإيبونيين وهي شيعة يهودية – نصرانية هرطوقية (4) أنكر اتباعها الوهية يسوع، وأقروا فقط أنه آخر الانبياء، كما اعتبروا بولس الرسول مارقاً لأنه قال: “أن المسيحية هي “أرفع شأناً من الشريعة الموسوية.”
وادي قمران
إلى الشرق من أورشليم تبدو الأرض أكثر قفراً، حيث لا توجـد في الواقـع أي مدن سوى الرمال والصخور، والسفوح الشديدة الأنحدار، والوهـاد العميقـة الأغوار. حيث القسم الجنوبي من غور الاردن، وهذه المنطقة هي الاخفض بعمق 400 متر تحت سطح البحر، ولكنها خصبة جداً،هناك تقع أريحـا وعـدد آخر من المدن…
مناخ المنطقة حار جداً، جاف شديد الوطأة، لا يُحتمَل في الصيف، يُماثل المناخ شبه الاستوائي.
صحراء اليهودية
تقع القدس غرباً، وأريحا والبحر الميت شرقاً. وقد ذكرها الرب يسوع في مثاله عن “السامري الصالح” وكان ذاك الزمان، ومن المثل، يوحي بمدى خطورة التجول في تلك البقاع في حينه.
فاللصوص وقطاع الطرق كانوا يأوون الى الكهوف والمغاور في الجبال.
لذا فان هذه المنطقة كانت منذ البدء غير آمنة ولم تزل في وقت هذه الاكتشافات فالبدو الذين يجوبونها يعدونها منطقتهم، وهم يعيشون ذات المعيشة القاسية منذ الفي سنة التي عاشها اسلافهم في تجوالهم بمنطقة البحر الميت.
فهم يسكنون الخيام ويُقيمون أوَدَهم مـن تربيـة الخراف والمـاعز والإبـل الى جانـب تجـارة محدودة لمواشيهم، وانتاجهم من الحليب والاجبان،إضافة الى قيامهم ببعض عمليات التهريب، فيَدُ التمدن لم تمس هذه المنطقة بعد، والبدو بطبيعتهم يمتلكون الأسلحة النارية. ولكن لهم يعود الفضل في هذا الاكتشاف المثير في القرن العشرين، اكتشـاف مخطوطـات البحر الميت التي تعود لألفي سنة خلت هي المعروفة بمخطوطات وادي قمران.
قصة الاكتشاف
في التاسع من آب عام 1947 كان صبيان من بدو التعامرة هما محمد الذيب (10 سنوات) ومحمد حامد (12 سنة) يرعيان الأغنام في خربة قمران، يتجـولان في هذه البقعة مـن “صـحراء اليهوديـة” بمنحدراتها الشديدة عـلى السـاحل الشمالي الغربي للبحر الميّت. فعثر محمد الذيب على مغارة في سـفح صـخري عـال، وعـلى الرغم من وجود ما لا يُعدّ ولا يُحصى من المغاور المتماثلة في تلك المنطقة إلا أنهـا لفتت انتباهه وأثارت فضـوله، فتسـلق بمشـقة وعنـاء َ بالغ ليُلقي نظرة الى داخل تلك المغارة. ولشدة سطوع الضـوء في الخـارج لـم يستطع رؤية شيء في المغارة المظلمة.
فالتقط حصاة وقذفهـا الى داخل المغارة المعتمةّ، ليسمع صوتاً كصوت تكَّسر الخزف الصيني، ولم يتجـرأ عـلى ولوج المغارة المعتمة، فأراد العودة الى خيمة أهله. وكان صاحبه محمد الذيب على ما يبدو أكثر منه جرأة وإقداماً، فصحبه المغارة، وهما يمنيان النفس بالعثورعلى كنز ثمـين وتعاونـا عـلى التسلق وولوج المغارة، وخاب ظنهما للوهلة الأولى، حيـث مسـاحة المغـارة لا تزيد عن المترين عرضاً وحوالي سبعة أو ثمانية أمتـار عمقـاً وارتفاعهـا زهـاء مترين أو ثلاثة أمتار وأرضيتها مغطاة بعدد هائـل مـن شـظايا وكسر الجـرار الفخارية (الخزفية) وجذاذات ّ الرق. ولم يعثرا على الذهب الذي كانـا يحلمـان به، لكن الجرار الاثنتي عشرة الكبيرة المغطاة شدّت إنتباههمـا، فانتعشـت آمالهمـا مجـدداً بالحصول على كنوز الذهب، وما أن أزاحا غطـاء إحـدى الجـرار حتـى أصـيبا بالخيبة مجدداً، فجَّلَّ ما عثرا عليه في تلك الجـرة كـان رقـاً ملفوفـاً متلاصـقاً (بهيئة لفافة متلاصقة)، فقاما بإفراغ الجرة ليُخرجا من داخلهـا لفيفـة مـن الرق تحمل كتابة متلززة لم يفهما منها شيئاً.
وبعد تفحص سريـع أدركـا أن العديد من الجرار تحتوي على لفائف مماثلة من الجلد العتيق وورق قديم اضافة الى رقائق نحاسية ملفوفة بعناية عليها جميعها كتابة ما،
ولئلا يعودا بخفي حُنين قررا حمل عدداً من أفضـل لفـائف الـرق التي وجداها في الجرة الأولى، وبعضـا مـن الجرار السليمة الى خيامهم.
وبعد وصولهما الى مضارب قـومهما، قامـا ببسـط أكبر اللفائف داخل الخيمة، فأمتدت لتشغل الخيمة من طرفها الى الطرف الآخر،ان الفتيين وبالرغـم من عـدم عثورهما على كنوز الذهب في تلك المغارة كما حلما، إلا أنهما بعد اخفاق مسعاهما أخذا يُمنِّيا النفس بالحصول على بعض النقود لقاء بيع لفائف الرق الغريبة. إذ لم يعد يخفى حتى على البدو أن الاوربيين يدفعون أثماناً باهظة لقاء حصولهم على كل ما هو قديم، لا سيما أنهما أدركا أن اللفائف التي في ايديهما موغلة في القدم. وهي المجموعة الأولى لما عُرف فيما بعد بمخطوطات البحر الميت.
في بيت لحم
ولأن الصبيين لا يعرفان القراءة، فقد حملا اللفائف في اليوم التالي الى بيت لحم ومعهم بدوي كبير في العمر، حيث اعتاد البدوالذهاب للتسوق بمقايضة مامعهم من جلود والبان واجبان ببضائع بسيطة، فقد ذهبوا بداية الى أحد زبائنهم المدعو كندو فعرضوا عليه بعـض اللفائف.
فلم يستطع فك طلاسمها شأنه في ذلك شأن شيخ المخطوطات قصدوه قبلاً وهو شيخ مسلم في سوق بيت لحم الذي أدرك أن الكتابة آرامية، فأشار عليهما بمراجعة التاجر خليل اسكندر شاهين بصفته مسيحياً وقد يعرف هذه اللغة ولكنهم عادوا الى كندو ومع انه كان يعمل إسكافياً الا انه كان تاجراً يقظاً ونابهاً فأدرك ما للمخطوطات من قيمة ثمينة، كما أنـه في الوقت ذاته، وضـع في الحسـبان احتمـال كونهـا مخطوطات جديدة مما قد يقلل من قيمتهـا، فتظـاهر أمـامهم بعدم الاكتراث بهذه البضاعة، وبالتالي بعدم الاستفادة من هذه الجلود، قائلا لهم:” أن بوسعه في أحسن الأحوال الاستفادة من هذه الجلود لترقيع أحذية زبائنه، وعرض عليهم ثمنـاً بخسـاً لقاء كل لفيفة من تلك اللفائف التي تثمن بعدة ملايين من الدولارات.
وهنا تبدأ حبكة الرواية فكل من كندو والبدو، يعلمون أنهـم بفعلـتهم هـذه ينتهكــون حرمــة القــانون، فهــما يــدركون تمــام الأدراك أن التُحــف والآثــار والمخطوطات والمكتشفات من باطن الارض وما شابه هي مُلك للدولة، ولا يحق لأي مواطن التصرف بها، كما يتوجب على كل مواطن تبليغ السلطات المعنية عن مايكتشفه من لقى ومخطوطات. لكـنهم بدلاً من ذلك تمـادى البدو فأعادوا الكرة وقاموا بجولة جديدة في المغارة وجلبوا المزيد من المخطوطات، والعديـد من كسر الجرار.
في القدس
راجع البدو التاجر خليل اسكندر شاهين الذي اتصل بدوره بالتاجر السرياني جورج شعيا (ربما كان هو ذاته كندو حيث ثمة رواية تقول كندو واخرى باسم جورج شعيا فكندو بدوره كان سريانياً كما هو التاجر جورج . وكان كندو واثقـا مـن إمكانيـة قـراءة نصوص المخطوطات وتقدير قيمتها الحقيقية) الذي بادر بإعلام المطران مار أثناسيوس يشوع صموئيل مطران القدس للسريان الارثوذكس ومقره في دير مار مرقس للسريان الأرثوذكس في البلدة القديمة بالقدس.
وقد أدرك المطران يشوع صموئيل أن الكتابة عبرية، ولكنه ادرك من أن مثل تلك
المخطوطات لم تكن قليلة القيمة. بل باهظة الـثمن، فلـم يتردد طويلا. بل أسرع في شرائها من البدويين، فـدفع زهـاء مائـة دولار لقـاء المخطوطـات الخمس، وهو مبلغ زهيد، ثم ترك القدس متوجها إلى الولايات المتحدة وفي أواسط الخمسينيات باعها تحت ضغوط عدة إلى أطراف إسرائيلية.
وكان كندو قد احتفظ بدوره ببعض المخطوطات بـدهاءٍ ومُكــرٍ في داره بالقــدس، فســعى للإتصــال ببروفســور التنقيبات في الجامعة العبرية، الذي كان قد تناهى الى أسـماعه إشـاعات عـن وجود مخطوطات غريبة، فرتـب لقـاءاً معـه ليشتري للجامعـة العبريـة ثـلاثاً من هذه المخطوطات، ولم يُعرف الثمن الذي تقاضـاه لقـاء ذلـك ، إلا أن المبلغ بلا شك تجاوز بكثير مادفعه المطران.
وما أن ذاع نبأ اكتشاف هذه المخطوطات حتى بدأت أعمال التنقيب في سفوح التلال المكشوفة على البحر الميت عام 1949 واستمرت سبع سنوات، وتنامت المشكلة بسبب عدم العثورعـلى مَـن يـدفع ثمنـا مجزيـاً لقـاء الحصـول عـلى هذه المخطوطات لاسيما بسبب الاتصالات غيرالقانونية التي أقدموا على إجرائها ، إذ ينبغي عليهم توخي الحذر بعيداً عن مرأى ومسمع اي مسؤول بريطاني، لاسيما وان فلسطين كانت لاتزال محتلة من قبل بريطانيا ومنذ نهاية الحرب العالمية الأولى 1918
وكان المتحـف الـوطني الفلسـطيني في مدينة القدس وكان مديره انكليزياً هو ر. كفيلريُقيم في مكتبه الكائن في المتحف.هو الذي يتصدى للأمور المماثلة والتنقيبات والمكتشفات الآثارية التاريخية.
ومما لا ريب فيه أنه كان سيُطالب بتسليم كافـة المخطوطـات فوراً، وكان سيقوم بالإشراف شخصياً على النشر العلمي للنصوص ، كما كـان سيتولى أمر التنقيبات الأثرية رسمياً في تلك المغارة. لكنه لم يعلم بالأمر إلا بعـد مُضي سنة ونصف السنة.
فقرأ عنه في نشرة أركيولوجية أمريكيـة عندئـذ جن جنونه، بسبب الحيلة التي انطلت عليه في عقر داره، ومافات على متحفه من كنوز ثمينة، حيث أفلح كندو في مخادعته!!!
فكندو سرعان ما وجد مَن لا يقل عمن هو على أتم الأ ستعداد من الأنكليز أهتماماً بهذه المخطوطات، وعلى اسـتعداد لـدفع الـثمن. فكـان هناك بعض الخبراء اليهود في الجامعة العبريـة في القـدس، ولما كان الأمر يتعلق بنصوص عبرية وهي لغتهم القديمة فأنهم لن يـترددوا في دفـع أي مبلغ للحصول عليها، فهم يعتبرون هذه المخطوطات ثـروة قوميـة يهودية، ويـدركون أن المخطوطات تعود للجامعة العبرية وليس لسواها وسـيحولون دون حصـول الأنكليز في متحف (ُركفيلر) عليها…
فهنالك الدراسـة الآركيولوجيـة الأمريكيـة في القـدس، حيـث ينصـب أهتمام الجامعة العبرية على الجانب العلمي المحض، فبمجرد علمهم بحساسـية المكتشـفات وخطورتها، فأنهم سيُبدون استعدادهم لشرائها، وسيبذلون جهودهم للحصول عليها وإحراز قصب السبق في معالجة النصوص علمياً، وإيصال ما تتضمنه مـن دراسة معلومات إلى سائر الأوساط العلمية في العالم، مماسيزيد من شهرة هذه المخطوطات.
اهميةهذه المخطوطات
تضم المخطوطات مايزيد على 850 قطعة ، بعض هذه المخطوطات مما سمي لاحقا الكتاب المقدس، وبعضها من كتب لم تكن تُعرف، أو كانت مفقودة، وقد كانت مطلية بالنحاس. عثر عليها في 11 كهفاً في وادي قمران قرب خربة قمران شمال البحر الميت، تعود الى طائفة الاسينيين التي أنعزلت عن بقية المدن اليهودية، ربما بنت لها مدينة صغيرة في هذا المكان، لكنها تدمرت بفعل الزلازل، وربما كان الرومان كما في رواية ثانية قد دمروها السنة السنة 64 ق.م، وأُعيد بناء الموقع عام 31 ق.م إن أفراد هذه الملة لم يكونوا يعيشون في هذه الأبنية، بل في الكهوف
المجاورة، وفي أكواخ أو خيام من الجلود أو الطين.
وبعض هذه المخطوطات كتبت على ورق البردي، وبعضها على جلد، وعلى صفائح نحاسية، وحفظت بعض المخطوطات بشكل جيد لأنها خبئت في جرار فخارية في كهوف منطقة صحراوية مناخها غاية في الصعوبة.
ومن بين مخطوطات البحر الميت نصوص طويلة، وجذاذة صغيرة، يبلغ عددها مجتمعة عشرات الآف من القطع الصغيرة، بحيث يبلغ مجموع نصوص مخطوطات البحر الميت نحو 900 نص، ينسبها أكثر الدارسين كما قلنا للطائفة الأسينية اليهودية.
في عام 1960وكانت هذه المخطوطات قد اودعت في المتحف الفلسطيني وتجمع جزءٌ مهم منها، وعكف على دراستها مجموعة مهمة من الباحثين منهم العالم الفرنسي الأب رولان ديفو الذي تُعتبر مؤلفاته حول الموضوع مرجعاً رئيساً، وعالم الآثاراليهودي أهارون كمبيسكي الذي قال: “إذا قبلنا بيهودية جماعة قمران، فهذا يعني بطلان اليهودية المعاصرة”.
حسب الدكتور لويس حزبون تم اكتشاف ما لا يقل عن 600 مخطوط، تقارب عدد صفحاتها 40000 وثيقة، معظمها باللغة العبرية القديمة، وبعضها بالآرامية، وجزء قليل منها باليونانية، وهي مكتوبة على أوراق البردى أو جلد الغزلان والماعز وبعضها محفور على لفائف نحاسية.
ويعود زمن تدوينها بين عامي (300 ق.م و70م) وهي تحتوي على جميع أسفار العهد القديم القانونية ماعدا سفر أستير.
كذلك تحتوي المخطوطات على أسفار العهد القديم غير القانونية والثانوية مثل: أخنون وتهاليل ووصايا الآباء الاثنتي عشرة، ووصية لاوي المكتوبة نحو عام 100 ق.م وتُعد أقدم ترجمة يونانية، إضافة إلى كتب طائفة الإسينيين وهي (كتاب النظام) ويمثل عقائد هذه الطائفة اليهودية، ولهذا السفر ملحقان: الأول بعنوان:” الحرب بين أبناء النور وأبناء الظلمة” ويحوي تشابهاً كبيراً بين صفات معلم الصلاح المفترض أنه المؤسس لهذه الطائفة وبين صفات السيد المسيح.
أما الملحق الثاني المسمى (وثيقة دمشق) فيتكلم عن شدائد معلم الصلاح، ويُضاف إلى ذلك سفر عن أناشيد الشكر، وتبلغ عشرين مزموراً تشبه مزامير العهد القديم، وكتب تفسيرية لسفر حبقوق وفيه ذكر للشدائد التي ستحل بالجيل الأخير نهاية العالم.
كذلك مخطوط “لاماك” والد نوح وهو مكتوب باللغة الآرامية في تسعة عشر عموداً تتضمن تعليمات إدارة الحرب بين أبناء النوروأبناء الظلمة، وقد قدر خبراء الآثارالاحتياج الى عشرين عاماً على الأقل للوصول إلى الترجمة الصحيحة لهذه المخطوطات التي تعود أهميتها إلى أنها تحتوي على أقدم نص مدون للتوراة، كشف عن اختلافات بينه والنصوص المعروفة حالياً، وهذا هو سر المخطوطات الذي جعل إسرائيل تعمل على إخفاء مضمونها.
في ختام بحثه أكد المؤلف الدكتور لويس حزبون إجماع الدارسين وعلماء الآثار على أن تجاراً ومسؤولين ورجال دين قد اشتركوا جميعهم في تهريب الكثير من هذه المخطوطات إلى اليهود، وحين استكملت العصابات الصهيونية احتلالها لفلسطين 1948 سيطرت على كل محتويات المتحف الفلسطيني المعروف باسم رُكفلر، وهو متحف دولي أُسس في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، وكان يضم علماء آثار من مختلف بقاع العالم أتوا للتنقيب والدراسات والحفريات.
وقد وجدوا مخطوطات البحر الميت في انتظارهم، فاستولى عليها كلها الكيان الصهيوني، ونقلت إلى “متحف الكتاب” في القدس الغربية المحتلة، الذي يؤمه الناس من مختلف أنحاء العالم. ووفق “الموسوعة الحرة” فإن:
30% من النصوص من الكتاب المقدس العبري وتضم قطعاً من كل الاسفار عدا سفر استير.
25% من النصوص هي من نصوص يهودية ليست من الكتاب المقدس مثل سفر اخنوخ وشهادة لاوي.
30% من التفاسير من النصوص المتعلقة بالكتاب المقدس.
15% من 30% من النصوص التي لم تترجم او لم تعرف هويتها بعد.
وأغلب النصوص مكتوب بالعبرية والبعض منها بالآراميةوالقليل باليونانية.
وبخاصة منهم البريطانيين استمرت عمليات البحث من علماء الآثار الاوربيين، فتم العثور في هذه الكهوف على بقايا قرية مؤلفة من مساكن وخزانات مياه ومدابغ للجلود وغرف طعام واسواق.
محتويات مخطوط قمران
يمكن تقسيم محتويات مخطوطات جماعة قمران الخاصة بأسفار التناخ او التناخية
من حيث المغائر وعلى النحو التالي
عثر في المغارة الاولى على نسختين من سفر أشعياء، ووجدت النسخة الأولى كاملة.
اما في المغارة الثانية فعثر منها على حوالي الثلث فقط، كما عثر في نفس المغارة على اجزاء من أسفار التكوين والقضاة وصموئيل والتثنية واللاويين والخروج وحزقيال، كما عثر ايضاً على عدد من سفر المزامير.
في المغارات الثانية والثالثة والخامسة والسادسة عثر على عدد قليل نسبياً من المخطوطات مقارنة مع ماعثر في المغارة الأولى، وكشف في تلك المغارات عن بقايا سفر التكوين، الخروج، العدد، ارمياء، المزامير، ايوب، نشيد الانشاد، نحميا، واجزاء عديدة من سفر الملوك اللاويين.
عثر في المغارة الرابعة على العديد من أجزاء من مخطوطات ولم يعثر فيها على مخطوطات كاملة وتعد هذه المغارة أغنى المغائر على الإطلاق من حيث كمية المخطوطات وقيمتها، من محتوياته أجزاء من سفر أشعياءواسفار الانبياء الصغار والامثال والخروج.
وكذلك عثر على أجزاء من سفر التكوين وعلى أجزاء من إرميا ودانيال.
عثر في المغارة الحادية عشر على نسخة شبه كاملة لأسفار العهد القديم ومنها نسخة من المزامير ومن سفر اللاويين ، وهناك لفافة لم تفتح بعد ويقال انها ترجمة أرامية لسفر ارميا.
وخلاف ذلك، عثر من ضمن ماعُثر عليه بقايا من النص العبري الأصلي لأجزاء من الأسفار الخارجية، تختلف في صيغتها عن الصيغة اليونانية المتواجدة. ولايُعرف حتى الآن ما هي علاقة جماعة قمران أو صحراء يهودا/ كما جاءت/ تسميتهم في دائرة المعارف العبرية، وهل كانت مقدسة في نظرهم مثل بقية أسفار العهد القديم، خاصة وأن تلك الجماعة تستخدم مفاهيم خاصة تختلف عن المفاهيم الواردة في تلك الأسفار الخارجية، أم أنها أجزاء أقحمت على باقي المخطوطات لأسباب غير معروفة.
النصوص الخاصة بجماعة العيسيين
وهي مجموعة من النصوص خاصة بجماعة قمران وتلقي أضواء على عقيدتها، وسلوكها، وحياتها.
ميثاق الجماعة
إن دستور الجماعة هو أحد أول المخطوطات الكبيرة المكتشفة في سيرخ هايحاد، ومصدره المغارة الاولى، وهو النسخة غير الكاملة دون شك المكتشفة في قمران لمؤلف شعبي جداً، ومن خلال المغائر المختلفة يعتقد أنه كانت توجد منه نحو 12 نسخة، ويبدو أن أوضح الاجزاء هي التي وُجدت في المغارة الرابعة.
وتتألف المخطوطة من خمس أوراق من البردي تتضمن 11 عموداً، إضافة إلى ملحقين وجدت أجزاؤهما في المغارة الأولى أيضاً ويضم ثلاث وثائق منفصلة نصاً ولكنها تتفق مضموناً في تنظيم شئون الجماعة وعلاقتها الحالية والمستقبلية بما حولها. وتدلنا هذه الوثيقة على انتهاج الطائفة أساليب صارمة في التنظيم وفرضها لعقوبات على من يخالف نظامها أو ينشر أسرارها، وهي تشير إلى علاقة الفرد بالآخرين ممن هم خارج جماعته وإلى عدم جواز مخالطتهم أو الإفاضة عليهم مما أفاء الله عليه من علم بالشريعة وأسرارها.
-
الجزء الأول ويشتمل على العنوان والمقدمة ذات الأسلوب البليغ وهي تصف النمط العام لحياة الجماعة ووصف الاحتفال عند الدخول في الميثاق انه “مستلهم” من سفر التثنية ثم يلي ذلك الشروط الصارمة للتقدم في الملة ثم عظة وخطبة حول الأقدار المتعارضة كما تشير إلى كيفية فرض روح الشر لسلطانها أحياناً على أبناء النور لإخضاعهم وتعذيبهم.
-
الجزء الثاني يفرد مساحة أوسع للشرائع وأسس الدعوة ثم التحدث حول كيفية الدخول إلى الملة والتخلي الضروري عن كل ما يتعلق بالمال والشر ويلي ذلك ما يتعلق بالتنظيم الداخلي الدقيق للجماعة ومنها واجب الطاعة وواجب الدراسة الدائمة وقاعدة النصاب للاجتماع والمتألف من عشرة أشخاص، وأيضاً وظيفة معلم المبتدئين في الملة. ونجد أخيراً تشريعاً حقيقياً يعتمد على مبدأ التوبة ويعدد أخطاء العاصين والعقوبات التي يستحقونها بسببها.
-
الجزء الثالث يمتلئ بالمقاطع الأناشيدية، ويعرض مبادئ المجتمع المثالي الكامل كما تشير العبارة “عندما تتم هذه الأشياء في إسرائيل.”
حرب أبناء النور وأبناء الظلام
وجد هذا المدرج في المغارة الأولى، وهو مخطوط ليس له مثيل من حيث المحافظة عليه، ماعدا أطرافه السفلى التي تاَكلت بعض الشيء، وعندما فتح الملف كان طوله أكثر من 9 أقدام حوالي 2.90 م، وعرضه أكثر من ستة بوصات حوالي 0.16 م، ويتألف من شرائح جلدية والنص عبارة عن 19 عمودًا جاء فيه تعليمات لإدارة الحرب.
ولا يستطيع المرء أن يعطي جواباً واضحاً، عما إذا كانت هذه الحرب وشيكة الحدوث أم أنها حدثت بالفعل في وقت كتابة الوثيقة.
وهي عبارة عن خطة حربية محكمة (خيالية) يتوقع أفراد الجماعة تنفيذها. وهم
ويهودا ،وسبط لاوي وبنيامين.. المدعوون أبناء النور
أنهم سيخوضونها قريباً، بعد عودتهم من “صحراء الأمم” فيدمشق فسيُعينهم
الرب بملائكته وجنده ليقضوا على كل الأعداء التقليديين المذكورين في العهد القديم (االآشوريين والأدوميين والمؤابيين والعمونيين والاغريق..المدعوين بأبناء الظلام)
وتبدو الإشارات إلى الشعوب المعادية في اللفيفة كإشارات رمزية إلى جماعات عرْقية سكنت فلسطين
في الفترة الممتدة من القرن الثاني قبل الميلاد حتى القرن الاول الميلادي.
وفي مطلع تلك المخطوطة مقدمة قصيرة تتنبأ باندلاع حرب، ثم تعقبها اللوائح التي ترسم اسلوب التجنيد والتعبئة للجيش (للحرب والعبادة) إلى جانب وضع لخطة الحرب ذاتها. كما تتضمن الوثيقة الجدول الزمني الذي سيقوم خلاله أبناء النور بالاستيلاء على العالم كله، فضلاً إلى الإشارة إلى الأسلحة المستخدمة وأساليب القتال.
وفي الوثيقة أيضاً الخطوات المستقبلية التي ستُتلى قبل وأثناء المعارك والأناشيد التي ستُتلى بعدالحرب وتحقيق النصر. والجزء الأخير من المخطوطة مفقود وقد أعاد يادين دراسة هذه المخطوطة.
يشير “اندريه سومر“لمؤلفه في الجزء الأول من كتابه “مخطوطات البحر الميت”
إلى أن هذا الميثاق لا يحمل عنواناً أو إسماً مثل بقية مخطوطات قمران، وهو مؤلف شعبي في قمران، كما تدل الأجزاء الكبيرة نسبياً منه والتي وجدت في المغارة الرابعة، فيوجد حوالي ست مخطوطات مختلفة للنص نفسه. ويلاحظ أن هذه الأجزاء تتناقض أحياناً مع نص مدرج المغارة الأولى الذي نشر عام 1954
وعلى الرغم من وحدة الأسلوب، لكن يوجد بينهم العديد من التباينات
والتعارضات، فلاحظ أنه في العمود التاسع سرد لنهاية المعركة، لنعود إلى بداية التحضيرات للمعركة في العمود العاشر بإدخال أسلحة جديدة. كما يشير إلى أن الجزء الثاني من تنظيم الحرب به أسلوب أكثر خطابية في حين أن الجزء الأول مخصص أصلاً للوصف والتعليمات.
مخطوطة لامك
(أبوكريفون التكوين أو بيريشيت أبوكريفون)
هو مخطوط مضغوط ومتماسك وهش أوشك على التكسر، وهناك قطع صغيرة وعمود كامل، فقد من المخطوطة منذ اكتشافها، وقد جاء في المخطوطة أحداثاً لقصة قصيرة تبدأ حين يسمع لامك فينذر أخنوخ لينذر أبناء زمانه باقتراب يوم الدين ونهاية العالم، فتأثر لامك بذلك وأيقن أن الله سيهلك العالم الفاجر ويأتي بخلق جديد، وقد سجلت كل تلك النذور والتحذيرات في سفره وهو أيضاً من الأسفار الخارجية الموجودة ضمن سفر أخنوخ (مخطوطات البحر الميت)
وعن هذا المخطوط قال عالمان من علماء اليهود: “أن هذا النص يضم آيات من سفر التكوين أعيدت كتابتها باللغة الآرامية التي كان اليهود يتحدثون بها في ذلك العصر (أيام السيد المسيح) اي المسماة بالآرامية الفلسطينية وهي المماثلة اليوم للغة اهل معلولا في سورية وبعض قرى القلمون.
ولذلك فهي قدمت لنا فهماً للكلمات الغامضة الآرامية المنسوبة إلى السيد المسيح،
وبالرغم من أنه سفر غير قانوني إلا انه يُعتبَر إعادة صياغة لأحداث قصة لامك، والشخصية الأساسية في السفر هي شخصية لامك حفيد أخنوخ والد نوح، إلا أن المضمون العام يتضمن تكرار قصة الخلق والآباء، مع إضافات عديدة منها ما يشير إلى التشكك في ولادة نوح، والتساؤل عن ولادته الإعجازية بتناسل البشر مع أنصاف الملائكة (وهي كائنات سماوية شاع الاعتقاد في وجودها في الفترة من القرن الثاني قبل الميلاد وحتى القرن الأول الميلادي،
الأمر الذي يوضح صلة طائفة قمران بالمسيحية الناشئة التي تبنَّت مثل هذه الاعتقادات. او المسماة بالنصرانية.
مزامير التسبيح والشكر “هودايوت”
عثر عليها بين المخطوطات التي وجدت في المغارة الأولى بقمران، ويمكن ترجمتها بـ “أعمال النعمة”، وهو مدرج في حالة سيئة جداً، أمكن ترميم 18 عموداً منها وبقى نحو 68 جزء منه، يصعب ترميمه. وهو يعد من أقدم وأهم نصوص قمران.
وقد وُجد في المغارة الرابعة ستة أجزاء أخرى منه إنما بحالة سيئة أيضاً، وعلى الرغم من ذلك التلف إلا أنه يبدو أن كل نشيد فيه يبدأ بعبارة “إنني أمجدك، أدوناي”.
وكانت تلك المزامير عندما اشتراها سيكينيك مؤلفة من أربع قطع ثلاث منه في
رزمة واحدة، والرابعة كانت إحدى المخطوطتين اللتين لم يفتحمها سكنيك مدة من الزمن. وتشمل القطع الأربع عددًا من الأعمدة (كما أشرنا) كل عمود طوله حوالي 13 بوصة وفي العمود الواحد 39 سطراً، وتلك الأعمدة أطول بقليل من الأعمدة التي وجدت في سفر أشعياء وأكثر سطوراً.
ويمكن القول أنه من 18 عموداً المحفوظين، يوجد مايقرب من 30 مزمور وهوكعمل أدبي قريب جدا من مزامير التوراة وبخاصة مزامير “أعمال النعمة”، ومزامير المؤلف أيضاً، يشمل مزامير توبة ومراث مستوحاة من مراثي ارميا ولكن قريبة من روح مزامير ايوب.
وأناشيد نجدها في أعمال ابن سيراخ وأمثال سليمان الحكيم، وعموماً تلك المزامير تتوافق مع العقيدة الموجودة في التوراة.
والإنسان الذي يقرأ تلك المزامير يجد فيها لذة، لأنها تدل على أن ممارسة نظم الشعر، وتأليف الترانيم والمدائح كانت لا تزال حية قائمة، ولو أنها لم تكن ذات قوة شعرية وإبداع وأصالة كالتي هي في مزامير العهد القديم.
أشار المسيري في موسوعته الى ان تلك المزامير تتضمن تصويراً لمعلِّم الجماعة ومعاناته مع مناوئيه، ومحاولتهم ثنيه عن شريعة الرب. ومع أنه لايذكر اسمه تحديداً، إلا أن الإشارة إلى الأسرار الإلهية التي انكشفت له تعبِّر عن الاتجاه الواضح داخل فكر الجماعة.
الوثيقة الدمشقية (عهد دمشق)
عُثر من الوثيقة الدمشقية (سفر عهد دمشق)
على 12 جزءاً مقتطفاً من سفر عهد دمشق القاهري الذي كان
قد عثر عليه سلومو شيختر 1910بالفسطاط / القاهرة في معبد بن عزرا ونشر نسختيه عامئذٍ، وكان أول نص عَثر عليه في القاهرة عام 1890 واطلق عليه تسمية“جذاذات من وثيقة صدوقية” عام
وقد دلتنا الأسفار الخارجية (بالعبرية والآرامية) التي لها صلة وثيقة بمضمون كتابات الطائفة وبلغتها على أنها جميعاً تنتمي إلى التيار الديني نفسه الذي تمثله جماعة قمران المنشقة.
وتمثل وثيقة دمشق القاهرية نقداً لاذعاً للفرق الدينية التي انعزلت عنها الجماعة، وتكمل لنا صورة التطور التاريخي للجماعة اليهودية عموماً، وتطلق الجماعة على أفرادها اسم “أبناء العهد الجديد” أو “البناؤون الجدد”، وهو الاسم الذي أدَّى ببعض الباحثين للربط بينها وبين المسيحية أو “الماسونية الصهيونية العصرية”.
ودلنا الكشف الأثري على الدأب الذي تميَّز به سكان قمران في استنساخ الأسفار المقدَّسة وكتابات الطائفة، وعلى أنهم خصصوا لهذه الغاية قاعة معيَّنة أقاموا فيها الموائد والمقاعد للكتابة، وأنشؤوا مغاسل (قاعات استحمام) للتطهر الطقوسي قبل بداية أداء الشعائر، وقسَّموها حسب درجة قدسية كل فرد ينتمي إلى الجماعة فيها، وليس لأنها وُجدت في دمشق اسميت ب “الدمشقية” كما بينت النصوص اعلاه، بل لورود اسم “دمشق” فيها.
حواشي البحث
(1) هم اعضاء حزب يهودي متشدد ومناوىء للرومان اسسه يهوذا الجليلي سنة 6 ب.م.
(2) الخباز د. كميل مخطوطات البحر الميت وسر اصحابها بيروت 2006
(3) المقصود:”رسالة القديس بولس الى اهل غلاطية”
وهو مادفع غلاة المتعصبين المعروفين بتعصبهم وتزييفهم للحقائق من اساتذة جامعات، ومواقع وما اكثرها، من التي تعرضت لمخطوطات قمران وما اكثرها مادفعها للتكبير والشماتة بأن هذا الامر كشف زيف اليهودية والمسيحية والكتاب المقدس بعهديه وفق نظرهم القاصر…! وكذب بولس الرسول وتارة انه مصاب بالوقوع في التخيلات كما قال احدهم رداً على مداخلتي بجامعة دمشق في المؤتمر الدولي بعنوان “دمشق عبر التاريخ” السنة 2006 عن دمشق المسيحية ودور حنانيا وبولس الرسول ” اضاءات على تاريخ دمشق المسيحية” فانبرى ليقول ذلك بكل تعصب…ما ادى الى ردي عليه وعلى من سانده بعنف وانسحابي من المؤتمر.
(4)شيعة الايبونيين او الفقراء وهي التي كانت متوائمة مع البدعة النسطورية المنتشرة في البادية الشامية بدءاً من الراهب بحيرا وانتهاء بالجزيرة العربية ونصرانية الحجازواسقفها القس ورقة بن نوفل وجماعته في مكة المسميين نصارى مكة.
رستم. د. اسد كتاب مخطوطات البحر الميت وجماعة قمران
-
مخطوطات البحر الميت واهميتها في دراسة الكتاب المقدس
-
الخباز. د.كميل “مخطوطات البحر الميت وسر أصحابها”
مخطوطات البحر الميت- ويكيبيديا
مخطوطات البحر الميت- المعرفة
-