وقوع سورية وكرسيها الانطاكي تحت ظلم الاحتلالات المتنوعة
لاحظنا ان سورية وعاصمتها انطاكية اضافة الى فلسطين ومصر وشمال افريقيا كانت تقع في الدولة الرومانية،
ومن مراجعة مامر من احداث عسكرية ودينية في القرن السادس الى مطلع القرن السابع، نصل الى نتيجة مريرة عن العوامل الرئيسة التي سهلت اقتحام العرب المسلمين الشرق المسيحي، واحتلاله وهددت القسطنطينية عاصمة امبراطورية الروم، اي ان المسلمين انتشروا فيه دون عوائق تُذكر.
ثمة سببان جوهريان وراء هذا الضعف والتقهقر هما
1- الانشقاقات الدينية المسيحية كبدعة الطبيعة الواحدة وانحياز هؤلاء الى المسلمين والقتال الى جانبهم وقبله الى الغزو الفارسي والانحياز اليه ليحررهم حسب ادعائهم من الدولة الرومية الحاكمة وكنيستها الخلقيدونية المسيطرة، ولغتها اليونانية المنتشرة في المنطقة وفي دوائر السياسة والاقتصاد والكنيسة، وهؤلاء هم اللاخلقيدونيون ، السريان في سورية، والاقباط في مصر.
2- الحرب المستمرة بين الجبارين الروم والفرس وكانت الغزوة الفارسية قد استمرت تعيث خراباً ودماراً ودماء بين الروم الخلقيدونيين لمدة 26 سنة بتسهيل ومساعدة من اللاخلقيدونيين، حتى تم التحرير بيد هرقل قبيل اقتحام المسلمين بزمن قصير لسورية، وكانت الدولة الرومية لم تتمكن بعد من لملمة جراحها وكفكفة دماء شهدائها والبدء باعادة العمران…
بُضاف اليهما عاملان أقل أهمية هما
آ-العوامل الطبيعية السلبية وفي مقدمها الزلزال الكبير الذي ضرب انطاكية والمشرق السنة 551م
ب- الانتفاضات الدينية والقومية التي حصلت في المشرق، وابرزها انتفاضة الأقباط في مصرعلى الدولة الرومية وعلى الكنيسة الرومية، وانتفاضة الارمن في ارمينيا وارضروم على الدولة الرومية ايضاً، كذلك انتفاضات اليهود والسامريين المستمرة على الحكم الروماني ثم الحكم الرومي، وكانت القوانين الرومانية تضيق عليهم وتسعى لادخالهم في المسيحية، مما ادى الى ردات فعل دموية من هؤلاء على الفلسطينيين المسيحيين ، فذبحوا عشرات الألوف منهم.
ويذكر التاريخ ان اليهود تعاونوا مع الغزو الفارسي في اقتحامه فلسطين وكنيسة القيامة وبقية المقدسات وارتكبوا المجازر والمذابح المروعة بحق المسيحيين في فلسطين وانطاكية وكل مكان وُجِدَ فيه اليهود وكان مطرح الغزو الفارسي.
لكن كانت الانشقاقات الدينية والانقسامات العقيدية هي السبب الأول في اضعاف الدولة الرومية في الشرق فهي دمار لكنيسة الدولة من الداخل، والغت موالاة اللاخلقيدونيين للدولة، بالعكس منحتها للغزاة طمعاً بالمغانم والمكاسب ولكن بعد فترة قريبة بدأ الندم يغزوهم، لأنهم لم يحصلوا الا في بعض الاوقات على ماكانوا يصبون اليه وخاصة تحت الحكم الاسلامي لجهة السيطرة على الكنيسة، ولجهة عدم دفع الجزية ولجهة تولي المناصب وهذه كلها لم تتحقق الاجزئياً، وفي النهاية كان عدد كبير منهم قد اعتنق الاسلام.
كان المسيحيون منذ اوائل المسيحية، وخاصة عند مسحنة الدولة وجعل المسيحية الديانة الوحيدة في الامبراطورية، كان المسيحيون يتساءلون عن ماهية المسيح، أهو إله فقط؟ أم انسان فقط؟، وماهي العلاقة بين هاتين الطبيعتين، وقد أدى هذا التساؤل الى ظهور هرطقات مختلفة والهرطقة معناها رأياً مخالفاً.
وكان الاباطرة عندما تظهر هرطقات ويستفحل خطرها يبادرون الى عقد المجامع المسكونية بمشاركة كل الكنائس للفصل فيها وتحديد العقيدة الواجبة الاتباع.
ونستعرض مجدداً وبعجالة أبرز الهرطقات المدمرة أساساً لكنيستنا الأنطاكية وبقية الكنائس الارثوذكسية
– هرطقة آريوس وقد عولجت في المجمع المسكوني الاول في نيقية السنة 325م
– هرطقة نسطوريوس وعولجت في المجمع المسكوني الثالث في أفسس 431م والتي نتج عنها هرب المذكور الى بلاد فارس وتأسيسه الكنيسة التي تدعى حالياً بالآشورية ووصلت في وقت من الاوقات الى الصين.
– الهرطقة المونوفيزية التي ادت الى انشقاق مدمر بعد مجمع خلقيدونية المسكوني الرابع 451م والذي نتج عنه تأسيس الكنائس المونوفيزية او اللاخلقيدونية القائلة بالطبيعة الواحدة والتي انتشرت في سورية ومصر والحبشة وارمينيا والهند.
وقد اتخذ هذا الانشقاق بعداً قومياً لغوياً ( السريان في سورية، الاقباط في مصر، الاحباش في الحبشة، والأرمن في ارمينيا، تسببت بانقسام شعبي وفي عداوة هذه الشعوب الشرقية للسلطة المركزية الرومية التي تنادي بعقيدة الطبيعتين ومحاربة الغة اليونانية لأنها لغة المستعمر على قولهم. وبكل اسف عداء من كنائسها بحق الكنيسة المركزية الانطاكية الارثوذكسية. العداء بحق الدولة المسيحية وهم مسيحيون ومن كنائسهم بحق الكنيسة الجامعة التي نشأوا فيها وتحت مظلتها ويستلهمون صلواتها وادبها الكنسي وعاداتهاوحتى الآن.
اما الحرب الأخيرة بين الفرس والروم والتي انتهت بانتصار هرقل واسترجاع عود الصليب المقدس، وادت الى تحرير انطاكية وسائر المشرق من هذه الغزوة التدميرية التكفيرية الدموية، اضافة الى فلسطين والاناضول ومصر وشمال افريقيا والاسكندرية بعدما دامت 26 سنة دموية من السنة 602 الى السنة 628 بينما دخول المسلمين تم بعد 7 سنوات العام 635م الى دمشق مثلاً، وكانت الدولة الرومية قد أنهكت بكل شيء وخاصة الجانب الاقتصادي، وفقدت خيرة مقاتليها وشبابها.
ولم يتوقف الامر على مساعدة المونوفيزيت للغزاة الفرس للقضاء على الوجود الرومي، بل انه في سنة 610م حصلت اضطرابات داخلية في انطاكية قتل اثناءها اليعاقبة واليهود في انطاكية البطريرك الأنطاكي الارثوذكسي انستاسيوس الثاني لأنه رومي الجنس وشنعوا بجثته…!
وقد استشهد بيد الفرس 57000 مسيحي رومي وسبي 35000 مثلهم وفي مقدمهم البطريرك الاورشليمي زخريا.
في المحصلة أرهقتْ الدولتان ماسهل على المسلمين بعد انضمام الدعم اللاخلقيدوني اليهم الى دخول دمشق اولاً ثم بقية الارجاء وكذلك تم اكتساح المسلمين لبلاد فارس.
دخول المسلمين الى سورية
يحلو للبعض تسميته بالفتح الاسلامي ولكننا نقضنا في الكثير من المرات مصطلح الفتح وآثرنا عليه مصطلح الغزو وعندما تم الدخول الى دمشق وسواها لم تكن دمشق عبارة عن صحراء بل كانت زاهية بلاد الشام ومصطلح الفتح يعني فتح مناطق متخلفة لتنميتها فلو كان الحال معكوساً، وتم الاستيلاء على الارض والكنائس افهل كان المغلوبون يسمونه فتحاً؟ او ليس اقتحام القسطنطينية بيد الرعاع العثمانيين كان بطشا بالسكان واغتصابا لأعراضهم وتحويل الكنائس هو عبادة… او ليس اقتحام اسبانيا غزوا وسيقت 300 الف فتاة سبايا الى دمشق عاصمة الامويين للاستمتاع بهم، هل كان فتحاً ام غزو؟
بدأ دخول المسلمين السنة 632م الى بلاد الشام، اي بعد 4 سنوات من انتهاء الحرب الكارثية الفارسية-الرومية. وكان هذا الدخول سهلاً بسبب دعم كل من اليهود في فلسطين واليعاقبة في سورية للمقاتلين الجدد، وبالعكس فالتاريخ يروي انهم احياناً كثرة استقبلوهم كمحررين ومنقذين من العدو المشترك /الروم.
لقد تصرف المسلمون بحكمة سمحت لمن كان لايقاومهم من السكان السريان والنساطرة بالبقاء في مدنهم وقراهم والعيش بسلام في الدولة الاسلامية.
هذه دفعت بالكثيرين من هؤلاء الى اعتناق الاسلام، للحصول على المكاسب كاسقاط الجزية او لتبؤا الوظيفة العامة.
لكن كانت المدن التي كان يسكنها الروم كدمشق وطرابلس والمدن الفينيقية الساحلية في مصر كالاسكندرية قد قاومت المسلمين بضراوة، ولم تسقط الا بعد حصارات طويلة، ولكن بعضها سقط بالخيانة كخيانة الراهب اليعقوبي يونان بدمشق، وتسهيله دخول مائة مقاتل من جيش خالد من نافذة بيته التي في السور الشرقي للمدينة واقتحام الجيش باب الشرقي ولم يكن ثمة مقاتلين كان فقط السكان الذين قضى منهم اربعون الف غيلة بغد الراعب يونان الذي تصرف بهذه الخسة فقط مقابل وعد من خالد بعدم التعرض لعائلته ورعيته وععدهم كان في دمشق فقط 70 يعقوبيا.
ثم انحياز جبلة بن الايهم وهو “حامي الثغور الرومية” ولقبه “بطريق روماني”.على رأس قبيلته الغسانية في معركة اليرموك لقوات خالد ومكنت الاخير من النصر وفتحت امامه بلاد الشام بأكملها، واسلم فيها مقاتلوه الغساسنة.
لكن الغساسنة سبق اسلامهم حينما اسلم رئيسهم جبلة بن الأيهم بعد معركة اليرموك، وقد ذهب على اثرها ليزور مكة، وحدث أثناء الزيارة ان بدوياً وطىء فضلة رداءه، فأوقفه، فغضب جبلة ولطم البدوي على وجهه ورفسه برجله. فشكاه هذا الى الخليفة عمر، فأمر عمر ان يضربه الأعرابي على وجهه امام الناس ، فطلب جبلة مهلة يوم وفر هارباً الى القسطنطينية ورفض الاسلام.
وقال الخليفة يزيد بن معاوية بدمشق في مقر بطريركية السريان المونوفيزيت:” ما انتم إلا منا واصحابنا، وماذا يربطكم باليونانيين؟” وحالاً صار الكل مسلمين.
وفي آخر القرن الثامن، حسبما يخبر المؤرخون السريان المونوفيزيت، كانت كل منطقة قرقيسية من حلب حتى كورش نحو الشمال من انطاكية اسلامية. وفي منطقة الفرات ومقاطعات أخرى تم الأمر ذاته، وتقلصت اعداد المسيحيين وغابت الأديار والاسقفيات اليعقوبية من كل سورية وميسوبوتامية (كيليكية) والعربية، على ان قسماً كبيراً من مسيحيي باقي المناطق خصوصاً السريان قبلوا الاسلام.