المجمع المسكوني الرابع والطبيعة الواحدة
جاءت هذه البدعة ونمت بعد المجمع المسكوني الرابع المنعقد في خلقيدونية العام 451م لتخمد في سورية وفلسطين ومصر شعلة الأفكار وتطلق عاصفة الاضطرابات في سورية السعيدة لتجعلها مقسمة وحزينة…
لقد وجد التعليم بالطبيعة الواحدة مدخلاً الى الاوساط الشعبية عن طريق رهبان متعصبين. واساء اصحاب هذا التعليم فهم الصيغة العقائدية التي صاغها هذا المجمع عن طبيعتي المسيح واعتبروها تكريساً للنسطرة.
اخذ اصحاب الطبيعة الواحدة بمحاربة المجمع الرابع غب انفضاضه.مساندين التعليم حول الطبيعة الواحدة، ورافضين التعليم القويم ان في المسيح طبيعتين الهية وبشرية، ومشيئتين الهية وبشرية ومعتبرينه هرطقة.
وقد اتبعت شعوب سورية الاصيلة هؤلاء الرهبان المتعصبين بعكس السكان اليونانيين الذين بقوا امناء على عقيدة المجمع الخلقيدوني.
في البداية حمل هذا الصراع منذ البدء طابعا عنصرياً قومياً بتشكيل كنيسة سريانية خاصة، بمذهب الطبيعة الواحدة. واداروا بنشاط متشفٍ لايهدأ الصراع ضد الارثوذكسية مذهباً وكنيسة.
واستعملت الكنيسة الناشئة في وسط كنيسة انطاكية، ولكن غالبا في شرق الفرات، استعملت الليتورجيا والطقوس السريانية، وان بقيت مستمرة في الاخذ من أدبِ اللغة الكنسية اليونانية…
وما عدا ذلك فان النتيجة لما حدث في سورية، بعد مجمع خلقيدونية (المسكوني الرابع) وكان من الممكن ان تتغير لو لم يظهر فاتحون للمنطقة من ديانة جديدة، استقبلهم السكان السريان بارتياح وترحاب، وسهلوا لهم الفتح اولاً في دمشق، ثم في اليرموك، فحمص، فحلب، فصعوداً الى الشمال السوري، والقضاء على الوجود الرومي، والكنيسة الارثوذكسية والتضييق على شعبها. عبثاً حاول الأباطرة الروم ضبط هؤلاء في الارثوذكسية من اجل حفظ سورية…! لكن بكل اسف بلغ التعنت المونوفيزيتي أشده لجهة التصلب والعناد، ما ادى الى انه بعد صد الخطر الفارسي والانتصار عليه، ان فُتحت سورية (بعد ضعف الجيوش الرومية الملحوظ بعد جهادها الطويل في وجه الفرس والانتصار عليهم اخيراً) بيد المسلمين فاحتلوا سورية بعد انحياز السريان لهم ومعاونتهم عسكريا، والقتال معهم ضد الروم، كما فعل جبلة بن الايهم في معركة اليرموك، فتحولت بلاد سورية المزدهرة الى خرائب واسودت هذه الصفحة الجميلة.
نشوء كنيسة مونوفيزية
وصار في سورية وانطاكية العظمى كنيستان: اصيلة ارثوذكسية تؤمن بأن للمسيح طبيعتين الهية وبشرية، ومشيئتين الهية وبشرية. وكنيسة يعقوبية تؤمن بأن في المسيح طبيعة الهية ومشيئة الهية.
الكنيستان بالرغم من التغني المشترك بالجذر الانطاكي متباغضتان، اقله من جانب اللاخلقيدونيين الذين باتوا يعملون كالغرب في اقتناص اولادنا بكذبة كبيرة/ وخاصة في الفترة الاخيرة/ اننا كلنا ابناء سورية اي سريان!!!
وخاصة في الآونة الاخيرة والضعف الاقتصادي المخيف في سورية بعد 11 سنة من الحرب الكونية على سورية، والارهاب الضارب والكورونا، ووجود الاموال المخيفة التي بحوزتهم، يقيمون بها مشاريع لرعية تكاد تكون مندثرة، ويقدمون التبرعات للفقراء من الكنائس الاخرى، والتي بات المرء العادي يسأل عن اصلها وفصلها، بعد ان كانوا بواقع مالي رديء نتيجة هجرتهم من ارض سورية الشرقية بحثا عن الامن والامان والعيش.
نظرة تاريخية
الهياج المونوفيزيتي
عند بدء النزاع بين الارثوذكسيين والمونوفيزيين، بعد المجمع الرابع الخلقيدوني 451م في سورية، ظهر اليعاقبة المونوفيزيت كجماعة قوية مرتبطة بتفاهم دائم مع اتباع هذه البدعة في فلسطين ومصر آخذة دعماً من هناك، كان الرهبان المتعصبون لهذه البدعة ولاسيما من آمد وحدود ارمينيا يترددون في طول البلاد وعرضها، يجمعون الناس الى هذه الطريقة مع حماة لهم حتى من رؤساء الكهنة.
وكان الشعب السرياني يُعَّلم ويُلقِّن ان المجمع الرابع هو هرطوقي، وقد كذب الكذبة بأنه نسطوري، والمؤسف ان معظم المروجين والمنتمين كانوا قد انسلخوا من صف الارثوذكسية، وكانت النظرة الى الطبيعتين كاعتقاد خافض للاهوت المسيح.
الدفاع الارثوذكسي
في هذا الاجتياح اليعقوبي المونوفيزيتي لسورية، كانت الساحة خاوية تقريباً من المدافعين عن العقيدة الارثوذكسية الذين يستطيعون توعية الشعب وقيادته نحو المعتقد القويم
كان ثيوذورس الأنطاكي اللاهوتي هو الخصم اللدود لهرطقة الطبيعة الواحدة، وقد قضى اجله عام 460م في السنوات الاولى من ملك لاون الاول (457- 467م).
مقابل هذا الفراغ الأرثوذكسي في ساحة النضال ضد هذه البدعة اليعقوبية، برز من صف الأخيرين رجال جريئون أقوياء اخذوا على عاتقهم بكل عزم وقوة تثبيت معتقدهم البدعة الدخيلة مقابل الارثوذكسية الاصيلة، وكان اولهم بطرس القصار، وقد ابتدع الاضافة الشهيرة على التسبيح المثلث التقديس في جملة:”المصلوب لأجلنا”.
صلوات البدعة المحدثة
فقال:”قدوس الله، قدوس القوي، قدوس الذي لايموت المصلوب لأجلنا ارحمنا”.
وتعني هذه الجملة:”ان الله تألم”.
وغدا المونوفيزيت اقوياء بمثل هؤلاء الرجال، واستطاعوا ان يفرضوا وجودهم في الفرصة الاولى المناسبة من اضطراب كل الكنيسة الجامعة بسبب قيام مدرسة الطبيعة الواحدة.
وكانت كنيستا الاسكندرية واورشليم قد بدأتا تعانيان من جراء انتشار هذا التعليم الهرطوقي بينهما في وقائع واحوال تستحق الندب والرثاء. فجوفينال اسقف اورشليم ابتعد هارباً من وجه الرهبان المونوفيزيت الثائرين المشاغبين، وقام احدهم واسمه ثيوذوسيوس فاحتل كرسي اورشليم، وعمد الى مختلف الأنواع القسرية والعنفية، وشرطن فيما شرطن في درجة الاسقفية مايوما وبطرس الكرجي اسقفين.
وكان بطرس المتعصب جداً للمونوفيزية، وقد عمل في فلسطين متمركزاً في نواحي غزة فيما اسس من الأديار وفي مصر ايضاً.
استشهد اسقف الاسكندرية بروتيريوس ونصب عوضاً عنه بابا غير شرعي على الاسكندرية تيموثاوس، فطلب البابا لاون بواسطة مرسوم ملكي رأي الاساقفة في الوضع اثر استشهاد برتيريوس، فأجابه بطريرك انطاكية باسيليوس وانديبتروس رئيس اساقفة بصرى وغيرهما من اساقفة انطاكية برفض تيموثاوس غير الشرعي مؤيدين المجمع المسكوني الرابع الخلقيدوني.
رفض اسقفا بيروت أفسطاثيوس وسيدس أمفيلوخيوس ان يوقعا مظهرين الرضا عن المونوفيزية، وقد ارسل الامبراطور مرسومه الى القديس سمعان العمودي، فأجاب بطاعة الملك واسقف انطاكية باسيليوس.
واحتل بطرس القصار سدة الكرسي الانطاكي عن طريق شغب شعبي وبمساعدة قائد جيش الشرق زينون الذي صار فيما بعد الامبراطور.
وبمساعدة البطريرك جناديوس الاول امر الامبراطور لاون بنفي القصار الى الواحة المصرية التي كان قد نُفي اليها نسطوريوس واعاد الحق الى مرتيريوس بالعودة الى كرسيه الانطاكي. لكنه وجد نفسه بمقاومة شديدة فاضطر أن يستعفي مصرحاً ” أحفظ لنفسي من رعية عاصية، وشعب لايقتنع بشيء، وكنيسة مدنسة، واحتفظ لنفسي برتبة الكهنوت.”
اما القصار فقد انسل من منفاه، وانتقل الى القسطنطينية، وبقي مختفياً في دير الذين لاينامون لايُسمح له بالانتقال الى انطاكية.
وبعد ابعاد القصار عن انطاكية، تم ابعاد اسقف انطاكية يوحنا كوذوناتس، فانتخب رئيس اساقفة ارثوذكسي على انطاكية وهو استفانوس الثاني. لكنه مات فشرطن خلفا له استفانوس الثالث، هذا في احدى الحفلات الدينية في دفنه قتله المونوفيزيت بقضبان القصب الحادة وطرحوه في نهر العاصي (اورنوس)فانتخب بدلاً عنه بأمر الامبراطور زينون، وشرطن كاىنذين (481-485م).
ميثاق الاتحاد
كانت المونوفيزية تتقوى وتتأيد بواسطة الرهبان في سورية ومصر، ولكن مع الاسف ان اكاكيوس بطريرك القسطنطينية باصدار(ميثاق الاتحاد) من اجل مصالحة المتفرقين وتوحيدهم.
هذا المرسوم الجديد كان يتجه ضد المجمع الرابع بالأرجح، ولم يُرضِ لا المونوفيزيت ولا الارثوذكس، وبالتالي نتج عنه انقسام وانشقاق جديد بين الفريقين. فالكثير من الاساقفة قطعوا الشركة مع اكاكيوس والقسطنطينية.
انقض الفرس عام 611م لاكتساح سورية، فاحتلوا انطاكية المزدهرة وافاميا والرها ودمشق ومدنا اخرى في سورية، وقبل المونوفيزيت الساكنين في هذه المناطق الفاتح الفارسي، وساعدوه بحرارة متأملين انهم سيعيشون معه بعزة، كما يعيش النساطرة في فارس، ثم تقدم العجم الى فلسطين وحاصروا القدس 614م مدمرين وناهبين وخطفوا فيمن خطفوا من الاسرى الكثيرين، البطريرك الاورشليمي زخريا(609-632م) وغنموا غنائم وافرة وخصوصا خشبة الصليب الكريم الذي اخذوه من كنيسة القيامة، وذبح الغزاة 60000مسيحي مقدسي بمساعدة من اليهود.
توجه قسم من الجيش الفارسي الى آسية الصغرى ووصلوا الى خلقيدونية مقابل القسطنطينية، وتوجه القسم الآخر الى مصر، وساعد المونوفيزيتُ الغزاةَ واحتُلت الاسكندرية ودُمرتْ (618 او 619م) وكان اجتياح مصر كارثة مدمرة على الامبراطورية الرومية.
الانتصار على الفرس وتاثير ذلك على المونوفيزيت
انتصر الامبراطور هرقل على الفرس، وحرر كنائس الاسكندرية واورشليم وانطاكية، وقد اتخذ منذ ذلك الحين اللقب اليوناني” الملك” السنة 629م.
وقد رأى انه من اللازم ان يحقق الوحدة مع المونوفيزيت مع الكنيسة الارثوذكسية من اجل وحدة الدولة وامنها.
وفي اثناء حملته على الفرس منذ ان وُجدَ في سورية ومابين النهرين عرف بالاساءة العظيمة التي الحقها المونوفيزيت بسورية، ولما اجتاز الرها خرج لاستقباله الشعب والكهنة والرهبان.
يروي المؤرخ المونوفيزيتي ميخائيل السوري ان الملك هرقل اندهش من عدد الرهبان، واذ علم انهم مونوفيزيون عبر عن رغبته في توحيدهم مع الكنيسة الارثوذكسية الجامعة. زار كنيسة المونوفيزيت وكان مستعداً ان يقبل الذبيحة الالهية. لكن اشعياء الاسقف المونوفيزي للرها رفض ان يسمح له بالمناولة الا بعد انكاره مجمع خلقيدونية وصك لاون اسقف رومية، فعبر الملك عن سخطه لرفض الاسقف المونوفيزيتي، وامر كما زعم ميخائيل السوري باضطهاد اشعياء والمونوفيزيت.