الأميرة السورية الفينيقية إليشات ” إليسار”
كثير من الاساطير في محتوها الادبي يستند على حقائق تاريخية تشكل هذه الحقائق الخطوط الاساسية للاسطورة التي تستند عليها في حبكتها هذا الكلام ينطبق كثيراً على بطلة حكايتنا وهي الملكة السورية أليسار التي نجد في الرويات الكثيرة عنها خلطاً جميلاً بين الحقيقة والاسطورة قبل البدء بالحكاية لِنُأصل الأسم :
إليسار، عليسه، إليسا Elissa ، ديدو dido
-اليسا، إليسار ايضاً كلمة فينيقية تعود للكلمة “Elishat/Elisha” إليشا أو إليشات وتبدو مكونة من شقيين إيل El وتعني الله و عيشى ʾišaوتعني الزوجة.
– ديدو dido في الإغريقية و اللاتينية والرومانية، وهذا الأسم تم تعريبه الى ديدون وهذا الاسم ناداها به الافارقة الليبيون في شمال افريقيا عندما حطت رحالها هناك.
-وهذا الاسم أيضاً يعود الى أصل فينيقي فكلمة ديدو هي كلمة فينيقية تعني الجوالة او الرحالة.
يظهر أقدم ذكرالملكة الاسطورية اليسا أو اليسار مؤسسة مملكة قرطاج في عمل تيماوس من تاورمينا وهو مؤرخ يوناني (حوالي 350-260 قبل الميلاد) لكن للأسف نصوص هذا المؤرخ ليست حية ولكن يُشار إليها من قبل مؤلفين لاحقين فقد كان تيماوس أول من قدم حكايةً لنشوء قرطاج وذلك في سنة 814 أو 813 قبل الميلاد.
.
كما يروي فيرجيل في ملحمة الإنياذة حكاية بطل الملحمة اينياس الذي يعتبر مؤسس روما الذي يذهب إلى إيطاليا بعد تدمير طروادة في نهاية حرب طروادة لكنه ينحرف عن مساره في رحلته بسبب عاصفة لتدفعه للنزول في قرطاج
وهنل تبدأ حكاياة حب عندما يضرب سهم كيوبيد أليسار بأمر فينوس وتقع بحب إينياس.
ونجد ذكر إليسا ايضاً في مصدر إضافي هو جوستين و هو مؤرخ روماني في القرن الثالث الميلادي فنجد تفاصيل حكاية إليسار فيروي لنا التالي :
من ﻭﻓﺎﺓ ﻣﺘﺎﻥ ﻣﻠﻚ ﺻﻮﺭ ماتان الاول Mattan I ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻭﺻﻰ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﻻﺩﻩ ﺑﻴﺠﻤﺎﻟﻴﻮﻥ ﻭﺷﻘﻴﻘﺘﻪ ﺃﻟﻴﺴﺎﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺸﻬﻮﺭﺓ ﺑﺠﻤﺎﻟﻬﺎ ﻭﺣﻜﻤﺘﻬﺎ لكن هذا الحكم المزدوج لم يرق ل اهل صور فرفضوه وطالبوا بملك واحد يحكم المدينة خوفاً من الشقاق مما اثار ﺍﻧﺸﻘﺎقاً ﺩﺍﺧﻞ الاسرة الحاكمة
.
تزوجت أليسار من عمها أشرباس Acherbas والمعروف ايضاً ب “ذكر بعل Zakarbaal”
و ﺑﻌﺪ ﺯﻭﺍﺝ ﺃﻟﻴﺴﺎﺭ من ﻋﻤﻬﺎ ﺍﺷﺮﺑﺎﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺼﻼﺣﻴﺎﺕ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺗﻮﺍﺯﻱ ﺻﻼﺣﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻠﻚ، ﺑﺤﻜﻤﻪ فقد كان ﺭئيساً لكهنة معبد ملقرَت و ﻳﻤﻠﻚ ﺛﺮﻭﺓ ﻃﺎﺋﻠﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺛﺮﻭﺓ ﺍﻟﻤﻌﺒﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻳﻀﺎ ﺗﺤﺖ ﺗﺼﺮﻓﻪ .
قام ﺑﺠﻤﺎﻟﻴﻮﻥ ﺑﻘﺘﻞ عمه ﺍﺷﺮﺑﺎﺱ لإضعاف سطوة اخته اليسار عندها قررت ﺍﻟﻬﺮﺏ من سطوة أخيها .
فقامت و اتباعها بنقل كنوزها إلى سفنها
ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺗﻮﺟﻬﺖ ﺍﻟﻤﺮﺍﻛﺐ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﺮﺹ ﻟﻠﺘﺰﻭﺩ ﺑﺎﻟﻤﺆﻥ ﻋﻨﺪ ﻭﺻﻮﻟﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ مروا ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﻣﻌﺒﺪ ﻓﻴﻨﻮﺱ ” عشتار ” فأﻣﺮﺕ ﺃﻟﻴﺴﺎﺭ ﺑﺨﻄﻒ ﺛﻤﺎﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺘﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺬﺍﺭﻯ ﺍﻟﻠﻮﺍﺗﻲ ﻛﻦ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺍﻟﻤﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﺍﺟﻞ ﺍﻻﻗﺘﺮﺍﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺭﺍﻓﻘﻮﻫﺎ ولخدمة معبدها الذي ستقيمه في أرضها الجديدة .
ﻭﺣﻄﺖ سفن أليسار ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﺎﺣﻞ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻲ
فجهدت ﺃﻟﻴﺴﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺗﻮﻃﻴﺪ ﺍﻟﺼﺪﺍﻗﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﻴﻦ من الأفارقة الليبيين ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﺮﺣﻴﻦ ﺑﻮﺻﻮﻝ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻐﺮﺑﺎﺀ وراء البحار ورأوا ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻓﺮﺻﺔ ﻹﻗﺎﻣﺔ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺗﺠﺎﺭﻳﺔ معهم.
.
ﻓﺎﻭﺿﺖ ﺃﻟﻴﺴﺎﺭ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻠﻚ الليبي وكان اسمه هيارباس ﻣﻦ ﺍﺟﻞ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺍﺿﻲ ﻷﻧﺸﺎﺀ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻟﺒﻰ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻃﻠﺒﻬﺎ واعطاها قطعة أرض تعادل ما يغطيه ﺟﻠﺪ ﺛﻮﺭ .
فقامت ﺍﻷﻣﻴﺮﺓ ﻭﺑﺤﻜﻤﺘﻬﺎ بإبتكار طريقة ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ اكبر قدر ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ .
ﻓﺎﻣﺮﺕ ﺑﺠﻠﺐ ﺍﻟﺠﻠﺪ ﻭﺗﻘﻄﻴﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﺍﺋﺢ ﺭﻗﻴﻘﺔ ﻭﺫﻫﺒﺖ ﺇﻟﻰ ﻫﻀﺒﺔ ﺑﺎﻟﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻭﻃﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﺍﺗﺒﺎﻋﻬﺎ ﺑﺈﺣﺎﻃﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﻀﺒﺔ ﺑﺸﺮﺍﺋﺢ ﺍﻟﺠﻠﺪ ﻭﺑﻔﻀﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﻠﺔ، ﺣﺼﻠﺖ ﺍﻷﻣﻴﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺃﻭﺳﻊ ﻣﻦ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ تتمنى وسمي هذا الموقع بالأسم ﺑﻴﺮﺻﺎ ولايزال هذارالموقع بذات الاسم في تونس.
.
رافقت حكاية أليسار عدد من الحكايا و الروايات حول موتها لكنها تشترك جميعاً بأنها ألقت نفسها بالنار فيروي جوستين ان هيارباس طمع في ارضها فاراد، الزواج من أليسار التي كانت اخذت عهداً على نفسها بعدم الزواج بعد زوجها فأختارت الموت حماية لأرضها من الخراب والقت بنفسها في النار.
.
أما فيرجيل في الإنيادة كما اسلفت يذكر قصة حب بين اليسار و إينياس مؤسس روما لكنه يترك اليسار بسبب غضب جوبيتير منه مما يدفع اليسار لإضرام النار بأغراض إينياس وطعن نفسها والقاء نفسها بالنار.
.
سميت هذه المدينة التي اسستها أليسار بالفينيقية ” ﻗَﺮْﺕْ ﺣَﺪَﺷْﺖْ Qart – ḥadšt” والتي تعني ” ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ” ومنها للاغريقية واللاتينية Carthage قرطاج فكانت ﺍﻛﺒﺮ ﻭﺍﺷﻬﺮ ﻣﺮﻛﺰ ﺗﺠﺎﺭﻱ ﻓﻴﻨﻴﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻃﻼﻕ ومنها تحولت من مدينة عظيمة إلى امبراطورية ثرية تنافس اعظم الممالك القديمة.
.
وظلت على علاقات مع المملكة الأم في صور حتى سقطت صور تحت حكم الأسكندر المقدوني
سنة 332 ق. م مما ادى الى نزوح عدد كبير من الفينيقين الى المدينة الجديدة وتأسيس حضارة جديدة اخذت مكانها بدل صور عرفت بالحضارة البونيقية امتد نفوذ مملكة قرطاج ليشمل الشريط الافريقي على البحر المتوسط والجزر المتوسطية المقابله له بالإضافة لقسم كبير من اسبانيا حتى انها هددت روما عبر جيشها الذي وصل الى اسوارها بقيادة هنيبعل عبر جبال الالب وبقيت هذه المملكة مزدهرة حتى سقوطها على يد الامبراطورية الرومانية.
(شام الروح 2)