المستشفى الأنكليزي أو المشفى الفيكتوري
نالت احدى البعثات التبشيرية الطبية الدانمركية الموافقة من الباب العالي (الدولة العثمانية) باسطنبول بربيع عام 1306 للهجرة الموافق 1889 ببناء مستشفى في محلة الزينبية(1)، ويعتبر هذا البناء أول ابنية حي القصاع المحدث، وأكبر مستشفى في هذا الحي…
و بوشر بالبناء فعلاً في العام ذاته من قِبل البعثة التبشيرية الدنمركية، وقد أشرف على إدارة المشفى الدكتور (ماكينون ـ Dr. Mackinnon ).
وكانت هذه المستشفى أولى المباني التي أنشئت في حي القصاع، و كذلك مستشفى القديس لويس الذي أسسته البعثة الطبية الفرنسية، بعد خمسة عشر عاماً سنة 1904 للميلاد لغايات تبشيرية لجذب للسكان المسيحيين من الطوائف الاخرى.
وقد روعي اقامة المستشفى الانكليزي كما المستشفى الافرنسي لاحقاً في هذه الطبيعة الجميلة الغناء وفق شروط بناء المستشفيات لجهة الطبيعة الخضراء والهواء النقي، وكانت القصاع عبارة عن بساتين ممتدة من ساحة باب توما الى ماتسمى اليوم ساحة العباسيين وحولها اراضي الغوطة الا انها كان فيها طريق السفر الى الداخل والساحل السوري، وطريق بغداد وسط الاشجار المثمرة والاعشاب الخضراء، وهي من شروط اقامة المستشفيات في الخلاء الجميل والبعيد عن الاكتظاظ السكاني والضوضاء وكانت دمشق لاتزال وخصوصاً من جهة بابي توما وشرقي داخل الأسوار.
وكان لهذين المستشفيين أكبر الأثر في تجمع السكان في حي القصاع الحديث والواقع في الجهة الشمالية الشرقية من دمشق القديمة، حيث كانت باب توما القديمة والحي المسيحي، قد ضاقت بسكانها منذ اواخر القرن 19(2)، فنزحوا الى القصاع…
البعثة الطبية الانكليزية
بعد سبعة أعوام ؛ أي في عام 1896 للميلاد تخلت البعثة التبشيرية الدنماركية عن المستشفى الى بعثة تبشيرية اسكتلندية طبية و المعروفة باسم ( جمعية أدنبرة الطبية التبشيرية ـ ‘Edinburgh Medical Missionary Society’ ) و صار المستشفى معروفاً باسم ( مستشفى فيكتوريا ) نسبة الى ملكة بريطانيا العظمى / الملكة فيكتوريا، كون التاج البريطاني كان على بريطانيا واسكتلندا وايرلندا .
ويقول الاستاذ العلامة محمد كرد علي: وفي 11 ذي القعدة 1315 24 أيار 1899 احتفلت جمعية اسكتلندا الإنكليزية بافتتاح المستشفى الاسكتلندي الذي أسسته في أرض الزينبية وكان اسم القصاع هو الزينبية نسبة الى نبعة ماء عذبة جداً تدعى الزينبية ( وقد اتت تسمية القصاع حديثاً اعتباراً من عام 1913 عند البدء باشادة الابنية على جانبي الشارع السلطاني وفي منطقة حديقة برج الروس حالياً وتم اكتشاف اساسات ابنية معامل القصاع الفخارية كما افاد مؤرخ دمشق الاب ايوب سميا في تأريخه عن الشارع المستقيم، وهذا الطريق السلطاني الممتد اليوم من باب توما الاثري الى ساحة العباسيين حالياً على طريق بغداد سمي بشارع القصاع، وهو على غاية من حسن الهندسة وجمال الحديقة وسعتها.
( و هنا نلاحظ تباين بالتوثيق التاريخي على تأسيس المشفى من حيث البناء والتاريخ: تاريخ التأسيس)
وفي عام 1914 للميلاد ، إبان الحرب العالمية الأولى التي كانت تعرف بحرب أيام السفر برلك ( النفير العام ) ، توقف العمل بالمستشفى كلياً ، فاضطر الطاقم الطبي بالمستشفى لإغلاقه بسبب الحرب بين تركيا وبين انجلترا وفرنسا، وطُلب من العاملين فيه البقاء من دون أي نشاط ، وهربت الراهبات الاسكتلنديات إلى بيت لحم بفلسطين، حتى نهاية الحرب العالمية الأولى 1918 حين دخلت القوات الأسترالية الملكية الموالية لبريطانيا دمشق ، فأعيد العمل به لمعالجة الجرحى و المصابين من جراء الحرب .
ظل المستشفى يعمل إبان الإحتلال الفرنسي لبلاد الشام عام 1920 بموجب اتفاقية سايكس بيكو حتى قيام الوحدة بين سورية و مصر عام 1958 برئاسة ( جمال عبد الناصر ) و تردي العلاقات بين مصر وسورية من جهة و بين انجلترا و فرنسا و اسرائيل ابان العدوان الثلاثي على مصر ، فتنازلت عنه البعثة الى حكومة ( الجمهورية العربية المتحدة ـ مصر و سورية ) ، فأطلق على المستشفى بعدها اسم ( مستشفى الزهراوي ) نسبة للطبيب و الجراح العربي الأندلسي ( أبوقاسم خلف الزهراوي ) .
و ظلت تسمية ( المستشفى الأنكليزي ) على ألسنة أهل الشام ردحاً من الزمن، وحتى الان عند قدامى اهل القصاع، الذين يبدون اسفهم على واقع هذا المستشفى الذي كان مفخرة للقصاع وليس كحال المستشفى حاليا بالرغم من نفعه العام.
بعد حركة الإنفصال بين سورية و مصر في 28 ايلول / سبتمبر عام 1961 صار المشفى الزهراوي ( مستشفى تخصصي بطب العيون ) .
ثم صار في الستينات مشفى للتوليد لتخفيف الضغط على دار التوليد و الكائنة في محلة الحلبوني و كان اسمها المشفى الحميدي ( المستشفى الوطني ) .
طبعاً : طرأ على المبنى تعديلات و إضافات عمرانية كثيرة منذ تاريخ بنائه ولغاية اليوم ، و تغير شكله نسبياً عما كان عليه وان كان المبنى الاصيل لايزال على حاله التقليدي.
يقع المستشفى الأنكليزي أو المشفى الفيكتوري ـ مستشفى فيكتوريا خارج أسوار مدينة دمشق القديمة في أقصى الجهة الشمالية الشرقية للمدينة القديمة ضمن بساتين منطقة الزينبية بثمن العمارة بمحلة القصاع . و القائم حالياً بين برج الروس وساحه العباسيين نفس شارع المشفى الأفرنسي.
وقد ذكر العلامة الشيخ / محمد أحمد دهمان بكتابه ( في رحاب دمشق ) أن هذه المستشفى ( المشفى الأنكليزي ) شُيدت بموضع قرية (بيت لهيا)(3) والتي اضمحلت في القرن العاشر الهجري. و كانت قرية مشهورة بغوطة دمشق ، و ذكرها / محمد كرد علي في كتابه (( غوطة دمشق ص 224 )) فقال : تُسمى ( بيت ألاهيه ) كانت من أعمر القرى، أشبه ببلدة وهي على طريق بغداد القديم بين البساتين، في البقعة التي يقوم عليها المستشفى الأنكليزي في القصاع ـ مستشفى الزهراوي حالياً .
مشروع المستشفى البطريركي الأرثوذكسي(4)
في السنة الأخيرة بعهد مثلث الرحمات البطريرك الكسندروس الثالث (طحان1931-1958) اي في عام 1958 عرضت الجهة المالكة عليه ان تقوم البطريركية الارثوذكسية بشراء هذا الصرح الطبي، كونها كانت تريد اغلاقه وتصفيته والخروج من سورية. وبحسب العديد من شهود الحال من وجوه الكنيسة الارثوذكسية بدمشق من اعضاء المجلس الملي البطريركي الارثوذكسي بدمشق، ووضعت مبلغاً وقدره في ذاك الوقت مليون ليرة سورية لبيعه، وبالرغم من حاجة البطريركية الى تعويض مستشفاها الارثوذكسي الدمشقي الخيري والمجاني باسم مستشفى القديس العظيم بندلايمون، المؤسس عام 1900لرعاية ابناء الطائفة بالمجان اسوة بمستشفى القديس جاورجيوس / الروم ببيروت، وقد تم اغلاق مستشفى القديس العظيم بندلايمون عام 1939 لافلاسه، وكان بادارة جمعية نور الاحسان الارثوذكسية والاستعاضة عنه بالمستوصف الخيري المجاني للفقراء عام 1944بهمة بعض اطباء الطائفة الارثوذكسية ومنهم د. كوسى انجلو، ود. انستاس شاهين…
وكان المبلغ في ذلك الوقت خيالياً ولاتمتلكه الطائفة ولاتزال كما اسلفنا مرارا تعاني من القحط للتعويض عن خسائرها المدمرة في اطعام الناس زمن مجاعة سفر برلك.
عقد البطريرك الكسندروس اجتماعا موسعا ضم اضافة الى المجلس الملي وممثلين عن المؤتمر الارثوذكسي العام الدائم الانعقاد المحدث عام 1955 لتطوير مسيرة الكرسي الانطاكي المقدس، والجمعيات الدمشقية الارثوذكسية والفعاليات الارثوذكسية العلمية والاقتصادية…
وبعد مداولات حثيثة لعدة ايام لهذا المجمع الكبير، والاطلاع على الواقع المالي للكرسي عامة وابرشية دمشق بشكل خاص ودراسة الامكانيات المتوفرة، تقرر بكل اسف الاعتذار لعدم توفر المال ولضعف الامكانيات، وخاصة وان البطريركية لاتزال تحت طائلة الديون نتيجة احسان مجاعة سفر برلك وبيع الاوقاف الارثوذكسية الدمشقية…
وكانت عاصفة حزن شديدة، كما روى لنا العديد من الشهود الثقات، ومنهم جدي فارس ووالدي جورج وجالات عائلتنا حصرا وكانوا من مريدي غبطته، كما ان الجهة المالكة كانت تريد من البطريركية ان تشتريها لجهة التعويض المالي عليها وقوة العملة السورية وقتئذ بدلا من تخليها مجانا عنه للدولة السورية، وهو مالاترضاه. وكانت هذه الجهة قد اعطت قطعة ارض واسعة عبارة عن الحديقة الخلفية للمستشفى كمكافأة لآل… الذين رعوا هذا المشروع الطبي منذ حداثته.
وبذا ذهب حلم البطريركية بافتتاح مستشفى بطريركي اسوة بمستشفى الروم ببيروت…
حواشي البحث
1-الزينبية كانت التسمية الزينبية نسبة الى نبعة الماء العذب في تلك المنطقة ونشير الى وجود عدد من ينابيع الماء العذبة المنتشرة كعين ماء جناين الورد، وعين ماء حارة الفاعور…
2- بدأ زحف المسيحيون الدمشقيون الى منطقة الزينبية في مطلع القرن 20 وساهم في ذلك اقامة المستشفى الانكليزي ثم المستشفى الافرنسي.
3-قرية بيت لهيا وهي تقريبا في موقع برج الروس حاليا وفق رواية الاب ايوب سميا وعند العلامة كرد علي في موقع المستشفى الانكليزي.
4- الوثائق البطريركية والشهادات الشفهية.
مراجع البحث
الوثائق البطريركية وشهادات شفهية…
الشارع المستقيم الاب ايوب سميا
محمد كرعلي، غوطة دمشق
عماد الأرمشي/ شام الروح 2