✥ القدّيس الجديد في الشّهداء غريغوريوس الخامس، بطريرك القسطنطينيّة (+1821 م)
من قديسي كنيستنا الذين نعيد لذكرهم استشهد في مطلع القرن 19
السيرة الذاتية
ولد القديس غريغوريوس في ديميتسانا، أركاديا في البليوبونيز سنة 1745. كان أبوه راعياً. تتلمذ، أول أمره، لملاتيوس الراهب وأثناسيوس روزوبولس في سن العشرين انتقل إلى أثينا بمعية روزوبولس حيث درس سنتين على معلم مشهور هو ديمتريوس فوداس.
سنة 1767 انتقل إلى إزمير حيث عاش مع عم له كان كاهناً راهباً اسمه ملاتيوس وتابع دروسه في مدرسة عالية فيها. بعد ذلك تحول إلى جزر ستروفادس حيث صار راهباً واتخذ اسم غريغوريوس. من هناك انتقل إلى جزيرة باتموس ودرس في مدرسة دير القديس يوحنا اللاهوتي. في تلك الأثناء خطر اسمه ببال بروكوبيوس، رئيس أساقفة إزمير، فدعاه إليه وسامه شماساً ثم كاهناً وعينه مدير مكتبة برتبة نائب أول (بروتوسنكلوس).
سنة 1785 اختير متروبوليتاً لإزمير، خلفاً لبروكوبيوس الذي جُعل بطريركاً للقسطنطينية. خدم شعب إزمير حسناً وبنى العديد من الكنائس والمدارس ورمم جملة من الكنائس العتيقة. في الأول من أيار 1797 انتخب بطريركاً للقسطنطينية خلفاً لجيراسيموس الثالث. حمل غريغوريوس معه إلى البطريركية نظاماً رهبانياً، الأمر الذي لم يرق لعدد من الأساقفة ورؤساء الأساقفة.
نشط في ترميم الأبنية البطريركية والعديد من الكنائس التي أصابها الإهمال. كما أنشأ صندوقاً للفقراء وسعى لدى السلطات الزمنية إلى نيل الإعفاء من ضريبة الرؤوس على الكهنة.
ولأغراض تربوية أعاد إدخال المطبعة إلى البطريركية، بعدما كانت المطبعة الأولى قد أدخلت إليها سنة 1628، زمن كيرللس لوكاريس، لكن اليسوعيين عملوا بالتحريض والرشوة على ضربها وإيقاف العمل فيها. يُذكر أن نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر شكلت، يومذاك، فترة مضطربة جداً في الإمبراطورية العثمانية. فإن نابوليون بونابرت غزا المقاطعات المصرية من الإمبراطورية، وثار علي باشا، في يانينا، في الأبيروس وألبانيا، على الباب العالي، كما تفشت ظاهرة العصابات غير المنضبطة تطوف جبال البليوبونيز. وإن العديد من اليونانيين، في السلطة العثمانية، كانوا ينظمون صفوفهم وفق مبادئ “جمعية الأصدقاء Philike Helairias التي كانت ذات طابع سري وكانت ترمي إلى طرد العثمانيين من بلاد البلقان.
أخيراً اندلعت الثورة في رومانيا بقيادة الكسندروس هيبسيلانتيس، الجنرال في الجيش الروسي وزعيم “جمعية الأصدقاء”. من جهة أخرى كان أثر الثورة الفرنسية في نفوس العديدين في البطريركية المسكونية سلبياً بسبب مبالغات تلك الثورة التي انطوت على عناصر معادية للدين واعتبرها الكثيرون ملحدة، مسيحيين ومسلمين. كذلك كان البطريرك غريغوريوس مستاءاً من أنشطة عصابات البليوبونيز التي روعت المسيحيين كما روعت المسلمين. لذلك أصدر بياناً أدان فيه أنشطتهم. لا نعرف ماذا كان موقفه من هيبسيلانتيس وثورته.
ثورة هذا الأخير فشلت فشلاً ذريعاً وكلفت العديدين حياتهم، شباناً يونانيين كانوا يتابعون تحصيلهم الدراسي في رومانيا وانضموا إلى صفوف الثوار. هذا وغيره جعل غريغوريوس يتحفظ في شأن كل الأنشطة الثورية على الإمبراطورية العثمانية. ولما كان نظام غريغوريوس الرهباني قد أزعج العديد من أحبار الكنيسة فإنهم تآمروا عليه وانتزعوا موافقة الحكومية العثمانية على الإطاحة به واستبداله بآخر. حتى هذا نفي غريغوريوس إلى جبل آثوس حيث أقام في دير إيفيرون. فترة إقامته في إيفيرون كانت مباركة لأنه أمضاها في الصلاة ومطالعة الكتب المقدسة. في العام 1806 استقال البطريرك كالينيكوس الذي خلفه وأعيد انتخاب غريغوريوس الذي استمر في أنشطته التربوية والأعمال المحبية.
من جديد لعبت السياسة العثمانية دورها. فإن الوزير الأكبر مصطفى بيرقدار تمكن من العودة إلى السلطة وجعل على العرش محمود الثاني. هذا حدث عام 1808 وأعطى كالينيكوس فرصة للعودة من جديد إلى سدة البطريركية لأنه كان محظي بيرقدار. إثر ذلك نفي البطريرك غريغوريوس إلى جزيرة برانكيبو. لكن مكوث كالينيكوس في القسطنطينية لم يدم أكثر من عشرة أشهر ثم استبدل بإرميا الرابع. فلما حدث ما حدث أعيد غريغوريوس إلى منفاه في جبل آثوس مرة أخرى. في 19 كانون الثاني 1819 اختير غريغوريوس للبطريركية للمرة الثالثة بعدما استقال سلفاه إرميا الرابع وكيرللس السادس.
الثورة اليونانية
فلما اندلعت الثورة اليونانية في البليوبونيز في آذار سنة 1821، قررت الحكومة العثمانية ضرب القيادة الكنسية الأرثوذكسية، والعديد من عامة المؤمنين لترهب من خلالهم الشعب برمته.
على هذا جرى اغتيال العديدين في الشوارع في المدن الكبرى. إلى ذلك قررت حكومة السلطان محمود الثاني إعدام البطريرك عبرة لسائر المؤمنين وابتغاء إجهاض الثورة.
اعدامه
انتظرت السلطة أن ينتهي البطريرك من قداس الفصح ويحل النهار لتتحرك. كان ذلك يوم العاشر من نيسان، يوم الأحد، من العام 1821م. في ذلك اليوم، بعدما ختم البطريرك قداس الفصح انتقل إلى قاعة الاستقبال البطريركية لتقبل التهاني. ثم انكفأ بعد ذلك ليأخذ قسطاً من الراحة. إذ ذاك أطلع على كون الثورة اليونانية اندلعت في البليوبونيز. ولما سئل: “ماذا سيحدث الآن” أجاب بهدوء: “الآن وفي كل آن لتكن مشيئة الله”. حوالي الساعة العاشرة صباحاً وصل ممثلون من الخارجية في الحكومة العثمانية. ظن غريغوريوس أنهم جاؤوا للمعايدة منتدبين من السلطان. كان عدد من الأحبار حاضراً. أخبروا البطريرك أنه عُزل من منصبه لأنه، على حد تعبير مذيع القرار
“لا يستحق الرتبة البطريركية وهو جاحد للكرامة التي أسبغها عليه الباب العالي وخائن”.
إلى ذلك ورد في الفرمان أن غريغوريوس يُنفى إلى مدينة خلقيودنيا. أوقف غريغوريوس واستيق سجيناً برفقة رئيس شمامسته نيقفوروس والشماس أغابيوس وابن أخيه ديمتريوس. وما لبث البطريرك ورؤساء الأساقفة أن أدركوا أنهم ليسوا برسم النفي بل سيعدمون. في السجن تعرض البطريرك للاستجواب والتعذيب. كان يهم السلطات أن تستخرج منه معلومات بشأن الثورة ظنت أنها كانت في حوزته. إلى ذلك عُرض عليه الإسلام ليخلص نفسه.
جواب القديس كان ببساطة: بواجبكم فبطريرك الروم يموت مسيحياً أرثوذكسياً”.
أُخرج غريغوريوس من السجن واستيق إلى البوابة البطريركية حيث علق من البوابة الوسطى التي تفتح على أرض البطريركية. أصر السلطان أن ينتخب بطريرك جديد من بين الأحبار الحاضرين في القسطنطينية. اختير المتروبوليت أفجانيوس خلفاً وأدخل في موكب جمع الإكليريكيين إلى الرسميين العثمانيين، أقول أدخل إلى البطريركية. لكن البطريرك الجديد أجبر أن يطأطئ رأسه وينحني ويدخل من البوابة نفسها التي علق غريغوريوس عليها. هذا أبقوا عليه حياً إلى أن يتموا إخراج المسرحية على النحو الذي شاؤوا.
بقي جسد البطريرك معلقاً ثلاثة أيام، ثم أنزل من قبل يهود جندهم العثمانيون لهذا الغرض. وقد أخذوه وجرروه في الشوارع ثم رموه في البحر. غير أن جسده التقطته سفينة يونانية تحمل العلم الروسي وأخذته إلى أوديسا الروسية حيث ووري الثرى كشهيد وبطل. في العام نفسه 1821 أعلنت الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية قداسة الرجل وقد جرت استعادة رفاته إلى اليونان حيث دُفن داخل كاتدرائية بشارة السيدة في أثينا.
(السنكسار- سير القديسين في الكنيسة الارثوذكسية)