كنيسة انطاكية تحت الحكم الاسلامي
نتناول في تدوينتنا هنا تداعيات العهود الاسلامية على الكرسي الانطاكي المقدس اعتبارا من مطلع القرن السابع المسيحي بعد دخول المسلمين الى دمشق 635م
تبعا للخلافات العقيدية بين الخلقيدونيين (الروم الارثوذكس) واللاخلقيدونيين ( السريان في سورية والاقباط في مصر والارمن والاحباش) ونشوء كنائس قومية اعانت المسلمين في فتوحاتهم بسورية من فتح دمشق الى معركة الرموك وحمص… والقطر المصري…
-اندمج النساطرة والمونوفيزيت في جسم الدولة العربية الاسلامية، وفاق عددهم داخل البلاد عدد الارثوذكس، لكن في الساحلين السوري والفلسطيني، كان الارثوذكس يفوقون في العدد سائر المسيحيين مجتمعين. وبقيت الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية متشكلة من جماعاتها بقيادة رئيسها البطريرك الانطاكي، صاحب السلطة الدينية والمتصرف في مؤسساتها واديارها ومداخيل اوقافها، ومثله باقي رؤساء الطوائف حيث يعتبر كل واحد منهم كأنه رئيس أمة في طائفته.
استقر معاوية في دمشق، واوقف كل ضغط بحق الرعايا المسيحيين التابعين له، ولعله فعل ذلك بعد فشل حملاته براً وبحراً بحق العاصمة القسطنطينية.
ويخبرنا المؤرخون العرب ان احدى زوجات معاوية كانت مسيحية، وهو اول خليفة استخدم المسيحيين في الخدمات العامة والوظائف، ومنع دخولهم جماعياً الاسلام، وكان شديد الثقة بشخص يوناني اسمه فاناكيوس، كان هو يتولى عن الخليفة معاوية مفاوضات السلم مع ملك الروم، وكان رئيس ديوانه الوجيه الدمشقي الارثوذكسي منصور بن سرجون.
كما تولى ادارة مكتب ادارة سورية عند الخليفة الاموي احد الوجهاء المسيحيين، وكان البريد الرسمي وكل الرسائل والنسخ ولوائح الضرائب والجباية كانت تصدر باليونانية، وكانت العملة رومية وبقيت تسك في دمشق وعليها علامة الصليب.
ثم سك نقوداً بدون علامة الصليب، فأعرض عنها الشعب، وكان جباة الضرائب يونانيون، واما الموظفون العرب فكانوا يتخذون مساعدين لهم من اليونانيين.
سمح معاوية ببناء كنائس في مصر، لكنه اراد أن يحتل ماتبقى من كاتدرائية دمشق بيد المسيحيين “لصالح المسلمين الذين تكاثر عددهم”، فلم يفلح بمسعاه وتراجع امام رجاء المسيحيين، ومن باب الانصاف ان كل الامور في عهد معاوية كانت تشهد على تعاطفه مع المسيحيين الدمشقيين.
في عهد يزيد الاول 680-683م استمر في حكمه على مسيرة والده معاوية من حسن معاملة المسيحيين.
بعد موته اندلعت اضطرابات اهلية عاتية في سورية، وهجمت جيوش الروم على الساحل الفلسطيني، وانتصر الروم في زمن الخليفة عبد الملك بن مروان، فجدد هذا الخليفة العمل بمعاهدة معاوية الموالية للمسيحيين، وكان يتوجب على المسلمين ان يدفعوا كل نهار جمعة الف دينار مع إبعاد المردة الموارنة من جبال لبنان.
في هذه المرحلة تعاظم شأن اليعاقبة السوريين، وقد شادوا الكنائس الفخمة بسماح من الحاكم المسلم وازدادت الكنائس والاديرة غنى، وازداد عدد الرهبان والاكليروس السريان، وتعاظم تأثيرهم على المسلمين انفسهم، وأُعفي الاكليروس من كل الضرائب… كل هذا أثار حفيظة المسلمين، وواصل عبد الملك مرونته وتعاطفه مع المسيحيين، وتحديداً مع اليعاقبة، ولمع في بلاطه الاخطل الشاعر المسيحي الذي كان يدخل الى بلاط الخليفة في اية ساعة اراد.
حاول عبد الملك كمعاوية مصادرة ماتبقى من كاتدرائية دمشق، وعرض على مسيحيي دمشق الارثوذكس كونها مقر اسقفيتهم تعويضاً مالياً، لكنه جوبه بمعارضة عارمة، فعاد وتراجع عن طلبه.
لأجل هذا كان موقف خليفته الوليد 705-715م عنيفاً ومعادياً بشدة للمسيحيين، وخاصة في مايتعلق بالاستيلاء على كاتدرائية دمشق/ كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان لتحويلها الى جامع.
وانتزع الوليد من كنيسة بعلبك الفخمة عرشاً ملوكياً عظيماً مذهباً، ونقله الى مسجد عمر في القدس. وكان يعتز ان يبني مسجداً فخماً في دمشق عاصمة الدولة، لذا وبكل قسوة طلب من المسيحيين الدمشقيين التخلي عن كاتدرائيتهم العظيمة التي كانت تشكل ربع مساحة دمشق القديمة وقتها، ولكنه عرض عليهم تعويضا مقداره 40000دينارفرفضوا عرضه وطلبه بإباء والسيرة الرسمية تقول بأن المسيحيون رضوا بثمن الكنيسة وهذا مما يؤسف له.
وكان المسلمون منذ دخولهم دمشق قد وضعوا اليد على جانب من الكنيسة، وحولوه الى مصلى خاص بهم.
لم يقبل المسيحيون الدمشقيون بأية وسيلة الاستجابة للوليد، فغضب غضباً عارماً وهدم كاتدرائية دمشق وباشر هو بهدم المذبح المقدس بيده متحدياً الغضب الالهي كما قال له المسيحيون الدمشقيون…
يقول المؤرخون المسلمون المعاصرون ان عمالا وفنيين مهرة يونانيين من القسطنطينية، ساهموا في بناء الجامع، بناء على طلب ووعيد من الوليد للامبراطور الرومي باجتياح بلاد الروم كما يعلمنا التاريخ الذي ندرسه في مدارسنا بكل اسف!!!، ولكن برأينا ونقطع في ذلك أن هؤلاءالعمال المهرة كانوا من الدمشقيين المسيحيين وكلهم ينطقون بلغتهم اليونانية، وكانت الحرف والمهن كلها والى عهد قريب في القرن العشرين خاصة وحصرية بيد المسيحيين، وكانوا متميزون بالحرف والمهن كافة.( راجع في موقعنا عن الحرف والمهن الدمشقية)
لذا بنوا الجامع الاموي وفق هندسة رومية ملوكية مع قبة عالية، بحيث انه كان يظهر من الخارج ومن اي مكان كان داخل او خارج دمشق لارتفاعه وكأنه كنيسة مسيحية، وبقناعتنا انها كانت هي ذاتها الهندسة الأصل لكاتدرائية دمشقية، او هندسة مقاربة لها الى درجة التماثل…وهذا ماأجمع عليه سابقا واليوم اكبر المهندسين المختصين في بناء الكنائس في العالم.
احتج المسيحيون لأن قضم الكنائس في شطري المدينة الشرقي المفتوح حرباً، والغربي (المفتوح صلحا مع دفع الجزية) استمر منذ اللحظة الاولى لدخول المسلمين الى دمشق 635م، بذريعة تكاثر عدد المسلمين في دمشق ووجوب وجود مساجد لهم. وكان عدد كنائس دمشق مناصفة بالتقريب بين شطري المدينة 35 كنيسة، عدا عن الاديرة والمؤسسات الكنسية والخيرية، لكن القضم والاستيلاء كان قد تم بشراهة اكبر في شرقي المدينة وغوطتها الخاضعة لشريعة الفتح، فتحولت كلها وعلى الفور الى مساجد عدا كنيسة السريان اليعاقبة بموجب اتفاق كاهنهم يونان مع خالد، لما مكنه في تلك المؤامرة الخيانية بحق سرجون النصراني ومساعيه لحقن دماء المسيحيين بتسليم كل المدينة صلحاً مع دفع الجزية وابقاء الكنائس، فقد مكن من جنود خالدالبعض من دخول دمشق من نافذة بيته في السور الشرقي وفتح الباب للمهاجمين، وقد وعده خالد بأن لايؤذى احد من عائلته ورعيته وعددهم 70 نسمة. واوفى خالد بعهده.
وكانت كنيسة مريم او مريمية الشام بدورها تقع على الحد الفاصل في دمشق بيد دخول جناحي جيش المسلمين حربا بقيادة ابن الوليد من الباب الشرقي وصلحاً من باب الجابية بقيادة ابن الجراح.
التقى جناحا جيش المسلمين أمام كنيسة مريم، فعده المسلمون من املاك الدولة وخضعت للمصادرة بوضعها الراهن ككنيسة وبقية الكنائس الثلاث التابعة، واغلقت من العام 635 الى العام 705.
وعندما تمت مصادرة كل كنائس دمشق حرباً وصلحاً، احتج الارثوذكسيون على الوليد بن عبد الملك، بأنه لم يبقِ لهم كنيسة للصلاة في دمشق، عندها أمر باعادة كنيسة مريم ومحيطها واسمها كلها آيا ماريا،بقوله:” اننا نعوض بكنيسة مريم للنصارى بدلا من كنيسة يحي”.
عندها صارت المريمية كاتدرائية مطران دمشق، وصارت دار المطرانية بحرمها، مع وجود كنيسة القديس نيقولاوس، وكنيسة الشهيدين كبريانوس ويوستينة، وكما اسلفت كان الوسط المحيط بهذا التجمع الكنسي المبارك يحمل اسم آياماريا او القديسة ماريا، وقد تحولت التسمية مع تمادي الزمان والانسان الى القيمرية مع اختراع مبررات، وذلك لنزع اية صفة مسيحية عن الحي الذي كان يشكل ربع شرق دمشق.كاللافتة الموضوعة في اول حارة آيا ماريا “نسبة للشيخ القيمري”…!
وفي تاريخه الدامي فان الوليد اضطهد المسيحيين وخاصة الدمشقيين فقتل منهم الكثير ونفي الكثير..!
واراد اكراه قبيلة بني تغلب على اعتناق الاسلام، وهي على مذهب الطبيعة الواحدة، فاستشهد شيخها جميل وسواه.
امر الوليد بنقل حسابات الدولة من اليونانية الى العربية، حيث كانت تنظم وتكتب الى حينه باليونانية، كذلك عرَّب الدواوين، وعلى ذلك لم تعد اليونانية هي اللغة الرسمية، بينما بقيت لغة الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية والشعب.
وكان الوليد ومعظم الخلفاء يقفون من كنيستنا الرومية موقف غير الواثق من انتمائها للدولة الاسلامية، بعكس الوثوق والرضا الكامل على المونوفيزيت السريان وفق مؤرخ السريان ميخائيل السوري.
خرق الوليد المعاهدات المعقودة مع الروم البيزنطيين، فأمر بقتل كل الأسرى الروميين في سورية، وهاجم الممتلكات البيزنطية مغيراً السنة 708م، حتى بلغ البوسفور، واجتاز باتجاه القسطنطينية عام 709م بجيش عدده 80 الف مقاتل، لكنه خسر فارتد على المسيحيين الارثوذكسيين في ارض الخلافة واضطهدهم، فأسلم الكثيرون منهم للنجاة.
تابع خليفته سليمان اضطهاد الارثوذكسيين وفرض عليهم الضرائب الشديدة، ونال المسيحيون الآخرون نصيبا من هذه المنكرات، وامر بأن توسم يدي كل مسيحي بعلامة كيّ خاصة، واذا ضُبط مسيحي لايحمل هذا الوسم فمصيره قطع اليدين والرأس.
خلفه عمر بن عبد العزيز / الورع!!!/ الا انه تابع في السياسة ذاتها، فهدم الكنائس التي رممت او بنيت حديثاً، ومنع قرع النواقيس في الكنائس والاديار، ومنع شهادة المسيحي على المسلم في المحاكم، كما منع رفع الصلوات في الكنائس بصوت عالٍ.
منع التشبه بالمسلمين باللباس، ومنع تعيينهم في الخدمة الوظيفية العامة، ومات الكثيرون منهم استشهاداً.
ويتحطم اسطول المسلمين على اعتاب سور القسطنطينية في محاولة جديدة لحصارها واقتحامها في السنة 717م، ولما وصل زحفهم الى نيقية السنة 727م تصدى لهم الامبراطور لاون الثالث الايسوزي (717-741) بحملات صادمة، وحطم الجيوش الاسلامية في اوكرينو من فريجية، ويقال عندئذ ان الخليفة عمر امر بغصب المسيحيين على الاسلام او الجلاء.
يرد ذكر هذا التدبير الجائر ايضاً ايام الخليفة يزيد الثاني 720- 724م فاستشهد في عهده كثيرون ومنهم 60 مسيحيا حاجا كانوا يحجون الى الاماكن المقدسة في اورشليم
ولكن حالة المسيحيين وخصوصا المونوفيزيت اليعاقبة تحسنت زمن يزيد خليفة هشام 724-743م، فقد اذن يزيد لبطريرك اليعاقبة ايليا ان يدخل الى انطاكية رسمياً، وقد دشن كنيسة كبرى فيها، وشيد كنيسة في سرمدا بالرغم من مقاومة الارثوذكسيين لهذا الدخول الى انطاكية، وقد اثارت حظوة المسيحيين اليعاقبة عند الخليفة حفيظة متعصبة المسلمين.
مما ساعد على تحسن وضع المسيحيين مجدداً الزواج المختلط الذي كان يجريه الخلفاء، فالكثير من الحكام المسلمين كانت امهاتهم مسيحيات، فصاروا يحامون عن المسيحيين في الدولة.
ثم تعود المظالم مجدداً بحق المسيحيين ويسوء وضعهم ايام الخليفة الوليد الثاني 743-744م، فأضُطهدوا بضراوة. وقبض على بطرس اسقف دمشق وقطع لسانه، ونُفي الى اليمن. وكذلك ذاق الاستشهاد بطرس اسقف ميوما( أنشأ له القديس يوحنا الدمشقي مديحاً وخص” بطرس الدمشقي”بمقال في المعتقد الصحيح.
ومن الملاحظ ان كنيسة السريان وان كانت تحظى في سورية بحماية الخلفاء، الا انها كانت من الداخل تتآكل بنزاعات ومشاحنات على المناصب بين احبارها وكهنتها، وقد تدخل فيها الخلفاء المسلمون لأن المتنازعين كانوا يستقوون على بعضهم بالحكام المسلمين، ومن هنا كان يُفهم أن الخلفاء كانوا يتدخلون تدخلاً تعسفيا في الكنائس الاخرى.
الكنيسة الرومية الانطاكية
كانت محرومة من وجود البطريرك فيها منذ 40 سنة، حتى جاء الخليفة هشام فصار من الممكن انتخاب بطريرك في مثل هذه الظروف والاحوال التي يرويها المؤرخ ثيوفانس حيث يقول:” كان لهشام صديق عزيز سوري مترهب اسمه استفانوس ريفي بسيط جدا لكنه تقي، فطلب هشام ان يقيموه بطريركا على مسيحيي المشرق، وطلب منهم بالتالي ان يرشحوه لهذا المنصب.
ولما اقتنع الجميع ان هذا الامر الهي، شرطنوه في عرش مدينة الله انطاكية بطريركا، ومنذ ذلك الحين الى الآن بطل منع انتخاب بطريرك ارثوذكسي لأنطاكية.”
ان هذا التغير هو هام جدا لأن الدولة المسلمة اعترفت بحق المسيحيين الأرثوذكس في ان يكون لهم بطاركتهم، بينما كان هذا الحق مُعتَرفاً به فقط لليعاقبة.
ويضيف المؤرخ ثيوفانيس ان الخليفة مروان بن الحكم (744-750) زاد على السماح بانتخاب خلف للبطريرك استفانوس، بل تكفل باصدار مرسوم رسمي خطي يذكر بالعهود والبراءات السالفة واللاحقة ويقول المؤرخ ثيوفانيس:
“ان الخليفة بناء على طلب مسيحيي الشرق خولَّهم ان يشرطنوا ثيوفيلتكس كاهن الرهاويين بطريركا على انطاكية، بعد موت استفانوس، وأمر ان يكرم ببراءة رسمية عامة لدى جميع العرب لأنه كان مزينا بمواهب روحية من الحكمة والحلم والتعقل.”
ويسقط الحكم الأموي مع مروان، ويبدأ الحكم العباسي الذي بدأ مع ابي العباس السفاح بمظالم بحق المسيحيين. وساءت الاحوال مجددا ففي عام 757م اضطهد والي سورية العباسي سليم البطريرك الانطاكي ثيوذوريتوس، ونفاه الى بلد مؤاب بتهمة التعاطي والتواطؤ مع الامبراطور الرومي قسطنطين.
كذلك منع بناء كنائس جديدة، والظهور بالصليب، والمجادلة بالدين بين المسيحيين والمسلمين.
اشتد الاضطهاد في السنة 773م بسبب انتصارات جيوش الامبراطورية الرومية بقيادة قسطنطين الخامس على الجيوش العباسية، فتم هدم الاديار، وتحويل الكنائس الى اصطبلات، بعد ان نهب والي سورية سليم نفائسها وباعها لليهود، وعاد المسيحيون فاشتروها منهم بالأسعار الفاحشة، ومنع اقامة الصلوات المسائية خصوصاً، وامر بوسم ايدي المسيحيين بالكي ليُعرفوا، وان يحلقوا لحاهم للدلالة على عبوديتهم، وان يضعوا اغطية على رؤوسهم ومنع تعليم اليونانية للأولاد.
من ذاك الوقت اضطر الارثوذكسيون الى تعريب صلواتهم، واضطهد الرهبان بعنف وفرضت عليهم افدح الضرائب، واضطر الكثير من المسيحيين الى هجرة الاوطان. كما ان الخليفة امر بعدم اتخاذ كتَّاب من المسيحيين…ويتحدث ثيوفانيس في تأريخه عن الاضضطهاد الهائلة التي اثارها الحسن عامل المهدي بحق المسيحيين، ويكملها المؤرخ ميخائيل السوري السرياني في حولياته عام 779م.
وقدنهبت الكنيسةالارثوذكسية بحلب وان قبيلة التنوخيين المسيحية العربية الاصل ، والمونوفيزية المذهب وعدد مقاتيلها5000 مقاتل ماعدا انساء والاطفال التي كانت متأهبة لمقاومته في الضغط عليهم لتسلم ، استسلمت واسلمت حول حلب.
ثم لماعلم الخليفة باحتفالات حمص بالعثور على هامة السابق يوحنا المعمدان، عندها اثار الاضطهادات الدامية واستشهد كثير من الاورثوذكسيين نتيجة المقاومة الضارية التي اظهروها.
وتابع ميخائيل السوري في حولياته ليقول بتهديم كنائس كثيرة في دمشق. ويميز هذه المرحلة استشهاد القديس العظيم في الشهداء ايليا الجديد في 1 شباط 779م في دمشق وقد كتب مذكرة استشهاده حاكم دمشق وقائد شرطتها واسمه محمد. وايليا المذكور هو ايليا البعلبكي وقد ذهب ضحية حقارة معلمه السرياني الذي كان قد اعلن اسلامه وحاول اقناع تابعه ايليا ليسلم معه لكنه لم يفلح، وقد ترك ايليا له كل اجوره للنجاة من مكيدته وغادر دمشق، وبعد ثمان سنوات عاد ليجد ان معلمه السابق اعد له مكيدة جديدة، وكان ايليا قد فتح محلا لصناعة رحالاً للجمال وبرادع للدواب، وادعى ان ايليا في المرة السابقة انكر المسيح، وقاده الى الليثي قائد شرطة ولاية دمشق الذي اوقع به من العذابات الامر الذي لايمكن وصفه، وانتهت بعد زمان طويل من التعذيبات الهائلة بقطع الرأس وتقطيع الجسد الى قطع ورميه في نهر بردى في غوطة دمشق بعد تعليق الرأس على الصليب 14 يوما وحرق الجسد.
لقد كتب سيرته شاهد عيان معاصر( مجموعة القديسين السورية الفلسطينية(ج بطرسبرج 1907).
في هذه الاثناء عاد البطريرك الانطاكي ثيوذوريتوس من المنفى بعد ان ذاق الامرين، لكنه أُلقي في السجن مع غيره من المطارنة، ولما سوي وضعه واستقر في البطريركية، أخذ يهتم بشؤون رعيته في كنيسة انطاكية. ويخبرنا القديس ثيوذورس رئيس دير ستوذيت+ 826م انه انعقد مجمع مسكوني في دمشق ضد اعداء الايقونات قبل انعقاد المجمع المسكوني السابع بقليل. هذا وقد حضر نائب عن هذا البطريرك في هذا المجمع السابع المنعقد لاحقا في القسطنطينية.
وخلف قسطنطين الزبلي ابنه لاون الرابع 775-780م فخالف ابيه في قضية الايقونات وامر بوقف الاضطهادات ضد المناضلين الارثوذكس، ولكنه بتدابيره الحميدة هذه هيأ لسيادة واستقرار التعليم الارثوذكسي الصحيح. وبعد موته جاءت زوجته ايريني(+803م)، وعمدت الى انتخاب البطريرك طاراسيوس ودعت الى المجمع المسكوني السابع لاجل بحث موضوع السجود للأيقونات المقدسة.)
ودُعيت البطريركيات الارثوذكسية الثلاث الواقعة تحت النير الاسلامي (الاسكندرية ،انطاكية واورشليم) للمشاركة في المجمع وجاء ممثلون لهؤلاء البطاركة، وقدم ممثل انطاكية”المقال البرهاني” المنسوب الى القديس يوحنا الدمشقي.
لم يجتمع المجمع في القسطنطينية بسبب مقاومة الجيش المحارب للأيقونات في 1 آب 786م، ولكنه اجتمع في نيقية في 24 ايلول 787م وحرم محاربة الايقونات وحرم محاربيها، وتمت تسوية الوضع الارثوذكسي واعيد الحق الى نصابه، وطوَّب ذكر الثلاثة المناضلين عن الارثوذكسية ومنهم القديس يوحنا الدمشقي” الثالوث ( الاقدس) مجد الثلاثة” وبقي السينكلس، السكرتير البطريركي الأنطاكي، يوحنا في القسطنطينية، واتخذ من عداد اكليروسها.
تستمر الاعمال الحربية بين العباسيين والروم زمن هرون الرشيد 786-809م، وفي ايامه استمر الاضطهاد العنيف على المسيحيين، وكلما انتصر الروم وانكسر المسلمون كانت تضيق الدوائر على المسيحيين الارثوذكسيين.
استأنف الرشيد الهجوم بهجوم كاسح ثانٍ بثلاثمائة الف رجل، فاضطر نيكوفورس الى عقد صلح مهين تخلى فيه عن المنطقة الكائنة وراء طوروس في سورية.
وتشجع المسلمون فصنعوا اسطولا قويا هجم على قبرص ورودس، واستلب غنائم كثيرة قاده القائد توما الرومي قائد معسكرات الروم في آسيا الصغرى، وكان قد ارتد عن البيزنطيين ولجأ الى الخليفة المأمون الذي اثار اضطهادا عاما بحق المسيحيين في سورية وفلسطين فهرب الكثيرون الى قبرص والى جزر يونانية أخرى. ولحق التدمير بالاماكن المقدسة في فلسطين. وحقق توما نصرا كاسحا في آسيا الصغرى، كنه خسر بيد الملك الرومي ميخائيل الذي اماته شر ميتة السنة 823م
وصد الملك ثيوفيلوس غارات المسلمين على حدود آسيا الصغرى وأجبر المأمون على طلب الصلح، لكن خليفته المعتصم جدد حملة فكسره ثيوفيلوس سنة 838م ليعود المعتصم بحملة كثيفة على عمورية واصطحب معه البطريرك الانطاكي ايوب رغما عنه كي يخاطب السكان في عمورية باليونانية ليقنعهم بالاستسلام بدفع فريضة.
واخيرا وعن طريق الخيانة احتل المعتصم عمورية، واخذ يستعد للهجوم على القسطنطينية، لكنه عاد الى بغداد بسبب علمه بنشوب مؤامرة عسكرية ضده واستشهد 42 اسيراً رومياً من اسرى عمورية جيء بهم الى بغداد، فرفضوا الاسلام واصروا على مسيحيتهم، فقطعت رؤوسهم وطرحوا في دجلة وتعيد لهم كنيستنا الأرثوذكسية في 6 آذار من كل عام.
ان سقوط عمورية اخاف الغرب من قوة العرب المسلمين، لكنهم لم يقدموا اية مساعدة او نجدة عسكرية للدولة الرومية.
وكان العباسيون يتابعون هجماتهم على املاك الدولة البيزنطية لكنهم دوما كانوا ينكسرون… لكن ردات فعلهم بحق المسيحيين كانت اضطهادات مريعة ادت الى انحسار الوجود الارثوذكسي بشكل خاص، فهم شاؤوا ام ابوا محسوبون لجهة العقيدة الارثوذكسية على الروم البيزنطيين منذ لحظة دخول المسلمين الى دمشق 635م والتضييق عليهم والتسهيل (كما مر) لليعاقبة، وطيلة العصرين الاموي والعباسي وخاصة في اواخر العهدالأخير حيث استولى الاكراد والاتراك…على الجيش العباسي، وكانت هذه الطامة هي الكبرى نتيجة تعصبهم وكرههم للمسيحيين عامة والارثوذكسيين خاصة، ويعدونهم اتباع وعملاء الدولة الرومية، وتسوء الاحوال اكثر فيتم قتل البطاركة والاساقفة الارثوذكس باستمرار الى حين استعادة الروم سيطرتهم على سورية.
استعادة الروم سورية
بدأ الصراع لاستعادة سورية من يد المسلمين اعتبارا من اوائل السنة 900م وسقطت المناطق بمافيها كريت وعادت السيادة رومية بيزنطية على البحر الابيض المتوسط، وانكسر سيف الدولة الحمداني بعد تلاشي هيبة الدولة العباسية…
وقام نيقفور فوكاس بنفسه بحملة على سورية صيف 964 في وقت حرر فيه الروم ايضا قبرص وصقلية وجنوب ايطالية. وكان عدد مقاتلي هذه التجريدة 400 الف مقاتل رومي ثم تم تحرير انطاكية في 29 تشرين اول 969م وتقاطر المسيحيون الى السكنى مجددا في انطاكية مدينة الله العظمى، ثم حررت الجيوش الرومية حلب، وقضت المعاهدة بين الروم والحمدانيين ان تكون حلب ومنطقتها تحت طاعة بيزنطة ويؤدي المسلمون ضرائب معينة للروم، ويساعد امير حلب الحمداني الامبراطور الرومي في حالة الحرب وان يحمي القوافل البيزنطية. وقضت المعاهدة ان يعيد امير حلب بناء الكنائس المهدمة، وان الحرية الدينية مصانة للمسلمين والمسيحيين على السواء.
انتزعت كيليكيا من حكم المسلمين وقسم من سورية مع انطاكية وكانت نتيجة هذا التحرير تجدد التقاليد اليونانية وعودة اليونانية بقوة الى كل المدن المحررة.
واستطاع خليفة نيقوفور اي الملك يوحنا تسيمسكين عام 974 الانقضاض من انطاكية الى دمشق ودخلها فاتحا ومنها الى فلسطين، وكانت اورشليم مستعدة للاستسلام لكن المسلمين تحصنوا بها فعاد الملك الى القسطنطينية وقوّى انطاكية…