منطقة اللجاة
التسمية
من الأسماء القديمة لمنطقة اللجاة تراكون، كما أطلق عليها الرومان في ولاية سورية الرومانية عهدهم تراخنيتس، وهي كلمة تعني وعرة.
وأما اسم اللجاة نفسه وهو اسمها الشائع حالياً فقد أطلق عليها لأنها كانت ملجأ للثوار على مرِّ العصور، فيختبئون داخلها بين كهوفها ومغاراتها وتضاريسها الصَّعبة، فجاءت كلمة اللجاة نسبة إلى اللجوء.
اللجاة ارث عريق في جبل العرب. ومع ذلك فإن سكان المنطقة المحليين يلفظون اسمها النَّجاة بالنون لا اللجاة.
التاريخ
الاستيطان الأول
تاريخ أول استيطان بشري لمنطقة اللجاة لا زال غير معروف على وجه التحديد حتى اليوم، وذلك لأسباب أهمُّها وعورة المنطقة وصعوبة الوصول إليها، خصوصاً مع عدم وجود أي وسائل تنقُّل من أي نوع كانت في قلب اللجاة، حيث لا طريقة لبلوغ تلك المناطق سوى السير على الأقدام، مما دفع أغلب علم الآثار علماء الآثار إلى استكشاف المناطق السهلة يسيرة الوصول منها فقط، وهذا ما جعل الدراسات عنها قليلة ومحدودة. على صخور اللجاة الصلدة نشأت أسمى الحضارات، لكن على الرغم من ذلك فإنه من المحتمل أن تكون الكهوف و مغارة المغارات التي تنتشر في أجزاء مختلفة من منطقة اللجاة قد سكنت من قبل البشر منذ العصر الحجري العصور الحجرية، ومن بينها كهوف ومغارات شعارة وأم الزيتون ودان وقم وأم الرمان والدلافات.
القائد الروماني تراجان، هو الذي تولى حكم اللجاة لفترة، وكان هو الذي استطاع إخضاعها للحكم الروماني بعد أن فشل القادة الباقون.
وقد قال رئيس دائرة الإصحاح البيئي في مديرية البيئة بالسويداء أميمة الشعار في حديث له عن اللجاة أن المنطقة سكنت منذ سنة 7,000 قبل الميلاد، لكنه لم يذكر الدلائل الآثارية التي تشير إلى ذلك. وكانت قد اكتشفت بعثة مسح أثري افرنسية في صيف سنة 2003 موقعاً يعود إلى العصر الحجري النحاسي، أي منذ سنة 5,000 قبل الميلاد. كما قال الباحث جمال أبو جهاه في كتابه شهبا مدينة الحضارة أنَّ بعض الأطلال الأثرية في منطقة اللجاة تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ومن بينها بقايا مزارع كبيرة محصنة ومنازل لها أماكن مخصصة للسكن وأخرى مكرسة للأنشطة الزراعية، ومادة البناء الأساسية لهذه المباني البسيطة كانت الحجر الغالب في المنطقة وهو بازلت الحجر البازلتي.
عثر في اللجاة على تسعة مواقع أساسية تعود إلى العصر البرونزي من الألفية الثالثة قبل الميلاد ، هي خربة لبوة وتل دبة بريكة وكوم الصوان وكوم المغاربة وكوم الرمان والمرصوص والعيس والمنابع والمزرعة. كما تبيَّن من المسوحات الأثرية لها خلال أواخر العقد الأوَّل من القرن الواحد والعشرين أنها العصر الحجري الحديث في بلاد الشام كانت مستوطنة بشرية على نطاق واسع خلال العصر الحجري الحديث ، حوالي سنة 3,600 ق.م.
بدأت أولى المدن بالظهور في المنطقة خلال العصر البرونزي القديم، الذي بدأت فيه المدن بالظهور للمرة الأولى بها، وكان من أولاها مدينة اللبوة، بالإضافة إلى تجمعات سكانية أخرى على حدود اللجاة الجنوبية الشرقية. وأما في العصر البرونزي الوسيط فقد ظهرت مواقع التلال الكبيرة المحصنة قرب الأحواض الزراعية على أطراف اللجاة، في مواقع مثل ملييت العتاش وكوم المسيك، وكانت هذه مناطق السكن الرئيسية، فيما كانت خارجها مواقع صغيرة فقط تتمثل ببلدات أو قرى، وفيها أبراج لتخزين الغلال والمراقبة. لكن حدث انخفاض واضح في عدد المواقع الأثرية المكتشفة في حقبة العصر البرونزي الحديث، حيث كان عددها 22 موقعاً فقط، على الرغم من أن طول ذلك العصر بلغ 450 سنة، ويدل ذلك على أن العصر البرونزي الحديث شهد فترة جفاف وانخفاض في معدلات هطول الأمطار بدأت في القرن السادس قبل الميلاد، وتسببت بانخفاض عدد سكان المنطقة بالنتيجة. كما تسبب ذلك بانهيار الحياة الحضارية المتطورة في المنطقة وعودتها إلى النظام البدوي، خصوصاً مع الغزو الحثي والنزاعات الأخرى. وقد ظل الاستيطان البشري في هذه الحقبة على أطراف اللجاة، فيما كان محدوداً في قلبها، حيث وجد 15 موقعاً فقط تتألف من حلقات حجرية دائرية تقع قرب الأحواض الزراعية التي رعى فيها السكان.
العهود القديمة
شهدت منطقة اللجاة ازدهاراً ونهضة كبيرة خلال العهدين ولاية سورية الرومانية والاغريقية ، حيث اكتشفت آثار وبقايا في 30 موقعاً بأنحائها من عهود اليونانيين والرومان فضلاً عن أديرة رومية بيزنطية . من شخصيات اللجاة القديمة الشهيرة الملك حزائيل، الذي تمكَّن من هزم الآشوريين في حوالي سنة 1,500 قبل الميلاد عند حدود اللجاة وإبعادهم عنها. وقد وقعت المنطقة تحت حكم اليونانيين في سنة 1383 قبل الميلاد، عندما غزا الإسكندر الأكبر الشام. كما تشير بعض الدلائل الآثارية إلى حدوث نزاعات بالمنطقة خلال إمبراطورية هيلينية. وأما الرومان فقد دخلوا اللجاة في سنة 20 قبل الميلاد خلال عهد س قيصر ، ووضع عليها قائداً عسكرياً يحكمها، غير أنه فشل في السيطرة عليها وظلَّت الاضطرابات والثورات تعمُّها، فأرسل قيصر قائده تراجان الذي أنشأ فيلق فيلقاً ووضعه في بصرى مدينة بصرى]، وبعدها فقط استتبَّ الأمر لهم فيها.
وقد كانت النهضة في المنطقة كبيرة خلال العهود اليوناني والروماني والرومي، فشقَّت بها الطرقات ونظمت باتجاهين – ذاهب وآت – وشيدت المعابد و القصور و الأديرة واستراحات الفرسان وأبراج المراقبة. وقد أطلق عليها الرومان اسم تراخيتس، أي وعرة ، كما كان من أسمائها القديمة تراكون. ووجدت في الكثير من آثار هذه المباني القديمة لوحات مكتوبة باللغة العربية، مما يدل على أن العرب قطنوا المنطقة منذ زمن طويل. وقد وقع بمنطقة اللجاة زلزال في سنة 749 م ألحق الكثير من الأضرار بها، غير أن أغلب قراها ألأثرية لا زالت قائمة مع ذلك. وقد اضافت“اليونسكو” محمية (اللجاة) السورية إلى السجل العالمي للمحميات الطبيعية.
كان القرنان الثاني والثالث الميلاديان من فترات الازدهار التاريخية الكبيرة في عهد اللجاة، ومن ضمن الآثار التي تركتها هذه الحقبة معابد وثنية ومقار قيادة عسكرية وأبراج دفاعية طويلة تكثر فيها، بالإضافة إلى كتابات باللغة اليونانية توحي بازدهار الحياة باللجاة في عهد الدولة الرومية، كما عثر على ثلاث أسقفيات من العهد الرومي في نفس بالمنطقة، أولاها في قسطنطينة براق والثانية في المسمية (درعا) المسمية والثالثة في إزرع .
وقد وصف الأبشيهي شهاب الدين بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي في كتابه “المستطرف في كل فن مستظرف” منطقة اللجاة عند حوران بأنها:
“اقتباس مدينة عظيمة يقال لها اللجاة، فيها من البنيان ما تعجز عنه السنة العقلاء، كل دار فيها مبنيَّة من الحجر المنحوت، ليس في الدار خشبة واحدة بل أبوابها وغرفها وسقوفها وبيوتها من الصخر المنحوت الذي لا يستطيع أحد أن يصنعه من الخشب، وفي كل دار بئر وطاحون، وكل دار كالقلعة الحصينة إذا خاف أهل تلك النواحي من العدو دخلوا إلى تلك المدينة.
المواقع الأثرية
تعد منطقة اللجاة من أكثر المناطق غنى بالمواقع الأثرية في حوران وعموم سورية، إذ عثرت فيها البعثات الفرنسية بين سنتي 2003 و على حوالي 700 موقع أثريّ قديم. عثر في اللجاة على قرابة 200 موقع أثري من العصر البرونزي والعهد الروماني، بينها 110 مواقع من العصر البروزني القديم، و109 من الوسيط، تقع أغلبها على الأطراف الداخلية للجاة. كما عثر في الأطراف الشمالية الشرقية للجاة على موقع يسمى شرايع يمتد على مساحة تبلغ حوالي 80 هكتاراً ويضم نحو 650 منزلاً.منطقة اللجاة في السويداء سكنها الإنسان منذ 3600 قبل الميلاد وصنفتها الأمم المتحدة ضمن المحميات الطبيعية. وفيها قلعة ابيبا.
وبطبيعة الحال وبسبب صعوبة الوصول الشديدة إلى المنطقة واستكشافها فيعتقد أنها لا زالت تضم الكثير من المواقع والآثار غير المكتشفة. كما أن هذه المواقع تتميَّز بأنها لا زالت سليمة تقريباً، فقد صانتها وحفظتها وعورة المنطقة وقلة ارتيادها، ممَّا حماها من التخريب والسرقة والنهب، ولا زال من الممكن رؤية جدران وأبواب الكثير من القرى الأثرية بالمنطقة سليمة تماماً، بل ولا زالت تتبعثر فيها الألواح القديمة والأغراض العادية التي لم يمسسها أحد منذ مئات السنين.
كما كانت هناك مدن كثيرة تابعة أبرشية لأبرشيات في اللجاة، ذكر بعضاً منها الأب متري هاجي اثناسيو في كتابه “سورية المسيحية في الألف الأول الميلادي” ، هي بصر الحرير و حران و جمرين وعاسم و شعارة و جاج و جدية (قرية) جدية وخرسا وكريم و لبين (قرية) لبين وصور والطف و قم وأوبير ونجران وداما العليا وديمة واللحف والصورة الكبرى ودير الجواني.
من الخرب البارزة والمعروفة بالمنطقة خربة اللبوة الواقعة إلى الغرب من قرية المتونة، التي كانت محاطة بسور فيه ثلاث بوابات رئيسة، وكانت البلدة مقسَّمة إلى أربعة أقسام، الأول مخصص للمعابد والثاني للطبقة الحاكمة والثالث لسكن الخاصة والرابع – الواقع خارج السور – لسكن العامة، ويعود تاريخها إلى العصر البرونزي الوسيط.
كما أن هناك خربة برد الواقعة جنوب صميد قرية صميد إلى الغرب من مجادل (قرية) قرية مجادل، وخربة صميد العتيقة الواقعة إلى الشرق من قرية صميد، وخربة الخريبات الواقعة إلى الغرب من قرية وقم، ويمر الرصيف الروماني بجانبها مباشرة من جهة الشرق
من أبرز المواقع الأثرية باللجاة أيضاً صميد قرية صميد التي ما زالت قائمة حتى اليوم بأبوابها الحجرية القديمة، وكانت تصل بين منازلها أنفاق تحت الأرض تصلها يبعضها البعض، كما أحاط بها سور ذو أبواب حجرية، وقد درستها بعثات أوروبية عدَّة بين عامي 1908 و 1920 . كما لا زالت آثار دير داما بالقربُ منها قائمةً حتى الآن، وبعضها يقطنه سكان محليون من أهالي القرية، وتدل آثار القرية عموماً على أنها كانت مدينة بارزة ومزدهرة في العهود القديمة.
ومن بين آثار المنطقة أيضاً مسرح موسيقي في قرية سحر يبلغ طول قطره 20 م وقطر ساحة العازفين 25.10 م، ويتكون المدرج من سبعة صفوف تفصل بينها ثلاثة أدراج، وتوجد فيه ثلاث ممرات سفلية تصل إلى ساحة الأوركسترا ، وهناك مسرح ثانٍ في موقع صور، لكن لا يعرف عنه شيء حتى الآن.
بنيت الكثير من الأبراج الدفاعية في أنحاء اللجاة، حيث بنى الرومان بكل أنحائها أبراجاً تفصل بين الواحد والآخر منها مسافة 5 كيلومترات فحسب، وزوِّدت هذه الأبراج بتقنية مشاعل الإنذار المبكر ، والتي تعني تنبيه المدن المجاورة إلى وجود أخطار أو أعداء عن طريق إشعال سلسلة من المشاعل المنتشرة على مسافة عشرات الكيلومترات، لتحذير المدن الكبرى القريبة بصرى كبصرى و السويداء و عمّان . وكانت هذه الأبراج متنوّعةً كثيراً في هندستها وأشكالها، فمنها مخروطية الجذع المتصلة بأبنية سكنية للجنود، ومنها ذات الجوانب العمودية أو المائلة، ومنها المربَّعة كتلك في الرصيف الروماني. وتتراوح أطوال أضلاع هذه الأبراج من 6 إلى 8 أمتار، ويبلغ ارتفاع بعضها حتى 15 متراً. وكمعظم مباني اللجاة فهي مبنيَّة من صفَّين من بازلت الحجر البازلتيّ . وقد بني بئر و قبر بجانب كل برج من هذه الأبراج المنتشرة في كافة أنحاء اللجاة. ومن أضخم أبراج المنطقة عموماً أبراج جنين والمطلة وبلانة التي تضطفّ غربيّ اللجاة، والتي يبدو أنها كانت عبارة عن خط دفاعي متطور.
التاريخ الحديث
عندما غزى إبراهيم باشا سورية تحت حكم والده والي مصرمحمد علي باشا الشام كان من ضمن المناطق التي غزاها اللجاة، التي قاد إليها جيشاً من 600 جندي، لكن نظراً إلى صعوبة مسالك المنطقة ووعورتها وقلّة معرفته بها فقد هزم جيشه، وقتل 500 من رجاله. ولا زال يقطن المنطقة بعض المصريين منذ عهده، الذين أصبحوا يلقبون بـ كذا المصري .
الجيولوجيا
نتجت بيئة اللجاة الصخرية الوعرة عن تشكلها من الصهارة البركانية التي بدأ يقذفها جبل العرب – وخصوصاً بركان تل شيحان -منطقة اللجاة بدرعا.. وظلَّ يقذفها حتى العصر الرابع . وقد نتجت عن هذا الثوران البركانيّ على مدى ملايين السنين تغيرات كبيرة في الطبيعة الجيولوجية والجغرافية في المنطقة، إذ كان ارتفاع وهدة جبل العرب عن مستوى البحر يبلغ قبل بدء هذه الثورانات البركانية 500 متر فقط، فيما بات ارتفاعه اليوم 800 متر
تل شيحان …
ولا زالت هذه البقايا البركانية في المنطقة كما هي، دون أن يطرأ عليها أي تغير جيولوجي بارز منذ آلاف السنين، وهو ما يجعلها منطقة فريدة، ويمنحها أهمية علمية كبيرة في علم الجيولوجيا .. البحر الهائج الذي تجمد فجأة. . لكن – بالرغم من ذلك – لم تنج البقايا البركانية من العهود القديمة جداً، إذ طغت رسوبيات العصر الرابع على أغلب البقايا التي كانت قد خلَّفتها براكين العصر الثالث السفلي (الباليوجين) ، فيما نجت رسوبيات قليلة من ميوجين العصر الثالث العلويّ (الميوجين)، التي لا زال جزءٌ منها مكشوفاً حالياً على مساحة تبلغ 4,000 كم2 يمتد من شرق خط شهبا – دمشق] وحتى منطقة الزلف.
ظهرت رسوبيات العصر الرابع السفلي أخيراً (أول ثلثين من بليستوسين العصر البلستوسيني )، التي غطَّت عقب ثورانها الأجزاء الجنوبية من جبل العرب وشرق وشمال منطقة شهبا وسفوح كتلة الجبل الدنيا حتى سهل حوران ، ويعتقد الجيولوجيُّون أن المصادر الأساسية لثورانات هذه الفترة كانت بركانَي تل عمار و تل أحمر . وبعد صبة العصر الرابع السفلي، جاءت 6 صبات أخرى بعدها في هذا العصر، وأبرزها صبة من حمم قليلة اللزوجة كان مصدرها فالقاً شمالياً غربياً – جنوبياً شرقياً كخط مائل يمتد غرب مدينة شهبا، وقد غطَّت مساحات كبيرة في اللجاة غربي المدينة. جاءت بعد تلك الصبة عدة ثورانات بركانية استمرت بتغيير الطبيعة الجيولوجية والجغرافية للمنطقة، فثارت أربع مخاريط بركانية – هي مخروط شيحان شمال اللجاة، ومخروطا الصبة والجبل شمال غرب شهبا، ورابع أخير – قاذفة مقذوفات هشة ومحترقة. تبعت هذه الثورانات الأربعة فترة خمود طويلة نسبياً لبراكين المنطقة، حتى ثار أخيراً قبل عدة مئاتٍ من السّنين بركان القلعة الذي يحدُّ شهبا من الغرب، ويلامس سورها الروماني القديم، ومع أنه لا زالت توجد بقايا للمقذوفات البركانية قرب السور فهو لم يتضرَّر كثيراً من الحدث. وتبين الدراسات الجيولوجية التي أجريت في المنطقة أن هذا النشاط البركاني لم يتوقف سوى في الألفيتين الرابعة والثالث قبل الميلاد.
انحدرت حمم اللجاة باتجاه الغرب والشمال الغربي بطبيعة الحال، نظراً إلى أنّ مصدرها – وهو جبل العرب – مرتفع، ويقع إلى شرق وشمال شرق المنطقة، وكذلك كانت المعالم التي خلَّفتها هذه البراكين، حيث يمكن القول أنها تعطي ظهرها لوادي اللوا والشرق، فيما تنفتح باتجاه الجنوب والغرب والشمال.
الجغرافيا
خريطة اللجاة الطبيعية صورة ملتقطة ساتل بالأقمار الصناعية لجنوب سورية، تظهر موقع هضبة اللجاة البازلتية، ومن حولها جبل العرب وهضبة حوران البركانية و مرتفعات الجولان .
اللجاة هي هضبة بازلتية صخرية وعرة ييبلغ طولها 60 كيلومتراً وعرضها 17 كيلومتراً تعد مدينة شهبا حدودها الشمالية، تملاؤها الشقوق والجروف الحادة والأحواض المنخفضة على سطح من الصخور السوداء تخللها بعض الجيوب الترابية الصغيرة التي لا تمثُّل مساحتها سوى 20 من مساحة المنطقة فيما أن الباقي هو صبات بازلتية، تشكلت من مقذوفات بركانية قذفها جبل العرب قبل ملايين السنين. وهي تتألف بشكل كلي تقريباً من الصخور، وأما التراب فلا يوجد بها إلا في مساحات محدودة كثيرة لا يتواجد في غيرها. يبلغ ارتفاع المنطقة 800 متر عن مستوى سطح البحر، وتعادل مساحتها 2,000 هكتار أو 20 كم2 تقريباً، وهي تتألف من مثلث متطابق الأضلاع يتموضع بين محافظتي درعا و السويداء جنوب سورية على مسافة 50 كيلومتراً تقريباً جنوب العاصمة دمشق ، ويبلغ طول كل ضلع من أضلاعه 30 كيلومتراً تقريباً. تحيط بالمنطقة نتيجة لذلك سهول خصبة من التربة البركانية الغنية بالمعادن، لكنها وعرة جداً إذ تملؤها نتؤات يتراوح ارتفاعها من 5 أمتار إلى 15 متراً، مما يجعل التجوال في المنطقة بالغ الصعوبة.
تقع اللجاة بين دائرة عرض دائرتي عرض 36,45 و36,54 شمالاً و خطي طول 38,8 و39,3 شرقاً. تحدها من جهة الغرب بلدات وقم ودير داما والشياح، ومن الجنوب صميد و مجادل و داما، ومن الشرق متونة ولاهثة والصورة الكبيرة والصورة الصغيرة، ومن الشمال محافظة درعا. فيما يتراوح ارتفاعها عن مستوى البحر من 700 إلى 800 م. ويحد منطقة هضبة اللجاة البازلتية من جهة الشرق جبل العرب، ومن الجنوب هضبة حوران البركانية، ومن الغرب مرتفعات الجولان.
طبيعة اللجاة عموماً هي أنها أرض بركانية صخرية شديدة الوعورة، يسمِّيها علماء الجيولوجيا الحرَّة السوداء. منحت الثورانات البركانية المتكررة طوال الـ60 مليون سنة الأخيرة المنطقة تربة بركانية غنية معدن بالمعادن ، تصلح كثيراً زراعة للزراعة والرَّعي، ولونها أسود قاتم كلون الصخور التي شكَّلتها.
تتميز اللجاة بطببيعة خاصة وفريدة، فأرضها مغطاة بالصبات البازلتية وبقايا الثورانات البركانية، والتشققات والتضاريس الصخرية. وهي مملوءة بالنتؤات والمنخفضات والمرتفعات والجروف الصخرية والانكسارات التي تجعل التنقل في قلبها شبه مستحيل. ومما تشتهر به اللجاة كثرة الكهوف والمغارات بها، التي تنتشر بها كلها وتملؤ كل أنحائها، ومن أشهر مغارات اللجاة مغارة الدلافة التي يبلغ عمقها الظاهر350 متراً، والتي عثر فيها على آثار تدل على أن البشر سكنوها في القدم. وتصطف عند نهاية اللجاة الشرقية تلال شهبا أربعة تلال بركانية من الرمل الأسود على خط واحد بطول أكثر من كيلومتر، أولها هو تل شيحان فتل الغرارة الشمالية فتل الجمل فتل الغرارة الجنوبية، وهي تقع جميعاً إزاء مدينة شهبا وعلى مقربة شديدة منها، كل التلال الأربعة هي من الطف البركاني النقي الذي يملك قيمة اقتصادية كبيرة، عدى تل الجمل المكوَّن من صخور بركانية فقط.
يُقدَّر معدل هطول الأمطار السنوي على منطقة اللجاة بحوالي 250 إلى 350 مم. على طول حدودها الغربية، ولذلك فهي تعد منطقة ذات مناخ جاف، والزراعة فيها على حدود الزراعة الجافة. وعلى الرغم من أنه لا تجري بالمنطقة أي مجارٍ مائية طبيعية، فإن بعض الجداول القادمة من جنوبها الشرقي من جهة وادي العرب تغذيها بالمياه، ومنها مثلاً وادي الذهب جنوباً و وادي اللوا شرقاً ووادي الخير غرباً. تتميَّز اللجاة بغزارة الينابيع و الآبار و المستنقعات فيها، التي تكثر فيها نتيجة تقعُّرها اتجاه جبل العرب من جهة الشمال الغربي مما يجعل الكثير من المياه تنحدر إليها بفعل توسطها بين هضبة حوران البركانية وجبل العرب والجولان، وأثبتت ذلك دراسة أجراها حوض اليرموك بيَّنت أن اللجاة تشكل خزاناً طبيعياً للمياه الجوفية بين صخوره البازلتية، وهو ما يوفر الكثير من المياه للسكان المحليين.
وقد كشفت المسوحات التي قام بها العلماء للمنطقة عن وجود شبكة مائية طبيعية تحت أرض اللجاة، تتألف من قنوات تحت الأرض البازلتية السطحية تجري فيها المياه والكثير من الأنهار الجارية، ونظراً إلى قلة عمق هذه المياه الجوفية فإنه من السهل الوصول إليها والحصول عليها عبر الشقوق السطحية أو انبثاق المياه. كما اكتشفت عدة ينابيع وآبار ومستنقعات في اللجاة تفيض خلال فصل الشتاء، نظراً إلى طبيعة نظام الصخور البازلتية في المنطقة.
السكان
بلغ عدد سكان منطقة اللجاة حسب إحصاء سنة حوالي 36,840 نسمة، وأما عدد قراها فيبلغ قرابة 24 قرية مع تفاوت الإحصاءات، كما يصل الرقم مع احتساب القرى الأثرية القديمة التي تعجُّ بها المنطقة إلى حوالي 70 قرية، أو حتى 77 قرية، لا زالت الكثير منها على حالها حتى الآن دون أن تتعرَّض إلى أي تخريب تقريباً، مثل شعارة. المهنة الأساسية التي يعيش عليها سكان وأهالي اللجاة هي الزراعة والرعي، كما كانت الحال على مرّ الأجيال، فالمنطقة تعتمد بكثر على زراعة الزيتون و اللوز و التين الفستق الحلبي و الكرمة و القمح والشعير والحمص والعدس وغيرها من المحاصيل المختلفة. بالإضافة إلى بعض الصناعات التقليدية خبز التنور كخبز التنور واستخراج زيت البطم. وكل ما اتَّجهنا نحو عمق اللجاة تزداد الأرض وعورة، فيما يقل اعتماد الأهالي على النشاط الزراعي ويكثر في المقابل النشاط الرعويّ بدلاً منه، وخصوصاً رعي الأغنام . تعد اللجاة منطقة استقرار ثانية، وهذا ما يجعل زرع المحاصيل الزراعية ممكناً في الجيوب الترابية بها، خصوصاً مع حصولها على كميات مضاعفة من مياه الأمطار التي تنحدر إليها من المناطق المجاورة. ويمكن استثمار الجيوب الترابية بزراعة نباتات مختلفة، فيما أن المناطق الصخرية مناسبة للرَّعي إذ تنمو بها نباتات رعوية وحولية.
المستوى المعيشي
المستوى المعيشي العامّ في اللجاة منخفض، كنتيجة طبيعية للاعتماد الأساسي على الزراعة في المنطقة، ويحاول السكان المحليون تسحين ظروفهم المعيشية برعي الماشية أملاً بزيادة دخلهم، كما يستفيدون من النباتات البرية ذات الاستخدامات الطبية والغذائية المنتشرة بكثرة باللجاة. وقد ارتفعت معدلات هجرة المدينة الهجرة من البادية إلى المدينة أو حتى إلى دول الخارج كثيراً في الآونة الأخيرة بسبب هذه الظروف الصَّعبة.
الموارد والثروات
تتميَّز منطقة اللجاة بالكثير من المميزات التي تجعلها منطقة واعدة للاستثمار في سياحة المجال السياحيّ . فطبيعتها الصخرية المميزة وتنوُّعها البيولوجي الكبير – خصوصاً ثروتها النباتية من الأنواع النباتية الطبية الفريدة التي ما من مثيل لها في البلاد – وغناها بالمواقع الأثرية والتاريخية المهمة كلها عوامل تمنحها أهمية كبيرة، ممَّا يمكن أن يسمح باستثمارها استثماراً هائلاً في مجالي السياحة البيئية وسياحة المغامرة. كما أن المنطقة غنية بثروات ضخمة من المياه الجوفية تحت صخورها، نتيجة لتقعُّرها اتجاه جبل العرب.
تحوي منطقة اللجاة أيضاً ثروة هائلة من بازلت الصخر البازلتي ، تُقدَّر بما يربو من 240 مليون كيلومتر مكعب تمتدُّ على مساحة أكثر من 8,000 دونم ، ولا زال من الممكن أن تزداد باستمرار. ويمكن أن تقام استثمارات ضخمة جداً للاستفادة من هذه الثروة الطبيعية، تشمل كسارات ومجابل خرسانة خرسانية و أسفلت إسفلتية تستخدم الحجر البازلتي ونواتج التكسير المختلفة في الصناعة، ومنها تصنيع الأنابيب والبواري لنقل النفط و الصرف الصحي الصرف الصحي للمياه . وقد طرحت محافظة درعا بقيادة المكتب التنفيذي في المحافظة عدة مشاريع من قبل لاستثمار الثروة البازلتية، وقد أقيمت بالفعل ثلاثة مشاريع بهذا الخصوص في الفترة الأخيرة، ومن الممكن لهذه المشاريع أن توفّر فرص عمل كثيرة لأبناء البلاد فضلاً عن قيمتها الاقتصادية الكبيرة.
البيئة الطبيعية
البطم الأطلسي أحد أنواع الأشجار الشائعة في اللجاة، ويستفيد منه السكان المحليون باستخراج زيته.
فضلاً عن طبيعة منطقة اللجاة الخاصة فهي تتميَّز أيضاً بالتنوع الكبير لأشكال الحياة البرية فيها، حيث تقطنها أعداد كبيرة ومتنوعة من الحيوانات و النباتات على حد سواء، . كما توجد بها ثروة كبيرة من المياه الجوفية تحت صخورها البازلتية. وقد كانت اللجاة يوماً منطقة تغطيها غابات خضراء كثيفة من البطم و اللوز البري، ومع أن أغلب الدلائل على هذا الغطاء تشير إلى أعشاب وشجيرات قصيرة فهناك بعض الدلائل على وجود أشجار كبيرة خلال تلك الحقبة، غير أن أسباباً عدة أبرزها قطع الأشجار كثرة القطع والتحطيب والرعي في المنطقة تسبَّبت باختفاء معظم هذا الغطاء النباتي في أيام الاحتلال العثماني ، ولذلك لم تبقى بها الآن سوى أنواع محدودة من النباتات والأشجار التي تمكَّنت من التأقلم مع الظروف الصعبة في المنطقة وطبيعتها الصخرية،
وقد أصبح الغطاء النباتي اليوم محدوداً وصغيراً في المنطقة. وعلى الرغم من ذلك لا زالت المحمية غنية بالكثير من الأشجار الحراجية التي استطاعت التأقلم مع طبيعتها، والأشجار الكبيرة التي تمكَّنت غرس جذورها في الصخور القاسية.
تقوم دئرة التنوع في مديرية الموارد الطبعيية بالسويداء بتوثيق أنواع الكائنات الحية في المنطقة باستمرار، ضمن مشروع خطة التنوع الحيوي لدائرة الحراج.
المناخ السَّائد في اللجاة
هو المناخ المتوسطي مناخ شبه جاف ، حيث يكون الجو حاراً جافاً خالياً من الأمطار والغيوم في فصل الصيف، فيما تنخفض درجات الحرارة في الشتاء وتهطل الأمطار، وأما الربيع و الخريف فهُما قصيران، وتهبُّ فيهما أحياناً رياح حارة أو تهطل بعض الأمطار. تبلغ درجة الحرارة الصُّغرى بالمنطقة 5 درجات مئوية ، والكبرى 35 درجة، فيما تتراوح معدَّلات هطول الأمطار من 150 إلى 200 مم سنوياً. تبلغ أدنى درجات الرطوبة النسبية في النهار 40 ، وهي أيضاً أعظم درجاتها في الليل. تهبُّ رياح غربية وشرقية إلى شمالية خلال فصل الشتاء، وغربية في الصيف، وتبلغ سرعتها 3 إلى 8 متر في الثانية أمتار في الثانية . تزخر المنطقة بئر بالآبار خصوصاً بئر أرتوازية الارتوازية منها بالإضافة إلى البرك ، ويعتمد السكان عليها كمصادر المياه الأساسية، لكنها تخلو تماماً من الينابيع .
الحيوانات
وثَّقت دائرة التنوع في مديرية الموارد الطبيعية بالسوداء 42 نوعاً من الطيور باللجاة، بالتعاون مع اللجنة الملكية البريطانية.
اللجاة…أول محميــــــة إنســـــان ومحيـــــط حيــــوي…لوحة فنية تجمع تناقضات الطبيعة. على مسافة 50 كيلو متراً جنوب دمشق تمثل اللجاة حالياً محمية طبيعية ، وهي محمية الإنسان والمحيط الحيوي الوحيدة في سورية حتى الآن، وتتميَّز بتنوع بيولوجي كبير، وبغناها الشديد بالمواقع الأثرية القديمة.اللجاة، على قائمة السجل العالمي للمحميات الطبيعية لدى اليونسكو.
تقع اللجاة إلى الجنوب من مدينة دمشق في سورية ، وتبعد عن درعا 75 كيلومتراً شمالاً،
صدر قرار وزاريّ في سنة جعل من اللجاة محمية طبيعية، بهدف إنقاذها من تدهورها البيئيّ المستمر والدمار الذي يلحق بطبيعتها المتميزة. وقد اختارت اليونسكو المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو في سنة المحمية كأول محمية إنسان ومحيط حيوي في سورية من بين 32 محمية في البلاد، وهي لا زالت الوحيدة حتى الآن.