موجز تاريخ الكنيسة المسيحية في العالم
الجزء السادس
نتابع في هذا الجزء السادس موجز تاريخ الكنيسة في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر والعشرين
القرن السابع عشر
روسيا زمن اضطراب
دخلت روسيا في هذا القرن بفترة اضطراب، اعقبت وفاة القيصر باصيل شويزكي (+1610)، حيث اعتلى العرش الروسي شخصاً بولندياً.
سيطر البولنديون على البلاد، وشددوا السيطرة على موسكو وخصوصاً دير القديس سرجيوس. وظلت البلاد مطوقة بالعنف السياسي والجوع والمآسي الوطنية منذ نهاية حكم ايفان الثالث.
في العام 1612 مات جوعا في السجن البطريرك جناديوس القائد الوطني، واعتُبرَ فيما بعد قديساً. كذلك مجدت الكنيسة الروسية القديسة جوليانا اوسورغين (+1604) لعطفها وحبها للبشر المتألمين وعنايتها بهم.
روسيا انشقاق المؤمنين القدامى
لحق بزمن الاضطراب انشقاق المؤمنين القدامى في روسيا الشمالية.
فقد اعتلى القيصر ميخائيل رومانوف (+1645) العرش الروسي في العام 1613. وكان والده (+1633) قد اصبح بطريركاً للكنيسة وحاكماً فعلياً للبلاد في العام 1619. ومن 1645 – 1676 اعتلى العرش القيصري الكسيوس رومانوف. وهو رجل تقي وورع جداً. اختار الكسيوس في العام 1652 ؤ ، وهو ذو جماهيرية واسعة وموهبة فذة، ليكون بطريركاً على الكنيسة الروسية.
رفض نيكون بداية، لكنه عاد فوافق عندما تلقى تعهداً، من قادة الكنيسة والدولة، بدعمه بطاعة ثابتة للإنجيل والقوانين وآباء الكنيسة وله شخصياً كراعٍ وابٍ أول للكنيسة الروسية. وبالفعل بدأ البطريرك نيكون في صوم 1653 الكبير باصلاحاته بخصوص الطقوس الكنسية، وقد هزت هذه الاصلاحات الكنيسة والدولة بعنف.
من منظورنا الحالي، لم تكن اصلاحات نيكون غير معقولة ولا ثورية، فقد دعت هذه الاصلاحات الى ضبط الممارسات الليتورجية لتتطابق مع ممارسات باقي الكنائس الأرثوذكسية. كما دعت الى تصحيح في بعض الكلمات.
طلبت هذه الاصلاحات، على سبيل المثال، أن يرسم المؤمنون إشارة الصليب بثلاثة اصابع وليس باثنين، وان نرتل هللويا ثلاث مرات خلال تلاوة المزامير بدلاً من مرتين، وامور مشابهة لهذه. إصلاحات نيكون البسيطة في نظرنا اليوم كانت حدثاً انفجارياً في روسيا في ذلك الوقت.
فبحسب العقلية الروسية، نسفت هذه الاصلاحات مباشرة نظرية”رومه الثالثة” وممارسات الكنيسة والدولة الروسيتين. ووضعت الارثوذكسية الروسية في وضع خضوع للبطريركيات الشرقية التي كانت تتألم ذاك الوقت تحت الحكم التركي” بسبب خطاياها”.
عاد القيصر الكسيوس من قتاله مع البولنديين في العام 1657 ليجد كنيسته وامته في حالة شغب وفوضى. فقد قاد مثلاً كهنة الرعايا المعارضة ضد نيكون، واعتبروا انفسهم “مصلحين” لأنهم نادوا بعودة الشعب الى الطاعة الصارمة لطقوس وعادات الكنيسة الأرثوذكسية التقليدية. ولأن نيكون كان وصياً على العرش في غياب القيصر، فقد كان واثقاً من ان القيصر سوف يعاقب الذين لم يطيعوه “كأب اول وراع أكبر” لكن القيصر لم يكن راضياً عن اعمال نيكون، عدم رضى القيصر كان علنياً. وبقيت روسيا من ذلك العام 1658 وحتى 1666 بدون بطريرك.
حاول الكسيوس اصلاح الأمر مع نيكون فلم ينجح فعقد مجمعا في العام 1666 ضم البطاركة الشرقيين وترأسه البطريرك الانطاكي مكاريوس بن الزعيم (رحلته الثانية الى البلاد الروسية) وبطريرك الاسكندرية، وهندسه اسقف غزة باييسيوس ليغاريدس. قطع المجمع معارضي اصلاحات نيكون من الكنيسة. وكان عددهم حوالي المليون، وقادهم المتقدم في الكهنة افاكيوم، وسموا بالمؤمنين القدامى او الطقوسيون القدامى.
جرد المجمع البطريرك نيكون من سلطته البطريركية لأنه ترك منصبه ولم يُظهرْ احتراماً للقيصر.
دحض ايضاً مجمع المائة فصلاً الذي عقد 1551 واعاد نظرية ” رومة الثالثة”
بقي نيكون تحت الاعتقال حتى مات العام 1681. ومع انه لم يبدل موقفه ولم يستسلم لمجمع 1666-1667 فقد دُفنَ بكل الكرامة البطريركية. اما معارضوه الذين تسموا بالمؤمنين القدامى، فقد رفضوا المجمع وذهبوا رسمياً في الانشقاق عن جسم الكنيسة الروسية. اما قوادهم مثل أفاكيوم فقد أُضطهدوا بعنف وأُرسلوا الى الأشغال الشاقة في المنفى. وأُحرق افاكيوم حياً مع ثلاثة من انصاره في العام 1682 بسبب ” التجديف العظيم الذي نطقوا به ضد القيصر وحاشيته”. وصارت سيرته من الادب الروسي الكلاسيكي.
في العام 1682 صار بطرس الأكبر قيصراً، ولقبه الشعب ب”المسيح الدجال” بسبب عملية العنف والتطرف الذي غرَّبَّ (جلب الثأثير الغربي) روسيا. ومعارضته الشرسة للطرق الروسية التقليدية.
اما المؤمنون القدامى فبسبب غيرتهم المحافِظة على الايمان والطقوس الارثوذكسيية نقية. فقد نجحوا في الحفاظ على الانماط الروسية القديمة لرسم الايقونات والترتيل الكنسي، اللذين كانا ضياعهما وارداً جداً في تلك الفترة.
الأونيات ( المنضمون)
استمرت بقوة حركة الانضمام الى الكنيسة الغربية في جنوبي روسيا في القرن 17، مع ان اجزاء عديدة من التخوم الروسية كانت قد عادت الى روسيا.
خدمت الأخويات العلمانية في اوكرانيا وغاليسيا الأرثوذكسية بشكل جيد في ذلك الزمان.
فقد رفضت بشكل مطلق حركة الانضمام ومن بين قادة هذه الأخويات العلمانية برز قسطنطين اوستروزسكي (+1608) وميليتي سمو ثريتسكي الذي كتب “مراثي الكنيسة الشرقية” عام 1610.
بطرس موغيلا
تأسست أكاديمية كييف اللاهوتية عام 1615 ورسم ثيوفان بطريرك اورشليم سبعة اساقفة ارثوذكسيين سراً (ليخدموا خفية عن الحكومة الروسية المحتلة من قبل البولونيين). أذن فلاسيلاو الرابع خليفة سيغموند بميتروبوليت لكييف، فاختير بطرس موغيلا (+1647) وكان موجه مدرسة كييف اللاهوتية.
كان بطرس هذا معارضاً للكنيسة الكاثوليكية بشدة. ولكنه كان خريج مدارس لاتينية، وعنده احترام عميق للتعليم السكولاستيكي اللاتيني. فأدخل التأثير اللاتيني الى الكنيسة الارثوذكسية بشكل صيغ عقائدية وممارسات ليتورجية. ولعبت كتاباته دوراً في نشر هذا التأثير خصوصاً ترجمة التعليم المسيحي لليسوعي كانيزيوس وكتاب خدمة الكهنة. اقتبل تعاليم موغيلا مجمع اساقفة ارثوذكس في كييف(1640)، وفي جاسي من اعمال مولدافيا (1643) بالرغم من استخدام بطرس الاكبر القوة البوليسية العنيفة من اجل تغريب روسيا. فقد اجتاحت التأثيرات الغربية لمائتي سنة حتى تدخل في اللاهوت الروسي.
كيرلس لوكاريس
خدم كبطريرك للاسكندرية، وبطريرك للقسطنطينية سبع مرات تحت الحكم التركي، قبل ان يغرقه الانراك في البوسفور. ادان اعترافه الايماني، مجمعا كببف وجاسي اللذان قبلا “ارثوذكسية” كتب وتعليم بطرس موغيلا.
وفي العام1662 اجتمع البطاركة الارثوذكسيون الشرقيون في اورشليم ونشروا “اعتراف ايمان البطاركة الشرقيين”.
الشرق الارثوذكسي
قضى الغزو والاحتلال التركي في القرن السابغ غشر على استقلال كنيستي صربيا وبلغاريا الارثوذكسيتين، واخضعاهما للكنيسة القسطنطينية، مؤسسين بذلك الحكم الفناري (نسبة الى منطقة الفنار مركز البطريركية المسكونية في القسطنطينية) اليوناني على رعايا الامبراطورية العثمانية من الارثوذكس غير اليونان.
طبع القديس ديمتري روستوف (+1709) في روسيا، كتاباته الروحية التي تتضمن 12 مجلداً من سير القديسين. عاش في تلك الفترة القديس ايوب (+1651) الذي كان راهباً في دير بوشييف الروسي.
بدأت أمم الغرب تتعافى من غليان حركة الاصلاح البروتستانتي والحركة البابوية اليسوعية المضادة له. اما المنشقون من انكلترا ( البوريثان، المعمدانيين، الكونغراشن، الكويكرز) الذين كانوا اعضاء مجمع الاصدقاء الذي اسسه جورج فوكس (+1691) فقد استوطنوا اميركا. طبعت في انكلترا في العام 1611 طبعة الملك جيمس الشهيرة للكتاب المقدس. اسس فنسان ده بول (+1660) نظامه الرهباني المكرس لأعمال المحبة وخدمة المرضى والفقراء.
القرن الثامن عشر
خلال 73 سنة من هذا القرن تعاقب 48 بطريركاً على السدة القسطنطينية، منهم من تبؤاها خمس مرات (فقد كانت السلطات العثمانية تبيع الكرسي البطريركي لمن يدفع أكثر). يكفي هذا الأمر وحده للدلالة على الاوضاع المظلمة التي كان يحياها المسيحيون في ظل الحكم التركي الجائر.
بعض العرب هاجر الى النمسا وهنغاريا حيث اسسوا ابرشيات لهم. أما من بقي تحت النير التركي فقد قضى أحلك زمان لقومه.
ومع هذا الوضع السيء ظهرت ثلاثة كواكب منيرة في هذا القرن هم
القديس كوزما الايتولي
دُعيَ القديس كوزما الايتولي(+1779) “أب الامة اليونانية”، وأعظم مبشر يوناني في العصر الحديث، كان راهباً في جبل آثوس، أُطلق من الجبل لكي ينشر التعليم المسيحي بين اليونانيين الخاضعين للحكم التركي، لم يترك كتابات، لكنه كان مبشراً جوالاً متميزاً، وكانت كلماته محفوظة شعبياً، عمل عجائب ومات شهيداً.
القديس مكاريوس الكورنثي
قضى قديسنا زمناً في جبل آثوس حيث حفظ بصرامة الممارسات الليتورجية الارثوذكسية. عمل مبشراً ثم انتخب اسقفاً لمدينة كورنثوس. اكثر ما اشتهر به اصراره على ضرورة التقدم من المناولة المقدسة بانتظام وتواتر.
له كتابات روحية كثيرة، الكثير منها يعالج حاجة المؤمنين للاشتراك في الأسرار الإلهية.
القديس نيقوديموس الآثوسي
كان لهذا القديس نفس روح القديسين كوزما ومكاريوس. كان بدوره ايضاً راهباً في الجبل المقدس حيث لعب الدور الاعظم في إعادة إحياء الروحانية الارثوذكسية.
ذاعت شهرته بسبب كتاباته الروحية التي تضمنت كتابات القديس مكاريوس الكورنثي. عمله الأكثر أهمية كان الفيلوكاليا وهي مجموعة كتابات روحية ونسكية لآباء الكنيسة الشرقية.
روسيا وحكم المجمع الروسي المقدس
كان القرن الثامن عشر فترة سوداء وصعبة للكنيسة الارثوذكسية الروسية. فقد حكم القيصر بطرس الأكبر حتى العام 1725، آخذاً لقب امبراطور. وقد طغى على الكنيسة بقوة شديدة، وأخضعها بالكلية لرغباته وآرائه الشخصية (وكان متأثراً بالروح الغربية، وخاصة البروتستانتية). وعندما مات البطريرك أدريان عام 1700 عين بطرس المطران الطموح ستيفان يافورسكي مطران نوفغورد (+1772) ليملأ الكرسي البطريركي الشاغر، واعداً اياه بالتنصيب. وفي العام 1721 أسس بطرس النظام المجمعي الكنسي ( الذي بموجبه يحكم الكنيسة الروسية مجمعاً بدلاً من البطريرك).
يضم المجمع المقدس بحسب هذا النظام اساقفة وكهنة وعلمانيين يعينهم القيصر ويخضعون له، وبحكم الرأس العلماني للمجمع تدعى الحكومة رسميا.
جعل المجمع المقدس على مثال النظام الاداري للكنيسة البروتستانتية في الغرب، تلك التي أعجب بها بطرس الاكبر.
دام هذا النظام المجمعي حتى العام 1918، عندما اعيد انتخاب البطريرك الروسي، وأُلغي المنهج غير الارثوذكسي للادارة الكنسية ( كان هذا قبل الثورة الشيوعية بعدة أشهر).
الرئيس الاول للمجمع كان الاوكراني المتليتن (المتأثر باللاتين) استيفان بافروسكي الذي عيَّنه القيصر بطرس. اما مهندس هذا النظام فقد كان ثيوفان بركو بوفيتش وهو رجل بروتستانتي منحرف من الجنوب الغربي للبلاد.
كانت قيادة الكنيسة الروسية تحت القيصر، وقيادات الكنائس الارثوذكسية الاربعة القسطنطينية، الاسكندرية، انطاكية، اورشليم تحت الحكم العثماني الجائر مما أثر سلباًعلى لاهوت الكنيسة الارثوذكسية وجعلها عرضة للتأثيرات اللاتينية والبروتستانتية. وجعل التقليد الارثوذكسي يضعف ويُفقد في بعض الاماكن.
روسيا زمن بطرسبرج الامبراطوري
كان زمن بطرسبرج الامبراطوري في روسيا ، والذي دام حتى بداية القرن العشرين زمن التجديد الروحي في الكنيسة. لقد اُعيد اكتشاف المنابع الروحية التقليدية للارثوذكسية داخل المجتمعات الرهبانية، باييسي فيلكوفيسكي (+1794)، وهو راهب من مولدافيا، سافر الى جبل آثوس، وعاد بكنز الفيلو كاليا، وترجمه الى السلافونية. من بدايته، سمى التقليد الروسي الآباء الروحيين ب ستارتس اما الدير الأكثر شهرة في تلك الفترة فكان دير اويتينا.
القديس الأكثر شهرة في روسيا القرن 18 هو القديس تيخون الزادونسكي (+1783). كان مطران ابرشية فورنزة، ترك عمله الاسقفي لكي يحيا حياة رهبانية. وتعمَّق في الكتاب المقدس وآباء الكنيسة وخصوصا يوحنا الذهبي الفم. كما اطلع على كتابات روحانيين غربيين. وكتب عدة كتب، منها في المسيحية الصحيحة، وكان عنده توافق عظيمبين الاتجاهين الروحي والرعائي.
اما المطران القائد لهذا القرن فكان افلاطون ميتروبوليت موسكو (+1812) كاتب الخلاصة اللاهوتية. وداعم الدراسات التاريخية، ومهندس الخطط لاعادة المؤمنين القدامى للاتحاد مع الكنيسة الأم.
بعثة آلاسكا
بدأت في القرن 18 البعثات التبشيرية الروسية بالتحرك عبر سيبيريا. ففي العام 1794 وصل رهبان من دير فالامو (فنلندا الروسية) الى كودياك (من اعمال آلاسكا) بينما وصل القديس هرمان الى شواطىء اميركا الشمالية. وهو اول قديس تطوبه الكنيسة الارثوذكسية الاميركية.
الغرب
شهد القرن 18 في الغرب نشاطاً تبشيرياً واسعاً وقوياً فقد انطلق جون وتشارلز ويسلس (+1791 و1788) بالحركة المثودستية في انكلترا وأثمرت ماسمي “الاستيقاظ العظيم”. وكان هذا الاستيقاظ حركة انبعاث مكرسة لكسر الفروقات بين الكنائس البروتستانتية المختلفة. دعت كل المؤمنين البروتستانت الى الوحدة على اساس الايمان بيسوع المخلص الوحيد. وكان قائد هذه الحركة في اميركا جوناثان ادوار(+1758) وجورج وايت ميلد(+1770).
في ذلك الوقت انتشرت ظاهرة الربوبية بشكل شعبي في اوربه واميركا. وكانت الربوبية وليد عصر التنوير والرومانسية. وقد أكدت على وجود الكائن الأعلى (السوبر) المنفصل عن العالم، الغيركاشف نفسه، الغير الموجود في جهود الانسان.
دافيد هيوم(+1776) في انكلترا، وعمانوئيل كانت (+1804) في المانيا،طورا قلسفة أقصت الله والحرية والخلود من حقل العقل الانساني، وبهذا تحولت المسيحية الى دين ايمان شخصي فردي ودعوة تقوية وعمل اخلاقي.
لعبت الفلسفة التنويرية دور السابق المباشر للاهوت القرن التاسع عشر البروتستانتي الليبرالي، ويعتبر فريدريك شليرماشر(+1834) بحق”أب” هذا اللاهوت. وقد وجه تعليمه الى “المثقفين اللامؤمنين” يدعوهم فيه الى دين “الشعور” الذي كان دين يسوع أعظم تعبير له.
كانت الموسيقى إنجاز المسيحية الغربية الأكثر إلهاماً وروحانية.
ظهرت في هذا القرن موسيقى ج.س. باخ(+1750) وج.ف.هاندل (+1759) و و.ف. موزارت(+1791) و ل.فون. بيتهوفن (+1827).
عرفت الكنيسة الغربية في آن واحد امتدادا تبشيريا واسعاً، وصراعاً عظيماً مع روح التوير التي قادت الى الثورة ضد الكنيسة والدولة في اوربة واميركا.
في العام 1773 حل البابا النظام اليسوعي والرهبنة اليسوعية التي كان توصيفها انها جنود البابوية وذلك تحت ضغط علماني. والكثير من اليسوعيين وجد ملجأ في روسيا عند الامبراطورة كاترين الثانية التي كانت من انصار روح التنوير الفرنسية. ويذكر ان نصف الأديرة الروسية أُغلقت في ايامها. كما صادرت الأملاك الديرية، وبالتالي نقص عدد الدعوات الرهبانية في الكنيسة.
القرن التاسع عشر
روسيا تتجدد روحياً
أزهرت بذور التجديد الروحي التي زُرعت في السابق في روسيا، فتابعت الكنيسة عيشها تحت سيطرة الدولة. وأظهرت حياة الايمان اشراقاً وازدهاراً عبر حياة القديسين الروس والبعثات التبشيرية واللاهوتيين والكتّابْ الذين ظهروا في هذه الفترة، رغم ان الكنيسة كانت خاضعة بشدة لحكم ورقابة الدولة، ورغم عدم وجود بطريرك أو مجمع كنسي من اي نوع كان طوال هذا القرن.
يُعتبر القديس سيرافيم ساروف (+1833) القديس الأعظم في القرن 19، وقد دعي بالقديس الأعظم في تاريخ الكنيسة الروسية. كان القديس راهباً قضى 20 سنة
في حياة التوحد غارقاً في صوم وصلاة وتمارين روحية كثيفة ومستمرة. واخيراً في العام 1825 فتح باب منسكه، ليستقبل المؤمنين بتحية الفصح المشعة بالفرح “يافرحي، المسيح قام”. واهم ما جاء في تعاليمه أن غاية المسيحي هي اقتناء الروح القدس. وقد أُعلنتْ قداسته رسمياً في العام 1903.
أدى شيوخ دير أوبتينا الكبار دوراً رائداً في النهضة الروحية الروسية. ونعدد منهم ليونيد(+1841)، مكاريوس(+1841)،إمبروسيوس (+1891). ويعتبر الشيخ مكاريوس مع القديس تيخون الزادونسكي المُلهمين الكبيرين لأعظم كاتب مسيحي في ذلك الزمان، اعني فيودور دوستويفسكي(+1861).
من ضمن حركة التجديد الروحي هذه ظهرمعلمو الحياة النسكية وممارسة صلاة يسوع، ومنهمالاسقف الراهب أغناطيوس بريانتشانينوف (+1867) وثيوفان غوفوروف، والقديس ثيوفان الناسك (+1894) الذي كتب مجلدات روحية كثيرة وترجم الفيلوكاليا الى الروسية، كما ظهر في ذاك الوقت كتاب” سائح روسي على دروب الرب” ويعتبر الكتاب الشعبي الأهم حول صلاة يسوع، وقد انتشر كثيراً بين افراد الشعب وترجم للعربية وطبعته منشورات النور عدة طبعات وبالحقيقة هو كتاب روحي ممتع جداً.
ظهر في النصف الثاني من القرن 19 القديس الاب يوحنا كونشتادت (+1908) وكان كاهنا لرعية كونشتادت، وحصل بمواهبه الرعائية على لقب ” راعي كل روسيا”.فقد رعى بايمانه العظيم وصلى واحتفل بالأسرار الالهية وعلم وشفى ويعتبر المسؤول الأول عن إحياء الافخارستيا وسط الروس آنذاك.
كما شدد على اهمية المشاركة في الأسرار الالهية، ومن اجل مساعدة الشعب على الاستعداد لجأ قديسنا الى ممارسة الاعتراف الجماعي المشترك. وكان حسناً للفقراء وطبيباً للمرضى. وقد جُمعت نصائحه في كتاب شهير بعنوان” حياتي مع المسيح”
من ابرز اللاهوتيين الذين انجبهم القرن 19 متروبوليت موسكو فيلاريت (+1867) والعلماني الكسي خومياكوف (+1860) اللذان طُبعت كتاباتهما الشهيرة مثل كتاب “الكنيسة واحدة”. خارج روسيا بسبب الرقابة الشيوعية الصارمة. ويعتبر خومياكوف أحد أكثر اللاهوتيين الجدد أصالة وإبداعاً، ومن الأوائل الذين اكتشفوا المناهج التقليدية الآبائية في اللاهوت الأرثوذكسي والحياة الروحية. فقد شجع المفكرين الارثوذكس على كسر ما أسماه “الأسر الغربي” للاهوت السكولاستيكي، كما شجع على لقاء العالم الفكري والروحي الغربي وعلى معرفة وخبرة أصيلتين للتقليد الأرثوذكسي.
الى جانب خومياكوف والكاتب دوستويفسكي لابد من ذكر مفكرين آخرين مهمين مثل بي كريفسكي (+1856)، ف.سولوفييف(+1900)، ن.فدبيرف(+1905)، والأخوين س.تربتسكوي (+1905)، ي.تروبتسكوي(+1920)، وايضاً ليو تولستوي (+1913) الروائي الأعظم الذي أعاد كتابة الأناجيل، مخترعاً دينه الخاص. وقد قطعته الكنيسة الارثوذكسية من شركتها.
روسيا، العمل التبشيري
عرف القرن 19 نشاطاً تبشيرياً قوياً ف الشرق كما في الغرب، فقد كرس الكاهن مكاريوس غلوخاريف(+1847) حياته لتبشير القبائل السيبيرية. وترجم البروفسور العلماني نيقولا ايليمنسكي (+1891) الكتاب المقدس وكتب الكنيسة حول الايمان الارثوذكسي الى لغات هذه القبائل. اما في مدينة قازان فقد تأسست أكاديمية لاهوتية صارت مركز النشاط التبشيريللكنيسة الارثوذكسية الروسية.
الأسقف نيقولا كاساتكين (+1912) هدى في طوكيو آلافاًمن اليابانيين الى الايمان الارثوذكسي، وترك عند وقاته كنيسة محلية مستقلة مع كتب مقدسة وليتورجية باللغة المحلية، وعدداً من الكهنة اليابانيين، وأعلنت قداسته رسمياً في العام 1997.
اما القديس هرمان آلاسكا (1827) الذي أُعلنت قداسته في 1970 ايضاً، فقد بذل نشاطاً وقداسة خارقة. ومحبة مضحية وعناية فائقةلخدمة شعب آلاسكا. كما ان اسم الأب يوحنا فينيامينوف(+1879) يلمع في سماء النشاط التبشيري الروسي.
فقد سافر الأب يوحنا عبر سيبيريا في بدء القرن 19 مع زوجته واولاده، وترجم الكتاب المقدس والخدم الكنسية الى اللغة الأليوشية وكتب بها كتاباً مختصراً اشتهر باسم ” الطريق الى ملكوت السماوات”، كما اوجد الأفباء الأليوشية مشتقاً اياها من السلافونية.
كان الاب يوحنا مدبراً وتقياً وعالماً عظيماً، كما كان معلماً وراعياً ولغوياً. صار في العام 1829 اسقفاً على كامشتاكا والجزر الأليوشية. وانتخب في العام 1868 ميتروبوليتاً على موسكو باسم اينوست.
أُعلنت قداسته”منور الشعب الأليوشي ورسول اميركا” في العام 1987.
في اميركا
شهد القرن 19 نمو الكنيسة الأرثوذكسية في أميركا، فالكثير من المهاجرين الذين أتوا الى العالم الجديد آنذاك في النصف الثاني من القرن 19 ومن مناطق ارثوذكسية مختلفة، فقد بنيت وكرست الكنيسة الارثوذكسية الاولى في فورت روس بكاليفورنيا في العام 1812.
وفي العام 1870 عُيِّنَ الأسقف الأول، وكان اسقف آلاسكا والجزر الأليوشية. اما في العام 1872 فقد انتقل مركز البعثة التبشيرية الأرثوذكسية الذي لم يكن رسمياً بعد ، من سيتكا الى سان فرنسيسكو، حيث تأسس كمركز رسمي على يد الأسقف نسطور في العام 1878. وفي العام 1898 تعين رئيس الأساقفة تيخون بيلافييه والذي صار لاحقاً البطريرك الأول في الكنيسة الروسية عام 1917 ابان قيام الحكم الشيوعي ومنذ بطرس الأكبر الذي اوقف منصب البطريرك في الكنيسة الروسية كما مر.
تعين كأسقف اول لأميركا ودعا الى كنيسة اميركية محلية ذات ادارة ذاتية والى استخدام اللغة الانكليزية في الصلوات والى اعتماد التقويم المدني المحلي في الاستعمال الكنسي.
تأسست الرعية اليونانية الأولى في الولايات المتحدة في نيواورليانز، لويزيانا في العام 1867، وقد قدم القيصر الروسي اللوازم الكنسية لها،” علامة البهجة الإمبراطورية لبدء كنائس ناطقة باليونانية في المقاطعات الروحية للمجمع المقدس للكنيسة الارثوذكسية الروسية”.
الشرق
شهد القرن 19 استقلال العديد من الأ راضي الأرثوذكسية عن الاحتلال التركي، كانت بداية الاستقلال اليوناني في العام 1821 سبباًلأن تشنق السلطات العثمانية بطريرك القسطنطينية غريغوريوس مع خمسة مطارنة على بوابة الفنار (مقر البطريركية القسطنطينية) صبيحة احد الفصح، بعد استقلال اليونان حصلت الكنيسة اليونانية على الاستقلال ايضاً، وثبتت القسطنطينية هذا الاستقلال في العام 1850 وتأسس المعهد اللاهوتي في جزيرة خالكي في العام 1844.
خمس ابرشيات صربية ارثوذكسية وابرشيتان رومانيتان ارثوذكسيتان كانتا خارج حدود الامبراطورية العثمانية فقد حصل الشعب البلغاري من الاتراك على الاذن بادارة كنيستهم، وصار اكسرخوس البلغار يدير شؤون الكنيسة البلغارية المؤلفة من بلغار وارثوذكس آخرين اساقفة يونان تعينهم بطريركية القسطنطينية وادان بطاركة القسطنطينية والاسكندرية وانطاكية (ممثلة هذه بالبطريرك اليوناني ايروثيوس بالرغم من احتجاج المطارنة الانطاكيين الوطنيين عليه لأنه تكلم بواقع انتمائه اليوناني وكانت بوادر التحرر قد بدأت في الكرسي الأنطاكي) في العام 1872 بالمجمع الارثوذكسي في القسطنطينية الذي شجب البلغار وقطع الاكسرخوس البلغاري وادان اي عمل يهدف لتأسيس كنائس مستقلة ادارياً على اساس القومية وسموا هذا لعمل ” هرطقة العرقية” وماسمي ” الانشقاق البلفاري”، وجد له حلاً عندما تأسست البطريركية البلغارية.
شهد النصف الثاني من القرن 19 حياة القديس نكتاريوس العجائبي (+1920) وكان رئيس اساقفة على المدن الخمس في مصر وعُرف بتبشيره وطريقة حياته كالانجيليين ايضا بتواضعه وبساطته وفقره ومحبته للاخوة.
الغرب
تميز الغرب البروتستانتي بالانتشار التبشيري وظهور اللاهوت المتحرر، وكان القرن 19 زمن السؤال عن يسوع التاريخي عبر وسائل النقد التاريخي والكتابي، كما جعل اللاهوتيون الأولوية في الدين للسلوك الأخلاقي أو المشاعر في الدين. كما قام صدام بين الليبراليين والأصوليين، شدد الأصوليون وبخاصة في اميركا على استعمال الكتاب المقدس كأساس للعلم وقاموا بتفسيره حرفياً بطريقة تتلاءم مع اهداف ونوايا الكتاب المقدس ونواياه كما فُهمتْ وفُسرتْ في تقليد الكنيسة، لهذا فإن الخيار المهيمن في العالم البروتستانتي الغربي في القرن 19 كان بين الليبرالية العقلانية أو الاصولية المتعصبة (الطائقية).
اما في الكنيسة الكاثوليكية في نهاية القرن 19، فقد دانت السلطات الكنسية حركة الليبرالية الكاثوليكية مسمية اياها ” العصرانية” وهي حركة سعت الى تأويل تعاليم الكنيسة على ضوء المفاهيم الفلسفية والعلمية السائدة في اواخر القرن 19 واوائل القرن 20) وذلك تحديداً في العام 1907.
وكانت جذور هذه الحركة قائمة على حركات القرن 19 النقدية والعقلانية بتأكيدها على النقد الكتابي وتاريخ الاديان كمفاتيح مناسبة لفهم المسيحية.
في العام 1845 اذاع البابا بيوس السادس رسمياً عقيدة “الحبل بلا دنس” التي تخص العذراء مريم. ففي العام 1870 اعاد المجمع الفاتيكاني الأول تأكيد عقائد مجمع ترانت، وحدد عقيدة “العصمة البابوية” للمرة الاولى في تاريخ الكنيسة.
تقول عقيدة عصمة البابا بأنه معصوم عن الخطأ عندما يتكلم ( ايكسا كاتدرا) من كرسي القديس بطرس في امور الايمان والعقيدة. وان تعليمه يُلزم كل الكاثوليك، لأنه يُعتبر معصوماً عن الخطأ.
من بين القديسين الغربيين برز القديس يوحنا قياني خوري آرس (+1859) والقديسة تريزا ليزيو (+1897).
الشرق والغرب
اصدر البطاركة الشرقيون الأرثوذكس رسالتهم الشهيرة في العام 1848 وكانت رداً على البابا بيوس السادس، وقد اوضحت ميزة العقيدة الأرثوذكسية ووقعها البطاركة الارثوذكس مع 29 اسقفاً.
القرن العشرون
الأبرشية الأميركية
صار الأسقف تيخون بالافين رأساً لأبرشية الجزر الاليوشية وأميركا الشمالية. وفي العام 1905 رفع المجمع المقدس للكنيسة الروسية الأبرشية الى رتبة رئاسة اساقفة ARCHDIOCESE وصار المطران تيخون رئيس اساقفة. وفي العام ذاته انتقل مركز الأبرشية من مدينة سان فرنسيسكو الى مدينة نيويورك حيث بُنيت كاتدرائية القديس نيقولاوس الأنطاكية وضمت الرعية الارثوذكسية الانطاكية ( السورية واللبنانية) وكانت برعاية الارشمندريت روفائيل هواويني الدمشقي راعي” الارسالية السورية الارثوذكسية” في اميركا الشمالية.
وفي الوقت نفسه تأسست المدرسة اللاهوتية (سيمينار) الكنسية الاولى في مدينة مينيابوليس، وانعقد مجمع الابرشية الأول SOBOR في العام 1907 في ميفيلد من اعمال بنسلفانيا قرب دير القديس تيخون في ساوث كنعان حيث أسس رئيس الأساقفة أيضاً مدرسة رعائية لتدريب الكهنة.
رئيس الاساقفة تيخون
بقي رئيساً للأساقفة على الابرشية حتى العام 1908، وضمت الابرشية في ايامه كل المسيحيين الارثوذكس الذين يعيشون في العالم الجديد، من اي قومية كانوا. وعاد الى الارثوذكسية كثير من السلاف المتكثلكين الذين اتوا الى اميركا من اماكن مختلفة من اوربة الشرقية حيث كان الاتحاد مع روما مفروضاً بالقوة (اتحاد برست). وقد ادى الاب الكسي توث (+1909) دوراً رئيساً في هذه العودة، عندما انضم مع رعيته في مينيابوليس الى الكنيسة الارثوذكسية في العام 1891.
طرح رئيس الاساقفة تيخون رؤى مهمة حول وضع الكنيسة الارثوذكسية في اميركا. فقد كتب في العامين ((1905 و1906) الى مجمع الكنيسة الروسية يقول :”إن الأبرشية الأميركية يجب ان تكون ذات ادارة ذاتية AUTONOMOUS وتضم جميع المسيحيين الأرثوذكسيين من مختلف الأصول القومية، وعليها ان تستخدم اللغة الانكليزية والتقويم الأميركي ( الغربي الغريغوري) في خدماتها ونشاطاتها.
هذا وقد تُرجمت الخدم الليتورجية الرئيسة الى اللغة الانكليزية في ذلك الوقت.
كانت قناعة تيخون واضحة حول وجود كنيسة أرثوذكسية أميركية مؤلفة من جماعات أرثوذكسية أميركية مؤلفة من جماعات أرثوذكسية من قوميات واثنيات مختلفة. وضع لرؤيته مخططاً كي تتطور وفقه الى الوضع المنشود. وجعل في مخططه رئاسات كنسية (مطارنة) من مختلف الاصول القومية التي تتكون منها هذه الكنيسة. واستجابة لطلبه ر ُسمَ الارشمندريت روفائيل هواويني الدمشقي السوري مطراناً على مدينة بروكلن ليرعى المؤمنين السوريين واللبنانيين في اميركا. وهذا صيرته الكنيسة الروسية في موسكو قديساً ارثوذكسياً.
وخطط تيخون لرسامة مطران صربي أيضاً. كانت هذه الرؤية تهدف الى الحفاظ على الوضع الخاص للمهاجرين المتعددي الأصول وتأمين خدمتهم الروحية في الوقت ذاته.
هذا وقد اندمجت الكنيسة اليونانية الارثوذكسية التي لم يكن عليها مطران يوناني والموجودة في ولاية نيويورك مع الكنيسة الارثوذكسية الأميركية برئاسة رئيس الأساقفة تيخون.
الأعوام 1908-1917
استمر المطران تيخون في خدمة الابرشية الأميركية حتى العام 1914 حينما عاد الى روسيا ليخدم كعضو في المجمع المقدس الروسي تحت سلطة الحكومة المؤقتة. في ذلك الحين تولى رئيس الاساقفة افلاطون (بلاطون)روزديتفنسكي رئاسة الابرشية. كان المطران افلاطون معتمداً سابقاً للكنيسة الجيورجية في الامبراطورية الروسية. وسمّيَّ السمنار الكنسي سمنار القديس افلاطون. وفي العام 1912 انتقل مركزه من مينيابوليس الى تينافلي من اعمال نيوجرسي.
صار الأب ليونيد توكيفيتس المتروبوليت ليونيد لاحقاً، احد الاساتذة الاولين في السمنار في ذلك الوقت ، رئيساً لكاتدرائية القديس نيقولاوس في نيويورك. وقد كتب مقالات عديدة خلال تلك الفترة عن مصير الأبرشية البشارية الأميركية لكي تصير كنيسة ارثوذكسية ذات ادارة ذاتية، وقد مثل برفقة الأب أزكوكولتسكي الابرشية الأميركية في مجمع الكنيسة الروسية المنعقد في العامين 1907-1908.
كنيسة روسيا
شهدت الفترة الممتدة من العام 1900 وحتى العام1917 نهضة دينية واصلاحاً كنسياً في روسيا. وفيما كان المثقفون الملحدون من امثال ب.ب.ستروف (+1944)، وس.ن.بولغاكوف(+1944)، ون.أ.بردياييف (+1948)، وس. ل. فرانك (+1950)، وج.ب.فيدوتوف (+1951) وآخرون يهتدون من الماركسية الى الواقعية ويدخلون الكنيسة الارثوذكسية.
كان المطارنة وقادة الكنيسة الروسية يُخضعون البنى الكنسية لمراجعة نقدية، وفي العام 1905أذاع ك.ب.بوبدونوستيف أمين المجمع المقدس، والذي حكم الكنيسة فعلياً لمدة ربع قرن ، تصريحاً للأمبراطور مفاده ان مجمعاً للكنيسة الروسية سوف ينعقد أخيراً وبعد زمان طويل، وأن خططاً يجب ان توضع من اجل انجاح هذه المهمة العظيمة.
لقد استجابت السلطة المدنية أخيراً لمطالب الكنيسة الروسية حتى تتحرر من تدخل السلطات الحكومية من اجل بناء حياتها وعملها ورعيتها.
مجمع 1917-1918
بُذلت جهود جبارة في الأعمال التحضيرية الكثيرة التي سبقت المجمع. وتواصلت مساهمات الاساقفة في استقبال النظريات والرؤى الواردة . ودارت مناقشات كثيرة وخُتمت ملفات ضخمة. وبعد سجال طويل تقرر أن ترسل كل ابرشية مندوبين كهنة وعلمانيين للاشتراك في جلسات المجمع ، بينما للأساقفة فقط ، بحسب الايمان الأرثوذكسي، حق تقرير في المقررات النهائية بما يختص بأمور العقيدة والممارسات. انعقد المجمع في العام 1917 فيما كانت روسيا تغلي من جراء اندلاع الثورة البلشفية. وكانت اغلب الجلسات تهدف الى استعادة البطريركية ومنصب البطريرك.
وفي صباح اليوم الأول من تشرين الأول 1917، وبعد صلاة وتأم، سحب أحد الشيوخ الرهبان، من وعاء وضع امام ايقونة والدة الاله سيدة قازان، اسم احد المرشحين الثلاثة للسدة البطريركية الروسية، وكان تيخون رئيس اساقفة أميركا سابقاً. وكان هو البطريرك الأول للكنيسة الأرثوذكسية الروسية منذ توقيف هذا المنصب بأمر بطرس الأكبر اي قبل قرنين ونيف.
البطريرك تيخون
جاهد البطريرك الجديد منذ بدء تسلمه السدة البطريركية من اجل حقوق الكنيسة الروسية في الوضع الجديد الذي اقام فصلاً قانونياً بين الكنيسة والدولة السوفياتية. واصدر في كانون الثاني من العام 1918 مرسوماً رسمياً يدين فيه ويقطع من الشركة الكنسية كل ” اعداء حقيقة المسيح المستترين والمكشوفي” وقد ثبت المجمع الذي كان مايزال منعقداً هذا المرسوم البطريركي الذي يشير مباشرة الى اعمال الحكومة البلشفية المحاربة للكنيسة الروسية.
أُلقي القبض على البطريرك تيخون ووضع في السجن بسبب رفضه تسليم الأدوات الكنسية المكرسة التي طالبت بها الحكومة خلال زمن المجاعة والحرب الأهلية بحجة اطعام الفقراء، بينما في الواقع ، قدم البطريرك كنوز الكنيسة غير المكرسة ووعد بتأمين المال المطلوب بواسطة جمعه من المؤمنين، واراد توزيعه على الفقراء مباشرة بواسطة الكنيسة.
حاول البطريرك تيخون وهو في خضم جهاداته ومحنه ان يتبع طريق الحياد السياسي، وان يدافع في ذات الوقت عن حقوق الكنيسة من دون مساومة. ارتقى شهيدا باعدامه بيد الحكومة الشيوعية في العام 1925 كمعترف من اجل الايمان واعتبره الكثيرون في عداد القديسين والشهداء واعلنت الكنيسة الروسية قداسته.
الكنيسة الحية
ناضل البطريرك تيخون ايضا ضد الكنيسة الحية وكانت تتألف من رجال الكنيسة الفوق ليبيراليين الذين ساندوا بحماسة النظام السوفياتي، وفيما اعتبرت الدولة الكنيسة الحية هي الكنيسة الرسمية الروسية واستعملتها ضد المؤمنين واتباع البطريرك تيخون.
غيَّرتْ هذه الجماعة تعاليم وممارسات كثيرة في الكنيسة الارثوذكسية. واعتبرها بعض الغربيين طليعة حركة اصلاح في روسيا. لكنها ماتت في اواخر العشرينات عندما لم تعد الدولة بحاجة اليها، ولم تَلقَ أتباعاً في اوساط الشعب. اما الكهنة الذين كانوا في عدادها فقد اعلنوا توبتهم وعادوا الى الكنيسة الارثوذكسية.
أوكرانيا
في العام 1921 تنادى كهنة اوكرانيون وعقدوا مجنعاً في كييف من اجل تشكيل كنيسة اوكرانية وأقاموا واحداً منهم واسمه باصيل ليبكيفسكي مطراناً، وهكذا بدأت مجموعة ” المكرسين ذاتياً” ودعيت “الكنيسة الارثوذكسية الأوكرانية المستقلة”.
الكنيسة في اميركا
أثَّرَتْ الثورة الشيوعية في روسيا بشكل سلبي على الكنيسة الارثوذكسية في اميركا واوقعتها في الفوضى والاضطرابات، وصارت بدون رئيس قعال منذ العام 1917. عاد رئيس الاساقفة افلاطون الى اميركا بعد لثورة، وكان يحمل بركة البطريرك تيخون لكي يرعى الكنيسة الأميركية، لكنه لم يكن يحمل اوراقاً رسمية تخوله ممارسة هذا الحق.
انعقد المجمع الثالث للأبرشية الأميركية في بترسبورغ ( اميركا)في العام 1922، ووافق على ترؤس رئيس الأساقفة افلاطون للأبرشية، وكان عليه ان ينتظر وصول رسالة رسمية من البطريرك تيخون من اجل التعيين الرسمي. لكن البطريرك تيخون كان وق وُضعَ في السجن من قبل النظام السوفيتي الذي بدأ يعتبر الكنيسة الحية هي الكنيسة الرسمية.
واتى في العام 1923 كاهن بدون ثوب اكليريكي اسمه يوحنا كيدروفيسكي الى اميركا كمطران ل”الكنيسة الحية”، وطالب – وحصل على طلبه بحكم القانون – بممتلكات الكنيسة الروسية بما فيها كاتدرائية القديس نيقولاوس في نيويورك. اما السمنار اللاهوتي في تينافيلي فأُغلق وبيعت ممتلكاته ومكتبته.
مجمع ديترويت
عقد مجمع الابرشية الرابع في ديترويت في العام 1924، وقرر ان تصير الأبرشية الأميركية متروبوليا ذات حكم ذاتي الى ان تعود العلاقات بينها وبين الكنيسة الام في روسيا الى طبيعتها مرة ثانية. جاء هذا القرار استناداً الى المرسوم رقم 362 تاريخ 20/10/ 1920 الذي اصدره البطريرك تيخون وجاء فيه ان كل الابرشيات التابعة للكنيسة الروسية تنفصل عن البطريركية وتدير شؤونها وترعى حياتها الكنسية تحت اشراف السلطات الدينية المحلية. وبناء لذلك ن ُصب رئيس الأساقفة أفلاطون ميتروبوليتاًوسميت الابرشية المتروبوليا الأميركية. واعتُبرتْ رسمياً كنيسة اميركا الأرثوذكسية الروسية اليونانية.
التشتت الأميركي
فتحت الفوضى التي عمت من جراء سنوات الثورة البلشفية المجال امام الجماعات الارثوذكسية غير الروسية في اميركالكي تُشكلْ كياناتها الكنسية الخاصة المستقلة، وهكذا، وللمرة الأولى في تاريخ الارثوذكسية ظهرت كنائس عديدة” ابرشيات” في المنطقة الواحدة. ففي العام 1922 سوّت بطريركية القسطنطينية مشاكلها مع كنيسة اليونان، وأنشأت رسمياً “الكنيسة الارثوذكسية اليونانية في اميركا”. وفي العام 1915 توفي الاسقف السوري روفائيل هواويني وتكرَّس الأسقف الجديد افتيموس عفيش كأسقف للأرثوذكس السوريين في اميركا خاضعاً للكنيسة الروسية المحلية، كما بدأت جماعات محلية أرثوذكسية من اصول قومية متعددة تشكل نفسها ضمن رعايا في العالم الجديد بدون وضوح وتوافق القيادة الاكليريكية.
الكنيسة في اليونان
شهد الربع الأول من القرن تدفق يونان كثر من تركيا الى اليونان بما دعي تبادل اليونانيين من ابرشية كيليكيا (الشهيدة التابعة للكرسي الانطاكي وفيهم السوريين الذين عادوا الى سورية ولبنان زمن الانتداب والاتفاقية هذه تمت برعاية الانتداب الفرنسي) وانتقل الاتراك من جهات اليونان الى تركيا. وخصوصا في زمن الحرب اليونانية التركية العام 1922، ففقدت البطريركية القسطنطينية عدداً ضخماً من رعاياه الذين هاجروا من آسية الصغرى الى اماكن اخرى، بما فيها العالم الجديد الاميركيتين واوستراليا ونيوزيلتده. واسس الأب يوسابيوس ماتوبولس أخوية زوبي في اليونان في العام 1911. وهي منظمة كرست ذاتها لتنوير المسيحيين اليونان. واسست مدارس عديدة وهيئات وقامت بأعمال كثيرة مفيدة. لكنها ادخلت مفاهيم وممارسات وتقويات بروتستانتية كثيرة الى الكنيسة.
الكنائس الأخرى
ولدت خمس ابرشيات صربية ارثوذكسية في العام 1920 بعد انهيار الأمبراطورية العثمانية وتشكيل الامم الأوربية الجديدة فتشكلت الكنيسة الارثوذكسية الصربية مع بطريرك بلغراد. وفي العام 1922 انفصلت هذه الكنيسة رسمياً عن الدولة.
تأسست الكنيسة الأرثوذكسية الرومانية مع بطريركها في بوخارست في العام 1925، وبقيت كنيسة رومانية القومية.
وكانت بطريركية انطاكية قد انتقلت من حوزة البطاركة اليونان (من 1724-1898) واعتلى السدة الانطاكية البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي بهمة شعبية دمشقية في معظمها وساندها كهنة دمشق ولحق بها داعما المجمع الانطاكي المقدس باستثناء المطارنة اليونان الثلاثة واستقال البطريرك اليوناني اسبريدون وليس صحيحا بالمطلق ان الذي حصل كان بدعم من الروس لأن الحالة الشعبية واستهتار البطاركة اليونان بالشعب وخاصة الدمشقي منه كان هو السبب المباشر الذي بدأ منذ اوائل عهد البطريرك اليوناني ايروثيوس عام 1850. واستمر مع ازمة اكسرخوس البلغار وتصاعدت بوفاة ايروثيوس ومجيء جراسيموس ثم استقالته والتحاقه بطريركاً على اورشليم 1891 ومحيء الأخير اسبيريدون بالسيمونيا وهو المتعجرف على الوطنيين، حتى ان مفتي دمشق نتيجة الحملة الشعبية الدمشقية عليه نصحه بالاستقالة على اثر زيارة اطلاعية الى الدار البطريركية حيث كان اسبيريدون قد سكر ابواب كنائس دمشق ووضع مقاتيحها بجيبه واقام في دير سيدة صيدنايا… اذن القصة وطنية بالمطلق وليست من الروس…
اما الكنيسة في الاسكندرية فتابعت يونانيا، وتابعت معها بطريركية اورشليم من خلال رهبنة القبر المقدس واستئثارها بالاوقاف الفلسطينية والموارد الغزيرة ، وقمع كل الاصوات الوطنية التي كانت قد بدأت مع اسقاط الرهبنة للبطريرك اليوناني المصلح كيرلس بتهمة الجنون كونه كان ميالا للوطنيين وايد حركة البلغار، مع ان مجمع الكهنة والعلمانيين العرب تشكل في العام 1911 ليشارك في ادارة الكنيسة.
حصلت الكنيسة الارثوذكسية في بولندا على استقلالها في العام 1924 ، وانشئت ابرشيتان ارثوذكسيتان في تشيكوسلوفاكيا في العام 1925. اما الكنيسة الارثوذكسية في فنلندا فصارت كنيسة ذات ادارة ذاتية تحت رعاية بطريركية القسطنطينية في العام 1923.
عيَّن البطريرك الروسي تيخون المتروبوليت إفلوغيوس غيورغييفسكي(+1946) لرعاية المعتمدية الروسية الارثوذكسية في غرب اوربة. بينما عينت بطريركية القسطنطينية معتمدية يونانية في لندن في العام 1922.
مجمع في المنفى
مباشرة بعد قيام الثورة الشيوعية في روسيا، اسست مجموعة من المهاجرين الروس (البيض) من كهنة ووجهاء علمانيين وبقية العائلة الأمبراطورية الروسية والضباط البيض، المجمع الارثوذكسي الروسي في المنفى، وسميت كنيستهم ” الكنيسة الأرثوذكسية الروسية خارج الحدود”. قاد هذه المجموعة المتروبوليت انتوني خرابوفيتسكي (+1936). واسست مركزها اخيرا في صربيا حيث حصلت على دعم ملك صربيا وبطريركها وعلى الحق بالعمل باستقلالية عن السلطات الكنسية المحلية. وبسبب وجودها في سرمسكي – خارلوفتسي.
ادان البطريرك تيخون هذه المجموعة رسميا وكذلك ادانها بطريرك القسطنطينية لأنها تضعف النظام الكنسي.
الحركة المسكونية
في الربع الأول من القرن تطورت الحركة المسكونية التي بدأت في القرن 19 بين البروتستانت والتي قامت اساساً من اجل التعاون بين المسيحيين. وتأسس المجلس البشاري العالمي في ادنبرغ في العام 1910. اذاع اساقفة بطريركية القسطنطينية رسالة بعنوان: “الى كل كنائس المسيح اينما وُجدتْ” دعوا فيها الى “علاقات أقرب وفهم متبادل بين الكنائس المسيحية المتعددة”.
الكنيسة في روسيا
دخلت الكنيسة بعد استشهاد البطريرك تيخون باعدامه في سجون النظام السوفييتي، في اكثر أزمانها ظلاماً. لقد بدأ عصر الاضطهاد. خدم المتروبوليت سيرجيوس ستراغورودسكي كقائم مقام البطريركية من العام 1927 الى 1943. وتميزت تلك الفترة بسياسة التطهير التي انتهجها ستالين، وقُتل ونُفي وسُجن ملايين من الناس من بينهم آلاف الاكليريكيين. وقد نصت قوانين ستالين رسميا في العام 1936 على “حرية الدين، وحرية الدعاية اللادينية”. بينما في الواقع أُغلقت مئات الكنائس والاديرة والمدارس. واجبرت الكنائس القليلة التي بقيت مفتوحة على حصر عملها على اقامة الصلوات فقط. كان اضطهاد الدولة للكنيسة الارثوذكسية الروسية شرساً وبلا هوادة.
حرية نسبية
حصلت الكنيسة الروسية على حرية نسبية خلال الحرب العالمية الثانية، فقد احتاجت الحكومة الى دعم الكنيسة في المجهود الحربي، وعلى حث الناس من اجل الدغاع عن ارض روسيا، فخفضت من حدة اضطهادها وتساهلت معها.
فأُعيد فتح الكثير من الكنائس والأديرة والمدارس. وفي العام 1943 انتخب مجمع كنسي رسمي سرجيوس بطريركا، وانتخب خلفاً له بعد موته في العام 1945 المتروبوليت الكسي سيمانسكي في مجمع كبير وبحضور حشد من ممثلي الكنائس الأجنبية.
شتات الهجرة الروسية
في العام 1926، التقى المتروبوليت افلاطون مطران المتروبوليا الاميركية بعدد من اعضاء المجمع الروسي في المنفى، لكي يناقشوا مشاكل المسيحيين الروس الارثوذكسيين في المهاجر. في ذلك الوقت كان كثيرون من المهاجرين الروس قد وصلوا الى اميركا. وانضموا الى المتروبوليا الاميركية، ونتيجة للظروف الصعبة التي كانوا يعيشونها، كانت المشاعر القومية الروسية في الأبرشية الاميركية في اوجها، وعندما حاول المجمع الروسي في المهجر ان يمد سلطته على المتروبوليا الاميركية، عارضه المطران افلاطون فعلق ” المجمع وضعه ووضع كنيسته. ومنذ ذلك الحين طورت المتروبوليا وضعها، واعتبرت نفسها الكنيسة الارثوذكسية الروسية الوحيدة المستقيمة. وسارت خلف كنيسة البطريرك تيخون. في ذلك الوقت التقى ايضاً مطارنة المجمع في المنفى بالمتروبوليت إفلوبيوس، وفعلوا معه الأمر ذاته، وعلقوا وضعه لأنه رفض اعتبار سلطتهم شاملة على الارثوذكس الروس خارج الحدود.
ضغط موسكو
مارست موسكو في اواخر الثلاثينيات الضغط على المتروبوليا الاميركية والأكسرخوسية في اوربة الغربية. واتى رئيس الأساقفة بنيامين فيدشنكوف الى اميركا من الاتحاد السوفييتي يطالب بتحالف الميتروبوليا مع بطريركية موسكو.
الحقيقة ان التماس تحالف مع الدولة السوفيتية اظهر ان الكنيسة الروسية ليسشت حرة، ولم تستطع المتروبوليا الاميركية الدخول في علاقات عادية مع البطريركية بأية طريقة، لهذا، قي العام 1934، صرحت الكنيسة الروسية رسمياً بأن المتروبوليا غير شرعية، وفتحت بالمقابل معتمدية بطريركية في اميركا. وفي العام ذاته مات المتروبوليت افلاطون، وانتخب رئيس الاساقفة ثيوفيلوس باشكوفسكي اولاً primate في المجمع الخامس الكنيسة الاميركية في بترسبورغ.
المصير الاميركي
لم تقم علاقات “أخلاقية” بين المتروبوليا الاميركية كما نص مجمعها السادس في نيوريورك العام 1937 مع المجمع الروسي في المنفى، فلقد انفرط عقد هذه العلاقة بسبب استمرار سياسة السيطرة على الكنيسة الاميركية.وشهدت تلك الفترة تأسيس معهد القديس فلاديمير اللاهوتي الأرثوذكسي في مدينة نيويورك. ومعهد القديس تيخون لإعداد الكهنة في دير القديس تيخون لاعداد الكهنة في دير القديس تيخون في ساوث كنعان ، بنسلفانيا. فتحت كلتا المدرستين ابوابها في العام 1928. وقرر المجمع السابع للمتروبوليا المنغقد في العام 1945، فتح باب العلاقات الروحية مع بطريركية موسكو، لكن هذا ايضاً لم يتحقق لأن موسكو بدأت تطالب المتروبوليا بالولاء للحكومة السوفيتية.
توفي المتروبوليت ثيوفيلوس في العام 1950 فانتخب المجمع الثامن المنعقد في نيويورك رئيس الاساقفة ليونتيونس توركفيتش خلفا للمتروبوليت الراحل. في ذلك الوقت كان المجنع الروسي في المنفى قد اسس مركزه في اميركا. كانت بطريركية موسكو تمارس اقصى ضغوطها لاعادة بسط سلطتها على الكنيسة الروسية الاميركية التي سمتها “غير شرعية”. لذلك وقبيل انتخابه متروبوليتا، القى رئيس الاساقفة ليونيد خطابا، اعاد التأكيد فيه على خصوصية المصير الأميركي للكنيسة التي كانت قد زرعتها الكنيسة الروسية في العالم الجديد منذ اكثر من مائة سنة، ومما قاله رئيس الاساقفة:” سوف نتابع خطنا، ونؤسس قواعد الحكم الذاتي والاداري للكنيسة الأرثوذكسية في اميركا.
اوربة الغربية
في تلك الفترة طالبت بطريركية موسكو الكنيسة الروسية في اوربة الغربية بالولاء للحكم السوفيتي ، رقض المتروبوليت إفلوييوس الامتثال للطلب، واتصل بالقسطنطينية، لهذا اصبحتالكنيسة الروسية في اوربة الغربية اكسرخوسية (معتمدية). واسس عددٌ من رجال الكنيسة واللاهوتيين المشهورين، بالتعاون مع المتروبوليت إفلوييوس، في العام 1925، المعهد اللاهوتي الارثوذكسي في باريس، وسموه معهد القديس سرجيوس، صار هذا المعهد مركزاً للتعليم الأرثوذكسي في الغرب. حيث اجتمع رجال من امثال الأب س. بولغا (+1944)، والأب ز. زينوفسكس (+1962)، والاسقف كاسيان بيزوبرانوف (+1965) والارشمندريت كبريان كير (+1960)، والاب ن. افاناثييف (+1966)، والاب ج. فلورفسكي، الذي صار فيما بعد عميداً لمعهد القديس فلاديميير في نيويورك وعلم في معهد الصليب المقدس في بروكلن، والبروفيسور أ. كاتاشيف (+1960) الذي كان الوكيل الأخير للمجمع المقدس للكنيسة الروسية في العامين 1917-1918.
تجب الاشارة ايضاً الى الأب الراعي أ.إلشنينوف (+1934) والاب س. تشيكفيريكوفكوف (+1947) اللذين عملوا سوية مع العديد من اساتذة معهد القديس سرجيوس وجنباً الى جنب في حركة الطلاب المسيحيين الروس، الذين قاموا بعمل عظيم وسط المهاجرين الروس في تلك الفترة.
الكيانات الكنسية الاميركية
كان الربع الثاني من القرن 20 زمن ازدياد الكيانات الكنسية الارثوذكسية في اميركا. فقد انتهى الصراع الذي كان قائماً بين الكنيسة اليونانية في اميركا والبطريركية المسكونية. وأنشئت الأبرشية اليونانية الأميركية التي عرفت عن نفسها في قانونها الداخلي بأنها كنيسة يونانية للارثوذكس الناطقين باللغة اليونانية تحت السلطة الشرعية لبطريركية القسطنطينية. واتى في العام 1937، رئيس الأساقفة أثينا غوراس سبيرو، الذي صار فيما بعد بطريركاً على القسطنطينية، من العالم القديم ليرأس الأبرشية الأميركية، وفي العام ذاته ، انتقل معهد الصليب اللاهوتي الأرثوذكسي الى بوم فريت، كونيكتكود،خدم اثينا غوراس في اميركا حتى العام 1949، حينما صار بطريركاً للقسطنطينية، وخلفه رئيس الأساقفة ميخائيل كونستانييدس.
في العام 1933 انقسمت الابرشية الانطاكية التي قادها الاسقف افتيموس عفيش الى قسمين، وصار المتروبوليت انطونيوس بشير مطراناً على المجموعة التي تضم العدد الأكبر ، بينما قاد المجموعة الصغرى الاسقف صموئيل داود. وتبع كلا القسمين البطريركية الأنطاكية بدمشق في عهد البطريرك الكسندروس طحان، وكان المتروبوليت بشير احد رؤساء الكنيسة البارزين في تاريخ الكنيسة الاميركية. رُسم كاهناً في العام 1922، وخدم مبشراً بين المسيحيين الارثوذكس السوريين لمدة 14 عاماً، بعدها صار متروبوليتاً للأبرشية الأرثوذكسية الأنطاكية، التي انفصلت رسمياً منذ العام 1925 عن البعثة الشارية الروسية، كان رائداً في تشجيع استعمال الانكليزية في الليتورجيا في الكنائس الانطاكية الارثوذكسية، وكان مدافعاً متفوهاً من اجل خلق كيان كنسي واحد لكل الارثوذكس في العالم الجديد ، كما انه احد مؤسسي المؤتمر الدائم للأساقفة الأرثوذكس القانونيين في اميركا، كما كان قائداً في النشاط الارثوذكسي المسكوني.
تأسست الأبرشية الرومانية في اميركا في العام 192 برئاسة الاسقف بوليكريس… لكن بعد العام 1935 لم يتوفر اسقف لتلك المجموعة، وعمت فيها فوضى عظيمة بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال تلك الفترة ترأس الأسقف فاليريان تريفا مجموعة من الرومان واعتبرت رسامته غير قانونية، بينما شكل فريق آخر من الرومان كنيسة تحت سلطة بوخارست القاونية.
في الفترة ذاتها تشكلت ابرشية صربية في اميركا برئاسة الأسقف ديونيسيوس تحت سلطة بطريركية بلغراد. كما تأسست ابرشية بلغارية في علاقة مع الكنيسة البلغارية الوطنية في بلغاريا التي تأسست رسمياً في العام 1945.
تأسست أيضاً ابرشية ارثوذكسية البانية برئاسة الأسقف فان تولي الذي رسمه اساقفة المتروبوليا الروسية- الاميركية، بينما تبع قسم آخر من الألبان بطريركية القسطنطينية، ودخلت في تلك الفترة الكنيسة الالبانية في الوطن الأم ( البانيا) في فترة الاضطهاد العنيف، وكانت قد حصلت على استقلالها الذاتي في العام 1937.
في العام 1939 رسمت بطريركية القسطنطينية الأسقف أورستوس كرونوك رئيساً على الأبرشية الروسية الكارباتية الأميركية، المؤلفة من كهنة وشعب من الروم الكاثوليك ( اونيات) الذين تحولوا مجدداً الى الارثوذكسية، واسست بطريركية القسطنطينية أيضاً كنيسة ارثوذكسية اوكرانية برئاسة الاسقف بودهان شبيلك بينما وجدت مجموعة اوكرانية اخرى كياناً لها برئاسة رئيس الأساقفة بلاديوس، ودعيت كنيسة بولندا، اما الكنيسة الاوكرانية ( الذاتية الادارة) فقد أسست كياناً قانونياً في العالم الجديد، ترأسها المتروبوليت يوحنا ثيودوروفيتش في الولايات المتحدة. وقام جدال حولها في تلك الفترة، من اجل تنظيم وضعها، واستمر عدم الاعتراف بها من قبل الكنائس الارثوذكسية.
الحركة المسكونية
تأسس مجلس الكنائس العالمي في العام 1948 في امستردام انطلاقاً من حركتي “ايمان ونظام” و”حياة وعمل” اللتين التقيتا في العشرينيات والثلاثينيات، اما بطاركة القسطنطينية والاسكندرية وانطاكية ورئيس كنيسة اليونان والمتروبوليا الأميركية الروسية والاسقفية الرومانية في اميركا ، فقد قرروا في اجتماعهم الثاني في افانستان، ايليونيز في العام 1954 الاشتراك كأعضاء في مجلس الكنائس العالمي.ولعب قادة الاكسرخوسية الروسية في اوربة الغربية وبعض الروس الذين ظلوا مخلصين لموسكو مثل قلاديمير لوسكي (+1958) ونيقولا لازيرنوف دوراً رئيساً في النشاط المسكوني.
من مصادر البحث
الاب الدكتور توماس هوبكو تعريب المطران سابا اسبر 2006 موجز تاريخ الكنيسة
الوثائق البطريركية
خريسوستموس تاريخ كنيسة انطاكية
د. اسد رستم تاريخ كنيسة ندينة الله انطاكية العظمى
موقع د. جوزيف زيتون:
1-سيرة بطاركة انطاكية
2-تاريخ الكرسي الانطاكي المقدس
3-مختصر تاريخ الكرسي الانطاكي المقدس
4- تاريخ بطريركية اورشليم
5-الانتشار الارثوذكسي في اميركا
7-صفحة مضيئة من تاريخ الكنيسة في روسيا