الروم …
يتبادر للذهن اول الامر انها تعني الطائفة الارثوذكسية بمصطلح الطوائف المكروه او اتباع الكنيسة الرومية الارثوذكسية وهو الادق ولكن هذه التسمية تنصرف اساساً الى القومية الرومية وخري بنا توضيح ذلك
التسمية روم ماذا تعني؟
اسم “الروم” هو الاسم الثابت لأصحاب الهوية الرومية، وهو الاسم الذي نتناقله من جيل لجيل ونحافظ عليه، ولذلكيتوجب علينا، كي نعرف هويتنا الحقيقية، أن نبحث في من هم “الروم” تاريخياً.
ثمة بعض التسميات التي سادت بعض الشيء ولكنها تسميات عارضة فكانت تتغير تبعا للظروف وخاصة منها السياسية. فتارة يصفوننا بالروم (العثمانيين) أو بالروم (العرب) أو بالروم (السوريين) أو غيرها، وفي مصر بالروم المصريين وماذلك الا على حسب تقلب السلطات الحاكمة، وتغير التقسيمات السياسية للدول في المنطقة، وتبدل أسمائها وحدودها.
روم ام بيزنطيون؟
أما التعبيران الدارجان “البيزنطيون” و “الروم” فيفيدان المعنى نفسه. لكن تعبير “بيزنطيون” لم يطلقه البيزنطيون على أنفسهم أبدا . بل أطلقوا على أنفسهم اسماً واحداً هو “الروم” Ρωμαίοι أو Ρωμιοί وتلفظ ” Romaíoi ” والمصادر العربية كذلك عرفتهم في دمشق او في القسطنطينية او اثينا ب “الروم” فقط .
أما تعبير “بيزنطي” فتعبير علمي أطلقه علماء التاريخ الغربيون في القرن التاسع عشر ولم يكن دارجا على لسان الشعب .
الحضور الديموغرافي الرومي في المشرق
لا بد لنا أيضا أن ننسى التقسيمات المصطنعة التي نشأت حديثاً بتفتيت دول وتجزئتها بنتيجة الانتدابات والاحتلالات الاجنبية كما حصل بنتيجة اتفاقية سايكس بيكو بين الحليفين البريطاني والفرنسي 1916 بتقسيم سورية الواحدة الى سورية، لبنان، (وبالتالي لتتجزأ منطقة بطريركية انطاكية وسائر المشرق الرومية بين الكيانين، والاردن، فلسطين، ليكمل بلفورفي عام 1917 التقسيم الاخطربوعده بجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود ما مهد لقيام اسرائيل على تراب فلسطين وطرد شعبها عام 1948، وكانت النتيجة وبالا على شعبها الرومي ابن بطريركية اورشليم الرومية وهو الاكثرية الساحقة من المسيحيين فندر عددهم…
اما آسية الصغرى موطن الروم والخزان البشري التي صارت بعد غزوها من الاتراك السلاجقة اولاً والعثمانيين ثانياً الذين قضوا بالحديد والنار على ابناء عمومتهم السلاجقة ودمروا دولتهم صارت ارض الاتراك، واقاموا الخلافة العثمانية بعد ان قوضوا الخلافة العباسية في بغداد وبمصرعام 1517 وتوسعوا في اسيا الصغرى موطن الروم وهم الغالبية العظمى للمسيحيين وارض الروم، والارمن والسريان والآشوريين مع بعض العرب من سكان الجزيرة العليا وهم مسلمون. وكان المسيحيون هم المكون الغالب اكثر من 90% من السكان في آسيا الصغرى وحكموهم بالحديد والنار والاضطهادات الدموية والتطهير العرقي والديني وتسمت المنطقة بعد تتريكها تركيا زمن الاتحاديين اصحاب النظرية الطورانية وخليفتهم مصطفى كمال اتاتورك، اضافة الى قبرص، واليونان الحالية” ، لأن هذه الدول لم تكن كما هي اليوم : ولا كانت قد اتخذت أسماءها المألوفة اليوم ، ولا حدودها ، ولا كانت اللغات المنتشرة فيها شبيهة باللغات الموجودة اليوم . وبالتالي فهي لم تكن موجودة كدول إطلاقا ولا حتى كقوميات.
وبالتالي فلننظر إلى هذا المدى الجغرافي الواسع، ” كأرض واحدة متداخلة، كلها عبارة عن وحدة جغرافية واحدة لا تتجزأ” ، وفي كل مدينة من مدنها قوميات عديدة ولغات عديدة، وهؤلاء يتفاعلون مع بعضهم البعض، بشكل طبيعي. إن سرت في الشارع، رأيت رجالاً يونانيي اللغة و آراميي اللغة وأرمنيي اللغة أو فارسيي اللغة يشترون بضائعهم وحاجياتهم من متجر واحد، ويسكنون في شارع واحد، ويتزاوجون، ويتفاوضون، ويتحاورون، ويتقاتلون … ويتنقلون بين مدينة ومدينة بسهولة تامة، بين أنقرة وبيروت، بين أثينا ودمشق، بين أنطاكية والقدس، بين عمان والقسطنطينية، بين اللاذقية وكبادوكية …. بدون اية عوائق.
(كتاب ” تاريخ روم المشرق الهوية واللغة” ص 7- 8 ..)
وفي عام 335 م أسس الإمبراطور قسطنطين عاصمة الامبراطورية الرومية البيزنطية وكان بها مقر بطريركية الكنيسة الرومية الأرثوذكسية وهي كاتدرائية آيا صوفيا.
وقد سميت القسطنطينية ب “رومة الجديدة” بسبب عظمتها وقوتها وأهميتها التي ضاهت بها رومة القديمة عاصمة الامبراطورية الرومانية الوثنية المنهارة وفيما بعد تغلبت عليها وأصبحت اهم مدينة في عصرها …
ومن القسطنطينية “رومة الجديدة” اخذ الروم اسمهم.
الروم هم أحفاد التراث الهليني الرومي
الروم في هذا المشرق، هم مزيج من الشعوب التي سكنت هذه الأرض على التوالي منذ بدء البشرية. قبل الفينيقيين، الشعوب الأولية، ثم الكنعانيون وشعوب البحر “من جزيرة كريت” والحثيون والآراميون واليونانيون بشكل خاص الذين امتزجوا مع الفينيقيين مشكلين الحضارة الهلينية بلغتها اليونانية، وفيما بعد الحضارة الهلنستية اي اليونانية الشرقية التي اسست انطاكية واللاذقية وافاميا والاسكندرية… وصيرت البحر المتوسط بحر الروم ثم الحضارة الرومية بلغتها اليونانية ودينها المسيحي وعقيدتها الخلقيدونية …
من حيث العرق نحن مزيج أعراق، ذاب بعضه ببعض، واتخذ “الحضارة الرومية” حضارة مميزة له، واللغة الرومية” لغة مميزة له. اللغة “الرومية” اي اليونانية، كانت اللغة التي احتلت المقام الأول لدى روم المشرق، سواء من حيث أنها كانت لغة أكثريتهم في هذا الشرق وكتب “الواقدي والبلاذري وغيرهم تشهد بأن العرب لما احتلوا بلادنا حدثوا الروم بالرومية”، أو من حيث لغة كنيستهم الرسمية التي كانت منذ البداية اللغة الرومية. مع العلم أن معظم الفينيقيين اعتنقوا المسيحية الارثوذكسية في الكنيسة الرومية وتهلنوا.
الروم في مشرقنا هم الذين يتبعون القسطنطينية عقيديا وسياسياً فهي عاصمة امبراطورية الروم ذات المجد الزاهي لعشرة قرون قبل استشهادهاعام 1453بيد الاتراك، ويرفضون استقلال المشرق عن الامبراطورية الرومية، ويتكلمون اللغة اليونانية “الرومية” ، وقداسهم في سورية هو نفسه في القسطنطينية يعقوب الرسول وباسيليوس الكبير ويوحنا الذهبي الفم، والحانهم هي نفسها الألحان البيزنطية التي قسمها ابن دمشق القديس يوحنا الدمشقي الى ثمانية الحان، وكان من روادها المبكرين الحمصي رومانوس المرنم، والروم هم طبعاً المناضلون الشرسون عن المجمع الخلقيدوني اي عن العقيدة القويمة الارثوذكسية المستقيمة الرأي .
أنتَ أمام رقعة واحدة شَكّلت في يومٍ من الأيام نسيجاً حضارياً وثقافياً مترابطاً حتى ان المسلمين سموا البحر الأبيض المتوسط ببحر الروم.