يَسُوع النَّاصِرِيّ آدَم الثَّانِي
سُمِّيَ ربنا، له المجد، “المسيح” لأنه مُفْرَز ومُكَرَّس للخدمة والفداء، وُعِدَ بمجيئه حالًا بعد السقوط (تك 3: 15)، فإن المسيح هو المقصود بنسل المرأة (غل4:4)، والشيطان وخدامه بنسل الحية. وسحق الشيطان وأتباعه عقب المسيح يراد به أنهم آلموه وقتلوه غير أن المسيح سحق رأس الشيطان ونسله إذ انتصر على الخطيئة والموت. وكان العبرانيون ينتظرون مجيء المسيح من جيل إلى جيل. وتجدد الوعد به لابراهيم، وليعقوب (تك 49: 10)، ولبلعام (عد 24: 17)، ولموسى (تث 18: 15 و18)، ولناثان (2 صم 7: 16). وتكرر الوعد به في المزامير والأنبياء ولاسيما إشعياء إلى أن أتى يوحنا المعمدان يبشر بقدومه. وقد أعلنت في العهد القديم أسماء بعض أسلاف المسيح، ومسقط رأسه (مي 5: 2)، ووقت ظهوره (دا 9: 25-27). أما اليهود فلم يفهموا هذه النبوات فظنوا أن المسيح يكون ملكًا زمنيًا يخلصهم من ظالميهم ويرقيهم إلى أعلى درجات المجد والرفاهة حسب معنى النبوات الحرفي (مز 2 وار 23: 5 و6 وزك 9: 9 وغيرها). فلما ظهر المسيح ذاته والرسل تمت أو تحققت هذه النبوات على غير معناها الحرفي . غير أن البعض من اليهود في أيام ظهور المسيح كانوا ينتظرون مجيئه وخلاصه الروحي منهم سمعان وحنة (لو 2: 25 و38).
نبؤات وردت عن الرب يسوع في العهد القديم وبيان انجاز النبؤات في العهد الجديد
بعض الحوادث التاريخية في حياة الرب يسوع المسيح
ليس من اليسير أن نصل إلى معرفة تاريخ ميلاد المسيح أو معموديته أو صلبه على وجه التحقيق وبلا منازع إلا أن جمهور المؤرخين والعلماء يتفقون على تاريخ هذه الحوادث على وجه التقريب – وقد بدأ وضع التقويم المسيحي رئيس دير يدعى ديونيسيوس اكسيجُؤس الذي مات قبل عام 550 ميلادي. فاختار هذا الراهب تاريخ التجسد كالتاريخ الفاصل بين الحوادث السابقة والحوادث اللاحقة له. إلا أنه ربط بين بداية التقويم المسيحي وعام 754 لتأسيس مدينة روما. فقد ذكر أن المسيح ولد في هذا العام، وأن عام 754 لتأسيس روما يقابل العام الأول الميلادي. إلا أن ما ذكره المؤرخ يوسيفوس يظهر بوضوح أن هيرودوس الكبير الذي مات بعد ولادة المسيح بوقت قصير (مت 2: 19-22)، أنه مات قبل عام 754 لتأسيس روما، فعلى الأرجح أنه مات قبل عام 754 لتأسيس روما الذي تقابل سنة 4 ق.م. ولذلك فالحوادث التي جرت بعد مولد المسيح وقبل موت هيرودوس ينبغي أن توضع في تاريخ سابق للسنة الرابعة قبل الميلاد، وربما جرت هذه الحوادث في مدى
شهرين أو ثلاثة أشهر قبل هذا التاريخ. اذن فميلاد المسيح تمّ اما في أواخر سنة 5 ق.م أو في أوائل سنة 4 ق.م أما الاحتفال بميلاد المسيح في الخامس والعشرين من كانون الاول فقد بدأ في القرن الرابع المسيحي. ولذا فربما كان ميلاد المسيح في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر عام 5 ق.م. وهذا يجعله سابقًا للتاريخ الذي وضعه ديونيسيوس (أي 25 كانون الاول سنة 1 مسيحية) بخمس سنوات أما تاريخ بدء خدمة المسيح ومناداته ببشارة الإنجيل فيفهم من لوقا 3: 23 حيث يذكر البشير انه عند بدء خدمته كان في الثلاثين من عمره تقريباً وقد بلغ الثلاثين من العمر في 25 كانون الاول سنة 236 مسيحية. أما تاريخ المعمودية بحسب التقليد فهو 6 يناير وإذا افترضنا على أية حال أن المعمودية كانت في 6 كانون الثاني سنة 27 ميلادية فعبارة لوقا من أنه كان حوالي 30 سنة عندما بدأ مناداته ببشارة الانجيل صحيحة وتطابق الواقع تماما.
وتظهر لنا صحة هذا التاريخ أيضًا من قول اليهود بعد المعمودية بوقت قصير من أن الهيكل بُني في ست وأربعين سنة (يوحنا 2: 2) فقد بدأ بناء هيكل هيرودوس في سنة 20 أو 19 ق.م. فإذا حسبنا هذه الست والأربعين سنة من وقت بدء بناء الهيكل لوصلنا إلى عام 27 مسيحية هو بدء خدمة المسيح الجهارية. وإذا حسبنا أيضاً الخمسة عشر عاماً من حكم طيباريوس قيصر المذكورة في لوقا 3: 1 عندما بدأ يوحنا المعمدان خدمته وذكرنا أيضاً أن طيباريوس قيصر بدأ يشترك في حكم الامبرطورية مع أغسطوس قيصر عام 11 أو 12 مسيحية لوصلنا في حسابنا إلى عام 26 مسيحية، وهذا يوافق الواقع بحسب التواريخ الأخرى المذكورة.
أما المدة التي قام المسيح في أثنائها بخدمته والسنة التي صلب فيها فيمكن معرفتها من عدد أعياد الفصح التي يذكرها يوحنا في بشارته، فيذكر يوحنا على الأقل ثلاثة من أعياد الفصح (يو 2: 13 و6: 4 و13: 1). وعلى الارجح جدًا أن العيد المذكور في يوحنا 5: 1 كان عيد فصح أيضًا. فإذا كان الأمر كذلك فقد شملت خدمة المسيح المعلنة أربعة من أعياد الفصح صلب المسيح في الأخير منها فإذا كانت معمودية المسيح في أوائل سنة 27 م مسيحية يكون أول عيد فصح حضره أثناء خدمته هو الذي وقع في شهر نيسان من تلك السنة ويكون الصلب قد وقع في عام 30مسيحية عندما بدأ عيد الفصح في ذلك العام 7 نيسان منه ولذا فبحسب هذا تكون التواريخ الرئيسة في حياة الرب يسوع المسيح على الأرض هي هذه
ميلاده تم في 6 كانون الثاني شرقي و25 كانون الاول غربي عام 5 ق.م.
معموديته وبدء خدمته الجهارية في كانون الثاني عام 27 مسيحية.
صلبه في 7 نيسان
الحوادث الرئيسية في حياة ربنا يسوع على الأرض
نجد في الأناجيل الأربعة مادة كافية ترشدنا إلى الحوادث الرئيسية في حياة الرب يسوع على الأرض وهذه هي
ميلاده المعجز
تعرف البشيرون على الحقائق المتعلقة بميلاد المسيح المعجزي من شهود عيان ومن أشخاص لازموا هذه الحقائق عند وقوعها أو كان لهم نصيب فيها عند تمامها . فإنه بالإضافة إلى أن يسوع وهو على الصليب عهد بأمه مريم إلى تلميذه يوحنا (يو 19: 26و27). فإنه ينبغي أن لا يغيب عنا أن يعقوب أخا الرب (انظر: أخوة الرب)، كان لمدة سنين طويلة من القادة المتقدمين في الكنيسة المسيحية في اورشليم. وبعد القيامة والصعود كانت مريم أم يسوع تلازم المؤمنين في اورشليم ، وكان إخوته وقد تحرروا من كل شك في ألوهيته، يشتركون مع المؤمنين أيضًا ويلازمونهم (أعمال 1: 14) وعندما رافق البشير لوقا بولس الرسول في زيارته لأورشليم في عام 56 أو 57 مسيحية كان يعقوب أخو الرب أحد الذين زارهم بولس هناك (أعمال 21: 17 و18) وكان لوقا في ذلك الحين وكما يظهر من مقدمة بشارته شغوفًا كل الشغف بجمع الحقائق الخاصة بحياة الرب يسوع.
ولا نجزم يقيناً أن لوقا قابل مريم أم يسوع بنفسها عندما كان في اورشليم ولكن من المحقق أنه استقى الحقائق التي تتعلق بميلاد الرب يسوع التي تعرفها مريم وحدها إما منها أو من المقربين إليها الذين استقوها منها شخصيًا . فقصة ميلاد المسيح المذكورة في (إنجيل لوقا ص 1: 26-56 و2: 1-51) والتي تذكر الحبل به من الروح القدس تذكر في هذا الإنجيل من وجهة نظر مريم وكما لامست حوادثها وحقائقها بنفسها. وعندما يذكر متى قصة ميلاد الرب يسوع يذكرها من وجهة نظر يوسف. وكلا البشيرين يتفقان على أن الرب يسوع حبل به في البطن بالروح القدس وولد ابن الله من مريم العذراء البتول الطاهرة (لو 1: 35 ومت 1: 18-24). وتمشيًا مع هذه الحقيقة يفتتح يوحنا البشير بشارته بهذه الكلمات: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله.. والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا ورأينا مجده مجد الابن الوحيد من الآب، ممتلئاً نعمة وحقاً” (يوحنا 1: 1-14).
طفولية يسوع ونشأته
ندرك من لوقا 2: 40 أن حياة يسوع من طفولته إلى شبابه كانت شبيهة بحياة الإنسان العادي ما خلا أنها كانت كاملة، ففيه تحقق مثال الإنسان الكامل الذي أراده الله أن يكون مثالًا للبشر في كل مراحل حياتهم ومع انه عاش في بيت وضيع مع مريم ويوسف وربما أيضًا مع أخوته وأخواته المذكورين في الكتاب إلا أن حياته كانت في كل الأوقات والظروف متفقة تماماً مع إرادة الله (لو 2: 52) . ويظهر جلياً أنه شعر في سن مبكرة أنه ابن الله الوحيد (لوقا 2: 49) . ويبدو جلياً من لو 2: 46 و47 أنه بدأ في حداثته المبكرة وفي سن صغيرة يدرس العهد القديم دراسة عميقة واسعة. ومع أنه يبدو أن يوسف مات لهذا بدأ يسوع يعمل كنجار بجد واجتهاد كي يعين أمه وأخوته في شؤون معيشتهم (مت 13: 55 و56). إلا انه أعطي وقتاً كافياً للتأمل وقراءة الكتب المقدسة والصلاة. وإننا لا نجد في العهد الحديد الكثير من طفولية الرب يسوع ما عدا هذه الإشارات البسيطة والقول الوارد في لوقا 2: 52 “وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس”.
معموديته وتجربته
عندما بلغ يسوع سن الثلاثين من العمر حوالي عام 27 مسيحية (لو 3: 23)، ترك الناصرة واعتمد من يوحنا المعمدان. وبعمله هذا أعلن جهاراً أنه قد تقبل عمله المجيد كالمسيا وكابن الله الوحيد والمخلص الذي مع أنه بلا خطيئة تماماً إلا أنه حمل خطيئة البشر.
وقد أعلن الله الآب رضاه عن عمل ابنه هذا في كونه صار شبيهاً بأخوته البشر الخطاة، في نزول الروح القدس عليه في هيئة جسمية ملموسة كحمامة، وبمجيء الصوت إليه معلنًا : “أنت ابني الحبيب بك سررت” (لو 3: 22). وهذه الكلمات تجمع بين (مز 22: 7 وأش 42: 1). وهذه الكلمات تعلن أن هذا هو المسيا الذي تتحقق فيه النبوات بأنه عبد الله المطيع لإرادته المتألم لأنه يحمل خطيئة الكثيرين.
وبهذا اليقين في قلبه اقتيد يسوع إلى برية اليهودية لكي يجربه إبليس (مت 4: 1) حتى يثبت كفايته كمخلص البشر وأهليته لهذا العمل العظيم. فكان عليه أن يبرهن أولاً على طاعته المطلقة من غير قيد ولا شرط للآب السماوي ويدلل على قدرته في الانتصار على المجرب. وقد رأى بعض المفسرين في ذكر التجربة في بدء خدمة المسيح الجهارية مقابلة بينها وبين قصة السقوط في تكوين ص 3 وكيف أن آدم الاول سقط وهو في أحسن الظروف المواتية للانتصار وكيف أن آدم الثاني الرب يسوع انتصر على المجرب وهزمه بالرغم من الظروف القاسية التي وجد فيها. وخرج من التجربة ظافراً غالباً معلناً للعالم بأنه يليق لأن يكون ابن الله الوحيد ومخلص العالم بغير منازع.
بدء خدمة يسوع البشارية
بعد أن انتصر يسوع على المجرب وهجماته القاسية وبعد أن”خرج غالباً ولكي يغلب” بدأ خدمته البشارية فدعا تلاميذه الاولين (يو 1: 35-51) . وأظهر قوته في معجزة تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل (يو 2: 1-11) ، وبعمل بعض المعجزات (يو 2: 23 وما يليه)، وبتعليمه نيقوديموس حقائق روحية رائعة عن الولادة من فوق أو الولادة الجديدة (يو 3: 1-21)، وبتقديمه بشارة الخلاص إلى امرأة سامرية منبوذة من قومها (يو 4: 1-42). وقد مهد لهذه المرحلة من خدمته البشارية يوحنا المعمدان وقد وصلت هذه المرحلة إلى الذروة عندما اعترف بعض السامريين إذ قالوا: “فإننا قد سمعنا بأنفسنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم” (يو 4: 42).
مناداة المسيح في الجليل وخدمته هناك
كان وضع يوحنا في السجن إشارة التنبيه القوية التي بعدها بدأ يسوع خدمته في الجليل معلناً اقتراب ملكوت الله . وعندما أعلن في مجمع الناصرة بأنه هو المقصود بالنبوات عن المسيا المنتظر وأن هذه النبوات قد تمت فيه ، رفضه قومه وأهل بلدته (لو 4: 16 وما يليه) من بعد هذا اتخذ يسوع كفر ناحوم مركز بثّ دعوته ونشر رسالته ، وبقيت كفر ناحوم مركزًا له مدة تزيد على سنة كاملة من خدمته . فكان يعلّم في كفر ناحوم وفي أنحاء أخرى من الجليل ويعمل المعجزات. وقد أظهر سلطانه وقوته في عالم الأرواح وهزيمة الشيطان وجنوده (لو 8: 26-39 و9: 37-45 وغيره). كما أظهر قوته على الجسم البشري وعلى الأمراض الجسمانية والروحانية (مت 8: 1-17 و9: 1-8 وغيره). كما وأظهر قوته على الحياة والموت (لو 7: 11-17 ومت 8: 18-26). ثم أعلن في النهاية أن له سلطانًا تامًا على مصير البشر الأبدي وأظهر في الموعظة على الجبل وفي غيرها من تعاليمه سلطانه الفريد على إعلان شرائع ملكوت الله وقوانينها (مت 5: 1-7: 29 وغيره).
وعندما أظهر سلطته العظمى بوصفه المسيح المنتظر ، أظهر أيضًا محبته الفائقة وحنانه الذي لا نظير له على مصابي الجسد والروح (مت 9: 1-8 و18-22 ولو 8: 43-48 وغيره). وقد أعلن مرارًا وتكرارًا بأنه قد جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك ، وقد استعمل سلطانه الإلهي في مغفرة الخطايا (لو 5: 20-26 و7: 48-50).
وقد علّم سامعيه بسلطان، ولم يبد عليه قط أدنى خوف من أعدائه من حكام اليهود والفريسيين فزاد هذا من قوة تأثير معجزات الشفاء التي أجراها والدلائل الأخرى لسيطرته وقوته وسيطرته على الخليقة (لو 4: 33-41 ومر 5: 1-42 وغيره). وقد ذاعت شهرته بسبب هذه التعاليم والمعجزات والقوات بين جموع الجليل (لو 4: 40-42 و5: 15 و26و6: 17-19). وقد وصلت هذه الشهرة إلى الذروة في معجزة إطعام الخمسة الآلاف (مت 14: 13-21 ومر 6: 30-44 ولو 9: 10-17 ويو 6: 5-13). وكان هذا دليلًا قاطعًا واضحًا على أنه المسيح المنتظر بحيث عزمت الجماهير على تتويجه ملكًا (يو 6: 15).وقد اختار من بين تلاميذه واتباعه الاثني عشر ليكونوا تلاميذه المقربين (مت 10:1-4 ولو 6: 12-16). وقد علَّم هؤلاء ودربهم ليكونوا رسله.
تلاميذه الاثنا عشر وتدريبه إياهم
بعد أن رفض يسوع أن يتوج ملكاً أرضياً (يو 6: 26 و27). تركته الجماهير حتى أن بعضاً من تلاميذه تركوه ومضوا عنه (يو 6: 66و67) فذهب إلى منطقة صور وصيدا. وقيصرية فيلبس (مت 15: 21 و16: 13 ومر 7: 31 وغيره). ولكن لم يمكن أن يختفي عن الأنظار، فلما عاد مرة أخرى إلى البلدان القريبة من بحر الجليل شفى كثيرين وأعان كثيرين في محنهم وأطعم الجماهير بمعجزة لأنه تحنن على الجموع وأشفق قلبه عليهم (مت 15: 29-39). ثم ترك الجموع مرة أخرى وذهب على انفراد مع تلاميذه وسألهم ذلك السؤال الخطير: “وأنتم من تقولون أني أنا ؟” (مت 16: 15) فتكلم بطرس بالنيابة عن الرسل أجمعين قائلًا “أنت هو المسيح ابن الله الحي فبدأ يسوع منذ ذلك الحين يعد تلاميذه للحادثة الجلل التي تنتظرهم في اورشليم (مت 16: 21-26). ولكنه علمهم أيضًا في وضوح وجلاء وفي قوة ويقين بأن النصر النهائي له (مت 16: 27 و28) ولذا فلا ينبغي أن يتسرب الخوف إلى نفوس أتباعه أو ينتابها شيء من الوجل (لو 12: 4-12 و32-34).
وقد بلغ إعلانه نفسه لتلاميذه الذروة في التجلي على الجبل عندما رآه أتباعه الثلاثة المقربون في مجده الإلهي (مت 16: 1-13 ومر 9: 2-10 ولو 9: 28-36) . ولأنه جاء ليتمم الناموس والأنبياء ، ظهر معه موسى ممثل الناموس، وايليا ممثل الأنبياء في مجده قبل أن يتمم شطر اورشليم للمرة الأخيرة ليواجه آلام الموت ويحتمل الصليب لأجل خلاص البشر . وأعلن صوت الله من السماء مرة أخرى قائلًا : “هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا.”
ازدياد العداء له
فالمسيح وقد أعلن ذاته لتلاميذه وأقروا هم بأنه بالحقيقة ابن الله (مت 17: 1-3 ومر 9: 2-10ولو 9: 18-20). بدأ من ذلك الحين يعدهم إعداداً قوياً واضحاً جلياً لمهمتهم العتيدة بصفتهم نواة كنيسته وأعضائها الأولين ، فعلمهم حقائق كثيرة عن طريق مباشر. وفي صورة الله ثم استمر في إعلان قوته الإلهية وسلطانه السماوي في شفاء المرضى (لو 14: 1-6 و17: 11-19)، وفي فتح أعين العميان (مر 10: 46-52)، وفي إعانة من كانوا في محن قاسية وإنقاذهم منها.
فنمت المقاومة ونما عداء حكام اليهود وقادتهم له وتنامى حقدهم عليه من سيء إلى أسوأ (لو 14: 1). فقاموا بكل حيلة ووسيلة لكي يوقعوه في فخاخهم حتى يحطموا سيطرته على الجماهير وقوة تأثيره عليهم، ولكي يجدوا علَّة عليه ليسلموه للسلطات الرومانية لتنفيذ حكم الموت فيه (مت 19: 1-3 ولو 11: 53-54). وقد وجه إلى أعدائه تحذيرات غاية في العمق وغاية في الهدوء والسكينة، وألقى على مسامعهم تعاليم كان ينبغي أن تنفذ إلى قرارة نفوسهم لو كانوا يفقهون. وكان هدفه في هذه جميعها أن تتغير قلوبهم، ولكن ما كان منهم إزاء كل أعمال الرحمة والإحسان وشفاء المرضى وإقامة الموتى (يو 11: 41-45). إلا أن ألهبت قلوب غالبية الكتبة والفريسيين وآخرين من قادة اليهود وزعمائهم بنيران الحقد عليه والكراهية له (يو 11: 46-53).
دخل المسيح اورشليم جهاراً كالمسيا المنتظر وسط هتاف الجماهير (مر 11: 1-10 ويو 12: 12-19 وغيره). فدخل إلى الهيكل وطرد الصيارفة والباعة ومن يتجرون في الأبقار والأغنام والحمام من ساحة الهيكل الخارجية فأظهر بأنه المسيا المنتظر حقًا صاحب السلطان السماوي المطلق (لو 19: 45-46 ومت 21: 12-16). وكانت النهاية تقترب . وقد كشف المسيح في هدوء وتؤدة وبغير ما عنف أو قسوة رياء مضطهديه، بينما كان يعلم في الهيكل في تلك الأيام المليئة بالأحداث. وتنبأ بما يحل بشعب اليهودية وبأورشليم وبالهيكل (لو 21: 20-24 وما يليه) ، في أوقات الخطر المقبلة . وقد حذر تلاميذه وأتباعه من الأخطار التي تنتظرهم (لو 21: 9-19 وما يليه). وأنبأ بما ينتظر العالم والكنيسة (لو 21: 25-27)، وبأن تاريخ العالم سينتهي بمجيئه الثاني في مجد وجلال ليعلن قوته الإلهية وسلطانه فوق كل قوات الظلمة، وابتداء ملكوته الأبدي.
الأسبوع الأخير في أورشليم
وفي المساء السابق لصلبه أراد أن يعد رسله إعداداً نهائياً للمهمة العظمى التي تنتظرهم، فغسل الرب يسوع أرجلهم (يو 13: 1-11)، معلمًا إياهم درسًا لازمًا لهم في التواضع والوداعة (يو 13: 12-17 ولو 22: 24-30). وأعلن لهم أن يهوذا الذي كان واحدًا منهم سيسلمه ، ورسم لهم فريضة العشاء الرباني (مت 26: 26-29 وما يليه). ثم قدم صلاته الشفاعية العظمى من أجل أتباعه (يو 17: 1-26).
من ثمّ قدم نفسه نهائيًا للآب وسلم إرادته تسليماً كلياً له في بستان الجسمانية (مت 26: 39-46و غيره). وحمل خطيئة الكثيرين وحمل على كاهله إثم البشرية الخاطئة الأثيمة وقدم نفسه طوعاً وباختياره للقبض عليه وللمذلة والهوان وللاتهام ظلماً وبهتاناً وللصلب. فبلغت آلامه النيابية وموته الكفاري الذروة القصوى على الصليب، بعد انقضاء ثلاث ساعات الظلمة صرخ بصوت عظيم قائلًا: ” الهي الهي لم تركتني؟” (مت 27: 46). وقد أخبر تلاميذه من قبل أنه لم يأت ليدين العالم بل ليقدم نفسه فداءً عن كثيرين (مت 26: 28 ومر 10: 45 وغيره). فقدم نفسهطوعاً وباختياره كحمل الله الذي يرفع خطيئة العالم. فأنجز مهمته التي جاء من أجلها إلى أرضنا وأكمل غاية الآب السماوي ورغبته، فقبل أن يسلم الروح إلى يدي الآب السماوي وقال في انتصار وظفر نهائيين : “قد تم” (يو 19: 30).
الدفن والقيامة والصعود
ولما أسلم يسوع الروح خرج عن نطاق سلطان أعدائه وقوتهم. فأنزل جسده عن الصليب (لو 23: 50-53). ودفن في قبر جديد في بستان، وبعد وقت قصير تمم وعده الذي وعد قبل موته بأنه يقوم من بين الأموات. ففي اليوم الثالث نهض قائماً من بين الأموات كالمسيح المقام والرب الحي وبذلك بدّد خوف أتباعه وشكوكهم (لو 24: 13-49 ويو 20: 11-21: 22). وظهر لهم مراراً مدة أربعين يوماً وفتح أذهانهم ليفهموا الكتب ووعدهم بإرسال الروح القدس ليعزيهم ويرشدهم ويؤيدهم بقوة من لدنه ليكونوا شهوداً له مبتدئين من اورشليم إلى أقصى الأرض (أعمال 1: 8).
وبعد أن حقق لهم انه قد دفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض (مت 28: 18)، أرسلهم لكي يتلمذوا جميع الأمم (مت 28: 19). بعد أن وعدهم بأن يكون معهم كل الأيام، إلى انقضاء الدهر (مت 28: 20). ثم بعد ذلك صعد إلى السماء وقد رفع يديه وباركهم (لو 24: 5). فاختتمت حياة يسوع المسيح على الأرض بهذا النصر النهائي وتم فيه ما أعلنه الرسل يوم الخمسين “أن الله قد جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم، رباً ومسيحاً” (أعمال 2: 36).