تاريخ الكنيسة المسيحية في العالم
الجزء الثالث من موجز تاريخ الكنيسة
نتابع في هذا الجزء عبر القرون الثلاثة من السابع الى التاسع على النحو التالي
- – ديونيسيوس الاريوباغي
- – ظهرت كتابات لاهوتية مهمة في القرن السادس نُسبتْ لديونيسيوس الاريوباغي وسرعان ما لاقت قبولا عاماً عن عقائد المجمعين الرابع والخامس ومن الرافضين لها. وكان لهذه الكتابات تأثيرٌ عظيمٌ على التقوى الليتورجية للكنيسة بسبب التفاسير الرمزية لطقوس العبادة. لقد قدّمت الكتابات لاهوتاً اسرارياً (مستيكي) شدّد على ان الله لايمكن فهمه ابداً بالعقل البشري. وانه مختلف تماماًعن اي شيء في الخليقة. ايضا تطرقت هذه الكتابات لتعليم يتعلق بالسيد المسيح سبّب صعوبات عظيمة في القرن السابع.
- قالت الكتابات الديونيسية في شخص السيد المسيح له المجد ابن الله المتجسد، ان فيه ارادة واحدة الهية وفعلا واحدا الهيا اتحدا كليا بوظائف وفعاليات الطبيعتين الالهية والبشرية. دُعي هذا التعليم بالتعليم المونوثيلي (المشيئة الواحدة) الذي يعني ان للمسيح مشيئة واحدة الهية فقط.
- قدّر المونوفيزيت الكتابات الديونيسية تقديراً عميقاً. ويرجح ان الكاتب نفسه كان مونوفيزياً. غير ان الوحدة بين رافضي المجمع الرابع المسكوني والمتمسكين به لم تتم. لابل انتشر تعليم جديد هو المونوثيلي كان للموقف المستميت الذي وقفه كل من القديسين مكسيموس المعترف (+662) ومارتين بابا روما (+655)، الدور الأهم في القضاء عليه.
- القديسان مكسيموس المعترف ومارتين
- شدد هذان القديسان مع مؤيديهما الصامدين على وجود مشيئتين وفعلين متميزين في طبيعتي السيد المسيح الالهية والبشرية، تماما كما ان له طبيعتين متميزتين في شخص واحد . اكد الآباء القديسون على وحدانية شخص ابن الله الذي هو ابن مريم لكن هاتين المشيئتين متميزتان، كما هي الوهيته وانسانيته.
- في المسيح ملء المشيئة والطاقة والفعل والوظيفة والقوة الالهية التي هي فيه كما في الآب والروح القدس. في المسيح ايضاملء المشيئة والطاقة والفعل والوظيفة والقوة البشرية الانسانية التي هي فيه كما في اي انسان آخر. ويكمن الخلاص بالحقيقة. في ان يسوع كائن بشري اخضع بحريته واختياره، مشيئته البشرية ( التي هي اياها في كل انسان) للمشيئة الالهية( التي هي مشيئة الله).
- لهذا فان ابن الله الالهي صار انسانا حقيقيا بمشيئة بشرية حتى انه كانسان حقيقي يستطيع ان يتمم كل بّر في طاعة كاملة واختيارية لأبيه بسبب خقيقة فعله البشري فان يسوع يحرر كل البشر من الخطيئة والموت لأنه آدم الجديد والنهائي.
- تألم القديسان مكسيموس ومارتين كثيرا جدا لأجل معارضتهما للتعليم المونوثيلي. لقد سجنهما الامبراطور الذي اراد فرض الاتحاد مع المونوفيزيت بسيادة التعليم المونوثيلي، وعذبهما كثيرا، فمات القديس مرتينوس شهيداً وقطع لسان القديس مكسيموس.
- المجمع المسكوني السادس
- سادت لاحقا العقيدة التي دافع عنها القديسان وعقد في القسطنطينية المجمع الثالث الذي عُرف “بالمجمع المسكوني السادس”. عقد في في العامين 680-681م وثبت تعليم القديسين وادان كلاً من سرجيوس بطريرك القسطنطينية وهونوريوس بابا رومية. وكذلك كل الذين قبلوا ودافعوا عن التعليم الذي حرم السيد المسيح انسانيته الكاملة.
- الكتابات اللاهوتية
- كتب القديس مكسيموس المعترف في مواضيع لاهوتية ونسكية. كما ان معاصره في مصر، القديس يوحنا السلمي (+649)، رئيس دير القديسة كاترينا في سيناء، كتب مؤَلَفه الكلاسيكي في الحياة الروحية ” السلم الى الله”. كذلك كتب القديس اندراوس الدمشقي اسقف كريت قانون التوبة الشهير الذي تقرؤه الكنيسة الأرثوذكسية في الصوم الكبير.
- ظهور الاسلام
- شهد القرن السابع ايضا ميلاد الاسلام على يد الرسول محمد الذي بدأ عهده الاسلامي برحلته الى مكة سنة 622م. لم يحتج اتباع هذا الدين الجديد الى وقت طويل للهجوم على الامبراطورية الرومانية، التي كانت قد ضعفت جداً بعد حربها الدامية مع الفرس، في تلك الحرب استرجع الامبراطور هرقل عود الصليب من الفرس وجلبه الى القسطنطينية. هذا العمل كان اساس انتشار الاحتفال بعيد رفع الصليب في كل الامبراطورية. وقد كان قبلا مقصورا على اورشليم فقط.
المجمع الخامس السادس تروللو
عقد في اواخر القرن السابع، وعلى الاغلب في العام 692 م، مجمع آخر في القسطنطينية في غرفة القبة (تروللو) في القصر الامبراطوري.
صدر عنه 102 قانوناً تنظيمياً. عُرفت هذه القوانين بقوانين المجمع الخامس، السادس لأنها اعتُبرت لاحقة لقوانين المجمعين الخامس والسادس.
أُخِذَتْ الكثيرُ من تلك القوانين عن التشريع المدني الذي وضعه الامبراطور جوستنيان والكثيرُ الآخريعود الى ممارسات ومبادء عامة تعود الى أزمنة اكثر قِدماً في حياة الكنيسة. وعلى سبيل المثال تأكدَ في هذا المجمع التقليد الذي يسمح برسامة الرجال المتزوجين كهنة وشمامسة مع بقاء زيجاتهم قائمة. اما العازبون منهم فلا يُسمح بزواجهم بعد الرسامة. الى هذا المجمع ايضا يعود تعزيز القانون الذي يفرض العزوبية على الاسقف كذلك حدد المجمع العمر الادنى اللازم لكل رتبة كهنوتية. واعاد تأكيد المبادىء الكنسية الخاصة بالاكليريكيين كإبعادهم عن الاشتراك او العمل المباشر في السياسة والجيش والاعمال التجارية.
التطور الليتورجي
حددت قوانين تروللو صوم الفصح بأربعين يوماً، ورسمت الاستعاضة عن خدمة القداس الالهي في ايام الصوم، بخدمة القداس السابق تقديسه (القانون 52).
دعت المسيحيين ايضاً الى تكريم قيامة المسيح بالامتناع عن السجود ايام الآحاد(القانون 90). حرم هذا المجمع العلمانيين من الدخول الى الهيكل، كذلك منع الزواج الكنسي مع غير الارثوذكس ( القانون 69،72) كما نهى المرتلين عن “الترتيل بأصوات صارخة وغير منضبطة” وعن استعمال” الالحان المتنافرة وغير المناسبة للكنيسة”(القانون75) دعا ايضا الى فصل الذين يمتنعون عن القداس الالهي “ثلاثةآحاد متعاقبة” من الكنيسة(القانون80). واخيراً طلب “عقاب القاتل” للذين “يأخذون ادوية تسبب الاجهاض في بطون الامهات” (القانون 91).
القرن الثامن
حرب الايقونات
حاول الاباطرة الايصوريون، في الشرق ليون الثالث (717-741) وقسطنطين الخامس (741-775) ان يخضعوا الكنيسة لسلطتهم. ومن اجل تحقيق هذا الهدف هاجموا بشراسة المسيحيين الأتقياء، وخصوصاً الرهبان، الذين دافعوا عن سلامة الكنيسة.
اخذ هذا الهجوم واقع اضطهاد فظيع للذين يكرمون الايقونات. وكان موضوع الهجوم مناسباً جداً لأن اكرام الأيقونات زاد عن حده عند بعض المؤمنين الاتقياء، ووصل الى حدود قريبة من الوثنية في بعض الحالات.
عقد الامبراطور مجمعاً أدان تكريم الأيقونات في العام 753م. ودعا الى ازالة كل الصور من الكنائس والاماكن العامة وبيوت السكن. لم يقتصر هذا المجمع على التحرك السياسي للحكام للسيطرة على الكنيسة، بل بنى حججاً لاهوتية ضد تكريم الأيقونات. وقد بنى ذلك المجمع موقفه اللاهوتي الأول على تعليم الكتاب المقدس بأن الله غير منظور، وهكذا استنتج المجتمعون أنَّ المؤمنين يجب ان يمتنعوا عن صنع الصور المرسومة أو المنقوشة وكذلك عن تكريمها.
عندما ادان بعض أساقفة الكنيسة الذين كانوا تحت الفلك الامبراطوري تكريم الايقونات ، اندلع للحال اضطهادٌ عنيفٌ على الذين استمروا في تكريمها. وشهدت السنوات 762-775م ماعُرفَ ب”عقود الدم” لأن آلافاً من المسيحيين وخصوصاً الرهبان، سجنوا وعذبوا وقتلوا حتى لمجرد اخفائهم ايقونات.
المجمع السابع المسكوني
عُقد في العام 787مخلال حكم الامبراطورة ايريني 780-802م التي اظهرت غيرة على تكريم الايقونات.
عُقد المجمع في مدينة نيقية وحدَّد وشرَّع الاستعمال السليم للأيقونات في الكنيسة. عُرف هذا المجمع بالمسكوني السابع، وتبع في تعليمه لاهوت القديس يوحنا الدمشقي+749م وقرر ان الايقونات يجب ان تُصنع وتُكَّرَّمْ ولكن لاتُعبدْ.
استند آباء المجمع المسكوني السابع في هذا التعليم المضاد لمحاربي الايقونات الى الايمان المسيحي بسر التجسد. لقد صار الله بالحقيقة منظوراً في يسوع المسيح. فمن يرَى المسيح يرى الله الآب غير المنظور(يوحنا14/8) “قال فيليبس ياسيد ارنا الآب وحسبنا. قال يسوع اني معكم منذ وقت طويل، أفلا تعرفني يافيليبس؟ من رآني رأى الآب”.
قال المجمع ايضاً: ان انكار رسم الايقونات وتكريمها هو إنكار لإنسانية يسوع المسيح. كذلك إنكار للتعليم القائل بأنه في يسوع المسيح وبه، يعطي البشر الروح القدس ليتقدسوا، وتتحقق في نفوسهم “صورة الله ومثاله”(تكوين 1/26). وهكذا كان قرار المجمع بأن رفض الصور المقدسة رفض لحقيقة الخلاص، الذي أعطاه الله في يسوع المسيح بالروح القدس . الآب والروح القدس يجب ألاّ يُصوّرا، اما السيد المسيح ووالدة الاله والقديسون ، فيمكن ان يُصَّوروا لأنهم ظهروا وأروا حقيقة الخلاص الإلهي. لقد أظهروا تقديس الانسان وتجليه الالهي الصحيح. وصاروا خليقة كاملة في المسيح والروح القدس. نُكرِّم الصّور في الكنيسة لأن ” الشرف والاكرام المقدم ليس للصورة بل للأصل الذي تمثله. ومن يكرم ايقونة. فهو يكرم القديس المرسوم فيها وليس الخشب والألوان”(المجمع السابع المسكوني).
استمر الهجوم على الايقونات بعد المجمع 787م، لكنه توقف تماماً في العام 843م عندما أُعيدَتْ الايقونات الى الكنائس منذ ذلك الحين وحتى الآن.
التطور الليتورجي
لعب القديس يوحنا الدمشقي الدور الاهم في تطور الليتورجيا في القرن الثامن، وكان وزيراً رفيع المقام عند الخليفة الاموي، وترك المنصب الوزاري ، وصار راهباً في دير القديس سابا في فلسطين، وكتب الكثير من الترانيم التي مازالت الكنيسة تستعملها مثل قانون الفصح والعديد من الترانيم، وخدمة جناز المؤمن. ويُعتبر هذا القديس المرتِّبْ الاول لكتاب المعزي (الالحان الثمانية) الذي هو كناية عن مجموعة كبيرة من الترانيم الكنسية الموزعة بحسب الالحان الثمانية. وايام الاسبوع السبعة.
وكان القديس يوحنا اول من كتب كتاباً منظماً في الايمان المسيحي الارثوذكسي، دعي”عرضٌ في كامل التعليم الارثوذكسي”. ” المائة مقالة في الايمان الارثوذكسي” يُعتبر هذا الكتاب الجزء الثالث من مجموعته ينبوع المعرفة.
دخل عيد دخول السيد الى الهيكل الى القسطنطينية. الذي كان معروفا منذ القرن السادس في القدس. بحسب رواية القديس اندراوس الكريتي وهكذا من القسطنطينية. وجد لذاته مكاناً ثابتاً في التقويم الكنسي الارثوذكسي.
الغرب
استمر اهتداء القبائل البربرية الى المسيحية، وكانت الارسالية التبشيرية الأهم في هذا القرن هي ارسالية القديس بونيفانيوس (754+).
صار باباوات رومة ولأول مرة حكاماً مدنيين يحكمون مساحات من ايطاليا. ودخلوا في علاقات ودية مع الحكام الكارولينيين الجدد. وقد قُدِّرَ لأحد هؤلاء الحكام وهو شارلمان الدور المهم في اعادة توحيد الامبراطورية بمساعدة باباوات روما.
استلزم توحيد الامبراطورية هجوماً على قانونية الامبراطورية الشرقية. وهكذا اتُّهِمَ الشرق بالوثنية بسبب تكريم الايقونات وباسقاط كلمة ” والابن ( الفيليوكفيه) من دستور الايمان.
القرن التاسع
نهاية حرب الايقونات
بعد مجمع 787م الذي اقر تكريم الايقونات وصنعها، تعاقب اباطرة عديدون من محاربي الايقونات وقد اعاد هؤلاء الهجوم على تكريمها ومكرميها.
فالامبراطور ليون الارمني الذي صار امبراطوراً بعد موت الامبراطورة ايريني في العام 802م امر في العام 815م برفع الايقونات في الكنائس الى امكنة عالية لاتطالها ايدي المؤمنين، وذلك لمنع تكريمها وتقبيلها، فقاد القديس ثيودورس الستوديتي في احد الشعانين من العام نفسه موكباً شعبياً ضخماً رفع المشاركون فيه الايقونات في شوارع القسطنطينية. فقابلت السلطة الامبراطورية هذه الجموع المؤمنة باجراءات تعذيبية وقتل.
ولم يعد السلام الا في العام 843م مع اعتلاء الامبراطورة تيودورا السلطة وفي عهد البطريرك مثوديوس. أُعيدت الايقونات الى الكنائس وقتها والى الابد.
وحدث هذا الامر في الاحد الاول من الصوم الكبير من ذلك العام، فصار بذلك أحد الارثوذكسية او احد الايمان القويم والى الآن نعيد في احد الارثوذكسية لرفع الايقونات المقدسة وزياحها في الكنائس وخارجها في كل البلاد الارثوذكسية.
تبشير السلاف
كيرلس ومتوديوس
ارسل البطريرك القديس فوتيوس بعثات تبشيرية الى مورافيا لتهدي الشعب السلافي الى الايمان المسيحي، وذلك في اواسط القرن التاسع. فوصل الأخوان قسطنطين ومتوديوس الى مورافيا في العام 863م.
ابتدع قسطنطين الالف باء السلافية- المعروفة حالياً بالسلافية القديمة- واليها نقل هو واخوه الكتب الكنسية. واستخدما في تعليم هذه اللغة الكتب الليتورجية والطقسية وفيها دربا الرجال على الدخول في سلك الكهنوت.
لاقت بعثة الأخوين قسطنطين ومثوديوس كراهية وتنافساً من الارساليات البابوية والتي كانت قد وصلت الى مورافيا قبلاً. فحاربت هذه الارساليات استعمال اللغة السلافية في الكنيسة واعتقدوا ان لغات الكنيسة الرسمية هي ثلاث فقط: العبرية واللاتينية واليونانية.
فذهب قسطنطين ومثوديوس الى روما في العام 869م ليُبرزا عملهما، وخصوصا استعمالهما اللغة المحلية في الليتورجيا، فباركهما البابا ادريان الثاني وبارك عملهما.
مات قسطنطين في العام ذاته 869م وقبل موته بقليل صار راهباً، وحمل اسم كيرلس، وهو الاسم الذي عُرف به قديساً في الكنيسة. ومن هذا الاسم اخذت الابجدية السلافية تعرف بالألفباء الكيرلسية. او الابجدية الكيرلسية.
رُسِمَ مثوديوس رئيسَ اساقفة بانونيا. وعندما عاد الى عمله البشاري قبض عليه كهنة الافرنج الالمان بمساعدة لويس الالماني. وفي العام 873م عندما اكتشف البابا يوحنا ماحدث لمتوديوس، تم اطلاق سراحه. لكن بعد موته في العام 885م، خرّبت القوى الافرنجية الالمانية كل ماكان قد عمله من عمل بشاري وتنظيمي كنسي. وأُلقي القبض على الكثير من تلاميذه ونُفي وسيق الى العبودية البعض الآخر.
بعضهم نجا بدخوله الى عمق بلغاريا حيث كان القديسان اكليمنضوس وناحوم ، قد أسسا عملهما البشاري بين شعب تلك المناطق وحيث كان بلغار تلك المناطق قد قبلوا الايمان المسيحي ودخلوا فيه. واتصلوا بكنيسة القسطنطينية من العام 870م.
تَتابعَ عمل القديسين كيرلس ومثوديوس “مبشرا السلاف” ا نطلاقاً من بلغاريا عبر الاراضي الغربية وحتى عمق كييف وشمالي روسيا في قرون مقبلة.
قضية الفيليوكفي (الانبثاق من الآب والابن)
لم يكن تبشير السلاف الموضوع الوحيد للصدام بين الشرق والغرب. وكان لهذا الصراع جذور أعمق في الدور الذي لعبه الحكام الفرنجة والالمان في اوربة الغربية وفي الكنيسة الغربية.
ففي العام 800م وفي عيد الميلاد ، توج بابا رومه شارلمان امبراطوراً. كان هذا الحاكم الجديد قد ارسل كتبه الكارولينية في العام 972 الى البابا ادريان الأول. والدافع الاساسي عند شارلمان كان أن ذلك هو الطريق الوحيد لتشويه صورة وسمعة الامبراطور الرومي، وتاليا ليحتل مكانه ويصير امبراطوراً على كل الامبراطورية المسيحية، فقد اراد شارلمان ان يضم الامبراطورية الشرقية او الرومية الى الامبراطورية الغربية ليؤسس حلم الامبراطورية الرومانية المقدسة.
في العام 808م قاوم البابا ليون الثالث مكائد شارلمان ضد الشرق المسيحي، ونقش دستور الايمان بحسب الاصل ودون زيادة (والابن) على لوحين من الفضة علهما على باب كنيسة القديس بطرس.
البابوية
مع ان محاولات شارلمان لتأسيس حكم واحد لكل المسيحيين لم تنجح، فان باباوات رومة بدؤوا يمدون حكومتهم الكنسية على الغرب كله. وبسط بعض الباباوات الأقوياء، مثل نيقولاوس الاول (858-867م) سلطتهم على كل اساقفة الغرب كابحين تأثير سلطات العلمانيين واللامركزية المحبة للأساقفة المحليين ساعدتهم في ذلك وثائق false Decredals المنحولة، التي ادعت انها رسائل من القرن التاسع الافرنجي، بالاضافة الى مايسمى ب (هبة قسطنطين) مارست تأثيراً قسرياً مساعداً، ادعت هذه أن الأمبراطور قسطنطين في القرن الرابع قد اعطى قوى وامتيازات خاصة لاساقفة روما منها الاشراف المدني على المقاطعات المحيطة بروما والتي دعيت الدولة البابوية فيما بعد.
فوتيوس بطريرك القسطنطينية
حدث الصدام الاول المفتوح بين الكنيستين الشرقية والغربية بين العامين 861-886م. ففي القسطنطينية ظهر حزبان يتصارعان على تولي السلطتين المدنية والكنسية، سمي الحزب الأول بالغيورين أو المحافظين بينما سمي الثاني بالمعتدلين.
وللتوفيق بين الحزبين وقع الخيار على شخص علماني اسمه فوتيوس رقي الى السدة البطريركية.
لم يقتنع المتطرفون بهذا الانتخاب فاشتكوا الى رومة، ورشحوا اسم البطريرك القسطنطيني السابق اغناطيوس- وكان لشدة مسالمته ان ترك منصب البطريرك من اجل خير الكنيسة – ضد فوتيوس والسلطة الامبراطورية التي ثبتت انتخابه.
فوجد البابا نيقولا الفرصة مناسبة للتدخل في خصوصيات كنيسة القسطنطينية، فدعا الى مجمع في تلك المدينة في العام 861م ليبت في النزاع.
عندما وصل رسل البابا الى المجمع والتقوا فوتيوس وجدوه بطريركا شرعيا ومستقيما، فثبتوه في منصبه وكلهم فرحون. لكن البابا رفض قرارهم. عندما عادوا الى روما.
عقد مجمع آخر في العام 863م في روما نفسها. اعلن المجمع اغناطيوس اسقفا للقسطنطينية وخلع فوتيوس، لكن اعمال المجمع لم تلق صدى تنفيذياً.
بين العامين 866و867 تقلبت الكنيسة البلغارية بين القسطنطينية وروما، ففي العام 867 أدان فوتيوس ومجمع من خمسمائة اسقف عُقد في القسطنطينية البابا نيقولا لتدخله في شؤون الكنيسة البلغارية. لكن في العام نفسه حدث انقلاب سياسي في القسطنطينية وتسلم باسيليوس الأول السلطة الامبراطورية عن طريق اغتيال سلفه ومولاه السابق، ولأسباب سياسية أُعيد اغناطيوس الى الكرسي البطريركي بدلاً من فوتيوس.
في العام 869 قطع البابا ادريان الثاني، خلف نيقولا فوتيوس من الشركة بسبب موقفه من الكنيسة البلغارية. ولكن في 877م تغير الحال، فوتيوس الذي كان في وضع سيء مع الامبراطور الجديد عاد وصار بطريركا بعد موت اغناطيوس.
في العام 879 عُقد مجمع ضخم في القسطنطينية بحضور ممثلين بابويين، في هذا المجمع الذي ترأسه فوتيوس، وضح فوتيوس الامتيازات التقليدية لبابا روما في الشرق، ووافق عليها البابا يوحنا الثامن. ان مجمعي 863 و 869 اللذين ادانا فوتيوس اوضحا بطلانهما والغاءهما. أما مجمع 787 فاعتُبر مجمعا مسكونيا. وقانون الايمان ثُبِّتْ بدون اضافة ( والابن).
أُعلنَ فوتيوس في القرن العاشر قديساً في الكنيسة الارثوذكسية. لقد كان انساناً بمواهب عديدة. فقد كان لاهوتياً كبيراً كتب بغزارة خصوصا حول قضية( الفيليوكفي). ودافع عن انبثاق الروح القدس من الآب فقط، كما كان كاتبا لكتابات كلاسيكية وآبائية، وعراب التبشير بين السلاف.
دافع عن التقليد الكنسي الارثوذكسي والاصيل مع ادعاءات نيقولا المتطرفة، بينما كان يحافظ على الوحدة مع الكنيسة اللاتينية والبابا يوحنا الثامن، كان ايضاً دبلوماسياً ممتازاًفي الشؤون السياسية، وتحلى بحكمة وانسانية شخصية اكسبتاه احتراماً للأشخاص المتنفذين في كل الاحزاب في الشرق والغرب. كان القديس فوتيوس واحداً من الاساقفة العظام في تاريخ الكنيسة المسيحية.
التطور الليتورجي
كان لقديس آخر من القرن التاسع أيضاً، هو القديس ثيودورس الستوديتي، مسؤولية كبيرة في التطور الليتورجي. فقد كان هذا القديس رئيس دير ستوديون في القسطنطينية، وكان يضم في ايام رئاسته عدداً هائلاً من الرهبان، عُرفَ بدفاعه عن الايقونات المقدسة وبدوره في تطور العبادة الليتورجية الارثوذكسية فقد اصبح التيبيكون الأول (أصول ترتيب الصلوات)، المستعمل في دير ستوديون هو السائد في الكنيسة الارثوذكسية منذ القرن التاسع. كما ان كتاب التريودي (الذي يُقرأ في الصوم الكبير المقدس) والبنديكستاري ( الذي يُقرأ من الفصح الى العنصرة) بجملتها من وضع رهبان ديره الذين فيهم القديس يوسف كاتب الترانيم.
تعود الى القرن التاسع ايضاً نسخة من القداس الالهي للذهبي الفم، وهي خدمة القداس التي تُقام نفسها في كنيستنا الارثوذكسية حتى اليوم.
القانون Law Code
أنشأ الامبراطور باسيليوس الأول في القرن التاسع مجموعة تصانيف قانونية مدنية، احدها كان الإيباناغوغ Epanagoge، الذي اعاد تأكيد نظام ” التناغم” او الوحدة بين الكنيسة والدولة.
الغرب
كان القرن التاسع احد القرون الأكثر دلالة في تاريخ الكنيسة. فقد كان عهد نهضة في الشرق. بينما كانت مركزية البابوية تزداد فيه.
اللاهوتي الوحيد البارز في الغرب من ذلك القرن كان جون سكوت اريوجينا (+877)، الذي نقل تأثيراً قوياً من اللاهوت الشرقي لديونيسيوس الأريوباغي والقديس مكسيموس المعترف الى الكنيسة الغربية.
يتبع في الجزء الرابع