الأسقف مكاريوس الثالث رئيس جمهورية قبرص(1913 ـ 1977)
السيرة الذاتية
مكاريوس الثالث ( باليونانية: Μιχαήλ Χριστοδούλου Μούσκος Γ) هو ميخائيل خريستودولوس موسكوس Michael Christodoulos Mouskos اكليريكي ارثوذكسي، وسياسي قبرصي، وأول رئيس لجمهورية جزيرة قبرص بعد استقلالها عن بريطانيا.
هو رئيس اساقفة قبرص الرومية الارثوذكسية (1950–1977)، واول رئيس لجمهورية قبرص (1960–1974 و1974–1977). في فتراته الرئاسية الثلاث كرئيس لقبرص (1959–1977)، نجا من أربع محاولات اغتيال وانقلاب عام 1974.
ولد في العام 1913 مدينة أنوبانايا Ano-Panayia قرب مدينة باخوس في جزيرة قبرص لعائلة فلاحية فقيرة حالت ظروفها المادية دون تحصيل علومه في المرحلة الابتدائية، فانتسب إلى السلك الكهنوتي سنة 1926 ولم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره بعد، واختار لنفسه اسم شفيعه القديس مكاريوس عرف به هو (مكاريوس) Makarios ويعني المبارك باللغة اليونانية. وبعد انتهاء دراسته الثانوية في قبرص تابع مكاريوس دراسته في القانون والأديان في جامعة أثينا، ومنها إلى جامعة بوسطن الأمريكية بمساعدة قدمت له من مجلس الكنائس العالمي فتخصص في علم اللاهوت وتخرج فيها سنة 1946.
رئيساً لأساقفة قبرص
الكنيسة القبرصية ليست بطريركية ارثوذكسية بل رئاسة اساقفة مستقلة كما رئاسة اساقفة اثينا وكل اليونان وبقية رئاسات الاساقفة الارثوذكسية في اوربة الشرقية كبراغ ووارس وبودابست…ورئاسة اساقفة طور سيناء
وتتكون الكنيسة القرصية الارثوذكسية من ابرشيات ترتبط عبر المجمع المقدس برئيس اساقفة قبرص…
عد وفاة مكاريوس الثاني في حزيران 1950 تم انتخاب مكاريوس الثالث (37 سنة) خلفاً له كرئيس لأساقفة الكنيسة القبرصية وذلك في 18 تشرين الاول من العام ذاته فكان أصغر من تبوأ هذا المنصب في تاريخ كنيسة الجزيرة القبرصية. وفي خطاب التنصيب تعهد مكاريوس بأن يضع على رأس أولوياته مشروع الوحدة مع اليونان “الوطن الأم”
نضاله الوطني
عاد مكاريوس إلى وطنه سنة 1948 ليصبح أسقف مدينة كيتيون Kition (جنوب شرقي قبرص). وشارك في حركة القبارصة اليونانيين الداعية إلى ضم جزيرة قبرص إلى اليونان، وفي سنة 1950 خلف سلفه الأسقف مكاريوس الثاني في رئاسة أساقفة قبرص وصار مطراناً لها وهو منصب له دلالات سياسية وروحية مهمة، مكّنه من توجيه النشاطات السياسية للمقاومة القبرصية الهادفة إلى تحقيق الاستقلال عن بريطانيا والاتحاد مع الدولة اليونانية وقد لعب الأسقف مكاريوس دوراً هاماً في الحركة التي كانت تدعو لضم قبرص الى اليونان (الإينوسيس)، فكان من أبرز ما قام به خلال تلك الفترة هو تنظيم استفتاء برعاية الكنيسة في كانون الثاني 1950 عبر فيه القبارصة اليونانيون عن رغبتهم بتحقيق الوحدة مع اليونان وذلك بنسبة 96 %. وهو أمر أدى إلى قيام السلطات البريطانية بالحكم عليه في آذار 1956 بالنفي إلى جزرسيشل Seychelles
التي لم يقض فيها أكثر من سنة واحدة حين وافقت بريطانيا على انتقاله إلى أثينا. وفي فترة غيابه تعاظمت المقاومة القبرصية وتطورت إلى حرب عصابات في جبال الجزيرة، مما أجبر البريطانيين سنة 1959 على الإذعان لمطالب القبارصة والموافقة على استقلال الجزيرة إثر مفاوضات مكثفة مع وفود قبرصية بزعامة مكاريوس الذي تخلى وقتها عن فكرة الوحدة مع اليونان بضغط من الأقلية التركية المدعومة من قبل تركيا في الجزيرة.
يقول بعض الديبلوماسيين والكتاب والصحفيين المصريين ان علاقة الاسقف مكاريوس بالرئيس جمال عبد الناصر كانت متوافقة لجهة التحرر من الاستعمار البريطاني كون قبرص وكنيستها وشعبها كانت على علاقة جيدة مع المحيط العربي ومؤيدة للحق الفلسطيني في وطنه وكانت مصر كما سورية مساندة لكل حركات التحرر في دول العالم الثالث (وكان الاسقف مكاريوس مع عبد الناصر وجوزيف تيتو وجواهر لال نهرو شكلوا لاحقاً مايسمى بمجموعة دولة عدم الانحياز)وكان عبد الناصر يحول الكثير من شحنات الاسلحة التشيكية الواردة الى مصر يحولها الى الثوار القبارصة، وكانت الثورة التحررية القبرصية تدعى بثورة الرهبان فهي كانت بقيادة رئيس الاساقفة مكاريوس وتضم الاكليروس القبرصي… وتحارب المحتل البريطاني والاتراك. وكان عبد الناصر يرسل مدربين مصريين الى الثوار اليونانيين للتدرب على الاسلحة التي يرسلها لهم، مما مكن هؤلاء الرهبان والشعب الثائر من تحرير 60% من اراضي الجمهورية القبرصية وكان المساعد هو وعورة المسالك الجبلية التي حققت الانتصارات ثم توقف اطلاق النار فاستطاع الاتراك السيطرة على اقل من 40% من مساحة الجزيرة وعمليا فقد كانت قبرص اساساً تحت الاحتلال العثماني وقد تخلت صورياً للانكليز عن حكمها، ولكن الشعب التركي كان يسعى لاستعادة السيطرة على كامل الجزيرة…وفي الغزو التركي عام 1974 وعلى اثر الانقلاب الذي قام به الضباط اليونانيين على الاسقف مكاريوس استطاع الاتراك احتلال 40% من شمالي جزيرة قبرص وكعادتهم ارتكبوا المجازر بحق اليونانيين ولجأ الباقون الى القسم اليوناني وتحولت الكنائس والاديرة في المناطق المحتلة الى جوامع واسطبلات ومخازن…واحتل نصف العاصمة نيقوسيا واستبدلت في الدولة اليونانية بمدينة لارنكا…
رئيساً لجمهورية قبرص
وفي كانون الأول 1959 انتخب مكاريوس رئيساً لجمهورية قبرص الوليدة وتسلم مهام منصبه عندما استقلت الجزيرة فعلاً في آب 1960 من الاستعمار البريطاني، وكانت أصعب مهامه محاولة إيجاد صيغة للتعامل السياسي بين الأغلبية اليونانية والأقلية التركية، وهي مهمة أدى إخفاقه فيها إلى اندلاع قتال مرير في الجزيرة في كانون الأول 1963 تدخلت فيه عسكرياً الدولتان اليونانية والتركية. وكادت الأمور تتطور إلى حرب مفتوحة بين الدولتين لولا وصول بعثة من الأمم المتحدة في آذار 1964 نجحت في تحقيق هدنة طويلة الأجل بين المقاتلين. وبسبب موقف الأسقف مكاريوس من حكومة اليونان بعد استلام الجيش السلطة هناك فقد تشجعت بعض القوى القبرصية اليونانية للقيام بانقلاب أطاح بمكاريوس واضطره إلى اللجوء إلى لندن في أواسط تموز 1974، وبعد بضعة أيام قامت الحكومة التركية بإنزال جنودها على الشاطئ القبرصي واحتلت نحو 40% من الأراضي الشمالية الشرقية للجزيرة فطلب مكاريوس من مجلس الأمن التدخل والمساعدة لحل المشكلة فعاد إلى قبرص في 7 كانون الأول1974، حيث أعيد انتخابه رئيساً للجمهورية مرة ثانية، واتفق مع الزعيم القبرصي التركي رؤوف دنكطاش على صيغة للتعامل السياسي مع القبارصة اليونانيين والأتراك خلاصتها إنشاء جمهورية مستقلة تقودها حكومة مركزية لتأمين وحدة الجزيرة وفق معايير متفق عليها بين الجانبين، وفي أثناء ذلك أعلن عن وفاته في نيقوسيا 3/8/1977.
ارتبط مكاريوس في أثناء حياته السياسية بحركات التحرر العالمية وخاصة بحركة عدم الانحياز، وكان واحداً من أبرز أقطابها إلى جانب كل من الرؤساء جمال عبد الناصر وجوزيف بروز تيتو وأحمد سوكارنو وجواهر لال نهرو.
الاسقف مكاريوس وسورية والكرسي الانطاكي المقدس بدمشق
رئاسة اساقفة قبرص اساساً كانت مرتبطة بالكرسي الانطاكي المقدس وكانت قبرص تتبع البطريرك الأنطاكي حتى عام 431 عندما أقر مجمع أفسس المسكوني استقلالية كنيسة قبرص. وأعيد التأكيد على استقلالها في مجمع ترولو عام 692.
وبقيت العلاقات اخوية بين الكرسي الانطاكي المقدس ورئاسة اساقفة قبرص وحتى الآن حيث تشهد نموا روحياً متزايداً لتطابق المواقف الروحية والوطنية بين الكنيستين والبلدين وشعبيهما.
اما العلاقات السورية-القبرصية قبرص فهي على الدوام في احسن حالاتها وخاصة بعد استقلال سورية واستقلال قبرص زمن الاسقف مكاريوس، ومن الواجب ذكره ان سورية كما مصر، وبحكم النضال الواحد في منظومة عدم الانحياز، والذي يجمع الشعبين ضد الغزو التركي فكانت سورية داعما لقبرص في النضال والتحرر من الانكليز ومن الغزو التركي 1974 ومؤيدة بشكل مطلق للرئيس الاسقف مكاريوس ووحدة الجزيرة تحت رئاسته والحكومة الشرعية انسجاماً مع وحدة الموقف كنسياً بين بطريركية انطاكية للروم الارثوذكس ورئاسة اساقفة قبرص للروم الارثوذكس….
ومن الواجب ذكره وللامانة التاريخية والروحية ولتميز العلاقة بين قبرص كنيسة وحكومة وشعبا وسورية كنيسة ارثوذكسية وحكومة وشعباً انه خلال زيارة قام بها الاسقف مكاريوس الى سورية في العقد السابع من القرن 20 زار العديد من الاديرة البطريركية في سورية ومنها دير سيدة صيدنايا البطريركي وقدم للحكومة السورية مساعدة مالية جزيلة لشق طريق مريح الى بلدة صيدنايا تسهيلاً للحج المسيحي العالمي الى ديرها الشريف وبقية اوابدها المسيحية، ليعود مجدداً ويكرر الدعم لتقصير المساعدة المالية الاولى عن اكمال شق هذا الطريق.!
كما من الواجب ذاته ذكر الدور المحوري في نصرة سورية في الحرب الكونية عليها في السنوات العجاف العشر الماضية الذي لعبه غبطة رئيس اساقفة قبرص الحالي خريسوستموس الثاني في المحافل الاوربية لجهة كونه صاحب مكانة كبرى في الاتحاد الاوربي، وسعى ولايزال من اجل معرفة مصير المطرانين المخطوفين بولس يازجي ويوحنا ابراهيم…
غبطة رئيس اساقفة قبرص خريسوستموس الثاني تحدى الحصار الدولي على سورية وزار الكرسي الانطاكي المقدس في دمشق في 22/7/2016 تضامنا مع سورية وكرسيها الانطاكي وقضية المطرانين المخطوفين
غبطة البطريرك يوحنا العاشر رحب بغبطة القبرصي مثمناً الزيارة التي يقوم بها ودورها في نقل صورة حقيقية لما يجري في سورية. وأكد غبطته أن كنيسة أنطاكية تصلي دوماً من أجل قبرص ومن أجل إيجاد حل للقضية القبرصية يضمن وحدة الجزيرة. وختم مرحباً بغبطة رئيس اساقفة قبرص باسم كنيسة أنطاكية وباسم الشعب السوري ومؤكداً أن سورية عائلة واحدة بكل الأطياف والأديان وأن مايجري الآن من إرهاب هو غريب عن ماضيها وحاضرها.
من جهته عبر رئيس الأساقفة عن فرحه لوجوده في دمشق وتمنى عودة السلام سريعاً إلى ربوع سورية. كما وأكد استنكاره لما يجري من إرهاب وتطرف في المنطقة. وعبر عن أمله أن يرى الوجوه التي تستقبله بكامل فرحها قريباً بعد زوال المِحنة.
مكاريوس والمشكلة القبرصية (1964–1977
أطاح به انقلاب عسكري في حزيران 1974 فاضطر إلى مغادرة البلاد، وخلال تلك الفترة قامت القوات التركية بغزو قبرص واحتلت شماله ووصلت الى منتصف العاصمة نيقوسيا وارتكبت كعادتها مجازر يندى لها جبين البشرية خجلا كما اسلفنا اعلاه وحولت الكنائس والاديرة الى جوامع واسطبلات ومخازن، بينما حافظ اليونانيون على المساجد الكثيرة المنتشرة في القسم اليوناني سليمة ولكل منها امين يرعى شؤونها اضافة الى حراسة كما شاهدنا عياناًواحكمت احتلالها على الجزء الشمالي منها وارسلت الامم المتحدة قوات فصل بين الاتراك واليونانيين . عاد مكاريوس مجدداً إلى الجزيرة ليكون رئيساً لفترة ثانية استمرت حتى وفاته في 3 آب 1977.
وفرضت تركيا قيام جمهورية شمال قبرص التركية والتي لم تحظ بأي اعتراف دولي الا من تركيا فقط. ومنذ ذاك الاحتلال مافتىء القبارصة يسعون حتى الآن تحت مظلة الامم المتحدة لاعادة الحال كما كان بدون نتيجة لتعسف الجانب التركي وتمسكه بشروط تعجيزية…!
وفاة الاسقف مكاريوس
توفي الاسقف مكاريوس الثالث في 3 آب 1977 ودفن في الدير الذي شهد رهبنته وحياته الاكليريكية الاولى وهو على اسم والدة الاله والمعروف باسم دير كيكوس وهو على اسم رقاد والدة الاله، وهو دير فخم، وبالتالي القصر الرئاسي الصيفي للأسقف مكاريوس.
يقع في منطقة الغابات البديعة وفي اعلى نقطة ويشرف على كل الجزيرة وتم دفنه في ضريح فاخر من المرمر، تكريما لذكراه كمحرر لقبرص وصانع مجدها ومجد كنيستها.
يضم الدير البديع التابع لقرية باناجيا واحدة من ثلاثة أيقونات هامة تعود للمُبَشر بالمسيحية أجيوس لوكاس (الرسول لوقا)، المغطاة بفضة ذهبية اللون وتستقر في ضريح مصنوع من عظم ظهر السلحفاة وصدف أم اللالئ وتقف في الجهة المقابلة للحاجز الأيقوني.( الثانية في دير سيدة صيدنايا البطريركي، والثالثة في احد اديرة جبل آثوس الرهباني المقدس).
وكما يسرد التاريخ، فقد أبرأ السيد المسيح ابنة الإمبراطور ألكسيوس الأول كومنينوس من مرضها (1081-1118م)، حينها طلب الإمبراطور بإنشاء أيقونة رمزية كمكافأة له وأمر بإرسالها إلى قبرص خشية احتمال فقدانها بالإضافة إلى أموال طائلة لإنشاء دير كبير يُحتفظ فيه بالمعالم الأثرية المقدسة، وجديرًا بالذكر أن الدير تعرض على مر العصور لاندلاع الحريق حتى لم يتبقى شيئًا من هيكله الأصلي.
وفي يومنا هذا، يشتهر الدير اضافة الى انه قصر رئاسة قبرص ومكان دفن الاسقف مكاريوس حيث تقام فيه الاحتفالات الدينية في الثامن من ايلول ( عيد ميلاد السيدة العذراء) والخامس عشر من آب ( عيد رقاد السيدة العذراء)، كما يحتوي على متحف من طابق واحد، وأكثر ما يشتهر به أنه المكان الذي أدار فيه الأسقف مكاريوس الثالث مهام حكم قبرص بصفته أول رئيس لها.
جوائز وتكريمات
- الوشاح الأكبرلوسام النيل
- رتبة خاصة والصليب الأكبر من وسام الاستحقاق لجمهورية المانيا الاتحادية
- Grand Master of the Order of Orthodox Hospitallers
- وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة
- الوسام اليوناني
- وسام القديسين بطرس وبولس وسام الكرسي الانطاكي المقدس