كيف نفَّعل إلتزامنا بالإيمان ..؟
أقرأ ولا تخف طالما أنت في الحجر الصحي لجسدك وجسدك بحاجة لغذائه الروحي كون القداس مقتصر على عدد معين من المؤمنين.
كي نتحدّث عن التزام إيمانيّ، ينبغي أن نفهم المعنى العميق للإيمان. فالإيمان هو جواب النَّعم الحرّ على دعوة الحبّ الإلهيّ، وبالتّالي بناء علاقة مع الله بكلّ ما تحمل كلمة علاقة من معنى.
والإيمان بعيداً عن اختبار علائقي مع الرّبّ، يبقى مجرّد نظريّة آيلة للسّقوط في أي وقت. هذه “النَّعم” مقدّسة أمام الله وتفترض التزاماً حياتيّاً دائماً يعتمد على عنصرين أساسيّن:
– الثّبات الإيماني.
– كيف نفَّعل إيماننا عمليّاً وواقعيّاً
1- الثّبات الإيمانيّ
الالتزام الإيماني المترجم بعلاقة بين الله والإنسان، يتجلّى من خلال الثّبات في هذه العلاقة. بمعنى آخر، الإيمان بالله لا يحتمل المراوغة والمساومة، ولا يجوز أن نلتزم فيه بحسب الظّروف.
الإيمان قرار حرّ ومسؤول يتحقّق في عهد حبّ مع الله يستمرّ إلى الأبد. وتتحدّد استمراريّته بالثّبات الإيمانيّ النّاتج عن الثّقة بالرّب وبكلمته.
من يؤمن يعِ أنّ الله شخص حاضر وليس مجرّد فكرة. فالفكرة تزول مع الوقت أو تتبدّل أو يتمّ إدخال تعديلات عليها، وأمّا الله فهو حضور شخصي. من هنا نتحدّث عن علاقة بين الله والإنسان وليس عن مجرّد عبادة بين عبد وسيّد، أو واجب العبادة طمعاً بجنّة أو خوفاً من نار.
“لست أخجل، لأنّني عالم بمن آمنت، وموقن أنّه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم”. (2 ثيموتاوس 12:1).
الثّبات الإيماني يظهر من خلال مرافقة الرّبّ كلّ حين وتسليم الذّات له، والدّخول في تفاصيله حتّى تنمو علاقة الحبّ بيننا وبينه. ونرافقه من خلال القراءة الإنجيليّة اليوميّة بدقّة وتأنٍّ يحتّمان علينا الدّخول في قلب الحدث والجلوس مع المسيح والاصغاء له.
من يقرأ الإنجيل من الخارج يبقَ خارجاً ولن يتمكّن من فهم المسيح. وأمّا من يقرأه من الدّاخل ويتعمّق فيه يفهم تدريجيّاً مقاصد الرّب. كما أنّ الثّبات هو الاقتناع بأنّ مشيئة الله هي سعادة الإنسان وبالتّالي مهما واجهنا من صعوبات أو ضيقات، نتمكّن بثباتنا الإيماني رؤية وجه الله ومحبّته الفاعلة.
2- كيف نفَّعل إيماننا عمليّاً وواقعيّاً
يبقى الإيمان نظريّاً ما لم يترجم عمليّاً. وينتقل من النّظريّة إلى الفعل بجرأة وشجاعة في تحقيق صورة الرّبّ في العالم.
يحتاج المسيحيّ أن ينطلق من نقطتين يعتبرهما قاعدتين أساسيّتين في حياته، كي يتمكّن من تفعيل إيمانه :
– الأولى : كرامته في المسيح.
– الثّانية : المسيحي يحمل الحقيقة للعالم.
– الإيمان بالمسيح يعرّفنا على كرامتنا الحقيقيّة والمقدّسة في عينيّ الرّبّ. فقيمة الإنسان وجمال إنسانيّته مرتبطتين بحضور المسيح فيه وبعمل المسيح الخلاصي الّذي حرّره من عبوديّته. عندما يتيقّن المسيحيّ من كرامته، يفهم معنى كونه نوراً للعالم، ما يعني أنّه موكل باختراق كلّ ظلمة.
الكرامة المسيحيّة تتجلّى في كوننا سفراء للمسيح في هذا العالم، “نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا”. (2 كورنتس 20:5).
وبالتّالي فإيماننا يحتّم علينا إظهار المسيح للعالم، وإيصال كلمته المحيية. لا يحتاج عالم اليوم لمعرفة معلومات عن المسيح، فذلك متاح بسهولة. ما يحتاجه عالم اليوم هو رؤية المسيح من خلالنا. ويتمّ ذلك بالسّماح للمسيح أن يعمل فينا.
لا يستطيع المسيحي أن ينجرف في تيارات العالم ومغرياته كما يفعل بعض المسؤولين عن المؤمنين ويعتبرون أنفسهم رعاة، بل عليه أن يكون العنصر الأساسي في تحريره من عبوديّته وانتشاله من شقائه. فحيث الفوضى، ينبغي أن يضع النّظام، وحيث الضّلال عليه أن يظهر الحقيقة، وحيث النّزاع عليه أن يسهم في تحقيق المصالحة.
لا يكفي الالتزام بالصّلوات ومواعيدها، بل يجدر بالمسيحيّ أن يعمل باجتهاد ونشاط، فالحياة مع المسيح لا تحتمل الكسل.
– المسيحيّ يحمل الحقيقة للعالم، ولعلّ مشكلتنا اليوم تكمن في عدم قولنا الحقيقة وإظهارها للعالم. بمعنى أنّنا نستسهل الانجرار وراء عبوديّات كثيرة في حين أنّنا ونحن الأحرار، ينبغي علينا السّير في هذا العالم دون أن يستعبدنا شيء أو أحد.
يقول الرّبّ يسوع: “أنتم في العالم، لكنّكم لستم من العالم”.
أي أنّنا ونحن في قلب هذا العالم الفاسد لا يجب أن ننغمس فيه ونسمح لفساده أن يمسّنا لأنّنا أبناء الله، وعلينا أن نعيش في العالم بحسب مشيئة أبينا السّماوي.
لا يقتصر الإيمان على الصّلوات والواجبات الدّينيّة وحسب، ولا يُختصر بطقوس ومظاهر إيمانيّة، وإنّما هو عمل مستمرّ يتمّ تفعيله في شتّى مراحل الحياة وجوانبها. يكمل الإيمان بالعمل، بحيث يفرض المسيحيّ نفسه كابناً لله بتواضع ومحبّة، مقتاداً بالمسيح، متمثّلاً بجرأته وشجاعته وتفانيه وبذل ذاته حتّى النّهاية.