وضع الروم الأرثوذكس في مدينة بيروت
بدءاً، لماذا التجنيد الإجباريّ في السلطنة؟
عندما اتّسعت رقعة أراضي السلطنة العثمانيّة، شرقاً وغرباً، كان لا بدّ من إيجاد نظام أمنيّ يحمي حدودها، ويعالج الأوضاع الأمنيّة في الداخل. فكان نظام جيش الإنكشاريّة الذي كان القوّة الحديديّة بيد السلطان.
لكنّ هذا الأمر ما عاد كافياً لاعتبارات عديدة منها
أ – الجنسيّات والإثنيّات المختلفة التي خضعت للسلطنة في أوروبة الوسطى والشرقيّة، وشرق البحر المتوسّط وشمال إفريقيا .
ب _ تعدّد المهامّ العسكريّة في شتّى أرجاء السلطنة، وما رافقها من سيطرة على الأرض والمضائق والممرّات المائيّة.
ج _ الحاجة إلى جيوش تحافظ على الملاحة البحريّة للسلطنة، وخوض معاركها، وفرض السلطنة سلطتها عبر البحار.
د _ إيجاد الوسائل والعديد والعتاد لهذا الكمّ الكبير من العساكر التي تخدم مصالح السلطنة.
ه _ وجود إثنيّات متعدّدة تشكّل خطراً كبيراً على أمن السلطنة في حال حصول انتفاضات أمنيّة في بلدانها، كما حصل في بلاد الرومللي واليونان لاحقاً.
هذه العوامل كلّها، بالإضافة إلى أسباب أخرى عديدة، أجبرت السلطات على فتح باب التطوّع العسكريّ في جيوشها، وغالبيّة الجنود كانوا من المسلمين. لكن هل يوجد عديد مسلم يكفي للتجنيد والتطوّع؟ من هنا أصبحت الحاجة ملحّة إلى إيجاد عناصر غير مسلمة تخدم في الجيوش، شرقاً وغرباً، وتستطيع التعامل مع كلّ المستجدّات الأمنيّة، الداخليّة والخارجيّة، من دون أن يكون عندها ردود فعل محتملة. إنّها مشكلة واجهت السلطات التي أقدمت على حلّ جيش الإنكشاريّة، وأصبحت تتطلّع إلى مصادر لتسدّ هذا العجز والفراغ الذي حصل، إذ كانت الإنكشاريّة العمود الفقريّ الأساس في الجيوش العثمانيّة.
طرحت أفكار عدّة لدرء مخاطر هذه التطوّرات. منها التجنيد الإجباريّ لجميع سكّان السلطنة القادرين على حمل السلاح. هذا الأمر سيشكّل مصدراً مهمّاً للتطويع، لكنّه في الوقت عينه بحاجة إلى تمويل. وهل يمكن تأمين مجتمع آمن في بلاد غير إسلاميّة بجيوش إسلاميّة، ومن غير أبناء تلك البلاد؟ وهل ستقبل هذه الإثنيّات بجيوش إسلاميّة لا تمتّ إلى البلاد بأيّة صلة؟ وهل تستطيع أن تبسط سلطانها من دون مشاكل وبخاصّة في بلاد اليونان والرومللي ووسط أوربة؟ هل استعمال القوّة دائماً سيؤدّي إلى السلام في ربوع السلطنة؟ وهل سيقبل غير المسلمين الأكثريّة، بأقلّيّة مسلمة تحكمهم وتتولّى أمورهم الإداريّة والأمنيّة وغيرها؟ ومن سيدافع عن الشواطىء والثغور التي تخضع للسلطنة؟ هل هم من أبناء البلاد أو من خارجها؟ وكيف السبيل الى تجنيدهم؟
كان مدحت باشا (أحد رجالات السلطنة وهو الوزير المصلح وسمي بأبي الدستور لأن بهمته تم وضع دستور عصري للدولة العثماني وطبقت المساواة بين شعوب الدولة العثمانية وبين المسلمين والمسيحيين في الحقوق والواجبات بمافي ذلك خدمة العلم وكان قد تولى ولاية دمشق في الثمانينات من القرن 19 ورعى الجميع بالعدل والمساواة) واسع الاطّلاع على التنظيم الغربيّ الأوروبّيّ في الدولة والجيوش وبخاصّة في بلجيكا. فكانت اقتراحاته الإصلاحيّة ومنها التجنيد الإجباريّ وما يتّصل به من ضمن أحكام الدستور العثمانيّ. أخذت السلطات تطبّق البدل العسكريّ على غير المسلمين بقيمة خمسين ليرة عثمانيّة عن كلّ مكلّف، في ولايتي سورية وبيروت. لكنّ التطبيق اختلف بينهما.
في الأولى، كانت السنّ القانونيّة للتكليف بين سنّ العشرين والخامسة والسبعين. لكن في الثانية اعتبر الحدّ الأدنى خمس عشرة سنة. وهناك هامش مهمّ بين العمرين يمكن أن يؤثّر إيجاباً في أحد الأفرقاء في دفع البدل، وعلى الحكومة في زيادة القيمة العامّة للبدل العسـكريّ أو الإعانة العسكريّة.
في الثانية أي ولاية بيروت، كان عمر الخامسة عشرة مهمّاً وملائماً لتحسين وضع الجباية للبدل العسكريّ، لكن من ناحية ثانية لم يكن هذا التدبير ليمرّ من دون تدخّل سلطات الولاية المباشر. هذا التدبير اعتمدته المطرانيّة لزيادة قيمة مجموع البدل، لكنّ السلطات أرادت أن تحاسب المطرانيّة على أساسه.
وقعت المطرانيّة في مآزق كانت بغنى عنها. إذ لم يطابق حساب الحقل على حساب البيدر. قرّرت الزيادة في التحصيل، فوقعت في فخّ المطالبة بالعدد المسجّل في السجلاّت الأولى للمطرانيّة. كان هذا التدبير داخليّاً لدعم البدل العسكريّ، لكنّ الدولة تريد بدلاً عن كلّ الأسماء المرفوعة إليها. طلبت المطرانيّة من مخاتير المحلاّت تفصيل أسماء الروم الأرثوذكس البيارتة المكلّفين، أمّا الآخرون فيجب وضع ملاحظات عليهم وذكر مصدرهم، فأصبح عدد المكلّفين أقلّ بكثير ممّا لدى السلطات من أسماء وأعداد، وعلى أساسه ستحصّل المطرانيّة الأموال. لكنّ هذا العدد من المكلّفين لا يغطّي القيمة المفروضة على أرثوذكس بيروت، وتالياً فإنّ الأمور سائرة نحو السيّئ والأسوأ .
أمام هذا الأمر المستجدّ، بدأت المشاكل بين المطرانيّة والسلطات، كلّ يعمل لمصلحته ويرفض طروحات الآخر:
-المطرانيّة لا تحصّل إلاّ من أهل بيروت فقط، والحكومة لا تقبل إلاّ بأسماء كلّ الروم الأرثوذكس.
-المطرانيّة هدفها تقليص العدد وتالياً القيمة المفروضة، والسلطات لا تقبل إلاّ بما فرضته من بدلات وفقًا لجداول رفعت إليها سابقاً.
-تعتقد المطرانيّة أنّها والأرثوذكس البيارتة مظلومون، والسلطات متيقنّة بأنّ المطرانيّة تتلاعب بالأسماء والأرقام بقصد تخفيض الضريبة والبدلات المفروضة.
هذه المستجدّات وتّرت الأجواء بين المطرانيّة والمكلّفين الأرثوذكس من جهة، وسلطات الولاية من جهة أخرى. كلّ جهة تلجأ إلى أعذار وتبريرات، لكن في النهاية، على المطرانيّة أن تحصّل وتدفع، والسلطات تريد المال المفروض مهما كانت الظروف.
بقيت الأمور على هذا المنوال إلى حين وفاة غفرائيل شاتيلا (الدمشقي 1870-1901)، مطران بيروت ولبنان في 7 كانون الثاني 1901، بعد معاناته من مرض «أبو الركب» لسنين طويلة، وخوضه غمار صراع يونانيّ- عربيّ حول كرسيّ بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق، بدعم لحركة التعريب من روسيا (بقصد تعريب السدة البطريركية الانطاكية واستبدال البطريرك اليونانيّ بآخر عربيّ). والسلطات العثمانيّة تدخّلت لصالح اليونان بضغط من لوبي يونانيّ، وكان لمطران بيروت ولبنان اليد الطولى المؤثّرة بسبب مكانته كمطران لهذه الابرشية الارثوذكسية الكبيرة اذ كان معظم سكان بيروت المسيحيين هم من الروم الارثوذكس وفي مقدمهم كبار التجار من الطبقة البورجوازية الغنية، وكان معظم المسلمين من السنة) في إمالة دفّة التغيير لصالح التعريب، (وقام مطارنة المجمع /عدا مطراني حلب وكيليكيا اليونانيين/ بدعم هذا الحراك الشعبي الدمشقي لاسقاط اسبريدون والتعريب) والتخلّص من السيطرة اليونانيّة على مفاصل الرئاسات الكهنوتيّة الأنطاكيّة، ما يؤثّر في مركز القرار، إسطنبول.
(استقال البطريرك اليوناني اسبريدون بضغط شعبي دمشقي عارم ومسنود من المجمع الانطاكي المقدس وانتخب مطران اللاذقية ملاتيوس الدوماني وهو دمشقي بطريركاً عام 1898 وقاطعت البطريركية المسكونية بطريركية انطاكية ولم تعترف بالدوماني وساندتها بطريركيتا الاسكندرية واورشليم اليونانيتان ورئاسة اساقفة اثينا).
ورغم وفاة المطران غفرائيل شاتيلا، لم تتغيّر الأوضاع لمصلحة العثمانيّين واليونان، (إنّماتم تقسيم الأبرشيّة إلى قسمين بقرار المجمع الانطاكي المقدس تلبية لرغبة سكان جبل لبنان بعرائضهم المتلاحقة من كل رعايا جبل لبنانحيث طلبوا اعتبار الجبل ابرشية مستقلة بسبب كبر مساحة ابرشية بيروت ولبنان الشاسعة وعدم قدرة مطرانها على زيارة وتفقد كل الرعايا): بيروت وما يليها (منطقة سوق الغرب)، وأبرشيّة جبيل والبترون وما يليهما للروم الأرثوذكس (جبل لبنان، أي جغرافية متصرفيّة جبل لبنان بأكملها). والسنة 1902 انتخب مطرانان عليهما، الأوّل دمشقيّ اسمه بولس أبو عضل، والثاني لاذقانيّ اسمه جراسيموس مسرّة على أبرشيّة بيروت. الأوّل ورث الوضع في المتصرفيّة، والثاني ورث المشاكل مع السلطات العثمانيّة المحلّيّة وبخاصّة البدلات العسكريّة، وقضيّة الصراع مع المتصرفيّة والخلاف مع مطران الجبل.
لم تخسر بيروت موقعها كنقطة ارتكاز وقوّة معنويّة في مسار السياسة والنفوذ في شرق البحر المتوسّط. وبقي مطرانها الجديد جراسيموس مسرّة محطّ أنظار العديد من الجهات السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة في مدينة بيروت ومتصرفيّة جبل لبنان. لكنّه واجه أعمالاً عدائيّة ضدّه وأبناء ملّته الأرثوذكس، من قبل سلطات الولاية لكسر شوكته وعدم السماح له بالبروز على الصعيدين السياسيّ والاجتماعيّ. لكنّه استطاع أن يقيم علاقات ودّيّة مع العديد من أبناء الطائفة السنّيّة الإسلاميّة (الأغلبية البيروتية المسلمة) في بيروت، وعلى رأسهم المفتي ورئيس جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة، وهذا الأمر لم يرق لبعض من أرثوذكس بيروت أوّلاً، ولشخصيّات السلطة ثانياً، ممثّلة بالوالي ومدير البوليس في المدينة.
تبدلّت الأمور السنة 1908، إذ حصل انقلاب في مركز السلطنة (من قبل جمعية الاتحاد والترقي العثمانية) وأطيح بالسلطان عبد الحميد الثاني، وجيء بالسلطان محمد الخامس مكانه، بدعم من جمعيّة الاتّحاد والترقّي، ووضعت مقترحات ومبادىء مدحت باشا موضع التنفيذ، وتبدّلت بعض الأمور الأساسيّة في السلطنة، منها قانون التجنيد الإجباريّ الذي ألغى البدل العسكريّ وأبدله بالخدمة الفعليّة للمكلّفين غير المسلمين في أماكن وجودهم، ووضع استثناءات عليه.
كان على الرؤساء الروحيّين حضور جلسات المعاينات العسكريّة، لكنّ غيابهم أجبر المطران جراسيموس على المداومة خلال كلّ الجلسات، وتالياً كان عليه مواجهة اللجنة العسكريّة المولجة بالفحص والانتقاء، لأنّها كانت تستغلّ الظروف لتفرض شروطها وتظلم وتتجبّر، ممثّلة بالبكباشي حسن حسني، الضابط الوحيد المتجبّر (المتعسف)الذي يريد كسر شوكة المسيحيّين وعنفوانهم وسوقهم من دون معارضة، لكنّ الأمور لم تكن لصالحهم، فكان المطران لهم بالمرصاد، وخلّص بمواقفه العديد من الشباب. لكنّه وضع نفسه وحيداً في مواجهة المشاكل والصدامات معهم، فكان نتيجة ذلك التآمر عليه ونفيه إلى دير سيّدة البلمند في الكورة لاحقًا.
خلال المرحلة الأولى من الحرب العالميّة الأولى، استطاع المطران أن يؤمّن القمح من مصادر عدّة. إذ كان السيّد ألفرد سرسق يموّل عمليّة شرائه بحراسة يؤمّنها جمال باشا من شفا عمرو قرب عكّا، ويوزّعه على سكّان العاصمة بمساعدة السيّد عمر الداعوق. فكانا يبيعان قنطار القمح ب 22 ليرة عثمانيّة، في حين أحد أقرباء ألفرد سرسق كان يبيعه ب 75 ليرة. اكتسب المطران ثقة البيارتة، مسلمين أوّلاً ومسيحيّين ثانيًا، بسبب التعاون الذي تمّ بينه وبين شخصيّات بيروتيّة مسلمة لمعالجة تداعيات الأزمة المعيشيّة بسبب الحرب، واستقبال المؤسّسات الصحّيّة التابعة له لجموع المسلمين وبخاصّة البيارتة خلال انتشار الأوبئة في المدينة. هذه المواقف والتطوّرات الاجتماعيّة جعلت من المطران ركناً أساسيّاً على المستويين السياسيّ والاجتماعيّ، وتاليًا كرّس نفسه مدافعًا عن كلّ شباب بيروت، وداعماً لهم في وجه تسلّط المسؤولين العثمانيّين في المدينة وفي وجه عسف وطغيان حسن حسني بسبب من قوة شخصيته وشكيمته). من هنا، نرى أنّ اسم المطران الأرثوذكسيّ في مدينة بيروت ارتبط ارتباطًا وثيقًا بمجريات الأمور العسكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة في المدينة ( ولايزال مطران بيروت الارثوذكسي وحتى الآن وكأنه يقود كل ارثوذكس لبنان عند الدولة اللبنانية).
فعبر جلسات «المعاينات العسكريّة»، كان المطران مسرّة يحضرها دائماً ويناقش في كلّ مخالفة تخصّ المسيحيّين، وهذا عائد إلى غياب الرؤساء الآخرين الدائم، وخوض المطران غمار الدفاع عن كلّ الشباب المسيحيّ(امام طغيان وتجبر حسن حسني وخاصة زمن الحرب العالمية الاولى وقيادة جمال السفاح للجيش الرابع التركي الذي جعل مقر قيادته في عاليه وفيها اقام المحكمة العرفية التي حكمت على احرار الشام بالاعدام شنقاً في 6 ايار 1916 في ساحتي الشهداء ببيروت ودمشق)، وهذا غيّر من نظرة هؤلاء الناس تجاه المطران. ومن جهة ثانية أحرج رؤساء الطوائف الأخرى من جرّاء هذه الأحداث المؤثّرة .
أمّا من ناحية مسلمي بيروت، فإنّهم «رأّسوه» الوفد الذاهب إلى إسطنبول لتهنئة السلطان، مؤثرين رئاسته على حساب المفتي. ولم تتوقّف الأحوال هنا، فالمطران أقام علاقات وطيدة مع أعيان المسلمين ووجهائهم خلال الأحداث الدامية في شباط 1912، إثر القصف الإيطاليّ لمناطق في بيروت، واهتمام المطران والوجهاء الأرثوذكس بالسكّان المسلمين، وصولاً إلى والي بيروت العثمانيّ نفسه. هذا الأمر اكسب المطران والروم الأرثوذكس أهمّيّة كبرى، كان لها أثرها المميّز خلال الحرب العالميّة الأولى، ما أزعج السلطات ووالي بيروت وجمال باشا (كما اوضحنا اعلاه)، وعمل هؤلاء جميعاً بتأييد من بعض الأهالي إلى نفي المطران خارج بيروت (وقد قرر البطريرك غريغوريوس والمجمع ان ينتقل الى البلمند لاراحته من مضايقات حسن حسني ووالي بيروت وجمال السفاح ومن البلمند يدير شؤون ابرشيته)، وإزاحته من طريق النافذين المستفيدين من وجود العثمانيّين في بيروت، وانتقامًا من المطران نفسه. عمليّة تطبيق التجنيد الإجباريّ على مسيحيّي بيروت، قبل السنة 1908 وبعدها، اكتسبت إيجابيّات كثيرة، رغم النتائج السلبيّة المباشرة التي حلّت بهم. من ناحية، خدمت الظروف الدوليّة هؤلاء المسيحيّين بطريقة غير مباشرة، فجعلتهم مؤثّرين في مجرى الوضع العامّ للمدينة، ووصول شخصيّات عديدة سياسيّة ودينيّة إلى مراكز حسّاسة محلّيّة أجبرت الحاكم على أن يقيم لهم حسابًا ويتعاون معهم. ومن جهة أخرى، تقاربت الحياة العامّة بين سكّان مدينة بيروت واندمجت إلى حدّ كبير، بسبب الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها رجال السلطة بحقّ أهل بيروت بعامّة، والمسيحيّين بخاصّة.
بشكل عامّ معظم التدابير التي فرضتها السلطات العثمانيّة على سكّان بيروت، لم تستطع أن تغيّر إلاّ لمامًا في المجرى العامّ للحياة البيروتيّة. خدم أهل بيروت الدولة بما تيسّر، لكنّهم لم يخسروا الحياة الواحدة التي عاشها أبناء البلدة، ثمّ المدينة مركز الولاية لاحقًا. فبقي المسلم مسلماً، والمسيحيّ مسيحيّاً، والبيروتيّ بيروتيًاً. وبقي محمد يلعب مع نقولا في محلّة المزرعة، لأنّه أخوه بالرضاعة، وتوطّدت أواصر العلاقة بين المطران جراسيموس مسرّة، أحد أبرز وجهاء بيروت الأرثوذكس، بالسيّد عمر الداعوق، أحد وجهاء بيروت المسلمين، وعملا معًا على دفع الضرر عن المدينة، وتعاونا في ما بعد على معالجة الأمور فيها إثر رحيل العثمانيّين عنها السنة 1918.
الصديق الأب د. متري الجرداق استاذ التاريخ في الجامعة اللبنانية (بتصرف منا مابين قوسين)
مجلة النور العدد الثامن 2018