موجز تاريخ الكنيسة في القرون المسيحية الرابع والخامس والسادس
القرن المسيحي الرابع
قسطنطين الكبير
بدأ القرن الرابع بأفظع اضطهاد شُنَّ على الكنيسة الأولى، الا وهو اضطهاد ديوكلتسيانوس. وقد تسبب هذا الاضطهاد بوجود اطول لائحة من الشهداء خلال السنوات الثلاث (302-306م)
بعد تنازل الامبراطور الطاغية ديوكلتيانوس عن العرش حصل تنافس بين القادة. دخل قسطنطين في معركة مع خصمه الرئيسي مكسنتيوس لأجل الفوز بالعرش الغربي للأمبراطورية الرومانية. وقبل معركة جسر ميليغيان الحاسمة، رأى قسطنطين وقد يكون في حلم اشارة الصليب في السماء ومعها العبارة التالية”بهذه العلامة تنتصر” وضع قسطنطين العلامة المسيحية على رايات جيشه واسلحته وربح المعركة وانتصر…
منح قسطنطين الكبير المسيحيين في الامبراطورية الرومانية الحرية في ممارسة ايمانهم بماعرف بمرسوم ميلانو السنة 313مسيحية، واظهر تفضيله للمسيحية باعطاء الكنيسة عدداً من الامتيازات والمصالح، وبنى على شواطىء البوسفور في موقع قرية قديمة كانت تسمى “بيزنطية” عاصمة جديدةللامبراطورية المسيحية المطهرة من اي هيكل وثني ومنع اقامة اي طقس وثني سميت على اسمه وشرفه القسطنطينية.
اعتَمد قسطنطين قبل موته في العام 327مسيحية، واعتُبر مع امه الملكة هيلانة التي عثرت على خشبة الصليب المقدس في اورشليم قديسيَّن من قديسي الكنيسة.
وغي العام 380مسيحية اصبحت المسيحية الديانة الرسمية للامبراطورية وذلك بمرسوم الامبراطور ثيوذوسيوس الكبير وتم حظر الوثنية بكل اشكالها.
الصراعات الداخلية
لم تهنأ الكنيسة بالراحة من الاضطهاد، لأن اضطهادات جديدة اقوى واخطر بدأت، لكن من الداخل.
فكان اولها الانشقاق الدوناتي في شمالي افريقيا، والتسمية ” الدوناتية” تعود الى “دوناتيوس” وهو لاهوتي ترأس مجموعة رفضت قبول مطران قرطاج الشرعي، لأن أحد المطارنة الذين اشتركوا برسامته أظهر ضعفاً إبان الاضطهادات.
تدخل الامبراطور في الصراع ووقف اولاً بجانب الدوناتيين ثم ضدهم. واستعمل نفوذه كامبراطور لفرض قراراته. اسفر هذا الانشقاق عن خراب اساسي لكنيسة شمال افريقيا، واوجد سابقة للتدخل الامبراطوري في شؤون الكنيسة.
ظهر ايضاً النزاع الآريوسي، كان آريوس كاهناً في الاسكندرية، علم أن “اللوغوس الالهي”، كلمة الله الذي تأنس-يسوع المسيح- لم يكن ابن الله بل مخلوقاً وحسب، مثل اي مخلوق أوجده الله من لاشيء. كما علَّم بأن الله الثالوث القدوس ليس غير مخلوق، وقد خلق الله الآب لوغوسه أو كلمته أو ابنه ليكون المخلوق الأول والعظيم بين المخلوقات. ويمكن ان يُسمى هذا اللوغوس الهاً بمعنى واحد فقط: انه أداة خلاص العالم، وُلد بشخص يسوع المسيح. يسوع المسيح إذاً، بحسب تعليم آريوس ليس الهاً غير مخلوق، بل هو اله مخلوق.
وبسبب التعاليم الهرطوقية والاضطرابات التي خلقتها بين المؤمنين، بدأ عصر المجامع المسكونية.
المجمع المسكوني الأول
أددّى الصراع الآريوسي الى قرار باجتماع كنسي على مستوى المسكونة، دعا اليه الأمبراطور قسطنطين، في مدينة نيقية في العام 325مسيحية، وعرف هذا الاجتماع بال” المجمع المسكوني الأول”.
قال آباء هذا المجمع بأن “اللوغوس” كلمة الله وابنه هو اله غير مخلوق. مولود من الآب، وغير مخلوق،واحد مع الآب في الجوهر، اله حق من اله حق. كلمة الله الذي به صُنع كل شيء ابن الله غير المخلوق هذا، تأنس من مريم العذراء في شخص يسوع المسيح، مسيّا اسرائيل، ومخلص العالم.
المجمع المسكوني الثاني
احتاج مرسوم مجمع نيقية الى زمن طويل حتى يُقبل في كل المسكونة. واستمر الصراع لعقود عديدة، وعُقدت مجامع عديدة في اماكن مختلفة للايمان. كسب الآريوسيون الدعم الامبراطوري وبدأ الاضطهاد على انصار مجمع نيقية، أنصار الايمان الارثوذكسي. واستمرت الاضطرابات حتى العام381مسيحية عندما انعقد مجمع في مدينة القسطنطينية، عُرفَ لاحقاً، ب” المجمع المسكوني الثاني”. أعاد هذا المجمع تأكيد وتثبيت قرار مجمع نيقية وأضاف اليه التعليمحول الوهية الروح القدس. بعد أن اضاف قسماً جديديداً لقرار مجمع نيقية . وهكذا اكتمل الدستور الايماني الشهير المعروف ب”دستور الايمان”.
آباء الكنيسة
برز في هذا القرن المدافع العظيم عن مجمع نيقية، القديس أثناسيوس الكبير + 373 الذي صار بعد المجمع اسقف الاسكندرية، وايضاً الأساقفة الكبادوكيون، القديس باسيليوس الكبير +379، والقديس غريغوريوس النيصصي +394، وصديقهما القديس غريغوريوس النيزنزي اللاهوتي+389.
علّم هؤلاء الآباء الايمان المسيحي وشرحوه، واحتملوا صنوفاً من الآلام والاضطهادات في سبيل دفاعهم عن الايمان الارثوذكسي القويم المتعلق بالله أنه ثالوث قدوس في ثلاثة أقانيم( أشخاص) الهية غير مخلوقة هي الآب والابن والروح القدس.
مجامع الكنيسة
أصدر مجمع نيقية عدداً من القوانين المتعلقة بنظام وادارات الكنيسة. أكدت هذه القوانين أولية اسقف روما على الغرب، والاسكندرية على افريقيا، وانطاكية على الشرق (قانون 6)، وأعطت الكرامة لكنيسة اورشليم(القانون7). منع المجمع ممارسة سجود التوبة في الليتورجيا أيام الآحاد في الكنيسة (القانون 20). كما اقر مجمع القسطنطينية مجموعة قوانين نص احدها على أن “لأسقف القسطنطينية الامتياز بعد اسقف روما لأن القسطنطينية هي روما الجديدة”.( القانون 3)
التطور الليتورجي
شهد القرن الرابع تطوراً ليتورجياً غنياً. فقد كُتبتْ ورُتبتْ الصلوات الليتورجية كليتورجيا القديس باسيليوس الكبير وليتورجيا القديس يوحنا الذهبي الفم التعليمية وكذلك عظات القديس كيرلس الاورشليمي +386 أظهرت ان سريّ المعمودية والميرون المقدسين كانا يُقامان في القرن الرابع كما تُقام حالياً في الكنيسة الارثوذكسية، كما ترتب وقتئذ الصوم الاربعيني مع عيد الفصح، وفُصلَ عيد الميلاد عن عيد الظهور الالهي (الغطاس)، بسبب رغبة الكنيسة في القضاء على عيد الشمس الوثني الذي كان يُقام في 25 كانون الاول.
الحياة الرهبانية
شهد القرن الرابع انتشار وازدهار الحياة الرهبانية في مصر بفضل القديس انطونيوس الكبير +356 وفي سورية والغرب.
نعدد من بين قديسي هذا القرن الرهبان القديسين بولس الثيبي، باخوميوس، هيلاريون، سابا، مكاريوس المصري، ابيفانيوس القبرصي، وافرام السرياني. ومن بين قديسي الغرب الرهبان ايرونيموس، يوحنا كاسيان، مارتن الذي من تور. ومن بين القديسين الاساقفة الكبار القديس نيقولاوس اسقف ميرا في آسية الصغرى، القديس اسبريدون من تريميثوس في قبرص، القديس امبروسيوس من ميلانو.
القرن المسيحي الخامس
الصراعات الداخلية
في بداية هذا القرن وبينما كانت الا سكندرية والقسطنطينية تتنازعان على احتلال المراكز الاولى في الكنيسة والامبراطورية، أعلن نسطوريوس اسقف القسطنطينية، رفضه لتكريم مريم كوالدة الاله، وسماها فقط ام المسيح. لقد علم نسطوريوس ان المسيح وُلدَ من مريم “إنساناً فقط”، وبعد الولادة اتحد كلمة الله الأزلي في الانسان المولود من مريم، لذلك يجب رفضُ لقب والدة الاله الذي يعني التي ولدت الله. (theotokos)
عارض اسقف الاسكندرية القديس كيرلس+444م تعليم نسطوريوس وضلاله ورفضه، وقال بالتعليم الأرثوذكسي أن مريم هي والدة الاله لأن الذي وُلد منها ” بحسب الجسد” هو كلمة الله البهي بعينه، الابن الوحيد لله هو كلمة الله الالهي بعينه الابن الوحيد لله هو “الابن المولود من الآب قبل الدهور”، انحدر من السموات لأجل خلاص البشر ووُلد بالجسد، واصبح انساناً، من مريم العذراء”. لذلك فإن ابن الله هو نفسه ابن مريم.
المجمع المسكوني الثالث
رفض نسطوريوس واتباعه قبول نداء القديس كيرلس اليهم بالتوبة. عقد عددكبير من الأساقفة اجتماعاً في مندينة أفسس في السنة 431م تحت ارشاد وتوجيه القديس كيرلس مباشرةً. اكد هذا المجمع العقيدة الارثوذكسية. ورفض تعليم نسطوريوس. وقبل اساقفة سورية الذين تأخروا عن المجمع قرارات المجمع في رسالة عُرفتْ ب”رسالة المصالحة” سنة 433م، وعُرفَ هذا المجمع بالمسكوني الثالث.
المجمع اللصوصي
كما اسلفنا لم يقبل هؤلاء قرارات المجمع مباشرة فأساقفة الشرق الذين مالوا اولا الى المعارضة لخوفهم من عدم دقة التعابير الكيرلسية في التعبير عن انسانية يسوع، وصلوا الى فهم مشترك مع القديس كيرلس في السنة 433م.
لكن اتباع كيرلس المتعصبين كسروا الاتفاق مع اساقفة الشرق، بعد موت اسقفهم القديس كيرلس +444موعقدوا في العام 449م مجمعاً آخر في افسس، عُرفَ بالمجمع اللصوصي، ناقش هذا المجمع العقيدة المختصة بشخص وطبيعة المسيحوشددت قرارات المجمع على الوهية الرب الى حد جعل انسانيته تختفي. لهذا استمر الخلاف والتشويش بين المسيحيين.
المجمع المسكوني الرابع
يعرف هذا المجمع اليوم ب “المجمع المسكوني الرابع” وانعقد في خلقيدونية، وقد نجح في الدفاع عن تعليم القديس كيرلس ومجمع افسس421م. ورضي بمطالب اساقفة الشرق والاعتراف الواضح بإنسانية يسوع الكاملة. تبع المجمع الخلقيدوني في دفاعه الايماني رسالة البابا القديس ليون اسقف روما المعروف بطومس لاون.
نص الدفاع الخلقيدوني على ان يسوع المسيح هو بالحقيقة الكلمة ( اللوغوس) المتجسدن ابن الله ” المولود من الآب قبل كل الدهور” وأكد أن مريم هي بالحقيقة والدة الاله، لن المولود منها ” بحسب الجسد” في بيت لحم هو نفسه ابن الله الإله غير المخلوق أحد أقانيم الثالوث القدوس.
أكد المجمع أنَّ كلمة الله قد حمل، بولادته البشرية، كامل الطبيعة الانسانية، صائراً انساناً في كل شيء. ماعدا الخطيئة.
لهذا فإن يسوع الناصري بحسب تحديد المجمع الخلقيدوني وهو شخص واحد او اقنوم واحد في طبيعتين: الهية وبشرية، انه اله حقاً وانسان حقاً، انه انسان تام واله تام. كإله هو ” واحد في الجوهر” مع الآب والروح القدس، وكإنسان هو” واحد في الجوهر، مع كل الكائنات البشرية.
دُعي اتحاد الالوهية والانسانية في المسيح بالاتحاد الأقنومي.
يعني هذا التعبير أنه في شخص المسيح الفريدقد اتحد ت الألوهية والانسانية بدون اختلاط أو تشوش أو انفصال أو انقسام. المسيح شخص واحد الهي وانساني. ابن الله هو نفسه ابنُ مريم.
المونوفيزيت
لم يقبل اتباع القديس كيرلس المتطرفون تعليم مجمع خلقيدونية وسموا مونوفيزيت اي اصحاب الطبيعة الواحدة. لقد رفضوا مجمع خلقيدونية لأنه تكلم عن طبيعتين. ولم يستعمل الصيغة التي قال بها القديس كيرلس:” طبيعة واحدة للاله الكلمة المتجسد”. هكذا توسعتْ شقَّةُ الخلاف بالرغم من كل المحاولات الكثيرة التي جرت لاعادة الوحدة في القرنين الخامس والسادس.
اما الذين رفضوا المجمع الرابع الخلقيدوني فهم كنيسة مصر القبطية، الكنيسة الأثيوبية، الكنيسة اليعقوبية السريانية، الكنيسة السريانية الهندية والكنيسة الارمنية. وتدعى بالكنائس اللاخلقيدونية او الشرقية القديمةOriental.
المجامع
سن المجمعان الثالث والرابع المسكونيان عدداً من القوانين الترتيبية والعملية. فحرم مجمع افسس قبول ايمان مخالفٍ لما علم به المجمعان الاولان(قانون 7) وقد استعملت الكنيسة الأرثوذكسية هذا القانون المبدأ في مواجهتها لإضافة كلمة” والابن” على دستور الايمان.
وأعطى مجمع خلقيدونية القسطنطينية لقب روما الجديدة مساوياً امتيازاتها بروما “الامبراطورية القديمة” لأن العاصمة الجديدة شُّرِفَتْ بالامبراطور ومجلس الشيوخ(قانون 8).
الغرب
شهد القرن الخامس بداية انحراف الامبراطورية المسيحية في الغرب بسقوط روما امام البربر. وتلتها العصور المظلمة سريعاً بعد موت أوغسطينوس اسقف هيبو (+430م) الذي كان غزير الانتاج ومارس بكتاباته التأثيرالأقوى على المسيحية الغربية، بشقيها الكاثوليكي والبروتستانتي.
تحديد المجمع الخلقيدوني (الرابع) الايمان
” تبعاً للآباء القديسين نعلِّمُ جميعاً بالاجماع معترفين بالابن الواحد بعينه ربِّنا يسوع المسيح الذي هو بعينه تامٌّ في الوهيته وبعينه تام في ناسوته، الذي بعينه (هو) إلهٌ حقاً وانسانٌّ حقاً، (يتألف) من نفس عاقلةٍ وجسمٍ، مساوٍ للآب في الجوهر (homoousios) بحسب الوهته، هو بعينه مساوٍ لنا في الجوهر بحسب ألوهته، هو بعينه مساوٍ لنا في الجوهر بحسب ناسوته، مشابهاً لنا في كل شيء ماعدا الخطيئة، مولود من الآب قبل الدهور بحسب الألوهة، وهو بعينه في آخر الازمنة ولأجل ولأجل خلاصنا مولوداً بحسب الناسوت من قبل مريم العذراء ام الله.
مسيح واحد بعينه، ابنٌ، ربٌ، ابن وحيدٌ، معروف في طبيعتين بدون امتزاج، بدون استحالةٍ، بدون انقسامٍ بدون انفصالٍ، بدون ان يزولَ، بأي وجه من الوجوه بسبب الاتحاد، فرق الطبيعتين، بل بالأحرى احتفظتْ كلٌّ منهما بكيفية وجودها الخاصة، والتقت بالأخرى في شخص واحد وأقنوم واحد، (مسيح) غير منشطرٍ أو منقسم الى شخصين، بل هو الرَّبُّ يسوعُ الواحدُ بعينه، الابن الوحيدُ، الإلهُ الكلمةُ، كما انبأ عنه الأنبياء قديماً، كما علمنا إياه يسوعُ المسيحُ نفسُهُ، كما سلّمنا اياه دستورُ الايمان.”
القرن المسيحي السادس
ياكلمة الله الابن الوحيد الذي لم يزل غير مائت، لقد اقتبلت ان تتجسد من اجل خلاصنا، من القديسة والدة الاله الدائمة البتولية مريم وتأنست بغير استحالة وصلبت ايها المسيح الاله، وانت لم تزل أحد الثالوث القدوس، الممجد مع الآب والابن والروح القدس خلصنا.
الامبراطور يوستنيانوس الأول والمونوفييزيت
يسطع الامبراطور يوستنيانوس الاول (527-565م) بطلاً بلا منازع للقرن السادس، فشخصه وسياسته يهيمنان على تاريخ الكنيسة الارثوذكسية في الشرق في هذا القرن.
لقد وعى هذا الامبراطور الحسن العبادة العلاقة مابين الكنيسة والدولة من حيث اهمية وحدتهما، كذلك قدَّر التعاون مابين الكهنوت (بمعنى الأمور الالهية)والامبراطورية.
كان هدفه ان يستعيد القسم الغربي من امبراطوريته من ايدي البرابرة الغزاة، وان يربج ثانية عودة المونوفيزيت الى الايمان الارثوذكسي ومجمع خلقيدونية، لقد أمل في ان يعيد توحيد الامبراطورية والكنيسة تماماً.
وبالواقع اتم يوستنيانوس المسعى الاول وربح جيشه الجزء الغربي من الامبراطورية، لكنه فشل في مسعاه الثاني مع ان محاولاته لرد المونوفيزيت الى الارثوذكسية جريئة وعنيدة
محاولته الرئيسة لعودة المونوفيزيت كانت من خلال اعتراض رسمي للاهوتيين الثلاثة الذين دعمهم مناصرو مجمع خلقيدونية، ورذلهم معارضو المجمع . ففي المرسوم الامبراطوري الصادر في العام 544م وبعد قرار مجمع عقد في 553م ( يسمى تقليدياً مجمع القسطنطينية الثاني أو المجمع المسكوني الخامس) أدان يوستنيانوس شكليا المدعويّن بالفصول الثلاثة. وبلغت هذه الادانة كتابات ثيودورس القورشي وايباس الرهاوي وكتابات وشخص ثيودور المبسوستي.
إن إدانة الفصول الثلاثة لم ترضِ المدافعين المتشددين عن مجمع خلقيدونية. فهم لم يوافقوا على التعليم الغامض لهؤلاء اللاهوتيين الثلاثة، لكنهم لم يروا أدنى سبب لادانتهم. هكذا فإن جهود يوستنيانوس لاستمالة المونوفيزيت من خلال هذه الإدانة لم تثمر نجاحاً.
المجمع المسكوني الخامس
الى جانب إدانة ورفض تعاليم الفصول الثلاثة الغامضة، فقد وضَّح المجمع المسكوني الخامس عقيدة الاتحاد الأقنومي للألوهية والانسانية في شخص المسيح. أقر المجمع في مجموعة جمل طويلة، بدون غموضٍ، الإيمان الأرثوذكسي التقليدي، بأن يسوع المسيح ابن الله، وهو “احد أقانيم الثالوث القدوس” وفي شخصه نفسه قد اتحدت الطبيعتان الالهية والانسانية بدون امتزاج احدهما مع الاخرى وبدون انفصال بأي شكلٍ من الاشكال.
أدان المجمع الخامس أيضاً وبشكل رسمي تعليم اوريجنس (+254م) مع تلاميذه المعاصرين للمجمع الذين علَّموا ان المسيح لم يصبح جسداً بسبب الخطيئة، وان نفوس البشر كانت أرواحاً سابقة الوجود، (نظرية الوجود المسبق للأرواح) وان كل الخليقة سوف تخلص بتروحنها بواسطة الله في المسيح المخلص.
الامبراطور يوستنيانوس الأول والاصلاح
شن يوستنيانوس هجوما على بقايا الهلينية الوثنية في الامبراطورية، وفي عهده أُغلقت مدرسة أثينا الوثنية في العام 529م، وتبنت التعليم والثقافة المسيحيين بشكل خالص.
بنى يوستنيانوس كنائس ضخمة خلال فترة حكمه فقد بنى دير سيدة صيدنايا البطريركي الشهير وصار في المرتبة التالية لأماكن الحج المقدسة في اورشليم ( ودير القديس حنانيا الرسول في الميدان بدمشق (كنيسة القديس حنانيا الرسول في حي الميدان الدمشقي) وغيرها الكثير في فلسطين اورشليم وبيت لحم وجبل سيناء دير القديسة كاترينا ، لكن لعل إنجازه الاعظم كان كاتدرائية الحكمة المقدسة آجيا صوفيا في العاصمة القسطنطينية ( الكاتدرائية الشهيدة التي حولها محمد العثماني الى جامع آيا صوفيا السنة 1453 لما احتل القسطنطينية وسقطت الدولة الرومية بيد الاتراك العثمانيين) راجت في ذلك العهد ايضا فنون الأيقونة والفسيفساء والنقش، وفي الغرب بنى كنيسة رافينا ( ايطاليا) الشهيرة.
التطور الليتورجي
أُلفت ترانيم ليتورجية كثيرة في القرن السادس منها قنداق الميلاد واناشيد رومانوس المرنم الحمصي (+510م) كتب الامبراطور نفسه ترنيمة ” ياكلمة الله الابن الوحيد…” التي ماتزال تُرنم قبل دورة الانجيل المقدس في القداس الالهي في الكنيسة الارثوذكسية.
شهد هذا القرن تأسيساً وانتشاراً محدداً للعمل الليتورجي في العالم المسيحي الشرقي لأن الممارسات الليتورجية المطبقة في مدينة القسطنطينية انتقلت الى مدن اخرى عديدة من الامبراطورية.
بدأت كنيسة القسطنطينية تستعمل اصواما واعيادا ليتورجية معينة، حالما اعتُمدت في المراكز الفلسطينية، من هذه الأعياد ميلاد ورقاد السيدة، دخول السيد الى الهيكل، كذلك عيد التجلي احتفل به في ذلك الزمن في القسطنطينية.
بالاضافة الى احتفالات الاعياد انتشرت من القسطنطينية العاصمة ممارسات مثل الدخول الكبير والصغير، وانشاد التريصاجيون ( قدوس الله) وتلاوة قانون ا لايمان في القداس الالهي.
هذه الامور وغيرها ساهمت في إغناء الطقس الليتورجي الكنسي، وكذلك في تنمية التقوى الدينية. فبرزت كنيسة القسطنطينية كنموذج للكنائس الأخرى، وتطور الطقس الكنسي الامبراطوري، وظهر اللاهوت السري في كتابات تحت اسم ديونيسيوس الأريوباغي وتطور نظام الصلاة في الاديرة.
البطريركيات الخمس
برزت في القسطنطينية أخيراً في فكر المسيحية الشرقية، كمركز بطريركي مسيحي متقدم بين البطريرؤكيات الأخرى: القسطنطينية، روما، الاسكندرية، انطاكية، اورشليم. أما لقب المسكونية فقد اعطي لكل المراكز الرسمية الرئيسة في العاصمة القسطنطينية…
عندما استخدم البطريرك يوحنا الصوام(528-595م) اسقف القسطنطينية لقب البطريرك المسكوني عارضه البابا القديس غريغوريوس الكبير اسقف روما (590-604م). وكان هذا القديس غريغوريوس لاهوتياً وراعيا ذا شهرة في القداسة واسمه مايزال مرتبطاً بخدمة قداس البروجيازميني او القداس السابق تقديسه الذي تقيمه الكنيسة الارثوذكسية في اسابيع الصوم الكبير المقدس.
الغرب
اضافة للقديس غريغوريوس الكبير، لعب القديس بندكتوس من نورسيا وتلاميذه الرهبان تأثيراً عظيماً على التاريخ التالي للكنيسة الغربية. من قديسي ذلك العصر نذكر القديس كولومبا والقديس أوغسطين كانتربري، معاصري القديس غريغوريوس. هؤلاء كانوا الأكثر شهرة بين المبشرين، الذين عملوا بين القبائل البربرية في اوربة الغربية وانكلترا وايرلندا.
في اسبانيا، في القرن السادس والسابع، أُضيفت كلمة الفيليوكفي (والابن)على دستور الايمان النيقاوي- القسطنطيني، تمت الاضافة للتأكيد على الوهية المسيحيين امام الغزاة البرابرة الذين كانوا آريوسيين.
(انتهى الجزء الثاني من موجز تاريخ الكنيسة في القرون المسيحية الثلاثة من الرابع الى السادس/ يتبع في الجزء الثالث)