بطريركية اورشليم للروم الارثوذكس
مدخل ضروري
بحث تاريخي هام جدا يعتبر هو الركيزة الاساس فاورشليم هي ام الكنائس هي وطن الرب يسوع الارضي وقد شهدت وشهدت معها فلسطين وحتى مشارف الجولان السوري وبحيرة طبريا وقانا و…حضورا تبشيريا للرب يسوع كما ورد في البشائر الاربعة للانجيليين الاصفياء…
في هذه الارض المقدسة ولد الرب يسوع وعاش طفولته وحداثته وشبابه كأي فرد من المجتمع الفلسطيني ولما صار أوانه اعتمد من يوحنا في الاردن واسسَ خليته الاولى من صيادين سمك بسطاء وصاروا هم رسل المسكونة و وصائدوها ومبشروها بالرب يسوع…
في هذه الارض المقدسة التي شهدت لمعجزات الرب يسوع تمت قيامة الرب من بين الاموات كما سبق فقال. ومن ثم صعد الى السماء، وجلس عن يمين الآب، ومن هناك ارسل الروح المقدس المعزي لتلاميذه في يوم الخمسين في علية صهيون. ومنها انطلقوا يبشرون المسكونة بلغات مختلفة…
راجعنا ماهو مدون في موقع البطريركية الاورشليمية، وناظرناه مع ماتم في بطريركية انطاكية وسائر المشرق لأن الارض واحدة جغرافياً، وتسودها عناصر بشرية متقاربة ولغات واحدة، ووقعت تحت حكم امبراطوريات واحدة لذا راجعنا تاريخ كرسينا الكرسي الانطاكي وقد ساهمنا في تدوينه هنا في موقعنا…وكذلك كتبنا تدوينتنا عن كرسي الاسكندرية وسائر افريقيا للروم الارثوذكس…وبينا الصلة السببية بين هذه الكراسي الارثوذكسية وخاصة لجهة ان الارثوذكسية هي الكنيسة المستقيمة الرأي بغض النظر عن الجنسية :” اذ ليس يوناني او اعجمي فيها…” ولجهة التاريخ الأليم المشترك بينها.
ولما كان المنشور في موقع البطريركية الاورشليمية الرسمي يعد نصاً رسمياً يعبر عن وجهة نظر احادية رسمية مصبوغة بالصبغة اليونانية بعيدا عن الواقع الوطني للكنيسة الاورشليمية بأرضيتها الفلسطينية-الاردنية المغيبة وكأن لاوجود الا لرهبنة القبر المقدس والاكليروس اليوناني وهو الحافظ للارثوذكسية
كنيسة اورشليم الوطنية ناضلت منذ اربعة قرون وتناضل والى ماشاء الله كما يقول شعبنا الارثوذكسي الفلسطيني-الاردني وتناضل لاستعادة دورها في كرسي موطنها وهي صاحبة الحق بتعريب سدتها بينما الرئاسة يونانية ومن خلفها رهبنة القبر المقدس اليونانية حتى بلغ الامر بالبعض لتسمية بطريركية اورشليم الارثوذكسية ب”اليونانية” والنص الرسمي المنشور في موقع البطريركية يظهر هذا الكرسي الرسولي يونانياً وتاريخه وكأنه تاريخ الوجود اليوناني في فلسطين ويصف بشكل متماهي انه تاريخ بطريركية اورشليم اليونانية ورهبنة القبر المقدس اليونانية واستبدل كلمة الارثوذكسية دوما بعبارة اليونانية، نافياً اي دور للاكليروس الوطني والشعب المناضلين من اجل وطنهم فلسطين وكنيسته هذا الشعب والاكليروس المنبثق منه هو مصدر الايمان والاكليروس والرهبنات، وكل هذه المزارات المقدسة التي مع اوقافها قدمها شعبنا ابناء فلسطين والاردن …ولاسيما ان الاكليروس الوطني مفروض عليه ان يكون كهان رعايا متزوجين ومن الصف الادنى مستواهم الاعلى برتبة كاهن متقدم يلبس صليب حيث هم محرومون من المناصب البطريركية والاسقفية وحتى الرتب الارشمندريتية وكلها محصورة بيد اخوتنا اليونانيين منذ الثلث الاول من القرن السادس عشر وحتى الآن وتمتلك الكنيسة اليونانية الرسمية المزارارات والاوقاف التي اوقفها اجداد شعبنا الحالي لمنفعة كنيسة فلسطين كنيسة وطنهم فلسطين، وما الاحتجاجات الشعبية المتلاحقة، الا دليلاً على نفاذ صبر هذا الشعب من هذا التهميش والاستلاب والابعاد ومصادرة الاوقاف وعائداتها لصالح جماعة غريبة عن فلسطين وخاصة طيلة فترة القرنين 20 و21 الحالي ومؤخرا في العام 2020 والمقاطعة الشعبية للبطريرك ثيوفيلوس في قداس الميلاد لهذه السنة وماقبلها في بيت لحم والصدامات مع المتظاهرين ودور السلطة الوطنية الفلسطينية بتوفير الحماية له… وقد تناول الاعلام المحلي والعالمي المقروء والمرئي والمسموع هذه الاحتجاجات والصدامات والمقاطعة واللجوء للتقاضي امام المحاكم الاسرائيلية لاسترجاع الاوقاف المباعة بالخديعة الى المحتل الاسرائيلي افرادا كانوا ام مؤسسات او شركات واضحة او وهمية او اشخاص وهميين متصلين جميعهم بدولة الاحتلال حتى خلص الجميع الى القول ان ثيوفيلوس محمي من دولة اسرائيل…وفي ذلك ضرب للنضال الفلسطيني الارثوذكسي وهو طليعة وطنية فالارثوذكس ابناء الوطن وكنيستهم وطنية وخاصة في وضع فلسطين الجريحة وتشتت شعبها المظلوم وقد انعكس هذا الوضع بكل ثقله فأنقص الوجود المسيحي الفلسطيني الى درجة مخيفة، علماً ان الدور التمثيلي المسيحي في وزارات وادارة السلطة الفلسطينية دور محترم…
منذ 1534 وشعبنا في كرسي اورشليم يناضل من اجل استرجاع حقه في تولي السدة الاورشليمية كما حصل في كرسينا الانطاكي(1724-1898م) وان تكون كل المقدرات في يد البطريركية الوطنية وماتسرب ويتسرب من تأجير او بيع الاوقاف الارثوذكسية اوبيعها منذ البطريرك ديودورس والبطريركين اللاحقين وثانيهم ثاوفيلوس الحالي للمحتل الصهيوني وماينقله الاعلام العربي عن هذا التسريب الوقفي وخسارة بطريركية اورشليم له لصالح شركات اسرائيلية و …لذلك رأينا من الواجب ان لا نكفي بطرح ما هو منشور رسميا على صفحة موقع بطريركية اورشليم بصبغتها اليونانية مع رهبنة القبر المقدس بل ان نظهر الرأي الوطني وكتاباته في هذه المشكلة معترفين في الوقت عينه بوحدة المسار والمصير في ارثوذكسيتنا المشرقية عرباً ويونان في كراسينا الرسولية الثلاثة انطاكية والاسكندرية واورشليم، لأن مامر علينا من آلام وتشرذم وظلم واضطهاد ودم ومصادرة كنائس واديار واوقاف هو واحد. ونعترف بامتنان وافتخار ان كنيستنا اليونانية الشقيقة ساعدت على تنامي المد الارثوذكسي وحافظت بشكل او بآخر على الارثوذكسية ابنة الوطن التي كانت مطرحاً للهجوم عليها وبكل اسف من الأخ في الايمان قبل الاديان الاخرى ومن يراجع تاريخ انطاكية وتاريخ اورشليم يدرك هول المشكلة هذه والاستلاب اللاحق واضعاف الدور المسيحي بدءاً من حروب الفرنجة التي في نتيجتها دمرت النسبة المسيحية في مشرقنا بكراسيه الثلاثة الارثوذكسية وانزلتها من 60% الى 20% انتقاما من المسيحيين المشرقيين ولتتابع الحملات الرهبانية التبشيرية غزوها باسم المسيح وتدمير ماتبقى وتبعتها الارساليات الفلسطينية حتى بات الواقع بأن وجودنا المسيحي وبعد كل هذه الهجرة والحرب الاهلية اللبنانية 1974-1990 والحرب الكونية والارهابية على سورية الذبيحة منذ 2011 وماحصل للمسيحيين من تدمير الوجود وكنائسهم ومناطقهم وقبلها العراق النازف وما حصل فيه على المسيحيين…
علينا ومن باب الانصاف ان نستذكر بالخيردور الامبراطورية الرومية والأباطرة الروم حسني العبادة في الحفاظ على مقدساتنا في فلسطين حتى في العهود الاسلامية منذ العهدة العمرية والى وقتنا الحاضر ودورهم الايماني والمشرف في اعادة بناء الكنائس وترميمها واولها كنيسة القيامة وكنيسة المهد ولعب الشعب الارثوذكسي في كل كنائسنا بمافيها اليونان وروسيا وجورجيا…دورا تعبويا وتنموياً بقيامه باعادة بناء مزاراتنا المقدسة وحماية اوقافها… ونستذكر بالخير دور اليونان بدولتي اليونان وقبرص والشعب اليوناني الحار بحميته لللارثوذكسية ودفاعه عن الايمان القويم وتبرعه لدعم الكنيسة الارثوذكسية ماديا ولاهوتيا وتعليميا للكراسي المشرقية الاسكندرية وانطاكية واورشليم والتبشير الاسكندري في افريقيا واشادة الكنائس والمبرات…واي تصرف منافي لهذه الثوابت من بعض ابناء اليونان وبعض الاكليريكيين لايعكس واقعهم الايماني الحار.
لذلك كان من الواجب تسليط الضوء على نضال ابناء اورشليم وليس اخوية القبر المقدس المستولية على المقدرات ولا سيما ان بطريركية اورشليم ليست بطريركية يونانية كما يحلو للبعض من ذوي الغايات قول ذلك او الناقمين من ابناء شعبنا المطالبين بتعريبها كما حصل في كرسينا الانطاكي المقدس بعد حوالي قرنين من الترؤس اليوناني لذا راجعنا العديد من كتابات كتاب تاريخ كنيسة اورشليم في الكتب والمطبوعات كتاريخ خريسوستموس رئيس اساقفة اثينا وهو في غاية الاهمية وقد كتب تاريخ انطاكية وتاريخ اورشليم كما فعل مؤرخ الكرسي الانطاكي معلمنا الدكتور اسد رستم، وراجعنا وبالاخص كتاب” خلاصة تاريخ كنيسة اورشليم الارثوذكسية لمؤلفيه شحادة ونقولا خوري المطبوع في مطبعة بيت المقدس عامي 1925 و 1992في مطبعة الشرق الاوسط بعمان عام ، وكتاب القضية الوطنية الارثوذكسية في فلسطين والاردن 1911-1948 جمع واعداد وتحرير الدكتور جورج طريف الداوود والدكتور زهير غنايم المطبوع في عمان2004 وفي الكتابين وصف وثبت دقيق لنضال ابناء الكرسي الاورشليمي للمطالبة بحقوق ابناء فلسطين والاردن الارثوذكس في كرسيهم لجهة الاكليريكية وادارة الكنيسة والاوقاف والمال المستلب لصالح الاخوية وماتناولته المواقع الالكترونية الوطنية واليونانية كل على حدة والاحتجاجات الشعبية ومقررات المجالس الوطنية الارثوذكسية… ومذكرات العديد من الكتاب والادباء الارثوذكس المناضلين كخليل سكاكيني… ونحن امام وضع مخيف من تناقص اعداد السكان الفلسطينيين وخاصة الارثوذكس نتيجة الهجرة بالمضايقات الصهيونية المستترة من اجل تنفيذ يهودية الدولة الاسرائيلية في القدس وفلسطين 1948 والضفة الغربية والحال ذاته في الاردن كما في الكرسي الانطاكي في سورية ولبنان و…
نحن لاننكأ جراحاً اندملت في تدوينتنا هنا، بل بالعكس فان القاعدة الشعبية الوطنية في بطريركيتنا الاورشليمية تطالب بعودة الحق الى اصحابه ووقف تزييف التاريخ ومتابعة الاستلاب ونسلط مع هذه القاعدة الضوء بشكل نزيه ومن خلال مانشرته البطريركية اليونانية رسميا وماينشره شعبنا في فلسطين والاردن عبر نضال لأربعة قرون للتعريب بسعي وبمطالبات محقة من الارثوذكس الوطنيين تضاف الى دور شعبنا الفلسطيني الارثوذكسي وكهنته ومفكريه لاحقاق حق الشعب الفلسطيني ونضاله الوطني المشروع بدولته المستقلة وعاصمتها القدس ودوما الارثوذكس وكنيستهم طليعة نضالية لنضال مشترك كنسياً ووطنياً ونأمل ان نترك للقارىء استخلاص المفيد حفاظاً على كنيستنا الارثوذكسية المقدسة ام الكنائس
Πατριαρχεῖον Ἱεροσολύμωνكنيسة اورشليم الارثوذكسية باليونانية
وتُعرف أيضاً بكنيسة القدس الأرثوذكسية، ويعتبرها المسيحيون الأرثوذكس الكنيسة المسيحية الأم، فهي الكنيسة الأولى في التاريخ المؤسسة من الرب يسوع في يوم العنصرة وانطلاق الرسل للتبشير وقد اسسها الرسول يعقوب بن حلفى شقيق الرب يسوع بالنسب وكان اول اساقفتها وهو رئيس المجمع الرسولي الذي عقد في السنة 50 مسيحية في اورشليم واتخذ فيه الرسل القرار الحاسم بعدم تطبيق شريعة الختان على معتنقي المسيحية من الامم باعتبار المعمودية المقدسة هي الاساس.
وقد اعتبر أسقف أورشليم بطريركا للمدينة المقدسة بقرار من مجمع خلقيدونية وهو المجمع المسكوني الرابع (451)م
والبطريرك الحالي هو ثيوفيلوس الثالث وهو البطريرك الأرثوذكسي الـ 141 على كرسي أورشليم. وغالبيّة أتباع هذه الكنيسة وطنيون متكلمون بالعربية، ويرعاهم كهنة عرب متزوجون مع وجود أخوية القبر المقدس اليونانية وهي المستولية على البطريركية ومرافقها منذ 1534م. ومنذ قرون، ترعى أخوية القبر المقدس فقط مصالح الأرثوذكس اليونانيين في الأرض المقدسة، وتهتم بالحفاظ على ضبط الكرسي الاورشليمي بيد الاخوية اليونانية بكل مقدراتها وهمها الحفاظ على يونانية الكرسي بغض النظر عن جنسية الشعب الفلسطيني وحقه في ادارة كنيسته وتولي المنصب البطريركي والمتروبوليتات حيث يعتليها منذ مطلع القرن السادس عشر يونانيون من اتباع هذه الرهبنة اليونانية وتملكها البطريركية بدءا بالبطريرك جرمانوس.
اوقاف بطريركية اورشليم
تمتلك بطريركية القدس الأرثوذكسية كماً كبيراً من الأراضي والمباني(حوالي ثلث الابنية السكنية في القدس الشرقية) ومعظم اوقاف القدس الغربية الارثوذكسية صارت جارية بمرافق وادارات الكيان الاسرائيلي ومن بينها مقر الكنيست الاسرائيلي، ووفق احصائيات عقارية واعلامية وطنية وشعبية ارثوذكسية فلسطينية فان البطريركية تمتلك 16% من اراضي فلسطين اوقافاً كان قد اوقفها شعبنا الارثوذكسي عبر تاريخه من سكان فلسطين وشرقي الاردن من العشائر العربية لخدمة كنيستهم…
تضم البطريركية الأرثوذكسية في القدس الرعايا في فلسطين والاردن إذ يبلغ العدد التقريبي لرعاياها يترواح بين 140 الف… وخمسمائة الف…( ال140,000-500,000 مسيحي أرثوذكسي) يعيش الجزء الأكبر منهم في الأردن. وبكل اسف نتيجة الهجرة وسياسة الكيان الاسرائيلي بالمضايقة واستلاب الاوقاف بطرق ملتوية امست نسبة المسيحيين في القدس واحد بالألف وهي نسبة كارثية وان استمر الحال كذلك تصبح فلسطين المسيحية الارثوذكسية عبارة عن مزارات بدون شعب…
تاريخ بطريركية اورشليم للروم الأرثوذكس
تاريخ حافل بالقداسة والشهادة والجهاد المتواصل من أجل كنيسة المسيح والرعيّة والكنيسة الارثوذكسية الحامية للايمان الارثوذكسي القويم بماقدمته من قديسين دافعوا عن الايمان وماتعرض له مسيحيوها من نكبات ومذابح كانت اشهرها واشدها ايلاما نكبتهم باقتحام الفرس لأورشليم وسائر فلسطين وغيرها… واساساً هو جهاد ونكبات الارثوذكسية في انطاكية وسائر المشرق واورشليم….
تأسيس كنيسة أورشليم
في تاريخ الكنيسة الاورشليمية من القرون الثلاثة الاولى من سنة 34-325مسيحية
يبدأ تاريخ تأسيس كنيسة أورشليم من يوم العنصرة وحلول الروح القدس على التلاميذ الأطهار في أورشليم، حيث قام الرسل القديسون بنشر الإنجيل في كل المسكونة، وذلك عملاً بوصيّة الناهض من القبر ربنا وإلهنا يسوع المسيح. أول رئيس أساقفة على أورشليم كان الشهيد والرسول يعقوب أخو الرب سنة 62م وهو اول اسقف نصب على كرسينا الاورشليمي، وهو – على رأي معظم آباء الكنيسة- ابن يوسف النجار من امرأته الأولى لذا يكني بأخي الرب يسوع، وقد نشأ في ذلك البيت الحقير الذي قضى يسوع فيه سنَّ صبوته، وآمن به لما ظهر له بعد القيامة وبعد أن تأسست الكنيسة في اورشليم انتُخِبَ أسقفاً لها وذلك سنة 34مسيحية. وقد ترأس المجمع الذي عقده الرسل في اورشليم بشأن الختان فحكم فيه ألاّ يُثقَّلْ على المؤمنين من الأمم بل يجب أن يُعفوا من الختان ويُحذَّر عليهم الزنا وضحايا الأصنام والدم والمخنوق (اع .ص15). وألف خدمة القداس الالهي الذي على اسمه في الكنيسة الارثوذكسية والذي اختصره القديس باسيليوس الكبير السنة 325مسيحية.
رعى الاسقف القديس يعقوب الرسول اخو الرب كنيسة اورشليم 28 سنة فلقب بالبار وقد كتب احدى الرسائل السبع الجامعة الى اليهود الذين في الشتات، وأخيراً نال الاستشهاد سنة 62 مسيحية حين طرحه اليهود من على جناح الهيكل ورجموه بالحجارة ففاضت روحه وهو يصلي من اجل قاتليه، ودُفن جثمانه الطاهر بقرب الهيكل.
بعد استشهاده انتُخِبَ لادارة كنيسة اورشليم سمعان اخوه الذي ثار اليهود في ايامه ضد الرومان، فجزع على المسيحيين أن يصل الضرر اليهم ولذلك رحل بهم الى مدينة “بيلا” التي كانت واقعة شرقي الاردن مقابل بيسان. واشتعلت الثورة من اليهود ضد الرومان فحاصروا اورشليم الحصينة لمدة اربعة اشهر واخيراً اقتحم تيطس الاسوار الحصينة جداً ودمر واحرق هيكل اورشليم وذلك سنة 70 مسيحية وحرث ارضها بالمحراث كي لاتقوم لليهود بعد ذلك أية دولة، وساق من بقي من الشباب والبنات الباقين على قيد الحياة بالسبي الروماني المشهور دوما عند الرومان، ومنع اقامة اليهود بتاتاً في اورشليم، وبذلك تمت نبؤة الرب يسوع بالحرف وانتقلت الكنيسة الى بيلا…
ثم فتك تيطس بسكان مدينة يافا وعددهم نحو 8 آلاف من اليهود، وفي سنة 106 وُشي باسقف المسيحيين لأتيكس والي اليهودية فأذاقه من العذاب ألواناً وأخيراً حكم عليه بالاعدام فنال الشهادة وله من العمر 120 سنة.
وعلى اثر استشهاده اعتلى الكرسي الاورشليمي الذي مازال مقره في بيلا ثلاثة عشر اسقفا من اهل الختان وذلك في مدة 28 سنة من سنة 106-سنة 134مسيحية ولايعلم شيء اكيد عن تاريخ اساقفة تلك الفترة بالنظر لاضطهاد اليهود لهم الا انه من الثابت المحقق ان معظمهم قضى شهيدا.
مضى على اورشليم ستون سنة وهي خربة وكان الرومان قد تنبهوا ان الفتن والقلاقل في فلسطين انما تنبعث من اورشليم عاصمة اليهود الدينية لأنهم كلما اجتمع شملهم فيها هاجوا ضد الرومان طمعا بالاستقلال، فعول القيصر هادريان ان يبني مكانها مدينة رومانية وشرع في ذلك، ولما بلغ المؤمنين الذين من الامم في بيلا هذا الخبر جاؤوا سنة 134مسيحية فتوطنوا فيها واخذوا ينتخبون لادارة الكنيسة اساقفة منهم واول اسقف نُصب على الكرسي الاورشليمي في تلك السنة كان مرقس، اما المؤمنون من اليهود فلبثوا في مدينة بيلا وكانوا لايزالون يحفظون ناموس موسى.
حن اليهود الى مدينتهم فنازعوا الرومان وعاد منهم كثيرون وتوطنوا فيها مجدداً، أما هادريان فشيد هيكلاً للاله زفس مكان هيكل سليمان نكاية بهم فثاروا وتأَلبت جموعهم تحت قيادة بركوكب فطردوا الرومان من المدينة واستولوا عليها واخذوا يُكرهون المسيحيين على الدخول في دينهم اليهودي بالقوة للاشتراك معهم في الثورة ضد اليهود، فحاربهم هدريان 3 سنوات متوالية وحاصر مدينتهم فتغلب عليهم وهدم ماكانوا قد جددوه فيها وقتل من اهلها خلقا كثيراً فضلاً عن الذين ماتوا بالجوع والوباء اثناء الحصار وطرد اليهود من كل اليهودية واتم بناء المدينة الجديدة (إيليا كابيتولينا)، وكان قد حظر على اليهود دخول أورشليم بالكليّة الا مرة واحدة في السنة ليبكوا المدينة القديمة… ولما كان يكره المسيحيين أيضاً بنى هيكلاً لأفروديت مكان الجلجلة وآخر لأدونيس على مغارة المهد حيث كان المسيحيون يترددون للزيارة فأحيا بعمله هذا ذكر هذه الاماكن المقدسة بينما كان يقصد طمس آثارها.. أما المزارات الشريفة فكانت مطمورةً تحت الأرض وبني فوقها معابد وثنيّة.
في ذلك الوقت كانت مدينة قيصرية مركزاً لرئاسة وتنظيم الكنيسة في الأراضي المقدسة، وقد تكاثر عدد المسيحيين اذ ذاك في قيسارية التي كان هيرودس الملك قد بناها، فأصبحت مركز المسيحية كما كانت طبريا مركز الديانة اليهودية وغزة مركز الوثنية.
وتأسست في قيصرية مدرسة لاهوتية، وكان لأسقفها المنزلة الاولى بين سائر اساقفة فلسطين الذين كانوا يخضعون له ويشرطنون منه وفي جملته اسقف ” ايلياء” أورشليم فقد كانت قرية صغيرة وأسقفها كان تابعاً لمتروبوليتيّة قيصرية. حيث كان مسيحيوا الأراضي المقدسة يواجهون اضطهاداً عنيفاً من قبل أباطرة الرومان مثل أدريانوس وديكيوس وذيوكليتيانوس ومكسيمينوس الذين قتلوا عدداً كبيراً منهم.
وكان المسيحيون مع قلة عددهم مضطهدين من اليهود والوثنيين معاً ومشتتين في المدن الفلسطينية الشهيرة وقتئذ وغيرها…
وكان عدد اساقفة اورشليم الذين من الامم ( اليونانيين وغيرهم) حتى اعتناق المسيحيين من قبل قسطنطين الكبير22 اسقفاً اولهم مرقس المذكور وآخرهم مكاريوس الاول وقد تعاقبوا على الكرسي الاورشليمي في مدة 190 سنة واشتهر من بينهم اربعة هم ناركس الذي رقي الكرسي سنة 185 م وترأس مجمع قيسارية مع اسقفها بشأن تعييد الفصح سنة 196م فحدَّد فيه ان يُعيد في الاحد الاول الواقع بعد بدر الربيع. وخلفه الاسكندر سنة 213م فأنشأ المكتبة الاورشليمية وجمع اليها الكتب الدينية المعروفة في ذلك الوقت فكانت اول مكتبة مسيحية، وأسس مدرسة لاهوتية في اورشليم رغماً عن الاضطهادات العنيفة ثم توفي في السجن سنة 251م في اثناء الاضطهاد الذي أثاره داكيوس الملك. ثم ايمانيس الذي ترأس المجمع الذي عقد في أنطاكية ضد اسقفها الهرطوقي بولس السميساطي عدو الثالوث فأمضى أعمال المجمع المذكور قبل اسقف قيسارية، ثم هرمون الذي اعتلى كرسي اورشليم سنة 300م فأرسل عدة اساقفة من فلسطين ليكرزوا بالانجيل في اماكن مختلفة وقد اهتدى كثيرون بكرازتهم ولبثت الكنيسة في اضطهاد مستمر من عهده الى مسيحية قسطنطين الكبير.
وفي هذه الاثناء اشتهر القديس ايلاريون الذي وُلدَ من ابوين وثنيين في تافانا قرب غزة سنة 290م والتصق بالقديس انطونيوس في الاسكندرية فتعلم منه طريقة التوحد وأنشأ منسكاً بين غزة وميومة فكان اقدم دير أُسس الى ذلك الوقت فاهتدى بوعظه وسيرته الكثير من الوثنيين وقبائل برمتها من عرب المضارب الذين كانوا يقطنون جنوبي غزة ايضاً والتف حوله الفا ناسك.
زمن الازدهار وهو تاريخ الكنيسة الاورشليمية في عصرها الذهبي من سنة 325-638م
يسمي المؤرخون الكنسيون القرون المسيحية الاولى بالعصر الرسولي، والقرون الثلاثة التالية بالعصر الذهبي. وقد احتملت الكنيسة برمتها في العصر الرسولي من الاضطهادات الشيء المهول، فاستشهد عشرات بل مئات الآلاف من المؤمنين كما استشهد قبلهم معظم رسل المسيح، وكانت هذه الاضطهادات الدامية هي الحافز لانتشار الايمان بالرب يسوع، فكان الاقبال على الاستشهاد عظيماً مفضلينه على جحد الايمان بالرب يسوع وهو الذي كان له الاثر الاكبر في نفوس الوثنيين فأقبلوا بشغف على اعتناق المسيحية.
نالت فلسطين الحظ الاوفر من الاستشهاد لوجودها بين عدوين لدودين للمسيح هما الرومان الوثنيين واليهود، فان المساعي التي بذلها كل طرف منهما لافناء اتباع هذه الطريقة الجديدة في مهدها فلسطين، كافية لمحو المسيحية الا ان الرب له المجد وعد رسله بأن ابواب الجحيم لن تقوى على كنيسته ماساعد الكنيسة على اجتياز كل هذا الاضطهاد فوصلت بعد مئات الوف الشهداء الى برالامان وهو العصر الذهبي الذي بدأ ببراءة ميلانوالسنة 313م التي اطلقها قسطنطين الكبير ثم مسيحية الامبراطورية الرومية.مع الاامبراطور ثيوذوسيوس الكبير الذي فرض المسيحية ديناً رسمياً في الدولة الرومية.
ارتاحت الكنيسة من الاضطهادات العنيفة وبنى قسطنطين عاصمته القسطنطينية وكرسها السنة 324م جعلها قاعدة الايمان المسيحي ومنع اقامة اي معبد وثني فيها ومنع اقامة اي طقس وثني فيها بعكس العاصمة روما التي كانت مقر الحبر الاعظم وهو لقب كبير كهنة الوثن في الامبراطورية الرومانية، وعرفت أورشليم الازدهارمنذعهده سنة 324م وحتى بداية القرن السابع حيث ساعدته أمّه القديسة هيلانة، فوجدت الصليب المقدس، ومحلّ القبر المقدس، وبنت وزيّنت جميع المزارات الشريفة المقدسة الأخرى، وشيدت نحو خمس وعشرين كنيسة، وهكذا لم تمض مدّة وجيزة حتى أقامت كنيسة القيامة فوق القبر المقدس، وأخرى في محل الصليب (الجلجلة)، ومحل وجود الصليب المقدس، وفوق مغارة الميلاد، وعلى محلّ صعود الرب الى السماء، وعدا عن هذه الكنائس، كنائس أخرى كثيرة في الأراضي المقدسة سنة 326 – 335م.
ومع ارتياح الكنيسة بفرض المسيحية ديناً رسمياً في الامبراطورية السنة 387م بأمر الامبراطور حسن العبادة ثيوذوسيوس الكبير وبتحويل كل معابد الوثن الى كنائس وتحويل اوقاف هذه المعابد الى هذه الكنائس والاديرة الا ان ظهورالبدع والهراطقة اقلقت راحتها الامر الذي استدعى عقد المجامع المسكونية لأجل تثبيت العقائد القويمة الارثوذكسية ووقف أساقفة كثيرين من أورشليم وحاربوا البدع والهرطقات، ونذكر منهم القديس كيرلس (الكارز) ومحاربته للآريوسيّة. أما الحياة الروحية فكانت في حالة تقدم وازدهار مستمر، ففي أوائل القرن الرابع أخذت الرهبنة شكلاً منظّماً نتيجة الأديرة والصوامع المنظمة التي أسسها القديسان إيلاريون وخاريطون، وكانت هذه الأديرة أديرة عبادةٍ وممارسة للعيشة التقشفية ولحياة التقوى. وفي سنة 407م كانت سنة سقوط الوثنية بشكل كامل في فلسطين وذلك عندما قام القديس بورفيريوس الذي من تسالونيكي (420م) أسقف غزّة مع المسيحيين الذين كانوا هناك بهدم معبد (مارنا) الوثني.
وتدريجياً، كانت أسقفية أورشليم التي ضمت المزارات المسيحية المهمة تتقدم، ففي بداية القرن الخامس أصبحت ميتروبوليتيّة لمقاطعات فلسطين الثلاث. وكان ترتيبها العبادي وتيبيكونها في حالة تطور دائم بلغة عباديّة وهي اليونانية. وفي النهاية تقرر في المجمع المسكوني الرابع الذي عقد في مدينة خلقدونية سنة 451م أن يُرفَّع مقام كنيسة أورشليم الى بطريركيّة، وأن تكون واحدةً من المراكز الكنسيّة الخمس الكبيرة التي كانت في ذلك الوقت، وذلك بسبب مكانتها الخاصة في ضمير الشعب المسيحي وعبادتها المميزة ولاهوتها وحياتها الرهبانيّة وجهاداتها من أجل الأرثوذكسية ومزارتها الشريفة وتاريخها الكنسي القديم.
الرهبنة الاورشليمية
لقد قدمت الرهبنة الأورشليمية في القرنين الخامس والسادس بعضاً من الأشخاص الذين يعتبرون من النسّاك الكبار والمستنيرين مثل القديس إفثيميوس الكبير، وجراسيموس الأردني، وسابا المتقدس، وكيرياكوس الناسك، وثيوذوسيوس الكينوفيارخي مؤسس الرهبنة وحياة الشركة في الأديرة، وكثيرون آخرون ممن حوّلوا صحراء اليهوديّة وفلسطين الى مدن للتعليم الملائكي. ونرى أن رهبنة (السبوديي) وهم رهبانٌ كانوا يهتمون بإقامة الصلوات والاحتفالات التي كانت تقام في كنيسة القيامة، وهم رهبنة مشابهة لأخويّة القبر المقدس التي تشكلت لاحقاً، وأما هذه الرهبنة فكانت قد تأسست من قبل الأسقف ألكسندروس في القرن الثالث، وبعد إعادة بناء كنيسة القيامة في أواخر القرن الخامس من قبل البطريرك إيليا الأول وسكنت بشكل نهائي في جوار القبر المقدس. لقد كان اهتمام بطاركة أورشليم والقادة النسّاك يصبُّ على العمل الرعائي والصلاة، ولكنهم دافعوا بقوّة وجاهدوا بشدّة في محاربة الهرطقات مثل المونوفيزيتيّة (الطبيعة الواحدة) وأتباع أوريجانوس. وأصبحت أورشليم بعد ذلك مركزاً للعبادة المسيحية والتعليم المسيحي، حيث كانت إحسانات الإمبراطور يوستنيانوس مكمّلة للعمل والنشاط الذي قامت به الملكة إفذوكيّة الأثينائيّة المُحسنة الى الأراضي المقدسة (في نصف القرن الخامس) وهي امرأة ثيوذوسيوس الصغير وجاءت الى اورشليم وتوطنت فيها وبنت اسوارها، وأسست مقاماً فيها لبطريرك اورشليم ونزلاً للغرباء في المكان المعروف الآن بالدباغة وبنت كنيسة للقديس استفانوس اول الشهداء خارج باب العمود ولما توفيت دفنت فيها سنة 460م
ومات بطرس اسقف القبائل العربية فخلفه افكسولاوس ثم يوحنا الذي صحب بوفيناليوس مع عدة اساقفة من فلسطين لحضور مجمع خلقيدونية ( الرابع) 451م الذي عقد لمكافحة بدعة الطبيعة الواحدة.
تقررت في محمع خلقيدونية بطريركية اسقف اورشليم وتأيدت سائر مطاليبه، فكان يوفناليوس اول من سمي بطريركاً على الكرسي الاورشليمي، ومما ساعده على هذه الترقية بناء الكنائس الفخمة على اماكن الزيارة، وتقاطر الزوار اليها من المسكونة كلها، وظهور اساقفة ومعلمين فيها ودفاعهم عن الارثوذكسية واستشهاد الكثيرين لأجلها، وعظمة اورشليم مع انحطاط اهمية قيسارية وكان عدد الاسقفيات الخاضعة للكرسي الاورشليمي يومئذٍ ستون اسقفية.
اعتنق البدعة النسطورية راهب مصري يدعى ثيوذوسيوس، واقنع الملكة أفدوكية بصحة معتقده الفاسد وتمكن بواسطتها من عزل البطريرك الاورشليمي يوفناليوس، واغتصب كرسي البطريركية، فعزل المطارنة الارثوذكس وعين اتباعه النساطرة، وانضم اليه كهنة ورهبان ونساك وعلمانيين كثر، فأرسل الملك مركيانوس ينهيه عن ضلاله ووجه الى والي فلسطين ليردعه بالقوة العسكرية، فهرب الضال ثيوذوسيوس الى طور سيناء وأُرجع يوفناليوس الى كرسيه واستدعى الاساقفة الى مجمع لوضع مقررات مجمع خلقيدونية موضع التنفيذ، لكنهم لم يلبوا دعوته ولم يعترفوا بقانونية بطريركيته ولا بصحة التعليم الخلقيدوني ماعدا القديس افتيموس الذي نصح افدوكية الاتحاد مع يوفناليوس، فقبلت نصيحته وردَّت اليه جميع اساقفة الكرسي المقالين، ولكن ظل الارمن متمسكين باعتقاد نسطوريوس الى اليوم.
وكان يُعَيد لميلاد المسيح في 6 كانون الثاني فرتب يوفناليوس ان يُعيد لميلاد المسيح في 25 كانون الاول ولعماده في 6 كانون الثاني، اما الارمن فظلوا متمسكين بالعادة القديمة حتى الآن.
مات يوفناليوس فخلفه البطريرك انسطاسيوس الذي اسس دير مار الياس الواقع على طريق بيت لحم، وكان البطاركة يلبسون حللاً بيضاء الى ذلك الوقت. وفي السنة 467 مات القديس ثيوكتستس رفيق القديس افتيميوس فعين بدلاً منه رئيساً لديره الراهب المتوحد مارن اخو بطرس الاسقف العربي، واتسع نطاق العيشة النسكية في فلسطين وشرقي الاردن وبهذه الاثناء اسس القديس جراسيموس ديره في برية الاردن حيث توفي، ومات القديس افتيميوس سنة 473م فدفن في ديره.
ثورة السامريين
وفي السنة 474 م ثار السومريون في السامرة على المسيحيين فاستشهد عدد كبير من المسيحيين وقطعوا انامل اسقفها تريفنثوس وامتدت الثورة الى عدة قرى في فلسطين فحرقوا وهدموا كنائس كثيرة. واستولوا على كنيسة العذراء التي كان قد بناها الملك زينون على جبل جرزيم، فقاصصهم الملك قصاصاً صارماً ورد الكنيسة الى المسيحيين.
اشتهر القديس سابا فبنى ديره الشهير ودير آخر في جبل صهيون الذي صار فيما بعد مقاماً للرهبان”المهمين” وبنى القديس ثيوذوسيوس ديره على المغارة التي بات فيها المجوس لدى رجوعهم بعد زيارة الطفل يسوع وهو المعروف الآن بدير “بني عبيده” الى الشرق من بيت لحم. والتف حوله ماينيف عن سبعمائة من الرهبان المتوحدين وهم من اجناس مختلفة، وكان لهم اربع كنائس وكل طائفة منهم تقيم شعائر الدين بلغتها الخاصة الا انهم كانوا يحضرون القداس الالهي في المنسك العمومي…
وفي السنة 494م اعتلى البطريرك ايليا السدة البطريركية وهو من نجد، ونسك في دير القديس افتيميوس ثم صار قيماً لكنيسة القيامة، واسس دير القبر المقدس المعروف الآن بدير قسطنطين وبنى دير العذراء الواقع تجاه كنيسة القيامة، ونقل اليه الرهبان (المهمين) الذين تألفت منهم اخوية القبر المقدس المحكي عنها قبلاً وبنى اديرة اخرى وكنائس، ورسم منهم عدة اساقفة.
هاج الرهبان ضد القديس سابا فرحل الى بيسان ثم الى جدره، حيث اسس منسكاً ثم عاد الى ديره، فوجد الرهبان لايزالون ساخطين عليه فذهب الى عمواس حيث اسس منسكاً آخر. وأخيراً حصل على موافقة البطريرك ايليا ليقيم في ديره فخرج الرهبان المشاغبون من الدير بعدما عاثوا فيه خراباً وسرقوا المؤن وابتنوا لانفسهم ديراً في برية تقوع.
لما صار سفيروس بطريركاً لأنطاكية طلب من البطريرك المذكوران ينقاد الى معتقده غير القويم فأبى فسعى بنفيه ونفي بأمر ملكي ونصب بدلا عنه يوحنا الثالث، وهو من اعوان سفيروس الملحد ومن اضداد مجمع خلقيدونية، فأخذت الحمية القديسيَّن سابا وثيودوسيوس فجمعا من برية الاردن سبعة آلاف نفس اتوا الى اورشليم واكرهوا يوحنا على تغيير معتقده والاقرار بقانونية مجمع خلقيدونية وحرموا سفيروس واتباعه فنصره الامبراطور، لكن الشعب والآباء بزعامة القديسيَّن المذكوريَّن في فلسطين ثاروا ثورة واحدة في وجه الحكومة قائلين بانهم يفضلون الموت على ان يقبلوا بعقيدة سفيروس او ان يرفضوا المجمع الرابع (خلقيدونية) فتهيب الامبراطور منهم وتركهم.
ذهب القديس سابا ومعه بعض رؤساء الاديرة والنساك ليفتقدوا البطريرك ايليا في منفاه، فوقعوا على عنقه وبكوا بكاء مراً ورجعوا وبقي القديس سابا يلازم البطريرك لحبه المفرط له وماعتم البطريرك الا ان توفي بين يدي سابا وبعدما دفنه عاد الى ديره.
بعض فترة ومع تولي الامبراطور يوستنيانوس الحكم عصي عليه اليهود والسامريون وهاجوا على المسيحيين في فلسطين ونكلوا بهم، واستشهد العديد من الاساقفة منهم بطرس الثاني اسقف القبائل، واحرقوا جثثهم وهدموا كنائسهم وحاربهم حاكم فلسطين وقتل منهم عشرين الفاً.
بنى الامبراطور يوستنيانوس ديراً وهيكلاً مكان هيكل سليمان باسم”دخول العذراء الى الهيكل” وجمَّله بالأواني التي كان قد نهبها تيطس من الهيكل عند تدمير اورشليم، وبنى كنيسة المهد الشريف، وكنيسة العذراء في اسفل جبل الزيتون، واخرى في اريحا وكنيسة القديس جاورجيوس في اللد، وكنيسة على بئر السامرية، وعلى جبل جرزيم، وديراً باسم العذراء في مدينة الكرك، وآخر لرهبان طورسيناء وكانوا عرباً من بني صالح، وبنى ايضا عدة اديرة وكنائس وملاجىء في اماكن اخرى وكان القديس سابا يراقب هذا العمران وتوفي…
في هذه الاثناء نبغ القديس كيرلس الذي كتب تراجم الآباء القديسين افتيميوس وسابا وثيوذوسيوس وجراسيموس…
وكانت اورشليم يومئذ المدينة الثالثة في المشرق بعد الاسكندرية وانطاكية وفيها الاديرة والكنائس والملاجىء والابنية الفخمة والقصوروالمسارح والحمامات وكانت هادئة مطمئنة منذ قسطنطين وحتى بدء القرن السابع اذا استثنينا بعض الثورات المحلية من اليهود والسامريين، والكنيسة فيها آخذة بالنمو والزهو بسرعة غريبة تحت ظل الدولة الرومية وعلى الدوام يزورها الملوك والامراء والعظماء والاغنياء والمؤرخون من كل اصقاع الارض ومنهم من انتمى الى رهبناتها ومنهم من وقف امواله على كنائسها واديرتها الى غزوة الفرس السنة 614م. كانت الكنيسة قبل ذلك في حالة إزدهار كبير وضمت أربعة ميتروبوليتيات كنسيّة كبيرة وهي قيصريّة، سيكثوبوليس، البتراء، وبسطرا (بصرى)، وعدداً كبيراً من الأديرة يصل عددها نحو 365 ديراً
غزوة الفرس
وقبل أن تقع أورشليم في قبضة ملك الفرس (خسرو- سايروس) في ايار سنة 614م تم الاستيلاء على دمشق ثم حاصروا اورشليم مدة عشرين يوما، وعرضوا الصلح على اهلها فرفضوه رغماً عن ارادة بطريركها زخريا وكان هرقل الملك قد حصن اسوارها وابراجها فصمدت قليلا الا انهم تغلبوا عليها اخيراً ودخلوها عنوة في 20 ايار سنة 614م فلم تقو الحامية الرومية المرابطة في اريحا على صدهم، وكانت غاية الغزاة الفرس التدمير والنهب لا الامتلاك فقد قتلوا من اهلها 55866 نفساً بحسب تقدير المخطوطات العربية المحفوظة في مكتبة دير الروم و 67314 حسب تقدير المخطوطات الكرجية وكان قد التجأ الكثيرون منهم الى الكنائس فذبحوهم ذبح الغنم وساقوا عددا كبيرا منهم الى بركة”مأمن الله” فاستبقوا اصحاب الصنائع منهم وباعوا الباقين لليهود فقتلوهم بعدما نكلوا بهم، وقد هدموا كنيسة القيامة وسائر الاديرة والكنائس في اورشليم وفي كل فلسطين وحرقوها وذبحوا الرهبان ولاتزال جماجم رهبان مارسابا ركمة واحدة في كنيسة القديس نيقولاوس القائمة في الدير المذكورتشهد لفظاعتهم ووحشيتهم ونهبوا كل ماوصلت اليه ايديهم ومن جملة ماسلبوه خشبة الصليب المقدس. واقتادوا البطريرك زخريا واعيان المسيحيين اسرى بموكب النصر الى بابل. فكانت هذه النكبة التي حلت بفلسطين من اعظم نكباتها السابقة واللاحقة ورثى مدينة اورشليم صفرونيوس الحكيم الذي نسك في دير فاره وصار مستشاراً ليوحنا الرحوم بطريرك الاسكندرية وعاد فنسك في دير القديس ثيوذوسيوس – بمرثاة رقيقة المباني اشبه بمراثي ارميا النبي.
إن الدّمار الذي نتج عن غزو الفرس كان له أثراً عظيماً في تاريخ كنيسة صهيون. أما قائم مقام البطريركية الارشمندريت مودستوس الذي كان رئيسا لهذا الدير ولاحقاً بطريرك أورشليم فقد اهتم بإعادة ترميم المزارات كما كانت في القديم. لقد قام الإمبراطور هرقل الذي لم يطب له هذه الهزيمة الهائلة ونظرا لفراغ خزينته من النقود سك اواني كنيسة القسطنطينية نقوداً برضى بطريركها، وجدد الهمة فهاجم الفرس في بلادهم ثلاث دفعات، وغلبهم في الهجوم الاخير بقرب نينوى في 12 كانون الاول السنة 627م واسترجع سورية وفلسطين ومصر ومات كسرى اثناء الحرب فطلب ابنه شيرويه الصلح من هرقل فاشترط عليه رد خشبة الصليب الكريم واطلاق الاسرى، وحمل هرقل الصليب ودخل المدينة المقدسة باحتفال عظيم في 6 آذار 630م. والشعب يرتل” خلص يارب شعبك…” ووضعه في الجلجلة المقدسة في غلافه. وعاد البطريرك زخريا الى كرسيه في اورشليم، وزار هرقل سورية وفلسطين وتجول في شوارع اورشليم وقاصص اليهود قصاصاً صارماً لاشتراكهم مع الفرس بمجزرة المسيحيين. ثم عاد للقسطنطينية وترك للبطريرك مساعدة مالية جزيلة لترميم مابقي من الكنائس والاديرة ولاغاثة المنكوبين، وبعد ذلك توفي البطريرك زخريا فخلفه مودستس السنة 632م ثم صفرونيوس الدمشقي وذلك السنة 634م، فعقد مجمعاً مكانياً نُبذت فيه تعاليم القائلين بالمشيئة الواحدة ( الموارنة)، وناضل عن الايمان الارثوذكسي القويم نضالاً حسناً وفي ايامه دخلت فلسطين واورشليم في حوزة المسلمين.
ولكن بعد سنين قليلة رأى هرقل أنه لا يمكنه وقف زحف العرب المسلمين، ففي سنة 638م انفصلت أورشليم بشكل تام عن الإمبراطورية الروميّة المسيحيّة ووقعت في أيدي العرب المسلمين.
عصر الشدائد الكبرى
استيلاء المسلمين على فلسطين واستلام عمر بن الخطاب مفاتيح اورشليم
زحف المسلمون على فلسطين السنة 634م في عهد ابي بكر الصديق بقيادة خالد بن الوليد ولما رأى هرقل ان لاقدرة له على مقاومتهم اخذ خشبة الصليب الكريم وعاد الى القسطنطينية وسلم القيادة لأخيه تيودور ومات ابو بكر فخلفه عمر بن الخطاب فعزل خالد وعين ابو عبيدة بن الجراح، وبعد دخولهم صحاً بهمة سرجون النصراني جد القديس يوحنا الدمشقي من باب الغربي(الجابية) وحرباً بخيانة الراهب اليعقوبي يونان وتواطئه مع خالد من باب شرقي، وانتصار المسلمين في معركة اليرموك… استولوا تدريجياً على مدن فلسطين الواحدة تلو الاخرى بلا قيد ولاشرط، وزحفوا على “ايلياء” بسبعة وثلاثين الف مقاتل وحاصروها مدة اربعة اشهر وكانت حاميتها لاتزيد عن العشرة آلاف والمدد مقطوع عنها، وعصيت عليهم ايضاً قيسارية لأنهما كانتا محصنتين ولما رأى بطريرك اورشليم صفرونيوس الدمشقي ان لاقدرة لحامية المدينة على المدافعة اذا طالت مدة الحصار اكثر من ذلك، وان فتح المدينة عنوة يعود على المسيحيين بالوبال، صمم على تسليمها للخليفة ابن الخطاب شخصياً لكي يحصل على العهود والامتيازات صلحاً، فحضر ابن الخطاب من مكة الى اورشليم وفتحت المدينة ابوابها في وجهه، فاستقبله البطريرك صفرونيوس الدمشقي وحاشيته استقبالاً فخماً وسلمه مفاتيح المدينة فدخلها ومن معه، وزار كنيسة القيامة وجلس في ساحتها، وحان وقت الصلاة فسأل عمر البطريرك مكاناً يصلي فيه، فأجابه البطريرك :”مكانكَ صلِّ” فلم يقبل عمر وتنحى الى الجنوب منها فصلى على درج كنيسة قسطنطين مقابل كنيسة القيامة /حيث جامع عمر الآن/، ولما فرغ من الصلاة قال للبطريرك:” “إئذن لي ايها الشيخ، لأني لو اقمت الصلاة في هذه الكنيسة لوضع المسلمون عليها الايدي من بعدي بحجة اقامتي الصلاة فيها، وإني لاأبى أن امهد السبيل لحرمانكم منها وانتم بها أحقُّ واولى.”
واعطى البطريرك صكاً حذّرَ فيه المسلمين الاجتماع لأجل الصلاة في المكان الذي صلى فيه، لكنه لم يمنعهم ان يقيموا الصلاة فيها فرداً فرداً. وطلب من البطريرك ان يريه مكاناً ليبني فيه جامعاً للمسلمين فأراه مكان هيكل سليمان حيث الصخرة الكبيرة وكانت الأقذار قد علتها وغمرتها لتقادم الهجر وطول الايام فجعل الخليفة ينظفها بذاته، فاقتدى به المسلمون حتى رفعوا جميع الاقذار التي كانت هناك، فأمر عمر حينئذٍ بتشييد الحرم فبُنيْ، وأمر علقمة بن مجزَّز على نصف فلسطين الجنوبي وقاعدته ايلياء وعلقمة بن حكيم على النصف الآخر وقاعدته الرملة ومن ثم عاد الى مكة عاصمة الخلافة.
العهدة العمرية
كان عمر بن الخطاب بعد دخوله صلحاً ايلياء بأيام قليلة قد اجتمع بالبطريرك صفونيوس في جبل الزيتون، فمنحه صك العهدة المعروف بالعهدة العمرية المشهورة بخط يده في رقٍ عرضه شبر وطوله ستة أشبار الذي لايزال محفوظاً في البطريركية كأثر جليل، وهذه صورة العهدة المشار اليها بحروفها الكوفية (نقلاً عن “دليل الأرض المقدسة” صفحة 144 للارشمندريت بنيامين بوانيذي المطبوع في دير الروم بالقدس الشريف سنة 1877)
بسم الله الرحمن الرحيم
“الحمد لله الذي شرفنا بالاسلام، واكرمنا بالايمان، ورحمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهدانا من الضلال، وانقذنا به من التهلكة، ووحد قلوبنا، ونصرنا على الاعداء، وثبت ايدينا وجعلنا اخوةً متحابين، فاحمدوا الله ياعباد اله على هذه النعمة.
اما بعد فهذا عهد مني انا عمر بن الخطاب أُعطي للشيخ الوقور بطريرك الامة الملكية صفرونيوس على جبل الزيتون بمقام القدس الشريف في الاشتمال على الرعايا والقسوس والرهبان والراهبات حيث كانوا واين وُجِدوا وان يكون عليهم الامان لأن الذمي اذا حفظ احكام الذمة وجب له الامان والصون منا نحن المؤمنين والى من يتولى بعدنا ولتقطع عنهم اسباب جوانحهم كحسب ماقد جري منهم من الطاعة والخضوع. وليكن الامان عليهم وعلى كنائسهم ودياراتهم وكافة زياراتهم التي بيدهم داخلاً وخارجاً وهي القيامة وبيت لحم مولد عيسى(عليه السلام)الكنيسة الكبرى والمغارة ذات الثلاثة ابواب قبلي وشمالي وغربي وبقية اجناس النصارى الموجودين هناك وهم الكرج والحبش والذين يأتون للزيارة من الافرنج والقبط والسريان والارمن والنساطرة واليعاقبة والموارنة تابعين للبطرك المذكور ويكون متقدماً عليهم لأنهم أُعطوا من حضرة النبي الكريم والحبيب المرسل من الله وشرفوا بختم يده الكريم (بالاشارة الى العهدة الممنوحة من النبي لرهبان طورسيناء)وامر بالنظر اليهم والامان عليهم كذلك نحن المؤمنين نحسن اليهم اكراماً لمن احسن اليهم ويكونوا معافيين من الجزية والغفر والمواجب ومسلمين من كافة البلايا في البر والبحور وفي دخولهم للقيامة وبقية زياراتهم لايؤخذ منهم شيء واما الذين يقبلون الى الزيارة الى القيامة يؤدي النصراني الى البطريرك درهم وثلث من الفضة(ظل البطاركة الارثوذكسيون يستوفون هذا الرسم الى ان صدر امر السلطان سليمان القانوني سنة 1520م بتحويله الى التكية.) وكل مؤمن ومؤمنة يحفظ ما امرنا به سلطاناً ام حاكماً ام والياً يجري حكمه في الأرض غني ام فقير من المسلمين المؤمنين والمؤمنات. وقد اعطي لهم مرسومنابحضور جم الصحابة الكرام عبد الله وعثمان بن عفان وسعد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وبقية الاخوة الصحابة الكرام.
فليُعتمد على ماشرحنا في كتابنا هذا ويُعمل به ويبقى في ايديهم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه والحمد لله رب العالمين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
في العشرين من شهر ربيع الاول سنة 15 للهجرة النبوية. وكل من قرأ مرسومنا هذا من المؤمنين وخالفه من الآن الى يوم الدين فليكن لعهد الله ناكثاً ولرسوله الحبيب باغضاً.”
وقد دعيت الملة المسيحية المنضوية الى الكرسي الاورشليمي في هذه العهدة ” الأمة الملكية” ولابد ان يكون ذلك قد صار باختيار البطريرك صفرونيوس نفسه.
ويقول بعض المؤرخين لا سيما اليونان منهم:” ان البطريرك المشار اليه مع طائفته ظلوا مع دخولهم تحت الحكم العربي ينتسبون الى ملوك الروم وينظرون اليهم نظر المسلمين للخليفة كيفما كانت تابعيتهم وجنسيتهم، ولاندري ماهي فائدتهم من وراء ذلك ولعلهم يظنون من وراء ذلك ان ملوك الروم في القسطنطينية كانوا يونانيين فقصدوا ان يربطوا بهم اهل السماء والارض، ولم يعلموا انهم روميون وقد سميت جميع الامم الخاضعة لحكمهم “روم” بقطع النظر عن مذاهبها واجناسها وهو اسم للتابعية الجنسية لا للمذهبية الدينية.
يقول غيرهم برأي ثانٍ ان الكنيسة المسيحية كانت تنقسم الى طائفتين:
– طائفة الارثوذكسيين المتمسكين بصحة العقائد المسيحية التي حمل بيرقها الملك يوستنيانوس المستقيم الرأي في المجمع المسكوني الخامس.
– طائفة المبتدعين المنسوبين الى اوريجانس وغيره فنَعَتَتْ حينئذ الكنيسة الارثوذكس ب” الملكية” نسبة الى الملك يوستنيانوس وحزبه وذلك اقرب الى الصواب، لأجل هذا ادعت طائفة الروم الكاثوليك المنشقة عن امها الكنيسة الارثوذكسية والملتحقة بركب الطوائف الملتحقة ببابا روما والكثلكة ادعت بتسمية الملكية وانتحلتها بدعوى ان الايمان الصحيح الذي اقرته المجامع المقدسة محصور فيها وكأني بالايمان القويم مجرد تبعيتها لبابا روما وليس العقيدة الارثوذكسية القويمة والجامعة…عجبي!!!
ولقد فرض المسلمون الجزية على غير المسلمين (ماعدا القسوس والرهبان) اربعة دنانير على كل نفس “ذمي” كانوا يؤدونها كل سنة وهي المعروفة بضريبة الخراج او الذمة وقد استثنيت من دفع هذه الجزية بصورة خصوصية بعض القبائل العربية المسيحية كالغساسنة في شرق الاردن (وهي السريانية مذهباً والتي ناصرت المسلمين في معركة اليرموك ضد الروم وادت الى تغيير موازين القوى لجهة انتصار المسلمين وجلاء الروم البيزنطيين عن بلاد الشام).
العهدة العمرية لأجل مدينة ” ايليا”
بسم الله الرحمن الرحيم
” هذا ما اعطى عبد الله امير المؤمنين اهل ايليا من الأمان: أعطاهم أماناً لأنفسهم واموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لاتُسكن كنائسهم ولاتُهدم ولاينتقض منها ولا من حيزها ولا من صلبهم ولا من شيء من اموالهم، ولايكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم، ولايسكن بايليا معهم احد من اليهود، وعلى اهل ايليا ان يعطوا الجزية كما يعطي اهل المدائن وعليهم ان يخرجوا من الروم واللصوص فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ماعلى اهل ايليا من الجزية، ومن احب من اهل ايليا ان يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم فانهم آمنون على انفسهموعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم ومن كان بها من اهل الأرض قبل مقتل فلان…فمن شاء منهم قعد، وعليهم مثل ماعلى اهل ايليا من الجزية، ومن شاء سار مع الروم ومن شاء رجع الى اهله فإنه لايؤخذ منهم شيء حتى يحصدوا حصادهم، وعلى مافي هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين اذا اعطوا الذي عليهم من الجزية.”
(كتب سنة 15 هجرية شهد خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن العاص، ومعاوية بن ابي سفيان.)
عاد عمر بن الخطاب منتصراً الى مكة سنة 638م وانتهى حكم الدولة الرومية في سورية بما فيها فلسطين بعد حكم دام زهاء سبعمائة سنة زاهية مليئة بالانجازات الروحية لصعيد بناء الكنائس والاديرة وعقد المجامع المسكونية والحفاظ على العقيدة الارثوذكسية مع كنيستي: انطاكية وسائر المشرق الارثوذكسية التي ارهقتها الهرطقات الطبيعةالواحدة والنسطورية و…واورشليم، والحال ذاته مع بطريركية الاسكندرية بعد وقوع هذه البطريركيات الثلاث تحت حكم المسلمين. كانت الامور تتم في عهد عمر وفق عهدته، ولكن سيطرمن بعده على سدّة الخلافة حكّام أشدّ قسوة، فقاموا بمضايقة المسيحيين كثيراً، وقد عانى المسيحيون في زمن حكمهم من محاولات نشر الإسلام بالقوّة ودحض وإلغاء كل ما هو مسيحي عموماً وارثوذكسي رومي خصوصا لأن الحاكم المسلم لم يميزبأن العقيدة الرومية هي مذهب يعتنقه معظم مسيحيو سائر بلاد الشام وليس علامة للجنسية الرومية مماثلة لجنسية دولة الروم…بينما تقرب منه المسيحيون اليعاقبة والنساطرة والصابئة…فقربهم واولاهم بعض الميزات.
في عهد الدولة الاموية
دانت البلاد لمعاوية فأقر عهود عمر بن الخطاب، واعترف بسيادة الارثوذكس على الاماكن المقدسة، وهاجم القسطنطينية فاغتنم مردة جبل لبنان الفرصة، وزحفوا على فلسطين ووصلوا الى القدس، فاضطر معاوية ان يعقد صلحا مغبوناً مع الروم على ان يدفع لهم مالاً معلوماً كل سنة، وكان كلما تعكر جو السياسة بين العرب والروم رأوا منهم استعداداً وعزيمة على استرجاع بلاد الشام وفلسطين منها، يُسيء المتطرفون المسلمون بمسيحي بلاد الشام فيتهمونهم بالمؤامرة مع الروم، كما حصل مع القديس يوحنا الدمشقي بقطع الخليفة يده…وهنا تشتد المعاملات القاسية جداً على المسيحيين وعلى رؤسائهم لجهة العبادة العلنية ومنعهم من لبس البسة كألبسة المسلمين ومنها الاخضر فهو لون النبوة، وان تُهدم كنائسهم التي لم يرد لها ذكر في العهدة العمرية، فاستشهد الكثيرون منهم في خلافة معاوية ودخل الى الاسلام مضطراً عددٌ ليس بالقليل بغية النجاة من الاضطهادات العنيفة لدرجة القتل، وللاعفاء من الجزية التي صارت فاحشة، فحَّذرَّعليهم الدخول في الاسلام طمعاً فيها، وأخيراً نقص عدد المسيحيين في فلسطين الى 43 الفاً.
ورغم هذه الحالة الصعبة والضغوطات الخارجيّة الكبيرة بقيت الحياة الروحية لدى المسيحيين المضطهدين بحالة نشاط وتطور، فقد كان لكنيسة أورشليم في هذا الزمن دورٌ هام في محاربة الهرطقات مثل هرطقة المونوثيليث (المشيئة الواحدة)، وهرطقة محاربة الأيقونات وحتى ظهور هرطقة Filioque الفيليوكفة (والابن) انبثاق الروح القدس من الآب والابن الناتجة عن الرهبان الإفرنج واللاتين التابعين للبابا. ومن بين كثير من اللاهوتيين العظام الذين دافعوا عن الإيمان القويم نذكر البطريرك القديس صفرونيوس (638م) المحكي عنه، والقديس يوحنا الدمشقيراهب دير القديس سابا (784م) اللذان يعتبران من أهم وأرفع رجالات اللاهوت وناظمي التسابيح في التاريخ الكنسي.
لقد وُصف القرن التاسع كما وُصف القرن الثامن بأنه زمن اضطهاد عنيف شُنَّ على المسيحيين، وكان كلّ هذا على حساب المزارات الشريفة، والكنائس، والأديرة، والمؤمنين البسطاء. ولمّا نشبت الحرب الأهليّة بين القبائل العربيّة بعد موت يزيد استولى الروم على قيسارية وعسقلان، الا انهم لم يستطيعوا الاحتفاظ بها. وفي عهد عبد الملك بن مروان 685-705م استأنف الروم الهجوم على ارياف سورية فاغتنم الفرصة فاضل بن قيس واستولى على فلسطين ثانية، عقد عبد الملك صلحا مع الروم، وجدد عهود معاوية وكان من جملة شروط الصلح نقل مردة جبل لبنان وعددهم ينوف عن 12 الفاً الى بلاد الالبان، وقد كانوا بمنزلة سور حديدي للملكة الرومية، وجدد بناء قيسارية وعسقلان اللتين هدمتا من الروم وحذَّر على المسلمين ان يحجوا الى مكة وامرهم بقضاء سنة الحج في القدس فبنى قبة الصخرة وكان المسلمون يطوفون حولها طوافهم بالكعبة في مكة.
لما تولى الخلافة الاموية الوليد بن عبد الملك صادر كاتدرائية دمشق “كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان وفيها رأسه” وحولها الى الجامع الاموي. وعيَّن أخاه سليمان مقامه في فلسطين، فجعل مركزه في الرملة واغتصب الاعمدة التي كان قد اعدها المسيحيون لبناء كنيستهم في الرملة بسعاية كاتب مسيحي كان في خدمته نكايةً بمسيحيي اللد، لأنهم ابوا عليه(المسيحي المذكور الخائن) السكنى بقرب كنيستهم، وشن الوليد حملة على القسطنطينية فردت جيوشه بخسارة مهولة. فشدد الوليد الاضطهاد على مسيحي سورية وفلسطين وفرض ضريبة الخراج على الرهبان ايضا وحظر على المسيحيين استعمال اللغة اليونانية في كنائسهم بتاتاً.
كما مُنع المسيحيون من إقامة شعائرهم الدينية في الأعياد خارج الكنائس، ومنعوا كذلك من تعليم اللغة اليونانيّة، حتى أن تداولها بين أبناء الرعيّة أصبح ضئيلاً وكذلك أيضاً في طقوس العبادة داخل الكنائس معدوما.
تولى سليمان بعد اخيه الوليد الخلافة فكان عهده ظالما جداً ولم يطل به الامر فتولى عمر الثاني 717- 720م وكان صالحا تقيا فاعتزت الدولة الاموية به.
تولى بعده هشام بن عبد الملك 724-743م ووقتها ثارت بدعة محاربي الايقونات التي كان يترأسها بعض اساقفة المسيحيين ويعضدها الامبراطور لاون الارمني، فقاومها يوحنا بطريرك اورشليم واستفانوس اسقف بصرى و القديس يوحنا الدمشقي واتهم بالمؤامرة مع الروم ضد المسلمين فأمر هشام بقطع يده وبعد براءته وشفاء يده ترك الوظيفة وكانت امينا لبيت مال المسلمين وهو كوزير المالية، وجاء مع اخيه بالتبني قزما الى دير القديس سابا في فلسطين ونسكا فيه…
بعد وفاة هشام اهتزت اركان الدولة الاموية لتنازع ثلاثة على منصب الخليفة في مدة سنتين، وآخر الخلفاء كان مروان الثاني 744-750م وفي عهده ضربت هزة ارضية عنيفة كل بلاد الشام فتهدمت اديرة وكنائس وبيوت كثيرة، ومات الوفٌ تحت الردم، وكان منهم الكثير من المسيحيين بسبب غلبتهم العددية في سائر بلاد الشام بمافيها فلسطين.
في عهد الدولة العباسية
لم يتغير الحال كثيراً، وان كان ابو العباس السفاح قد رفع الاضطهاد عن مسيحيي الخلافة العباسية، لكنه عاون محاربي الايقونات على الارثوذكسيين، وشدد الخناق عليهم اكثر نتيجة فشله في حربه على دولة الروم، ونال مسيحيو فلسطين نصيبهم من الظلم، ومنع استخدام غير اللغة العربية في الكنيسة وخاصة في مركزي انطاكية واورشليم، فترجمت تبعاً لذلك الكتب الكنسية الرومية الى العربية (تاريخ خريسوستوموس ص300) وفرض على الرهبان رسوماً باهظة…وزادت الثقلة على الارثوذكسيين في عهد المهدي وضعفت الرهبنة في اورشليم كثيراً وقلَّ عدد الرهبان الارثوذكسيون، وان كان قد برز وقتها الراهب المتوحد واللغوي العالم ليونيدس ابن اخي القديس يوحنا الدمشقي الذي كتب ترجمة القديس استفانس العجائبي ( خريسوستموس ص317) ونبغ ايضا تيودور اسقف قارة تلميذ يوحنا الدمشقي، وهو المعروف بأبي قارة وكان عالماً بالعربية واليونانية، وكتب البطريرك الاورشليمي توما رسالة بعثها مع ابي قارة الى الارمن شارحا فيها حقيقة الايمان الارثوذكسي القويم. وكتب ابو قارة عدة مقالات بالعربية موجهة الى الهراطقة لاتزال اربعون منها محفوظة الى اليوم. ( المرجع السابق)
استغل البطريرك توما الصراع على الخلافة العباسية بين الأمين والمأمون فرمم قبة كنيسة القيامة برخصة من الحكام الوطنيين، وان كان وُشي بالبطريرك المذكور من الخصوم بأنه بنى القبة!!! ولما لم يتمكن الخصوم ولا الحاكم عبد الله بن ظاهر اثبات مقدار حجم القبة قبل بنائها، وبعد معاناة شديدة تم الامر باخراج البطريرك توما ومن معه من المسيحيين من السجن… ولكن استمر الظلم وهدم الكنائس بعد حصار اسطول الروم دمياط في مصر سنة 859م، وفي اواخر سني الخليفة المذكور حُرقت مدينة عسقلان وحدثت زلزلة عظيمة في فلسطين وتبعها جوع شديد. وكان في خلافة هرون الرشيد 786-809م ان حدثت مجاعة عظيمة في فلسطين في اول عهده فهجرها معظم اهلها فاستدعاهم الرشيد رغبة بجمع الجزية منهم، ونتيجة للحرب بين المسلمين قامت عصابات من الثوار بالاعتداء على دير مارسابا ودير خاريطن ودير ثيودوسيوس وسلبوا مابها ونكلوا برهبانها وقتلوا كثيرين منهم بينهم العربي واليوناني والكرجي والارمني والسرياني.
وبعد البطريرك توما رقيَّ الكرسي الاورشليمي جيورجيوس، ثم توما الطبيب وفي ايامه السنة 807م جاء بعض الرهبان من الغرب واقاموا في جبل الزيتون، وبدأ الزوار يتوافدون من الغرب لزيارة الاماكن المقدسة بناء على معاهدة الصداقة المعقودة بين كارلوس الكبير امبراطور فرنسا وبين هرون الرشيد. تزامن ذلك مع اعلان رهبان الغرب الزيادة المعلومة في دستور الايمان( انبثاق الروح القدس من الآب والابن) فأرسل البطريرك توما الطبيب رسالة الى لاون بابا روميه بهذا الشأن، فرفض البابا هذه الزيادة ونقش دستور الايمان على لوحين من الفضة باللفظ اليوناني والحرف اللاتيني صحيحاً سالماً بدون الزيادة المستجدة وعلقهما على قبر القديس بطرس، الا ان كارلوس الكبير عقد مجمعا سنة 809م وأيَّدَ هذه الزيادة لكي يفصل الغرب عن الشرق عقائدياً…
وفي خلافة المعتز (861-869م ) أُمر المسيحيون ان يجددوا بناء كنائسهم وكانت فترة حكم الدولة الطولونية ارتاحت فيها كنيسة اورشليم، وتجددت المعاهدة بين المسلمين والروم في خلافة الراضي 934-940م فاذن بتجديد العلاقات بين بطاركة الشرق وبطريرك القسطنطينية وطلب هذا منهم ان يذكروا اسمه في صلواتهم ودرجت هذه العادة الى الآن، وارسل قسطنطين السابع امبراطور الروم للبطريرك خريستوذولوس مبلغاً وافراً من النقود لاصلاح شؤون كنيسة اورشليم.
حكمت الدولة الاخشيدية من 935-969م فاغتنم فوقا امبراطور الروم الفرصة وجهز جيشا بلغ عدده 80000 لمقاتلة المسلمين، فانعكس الحال سلبا على مسيحيي فلسطين، وضايق حاكم القدس يوحنا بطريرك اورشليم وابتزه، فدفع البطريرك كل ماكان بحوزة بطريركيته، ولكن محمد بن اسماعيل السناج الحاكم اشتط في ابتزازه فشكاه البطريرك الى كافور في مصر الذي امر بكف الضيق وبعدم اقلاق راحة البطريرك. وكان من عادة البطاركة تقديم مبالغ معلومة من المال على سبيل الهدية لحكام بيت المقدس واعيانها من المسلمين في العنصرة، ففعل البطريرك يوحنا هذا، الا ان حاكم بيت المقدس اصرعلى زيادة الابتزاز، وكانت النتيجة ان الحاكم طارده الى كنيسة القيامة ومعه جمع غفير من المسلمين واليهود وقتلوه داخل الكنيسة، وأحرقوا جثته على عمود في ساحة قسطنطين بعدما احرق كنيسة القيامة وكنيسة صهيون، فشق ذلك على مسيحي المشرق فاتصل الامر بالبابا سلبسترس الذي انزعج جدا وبدا له وجوب تجهيز حملة (صليبية) على فلسطين.
الدولة الفاطمية
بسبب البطريرك الاورشليمي اورستوس الذي تزوجت اخته مريم بالخليفة العزيز في الاسكندرية وانجبا الحاكم بأمر الله سنة 996م (البطريرك اورستوس هو خال الحاكم بأمر الله) وقد حصلت هدنة بين الروم والمسلمين لمدة عشر سنوات، وكان البطريرك المذكور يزور القسطنطينية وبوجوده هناك جدد العلاقات بين بطاركة الشرق وبطريرك القسطنطينية بعد انقطاعها بسبب استيلاء المسلمين على بطريركيات الشرق الثلاث، ونظم العلاقة بين كنيسة اورشليم وكنيسة جيورجيا، وتوفي ايليا بطريرك الاسكندرية فرقى الحاكم بأمر الله خاله الثاني ارسانيوس بطريركاً على كرسيها فصار هذا يدير شؤون كنيسته الاسكندرية وكنيسة شقيقه اورستوس الاورشليمية اثناء غياب اخيه في القسطنطينية.
الحج الغربي الى اورشليم
ساد الفكر في الغرب ان نهاية العالم تكون في بدء القرن الحادي عشر فشرع الحجاج يتوافدون بكثافة الى اورشليم (مركز الدينونة) ويقيمون فيها، فلم يرق ذلك للحاكم بأمر الله فلما انقضت المدة ولم يصدق نبأ (قيامة الموتى) انقلب على المسيحيين وصار يضطهدهم سنة 1007 بوشاية اليهود وسعايتهم، ولكي يرتد تيار الافرنج هدم كنيسة القيامة على الاساسات وسائر الكنائس والاديرة في كل فلسطين حتى وصل كنيسة القديس جاورجيوس في اللّد، وكانت المصيبة الكبرى عندما نُهبت جميع الأواني المقدسة من مخزن كنيسة القيامة، والمريمية في دمشق مع كل كنائس دمشق وسورية واديارها وسلب كل الاواني المقدسة واوقف احتفالات الشعانين في بيت عنيا، وامر المسيحيين ان يلبسوا ثياب الحداد، وان يعلقوا في اعناقهم صلبان خشب طول كل منها ذراع واحدة.
واضطهد اليهود ايضا فأمرهم ان يضعوا في اعناقهم جلاجل، وان يلبسوا وجوهاً مصنعة كوجوه العجول بدعوى ان اجدادهم عبدوا العجل الذهبي زمن هرون شقيق موسى.
إن دمار كنيسة القيامة والمناطق المقدسة الأخرى وإبعاد البطاركة واغتيالهم أدى الى تزعزع أوضاع المسيحيين وأُجبر المسيحيون بالقوّة وبكي السنتهم بسفافيد الحديد المحماة بالنار ان تكلموا بغيراللغة العربية فدخلت في الاسلام مدن وقرى برمتها في سائر بلاد الشام، وفر الكثيرون خلسة الى بلاد الروم. وبعد سنتين من تدميره القيامة امر بالغاء عيد الظهور الالهي وبابادة كل الصلبان، وبلغه ان الذين دخلوا في الاسلام من المسيحيين لايزالوا يمارسوا المناولة المقدسة، فقتل مسيحيون كثر في هذا الاضطهاد الذي دام لمدة عشر سنوات بعد ان اكره من بقي منهم مسيحياً على دخول الاسلام.
لقد قتل الحاكم بأمر الله من الجملة خاله البطريرك، ولكنه في عام 1017 انقلبد موقفه بفضل امه ماريا واخته سيدة الملك فمنح المسيحيين الحرية الدينية، وسمح لهم باعادة بناء كنائسهم ورد املاك الاديرة والكنائس وامر باعادة بناء القيامة في اورشليم والمريمية في الشام ايضا .. ولكن اصطلحت الأوضاع قليلاً عندما جلس على كرسيّ الخلافة من بعده ابنه (الظاهر لدين الله 1021-1035م) بعد مقتل الحاكم بامر الله بسعاية اخته سيدة الملك، وكان الظاهر حدثاً في السن فنصبت اخته المذكورة نفسها وصية له، فأصدر امراً بتأمين المسيحيين وعدم معارضتهم فاكتسب ثقة ملوك بيزنطة وفي سنة 1027م عقدتحالفاً معهم ومن جملة بنود التحالف انه يحق لملوك بيزنطة ان يشيدوا كنيسة القيامة على نفقتهم، وجددت هذه العهدة ايضاً في زمن المستنصر بالله 1035-1094 فسمح لميخائيل الرابع ملك الروم ان يبني كنيسة القيامة على شرط السماح ببناء جامع في القسطنطينية لاجل المسلمين الذين يتوجهون اليها. فشيدت القيامة تحت رعاية البطريرك يوانيكيوس وانتهى البناء سنة 1048 وجددت كنائس واديرة كثيرة وتقاطر المسيحيون للحج من كل العالم، وغصت الاديرة بالرهبان وبموجب معاهدة الصلح المحكي عنها، سمحَ للمسيحيين في اورشليم ان يسكنوا في الحي الواقع بين باب العمود وكنيسة القيامة وباب الخليل، وقد بني هذا الحي على نفقة الملك قسطنطين المنوماخس خصيصا لهذه الغاية، ولكن الكنيسة خُربت مرّة أخرى من قبل هجمات المسلمين من عرب وسلاجقة أتراك. وبقدوم الفرنجة سنة 1099م، بمباركة ودعم بابا روما والكثير من أمراء وأشراف ونبلاء الغرب، وُضع حدّ لهذه الهجمات.
الغزو الفرنجي
بدأت حملات الفرنج عام 1093م وكانت قد بدأت القصة بزيارة حج قام بها راهب افرنسي هو بطرس الناسك فشاهد حالة المسيحيين المريعة في فلسطين من هول الاضطهادات، ونقل عند رجوعه رسالة من بطريرك اورشليم سمعان للبابا اربانوس …فراقت فكرة انقاذ مسيحيي المشرق من رق العبودية في الغرب بمساعي البابا، وكانت الغاية الظاهرة تحرير المسيحيين، اما غاية الكنيسة الغربية فكانت اخضاع الكنائس الشرقية لها بالقوة وجعلها تابعة للبابوية وقاموا لذلك بمذابح شنيعة طالت الارثوذكسيين في انطاكية واورشليم.
لقد عانت الكنيسة الرسمية الارثوذكسية بطاركة واكليروسا ورهبنات والعلمانيين من هؤلاء االفرنجة. وكان لهؤلاء القادمين من الغرب غايات مكنونة في صدورهم، ومنها الاستيلاء على الأراضي المقدسة لجعلها مملكة لاتينيّة، وأن يُلاشوا عنها الطابع الروحي الارثوذكسي البيزنطي واقتلاع الارثوذكسيين من ارثوذكسيتهم وجعلهم لاتينيين، وكان هذا هو الهدف الرئيس من اهداف بابا رومية منذ التخطيط لهذه الحروب ( كما اسلفنا) ولا سيما وان الانشقاق الكبير بحرم بابا رومة للبطريرك القسطنطيني وكنيسته تم في القسطنطينية عام 1053م وقد بدأت غزوات الفرنج بعد 40 سنة، ولم يكن الهدف على الاطلاق جعل المسلمين مسيحيين كما يروج منتحلو كتابة التاريخ من المسلمين المتعصبين وهم عارفون بحقيقة الامر وخاصة في عصرنا الحالي الذين اسموها وباصرار مروجي الفتن الطائفية (الصليبيون- الحروب الصليبية) وتسمية مسيحيي الم اذ كان المؤرخون المسلمون المعاصرون لهذه الحملات التي دامت لقرنين تقريبا من الزمان هم اكثر انصافاً من كتاب التاريخ المسلمين الحاليين من اطلقوا عليها تسمية حروب الفرنجة نسبة الى اساسيات الحملة من قبائل الفرنك في سهول باريس…وقد ابان هؤلاء المؤرخين مافعله هؤلاء الغزاة في المسيحيين الارثوذكسيين اتباع الكرسيين الانطاكي والاورشليمي حتى ان ستة بطاركة لاتينيين جلسوا على السدة الانطاكية عدا مافعلوه بالبطريركين الانطاكي والاورشليمي والاساقفة والكهنة حتى ان الكرسي الانطاكي وقتها رحل من مقره الرئيس من انطاكية طيلة الغزو الفرنجي ، فقد نفوا بطاركتها الأورشليميين الى القسطنطينية مدّة 88 عاماً. وفي اورشليم حلت الكنيسة اللاتينية محل الكنيسة الارثوذكسية باستيلاء الافرنج عليها فنصبوا لهم بطاركة على اورشليم فتعاقبوا وكان عددهم 21 بطريركا اما البطاركة الارثوذكس فكانوا يقامون في القسطنطينية ويعيشون فيها واقام بطاركة اللاتين الاورشليميين في مقر البطريركية باورشليم المعروف بالخانكة واقام اللاتين اساقفة الابرشيات منهم ولم تبق تحت سيادة البطاركة الارثوذكس الاورشليميين الا ابرشيات اللد والرملة وحبرون وتركت ابرشية غزة لليونان لأن اهالي غزة كانوا يونان وثنيين فاعتنقوا المسيحية وظلوا محافظين على لغتهم اليونانية . و بالنسبة للفرنجة كان رئيس دير القديس سابا يعتبر ممثلاً للبطريركية في أورشليم، وذلك بعد أن أخذ الإذن منهم. تميّزت سيطرة الكنيسة اللآتينيّة على الإكليروس الأرثوذكسي بالتعسفيّة والعنف، لهذا وقعت كلّ المزارات تحت سيطرة اللاتين، فكانوا يجلبون الكهنة من الغرب للقيام بأعمال الخدمة، أما الاكليروس الارثوذكسي فحافظوا على حقوقهم بتدبير أمور محل وجود الصليب المقدس وإقامة القداس الإلهي الارثوذكسي في القبر المقدس وبيت لحم. وحافظوا أيضاً على أديرة كثيرة خارج أورشليم، أما داخلها فحافظوا على الدير التابع لدير القديس سابا الواقع بقرب قصر النبي داوود والذي كان مركزاً لهم، وأيضاً على دير العذراء الكبير.
أراد الفرنج كسب اللاخلقيدونيين (الأرمن واليعاقبة والاقباط) الى صفّهم فلم يدخلوا في مواجهة معهم ولم يمسوا أي من أديرتهم أو كنائسهم، بل قاموا بإعطائهم كنائس وأديرة أخرى، ومن أهم الأحداث في هذه الفترة كان بناء كنائس ومزارات أرثوذكسية من قبل الإمبراطور الرومي ميخائيل كومنينوس (1143-1180م)، وقام الفرنج اللاتين بإعادة شكل كنيسة القيامة الى ما كانت عليه قبل سنة 614م، حيث وحّدوا الكنائس الأربعة التي أسسها القديس موذستوس، وهي: (القيامة، والجلجلة، والتنزيل عن الصليب، ومكان وجود الصليب)، معطين بذلك الشكل الموحّد لكنيسة القيامة الذي ما زال قائماً الى يومنا هذا
الاصل الوطني لأخوية القبر المقدس
كان للارثوذكس اخوية من الرهبان تنتسب الى القبر المقدس هذه انزوت في دير صهيون حيث كانت اولا، وكان رئيسها يعتبر رئيس الكنيسة الارثوذكسية في فلسطين ، فألف اللاتين انفسهم اخوية غيرها للقبر المقدس وكان لرئيس هذه الطغمة المنزلة الثانية بعد البطريرك اللاتيني فاستولت على كنيسة القيامة وعلى بقية الكنائس والاديرة التي في اورشليم التي للارثوذكس والكرج ماعدا دير الصليب واليعاقبة والارمن وعلىىاملاكها واوقافها كما استولوا على طواحين الماء المختصة بالبطريركية الاورشليمية على نهر العاصي بالقرب من انطاكية سنة 1140، وكان للارثوذكس مائدة في الفسحة التي الى الشمال من القبر المقدس لاجل اتمام القداس الالهي وكنيسة ماريعقوب الحالية حيث كانت تقام خدمة قداسه فتذكر فيها اسماء البطاركة الارثوذكس النازحين للقسطنطينية واديرة النساك وهي غاصة بالرهبان الارثوذكس الوطنيين فظلت في ايديهم طيلة الحكم الاحتلالي الفرنجي وكان شغلهم نسخ الكتب الكنسية العربية التي لايزال اكثرها محفوظا الى الآن في مكتبة البطريركية المقدسية وفي مكتبة طور سيناء ودير مارسابا…
كانت جميع الاماكن المقدسة عند دخول الفرنجة متقنة البناء ومجملة من كل الوجوه فلم يجدد الصليبيون شيئاً فيها سوى انهم جمعوا بين كنيسة القبر السيدي وكنيسة الجلجلة وكنيسة قسطنطين القائمة فوق مغارة الصليب تحت سقف واحد فبنوا قبة القيامة سنة 1130.
هزيمة الفرنجة على يد صلاح الدين الأيوبي
قام صلاح الدين الأيوبي سنة 1187م بهزيمة الفرنجة في معركة حطّين قرب طبريّا، وهكذا وقعت أورشليم في أيدي المسلمين مرّة أخرى، وكانت نهايتهم وخروجهم من الأراضي المقدسة نهائياً بعد أن هزموا في عكّا سنة 1291م. حافظ صلاح الدين الأيوبي على عهدة عمر بن الخطاب مع المسيحيين وبطريركية اورشليم كما كان الحال مع البطريرك صفرونيوس، وقام بإعادة كل المزارات الشريفة التي اغتصبها الفرنجة الى أيدي الروم الارثوذكس، ولكن بعضاً من قياداته الفاتحين أعطوا بعض هذه المزارات الى الأقباط والأحباش. وفي بداية القرن الرابع عشر كان موقف المماليك من بطريركيّة الروم قد تغيّر، فدخلت هذه العلاقة المتدهورة بفترة اضطهادات طويلة ضدّ المسيحيين الارثوذكسيين، حتى أنه في عهد البطريرك يواكيم سنة 1334م كادت كنيسة القيامة أن تُحوّل الى جامع إسلامي، وفي السنة نفسها ظهر الفرنسيسكان في أورشليم الذين سكنوا جبل صهيون وفي الوقت نفسه كان هؤلاء يدعمون وجود الأرمن واليعاقبة. وكان حينها يتوافد الى أورشليم كثير من الرهبان الصرب والجيورجيين الأرثوذكس الذين دعموا وجود وحضور أخويّة القبر المقدس كونها حامية للوجود الارثوذكسي وأعطي لهم، من قبل ابناء الكرسي الاورشليمي الرعية والرعاة، دير الصليب المقدس، وللصرب دير الملائكة التابع لدير القديس سابا.
احتلال القسطنطينية
لقد شكّل احتلال القسطنطينية من قبل الأتراك سنة 1453م فجوة كبيرة في الحماية السياسية للبطريركية، مما أدى الى دخولها في حقبة اضطهادات جديدة. لهذا قام البطريرك أثناسيوس الرابع بالذهاب الى القسطنطينية وقدّم طاعته للسلطان محمد الفاتح سنة 1458م، وبهذا نجح بالحصول على أمرٍ سلطاني منه، وهكذا أبعد الخطر والدمار عن المزارات الشريفة وتأكدت حقوق الأرثوذكسيين وسلطتهم على المزارات الشريفة. ومن بعده، قام البطريرك غريغوريوس الثالث (1468- 1493م) بعمل الشيء نفسه ونجح بالحصول على فرامان جديد من السلطان محمد الفاتح في الوقت الذي عانى الإكليروس الاورشليمي من فقر شديد، ولكن نتيجة توجههم هذا نحو محمد الفاتح أدى الى تدهور علاقاتهم مع المماليك، وطبعاً، مع اللآتين
الاحتلال العثماني لفلسطين
حكمت دولتا المماليك الاولى والثانية فلسطين مدة قرنين ونصف وفي نظير العهدة العمرية اعترف له فيه بحق السيادة على المزارات واعطى الحرية التامة للارثوذكسيين ليقيموا صلواتهم بلا معارضة هذه المدة حصل البطاركة الارثوذكسيون على حقوق وامتيازات حيث قضت الاوامر ان تكون مفاتيح كنيسة القيامة في يد البطاركة الارثوذكس في عهد البطريرك مرقس الثالث ولا يجوز لاحد من الافرنج ان يدخل القبر المقدس الا اذا كان معه مفوض من قبل البطريرك الارثوذكسي المالك الشرعي لكنيسة القيامة وبقية المزارات الشريفة كما في تاريخ خريسوستموس صفحة 450-449 واقر هذا الحق السلطان المملوكي قانصوة الغوري حاكم مصر والشام اذن حصل بطاركة اورشليم الارثوذكس على امتيازات لم يتسن لهم الحصول عليها قبل ذلك ولا بعده فإن سلاطين المماليك بعد ان حرموا استخدام اللغة اليونانية في الخدم الكنسية وحظروا على من له ادنى المام بها من رجال الاكليروس الوطني من الترقي لدرجة الاسقفية، ولم يكتفوا بالاعتراف بسيادة البطاركة الارثوذكسيين على الاماكن المقدسة فحسب، بل اقروا بملكيتهم لها كما مر بنا ومنعوا غير الارثوذكسيين من الزيارة المجردة الا بمرافقة مفوض من قبل البطريرك الارثوذكسي.
في السنة 1517 اجتاح السلطان العثماني سورية كلها ومصر فشتت جيوش الفرس والتتر والمماليك واخذ الخلافة من العرب وجعلها للأتراك. دخل القدس فاستقبله بطريركها عطا الله استقبالا شائقا فأنعم عليه السلطان سليم بفرمان بتاريخ 932هجرية نظير العهدة العمرية واعترف له فيها بحق السيادة على المزارات واعطى الحرية التامة للارثوذكسيين ليقيموا صلواتهم بلا معارضة.
ثم اقر السلطان سليم هذا الفرمان المعروف بالخط الهمايوني واعطاه للبطريرك عطا الله الذي ساس كنيسة اورشليم بمشقات شديدة فارتاحت الكنيسة من الاضطهادات وعم الامن وتدفق الحجاج الى الارض المقدسة واعطى فرمان آخر لرهبان دير طور سيناء.
وتحت رعاية هذا البطريرك عطا الله اسست جمعيات الاخاء الارثوذكسي لاجل مساعدة القبر المقدس وجمعت تبرعات كثيرة ووقفت املاك وعقارات وقطع الضريبة التي كان عمر قد فرضها على الزوار والمخصصة للبطاركة الارثوذكس.
وتابع السلطان سليمان القانوني ماخطه ابوه سليم فأقر العهود التي منحها للارثوذكسيين وزاد عليها ان للبطريرك الارثوذكسي الحق باجراء حفلة سبت النور وترميم كنيسة القيامة ودق نواقيسها وبنى السلطان سليمان سور مدينة القدس فهدم دير ماريوحنا المعمدان ووضع حجارته في السور، كما رمم الحرم فاخذ جميع حجارة المرمر التي كانت في كنيسة بيت لحم وجعلها في عمارته، وكانت مفاتيح كنيسة القيامة من عهد عمر بن الخطاب الى ذلك الوقت بايدي البطاركة الارثوذكس فاخذها من البطريرك عطا الله وسلمها لعائلة نسيبة الشهيرة من مسلمي القدس واقامها حارسة على باب كنيسة القيامة فظل رجالها وحتى الآن يتوارثون هذا الشرف ويعتزون به، وفرض على الزوار المسيحيين الداخلين الى كنيسة القيامة ضريبة يدفعونها للحراس المذكورين على الزائر الافرنجي 14 غرشا واليوناني 7 غروش والارمني 5 والعربي 3 واعفى الكرج والحبش من هذه الضريبة التي بقيت حتى السنة 1834 حينما قطعها ابراهيم بن محمد علي باشا حاكم مصر والشام في حملته المصرية على بلاد الشام.
وتتميز هذه الفترة من تاريخ أورشليم في محاولة الطوائف الأخرى، وخاصة اللاتين والأرمن، السيطرة على المزارات الشريفة بشكل كامل، أو الحصول على مكاسب أكبر من خلال توجههم الى سلاطين القسطنطينية ودفع المبالغ الطائلة لكسب رضاهم، أو من خلال الاستعانة بقوات أجنبيّة. كل هذه الأعمال كانت تحصل لسبب واحد وهو ملاشاة الكنيسة الاورشليمية الارثوذكسية من الأراضي المقدسة، وإليكم بعض من هذه الجهادات التي بذلتها البطريركية والاكليروس الاورشليمي للدفاع عن المقدسات والاوقاف الارثوذكسية
في فترة الحكم التركي على فلسطين زمن الحاكم سليم خليفة محمد الفاتح، سنة 1517م، اعتُرف بحقوق كنيسة أورشليم من قبل السلطات التركيّة من جديد، وكان حضور الفرنسيسكان محصوراً ومحدوداً لأن ديرهم دُمّر سنة 1523م، ولكن من وقتٍ لآخر، أخذوا ينظّمون أمورهم محاولين زجّ أنفسهم مع الطوائف الأخرى للدخول في النظام القائم على المزارات الشريفة ان كانوا مكروهين لكره الاتراك والمسلمين لحملات الفرنج سابقاً.
البطريرك جرمانوس1534-1579م واستيلاء اليونان على بطريركية اورشليم
من هو جرمانوس؟
جاء الى القدس فيما بين زوار كثيرين شاب من الموره اسمه جرمانوس بعد ان قضى عشر سنوات في مصر تعلم فيها اللغة العربية الى درجة لايشتبه فيه معها انه يوناني الاصل، فاحتك بالرهبان وبرهن على مقدرته وحذاقته فرسمه البطريرك عطا الله شماساً وترقى في الكهنوت حتى تسنم السدة الاورشليمية سنة 1534 عند استقالة البطريرك عطا الله.
دخلت كنيسة اورشليم بذلك صراعا جديداً مع اللاتين الذين كانوا وفق العهود لايحق لهم زيارة الاماكن المقدسة الا برفقة مفوض من البطريرك الارثوذكسي.
هؤلاء رأوا استيلاء اليونان على السدة الاورشليمية وتعصبهم في حصرها بهم وهم غرباء عن اورشليم وفلسطين وهم اي اللاتين مثلهم فقامت حرب مقدسة في سعي اللاتين لمشاركة اليونان في الاستيلاء على الكنيسة الفلسطينية واكيد لو بقيت بيد الوطنيين لما تجاسر اللاتين وغيرهم على منأوتهم عليها بحق الوطنية ولما اتخذت الدولة العثمانية التي رضخت للأصفر الرنان ومداخلات سفراء فرنسا والنمسا والافرنج للحصول على حقوق مماثلة لليونانيين ومن المفيد الاشارة الى ان البطاركة اليونان جاهدوا بضراوة في المدافعة عن المزارات المقدسة وبدون نتيجة وتكلفوا اموال ضخمة للحصول على براءات من متمولي المسلمين تثبت حقهم فيها وانتصر الافرنج واسسوا طوائف واديرة وكنائس ومدارس ومستشفيات وملاجىء في القدس وسواها واعادوا اليها البطريركية اللاتينية التي اندثرت بخروج الفرنجة الصليبيين من فلسطين في القرن 13 علما انه في منتصف القرن 16 بدأ اللاتين في بيت لحم بتأسيس طائفة لهم في بيت لحم واثبتوا وجودهم بالدعم الفرنجي من الدبلوماسيين في الاستانة … والميزات التي منحها الحكم العثماني لهم .
الواقع الذي نجده في سيرة بطريركية اورشليم وماكتبه مؤرخو اليونان الكنسيين او الملاصقين لهم انهم يستخدمون لفظة يوناني بدلاً من ارثوذكسي في مؤلفاتهم في تاريخ الكرسي الاورشليمي وكذلك الكرسي الاسكندري وكأن الارثوذكسية منحصرة فقط في العنصر اليوناني ، فيجزمون ان البطاركة الاورشليميين كانوا قبل دخول الاسلام الى سورية وبعد ذلك من اليونانيين فقط لأنهم ارثوذكسيين الا ان الحقيقة وفي اورشليم حصرا كانت باستيلاء جرمانوس المحكي عنه على الكرسي وفترة بطريركيته الطويلة وتعيين مطارنة يونانيين خلفاً للمتوفين من مطارنة الابرشيات ايان العنصر اليوناني استولى على الرئاسة العليا في الكنيسة الاورشليمية منذ عهد البطريرك جرمانوس المذكور حيث يقول بعضهم:” انه منذ ذاك الوقت ابتدأ جنسنا حالاً ان يأخذ على عاتقه امر المحافظة على الاماكن المقدسة( تاريخ الكرسي الاورشليمي لخريسوستموس ص459م) ويقول آخرون :” انه من ذلك الوقت ابتدأت سلسلة جنسنا الذهبية”(تاريخ اورشليم لغريغوريوس بالاماس صفحة 480م)
ويشهد بذلك البطريرك دوسيثاوس في ” تاريخ البطاركة الاورشليميين”:” بما ان السلطة على اورشليم كانت في ايدي السلاطين المصريين لذلك كان البطاركة ليسوا ارواماً ( يونانيين) بل من العرب الى ان تولى كرسي البطريركية الاورشليمية جرمانوس البليوولو لم يضعوا اليد على المنصب البطريركي في القرن السادس عشر، ترك البطريرك جرمانوس الساباوي، سنة 1537م، أثراً كبيراً نتيجة نشاطه ومحاولاته المريرة والمتميّزة فبو نيسي ( تاريخ خريسوستومس صفحة 459) وقال قسطنديوس الاول بطريرك القسطنطينية: ” انه بعد انهزام اللاتين من اورشليم حتى عام 1935م وكان جميع البطاركة الاورشليميين من العرب يرشحون وينتخبون من رؤساء كهنة الكرسي الذين كانوا من العرب ايضاً كما ومن الاكليروس الارثوذكسي الوطني (مجموعة بنود قسطنديوس صفحة 231) وقد درجوا في كلامهم في تسمية الوطنيين من الاكليروس قبل البطريرك جرمانوس هي “ارابوفوني” اي اليونان المتعربين.
تنظيم أخويّة القبر المقدس اليونانية
ابتدأت المشاحنات على المزارات المقدسة منذ بداية عهد جرمانوس لذلك اضطر المذكور ان يربط الرهبان الارثوذكسيين المقيمين في دير السيدة في صهيون بالبطريركية لاجل التعاضد والتعاون على الكفاح المزمع ان يكون فسميت تلك الرهبنة ” أخوية القبر المقدس” واعتبر البطريرك رئيساً لها وقد اخذت على عاتقها امر الاهتمام بالمحافظة على الاماكن المقدسة وسن قانون لأعضائها ان تكون تركاتهم للأخوية وليس لذويهم.
زار البطريرك جرمانوس الكرك وكانوا على حالة من اليسر فاستندى اكفهم فجادوا عليه بالتبرعات الكثيرة التي بها رمم القبر المقدس وجدد أعمدة الرخام التي حوله.وقام أيضاً بعملية ترميم وإعادة بناء للكثير من المزارات الشريفة. وتوجّه أيضاً، باسم أخوية القبر المقدس، الى أباطرة وحكّام روسيا وطلب منهم مساعدات ماليّة للمزارات الشريفة، وقام خلفه، البطريرك صفرونيوس الرابع (1579-1608م)، بالعمل على تكملة كل محاولاته السابقة في الاخوية والمزارات على أكمل وجه.
محاولات الاستيلاء على الاماكن المقدسة
يشهد مورافيوف المؤرخ الروسي الشهير بقوله:” ان جرمانوس وان يكن يوناني الاصل فانه قد اختلط بالعرب الى درجة لم تترك شبهة لأحد بأنه لم يكن عربياً صميماً، فتمكن بالتدريج من الوصول الى درجة رئاسة الكهنوت ولما فاز بالسدة البطريركية ايضا التي بقي جالساً عليها ماينوف عن الثلاثين سنة كان كلما توفي احد الاساقفة الوطنيين الذين تحت رئاسته لا يسيم في محله الا يونانياً حتى اصبح جميع المطارنة في اورشليم من اليونان في مدة بطريركية جرمانوس الطويلة، وقبل وفاته وضع قانوناً منعكساً لم يزل مرعي الاجراء حتى الآن وهو ان لاتصير سيامة اسقف الا من اليونان.” ( صلات روسيا مع الشرق الجزء الاول ص:56،57)
في سنة 1536 سمحت الحكومة المحلية للرهبان اللاتين ان يسكنوا في دير ماريوحنا بن زبدي على سبيل الايجار ولم تجز لهم مشتراه او تجديد شيء فيه وأمرت ان لايزيد عددهم عن 24 راهباً فصار هؤلاء يحتالون لكي يكون لهم حق في المزارات بواسطة الموارنة كما ان الارمن اجهدوا انفسهم ليحصلوا على هذا الحق بواسطة الحبش.
وفي اثناء غياب جرمانوس في الكرك عمل اللاتين مائدة منقوصة اشبه بالقفص ووضعوها على المغتسل ليقدسوا عليها فجاء البطريرك ومنعهم من ذلك، وحمله تهجمهم هذا وحاجته الى ترميم بعض المزارارات على الذهاب الى القسطنطينية والاحتجاج عليهم ففاز بفرمان من السلطان سليمان سنة 1538م نظير الفرمان الممنوح لسلفه من السلطان سليم وزاد عليه حق السيادة على كنيسة القديسة كاترينا وكنيسة مار ميخائيل وكنيسة العمود وكنيسة القديس ثيودورس وجبل الزيتون ودير الزيتونة ودير يوحنا بن زبدي ودير ماريعقوب بن زبدي ويظهر من هذا ان الديرين كانا الى ذلك الوقت ملكاً للأرثوذكسيين، ولما كان الأرمن يتعرضون للبطريرك الارثوذكسي في حفلة النور المقدس لهذا امر السلطان سليمان ان يكون هؤلاء والقبط والحبش تحت امرته في هذه الحفلة.
وكان دير مارسابا منذ سنة 1450 م خراباً فاستولى عليه الصرب، وكان لهم مركز في القدس دير مارميخائيل وكثيرا ماكانوا ينزعون الى خلع طاعة البطريرك الاورشليمي فكان رئيسهم يحمل عكازا في حضرة البطريرك.
في سنة 1545 ضرب زلزال كبير المنطقة فقام جرمانوس بترميم قبة اجراس كنيسة القيامة والعقد الواقع بين كنيستي مار يعقوب والاربعين شاهداً والاضرار في قبة الاجراس في بيت لحم.
نشوء طائفة اللاتين والاستيلاء على مزارات ارثوذكسية
فكر الرهبان اللاتين انه لن يكون لهم حظ في الاماكن المقدسة الا بواسطة الوطنيين فشرعوا في تأسيس طائفة لهم من اهالي بيت لحم السنة 1550م فتزايد عددها مع توالي الايام كراهة في الجنس اليوناني واستبداده واحتقاره للوطنيين وقد يكون لبعضهم اسباباً أخرى…
وفي سنة 1558 تمكنوا من الاستيلاء على الجانب الجنوبي من الجلجلة مع شدة احتجاجات رهبان الروم والكرج والفلسطينيين الوطنيين، وفاز سفير فرنسة في الاستانة بفرمان يخول للزوار الفرنسيين حرية الذهاب الى فلسطين وزيارة الاماكن المقدسة دون معارضة.
وفي 17 حزيران سنة 1561 اصدر البابا بيوس الرابع امراً لرهبان الفرنسيسكان لكي يستولوا على دير مار يوحنا بن زبدي فامتلكوه وغيروا اسمه الى دير المخلص فسقط حق ملكية الكرج له بتاتاً.
وفي سنة 1565 كان البطريرك عطا الله لايزال حياً يرزق قذهب قندلفت مغارة المهد الشريف الى القدس في تلك السنة ليشهد حفلة النور المقدس فسلم مفاتيح المغارة لراهب لاتيني لكي يبقي قنديل المهد دائم الاشتعال، وبعد رجوعه رفض الراهب اعادة مفتاح مغارة القبر له فاحتج البطريرك جرمانوس ورفع دعواه للحكومة المحلية وبالجهد استطاع استرجاع مفتاح الباب الجنوبي فقط.
وفي سنة 1568 استعاد دير القديس جاورجيوس الذي كان اللاتين قد اغتصبوه واصدر منشورا الى العالم الارثوذكسي دعاهم فيه الى مناصرة الاماكن المقدسة ويتضح منه ان كل الاماكن المقدسة كانت نحت خطر الاستلاب من اللاتين بما في ذلك قبر المسيح.
ثم في السنة 1574 توجه البطريرك جرمانوس الى القسطنطينية وحضر مجمع اساقفة الكرسي القسطنطيني لاجل تنظيم اتخاب البطاركة وقضي في ذلك على رئيس اساقفة طور سيناء ان يخضع للكرسي الاورشليمي وعاد من القسطنطينية مصحوبا بالكاهن صفرونيوس من مواطنيه لغاية ان يجعله خليفة له قبل وفاته فتستمر الرئاسة الكنسية العليا في قبضة العنصر اليوناني يتولاها الواحد تلو الآخر بحكم التعيين من السلف الى الخلف ممايدل على نية جرمانوس بحصر السيادة على بطريركية اورشليم لليونان وليس لأصحاب الحق ابناء الكرسي الشرعيين. وهذا مات اذ انه في العام 1579 عقد اجتماعا ضم اعيان الشعب الاورشليمي حيث اعلمهم عدم قدرته على المتابعة في منصب البطريرك لشيخوخته ” فانتخبوا لكم بطريركاً غيري ليقوم مقامي …”وافقوا وكتبوا ثلاثة اسماء على ثلاث رقاع واخذ البطريرك الاسكندري الذي كانوا قد استدعوه الى قلاية اورشليم مع اربعة مطارنة واساقفة وبالخديعة والتزوير بكتابة اسم صفرونيوس على الاوراق الثلاثة…بكل اسف وجلس الاخير وكان لايزال شابا بطريركا على اورشليم وكان لايزال شابا ولم يرق ذلك للشعب الاورشليمي ذي القلوب السليمة فقاوموه وتابع بالخديعة وبزعل منه ماشق على الشعب فندموا على احتجاجهم كما يقول المؤرخون اليونانيون ووافقوا على صفرونيوس وتعهدوا بموجب صك على ذلك وبرفع ايديهم عن واردات جميع المزارات متخلين عن سيادتهم عليها…فوكل بها البطريرك رهبنة القبر المقدس اليونانية فعارضه الوطنيون في ذلك فضغط عليهم بواسطة الحكام المحليين حتى اضطرهم الى التسليم وفرض على كل من يبدي ادنى حركة ضد هذا الترتيب المقضي به من الحكومة خمسين غرشا جزاء نقديا لخزينة الدولة…وعالجت الحكومة اعجمية صفرونيوس الذي كان لايعرف اللغة العربية البتة وحداثة سنه ببقاء جرمانوس في اورشليم بدلا من اللد او الرملة (ومناخها حار يوافق صحته المتداعية) ليناظره ويرشده.
وبمساعدة بطريركية القسطنطينية فاز صفرونيوس بفرمان تثبيته من السلطان مراد الثالث الذي صادق فيه على حقوقه وامتيازاته وحفوف اخوية القبر المقدس وتأميم املاكها وتركتها واعفائها من الضريبة المفروضة على الداخلين الى كنيسة القيامة ، وهكذا تمكن جرمانوس كما يقول صاحب تاريخ كنيسة اورشليم ان يريح صفرونيوس خليفته من ازعاج الاعيان المذكورة اسماؤهم في الصك الذي كان لاسلافهم حق السيادة على واردات المزارات في عهد المماليك فلم يبق بعد من معارض له سوى اللاتين والارمن.
وكان عدد العائلات الارثوذكسية في اورشليم آنئذ 150 عائلة و40 عائلة اخرى مابين سريان وكرج ونساطرة واقباط واحباش وموارنة ولم يكن للاتين والارمن ولا عائلة واحدة…
وهكذا انتقلت الى يد رهبنة القبر المقدس البطريركية الاورشليمية من البطريرك وحتى الارشمندريتية وفرضوا الزواج على من يرغب بالكهنوت من الوطنيين حتى لايتم ترفيعه وتسقيفه… وحاليا يوجد مطرانان وطنيان هما عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية وخريستوفورس عطا الله مطران عمان في الاردن.
ان المتتبع لماتم خلال القرون التالية ومانورده ادناه يدرك ضراوة الحرب الشرسة التي شنتها الرهبنات الغربية الكاثوليكية بمساعدة فرنسا وتنفيذ سفيرها في الاستانة والابتزاز السياسي للدولة العثمانية لانتزاع الاديرة ومفاتيح كنائس القبر المقدس والمهد والكنائس والصلاحية وايلولة ذلك الى ملكية طوائف الكنيسة البابوية وشرعنة ذلك بمراسيم سلطانية عثمانية تعطيهم الحق ما اوقع بطريركية اورشليم تحت العوز المالي والدعم الذي كان يوقفها دون الانهيار من قبل روسيا والفلاخ والبغدان والامراء الارثوذكس في اوربة الشرقية الارثوذكسية…ووصل الامر باللاتين الى الاشتباك بالايدي من خلال عدوان الرهبان الغربيين باستمرار على رهبان اورشليم وصلت حتى القتل واراقة الدماء وحيرة الدولة العثمانية ازاء ذلك، وكانت الدولة العثمانية والحكومة المحلية تنتصر لبطريركية اورشليم ومرارا تناصر هؤلاء اللاتين وتجيز لهم تملك الاماكن المقدسة راضخة بذلك لفرنسا والنمسا و…وبذلك نمت الطائفة اللاتينية على حساب شعبنا الارثوذكسي والسبب في كل ماجرى ان الرئاسة يونانية وسعى اللاتين لتكون لهم رئاسة نظيرها وتملك للمزارات المقدسة…
الاعتراف بحقوق اللاتين في الاراضي المقدسة
وفي سنة 1604م، عُقدت أول إتفاقيّة بين الدولة العثمانيّة وفرنسا تم من خلالها الاعتراف رسميّاً بحقوق اللآتين في الأراضي المقدسة، وبعد سنة أصبح لهم حقوق في موقع الجلجلة، وفي كنيسة المهد في بيت لحم. وكان ظهور اليسوعيين في الأراضي المقدسة مناهضاً ومنافساً لوجود الفرنسيسكان. وقد حاول الأرمن مراراً مضايقة الروم الارثوذكس كي يأخذوا منهم مراسيم النور المقدس، ولكنهم مُنعوا من ذلك بأمرٍ سلطاني سنة 1611م. حينها قام القنصل الفرنسي في مدينة القسطنطينيّة بشّن حربٍ عنيفة ضد البطريرك ثيوفانس الثالث، وبهذا أفلح بالحصول على عدّة فرمانات (1631–1634م) من السلطان مراد كانت قويّة جداً كعهدة النبي محمد (التي أعطيت لرهبان دير سيناء) وكعهدة الخليفة سليم الاول.
وحدث أن البطريرك ثيوفانس وقع في عوزٍ شديد وكانت حاجته للمال كبيرةً، فقام بإرسال جميع الأواني المقدسة وباعها لكي يحمي دير الملائكة التابع لدير القديس سابا ويُسدد ديون الرهبان الصرب القاطنين فيه وكذلك ديون الذين كانوا في دير القديس سابا
قام البطريرك باييسيوس (1645-1660م) بقطع محاولات الأرمن بالاستيلاء على أملاك (الأحباش)، ولكنه لم يستطع منعهم من الاستيلاء على دير القديس يعقوب، وفي سنة 1658م أصبح هذا الدير تابعاً بشكل كامل للأرمن، والآن هو مركز البطريركيّة الأرمنيّة في أورشليم
سنوات البطريرك ذوسيثيوس (1669-1707م) الممجدة أنارت سنوات الظلام الماضية وشكّلت عائقاً أمام خطط وأعمال غير الأرثوذكسيين الذين استغلّوا الأحداث التاريخيّة وكادوا أن ينجحوا بطرد أخويّة القبر المقدس اليونانية وتجريدها من كامل حقوقها التي اختلستها بفعل جرمانوس وصفرونيوس خليفته في المزارات الشريفة. فقد منع ذوسيثيوس محاولات قامت بها فرنسا لإيقاع المزارات الشريفة في أيدي الرهبان اللآتين. وعندما توجه الى القسطنطينية سنة 1677م قام بإلغاء كل ما هو صادر من قبل قناصل دول النمسا، وفرنسا، وبولونيا، وڤيينا. وأكّد أنها حقوق أعطيت للاتين بدون أي أساس أو قاعدة تاريخيّة، وأنها جميعها مزوّرة. وفي سنة 1680م قام باسترجاع دير الصليب من أيدي الرهبان الجيورجيين الأرثوذكس، وكان يسعى دائماً لسدّ الديون المتراكمة عليهم والتي حاول اللآتين والأرمن دفعها، لكن الحرب التي شنّتها روسيا والدول المذكورة أعلاه ضد الدولة العثمانيّة سنة 1688م زادت الوضع سوءاً. ومع أن الخليفة سليمان قام بإصدار فرمان لصالح الأرثوذكسيين في عام 1688م، إلا أن خسارة تركيّا من قبل النمسا أجبرتها على إصدار فرمان آخر لصالح اللاتين في العام 1689م، والذي كانت فحواه أن يأخذ اللاتين جميع المزارات الشريفة من أيدي الارثوذكس لتكون لهم. وهكذا، وبهذا الفرمان، قاموا بطرد جميع رهبان أخويّة القبر المقدس من أورشليم. لكن البطريرك ذوسيثيوس أقسم أنه لن يعود الى أورشليم قبل أن يطرد اللاتين من المزارات الشريفة، وقد نجح بإصدار عدد كبير من الفرمانات لكنها لم تكن ذات أهميّة كبيرة لصالح البطريركية. لكنه لم يتمكن من رؤية ثمار جهاداته من أجل الإيمان القويم
وقام البطريرك خريسنثوس الذي نجح في تثبيت حقّ الأرثوذكسيين وبطريركهم في إقامة شعائر النور المقدس. وفي سنة 1719-1720م إكتسب حقوق أخرى من أجل الأرثوذكسيين
وفي سنة 1737م تأسست أول مدرسة أرثوذكسية في أورشليم من قبل البطريرك بارثينيوس. وحصلت إتفاقية جديدة بين فرنسا وتركيا سنة 1740م، كانت هذه الاتفاقيّة بمثابة إعلان الحرب والاضطهاد على البطريركية الارثوذكسية. ولكن تم إصدار فرمانين من قبل السلطان عثمان سنة 1757م ومن بعده السلطان عثمان مصطفى الثالث سنة 1768م بمساعي البطريرك بارثينيوس التي أرجعت حقوق أخويّة القبر المقدس التي سُلبت منهم منذ العام 1689م. وهكذا قام البطريرك بارثينيوس بوضع قانون مستحدث لتنظيم أخوية القبر المقدس.
نهاية القرن الثامن عشر
في نهاية القرن الثامن عشر حدث تغيير كبير في الأوضاع السياسية وفي نظام الحقوق السائد في المزارات الشريفة، والذي تمّ تثبيته الى يومنا هذا حيث بدأت البطريركية بتنظيم أحوالها وأعمالها الداخليّة. إن المعاهدة التي حصلت في سنة 1774م (كيوتسوك كينارتزي) أجبرت تركيا أن تجعل حياة مواطنيها المسيحيين أفضل وأن تعترف أن روسيا هي حامية المسيحيين في الأراضي المقدسة، وقد حاول اللاتين والأرمن التدخل ثانية في كنيسة المهد والجلجلة غاية الحصول على حقوق أكثر، ولكنهم لم ينجحوا في ذلك. وعندما حاول الأرمن الحصول على حقوق في القبر المقدس، من خلال مشاركتهم في إعمار كنيسة القيامة، لم يستطيعوا. فقاموا بإحراقها سنة 1808م حيث احترق قسم كبير من جدرانها الخشبية. أما العهدة التي أصدرها السلطان محمود الثاني سنة 1809م ضمنت أن أعمال إعمار كنيسة القيامة الشريفة يتم فقط من قبل الروم، وهذا دفع اللاتين والأرمن الى الاحتجاج بقوة محاولين بكل طريقة ووسيلة الإساءة الى البنّائين والعمّال لتعطيل أعمال الترميم حتى يقوموا بالحصول على فرمان آخر يكون في صالحهم. ولكن في النهاية لم يحققوا شيء من مآربهم وأعيد إعمار كنيسة القيامة الشريفة بعرق ودم ومال جنس الروميين الذين كانوا تحت عبوديّة الأتراك، وهكذا دُشن هيكلها في الثالث عشر من ايلول عام 1810م، وصادف هذا التاريخ يوم تدشين هيكلها في أول مرّة بعد بنائها (وُصف هذا الحدث بأنه أعجوبة بسبب إيمان الروم الارثوذكس).
إن ثورة عام 1821م التي وضعت كل الارثوذكس قياساً باليونان الارثوذكس تحت تهمة الخيانة أمام الباب العالي أتاحت الفرصة لغير الأرثوذكسيين لإخراج الاكليروس الاورشليمي من الأراضي المقدسة. وهكذا عانت البطريركية الارشليمية الكثير من قبل الأتراك في ذلك الوقت. وفي سنة 1824م قام الأرمن بالاستيلاء على قسم من جبل صهيون، وحاولوا حينها أخذ الجلجلة أيضاً ولكنهم لم ينجحوا، فحصلوا مع اللاتين على حقوق في القبر المقدس. وفي سنة 1834م، عندما كانت فلسطين في يد إبراهيم باشا، قام الأرمن واللاتين نتيجة الزلزال استغلال الأعمال والإصلاحات التي حصلت في كنيسة القيامة محاولين بذلك ضمّها الى سيطرتهم بالكامل. ونتيجة الضغوطات الأوروبية على تركيا أدت الى إعادة تأسيس البطريركية اللاتينية سنة 1847م التي جعلت من حلب النيابة الاسقفية في الكرسي الانطاكي واستولوا بمعونة والي الشام على بيت القديس حنانيا وانتزعوها من ايدي الشوام الارثوذكس (وجعلوها كنيسة القديس حنانيا الرسول للاتين ) والتي كانت قد ألغيت بعد انهزام الصليبيين. وفي سنة 1840م ظهر في الأراضي المقدسة الأنجليكان، واللوثريين والبروتستانت والروم الكاثوليك. وبالرغم من كل ذلك كانت الأراضي المقدسة في هذه الفترة تستمد الدعم والمساعدات الكبيرة من الإمبراطوريّة الروسيّة التي كان لها أهدافها الخاصة.
إن مجيء الأرشمندريت الروسي برفيريوس أوسبنسكي سنة 1843م وتأسيس البعثة الأرثوذكسية الروسيّة سنة 1848م جعل الحضور الروسي قوياً، وفي نفس الوقت قامت هذه البعثة بايقاظ الشعور القومي العربي وحقه في الكرسي الاورشليمي وليس فقط حق اليونان واخوية القبر المقدس المستولية على الكرسي الاورشليمي وكنائسه واوقافه، خلال كل تلك الفترة المظلمة التي تلت الغزو الفرنجي وماجره من الويل على الارثوذكسيين الاورشليميين في دائرة الكرسي الاورشليمي ودائرة الكرسي الانطاكي المقدس كان ابناء الكرسي الاورشليمي وام الكنائس من الارثوذكس العرب وليس فقط بضعة من الرهبان المستولين على الكرسي وكنائسه واوقافه من مايسمى رهبنة القبر المقدس اليونانية لاتتجاوز المائتي راهبا حالياً كان الكفاح يقوم به ابناء الكرسي من كهنة محليين ورعية مناضلة للحفاظ على الوجود الارثوذكسي برمته بينما كان هدف بعض الرهبان من اخوية القبر المقدس هو اللبطريركية والمطرانيات والرهبنة والاكنائس والاوقاف وهذا ما ادى الى انتقال عشائر غربية بجملتها اما الى اللاتينية والانتماء الى بطريركية اللاتين او الى الروم المتكثلكين ومقرهم في دمشق او الى الارساليات البروتستانتية والانكليكانية والملفت ان بطريركية اللاتين خرج منها بطريركان من العشائر العربية، وهنا المؤلم والمضحك ان اللاتين هم من سهل اللاتيوم في روما اين منها العشائر العربية ابنة البادية في العربية كان ابناء الكرسي يقومون بالكفاح ضد الظلم والاستبداد الفاطمي والمملوكي والعثماني وضد الرهبنات اللاتينية الواقدة وذلك بهدف أن يكون التدخل الروسي في أمور الكنيسة الأورشليمية أقوى وأيضاً استمالة الرعيّة العربية الأرثوذكسية الى الصف الروسي. لكن هذه السياسة التي اتبعتها البعثة أدانها الشعب الروسي بنفسه كما تقول ادبيات رهبنة القبر المقدس. ووصلت هذه الأعمال ذروتها بتنحية البطريرك كيرللس الثاني عن السدّة البطريركية، وتتهم الرهبنة الدبلوماسيين الروس في القسطنطينية بخداع البطريرك كيرللس الثاني حيث لم يُشارك في المجمع اليوناني الذي ضم القسطنطيني والاسكندري والانطاكي ايروثيوس والاورشليمي الذي عُقد سنة 1872م لشجب البلغار الساعين الى اكسرخوسية بلغارية صرفة فما كان من هذا المجمع الا شجب البلغار…وحكم هذا المجمع على البطريرك كيرلس الثاني بتهمة باطلة وهي عدم الاهلية القانونية لمواقفه المؤيدة لحق الفلسطينيين ابناء الكرسي الاورشليمي وحق البلغار الساعين الى بطريركية مستقلة عن بطريركية القسطنطينية وقيامه بتقريب الاكليروس العربي وتغيير الآلية العدائية بحقهم والقاضي بمنعهم من حقوقهم بالتدرج نحوالاسقفية والمنصب البطريركي حيث يمتنع على الاكليروس العربي الا ان يتزوج لمنعه من الوصول للأسقفية… ان نضال ابناء الكرسي الاورشليمي والمستمر منذ عزل البطريرك الفلسطيني عام 1517 بقرار الدولة العثمانية واستلاء ماتسمى ” اخوية القبر المقدس اليونانية على المنصب البطريركي والابرشيات والاديرة والاوقاف…والنضال العربي الارثوذكسي مستمر منذ ذاك التاريخ قبل اربعة قرون وحتى الآن لعودة حق ابناء الكرسي من الفلسطينيين وشرق الاردن في كرسيهم وكنائه واوقافه لا حق حفنة من اليونانيين بالاستيلاء على الحق الشعبي والكهنوتي الفلسطيني العام….
بنتيجة قرار المجمع اليوناني المنعقد في القسطنطينية عام 1872 بشجب البلغارنشب عراك بين البطريرك المصلح والمتنور وصاحب حق الشعب الاورشليمي كيرللس الثاني المحكي عنه وبين أخوية القبر المقدس حيث عقدت اجتماعها في سنة 1872م وتقرر تنحية البطريرك كيرللس الثاني الرافض لشجب البلغار والمؤيد لحق العرب ابناء فلسطين وشرق الاردن باقصائهم عن حقهم في السدّة البطريركية وتجريده بتهمة عدم الاهلية القانونية. فواجهت الأخوية الصعوبات من قبل البطريرك كيرللس الشرعي
ونجحت تدابير المجمع القسطنطيني الجائر بعزله وتم العزل وادى ذلك الى اشتباك مماثل بين المطارنة الوطنيين في الكرسي الانطاكي بمواجهة ايروثيوس وكادت الثورة الشعبية الدمشقية ان تستعر ضد ايروثيوس دعماً للمطارنة الوطنيين برئاسة مطران اللاذقية ملاتيوس الدوماني الدوماني ومطران بيروت ولبنان غفرئيل شاتيلا الدمشقي و… وكان الكرسي الانطاكي بدوره تحت الرئاسة اليونانية منذ 1724 بدءاً من البطريرك سلبستروس القبرصي الى حين تعريب السدة الانطاكية عام 1899 باستقالة البطريرك اسبريدون وكانت شرارة التعريب والمطالبة باعادة حق الكرسيين الانطاكي والاورشليمي منتشرة في كل الرقعة الشامية بدائرة الكرسيين الانطاكي والاورشليمي. وفي سنة 1873م انتخب البطريرك بروكوبيوس الثاني (يوناني) المتشدد نحو الاخوية بطريركاً على الكنيسة الأورشليمية في مجمع القسطنطينية اليوناني، فقامت روسيا بالاعتراض وأصدرت أوامرها بالاستيلاء على جميع أراضي البطريركية في القوقاز، والتي تم استرجاعها في سنة 1875م، وفي السنة نفسها قرر الباب العالي التصديق على النظام الداخلي الجديد لبطريركيّة الروم الأرثوذكس. وبالرغم من كلّ ذلك كانت مدّة بطريركيّة كيرللس الثاني (1845-1872م) في كثير من الأحيان مفيدة لبطريركية أورشليم حيث تم تأسيس مطبعة البطريركية سنة 1853م، وهي أقدم المطابع في فلسطين وجلب الخوري اسبريدون صروف الدمشقي تلميذ القديس الشهيد يوسف الدمشقي ليتولى واعظاً للكرسي الاورشليمي وادارة المطبعة ( مطبعة دير الروم). وفي سنة 1855م تأسست كليّة اللاهوت في دير الصليب المقدس بهمة الخوري المذكور حيث كان البطريرك كيرلس الثاني قد طلب من الخوري يوسف المذكور لينتقل الى اورشليم ويدير مدرسة المصلبة ومطبعة دير الروم واعتذار الخوري يوسف ( القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي) واصراره بالرغم من كل الاغراءات المادية على البقاء راعياً لرعية دمشق الارثوذكسية التي دُعي لخدمتها وهي كرمة المسيح الحقيقية وفق جوابه ( سيرة القديس يوسف الدمشقي في موقعنا ونحن من اظهره ودخلت في سنكساره) وارسل بدلا منه والتي كانت بمثابة أرضٍ خصبة للكثير من اللاهوتيين الأرثوذكسيين الذين أفادوا الكنيسة الأرثوذكسيّة. وفي عهد البطريرك كيرللس أيضاً توقفت عادة انتخاب البطريرك الأورشليمي في القسطنطينيّة، والتي كانت سائدة لمدة قرنين ماضيين من الزمن، فصار انتخابه في أورشليم. وهكذا حصلت كنيسة صهيون على الدعم الكامل من بطريركية القسطنطينية مركز الروم والأرثوذكسيّة.
إن العلاقات والمعارك السياسيّة العالميّة التي حصلت بين فرنسا وروسيا سنة 1851م والتي دارت حول مصالح اللاتين والأرثوذكس في المزارات الشريفة قادت الى نجاح الأرثوذكسيين، وأدت الى إصدار مرسوم، بخط شريف (كلخانة)، سنة 1852م يحفظ حقوق الروم. وفي سنة 1853م صدر مرسوم آخر أكثر وضوحاً من الأول والذي حُدد من خلاله عمل المزارات الشريفة وأيضاً حقوق الروم الأرثوذكس وبقيّة الطوائف الأخرى، وهو نفس النظام القائم في المزارات الشريفة الى يومنا هذا. وأما مؤتمر باريس الذي عقد سنة 1856م أكّد على قيام هذا النظام داخل المزارات وتمّ الاتفاق عليه أيضاً في اجتماع برلين سنة 1878م، واعتُبر هذا النظام بالحقيقة مريحاً للكنيسة الأرثوذكسية أقدم الكنائس في الأرض المقدسة، ولهذا صدّق عليه من مجمع الأمم ولاحقاً منظمة الأمم المتحدّة سنة 1947 – 1950م. وأما اليوم، فهو ساري المفعول تُحافظ عليه كل الطوائف المسيحيّة الأخرى، وهو مصدر أمان لعمل المزارات والحفاظ على الحقوق والمصالح العامة لكل طائفة، فكما يقولون: “مَن يحافظ على النظام، يحافظ هو على نفسهِ أيضاً”.
لقد أظهر افثيميوس، مسؤول الأواني المقدسة في كنيسة القيامة، في نهاية القرن التاسع عشر تميّزاً وتجديداً في الشكل البنائي للبطريركية، وساعد في إظهار وبناء الكثير من المناطق التي ميّزت القسم المسيحي في البلدة القديمة في أورشليم وذلك من باب داود الى حدّ كنيسة القيامة، حيث يُطلق على هذه المنطقة في كثير من الأحيان بمنطقة “افتيموس”. وعادت أيضاً كليّة الصليب المقدس اللاهوتية الى العمل من جديد بعد انقطاع بسيط سنة 1873م وذلك في زمن البطريرك جراسيموس (1891-1897م)، ومن ثم توقفت عن العمل ثانية. ولكن يوجد الآن اهتمام من قبل أخوية القبر المقدس كي تعود هذه الكليّة الى العمل تحت رعايتها. وأيضاً أعطي اهتمام كبير للمحافظة على جميع المخطوطات وكل كنوز البطريركيّة، وأيضاً أملاكها التي دخلت في حقبة عصيبة ومشاكل صعبة نتيجة أحداث القرن العشرين في فلسطين، حيث كانت الرعيّة أيضاً تواجه مصاعب عديدة نتيجة الأزمة الدينية والسياسية السائدة. ولسوء الحظ كان أبناء الرعيّة يتركون وطنهم الأم ويذهبون الى بلاد الغربة من أجل لقمة العيش. ويقدر الراهب الأرثوذكسي انثيموس سنة 1838 عدد مؤمني الكنيسة الأرثوذكسية بـ 15690 نسمة· والمراكز الأرثوذكسية الكبرى هي: القدس (600 نسمة) وبيت جالا (1000 نسمة) ورام الله (1000 نسمة) وجفنة (2000 نسمة) وكفر ياسيف (1500 نسمة) والناصرة (1000 نسمة) والسلط (400 نسمة)، والسلط هي الموقع الوحيد في الأردن الذي يذكر فيه انثيموس مؤمنين أرثوذكساً· والإحصائية الثانية سنة 1904 ومصدرها البطريركية الأرثوذكسية وتُقدّر عدد المؤمنين بـ 49558 نسمة· ويقدر شارون (Charon) أن الرقم الأقرب إلى الواقع هو 30000 نسمة· أما أرثوذكس شرق الأردن فعددهم 9757 نسمة، والبقية في فلسطين· ويقطن الأرثوذكس في الأردن المواقع التالية: عجلون والحصن وسوف وعنجرة والسلط ورميمين والفحيص ومادبا وماعين والكرك وإربد والطيبة وكفرابيل وشطنا · ومن غير المعقول أن يكون المسيحيون الأرثوذكس في السلط فقط حسب احصائية انثيموس، فلا شك أنه أهمل ذكر المواقع الأخرى· ويُقدّر مؤلف آخر عدد الأرثوذكس في مطلع القرن التاسع عشر بـ 000ر30 نسمة، وتراجع عددهم إلى 000ر25 نسمة، لتحول كثير منهم إلى الكثلكة أو البروتستنتية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من ذلك شكّل الأرثوذكس أكبر طائفة موازنة بالطوائف الاخرى·
يدور تاريخ الكنيسة الأورشليمية الأرثوذكسية في القرن التاسع عشر حول: تحرر الكنيسة الأورشليمية من التبعية للبطريركية القسطنطينية، والنفوذ الروسي، والعلائق الروسية اليونانية واليونانية العربية، وحول القانون الأساسي للبطريركية الأورشليمية الذي صدر سنة 1875· وقد توترت العلائق مراراً بين البطريرك والسنودس واعضاء الأخوية، ووصل إلى حد القطيعة بين الطرفين وعزل البطاركة من مناصبهم·
ابرشيات الكرسي الاورشليمي
في البطريركية الأورشليمية سبع أبرشيات، ولكنها ليست أبرشيات بالمعنى الحصري، لأن أساقفتها لا يقيمون فيها، ما عدا أسقف الناصرة وعكا، ويحكمها البطريرك مباشرة· ويرأس هذه الأبرشيات متروبوليتية ورؤساء أساقفة وأساقفة فخريون، ويقيم أساقفة آخرون أو أرشمندريتية في ممتلكات البطريركية في الخارج· وأسقف سيناء مستقل، ينتخبه رهبان دير القديسة كاترينا، ويثبته البطريرك ويمنحه الرسامة، وَيذكُر اسم البطريرك في القداس الإلهي، ولكنه يتمتع باستقلاله في إدارة الدير.
البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث، وهو الـ 141 على كرسي أورشليم. ارتبط اسمه بعدد من صفقات بيع أوقاف تابعة للكنيسة أو تأجيرها للاحتلال الإسرائيلي.ولد البطريرك ثيوفيلوس الثالث الذي كان يدعى قبل انخراطه في السلك الرهباني إيليا بن بنايوتس وافانجيليا يانوبولس في مدينة غارغالياني اليونانية عام 1952، وصل إلى القدس عام 1964.
انتخب ثيوفيلوس الثالث بطريركا في التاسع من آب 2005، وتوج على الكرسي الأورشليمي في 22 من تشرين الثاني من العام ذاته.
(ووفقاً للجزيرة نت والصحافة الاسرائيلية)
“ارتبط اسم ثيوفيلوس بعدد من صفقات بيع لأوقاف تابعة للكنيسة أو تأجيرها للاحتلال، واتهم ببيعها بصفته المسؤول عن هذه الأوقاف بموجب أحكام القانون الأردني، وتحديدا القانون رقم 27 لعام 1958.
وأمام هذه الاتهامات التي دعت بعض الأطراف إلى فتح تحقيق فيها، سارعت بطريركية الروم الأرثوذكسية في بيان لها إلى انتقاد “الحملة المحمومة والمغرضة التي يقودها البعض ضدها” بالصحف الإسرائيلية، وقالت إن البطريركية هي الحامية للمقدسات المسيحية بالبلاد ولكنيسة القيامة”.
وأضاف البيان أن “تحميل البطريركية مسؤوليات عجزت أن تحملها دُول لهو غير منطقي ومغرض وكذلك محاولة قلب الأدوار وتحويل البطريركية التي انتُزعت أراضيها من ضحية الممارسات الرسمية بحقها إلى الجلاد, لهو زيف وقلب للحقائق”.
يشار إلى أن بطريركية الروم الأرثوذكس بالقدس المحتلة المكونة من كهنوت أغلبيته الساحقة من اليونانيين، تورطت في الماضي بصفقات تسريب أراض وعقارات على طرفي الخط الاخضرمما أغضب أبناء الرعية الفلسطينيين وأدى إلى الإطاحة بالبطريرك السابق إيرينيوس.
تنظيم اخوية القبر المقدس
يقع بجانب البطريركية، ولها أديار تابعة كدير مارسابا والقرنطل ووادي الكلت، وتمتلك ثمانية عشر ديراً في القدس يسكنها الرهبان وأبناء الطائفة الأرثوذكسية· ولها أيضاً تسعة عشر ديراً خارج فلسطين في إسطنبول واثينا وكريت ··· وهي بمنزلة وكالات للبطريركية· ومن خصائص الأخوية الفريدة التي تتميز بها عن الرهبنات الغربية الكاثوليكية، أن الرهبان يتقاضون راتباً من البطريركية (12 – 75 جنيها سنة 1925)، ويتقلدون الوظائف الكنسية ويمتلكون العقارات ويستأجرونها ويستثمرونها، وهم غير ملزمون بالحياة الجماعية ويعيش بعضهم مع ذويه· وجميع أفراد الأخوية من اليونان، وعددهم 120، ما عدا عضواً واحداً بلغارياً (سنة 1925)(26)· حالياً العدد 190فرداً بدءاً من البطريرك…
ويلخص موشوبولوس (Moshopoulos) أهم امتيازات الأخوية وحقوقها في ثلاثة عشر بنداً هي (27)
1 – يتبع القبر المقدس وجميع ملحقاته، وسائر مزارات فلسطين وأديارها، وكل المؤسسات الخيرية في فلسطين وخارجها للبطريرك رئيس الأخوية، وهي جميعها ملك للأمة اليونانية(28)·
2 – يُكوّن القبر المقدس وملحقاته وحدة رهبانية ديرية متماسكة، تتمتع بنوع من الاستقلال الإداري لاستثمار أموالها بإشراف البطريرك رئيسها·
3 – وظيفة الإكليروس الرهباني الذي يكوّن أخوية القبر المقدس خدمة الأماكن المقدسة وحراستها· وتحكم الأخوية قوانين الجماعات الرهبانية وقرارات بطاركة المدينة المقدسة ومجمعهم·
4 – بما أن القبر المقدس وتوابعه يتبع للبطريرك الأورشليمي اليوناني فإنه مُلك الأمة اليونانية، ومن هذه الأمة تختار الأخوية رهبانها حسب أنظمتها وقوانينها·
5 – يُنتخب البطريرك اليوناني من بين أعضاء الأخوية، ويساعده في حكم الكنيسة السنودس، الذي هو مجلس كنسي مكون من متروبوليتيين وأساقفة وأرشمندريتية ينتمون إلى أخوية القبر المقدس·
6 – يخضع جميع الأرثوذكس المقيمين بصورة دائمة أو مؤقتة في البطريركية الأورشليمية لسُلطة بطريرك القدس اليوناني·
7 – إن النذور والتقدمات والهبات الموقوفة للقبر المقدس والمزارات والأديار والأماكن المقدسة الأخرى هي مُلك للأخوية اليونانية·
8 – يحقّ لبطريرك القدس اليوناني طلب وقبول النذور والتقدمات والهبات لحساب الأماكن المقدسة من المسيحيين الأرثوذكس في جميع أنحاء العالم·
9 – تتمتع أخوية القبر المقدس باستقلال داخلي وإدارة ذاتية بما يخص حياتها الداخلية، استناداً إلى ما جاء في القوانين المكتوبة وغير المكتوبة والعادات والتقاليد القديمة المرعية منذ القدم، والتي اكتسبت صفة قانونية بمرور الزمن وممارستها خلال عدة قرون·
10 – للأخوية الحق في أن ترث أموال أعضائها المتوفين المنقولة وغير المنقولة، ويمنع كل تدخّل من قِبل أهل الرهبان أو أي شخص آخر·
11 – للأخوية حقّ الملكية الكامل على أموالها في فلسطين وخارجها، ويمكنها التصرف بها بكامل حريتها ومطلق رغبتها·
12 – ممتلكات الأخوية معفاة من سائر أنواع الضرائب، وكل ما تستورده مُعفَى من الجمارك·
13 – تقدم الأخوية في حدود إمكاناتها ومواردها وبكامل حريتها وبدافع من الالتزام الأدبي فقط، الأموال الضرورية لترميم الكنائس القائمة وبناء أخرى جديدة(29)·
والجدير بالذكر أنه ليس في البطريركية الأورشليمية قانون خاص مدوّن، بل اتّبع البطاركة في إدارتها القوانين العامة المرعية في البطريركيات الشرقية، ومجموعة من العادات والتقاليد الخاصة في البطريركية الأورشليمية· وصدر أول نظام أساسي للبطريركية سنة 1875، وظل قائماً حتى عام 1958·
خاتمة
إن كنيسة أورشليم هي الكنيسة الوحيدة في الأراضي المقدسة التي لها جذور وأصول عميقة في هذه الأرض، والتي حافظت على الإيمان الأرثوذكسي إيمان الآباء والرسل القديسين ثابت غير متزعزعٍ
وأما الطوائف الأخرى، فإن مرجعياتها مرتبطة بدول ومراكز سياسية مختلفة، فمراكز رئاساتها موجودة خارج الأراضي المقدسة، ولها فقط ممثليات موجودة في الأراضي المقدسة لتمثيل هذه المرجعيات. لهذا، ينقصهم الدور الهام والتاريخي الذي تقوم به كنيسة اورشليم الارثوذكسية بثقلها الوطني الفلسطيني-الاردني وليس اليوناني المصادر لحق الشعب الفلسطيني منذ 1534م وهل من الجائز ان يكون لهذه الكنيسة بجذرها الوطني اسقفان وطنيان فقط منهم المطران عطا الله حنا…والسلطة الفلسطينية والحكومة الاردنية المسؤولة عن الاماكن المقدسة في القدس والضفة الغربية عاجزتين عن احقاق الحق بسبب تشابك العلاقات الدولية ومناصرة الدولة اليونانية لبطريركية اورشليم اليونانية وتلعب حكومة الاحتلال الدور الاكبر في دعم الرئاسة الاورشليمية للمنافع المشتركة وتهريب الاوقاف الارثوذكسية بيعاً او استئجارا او استملاكا لأفراد او مؤسسات اسرائيلية كما في الدعاوي المرفوعة من المجلس الوطني الارثوذكسي والمسيرات الشعبية المقاطعة للبطريرك الاورشليمي الحالي.
ارتبط مصير البطريركية الأورشليمية والوجود المسيحي في فلسطين بالأحداث السياسية· ففي العصر الرومي البيزنطي كانت الكنيسة الأورشليمية يونانية المظهر، ولكنها لم تتخلّ عن جذورها المشرقية· وفي الفتح العربي تعربت إكليروساً وشعباً ولغة· وفي العصر الفرنجي حلّ النفور بين أبناء الكنيستين الشرقية والغربية، وغدا هناك كيانان بطريركيان: لاتيني وآخر أرثوذكسي نشأ في القسطنطينية، والكيان الأرثوذكسي غير متصل بالكرسي الرسولي البابوي بل معادٍ لما هو غربي· وبعد نهاية العصر الصليبي عاد البطاركة العرب المنتخبون من الإكليروس الوطني لرعاية القطيع المسيحي الصغير في فلسطين، الذي صار على مر العصور أقلية ضعيفة، بعد أن كان أكثرية ساحقة في العصر البيزنطي· وقعت البطريركيات الشرقية (الإسكندرية والأنطاكية والأورشليمية) مبكراً تحت الحكم العربي الإسلامي في الجيل السابع الميلادي، وتبعتها البطريركية المسكونية القسطنطينية، ففتحها المسلمون العثمانيون سنة 1453م· والبطريركية الأورشليمية أضعف هذه البطريركيات وأقلها عدداً وأصغرها مساحة
إن الطابع الفلسطيني الاردني الارثوذكسي لام الكنائس يجب ان يعود الى ابناء الكرسي وخاصة بعد بيع الاوقاف المستمر كنزف مؤلم الى المحتل الصهيوني حتى ان كل دوائر الاحتلال في القدس الجديدة هي من املاك الكنيسة وهي ليست يونانية بلفلسطينية ان الارثوذكسية لاتعرف انتماء جنسياً لقومية دون اخرى ونحن نعتز باليونانية فكراً وحفظاً للعقيدة الارثوذكسية ولكن يجب التأكيد على ان هذا النضال هو شعبي من الارض السورية انطاكياً واورشليمياً وبخلفية رومية ارثوذكسية وعربية نعتز بها ونصر عليها وهو دور انطاكية المحوري في ذلك ويجب ان يكون لأم الكنائس فلسطينياً ايضاً اليوناني والرومي لكنيسة صهيون والاتجاه التاريخي لمسيحيي فلسطين يعطي لبطريركية صهيون المقدسة وللأرثوذكسيّة الروميّة النابعة من الآباء الطابع المسكوني والروحي والحضاري، وبهذا تولد الروابط الوطنية والمسكونيّة لحماية المزارات الشريفة.
إن نتيجة الحروب التي قامت في الشرق الأوسط والمشاكل التي نتجت عنها أدت الى تقلص عدد المسيحيين في الأراضي المقدسة، ومع كل هذه الصعوبات فإن كنيسة صهيون ما زالت تقوم بدورها الديني والروحي في قيادة رعيتها الى أراضي الخلاص والحفاظ الشكل الليتورجي الذي تعمل به المزارات الشريفة، حيث أن نفوس كثير من أبناء هذه البلد وحجاجها يجدون راعيهم الصالح أي المسيح الذي بصليبه وقيامته “صنع خلاصاً في وسط الأرض”. (مز73: 12).
المصادر
موقع بطريركية اورشليم وصفحات البطريركية
د. اسد رستم تاريخ كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى
خريسوستموس تاريخ الكنيسة المسيحية
خريسوستموس تاريخ كنيسة اورشليم
د. جوزيف زيتون ( الموقع الشخصي) تاريخ الكرسي الانطاكي المقدس، ومختصر تاريخ الكرسي الانطاكي المقدس، وتاريخ بطريركية الاسكندرية وسائر افريقيا للروم الارثوذكس
د. جوزيف زيتون مخطوط سيرة البطريرك الانطاكي ايروثيوس
د. جوزيف زيتون سيرة القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي
د.جوزيف زيتون مخطوط سيرة القديس المنسي ديمتري شحادة الصباغ الدمشقي