هل هناك جهاد في المسيحية؟
باسم الآب والابن والروح القدس،آمين.
”اجتهد في شبابك لتفرح في كَبَرك”(القديس باخوميوس)
”لا تفتخر بالاسم بل اجتهد في الاعمال” (القديس اسحق السوري)
”الخلاص يحتاج الى تعب كثير واجتهاد“(القديس برصنوفيوس)
ايها الاحباء: قال الرسول الالهي بولس في رسالته التي سمعناها منذ قليل يقول:” ليس احدٌ يتجند فيرتبك بهموم الحياة… ان كان احد يجاهد فلا ينال الاكليل ما لم يجاهد جهاداً شرعياً”.
ماذا يعني هذا الكلام؟
يتوارد سؤال لنا… او يسأل الكثيرون هذا السؤال: هل هناك جهاد في المسيحية؟
نعم يوجد جهاد في المسيحية. ولكنه ليس كالجهاد المعروف عنه اليوم.
ان كلمة الجهاد في الفكر المسيحي تعني جهاد في المحبة في العطاء، جهاد ضد الخطيئة للوصول الى السلام الكامل الداخلي الروحي. انه الجهاد يصل الانسان الى حياة الالتصاق بالله.
الجهاد هو التخلي عن الانسان القديم. هذا التخلي دعي اليه كل انسان مسيحي يوم معموديته عندما يسأله الكاهن هل ترفض الشيطان وكل اعماله وكل ملائكته وكل عبادته واباطيله. الموعوظ يجيب نعم ارفض الشيطان.
الجهاد اذا هو العودة من الانفصال او انعزال عن الله الى شركة مع الله.
هناك ركائز اساسية للجهاد في حياة المسيحي الحقيقي المؤمن وهي:
– العدو من هو؟
– الجهاد ضد الخطيئة
– الجهاد من اجل النمو في حياة الجديدة
العدو من هو؟ في الفكر المسيحي الشيطان هو العدو، هو عدو الله والمؤمنين وعدو الانسان، ايضا الشيطان هو مصدر فكر العدواة والكراهية والحروب والقتل عندما يتسلط على الانسان.
لذلك نحن مدعوون ان نخوض حرب روحية ضد الشيطان واعدائه من خلال حملنا الصليب كل يوم، هذا هو برنامج حياة الانسان المسيحي الحقيقي.
ان يكون الانسان مسيحياً هو ان يتبع الاله الانسان اي يسوع المسيح، ويتم جهاده من خلال انكار الذات حاملاً الصليب.
وان يصلب الانسان بمعنى ألا يفكر مثل الناس ولا يجعل من الانسان مقياس الاعلى لحياته وان يتخلى عن الانانية والكبرياء. هدف من هذا الصلب ان يلبس الانسان الرب يسوع المسيح ويصبح الانسان الجديد. حيث تصير افكارنا واعمالنا كلها الهية وانسانية ومطابقة لمثال يسوع المسيح الاله الانسان.
الركيزة الثانية هي : الجهاد ضد الخطيئة
اي البذل في سبيل الطهارة والنمو في العلاقة مع الله قدوس ومحاربة الرذائل والسيطرة على ضعفات الجسد والاهواء، ما دام الانسان كتلة من الاهواء والامراض، فلا بد له من الجهاد الروحي…
هذا الجهاد الروحي يعبر عنه الاباء بكلمة توبة
التوبة هنا تعني تغيير الذهن تغيير الفكر وتغيير نظرة الانسان للحياة.
هناك نداء ودعوة لنا .النداء اطلقه القديس يوحنا المعمدان، “توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات…”
اراد يوحنا ان نغيّر طريقة حياتنا وتفكرينا. اما الدعوة التي دعانا اليها الرب يسوع يقول: ملكوت الله يغصب والغاصبون يختطفونه (متى 11- 12 ).
يعني ان حياة الانسان المسيحي غصبٌ دائم ليس موجها ضد الناس الاخرين وضد الخليقة بل ضد التكاسل والكسل الذي مازال فينا وضد مغريات العالم الباطلة الخداعة التي تعمل بقوة لتعيدنا الى الانسان القديم.
الركيزة الثالثة، الجهاد الروحي
الجهاد للنمو في الحياة الروحية، لا يكفي ان نتجنب التجارب والخطايا ،بل ان نغذي فينا عشق الله وشوق الله ،هذا العشق كلما نما وكبر فينا ساعدنا على نسيان الخطايا.
فاذا احببنا الرب ووصاياه يسهل علينا تطبيق وصايا المسيح. فمحبة الله تجبرنا وتجرنا نحو الخير والصلاح، ويصير كل جهاد وكل تجربة امراً سهلاً.
بالتالي ان عيشنا الجهاد الروحي في حياتنا المسيحية اليومية هو نتيجة ايماننا المتقد في نفوسنا.
اكبر مثال لنا في الجهاد كان يسوع المسيح وايضا الرسول الالهي بولس الذي قال:
“جاهدت الجهاد الحسن اكملت السعي حفظت الايمان…” ويوصي الرسول بولس تلميذه تيموثاوس ايضاً ان يسلك مسلكه الجهادي قائلا له: “جاهد جهاد الايمان الحسن”.
احبائي أحبة الصليب: “ليس للحياة قيمة ان لم نهتم بارواحنا وبجهادنا وحياتنا الروحية. لا تتركوا ارواحكم تضيع فتخسروها .اسعوا الى تزيين روحكم بالمحبة والحنو ،اطلبوا اعادة ولادتكم من جديد وانزعوا الانسان القديم والبسوا الانسان الجديد”.
وتمثلوا بقديسي الله، هكذا علمنا القديس يوحنا الذهبي الفم حين يقول: “يا لكم ستكون شؤوننا افضل حالاً لو كنا نتمثل بالاتقياء اي القديسين.
من بين هؤلاء القديس ديمتريوس الذي نعيّد له اليوم، هذا القديس يدعونا نحن ايضاً لنكون مثله ونكون محلاً لقداسته.
بهذه المناسبة المجيدة ننتهز الفرصة ان نصلي بحرارة اكبر بتوبة ومحبة ونتوسل شفاعة القديس ديمتريوس امام الله لخلاص نفوسنا.
عيد القديس اليوم هو رسالة لنا لتذكيرنا بالحرب الروحية والجهاد الروحي الذي اختبرها ديمتريوس بسبب ايمانه بيسوع المسيح. فاغتصب الملكوت وصار له مكان في ملكوت السماوات.
اطلبوا منه مساعدتكم لكي يقويكم في جهادكم الروحية وان تغتصبوا الملكوت، آمين.
(عظة الاحد:”رسالة القديس ديمتريوس”)