بولس رسول الأمم…رسول الجهاد الامين…المشرع الاول للمسيحية… أو بولس الطرسوسي أو شاؤول
الجزء الثاني ويتضمن
– بعض جهاده التبشيري ورحلاته
– رسائله ومضامينها
– سجنه واستشهاده
بعد رجوع القديس بولس الرسول إلي أورشليم، دخل الهيكل وكان يصلي، فأخذته سنة من النوم، فرأى الرب يسوع المسيح يقول له: “أَسرع واخرجْ عاجلاً من أورشليم لأنهم لا يقبلون شهادتك عني. فقلت يا رب هم يعلمون أني كنت أحبس وأضرب في كل مجمع الذين يؤمنون بك. وحين سفك دم إستفانوس شهيدك كنت أنا واقفاً وراضياً بقتله وحافظا ثياب الذين قتلوه. فقال لي اذهب فإني سأرسلك إلى الأمم بعيداً”(أع 17:22-21). كان القديس بولس الرسول يكرز في أورشليم بإسم الرب يسوع. “وكان يخاطب ويباحث اليونانيين فحاولوا أن يقتلوه. فلما علم الإخوة أحدروه إلي قيصرية وأرسلوه إلي طرسوس” (أع29:9- 30).
كرازتـــه للأمم
عندما وصل الرسول بولس إلى طرسوس مسقط رأسه، وكان قد تركها منذ عشرين عاماً فكان بعضُ من كان يعرفهم ليسوا على قيد الحياة، وحتى الذين كانوا أحياء لم يرحبوا به لأنهم اعتبروه خائناً للناموس والأنبياء، عظيمة هي أعمال الرب الذي يُجَّهِزْ ويُعِّدْ خدَّامه والكارزين بإسمه أحياناً عن طريق العزلة، وأحياناً عن طريق الفشل وخيبة الأمل. وبقي الرسول بولس سنتين كاملتين في طرسوس، وما حولها في كيليكية، إلى أن نشأت كنيسة إنطاكية. ولما ذهب الرسول برنابا (1) إلى طرسوسطالبا الشاب الذي ظهر له السيد المسيح
واهتدى “شاول” لأنه تذكر مقدرته في إقناع الأُمميين، ففتش عليه إلى أن وجده ودعاه إلى إنطاكية بهدف نشر الكرازة بالأخبار السارة إلى الأمم. وبعد سنة كاملة من الكرازة وتأسيس كنيسة انطاكية ” الكرسي الانطاكي المقدس” عام 42 مسيحية وجلس عليه بطرس الرسول (شريك بولس وبقية الرسل والمختارين في التأسيس) كأول اساقفته السنة في45مسيحية وكان هو اول بطريرك (شيخ العشيرة) على الكرسي الانطاكي المقدس.
سافر برنابا وشاول إلى المسيحيين في أورشليم للمرة الثانية ومعهما عطية مادية وتبرع للإخوة الساكنين في اليهودية لإعانتهم من القحط والجوع الذي كان متفشياً وكان ذلك (عام 44 م). ” وكان في أنطاكية في الكنيسة هناك أنبياء ومعلمون برنابا وسمعان الذي يدعي نيجر ولوكيوس القيرواني وماتاهين الذي تربي مع هيرودس وشقيقه بالرضاعة وبطرس رئيس الربع وشاول. وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما ” (أع 1:13-3) وقد كان ذلك دليلا على المساواة التامة بين الرسل إذ قبل الرسولان برنابا وشاول أن يضع التلاميذ الآخرون أيديهم عليهما.
وخرج الصديقان في رحلتهما المليئة بالمخاطر، والتي استمرت ثلاث سنوات. خرجا وقلبيهما يفيضان فرحاً لأن عليهما رسالة تلهبهما. ومما زاد فرح القديس برنابا أن ابن أخته يوحنا الملقب مرقس كان معهما خادماً. فقصد ثلاثتهم إلى قبرص موطن القديس برنابا. واجتازوا الجزيرة منادين بالكلمة. ووصلوا إلى بافوس “المدينة البيضاء” حيث دعاهم إليها الوالي سرجيوس بولس والتمس أن يسمع كلمة منهم. وكان إلى جانبه رجلاً ساحراً كذاباً يهودياً اسمه عليم الساحر. فقاومهم مستهدفاً إفساد الوالي عن الإيمان. ” أماشاول الذي هو بولس أيضا فامتلأ من الروح القدس وشخص إليه وقال أيها الممتلئ كلغش وكل خبث يا ابن إبليس يا عدو كل بِّرْ ألا تزال تفسد سبل الله المستقيمة. فالآن هوذا يد الرب عليك فتكون أعمى لا تبصر الشمس إلى حين. ففي الحال سقط عليه ضباب وظلمة فجعل يدور ملتمساً من يقوده بيده. فالوالي حينئذ لما رأى ما جرى آمن مندهشاً من تعليم الرب” فوبخه بعنف إلى حد أن جعله أعمى إلى حين. فامتلأ الوالي دهشة وآمن لتوه.” (أع 9:13-12) .
ومرت سنة اجتمعا خلالها في الكنيسة بأنطاكية وعلما أناساً كثيرين. “ودُعيَّ التلاميذ مسيحيين في أنطاكية أولاً”(أع26:11). اي أُطلقتْ عليهم تسمية “مسيحيون” لأول مرة في انطاكية وقبل اي مكان آخر،
وفي هذا كل الفخر لكنيسة انطاكية وكرسيها المقدس، يبدو أن المؤمنبن الأمميين هم الذي دعوهم بهذا الاسم، لأنه من المستحيل أن يكون هؤلاء هم اليهود الذين لم يؤمنوا بعد لأنهم صلبوا رب المجد وقاوموا رسله في كل مكان. ونحن، الآن في القرن الواحد والعشرين منذ بزوغ المسيحية، لا يمكننا أن نتصور ما أظهرته وأعطته المسيحية للإنسانية في القرون الأولي، فقد كانت لهم بشارة الإنجيل”الأخبار السارة ” مصدرا للسلام والطمأنينة والفرح والرجاء والمحبة.
ثم جاءت الدعوةالالهية للتبشير في الخارج (أع 13: 2-4) وبدأت رحلات هذا الرسول التبشيرية التي كان من نتائجها نشربشرى الخلاص في آسيا الصغرى والبلقان وايطاليا وأسبانيا. تنفيذا لوصية الرب الذي:”قال لهم اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلص. ومن لم يؤمن يدان. وهذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيات وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم ويضعون أيديهم علي المرضي فيبرأون.”(مر15:16-18). فاتجهوا من بافوس إلى برجة بمفيليا حيث فارقهما مرقس بعد خمس سنينمن الخدمة معهم، وكان لهذا الفراق أوخم العواقب. واستمرا هما في رحلتهما على الطريق الجبلي الصاعد إلى الداخل المليء بالمخاطر، وعبر مساقط مائية هادرة وممرات يرتعد الناس من مجرد المرور أمامها لكونها مغارات اللصوص وقطاع الطرق. ولا يعلم أحد ما أصابهما خلال الشهور الأولى. وما ذكره القديس بولس عن ذلك قوله: ” أخطار سيول وأخطارلصوص” في (2كو 26:11) كان إشارة إليها. وبعدها وصلوا إلى أنطاكية بيسيدية. وفي السبت دخلا المجمع. فطلب إليهما رئيسه أن يكلما الشعب . فقام القديس بولس وتكلم عن تحقيق النبوات عن المسيا المنتظر في السيد المسيح. أخيرا ألقى كلمة أذهلتهم جميعاً وجعلتهم يحبسوا أنفاسهم، وهي الحديث عن القيامة التي دعم الأنبياء حقيقتها أيضاً. فقال: “ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا. إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضاً في المزمور الثاني أنت ابني أنا اليوم ولدتك. إنه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضاً إلى فساد فهكذا قال إني سأعطيكم مراحم داود الصادقة. ولذلك قال أيضا في مزمور آخر لن تدع قدوسك يرى فساداً.” (أع32:13-35) فهذه القيامة هي أعظم دليل قدمه الله للناس. ولقد رأى السيد المسيح القائم عدداً كبيرا ًممن كانوا معه وهم شهوده الآن. واختتم هذا الخبر المذهل بتحذيرهم فانظروا لئلا يأتي عليكم ما قاله حبقوق النبي:” أنظروا أيها المتهاونون وتعجبوا واهلكوا. لأنني عملاً أعمل في أيامكم. عملاً لا تصدقون إن أخبركم به أحد”(حبق5:1). وهكذا تركهم يلهثون من انفعالاتهم.
وفي السبت التالي ازدحم المجمع حتى الباب. وقد حضر عدد كبيرمن الأمميين لأن القديس بولس أعلن أن السيد المسيح هو للجميع أمماً ويهود. وهذا أسخط غالبية اليهود الذين جاءوا وهم ممتلؤون حقداً وغيرة. وحالما وقف ليتكلم قاوموه بالمعارضة وبالتجديف. واحتملهم قدر الإمكان. ثم أسكتهم بإشارة قاطعة، فهو خلال ضجتهم اتخذ قراراً قوياً حاسماً، قراراً أحدث ثورة تامة في كنيسة المستقبل. وبكلمات متزنة بطيئة تهتز بالانفعال الداخلي أعلن “كان يجب أن تتكلموا أنتم أولا بكلمة الله. ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية هوذا نتوجه إلى الأمم. لأن هكذا أوصانا الرب” (أع 46:13- 47).
كان إعلان الرسول بولس أن السيد المسيح له المجد قد جاء للعالم أجمع وأن كل من يؤمن به رباً وفادياً ومخّلصاً يخلص ويكون مستحقا للحياة الأبدية. ففرح الأمم وكانوا يمجدون الله”، وآمن جميع الذين كانوا معينين للحياة الأبدية. وانتشرت كلمة الرب في كل الكورة ” (أع 48:13-49). فقام اليهود باضطهاد الرسولين بولس وبرنابا وأخرجوهما من تخومهم. بعدها ذهبا إلي إيقونية وكرزا في مجمع اليهود، فآمن جمهور كثير من اليهود واليونانيين. ولكن بعض اليهود أرادوا أن يرجموهما فهربا إلي مدينتي ليكأونية لستره ودربة وإلى الكورة المحيطة كارزين ومبشرين. في لسترة اختار بولس الرسول رفيقاً له تيموثاوس، وكانت مدينة لستره مزدحمة بالناس فوقف بولس يتكلم في ميدان عام. ووسط المستمعين تركز انتباهه على عينين مليئتين بالتطلع كان صاحبهما عاجز الرجلين مقعداً من بطن أمه ولم يمشِ قط. وإذ وجد الرسول بولس خلف هاتين العينين اليقظتين قلباً متفتح قال بصوت عظيم: “ قم علي رجليك منتصباً. فوثب وصار يمشي.”(أع 8:14-10). وذُهل الحاضرون ذهولاً جعلهم يصرخون: “إِن الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا إلينا“. ولشدة اقتناعهم بهذا أطلقوا على برنابا اسم “زفس” وعلى بولس اسم “هرمس“. وزادوا على ذلك أن أتى كاهن زفس بثيران ليذبحوها تقدمة لهما، وبأكاليل من الورود ليضعوها على رأسيها، لولا أن الرسولين منعاهم. وقالوا لهم: “نحن أيضاً بشر تحت الآلام مثلكم نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلي الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، فرجموا(2) بولس وجروه خارج المدينة ظانين أنه مات…ولكن إذ أحاط به التلاميذ قام ودخل المدينة وفي الغد خرج مع برنابا إلى دربه”(أع 15:14 ، 20-21). ثم غادرا دربه في اليوم التالي إلى أيقونية ومنها إلى أنطاكية. ولما اجتازا في بيسيدية أتيا إلى بمفيلية. وكرزا في برجة ثم توجها إلى أنطالية. ومن هناك إلي أنطاكية بحراً. ثم اتجها غرباً إلى ترواس التي التقى فيها الرسول بولس بالرسول لوقا الطبيب الذي صار رفيقه وصديقه إلى آخر أيام حياته، هذه الصداقة أغنت العالم كله بما سجله لنا الرسول لوقا من تحركات صديقه الرسول بولس في سفر أعمال الرسل. ثم انتقل الأصدقاء إلى تسالونيكي ولما حضروا وجمعوا الكنيسة، أخبروا بكل ما صنع الله معهما وأنه فتح للأمم باب الإيمان. وكان أن قوماً أتوا من اليهودية ونادوا بأن من لا يختتن لا يخلص. فحدثت مباحثة ومنازعة بين بولس وبينهم. ونظرا لإحتدام المعركة، قرر الكارزون الذهاب إلى الرسل والمشايخ بأورشليم من أجل هذا الأمر.” ولما حضروا إلي أورشليم قبلتهم الكنيسة والرسل فأخبروهم بكل ما صنع الله معهم، ولكن قام أناس من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين وقالوا إنه ينبغي على الأمم الداخلين بالإيمان أن “يختنوا ويوصوا بأن يحفظوا ناموس موسى.” (أع4:15-5).
إن الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية منذ نشأتها قد منحها الله القوة للتصدي لكل الصعاب والعقبات بفضل رسله الأطهار الذين أعطاهم الله الحكمة والفطنة وإرشاد الروح القدس، وبنعمته أصبح بولس الرسول الأداة لإتمام العمل اللازم وإنتشاربشرى الإنجيل. وهكذا تقرر أن يجتمع الرسل كلهم في أورشليم لدحض بدعة التهود قبل الدخول إلي المسيحية، التي كان ينادي بها بعض اليهود المتعصبين المتحولين إلي المسيحية في أنطاكية وكان بطرس مؤيداً.
انعقد المجمع الرسولي الأول في أورشليم برئاسة اخي الرب يعقوب الرسول أسقف أورشليم وأكبر الرسل سناً (3)، وقام القديس بطرس وقال ” أيها الرجال الإخوة أنتم تعلمون أنه منذ أيام قديمة اختار الله بيننا أنه بفمي يسمع الأمم كلمة الإنجيل ويؤمنون. والله العارف القلوب شهد لهم معطياً الروح القدس كما لنا أيضاً. ولم يميز بيننا وبينهم. بشئ إذ طهر بالإيمان قلوبهم… وبعد ما سكت الجمهور كله. وكانوا يسمعون بولس وبرنابا يحدثان بجميع ما صنع الله من الآيات والعجائب في الأمم بواسطتهم. وبعد ما سكتا أجاب يعقوب قائلا”: أيها الرجال الإخوة اسمعوني… لذلك أنا أرى أن لايثقل على الراجعين إلى الله من الأمم. بل سيرسل إليهم أن يمتنعوا عن نجاسات الأصنام والزنا والمخنوق والدم.”(أع 7:15- 20). ثم قرر المجمع الرسولي ارسال بولس وبرنابا ويهوذا الملقب برسابا وسيلا إلي أنطاكية مع رسالة مكتوب فيها ” قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة. أن تمتنعوا عما ذُبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعماً تفعلون.”(أع28:15-29). وكان بولس الرسول تخالف مع بطرس الرسول لمناداة الاخير بالختان لذا قد واجهه بشدة بقوله له:” انت لاتسعى مستقيماً نحوحقيقة الانجيل…”
وعندما قرأوا هذه الرسالة في أنطاكية وسورية وكليكية فرحوا ووجدوا فيها تعزية كبيرة. وليس من شك في أن الرسول العظيم بولس استخدم كل إمكانياته الروحية والذهنية في الدفاع عن حرية مجد أولاد الله التي اعطانا ايها الرب يسوع. وكانت مشيئة الله بأن عَمِلَ الروح القدس وأعلن رئيس المجمع الرسولي يعقوب اخي الرب صراحة بأن لا يثقلوا على الأمم بالختان، وهكذا انتهى نقاش المجمع الرسولي الأول المنعقد في أورشليم بروح المحبة والتقدير المتبادل بين المجتمعين، وبقبلة المحبة بين بولس وبطرس.
اتفق الرسولان بولس وبرنابا على السفر إلى كل بلد بشرا فيها قبلاً ليتفقدا أحوال المؤمنين بهذه البلاد. غير أنه حدث خلاف بين البشيرين لأن القديس برنابا أراد أن يأخذ معهما ابن أخته مرقس، الأمر الذي عارضه القديس بولس لأنه فارقهما في بمفيلية، بعدها افترق الرسولان بولس وبرنابا فأخذ القديس برنابا ابن اخته مرقس وذهبا إلى قبرص عن طريق البحر، بينما اصطحب القديس بولس رفيقه سيلا وعادا إلى سورية وكيليكية يشددان الكنائس. وسار العمل في هدوء وطمأنينة وتعايش اليهود والأمم في الحرية التي حررهم بها ربنا يسوع المسيح . ثم اتجها إلى دربة وبعدها إلى لسترة حيث التقى بولس بتلميذ اسمه تيموثاوس (أع 1:16) من أب يوناني وأم مؤمنة، وكان تيموثاوس مشهوداً له من الإخوة في لسترة وأيقونية بالإيمان والتقوى فأخذه معهما. ولم تطل زيارتهما للسترة، فقررا السفر غرباً فمرا بغلاطية مروراً عابراً حتي وصلا إلى ترواس التي فيها كان التقى القديس بولس بشخص صار رفيق عمره وصديق حياته وهو لوقا الطبيب المحبوب كما سماه هو فيما بعد. وقد كان لهذه الصداقة آثاراً كبيرة على الكنيسة لأنه أغناها وأثراها بما نحن عليه الآن، فقد سجل لنا جهاد الرسول بولس التبشيري في سفر أعمال الرسل وكان شاهداً اميناً لهذا الجهاد الموصوف.
تحرير المسيحية من اغلال اليهودية (الختان)
فجأة جاء من أورشليم بعض ممن كانوا لا يزالون متهودين. وبما أنه لم يكن في استطاعتهم الخروج على الإجماع الرسولي فقد صمتوا ولكنهم تعالوا على الآخرين وقاطعوهم واحتملهم القديس بولس حتي فاض به الكيل فلم يستطع الصمت حين رأى بطرس يتذبذب. وليست هناك أية إشارة إلى ما جرى آنذاك. ثم بعد ذلك بعشر سنوات رواها القديس بولس للغلاطيين في استماتته على تحرير المسيحية من أغلال الناموس. فجاءت رسالته هذه بوقاً للمعركة إذ وجد تأرجح أهل غلاطية. فقد ظل الخطر يتهدد الكنيسة عدة سنوات ، ولقد كان إنشقاق جحاب الهيكل لحظة موت المسيح علي الصليب إعلانا عن انتهاء الكهنوت اللاوي ولذلك نجد ان القديس بولس لم يهدأ ولم يستكين ولم يدع عمل الفداء الواسع النطاق أن يكسونه بوشاح الناموس الضيق، ولوقته لبس سلاح الله الكامل وواجه الخطر ببسالته المعهودة التي تصل إلي حد الموت من أجل الحق. ولكي ندرك السبب لعنف الصراع يجب أن نعرف أن الخطر كان يتهدد كيان الكنيسة كلها. فلو أن رسول الأمم انهزم لتحولت المسيحية إلى مذهب منحصر داخل حدود فلسطين وآل الى ملحق لليهودية، وما كانت قد قامت الكنيسة الجامعة الرسولية الممتدة من أقاصي الأرض إلى أقاصيها كما هي الآن.
أخذ الرسول بولس على عاتقه أن يوضح ويؤكد للغلاطيين أن الخلاص بالإيمان بالرب يسوع المسيح ابن الله الحي الفادي والمخلص وأنه ” ليس بأحد غيره الخلاص.” (أع 12:4)، وأنه لا يوجد خلاص بأعمال الناموس. وخصوصاً أن الوصايا التي أعطاها الله لموسى النبي أخذ الكهنة والكتبة والفريسيون يضيفون إليها إضافات تزايدت بمرور الزمن. وبتزايدها ماتت روح الوصية وتحولت إلى أوامر ونواهي ظاهرية شكلية حلت محل وصايا الله الحي. لذلك قال عنهم رب المجد: “ إنهميحزمونأَحمالاًثقِيلةعسرةالحمل ويضعونها علَى أكتافِ الناسِ وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم ” (مت4:23) واستكمل هذه الكلمات بثماني ويلات أولها ” لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون…” (مت13:23-36). كذلك أعلن لهم أنهم تركوا وصية الله وتمسكوا بكلام الناس،” لأَنكم تتركون وصية اللهِ وتتمسكون بِتقليد الناس” (مر8:7) والقديس بولس الذي درس وتبحر في دقائق الناموس عرف أن من استطاع أن ينفذها كلها حرفيا نال الخلاص، ومن لم يستطع هلك. فأصبح الله قاضياً قاسياً من الصعب حصر شرائعه ومن الصعب تنفيذها. وهو لذلك قال لبطرس قدام الجميع: “إن كنت وأنت يهودي تعيش أممياً لا يهودياً فلماذا تُلزم الأمم أن يتهودوا” وأضاف “انك لا تسعى مستقيماً الى حقيقة الانجيل.” وهكذا بدأ القديس بولس الصراع معهم عندما كان في أنطاكية لوضع حد يفصل بين المسيحية واليهودية واستمر يصارع في هذا السبيل مع الغلاطيين. وأكد لهم أن صليب ربنا يسوع المسيح قام حداً فاصلاً بين أعمال الناموس وبين الحرية التي حررنا بها السيد المسيح ليس فيها يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر ولا أنثى بل الجميع واحد فيه. وعندما كان في ترواس ” ظهرت لبولس رؤيا في الليل رجل مقدوني قائم يطلب إليه ويقول أعبر إلى مقدونية وأعنا” ( أع 9:16) واعتبر هذا نداء له من الروح القدس. وفي صباح اليوم التالي ابحروا إلي ساموثراكي ومنها إلي نيابوليس ثم فيلبي. وفي يوم السبت في فيلبي بحث الكارزون عن مجمع فلم يجدوا لأن القانون الذي وضعه الناموسيون طبقا للشريعة الموسوية (4) يحتم وجود الرجال لإقامة مجمع، ولكن الناموسيون سمحوا بالاجتماعات في أي مكان مناسب لإدراكهم أن الإنسان إن أهمل الصلاة سيتوه بعيداً عن الله. فأقام المبشرون إجتماعاً عند النهر فيه نادوا بكلمة الخلاص وكان الحاضرون بهذا الإجتماع كلهم من النساء وكانت من بين هؤلاء النساء ليديا بائعة الأرجوان فهي باكورة المؤمنين بالسيد المسيح في أوربة والتي اعتمدت هي وأهل بيتها. وقد استضافتهما في بيتها إذ قالت لهما ” إن كنتم قد حكمتم أني مؤمنة بالرب. فادخلوا بيتي وامكثوا. فألزمتنا”(أع15:16). فإن استضافة الغرباء دليل علي إيمانها الحي العامل بالمحبة. والدارس لسفر أعمال الرسل يرى واضحا أن الكرازة بدأت في أورشليم ومنها إلى المدن التي تشتت إليها الرسل في منطقتهم، حتى وصلت الكرازة إلي أنطاكية ثم باقي مدن آسيا الصغرى وكريت وقبرص وهما جزيرتان في البحر الأبيض المتوسط.
وبعد انتشار المسيحية في الشرق الأوسط واصل القديس بولس كرازته حتي وصل إلى شرق أوربة وأخيراً إلى رومية، وقد كانت كل تحركاته بإرشاد من الروح القدس.
رسـائلـــه
كتب القديس بولس الرسول 14 رسالة مجموع إصحاحاتها 100 إصحاح في حين أن مجموع إصحاحات إنجيل العهد الجديد كله 260 إصحاحاً. وقد اقتبس الرسول بولس من أقوال السيد المسيح له المجد في أربعة مواضع فقط هي (1كو10:7)، (1كو 14:9 )، (1كو23:11)، (1تس15:4)، وعموماً فإن رسائله تفيد بما لا يدع مجالا للشك بأنه كان على دراية كافية بتعاليم الرب يسوع المسيح وقصة حياته، وفيما يلي ما يثبت ذلك:
أولا لقد أعلن الرب يسوع بأن ملكوت الله حقيقة واقعة الآن، فقد نلنا الخلاص، من الخطية الجدية الموروثة بالمعمودية “من آمن واعتمد خلص” (مر16:16)، كما نلنا عطية الروح القدس وسكن فينا إلي الأبد بمسحة الميرون المقدس “وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلي الأبد” (يو16:14)، وأننا في انتظار اتمام الخلاص بالمجئ الثاني للرب يسوع المسيح للمجازاه.
كذلك نادى القديس بولس بنفس هذا المفهوم فقال “أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم” (1كو6: 19). وقد قبلنا المسيح ودُفنا معه في مياه المعموديّة وخرجنا منه إلى الحياة الجديدة، لذا يقول القديس بولس الرسول ” فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه”(كو2: 6). أيضاً ” لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح “( غل 27:3 ).
ثانياً أكد السيد المسيح له المجد على أهمية المحبة في تعاليمه حيث قال” تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها. تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء.”(مت 37:22). فمعظم تعاليم ربنا يسوع المسيح لها نظيرها في رسائل القديس بولس فقد أورد إصحاحاً كاملاً عن المحبة في الرسالة الأولى لأهل كورنثوس وهو الإصحاح الاول، وفي آخر آية منه يقول” أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة “(1كو13:13).
ثالثا أعلن ربنا يسوع المسيح عن علاقته بالله الآب في تعبير”ابن الله” (يو49:1)، وأيضا في تعبير”أبا الآب” (مر36:14) وهذا ما أكده القديس بولس الرسول أنه ابن الله. “وتعين ابن الله بقوة من حهة روح القداسة بالقيامة من الأموات.” (رو3:1-4) ، كذلك أبا الآب ” ثم بما أنكم أبناءٌ أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب”(غل 6:4)، (رو15:8).
رابعا تحدث ربنا يسوع المسيح مع تلاميذه عن آلامه وموته وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب، لكي تكمل النبوات. كذلك رسائل القديس بولس الرسول تظهر أهمية الصليب وموته وقبره وقيامته وصعوده إلى السموات، ومجيئه الثاني” وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب.” (في8:2)، كذلك ” لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته لعلي أبلغُ إلى قيامة الأموات”(في 10:3-11)، كذلك “مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم أيضا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات” (كو12:2)، “لكي يثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجئ ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه.”(1تس13:3) وكان يعلم أن الرب أرسل تلاميذه ليكرزوا لليهود أولا ثم بعد ذلك للأمم “لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع… فإن كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة.”(غل 26:3-29).
خامساً اكد ربنا يسوع المسيح في مثل العشار والفريسي(لو10:18-13) أن التبرير بالإيمان وليس بالأعمال، وهذا ما أوضحه القديس بولس أن تبرير الخطاة يكون بالإيمان وحده بدون الأعمال ” متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله”(رو25:3). وبعد الإيمان والتبرير تأتي الأعمال كقول معلمنا يعقوب ” إيمان بدون أعمال ميت ” (يع20:2) علي أن يكون الإيمان هو” الإيمان العامل بالمحبة “(غل6:5).”لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وان تعملوا من اجل المسره” (في13:2).
سادساً يتضح من الرسائل أن حياة ربنا يسوع المسيح وخدمته وهو علي الأرض وأقواله تسيطر على فكر بولس الرسول، فقد أشار بولس الرسول في (غل4:4) إلى ميلاد ربنا يسوع المسيح، وأنه من نسل إبراهيم (رو7:9) ومن نسل داود من جهة الجسد (رو3:1). والرسول بولس يعرف أن ربنا يسوع المسيح بلا خطيئة ” لأنه جعل الذي لم يعرف خطيئة، خطيئة لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه”(2كو21:5) وأنه مستعد أن يضحي بنفسه من أجل الآخرين (2كو9:8)، وكان يعرف الكثير عن حياة الرب في وداعته وحلمه ( 2كو1:10) وكذلك سر الإفخارستيا (1كو16:10).
من كل ما تقدم يتضح أن القديس بولس هو رسول ربنا يسوع المسيح له المجد وقد تم إختياره من قبل الأقانيم الثلاثة كل إقنوم على حده، وأنه رسول الجهاد الامين وكرس كل حياته لنشر الكرازة بمن اختاره رسوله الى الامم في كل المسكونة وإلى أقاصي الأرض، وأن رسائله الأربع عشرة تتوافق مع الأناجيل الأربعة لما بينهما من وحدة في التنوع. ولدراسة هذه الرسائل الأربع عشرة يلزم وقت طويل جداًاذ تحتاج كل رسالة منها إلي كتاب بمفرده، لأن المعرفة بالكتاب المقدس هي معرفة الرب يسوع المسيح فهو الفادي والمخلص، الحمل والراعي الصالح. لذلك سندرس بإختصار هذه الرسائل، حسب ترتيبها في الكتاب المقدس، ونضع عناوين بارزة عن السمات الرئيسة لمحتويات كل رسالة، لنُظهر كيف سلط بولس الرسول الأضواء على ربنا يسوع المسيح الذي بعد مرور قرنين من الزمان ما زالت تعاليمه ووصاياه تفي بمتطلعات وآمال ورجاء كل مسيحي في هذه الأيام بصرف النظرعن انتمائه الطائفي. فقد اوصانا الرب وقال “فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي” (يو39:5). و”الكتب” تعني العهدين القديم والجديد لأن ربنا يسوع المسيح قال لنا: ” لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أوالأنبياء. أنا ما جئت لأنقض بل جئت لأكمل فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتي يكمل الكل “(مت 17:5-18). كل رسالة من الرسائل ال13 الأولى تبدأ بالعنوان ثم اسم المرسل “بولس … ثم اسم “المرسل إليه” كقوله إلى “القديسين الذين في أفسس …”، ثم يعطي البركة الرسولية كقوله: “نعمة لكم وسلام … لأن النعمة هي التي تسندنا وتقوينا”، “لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم انما هو عطية من الله “(أف8:2) ، ثم يقدم الشكر لله من أجل الفضائل الثلاث العظمى في المسيحية وهي الإيمان والرجاء والمحبة ثم يختم الرسالة بإرسال السلام والتحية إلى بعض الأصدقاء، ما عدا الرسالة رقم 14 وهي الرسالة إلي العبرانيين فهي لم تشترك مع باقي الرسائل في بدايتها ولا ختامها بالبركة الرسولية المعتادة.
أولا الرسالة إلي أهل رومية
كتبت هذه الرسالة بيد فيبي خادمة كنيسة كنخريا من كورنثوس، والتي مكث الرسول بولس فيها سنتين في أواخر رحلته الكرازية الثالثة سنة 57م وقبل رجوعه إلى أورشليم (أع 3:20)، (رو 25:15)، (رو1:16)، لتشجيع المؤمنين من أهل رومية، وإبداء رغبته في زيارتهم، وعدد اصحاحاتها 16 اصحاح، وهذه الرسالة تعتبر أول كتاب مسيحي رآه مؤمنو رومية، والموضوع الرئيس في هذه الرسالة هو الخلاص “لأني لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن لليهود أولا ثم لليونانيين” (رو16:1). وقد بدأ كرازته في المجمع اليهودي بكورنثوس، وعندما رفض اليهود الإنجيل اتجه للكرازة بين الأمم المقيمين هناك، أثناءها كان يقيم في بيت تيطس يوستوس.
في الأصحاح الأول وجه القديس بولس السلام والتحية إلى جميع الموجودين في رومية، وهي الصيغة التي اتبعها في كل رسائله، فيذكر أولا اسم كاتبها ” بولس عبد ليسوع المسيح “، ثم يذكر القراء وبعدها التحية (رو7:1). وقد تنوعت هنا هذه الصيغة لأنه كان يخاطب كنيسة لم يؤسسها(5) ولا حتى قام بزيارتها قبل كتابة هذه الرسالة. وكان كمن يقدم أوراق اعتماده لأهل رومية “بولس المدعو رسولا المفرز لإنجيل الله”، وقوله “المفرز” تعني استجابة الإنسان للإختيار الإلهي. موضحاً أن هذا اختياراً إلهياً ودعوة للرتبة الرسولية “لا من الناس ولا بإنسان (غل1:1)بل باعلان الروح القدس”.
أعلن بولس الهامة أن ربنا يسوع المسيح قد “تعين ابن الله بقوة من جهة القداسة بالقيامة من بين الأموات. يسوع المسيح ربنا الذي به لأجل اسمه قبلنا منه رسالة لإطاعة الإيمان في جميع الأمم الذين بينهم أنتم أيضا مدعوون بيسوع المسيح”(رو 4:1-7). كما أعلن ولاءه للإنجيل بقوله”لأن فيه اعلان بر الله بالإيمان كما هو مكتوب أما البار فبالإيمان يحيا” (رو17:1)، وهذا يوضح أن التبرير بالإيمان وحده وليس بالأعمال. وقد وصف القديس بولس الديانة الوثبية بالفجور والأخلاق الوثنية بالشر كما أعلن أن” غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحتجزون الحق بالإثم. إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهرها لهم. لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مُدرَكة بالمصنوعات قدرته السرمدية حتي أنهم بلا عذر.”(رو18:1-20). لأنهم كانوا يعبدون الحجر والشجر، الشمس والقمر والنجوم والنار وكانوا يقدمون الذبائح الحيوانية لها، وقد كان الوثنيون سطحيين في فلسفاتهم، ففضلوا الفكر البشري الفاسد على الإعلان الإلهي، لأن الناموس الطبيعي مكتوب في ضمائر الناس الذين خلقوا جميعا علي صورة الله، لذلك أعلن لهم أن الله أسلمهم إلى النجاسة (رو24:1)، واسلمهم الله الى أهواء الهوان(رو26:1)، وأسلمهم الله إلى ذهن مرفوض (رو28:1)، وهذا يؤكد التخلي الإلهي عنهم وهو تخلي تأديبي.
في الأصحاح الثاني أشاربولس إلى أمرين يفتخر بهما اليهود وهما الناموس والختان (رو17:2- 29)، علما بأنهم لم يطيعوا الناموس ولم يكونوا مختوني القلوب، فبعد أن كانوا مختاري الله وكانت التوراة عطية من الله لهم، ضلوا واعتبروا الإمتلاك بدون الإيمان بالرب يسوع الذي تحدث عنه جميع الأنبياء بالعهد القديم، وأشارت عليه بقية أسفار موسى، واعتبروا أنهم سلالة بشرية متميزة عن باقي الشعوب لأنهم بحيازتهم للناموس ظنوا أنهم يعرفون مشيئة الله. وأوضح أن الجنس البشري كله مذنب لاعذر له(رو18:1).
في الأصحاح الثالث ” كما هو مكتوب أنه ليس بار(6) ولا واحد. ليس من يفهم. ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معاً. ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد”(رو10:3-13)، وأن تبريرنا لا يمكن الحصول عليه إلا بالإيمان ” وأما الآن فقد ظهر بر الله…” (رو21:3-31).
في الأصحاح الرابع أوضح القديس بولس أن التبرير مجاني بنعمة المسيح وهي ذبيحته الكفارية عن خطايانا، والإيمان هو الوسيلة للتبرير بعد اتحادنا بالمسيح من خلال المعمودية في موته المؤدية للغفران، ودم المسيح الذي سال علي الصليب كان هو الثمن لتغاضي الله عن خطايا الإنسان وشروره.
في الأصحاح الخامس استشهد بأن التبرير مجاني بنعمة المسيح بأبينا إبراهيم “فآمن إبراهيم بالله فحُسب له بِراً “(رو3:4). ونحن الآن “إذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضاً صار لنا الدخول بالإيمان إلي هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد أولاد الله.”(رو1:5-2) فنحن الآن في عهد النعمة، ونفرح ونفتخر لإشتراكنا في مجد الله. وبلباقة وحكمة بالغة يقارن القديس بولس الرسول بين نوعين من البشر، الأول بشر خطاة والثاني بشر مبررون بالإيمان(رو12:5-21).
في الإصحاح السادس ينتهر الرسول المشككين بالإنجيل موضحاً لهم أن المؤمنين أحرار من سلطان الخطيئة، فهل من المعقول بعد اتحادنا بالمسيح من خلال المعمودية في موته نحن الذين متنا عن الخطيئة، كيف نعيش بعد فيها. لأن غفران الله لنا بموت ابنه لا يقلل من بشاعة الخطيئة ولا يجب أن نستهين بالثمن الذي دُفع عنها، لذلك وجب علينا اذا أخطأنا، لضعفنا البشري، بالإعتراف بخطايانا لله أمام أب الإعتراف لطلب مغفرة الله وأخذ الحل، ” فشكراً لله إنكم كنتم عبيداً للخطيئة ولكنكم أطعتم من القلب صورة التعليم التي تسلمتموها وإذأ أعتقتم من الخطيئة صرتم عبيداً للبر”(رو17:6-18).” لأن أجرة الخطيئة هي موت. وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا “(رو23:6).
المعمودية بالتغطيس في الماء ثلاث مرات لها معنى رمزي فالتغطيس ثلاثاً يعني دفن المخلص في القبر وقيامته في اليوم الثالث.
وإن عمادنا بيسوع المسيح معناه اتحادنا به في دفنه وفي قيامنه من بين الأموات في اليوم الثالث” انتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح فد لبستم هللويا”.
والدفن هنا هو اثبات حقيقة موت السيد ودخوله القبر. وموت السيد له المجد على الصليب كان كفارة عن البشر أبطلت عنهم الخطيئة الجدية الموروثة (1بط18:3)، ” لأنه قد مات عن الخطيئة مرة اما الحياة التي يحياها فيحياها لله. كذلك أنتم أيضا احسبوا أنفسكم أمواتا للخطيئة وأحياء لله بيسوع المسيح ربنا.”(رو10:6-11) . ثم يقدم لنا النصح والإرشاد فيقول “لا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطيئة بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله . فإن الخطيئة لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة.”(رو13:6– 14).
في الأصحاح السابع يرد القديس بولس على الانتقاد بأن الناموس موجه له اللوم بسبب الخطيئة، ولكنه اي بولس الرسول يرد على ذلك بأن الناموس روحي ويلقي باللوم علي جسدنا القابع تحت الخطيئة وطبيعتنا البشرية الساقطة (رو14:7). ثم يوضح أن الشريعة ليس لها قوة لخلاص ابناء الامم. ولا خلاص لمن يحفظ الشريعة (رو15:7-22)، ولاعلى خلاص الإنسان الذي حصل على طبيعة جديدة لأن ناموس الخطيئة كائن في أعضائه (رو23:7-25) فالكل محتاج إلي الجهاد ضد الخطيئة في كل أيام حياته.
في الأصحاح الثامن يرسم القديس بولس الرسول معالم السلوك المسيحي الذي فيه تنتصر النعمة على الناموس ، وبها يجد المؤمنون الخلاص من الخطيئة، موضحاً أننا بالروح القدس الساكن فينا نستطيع أن نميت أعمال الجسد فنحيا (رو13:8).
فالروح القدس هو روح التبني الذي به نصرخ “يا أبا الآب لأننا صرنا أولاد الله وورثة لله مع المسيح” (رو15:8-16). أيضا الروح يعين ضعفاتنا ويشفع فينا بأنات لا تُوصف ولا ينطق بها (رو26:8). كذلك المسيح الجالس عن يمين الله يشفع فينا(رو34:8)، “فيعظم انتصارنا بالذي أحبنا” (رو37:8). ويؤكد أنه “لا يوجد في العالم أي شئ يستطيع أن يفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا”(رو39:8).
في الأصحاح التاسع أوضح بولس الرسول أنه لم ينسى الخليط العرقي في كنيسة روما من اليهود واليونانين كما أبدى اهتماماً بالغاً ومحبة قوية بمواطنيه من اليهود فبدأ الأصحاح كعادته بعبارة عاطفية تظهر اشتياقه لخلاصهم، وعدم نسيانه لأصله اليهودي تضمنها قسمه المقدس بقوله: “أقول الصدق في المسيح”. مظهراً محبته لأبناء عشيرته فلم يستحي أو يخجل من أن يدعوهم “إخوتي أنسبائي بحسب الجسد”، مظهراً افتخاره بهم لأن لهم “التبني والمجد والعهد والاشتراع والعبادة والمواعيد. ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد آمين”(رو4:9 – 5). وبذلك تسنى له أن يتناول الموضوع اللاهوتي الأساس وهو رفض الشعب اليهودي للمسيح المسيا الذي ينتظرونه، موضحاً أن دخول الأمم كان يتناسب مع خطة الله. ثم دافع الرسول بولس عن وفاء الله لعهده على أساس أن مواعيده “لم تكن لكل نسل أبو الآباء يعقوب، ولكن للبقية المختارة من اليهود”.
في الأصحاح العاشر أرجع القديس بولس عدم إيمان بني إسرائيل إلى تكبرهم وجهلهم وعنادهم. “لأنهم إذ كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن ‘يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله. لأن غاية الناموس هي المسيح، البر لكل من يؤمن” (رو3:10-4). موضحاً “لأنك إن اعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت” (رو9:10).
في الأصحاح الحادي عشر أعلن بولس الرسول أن خطيئة بني إسرائيل ليست شاملة، لأنه يوجد منهم قلة مؤمنة، وأنه سيأتي الوقت الذي فيه يكون كل اليهود والأمم مجتمعين تحت راية الإيمان المسيحي، “فإن القساوة قد حصات جزئياً لإسرائيل إلى أن يدخل ملء الأمم وهكذا سيخلص جميع إسرائيل.” (رو25:12-26). ثم ينهي الأصحاح بتسبحة شكر وحمد لله على عمق غناه ومحبته وحكمته وعلمه (رو33:11-36).
في الأصحاح الثاني عشر تكلم الرسول بولس عن سلوك المبررين بالإيمان في هذا الأصحاح وأكمله في الثلاثة أصحاحات التالية، ويدعو إلي تقديس الجسم والعقل معا بتجديد الأذهان، وألا نشاكل أهل هذا العالم، بل نتغير طبقا لمشيئة الله المقدسة. ولخص مشيئة الله المقدسة الخاصة بعلاقاتنا، والتي تتغير بشكل جذري بواسطة الإنجيل ونعمة يسوع المسيح ربنا، في النقاط التالية
أولاً علاقة المبرر بالله (رو1:12-2).
ثانيا علاقة المبرر مع نفسه من جهة المواهب الروحية (رو3:12-8).
ثالثا علاقة المبررين ببعض برباط المحبة المسيحية (رو9:12-16).
رابعا علاقة المبررين بمن حولهم من فاعلي الشر، مع عدم الإنتقام لأنفسهم (رو17:12-21).
خامسا علاقة المبررين بالدولة وأنه يجب الخضوع للرؤساء والسلاطين (رو1:13-7).
سادسا الاستعداد لملكوت السموات (رو 8:13-14).
سابعا علاقة المبررين بالضعفاء في الإيمان من اليهود والأمم وعدم ادانة أي إنسان، بل قبولهم في الكنيسة (رو1:14- رو13:15).
ثامنا خدمة القديس بولس للأمم (رو14:15-22).
بذكاء وبراعة امتدح القديس بولس نضج أهل رومية الروحي وبأنهم “مشحونون صلاحاً”(رو14:12) مذكراً إياهم بالحقائق التي تعلموها من قبل، واصفاً تفويضه الإلهي ليكون “خادما ليسوع المسيح لأجل الأمم مبشراً بإنجيل الله، ككاهن ليكون قرباناً للأمم مقبولاً مقدساً بالروح القدس”(رو16:12)، أي ذبيحة مقدسة. مشيرا إلى عمله الممتد من أورشليم وما حولها إلى الليريكون وهي مقاطعة رومانية تدعي “يوغسلافيا” قبل تفككها، كذلك مقاطعة مقدونية الرومانية علي الشاطئ الشرقي لبحر الادرياتيك. وقد أظهر القديس بولس أنه رائد في الكرازة ولم يكن بانياً على أساس آخر(رو20:12).
تاسعا خدمة القديس بولس لليهود (رو23:15- 33).
في الأصحاح السادس عشر يشتمل هذا الأصحاح الأخير من الرسالة إلى أهل رومية تحيات القديس بولس الخاصة إلى عدد من الشخصيات التي ذكر أسماءها في ختام الرسالة تضمنت أخباراً عن خططه لرحلاته التبشيرية، كما حذرهم من المعلمين الكذبة، وتسبحة تشير إلى إنجيل المسيح وإرسالية الله، والكرازة للأمم مع دعوة لإطاعة الإيمان(رو1:16-27)
ثانيــا الـرســـالتان الأولـى والثانية إلى أهـــل كورنثوس
ذهب القديس بولس إلي كورنثوس قادما من أثينا (أع1:16) سنة 55 م فكرز فيها 18 شهراً أثناء رحلته التبشيرية الثالثة بناء علي رؤيا بالليل له من الرب يسوع (أع9:18 ، 11).
كانت كورنثوس ميناءً بحرياً ومركزاً للتجارة وحركة المواصلات وكانت جسراً برياً، ولذلك كان لموقع المدينة الاستراتيجي أهمية بالنسبة لنشر الإنجيل ولولادة الكنيسة، فسهولة الدخول والخروج للقادمين من جميع أنحاء العالم باختلاف اجناسهم وطبقاتهم ساهم في نشر الكرازة، كما أنها كانت في مأمن من الإضطهاد لأن معظم أعضاء الكنيسة كانوا من الأمم وكان بينهم عددٌ ليس بكثيرمن اليهود (أع4:18-8). كان السبب في انتشار الفجور والرزيلة في كورنثوس هوعدم معرفة أهلها بوصايا الله وتعاليمه في أسفار العهد القديم. وقد اتخذ الحاكم الروماني مدينة كورنثوس مقرا له وعاصمة إدارية لاقليم أخائية الذي يشمل كل بلاد اليونان جنوب مقدونية.
الرسالة الأولى إلي أهل كورنثوس عدد أصحاحاتها 16 تتناول مجموعة متنوعة من الموضوعات المختلفة، فقد واجه القديس بولس بكل حزم مشاكل الاضطرابات والانقسامات في الكنيسة (1كو1:1- 1كو20:6). كما قام بالرد علي أسئلة شعب الكنيسة، فيها تناول كل موضوع بعناية وقد تضمنت هذه الرسالة تعاليم بشأن الزواج المسيحي (1كو1:7-40)، وتعاليم بشأن الحرية المسيحية (1كو1:8-1كو1:11)، وتعاليم بشأن العبادة الجماعية والتصرف اللائق يها (1كو2:11-1كو40:14)، وتعاليم بخصوص القيامة (1كو1:15-58)، مبرزاً القيم الكتابية العقائدية والأخلاقية والاجتماعية التي يجب أن تقود تصرفاتنا كمسيحيين (1كو1:16-24). والرسالة الثانية إلي أهل كورنثوس عدد أصحاحاتها 13 تتناول مجموعة من اختبارات بولس الأخيرة ( 2كو1:1- 2كو17:2)، خدمة بولس (2كو1:3-2كو16:7)، تقدمة المحبة للمسيحيين المتضررين من الاضطهاد في أورشليم (2كو1:8-2كو15:9)، السلطان الرسولي لبولس (2كو1:10-2كو14:13).
في هاتين الرسالتين سلط الرسول الهامة الأضواء على أهمية الخلاص إذ يقول: “وأعرفكم أيها الإخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وتقيمون فيه وبه أيضا تخلصون …” (1كو1:15)، كذلك”هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص”(2كو2:6).
الرســـالة الأولـــي إلي أهــل كـورنثـــوس
في الأصحاح الأول كعادة القديس بولس يبدأ رسالته بذكر اسمه ككاتب للرسالة “بولس المدعو رسولاً بمشيئة الله” وبعدها يذكر اسم مستلم الرساله “سوستانيس” ثم التحية للكنيسة المرسل لها الرسالة ” كنيسة الله التي في كورنثوس”. ونجد أن كل كلمة من كلمات الافتتاحية تعطينا معني روحياً مسيحياً، مثل “المدعو” اي المعين من الله لحمل الكرازة للأمم (أع15:9، رو15:15) موضحا سلطانه الإلهي ليرد علي بعض الكورنثيين المشككين في رسوليته، مدافعاً عنها بقوله ” ألست أنا رسولاً. ألست أنا حراً .أما رأيتُ يسوع المسيح ربنا. الستم أنتم عملي في الرب”(1كو1:9). ثم يطلق عليهم لقب ” القديسين ” أي المعينين للقداسة والطهارة بفعل وعمل الروح القدس، ثم يصفهم ب “المقدسين” أي المفرزين من الله، “المدعوين قديسين ” أي الذين دعيوا وقبلوا أن يكونوا مسيحيين بطاعة الإيمان الذي بشروا به ليكونوا شعباً مقدساً لله . ويهديهم النعمة والسلام من الله، فالنعمة هي أساس الحياة المسيحية، والسلام هو السلام نتيجة فداء المسيح للمؤمنين.
نجد القديس بولس يستخدم بعض المصطلحات ومتضاداتها مثل القوة من خلال الضعف، “قوتي في الضعف تكل” والحكمة من خلال الجهالة كقوله “لأن جهالة الله أحكم من الناس. وضعف الله أقوي من الناس” (1كو25:1) .
في الأصحاح الثاني أوضح القديس بولس أنه ” اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجود” (1كو27:1-28)، موضحا أن الحكمة الحقيقية هي التي أعلنها الله بوحي من الروح القدس (1كو6:2-16).
في الأصحاح الثالث قدم لنا القديس بولس مفهوماً ثلاثياً عن الكنيسة باعتبارها حقل الله، والله هو الذي يفلحه، وانها كمبنى لله حجر الأساس فيه هو المسيح، وأنها هيكل الله والروح القدس يسكن فيه.
في الأصحاح الرابع يقدم لنا فيه صورة الرعاة التي هي صورة للرسول بولس نفسه، فهم خدام للمسيح، ووكلاء سرائر الله، وكأقذار العالم، وآباء عائلة الكنيسة، وأن هذه النماذج ما هي إلا مثال للاتضاع والتواضع (1كو10:4-16).
في الأصحاح الخامس يقدم الرسول بولس تعليماً رسولياً عن التأديب الكنسي للمخطئين أخطاءاً جسيمة مثل “سفاح ذي القربى” (1كو1:5-13)
في الأصحاح السادس يقدم النصح والإرشاد بعدم تقاضي المؤمنين المسيحيين بعضهم لبعض أمام المحاكم المدنية (1كو1:6-11)، كما أدان الزني ” ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح.”(1كو15:6) ، “أم لستم تعلمون أن جسدكم هوهيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم. لأنكم قد أشتريتم بثمن. فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله.” (1كو19:6-20).
في الأصحاح السابع يجيب علي الأسئلة الموجهة اليه وقد أثارتها رسالة مقدمة من أهل كورنثوس عن مشاكل الزواج (1كو1:7-40)، اجاب فيها علي ستة أسئلة.
في الأصحاح الثامن يتناول موضوع “هل بوسع المسيحي أن يشتري ويأكل لحوم سبق أن ذبحت وقدمت للأوثان قبل بيعها في محلات الجزارة ؟ وهل هذه اللحوم من الناحية الطقسية تعتبر نجسة؟”
أجاب الرسول بولس بأنه لا يوجد سبب يمنع من أكلها وأنها ليست لحوم نجسة، وأعلن بقوة أنه لا يوجد سوى إله واحد وأن الأوثان ليست آلهة، ولكن علينا أن نتصرف بحكمة نحو المسيحيين حديثي الإيمان حتي لا نكون سبب عثرة لهم كقوله “إن كان الطعام يشكك أخي فلن آكل لحما إلى الأبد لكي لا أعثر أخي”(1كو13:8)، وبذلك وضع مبدأً وهو أن المعرفة تأتي بالحرية ولكن المحبة تضع حدودا لها، فالمحبة أعظم من المعرفة (1كو1:8).
في الأصحاح التاسع دافع الرسول بولس عن رسوليته لأنه رأى المسيح المقام وهو شرط من شروط الرسولية ، وله الحق في أن يتزوج ويلقي الدعم والمساعدة، وان ناموس العهد القديم يقول “لا تكم ثوراً دارساً”(تث4:25)، “الفاعل مستحق أجرته” (لو7:10).
في الأصحاح التاسع ذاته ذكر الرسول بولس أنه كما علم الرب يسوع بأن “الذين ينادون بالإنجيل من الإنجيل يعيشون” (1كو14:9)، موضحاً أنه لم يستعمل هذا السلطان وتنازل عنه، فقد كان يكرز ويعمل في صناعة الخيام لسد حاجته وحاجة الذين يعملون معه. كما قال “ويل لي إن كنت لا أبشر” (1كو16:9).
في الأصحاح العاشر قدم الرسول بولس تحذيراً عن وجوب العبادة الكنسية الحقيقية وليست العبادة الكنسية الشكلية ضارباً المثل ببني اسرائيل بقوله ” آباؤنا جميعهم كانوا تحت السحابة وجميعهم اجتازوا في البحر وجميعهم اعتمدوا لموسى في السحابة وفي البحر وجميعهم أكلوا طعاماً واحداً روحياً وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً. لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح. لكن بأكثرهم لم يسر الله لأنهم طرحوا في القفر” (1كو1:10-5). فلا يجب أن نشترك في جسد الرب ودمه وأيضا نشترك في الولائم والذبائح الوثنية “لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشيطان” (1كو21:10).
في الأصحاح الحادي عشرتطرق إلي بعض التعاليم اللاهوتية علي أن العلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون كالعلاقة بين الله والمسيح في المساواة، ولكن الرئاسة تكون ” راس كل رجل هو المسيح وأما رأس المرأة فهو الرجل. ورأس المسيح فهو الله”(1كو3:11) . ثم تكلم عن قدسية سر الإفخارستيا محذراً من التناول من هذا السر العظيم بدون استحقاق “لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميزجسد الرب “(1كو27:11).
في الأصحاح الثاني عشر يوضح بضرورة قبول الروح القدس:”ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس”(1كو3:12)، ثم تحدث عن مواهب الروح القدس التسعة (1كو5:12-30) ثم قدم النصح والإرشاد بقوله: “ولكن جدوا للمواهب الحسنى. وأيضا أريكم طريقا أفضل.”(1كو31:12).
في الأصحاح الثالث عشر أوضح الرسول بولس ان هذا الطريق الأفضل هو المحبة وأن المحبة أعظم من التكلم بألسنةٍ وأعظم من النبوة وأعظم من المعرفة والإيمان وأعظم من عمل الإحسان.(1كو1:13 -3)، وأن” المحبة لا تسقط أبدا”(1كو8:13)، مؤكداً “أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة”(1كو13:13).
في الأصحاح الرابع عشر بدأ يركز على إتّباع المحبة… ونصح بأن يجّدوا(يعملوا بجدٍ) بالمواهب الروحية وبالأولى “التنبؤ لأنها أكثر فائدة من التكلم بألسنة”(1كو1:14-3)، وهذا يتفق تماما مع مبدأ”اطلبوا لأجل بنيان الكنيسة أن تزداد”(1كو12:14).
في الأصحاح الخامس عشر قدم الرسول بولس شرحاً رائعاً للإنجيل الذي يعمل على توحيد الكنيسة أكثر من أي شئ آخ، ويُذّكِّرْ أهل كورنثوس أن هذا الإنجيل الذي بشرهم به وقبلوه ويقيمون فيه وبه أيضاً يخلُصون هو الرسالة المعترف بها وطالبهم أن يثبتوا فيه. هذا الإنجيل هو التعليم الذي قَبِلَهُ هو شخصياً، وأنه طبقا للتقليد الرسولي” فإني سلمت إليكم في الأول ما قبلته وتسلمته أنا أيضا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. وأنه ظهر لصفا ثم للإثني عشر وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ أكثرهم باقٍ إلى الآن ولكن بعضهم رقدوا. وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين. وآخر الكل كأنه للسَقطْ ظهر لي أنا. لأني أصغر الرسل أنا الذي لست أهلاً لأن أُدعى رسولاً لأني اضطهدت كنيسة الله” (1كو3:15-9). لقد ذكر الرسول أربعة أحداث هامة يتكرر ذكرها في العهد الجديد وهي موت المسيح ودفنه في القبر وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب وظهوراته. كان دفن السيد المسيح في القبر إثباتاً ودليلاً على حقيقة موته، وكانت قيامته في اليوم الثالث تحقيقاً لنبؤات العهد القديم (هو2:6)، (مز9:16)، وكانت ظهوراته وعددها 11 ظهوراً تأكيداً لقيامته.
وقد تناول الرسول بولس خمسة ظهورات رئيسة فقط (ليس فيها ذكر لظهوراته للنساء) واضعاً ظهور السيد المسيح له وهو في الطريق إلى دمشق في نهاية القائمة لأن هذا الظهور كان استثنائياً وحدث بعد صعود السيد المسيح إلي السماء، ولكن ذكره الرسول بولس كمؤهل ودليل علي صدق رسوليته. ثم تكلم عن من ينكرون قيامة الأموات، لأن غالبية اليونانين لم يكونوا يؤمنون أن أجساد الناس ستُقام بعد الموت، وكان الفلاسفة اليونانيون يرون أن الإنسان عندما يموت فإن جسده يُدفن ويتحللْ ولكن تبقى النفس خالدة وهي التي تدخل الحياة الأبدية. اما الكتاب المقدس فيعلمنا أن النفس والجسد سيتحدان معا في القيامة العامة يوم الدينونة في المجئ الثاني لرب المجد يسوع، وهذا ما دعى الرسول بولس أن يذكر ثانية المسائل الجوهرية بالإنجيل، مبينا حقيقة قيامة السيد المسيح المؤكدة تاريخياً (مز10:16) وأنه “صار باكورة الراقدين”.(1كو16:15-24). وأن الموت بالنسبة للمؤمنين هو رقاد (1كو20:15-23). ففي آدم نائبا عن البشرية يموت الجميع، وفي المسيح الإنسان المقام، يُقام جميع المؤمنين المسيحين(رو17:5-19)، ثم تطرق إلى الكلام عن طبيعة جسد القيامة وتساءل كيف يقام الأموات وبأي جسد يأتون؟ ويجيب على هذا التساؤل في(1كو36:15-50)، ويوضح لنا أن الذين علي قيد الحياة عند المجئ الثاني للمسيح سوف يتغيرون في لحظة، في طرفة عين، وأننا نحن الأموات في المسيح سنقوم عند البوق الأخير وسنلبس أجساداً ممجدة لا تجوع ولا تعطش ولن تمرض أو تموت وليس فيها تشوهات أو معوقات لتلائم الحياة الأبدية الجديدة، “لأنه في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء”(مت30:22) وبذلك يبتلع الموت إلى غلبة(1كو51:15-57). وفي نهاية الأصحاح يقدم النصح والارشاد للكورنثيين الأحياء بأن يكونوا راسخين وغير متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين لأن تعبهم ليس باطل في الرب.
في الأصحاح السادس عشر يذكر القديس بولس بعض النواحي العملية التي لها قيمتها بالنسبة لكل مسيحي، فقد كان المسيحيون في أورشليم يعانون من الفقر والمجاعة بسبب الإضطهاد الواقع عليهم. فقام الرسول بولس بتشجيع الكورنثيين المسيحيين بأن يضع كل واحد منهم في الكنيسة قدراً معيناً من المال كل اسبوع كتبرع لللإخوة المؤمنين المتضررين في أورشليم حتي يحضر الرسول بولس إلى كورنثوس ليأخذها ويسلمها للكنيسة التي في أورشليم (1كو1:16-4). كما قدم لهم القديس تيموثاوس ومع أنه كان شاباً إلا أنه حث الكنيسة في كورنثوس علي الترحيب به عند حضوره لأنه كان ” يعمل عمل الرب كما أنا أيضاً” (1كو10:16) لأن عمل الرب غير مرتبط بالعمر. وبينما كان الكورنثيون ينتظرون زيارة الرسول بولس لهم ، وجه أنظارهم إلي ضرورة الحذر من المخاطر الروحية، وأن يكونوا ثابتين في الرب، ورجالاً ناضجين في سلوكهم وأقوياء وكل ما يفعلوه يكون في رفق ومحبة (1كو13:16-4 1 ). وإنني أعتقد أننا اليوم يجب علينا أن نتبع هذه التوصيات ونحن ننتظر مجئ الرب يسوع المسيح الذي أصبح قريبا جداً.
كان أكيلا وزوجته بريسكلا يعملون في صناعة الخيام التقى بهم الرسول بولس في كونثوس (أع1:18-3) وقد تبعا الرسول بولس إلى أفسس، وكانا يعاونانه في الكرازة بالرب يسوع (رو3:16-5) وقد تطوعا علي استخدام منزلهما للعبادة الكنسية (رو5:16) وكانا شجاعين وعلى معرفة قوية بالتعليم المسيحي (أع26:18)، (1كو19:16).
دعى الرسول بولس الحاضرين في الكنيسة أن يسلموا بعضهم علي بعض بسلام القبلة المقدسة في نهاية الصلاة لأنها تزيد الترابط والوحدة بينهم. كان الرسول بولس يملي رسائله علي من يكتبها له، وفي نهايتها يكتب بيده بخطٍ كبير”أنا بولس بخط يدي” ليبين صحة الرسالة (2تس16:2)، ثم يختتم رسالته بإرسال محبته للجميع، ثم يذكرهم ب “ماران أثا” أي “ربنا تعال” بالأرامية لغة الكنيسة الأولي في فلسطين، وهذا يعبر عن الشوق لمجئ الرب يسوع.
الـرســـالة الثـانيـــة إلي أهـــل كـورنثـــوس
كتب القديس بولس الرسول هذه الرسالة الثانية بعد عام تقريباً من كتابته الرسالة الأولى. هذه الرسالة هي أكثر رسائله التي توضح سماته الشخصية، ففيها قام بالدفاع عن نفسه وعن زملائه ضد الانتقادات الكثيرة التي وجهها له الذين يعتقدون أنهم رسل ومعلمون متفوقون (2كو5:11)، مع أنهم ” ليسوا رسلا بينما هم معلمون كذبة ” (2كو13:11)، ذاكراً بدقة بالغة الشروط الواجب توافرها في الخدام المسيحيين الحقيقيين.
في الإصحاح الأول ذكر بولس سلطانه كرسول للمسيح بقوله:” أنه رسول يسوع المسيح { فهو معين كرسول له بمشيئة الله }، وأن تيموثاوس أخ وزميل مؤمن معه، موضحاً أن هذه الرسالة موجهة إلي كنيسة الله التي في كورنثوس مع جميع القديسين الذين في جميع أخائية ثم يهديهم النعمة والسلام مقتبساً قول الرب لموسى كيف يبارك هرون وبنيه بني إسرائيل (عد 24:6)، ثم يذكر بعض ضيقاته وآلامه ومتاعبه، مسبحاً ومباركاً الله أبو ربنا ووإلهنا يسوع المسيح أبو الرأفة وإله كل تعزية الذي يعزينا في كل ضيقاتنا موضحاً أنه ” كما تكثر آلام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضا” (2كو5:1). وتعبير{كما … كذلك } تشير إلى الآلام التي يحتملها المسيحيون نتيجة إيمانهم وإتحادهم بالرب يسوع المسيح (أع15:9-16)، ثم قام بالرد على الانتقادات ودافع عن تغيير خططه فقال: ” لأن فخرنا هو شهادة ضميرنا أننا في بساطة وإخلاص الله لا في حكمة جسدية بل في نعمة الله تصرفنا في العالم ولا سيما من نحوكم.” (2كو12:1). مؤكداً لهم ” أن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله. الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا “(2كو21:1-22).
في الإصحاح الثاني يذكر أنه اتخذ قراراً في نفسه “أن لا آتي إليكم في حزن. لأنه إن كنت أحزنكم أنا فمن هو الذي يفرحني إلا الذي أحزنته “(2كو1:2-2). ثم يتقدم بالشكر لله ” الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان. لأننا رائحة المسيح في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة.” (2كو14:2-16).
في الإصحاح الثالث دافع عن زملائه باعتبار أنهم ” خدام عهد جديد” (2كو6:3)، موضحاً إن خدمة العهد الجديد تزداد كثيرا في المجد (2كو9:3)، فهي “خدمة الروح “(7) وليست “خدمة الموت” وهي “خدمة التبرير” وليست “خدمة الدينونة “، وأنها ” خدمة دائمة ” وليست ” خدمة إلى زوال”. ” (2كو 1:3-18).
في الإصحاح الرابع يذكر بولس الرسول بان عدم استجابة الكثيرين لكرازته في كورنثوس ناتج للتربة التي تقع عليها بذار الكرازة وليست في البذار نفسها، لأن إله هذا الدهر وهو الشيطان سلطانه وقتي وقد أعمي عيونهم وأذهانهم فاصبحوا يسيرون في طريق الهلاك “إن كان إنجيلنا مكتوماً فإنما هو مكتوم في الهالكين” (2كو 3:4). لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة منظورة لله الغير منظور. ” لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح” (2كو6:4). في بدء الخليقة ” قال الله ليكن نور فكان نور” (تك3:1)، وفي العهد الجديد كلمنا في ابنه الذي هو بهاء مجده ورسم جوهره ليضيئ لنا الوجود بنور معرفته وأصبح المؤمنون مصابيح خزفية تحمل نور الله الظاهر في جسد ربنا يسوع المسيح “لكي تظهر حياة يسوع في جسدنا المائت”(2كو11:4). ثم أوضح القديس بولس بأ ننا لا نفشل “لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشيء لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً. “(2كو17:4) لأنه لا ينظر للأشياء التي تري لأنها وقية، بل ينظر إلى الأشياء التي لا تري أي الأبدية.
في الإصحاح الخامس يذكر أن خدمة العهد الجديد هي “خدمة مصالحة ” لأن ” الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم وواضعا فينا.
كلمة المصالحة “بأن المسيح في داخلهم. (2كو18:5-21). وأن المسيح له المجد هو ” وسيط المصالحة بين الله والناس”، ” لأنه الله جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه” ( 2كو 21:5). فالروح القدس يجعلالمؤمنين خليقة جديدة نتيجة الإتحاد بالمسيح يسوع ربنا. واصفاً خدمته بأنه ” إذا نسعى كسفراء كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله” (2كو20:5).
في الإصحاح السادس يواصل القديس بولس كلامه واصفاً خدمته بالجديرة بالثناء، لأنه بشكر يتحمل كل الضيقات والشدائد وأنه ذو أخلاق حميدة مثل الطهارة والمحبة بلا رياء، واستخدم اسلوب التطابق والتضاد مثل ” بمجد وهوان بصيت رديء وصيت حسن. كمضلين ونحن صادقون كمجهولين ونحن معروفون. كمائتين وها نحن نحيا. كمؤدبين ونحن غير مقتولين. وكحزاني ونحن دائما فرحون، كفقراء ونحن نغني كثيرين. كأن لا شئ لنا ونحن نملك كل شئ.” (2كو8:6-10)، ليظهر بذلك وجهة نظر الناس في مقابل وجهة نظر الله. مقدماً النصح والارشاد للإبتعاد عن الارتباطات الشريرة، لاتكونوا تحت نير غير المؤمنين فيما يتعلق بالزيجات، وأن الزيجات القائمة لا يجب فسخها. ويعود فيستخدم اسلوب التطابق والتضاد فيقول: “لأنه أي خلطة للبروالإثم. وأي شركة للنور والظلمة. وأي اتفاق للمسيح مع بليعال. وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن. وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان” (2كو14:6-16). ويقوم بتوضيح حقيقة إيمانية هامة فيقول:” فإنكم أنتم هيكل الله الحي كما قال الله إني سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا” (2كو 16:6)، مناديا بأن “نطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله ” (2كو1:7).
في الإصحاح السابع يواصل الرسول بولس موضحا ثقته في الكورنثيين، مع أنه لما أتوا إلى مقدونية كانوا مكتئبين في كل شيء، بسبب الخصومات من الخارج والمخاوف من الداخل. موضحاً ان الله دائما يعزي المتواضعين، وقد جاء تيطس وكان متعزياً وأخبر بولس بشوقهم وغيرتهم لأجله مما أسعده بسبب نجاح مهمته. وأن رسالته التي أحزنتهم انما كانت لخلاصهم لأنها كانت بحسب مشيئة الله ” لأن الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة. وأما حزن العالم فينشئ موتاً.”(2كو10:7) .
في الإصحاحين الثامن والتاسع نجد أنه خصصهما ليحث ويشجع المؤمنين لجمع التبرعات والإعانات من الكنائس الغنية في مقدونية وكورنثوس لكنائس أورشليم التي تضررت من الفقر والعوز بسبب الاضطهادات التي تمر بها. مذكرا إياهم: ” إن يزرع بالشح فبالشح أيضاً يحصد ومن يزرع بالبركات فبالبركات أيضاً يحصد…لأن المعطي المسرور يحبه الله “(2كو6:9-7). ثم استشهد بقول المرنم في المزمور: ” فرق أعطى المساكين . بره يبقى إلي الأبد . قرنه ينتصب بالمجد.” (مز9:112).
في الأربعة إصحاحات المتبقية من هذه الرسالة وهي الإصحاح العاشر حتي الإصحاح الثالث عشر، نجد أن القديس بولس عاد مرة أخرى للدفاع عن رسوليته مظهراً سلطانه ضد الرسل المزيفين، ومقدماً أوراق إعتماده كرسول لرب المجد يسوع المسيح (2كو1:10-18)، كما قام بالرد علي المشككين في رسوليته (2كو1:11-33) ، ولذلك قام بمناشدتهم بوداعة المسيح وحلمه (2كو1:10) وكان يغار عليهم غيرة الله، وقال لهم “خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح “(2كو2:11). لقد اجبره مقاوموه علي الافتخار المبني على ثقته بنفسه وليس بحسب مشيئة الرب (2كو17:11-18). ذاكرا أنه يهودي الأصل، مخلصا للمسيح رغم ما تلقاه من ضربات في السجون، وأخطار كثيرة في البحر والنهر من اللصوص والأعداء في المدينة وفي البرية (القرية) ، في جوع وعطش، في عري وفي سهر، وفوق كل ذلك اختبر الضغط الناتج من اهتمامه وعنايته بالكنائس (2كو21:11-33). ثم افصح عن رؤى واعلانات الرب له { الاختطاف إلي السماء الثالثة}(2كو1:12-4) ولكن الرب أعطاني شوكة في الجسد ملاك الرب ليلطمني لئلا أرتفع من فرط الإعلانات (2كو7:12). ورغم أنه تضرع للرب ثلاث مرات لكي يخلصه من هذه الشوكة إلا أن الرب يسوع قال له: ” تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل.” (2كو9:12). وقد تعلم أن “يُسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح (مستخدما التطابق والتضاد) لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي ” (2كو10:12) . لذلك وجب علينا أن نتمثل ببولس الرسول عندما نتعرض لبعض المضايقات والاضطهادات.
ثالثـا: الرسالة إلي أهـل غلآطيـة
هذه الرسالة تتصف بالجدلية والحوارية، وتتكون من 6 إصحاحات، وتاريخ كتابتها يرجع إلى عام 48-49 م في فترة نهاية رحلته التبشيرية الأولى ويقدم السيد المسيح علي أنه المحرر، وهي أول رسالة كتبها القديس بولس لأنها لا تتضمن أي إشارة إلى مجمع أورشليم.
في الإصحـاح الأول يوضح القديس بولس أنه ” رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات.”(غل1:1). ومن خلالها يشعر المرء بغضب بولس الشديد على المبشرين والمعلمين الكذبة الذين كانوا يزعجون المؤمنون ويبدلون مفهوم إنجيل المسيح يسوع ربنا “إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر{ إنجيل الناموس} ليس هو آخر غير أنه يوجد قوم يزعجونكم ويريدون أن يحولوا إنجيل المسيح. ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما { ملعونا من الله أو محروما}”(غل6:1-8)، لأن ذلك يحدث بلبلة وارتباكاً. إن الدافع الرئيس لبشارة القديس بولس هو الخلاص المجاني بنعمة الله عن طريق الإيمان بالرب يسوع فاديا ومخلصا وليس بفضل الناموس وأعمال الناموس. وأعلن صراحة أن بشارة الإنجيل الذي يبشر به ليس بحسب إنسان ولم يقبله من عند إنسان ولا ’علمه بل هو بإعلان يسوع المسيح (غل11:1-12). “ولكن لما سر الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته أن يعلن ابنه فيّ لأبشر به بين الأمم للوقت لم أستشر لحماً ولا دماً ولا صعدت إلي أورشليم إلى الرسل الذين قبلي بل انطلقت إلى العربية {في خلوة روحية مع ربه} ثم رجعت إلي دمشق.” (غل15:1-17). وبعد ثلاث سنوات من تجديده عام 35 م. صعد للمرة الأولى إلي أورشليم (غل 18:1-1، أع26:9-30) وتعرف على القديس بطرس ورأى القديس يعقوب البار أخي الرب وهو أبن خالة الرب يسوع بالجسد ورئيس مجمع أورشليم.
في الإصحاح الثاني نجد أن القديس بولس صعد للمرة الثانية إلي أورشليم بعد 14 عام من تجديده، بصحبة برنابا وتيطس، بموجب إعلان إلهي ليعرض على قادة أورشليم “المعتبرين أعمدة ” في الكنيسة (غل1:2-2، أع15) الإنجيل الذي يبشر به بين الأمم{ هؤلاء الأعمدة الثلاث هم يعقوب وصفا ويوحنا}. فقد اؤتمن القديس بطرس على إنجيل الختان بين اليهود والقديس بولس علي إنحيل الغرلة بين الأمم. وفي عام 52 م. زار أورشليم للمرة الثالثة (أع22:18)، وفي عام 57 م. زار أورشليم للمرة الرابعة (أع15:21-16). وقد زار القديسان بولس وبرنابا غلاطية معا في رحلتهما التبشسرية الأولى، وقد كتب القديس بولس عام 64م. رسالة خاصة لتيطس الذي كان مؤمناً مخلصاً وخادماً أميناً للرب في الكنيسة التي في جزيرة كريت لينظمها ويقوم بالاشراف عليها وعلى نموها الروحي مركزين أبصارهم على السيد المسيح وأن يستخدموا مواهبهم الروحية لبنيان جسد المسيح. كان القديس بولس مخلصاً لحق الإنجيل حتى أنه دخل في مواجهة مع القديس بطرس (غل 11:2-14) لأنه كان ملوماً. فأعمال الناموس هي طاعة شرائع الناموس الأخلاقية والروحية التي يظنون أنها لازمة للخلاص، وأن الخلاص بالإيمان بالرب يسوع وليس بأعمال الناموس لذلك يقول القديس بولس” آمنا نحن أيضا بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس. لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما” (غل16:2).
في الأصحاح الثالث يظهر غضب الرسول بولس علي الغلاطيين المؤمنين بالختان ويصفهم بالأغبياء لأنهم لا يذعنون للحق وقد رسم يسوع المسيح أمام عيونهم مصلوباً، ثم يسألهم”أبأعمال الناموس أخذتم الروح أم بخبر الإيمان”(غل1:3-2). وكان المتهودون ينادون بأن الأممي لابد أن يصبح يهودياً قبل أن يكون مسيحياً، وقد أثبت القديس بولس خطأ ما ينادون به وضرب لهم مثلا بأن إبراهيم أبو الآباء خلص بالإيمان (تك 6:15). وكل المؤمنين على مر العصور ومن كل الأمم يشتركون في بركة إبراهيم حسب الميثاق والعهد الذي قطعه الرب مع إبراهيم (تك18:15)، (تك 7:17-8). لأن”المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة. لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح لننال بالإيمان موعد الروح”(غل13:3-14). “إذا قد كان الناموس مؤدبنا إلي المسيح لكي نتبرر بالإيمان. ولكن بعد ما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب. لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. فإن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح… فإن كنتم للمسيح فأنتم إذا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة” (غل24:3-29).
في الأصحاح الرابع ذكر القديس بولس أنه ” لما جاء ملء الزمان أرسل الله إبنه مولودا من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني. ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلي قلوبكم صارخا يا أبا الآب. إذا لست بعد عبداً بل ابناً وإن كنت ابناً فوارث لله بالمسيح”( غل4:4-7). ثم قارن بين ابني إبراهيم، واحد من الجارية حسب الجسد، والأخر من الحرة حسب الموعد. فإن المستعبدين للناموس ممثلون بهاجر الجارية والأحرار من الناموس ممثلون بسارة الحرة. وقد كانت إساءة هاجر لسارة (تك4:16) شبيهة بالآضطهاد الذي عاناه المسيحيون من أصل أممي من اخوتهم المتهوديين الذين ينادون بحفظ الناموس والختان ضرورة للخلاص. (غل29:4-31).
في الإصحاح الخامس يقدم لنا القديس بولس السيد المسيح علي أنه المحرر الأعظم، كما يقدم لنا الخلاص في ثوب الحرية المسيحية في آية رئيسة وهي “فإثبتوا إذا في الحرية التي حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضا بنير عبودية.”(غل1:5). فالحرية في ثوبها المسيحي هي الحرية من الناموس، ثم أوضح أن الحرية في ثوبها المسيحي هي التحرر من لعنة الناموس التي يجلبها الناموس على الذين لا يطيعونه، لأن الذين يتكلون على أنه بحفظهم الناموس يحصلون على الخلاص، وهؤلاء إنما تحت دينونة الله العادلة “لأن المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق علي خشبة. لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح”(غل 13:3). وهذا هو السبب في كونه مصراً على ألا يفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح. والحرية من الناموس ولعنته ليس معناها الحرية في عصيان الناموس الأخلاقي أو الحرية في الانغماس في الخطيئة والملذات العالمية. ” لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة”(غل6:5).
الحرية في ثوبها المسيحي هي التحرر من أعمال الجسد وطبيعته الساقطة الناتجة من الإنغماس في الشهوات العالمية. لأن” كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم” (1 يو 16:2). وأن” ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف”(غل22:5-23). فإن كنا أبناء للمسيح لابد أن نكون قد ” صلبنا الجسد مع الأهواء والشهوات” (غل24:5)، ونسلك حسب الروح.
في الإصحاح السادس شدد القديس بولس علي المسؤولية الأخلاقية لكل الذين ينقادون بالروح تجاه الذين يسقطون ويتعثرون، مظهرا اتساع ورحابة النعمة مقارنة بضيق أفق الناموس ناصحا الروحانيين المنقادين بالروح أن يصلحوا بروح الوداعة الإنسان الذي سبق أن أُخذ في زلة، ففي هذا تتميم ناموس المسيح، ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضاً. لأن كل واحد سوف يحمل حمل نفسه (غل 1:6-5).
ثم يذكرهم قائلا ما أكبر وأجرأ الأحرف التي كتبتها اليكم بيدي، مشيرا إلي قوة الرسالة التي قدمها لهم ليحذرهم من خطر المؤمنين المتمسكين بالطقوس اليهودية مؤكدا لهم أن ضمان خلاصهم هو فقط عن طريق صليب السيد المسيح وفدائه. كقوله ” وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا صلبت للعالم. لأنه في المسيح يسوع ليس الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الخليقة الجديدة.”(غل14:6-17). وفي الختام يعطيهم البركة الرسولية كما في كل رسائله، فالنعمة الالهية تربط هؤلاء الاخوة بالسيد المسيح كمركز للدائرة وتربط قلب القديس بولس بقلوبهم برباط الاخوة المسيحية الصادقة.
رابعــا الرسالة إلى أهـــل أفسس
هذه الرسالة هي احدي أربع رسائل كتبها الرسول بولس أثناء فترة سجنه الأولي في الفترة من عام 60 -62 م ولذلك نجد أنها كلها تقدم لنا السيد المسيح على أنه رب الأرباب، وهذه الرسائل إلي أهل أفسس عدد إصحاحاتها 6 والرسالة إلي أهل فيلبي عدد إصحاحاتها 4 إصحاحات والرسالة إلي أهل كولوسي عدد إصحاحاتها 4 إصحاحات والرسالة إلي فيليمون هي إصحاح واحد.
في الإصحاح الأول يبدأ القديس بولس رسالته إلي أهل أفسس كالمعتاد في كل رسائله بذكر اسمه بولس رسول يسوع المسيح، ومقدماً التحية التقليدية لمن أرسلت اليهم، مقدما لهم البركة الرسولية المزدوجة ” نعمة وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح” (اف2:1).
بدأ الرسول بولس مسبحاً ومباركا الله أبو ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الإبن الوحيد الحبيب، شارحا أن كل موهبة وبركة روحية صالحة في الكنيسة هي من المسيح المبارك رب الكل الذي هو في السماويات (أف 3:1-20)، وبذلك يوضح لنا أن رئاسة الرب يسوع المسيح المقام من بين الأموات لكنيسته المجيدة وهي شعبه، نابعة من تعيين الله السابق. كما أن اختيار الله، انما هو تعبير صادق عن محبته وعن قصده الأزلي، ليكون الجميع مشابهين صورة الرب يسوع المسيح بصفته الإبن البكر الذي بواسطته وصلت إلينا نعمة الله المجانية في حياته، وفي موته علي الصليب وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين العظمة. فالفداء وغفران الخطايا ما هو إلا جزءاً من الخطة الإلهية الأزلية حسب رأي مشيئته المحتومة (أف11:1). وان الطريق إلى ربنا يسوع المسيح واحد لكل الشعوب والأمم وهو” إذ سمعتم كلمة الحق إنجيل خلاصكم الذي فيه أيضا إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتني لمدح مجده ” (أف13:1-14). وأن الله “أخضع كل شيء تحت قدميه، وإياه جعله رأسا فوق كل شئ للكنيسة التي هي جسده ملء الذي يملأ الكل في الكل”(أف22:1-23) .
في الأصحاح الثاني استعرض بولس حالة النفس البشرية بعيدا عن السيد المسيح قبل أن تشملنا نعمة الله المخلصة في الإنجيل، فقد كنا ” أمواتا بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلا حسب دهر هذا العالم حسب رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية” (اف1:2-2). ويستمر في تقديم صورة بهية لعمل الله المخلص والمحيي للنفس البشرية وهي في موتها الروحي نتجة سقوطها في الخطيئة عندما تلتقي بنعمة الله المحيية في ربنا يسوع المسيح فتخلص بنعمته ، فقد ” أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع” (أف 6:2). ويُظهر كمال عمل نعمة الله فيقول ” بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم .بل هوعطية الله “(أف 8:2)، مضيفا أن الخلاص ليس بسبب اعمال حسنة عملناها لكي لا يفتخر أحد” لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها” (أف10:2) فالخلاص بالنعمة وحدها وبالإيمان وحده.
ويوجه نداءاً إلى الأمميين المعتنقين الذين سوف يقرأون الرسالة والذين يصفهم اليهود بأبناء الغرلة، وأنهم خارج دائرة عهد الله، وأنهم غرباء عن موعد المسيا، كما أنهم لا يشاركون اليهود في امتيازات شعب الله المختار، وأنهم بسبب جهلهم ليست لهم المعرفة الحقيقية بالله ولا بحضوره إلي العالم { طبقا للمفهوم اليهودي }، علما أن مجيئ السيد المسيح إلي العالم قد فتح للأمم الباب لعهد جديد” ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلا بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح . لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين{ اليهود والأمم } واحدا ونقض حائط السياج المتوسط { ناموس موسى}… .ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلا “العداوة به “(أف14:2-16). فجاء وبشركم بواسطة أنبيائه ورسله ببشارة السلام والخلاص المقدمة مجاناً لكل الشعوب والأجناس امميين كانوا أو يهودا ” لأن به لنا كلينا قدوما في روح واحد إلي الآب . فلستم إذا بعد غرباء ونزلا بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله . مبنيين علي أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية” (أف18:2-20) ، فالكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية مؤسسة علي أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسة، وكل البناء هو هيكلا مقدسا في الرب ” الذي فيه أنتم أيضا مبنيون معا مسكنا لله في الروح القدس “(أف22:2) .
في الأصحاح الثالث يخاطب القديس بولس الأمم ذاكرا أنه من أجلكم أنتم أنا بولس أسير المسيح يسوع، فربما تكونون قد سمعتم بتدبير نعمة الله المعطاة لي في الخدمة، فقد عرفني بإعلان بالسر، الذي بمعرفته تستطيعون أن تفهموا درايتي بسر المسيح الذي أعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه { القادة المسيحيون (في20:2)} بالروح القدس وهوأن الأمم شركاء في الميراث والجسد وفي نوال موعد الروح القدس في المسيح بالإنجيل (أف1:3-6). وأنه هو خادما له مع أني أنا أصغر الرسل حسب نعمة الله المعطاة لكي أبشر بين الأمم بغنى المسيح وأن أنير الجميع بتدبير خلاص الله للعالم عن طريق الكنيسة بيسوع المسيح خالق الجميع (أف 9:3-10) “الذي به لنا جرأة وقدوم بإيمانه عن ثقة “(أف12:3) أي أننا نستطيع بالمسيح يسوع ربنا أن نتقدم إلى حضرة الله بلا خوف أو تردد. ثم يقوم بصلاة رعوية قوية لكل الجماعات المسيحية في العالم، ثم يختتم حديثه ببركة مجيدة في تسبحة رائعة يمجد بها شخص ربنا يسوع المسيح (أف14:3-21 21).
في الأصحاح الرابع يناشد القديس بولس اليهود والأمم بصفته أسيرا في الرب أن يسلكوا برباط السلام الكامل بكل تواضع ووداعة وطول أناة محتملين بعضهم البعض لأن هذه هي مقاصد الله الأزلية وهي توحيدهم في جسد واحد وروح واحد يخضع لرأس واحد وهو ربنا يسوع المسيح (أف 1:4-3). مؤكدا لهم حقيقة لاهوتية ايمانية وهي أننا كمسيحين لنا رب واحد، ونؤمن بإيمان واحد، ونلنا معمودية واحدة ، مشيرا إلي الثالوث الأقدس بأنه لنا إله وآب واحد للكل الذي يسود على الكل وابن واحد بالكل، وروح واحد في كل أعضاء أسرة الله الواحد (1بط2:1). ولكن لكل واحد منا أعطيت النعمة {نعمة الروح القدس بمواهبه} حسب قياس هبة المسيح الواهب النعم والعطايا لكل حسب قامته الروحية (أف5:4-12). ثم يقتبس القديس بولس من (مز18:68) ” صعدت إلى العلا. سبيت سبياً. قبلت عطايا بين الناس “مطبقا هذا المزمور علي السيد المسيح، فبصعود السيد المسيح أرسل لكنيسته المجتمعة في العلية يوم الخمسين الروح القدس بكل مواهبه منبثقا من الله الآب للرعاة والمعلمين من أجل بنيان المؤمنين وتأهيل شعب الله للعمل في خدمته لبنيان حسد المسيح. وأوضح القديس بولس أن كمال كنيسة المسيح ونضوجها يكون بعمل المسيح فيها، إذ له عمله الموحد لكل الجسد وكل مفاصله، بحصول كل مفصل علي موهبة الخدمة، كما يمنحها ربنا يسوع المسيح.
إن طبيعة النعمة تجعلنا نتحلي بطبيعة جديدة نكون فيها مولودين بتجديد من الروح الذي ينمو ويزداد كقوة مسيطرة تتصارع مع الطبيعة القديمة وتنتصر عليها، فالولادة الجديدة بالمعمودية ومسحة الروح القدس وسيطرته تعيد للإنسان الجديد تلك الصورة الإلهية التي سبق أن شوهتها الخطية (تك27:1)، وبذلك يعود بواسطة عمل فداء السيد المسيح إلي البر والقداسة التي فقدها بسقوط آدم الأول (أف19:4 -24)، كقوله “اتبعوا السلام مع الجميع و القداسه التي بدونها لن يري احد الرب “(عب14:12).
ثم يبدأ في ارساء بعض المبادئ الأساسية في الإنسان الجديد وسط اخوته وهي الصدق وعدم الكذب، مقدما النصح والارشاد” اغضبوا ولا تخطئوا. لا تغرب الشمس علي غيظكم ” (أف26:4)، وأن المختومين بالروح القدس يجب ألا ” يحزنوا روح الله القدوس الذي خُتموا به ليوم الفداء” (أف30:4)، وأن يكونوا لطفاء شفوقين متسامحين كما سامحهم الله أيضا في المسيح.
في الإصحاح الخامس يتحدث القديس بولس عن السلوك المسيحي في المحبة وتأثيره في العالم حوله (أف1:5-20) وتطرق إلي الممنوعين من الميراث في ملكوت المسيح والله (أف5:5). وتحدث عن المرأة ومكانتها في الخدمة الكنسية، وفي المنزل وصلتها بزوجها وأولادها. “لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة. وهو مخلص الجسد. ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شئ. أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها…لأننا أعضاء جسده من لحمه ومن عظامه” (أف23:5-33).
في تحدث عن وجوب إطاعة الأولاد لوالديهم في الرب، وإكرامهم وهي أول وصية بوعد. وتحدث عن طاعة العبيد لسادتهم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبهم كما للرب “عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبدا كان أم حرا” (أف 8:6)، وعلي السادة ،من جانبهم ، أن يتصرفوا بحرص وعطف بطريقة تليق بهم كمسيحين ، وألا يثقلوا علي عبيدهم.
وتحدث القديس بولس عن صراع الكنيسة قادة وشعبا ضد قوات الشر الشيطانية الغير منظورة فيقول ” إن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على الظالمين هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات. من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد أن تتمموا كل شئ أن تثبتوا” (أف12:6- 13). ثم يقدم رجاءاً شخصيا طالبا مؤازرة المؤمنين بصلواتهم حتي تنجح خدمته في اعلان سر الإنجيل وهو توحيد الأمم واليهود في كنيسة واحدة جامعة رسولية (أف18:6-19). ثم يرسل هذه الرسالة مع تيخيكس “الأخ الحبيب والخادم الأمين في الرب والذي سيعرفكم بكل الأحوال التي يمر بها”، ثم يختم الرسالة بإرسال السلام والمحبة بإيمان من الله الآب والرب يسوع المسيح ويختمها بالنعمة لكل الذين يحبون ربنا يسوع المسيح في عدم فساد.
خامســـا: الرسالة إلى أهـل فيلبي
تتجمع في الرسالة إلي أهل فيلبي سمات رفيعة عن الإيمان بالرب يسوع المسيح مع أعمال المحبة والسلوك المسيحي . وما أطلق عليه {أنشودة يسوع المسيح } في الأصحاح الثاني إنما هو ترنيمة كانت تتغني بها الكنيسة المسيحية في العصور الأولي عن { العبد المتألم } وتتضمن الكثير مما جاء في (إش53) قد استعارها القديس بولس، وهي تتمشي مع قول الرب يسوع المسيح” من وضع نفسه ارتفع” هذا بالاضافة إلي أنها تصف قمة اتضاع الرب يسوع في تجسده وموته كذبيحة حية مقبولة أمام الله الآب ” وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتي الموت موت الصليب” (في 8:2). كما تصف هذه الترنيمة مقدار العلو في الرفعة التي رفعه إليها الله، فقد أعطاه”إسماً يفوق كل اسم” . لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض وما تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب”(في 9:2-11).
هذه الرسالة خاصة بمؤمني فيلبي فقط، فقد أراد القديس بولس أن يشكر المؤمنين علي مساعدته مادياً في وقت حاجته وهو سجين في روما. فبمساعدتهم له كانوا بذلك يعملون علي امتداد ملكوت الله ونشر الكرازة. وهذه الرسالة هي رسالة الفرح، فيذكر الفرح في الألم (في1:1-30)، ثم يذكر الفرح في الخدمة (في1:2-30) ، والفرح في الإيمان (1:3-21 ) ، ثم الفرح في العطاء (في 1:4-23). وقد كتبت هذه الرسالة عام 61م تقريبا من رومية بيد أبفرودتس وهو أحد اعضاء كنيسة فيلبي.
في الأصحاح الأول يرسل بولس التحية إلى جميع القديسين في المسيح يسوع الذين في كنيسة فيلبي، تلك المدينة المقدونية، التي أسس كنيستها هو ورفقته منذ عشر سنوات أثناء رحلته التبشيرية الثانية، ذاكراً “بولس وتيموثاوس عبدا يسوع المسيح ” كمرسلين لهذه الرسالة، واعتبر انهما ملكاً للرب يسوع المسيح جسداً وروحاً وفكراً خاضعيَّن للرب في كل شئ. مع أنه ابتداءاً من الآية الثالثة كان يتحدث بصيغة المفرد، معبراً لهم عن فرحه ومحبته وعواطفه نحوهم. وقد ورد لفظ “أساقفة وشمامسة” لأنه يوجد في فيلبي أكثر من أسقف ولقب قسوس أُطلق على الأساقفة كما ورد في(أع17:20، 28)، أما الشمامسة فيرجع ذلك إلى (أع2:6) حيث عيَّنتْ الكنيسة سبعة رجال كان عملهم شبيه بخدمة الشمامسة. واوضح أن كونه قد سُجن لأجل المسيح فقد أصبح ذلك معلوماً للجميع مما أدى إلى انتشار الكرازة بالإنجيل (في12:1-14) ، وتشجيع الاخوة المؤمنين وثباتهم في تعاليم الرب يسوع المسيح المحيية بلا عثرة إلى {يوم المسيح} أي يوم المجئ الثاني للرب يسوع المسيح”مملوئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحمده” (في 11:1). وثمر البر هو الثمر الذي يصلي من أجله الرسول بولس لكي يمتلئ به كلُ المؤمنين المسيحيين من أعمال صالحة عاملة بالمحبة ناتجة عن حلول بر الله في حياتهم، وهذا كله نناله من ربنا يسوع المسيح لمجد الله الآب.
كان بولس الرسول يكرز بكل مجاهرة في كل حين وهو لا يخاف الموت ” كذلك الآن يتعظم المسيح في جسدي سواء كان بحياة أم موت. لأن الحياة لي هي المسيح والموت هو ربح… لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جداً.”(في 20:1-23) . ثم يدعوهم بأن يعيشوا فقط كما يحق لإنجيل المسيح، ثابتين في روح واحد مجاهدين معا بنفس واحدة لإيمان الإنجيل. غير خائفين من المقاومين ” لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضا أن تتألموا لأجله “(في 29:1).
في الأصحاح الثاني يدعو الرسول بولس المؤمنين للاتحاد والتواضع والشركة واثقين في كنيستهم، لأن في التفكك والانقسام رفضاً لمشيئة الله، لأن للجميع الروح الواحد وهم ينتمون بعضهم لبعض كجسد واحد، طالباً منهم أن يظهروا المحبة والمودة والعطف للآخرين في { أحشاء ورأفة }، وأن يعتادوا على ان يكون لهم فكر واحد ورأي واحد والكلام بما هو لصالح غيرهم. كما شجعهم الرسول بولس على الحذر من الأنانية وسوء الظن والحسد. لقد أخلى ابن الله الأزلي الأبدي ذاته وأخذ جسداً بشرياً وطبيعة بشرية ليشابهنا في كل شئ ما عدا الخطيئة وحدها، ولاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين، وكان خاضعا لله الآب ولمشيئته لخلاص البشرية، وأيضا لكي ما يخبرنا عن الله الآب كقوله لفيلبس” الذي رآني فقد رأى الآب . … . ألست تؤمن أني أنا في الآب والآب فيّ ” (يو9:14-10). “وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتي الموت موت الصليب. لذلك رفَعه الله أيضاً وأعطاه اسماً يفوق كل اسم . لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب”(في8:2-11). ويشجع القديس بولس المؤمنين فيقول” تمموا خلاصكم بخوف ورعدة. لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة ” (في 11:2 -13). كان بولس سجيناً في إنتظار محاكمته والحكم عليه أو إطلاق سراحه بسبب مناداته بإنجيل يسوع المسيح. كان قد أرسل الفليبيون مبلغاً من المال له مع أحد شيوخ الكنيسة هناك وهو أيفرودوتس الذي مرض وقارب الموت، وبعد شفائه رجع بهذه الرسالة كخطاب شكر لهم، فيها ووعدهم أنه فور علمه بقرار المحاكمة سيرسل لهم القديس تيموثاوس ليخبرهم بقرار المحكمة، وأنه مستعد لقبول كل ما يسمح به الله له (في 25:2.).
في الإصحاح الثالث نادى بولس الرسول بالفرح، ولكن لابد أن يكون الفرح في الرب، لأن الفرح هو جوهر الكتاب المقدس، البشارة المفرحة. والكتاب المقدس يرسم لنا الطريق المأمون بعيدا عن الانحرافات الناموسية والختان الحرفي الجسدي التي تبعدنا عن الحق والحرية (غل 7:1-9)، (2كو13:11)، { فالختان القلبي والروحي هو الأهم }، “لأننا نحن الختان الذين ،نعبد الله بالروح، ونفتخر في المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد “(في 3:3). فالله يطالبنا فقط بالإيمان والطاعة لتعاليم الرب يسوع المسيح والتمتع بالخلاص المجاني الذي نلناه. واستطاع ان يقدم لهم قائمة بسبع نقاط هامة في حياته ثم خلص إلى القول أنه يكفيه أن يربح المسيح ويوجد فيه”من جهة الختان مختون في اليوم الثامن من جنس إسرائيل من سبط بنيامين عبراني من العبرانيين. من جهة الناموس فريسي، من جهة الغيرة مضطهد الكنيسة، من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم، ولكن ما كان لي ربحا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة. بل إني أحسب كل شئ خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأُوجد فيه وليس لي بِّري الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح البِّر الذي من الله بالإيمان. لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته. لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات.” (في5:3-11).
ثم ذكر أن الذين يفتكرون في الأرضيات، الذين إلههم في بطونهم ومجدهم في خزيهم. وأوضح بما لا يدع مجالا للشك فقال عن المؤمنين: ” فإن سيرتنا نحن هي في السموات التي منها أيضا ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع المسيح الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء” (في20:3-21).
في الأصحاح الرابع يبدأ القديس بولس بإظهار عمق عواطفه الصادقة نحو إخوته الأحباء والمشتاق إليهم أعضاء كنيسة فيلبي، واصفا إياهم أنهم سروره وإكليله، وشاكرا إياهم من أجل تقدماتهم السخية، وطالبا منهم أن يثبتوا في الرب (في 1:4). قام القديس بولس بمعالجة الانقسامات وروح التحزب في كنيسة فيلبي بعبارات عامة (في 1:2-5)، وعندما علم بوجود خصومة بين خادمتين بالكنيسة هما أفودية وسنتيخي اللتين جاهدتا معه لأجل خدمة الإنجيل استخدم اسلوبا رقيقا لا يمكن معه الظن بأي منهما يقدمها على الأخرى، وطالبا منهما “أن تفتكرا فكرا واحدا في الرب” (في2:4). وبعد أن مدحهما ذكر اسم اكليمندس ونظرا لكثرة من يجب أن يمتدحهم قال عنهم أنهم يمكن أن يتأكدوا أن أسماءهم مكتوبة في”سفر الحياة” كما جاء في(خر32:32)،(دا1:12)، (رؤ5:3)، (رؤ15:20) ، (رؤ19:22) لأن الحياة هي هبة وعطية مجانية من الله (مز28:69)، وسفر الحياة هو السفر المدونة به أسماء المقبولين عند الله الذين نالوا الخلاص بإيمانهم بالمسيح رباً وفادياً ومخلصاً وكانوا أبراراً، عاشوا كل أيام حياتهم في تسليم كامل بمشيئة الله.
أنهى الرسول بولس رسالته بالتمنيات الطيبة المتبادلة في المسيح يسوع، وأوضح ان التدبير الإلهي سمح بوجود موظفين مؤمنين مسيحيين في البلاط الامبراطوري في روميه في “بيت قيصر”.
وكما بدأ الرسالة أنهاها بصلاة تضم كل الطلبات الأخرى، لتكون: “نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم. آمين” (في 23:4).
سـادســـا الرســالة إلي أهــل كولوسي
نجد في هذه الرسالة إلى أهل كولوسي أن القديس بولس يظهر سمو المسيح الفائق علي الكون كله مبتدأً بالخليقة ومتضمناً الصليب وواصفا الرب يسوع المسيح بأنه الصورة المرئية لله الآب الغير منظور بكر كل خليقة (كو15:1). بالمسيح خالق الكل، وهو الوارث ومن أجله خلق كل شئ، وهو رأس جسد الكنيسة، وهو بكر من الأموات لكي يكون هو متقدماً في كل شيء (كو16:1-18). ” لأنه فيه ‘سر أن يحل كل الملء { كل ملء اللاهوت}. وأن يصالح به الكل لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الأرض أو ما في السماوات.” (كو19:1-20). موضحا إتحادنا نحن المؤمنين بالمسيح بصورة رائعة فيها استخدم تعبير”مع المسيح” أربع مرات كما هو مكتوب ” إن كنتم قد متم مع المسيح… . فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالس عن يمين الله … لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متي ‘أظهر حياتنا فحينئذ ‘تظهرون أنتم أبضا معه في المجد ” (كو20:1-كو4:2) .
لم يؤسس القديس بولس كنيسة كولوسي ولا حتى زارها من قبلْ فالذي أسسها هو أبفراس وغيره من المؤمنين الذين تجندوا على يده في أثناء رحلاته التبشيرية، وسبب كتابته هذه الرسالة هو تسرب “مذهب النسبية الدينية” وهو صورة مصغرة من “الغنوصية” إلى الكنيسة فقد حاول بعض المؤمنين أن يجمعوا بين العقيدة المسيحية والعقيدة اليهودية وبين بعض التعاليم الوثنية والفلسفات العالمية لأن اليهودية اشتهرت بتمسكها بأهمية تقليد الشيوخ من جهة عيد أو هلال أو سبت، كما أنه ذَكَرَ الختان مرتين في هذه الرسالة (كو11:2 ، كو11:3).
وقد كتبت هذه الرسالة عام 61م تقريبا وتتكون من أربعة أصحاحات بيد تيخيكوس وأنسيموس من رومية أثناء وجود القديس بولس بالسجن. موضحا بها أن المسيح المخلص هو وحده مصدر حياتنا الروحية وأنه رأس الكنيسة وأنه رب كل الأكوان الروحية والمادية، وأن حياة المؤمنين الروحية هي في الارتباط بالرب يسوع المسيح .
في الأصحاح الأول يقدم القديس بولس نفسه، كعادته في معظم رسائله، بأنه “رسول يسوع المسيح بمشيئة الله” {أي بدعوة وبسلطان من الله } ، ويذكر تيموثاوس الذي كان من مرافقيه المقربين، موجها الرسالة إلي القديسين في كولوسي والإخوة المؤمنين في المسيح. ثم يهدي النعمة والسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح لقارئيه. ويشكر الله لأجلهم كل حين، “مصلين لأجلكم لسماعنا” { من أبفراس} عن إيمانكم بالمسيح ومحبتكم لإخوتكم المسيحيين ولجميع القديسين من أجل الرجاء المسيحي الموضوع في السماوات.
ونستطيع أن نتعلم من صلاةالرسول بولس (كو9:1-14) أن نصلي لأجل الآخرين لكي: يدركوا مشيئة الله المقدسة، وأن يزودهم الله بالحكمة الروحية، وأن يعيشوا حياة ترضي الله وتكرمه، وأن يتحلوا بأعمال المحبة والخير مع الآخرين، وأن يزدادوا دائما في نعمة معرفة الله، وأن يكونوا مملوئين من قوة الله، وأن يثبتوا في الإيمان، وأن يكونوا دائما ممتلئين بفرح المسيح، “شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلي ملكوت ابن محبته الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا “(كو12:1-14).
خلال الألم انكشف له السرّ المخفي منذ الدهور، سرّ حب الله الفائق لخلاص العالم كله. هذا السرّ كان مخفياً حتى عن السماويين، فلم يكن ممكناً لربوة ما سماويّة مهما سمت أن تدركه أو تتخيّل مدى حب الله الفائق للإنسان. هذا السرّ اُُظهر لقدّيسيه (كو26:1)، حيث رأوا ولمسوا عمل نعمة الله في حياة الأمم حين آمنوا بالله وبخلاصه. فصار هذا السرّ هو موضوع شهادة الكل وكرازة الرسل ليتمتع البشر بالمجد المعد لهم (كو27:1) ، ففي وسط آلامه يعلن السيد المسيح غنى مجده الفائق ورحمته المقدمة للأمم، المنسكبة على الجميع بلا تمييز بين يهودي وأممي، دون أدنى استحقاق من جانب الإنسان. بهذا عرف الرؤساء والسلاطين في السماويات بهذا السر المكتوم بواسطة الكنيسة (أف 10:3).
في الإصحاح الثاني كانت لاوذكية تقع في الشمال الغربي من كولوسي وقريبة منها، وقد وبخ القدبس يوحنا المؤمنين فيها لأنهم كانوا فاترين في محبتهم للمسيح (رؤ14:3-22). والسبب في طلب القديس بولس قراءة الرسالة إلي أهل كولوسي أيضا في الكنيسة في لاوذكية هو انتشار بدعة ” النسبية الدينية ” ايضا فيها، ليحث الكنيستين على الوقوف ضد هذه البدعة وهذه التعاليم الكاذبة معتمداً على روابط المحبة بينهما” لكي تتعزى قلوبهم مقترنة في المحبة لكل غنى يقين الفهم لمعرفة سر الله الآب والمسيح المدخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم”(كو2:2-3) .
وقد أوضح الرسول بولس علي أن كفايتنا كمؤمنين هي في المسيح، فقبول المسيح رباً وفادياً ومخلصا لحياتنا هو بداية الطريق للحياة مع المسيح، ثم الجهاد المستمر طوال حياتنا في العمل بوصاياه وتعاليمه السامية، مع إخضاع إرادتنا بالكامل لمشيئته المقدسة وإرشاد الروح القدس الساكن فينا” فكما قبلتم المسيح يسوع الرب اسلكوا فيه متأصلين ومبنيين فيه وموطَّدين في الإيمان كما ‘علمتم متفاضلين فيه بالشكر”(كو6:2). فالمسيح يجب أن يكون هو المصدر الوحيد الرئيسي للحياة المسيحية “فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً”(كو9:2) ، فبعد أن مات المسيح لم يعد الختان لازماً لأن الختان هو ختان الروح وليس ختان الجسد، كما أن المعمودية بالتغطيس في ماء المعمودية هي دفن وقيامة للحياة مع المسيح”مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضا معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات”(كو12:2). وبذلك يكونُ تَخلينا ورفضنا لرغباتنا الشريرة هو ثمر حياتنا الجديدة في المسيح لأن خلاصنا يعتمد علي قوة موت المسيح وقيامته” وإذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضداً لنا وقد رفعه من الوسط مسمراً إياه بالصليب”(كو14:2). فالقواعد والفرائض الدينية “لا تمس ولا تذق ولا تجس”(كو21:2) لا تستطيع أن تغير قلب الإنسان بل الروح القدس الذي يعمل فينا عندما أخذناه في سرختم الميرون المقدس.
في الأصحاح الثالث يشيربولس الرسول إلي المعمودية في قوله ” إذا كنتم قد قمتم مع المسيح”(كو1:3) ، معتبراً المعمودية موت ودفن وقيامة مع المسيح المقام من بين الأموات، مقدما لنا النصح والإرشاد مشيراً إلى الإهتمام بالروحيات والسماويات عوض الأرضيات “فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله”.
ويؤكد الرسول بولس على أن سر الحياة الجديدة مستترالآن، ولن يبقي مستتراً لفترة كبيرة، لأنه ” متى ‘أظهر المسيح {في مجيئه الثاني } حياتنا فحينئذ ‘تظهرون أنتم أيضا معه في المجد”(كو4:3). ثم أوضح لنا أن العبادة المسيحية الحقيقية هي “فأميتوا { احسبوها ميتة } أعضاءكم التي على الأرض {بخصوص العادات الردية والشهوات الجنسية الأربعة وهي} الزنا، النجاسة، الهوى، الشهوة الردية، الطمع الذي هو عبادة الأوثان{فهذه الخطيئة الخامسة ركز عليها الرب يسوع في الموعظة على الجبل لأنها تحمل كل آثام الفكر المتمركز في الذات الإنسانية وفي احتياج إلى تغيير مسيحي شامل}”(كو5:3). ويضيف” أما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضاً {اخلعوا ثيابكم القذرة، ثياب الخطية أي الحياة القديمة} الغضب السخط الخبث التجديف الكلام القبيح من أفواهكم “(كو8:3). استخدم الرسول بولس تعبير “مختاري الله القديسين المحبوبين {ليذكرنا أن الكولوسيين هم موضوع اختيار الله وأيضا موضوع محبته واصفا اياهم بخمسة من ثمار البر} أحشاء رأفات ولطفاً وتواضعاً ووداعة وطول أناة ” (كو12:3).
كما اكد على أننا يجب أن نحتمل بعضنا بعضا ونسامح بعضنا بعضا {واترك لنا ماعلينا كما نترك لمن لنا عليه إلينا– الصلاة الربانية} من أجل توطيد العلاقات مع بعض، متسربلين بالمحبة فهي رباط الكمال (كو13:3-14). وليملأ قلوبكم سلام الله ليكون كل ما تعملون أو تقولون باسم الرب يسوع شاكرين الله والآب به (كو17:3).
قدم الرسول بولس بعض النصائح العائلية، أولى هذه النصائح يتعلق بالعلاقات الأسرية (كو18:3-21 )، وثاني هذه النصائح يتعلق بالعلاقات بين الأسياد والعبيد (كو19:3-25)، (كو1:4).
في الإصحاح الرابع يطالب الرسول بولس المؤمنين علي المداومة في الصلاة “لأجلنا نحن أيضا ليفتح الرب لنا بابا للكلام لنتكلم بسر المسيح الذي من أجله أنا موثق {مسجون } كي أظهره كما يجب أن أتكلم “(كو2:4-4)، ففي المداومة يزداد إيماننا بأن الله يستجيب لصلواتنا فنمجده عالمين انه إذا تأنى الله في الاستجابة لصلواتنا فهذا دائما يكون لخيرنا حسب مشيئته المقدسة(كو2:4-4). وعندما نتكلم مع غير المؤمنين لنبشرهم عن الرب يسوع المسيح يجب أن نسلك بحكمة “مفتدين الوقت”{ اقتناص فرصة سانحة للتبشير}.
يصف الرسول بولس ” تيخيكوس بالأخ الحبيب والخادم الأمين والعبد معنا في الرب”(كو7:4)، وقد أرسله “ليعرف أحوالهم ويعزي قلوبهم مع أنسيموس الأخ الأمين الحبيب الذي هو منكم “(كو9:4). ثم يذكر بعض الأسماء مادحاً إياهم مثل ” أرسترخوس المأسور معي {رفيقه في السجن} ومرقس ابن أخت برنابا الذي أخذتم لأجله وصايا. إن أتى إليكم فاقبلوه”(كو10:4)، فقد فارق مرقس الرسولين بولس وبرنابا في أثناء رحلتهما التبشيرية الأولى (أع25:12)، وقد كرز القديس مرقس بالإنجيل مع خاله برنابا في رحلته التالية (أع39:15-41)، كما كرز مع القديس بطرس(1بط13:5)، (أع12:12-13).
ســابعـــا الرسالتين الأولي والثانية إلي أهــل تســالونيكي
كتب هاتين الرسالتين أثناء الرحلة التبشيرية الثانية فيما بين عام 50م وعام52م، وكانت تسالونيكي أول مدينة أقام فيها الرسول بولس مع رفيقيه في السفر وهم سلوانس المدعو سيلا وتيموثاوس بعد مغادرتهم مدينة فيلبي، وتتكون الرسالة الأولى من خمسة أصحاحات والرسالة الثانية من ثلاثة أصحاحات… في هاتين الرسالتين قدم الرسول بولس الرب يسوع المسيح في مجيئه الثاني أنه المسيا الديان للأحياء والأموات. قاموا بزيارة المجمع اليهودي في هذه المدينة لمدة ثلاثة أسابيع في يوم السبت من كل اسبوع، وحاول الرسول بولس أن يقنع جماعة المصلين في المجمع، مستخدماً أسفار العهد القديم، بأنه كان لابد للمسيح أن يتألم ويصلب ويموت ويدفن في القبر وفي اليوم الثالث يقوم من بين الأموات، مبرهناً لهم أن يسوع هو المسيح. وقد قبل عدد كبير من الأممين الذين يتقون الله كرازته، ولكن بعد ذلك أبدت سلطات المجمع مقاومة لهم أرغمت القديس بولس ورفيقيه على مغادرة المجمع. فبحثوا عن مكان آخر لكرازتهم، فسمح لهم ياسون وهو مواطن تسالونيكي علي استخدام منزله كمقر لكرازتهم التي استمرت لعدة أسابيع أخرى، حتى قام معارضوهم بإثارة شغب كبير كان من نتيجته أن قامت السلطات الرومانية بالقبض علي القديس بولس ورفيقيه وإلقائهم في السجن، ولكنهم أطلق سراحهم بكفالة أصدقائهم التسالونيكيين، فسافر القديس بولس إلي بيرية برفقة القديس سيلا، ولحق بهما القديس تيموثاوس فيما بعد. أرجع الرسول رفيقه القديس تيموثاوس إلي تسالونيكي ليعرف أخبار المؤمنين الجدد، كما أرسل سيلا إلى مقدونية، وسافر هو إلى أثينا ثم كورنثوس. عاد اليه سيلا وتيموثاوس وطمأناه بأن المؤمنين الجدد الذين دخلوا الإيمان ثابتين في إيمانهم ويقومون بدورهم في الكرازة بالإنجيل، مما ملأ قلب القديس بولس بالفرح والسعادة، فقام بكتابة رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي وهو في كورنثوس مهنئاً ومشجعاً إياهم علي ثباتهم وكذلك للإجابة علي تساؤلاتهم، لإحساسه بالمسؤولية الرعوية تجاههم، بعدها بشهور قليلة كتب لهم رسالته الثانية. الرســـالة الأولـــي إلي أهــل تســـالونيكي
في الأصحاح الأول، بدأ بتوجيه التحية الافتتاحية التي اشرك فيها رفيقيه سلوانس المدعو سيلا وتيموثاوس، معبرين عن فرحتهم بثبات المؤمنين الجدد في المسيح حيث أنهم أظهروا ثلاث فضائل مسيحية في حياتهم وهي “الايمان والرجاء والمحبة “(1تس 3:1) من خلال نشاطهم. فقد كان لانتشاربُشرى الخلاص تأثيره القوي علي التسالونيكيين لأن المسيحية تنتشر بقوة الروح القدس العامل في نفوس المؤمنين للخلاص. وعندما قبل التسالونيكيون رسالة الخلاص بفرح جازوا في اضطهادات كثيرة من اليهود ومن الأمم (أع5:17)، لذلك كتب لهم ليشجعهم على انتظار النجاة التي سيأتي بها السيد المسيح ، فإن رجاء المؤمنين المسيحيين هو في المجئ الثاني لربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، فهو سيأتي ثانية ليأخذنا لنكون معه إلي الأبد. وسيحرم أولئك الذين رفضوه من رؤية وجه الرب ومن مجد قوته، وأن الرب سوف يتمجد في قديسيه(1تس 9:1-10).
في الأصحاح الثاني دافع بولس عن نفسه وعن رفيقيه لأنهم لم يحاولوا أبداً استغلال أهل تسالونيكي أو العيش على نفقتهم، لأنهم كانوا بجانب كرازتهم باسم السيد المسيح لبنيان الجماعة المسيحية التي تكونت والعمل علي نموهم وثباتهم في الإيمان وتقديم رسالة الخلاص لهم، أيضا كانوا يعملون بأيديهم ليكسبوا تكاليف معيشتهم، متخلين عن حقهم المشروع في الحصول منهم علي حاجاتهم المادية كرسل للمسيح. وحثهم علي حياة القداسة طالباً منهم ” لكي تسلكوا كما يحق لله الذي دعاكم إلي ملكوت مجده”(1تس12:2). وأنهم قد نالوا الدخول إلي ملكوت السماوات بالإيمان، وان استعلان هذا الملكوت بكل ملئه سيكون في المجئ الثاني للمسيح لكي يخَّلِّصْ ويدين، في يوم عينه الله الآب وأنهم ورثة هذا الملكوت المعد منذ تأسيس العالم، ثم أمتدحهم ” فإنكم أيها الإخوة صرتم متمثلين بكنائس الله التي هي في اليهودية في المسيح يسوع لأنكم تألمتم أنتم أيضاً من أهل عشيرتكم تلك الآلام عينها كما هم أيضا من اليهود الذين قتلوا الرب يسوع وأنبياءهم واضطهدونا نحن.”(1تس 14:2-15). ثم أظهر لهم مقدار تطلعه إلى رؤيتهم “لذلك أردنا أن نأتي إليكم أنا بولس مرة ومرتين. وإنما عاقنا الشيطان” (1تس18:2). كما أوضح أنهم مجداً وفرحا لهم ” لأنكم أنتم مجدنا وفرحنا وإكليل افتخارنا”(1تس20:2).
في الأصحاح الثالث أرسل رفيقه تيموثاوس إلي أهل تسالونيكي لكي يثبتهم ويعضدهم ويعظهم لأجل ايمانهم “كي لا يتزعزع أحد في هذه الضيقات فإنكم أنتم تعلمون أننا موضوعون لهذا”(1تس3:3)، موضحاً أن المتاعب والضيقات قد تكون جزءاً من خطة الله للمؤمنين فاجتياز التجارب يبني الشخصية المسيحية (يع2:1-4) وينمي الصبر(رو3:5-5) ويعمق الأحاسيس نحو الآخرين الذين يواجهون الضيقات(1كو3:1-7) لأنه لا يمكن لأناس أنقياء القلب تجنب المشاكل في هذا العالم الشرير.
وقد عاد تيموثاوس إليه بأخبار سارة عن ثباتهم في الإيمان وقوة محبتهم له واشتياقهم لرؤيته، وقد تمني الرسول بولس أن ” الله نفسه وأبونا وربنا يسوع المسيح يهدي طريقنا إليكم. والرب ينميكم ويزيدكم في المحبة بعضكم لبعض وللجميع كما نحن أيضا إليكم لكي يثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجئ ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه.” (1تس11:3-13).
في الأصحاح الرابع يحث القديس بولس التسالونيكيين على إرضاء الله بالسلوكْ بقداسةٍ وطهارةْ ولا سيما في مجال العلاقات الزوجية والمحبة الأخوية:”لأن الله لم يدعنا للنجاسة بل في القداسة . إذا من يرذل لا يرذل إنساناً بل الله الذي أعطانا أيضاً روحه القدوس” (1تس7:4-8). كما حذرهم من المبالغة في توقع حلول نهاية العالم، وشجعهم على العمل بأيديهم وعدم إهمال أعمالهم العادية (1تس 11:4-12)، وهدأ القديس بولس التسالونيكيين من جهة الراقدين بأن أكد لهم أن ” الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس الملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين نُخطف جميعا معهم في السحب لنلاقي الرب في الهواء. وهكذا نكون مع الرب دائماً لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام”(تس16:4-18). وأحداث المجئ الثاني للرب يسوع ستكون علنية وبشكل منظور وبصوت هتاف قوي، وسيصدر أحد الملائكة صوت واضح لا يمكن أن يخطئه أحد، وسوف يسمع صوت بوق عال لم يسمع مثله من قبل، وبمجرد سماع الصوت سيقوم الأموات في المسيح من قبورهم، والمؤمنون الأحياء سيخطفون في السحب لملاقاة الرب يسوع.
في الاصحاح الخامس اوضح أن يوم المجئ الثاني للرب يسوع لا يعلمه أحد وسوف يكون” يوم الرب كلص في الليل هكذا يجئ. لأنه حينما يقولون سلام وأمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون. وأما أنتم أيها الإخوة فلستم في ظلمة حتي يدرككم ذلك اليوم كلص.”(1تس2:5-4). لذلك يجب أن لا ننام إذا كنا ” أبناء النور وأبناء النهار” وعلينا أن نكون مستعدين لملاقاة الرب يسوع حاملين سلاح الله الكامل ” لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص. لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لإقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح .” (1تس 8:5-9). ثم يطلب من المؤمنين “أنذروا الذين بلا ترتيب، شجعوا صغار النفوس، أسندوا الضعفاء، تأنوا علي الجميع، أنظروا أن لا يجازي أحد أحداً عن شر بشرٍ بل كل حين اتبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع، افرحوا كل حين، صلوا بلا انقطاع، اشكروا في كل شئ، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم،لا تطفئوا الروح، لا تحتقروا النبؤات، امتحنوا كل شئ، تمسكوا بالحسن، امتنعوا عن كل شبه شر .”( 1تس14:5-22). وأخيرا يعطيهم البركة الرسولية “وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام لتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجئ ربنا يسوع المسيح” (1تس 23:5)، مناشدا إياهم أن تُقرأ هذه الرسالة علي جميع الإخوة القديسين.
الرســـالة الثـــانيـــة إلي أهــل تســـالونيكي
في الاصحاح الأول بدأت هذه الرسالة بالسلام والتحية ذاكراً اسم مرسليها واسم المرسلة لهم ” بولس وسلوانس وتيموثاوس إلى كنيسة التسالونيكيين في الله أبينا والرب يسوع المسيح نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح.” (2تس1:1). مقدما صلاة شكر وتشجيع لهم علي إيمانهم ومحبتهم وصبرهم في جميع الإضطهادات والضيقات التي يحتملونها، وأنها تؤهلهم لملكوت الله:”إن الذين يضايقونكم يجازيهم ضيقا وإياكم الذين تتضايقون راحة معنا عند استعلان الرب يسوع من السماء مع ملائكة قوته” (2تس6:1-7) { في المجئ الثاني للرب }. مصلياً كل حين من أجلهم لكي يؤهلهم الله للدعوة ويكمل مسيرة الصلاح وعمل الإيمان بقوة لكي يتمجد اسم ربنا يسوع المسيح فيهم وهم فيه.(2تس11:1-12).
في الاصحاح الثاني كان بعض المسيحيين التسالونيكيين على اقتناع بأن “يوم الرب” قد بدأ فعلا وأن مجئ الرب ثانية قد يكون في أي لحظة الآن. لذلك استخدم الرسول بولس تعبير”يوم الرب” ، وهذا التعبير يستخدم في الكتاب المقدس بطريقتين:
الأولى هي نهاية ازمنة العهد القديم وبداية العهد الجديد بميلاد الرب يسوع والتي نعيش فيها الآن.
والثانية هي يوم المجئ الثاني للرب يسوع لدينونة العالم في نهاية الأيام، ولكي يهدئ من روعهم واضطرابهم لأن بعضهم ترك عمله لكي يصحو للصلوات ولكي يكون مستيقظاً لحظة الإختطاف، لذلك أكد لهم أن المجئ الثاني” لن يأتي إن لم يأتي الإرتداد أولا{ العصيان والتمرد والثورة}”والذي يتزعمه “ضد المسيح” (2تس 2:2-3) {ضد المسيح هو الوحش الصاعد من الهاوية “رؤ7:11)}. وحينئذ سيستعلن الأثيم { إنسان الخطيئة ابن الهلاك} الذي يبيده الرب بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه”(2تس8:2). ثم يقدم لهم التشجيع بأن” الله اختاركم من البدء {أزلية اختيار الله لهم} للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق” (2تس13:2).
الرسول بولس يشكر الله علي كل عمل الخلاص ابتداءاً من اختيار الله الأبدي حتى الحصول على مجد الرب يسوع في الدهر الآتي بتقديس الروح لاقتناء مجد ربنا يسوع المسيح (2تس13:2 -14).
ثم يختتم الاصحاح طالباً منهم ان يثبتوا ويتمسكوا بالتعاليم التي “تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا { الرسالة الأولى} وربنا نفسه يسوع المسيح والله أبانا الذي أحبنا وأعطانا عزاءً أبدياً ورجاءً صالحاً بالنعمة يعزي قلوبكم ويثبتكم في كل كلام وعمل صالح”.
في الاصحاح الثالث يقول الرسول بولس للتسالونيكيين: “أخيراً أيها الإخوة صلوا لأجلنا لكي تجري كلمة الرب {أي الإنجيل كما هو موضح (مز14:147) “يرسل كلمته في الأرض سريعاً جداً يجري قوله”} وتتمجد كما عندكم أيضاً. ولكي ننقذ من الناس الأردياء الأشرار. لأن الإيمان ليس للجميع.” (2تس1:3-2)، حيث أنه ليس كل الناس يتمسكون بالإيمان وبكلمة الله في الإنجيل. ثم يذَّكِّرهم بقوله ” فإننا أيضاً حين كنا عندكم أوصيناكم بهذا أنه إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً “(2تس10:3).
ثم يختتم الرسالة بصلاة ثم تحية وبركة رسولية (2تس16:3-18).
ثـامنــــا : الرســائـــل الـرعـويـــة الثــلاث
اطلقت تسمية الرسائل الرعوية علي ثلاث رسائل للرسول بولس وهذه الرسائل هي الرسالتين الأولى والثانية إلى تيموثاوس، والرسالة إلي تيطس، لأن هذه الرسائل تحتوي على اقتراحات عملية للاهتمام بالكرازة في الكنائس المسيحية في كل من أفسس وكريت لكونها تحتوي على تعاليم هامة حول أساليب قيادة الكنائس وكذلك التعاليم العقائدية بالاضافة إلي تحذيرات من الهراطقة والمعلمون الكذبة في الأيام الأخيرة كما حدث في كنيسة كولوسي وايضا بين الجماعات التي خاطبها القديس يوحنا في رسائله وفي سفر الرؤيا، فسيكون هناك قوم يرتدون عن الإيمان (1تيمو1:4)، وآخرون سينكرون الإيمان (1تيمو8:5)، وغيرهم سيرفضون إيمانهم الأول (1تيمو 12:5)، وآخرون سوف يزوغوا عن الإيمان (1تيمو21:6).
كتبت الرسالة الأولى لتيموثاوس عام 64م من روما قبل سجنه الأخير في روما والرسالة الثانية إلى تيموثاوس وهو أسقف كنيسة الأفسسيين، وقد كتبها من روما عام 67م عندما أستدعي للمرة الثانية للمثول أمام نيرون الطاغية.
أما الرسالة إلي تيطس اسقف كريت فقد كتبت عام 64 م من روما. وهذا التعليم الأساس الخاص بقيادة الكنيسة حيث أن التسميتين ” شيوخ ” و”أساقفة” تعني لقبان استعملا بالتبادل لوظيفة روحية واحدة (تي5:1، 7، أع 17:20،28) في العصر الرسولي تشيرأولهما إلى المنزلة والمقام وثانيهما إلي الوظيفة والواجبات.
الرسالــة الأولــى إلى تيمـوثـــاوس
تعطي هذه الرسالة تفويضاً كتابياً للرسول تيموثاوس للعمل كممثل للرسول بولس، ولذلك نجد أن جزءاً كبيراً من هذه الرسالة مرتبط مباشرة بشخصية القديس تيموثاوس، وبحياته الخاصة ونشاطاته. وهي بجملتها توضح فكر القديس بولس الأصيل والموثوق منه. كما تصف هذه الرسالة بكل وضوح كيف ينبغي أن يعيش إنسان الله.
الاصحاح الأول يبدأ ب ” بولس رسول يسوع المسيح … إلي تيموثاوس الابن الصريح في الإيمان ، نعمة ورحمة وسلام من الله أبينا والمسيح يسوع ربنا “(تيمو1:1-2).
نلاحظ هنا أن البركة الرسولية في الرسائل الرعوية الثلاث هي “نعمة ورحمة وسلام ” لأنها مقدمة لتسند وتقوي الأساقفة في خدمتهم. ثم يدعوه لمقاومة التعليم الكاذب والخرافات التي تسبب مباحثات دون بنيان الله في الإيمان.(1تيمو 3:1-11) لأن” غاية الوصية هي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء”(1تيمو5:1). ذاكراً اختبارة الشخصي وخلاصه ” أنا الذي كنت قبلا مجدفاً ومضطهداً ومفترياً. لكني رحمت لأني فعلت بجهل في عدم إيمان.” (1تيمو 12:1-15)، ثم يختتم الأصحاح بتذكير تيموثاوس بأنه “مختار من الله وعليه أن يحارب المحاربة الحسنة بإيمان وضمير صالح، محذرا إياه من هيمينايوس والإسكندر اللذين أسلمهما القديس بولس للشيطان لكي يؤدبا حتي لا يجدفا”.
في الاصحاح الثاني يبدأ الرسول بولس بذكر وصاياه وتعاليمه لتيموثاوس فيما يختص بالحياة الكنسية والتعليم بها، على أن تُقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات في الصلاة لأجل جميع الناس،لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوي ووقار. … لأن الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون. (1تيمو1:2- 4). أيضاً على النساء أن يمتنعن عن التبهرج بل يكونون في حشمة وورع، ساعين بأعمال صالحة، وأن مكان المرأة اللائق بالنسبة للرجل ظاهر من الطريقة التي ‘خُدعت بها حواء فتعدت وصية الله. لأن المرأة مدعوة للأمومة، وهي ستخلص بولادة الأولاد إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة.(1تيمو9:2-15).
في الاصحاح الثالث يتكلم الرسول عن صفات ومؤهلات الأسقف وكذلك الشماس، فيجب ان يكون الأسقف متزوجا مرة واحدة، بخلاف الكثيرين الذين اهتدوا إلى الإيمان وكان لهم علاقات جنسية غير مرضية، مضيفاً للغرباء،غير مدمن للخمر وأن يكون حليماً غير مخاصم، ولا محب للمال يدبر بيته حسناً وله أولاد صالحين (1تيمو2:3-5). كذلك الشماس يجب أن يكون وقوراً، وقد أنشأ الرسل هذه الخدمة في الكنيسة في أورشليم (أع1:6-6) للعناية بالحاجات المادية في الجماعة، وبخاصة الأرامل اليونانيات. والشموسية هي وظيفة قيادية في الكنيسة (1تيمو8:3-13). وفي العصر الرسولي كانت هناك شماسات مثل فيبي الشماسة (رو1:16). ثم اختتم الاصحاح بأن وجه ارشاداً عن كيفية التصرف في بيت الله الذي هوكنيسة الله الحي عمود الحق وقاعدته” وبالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد تبرر في الروح تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم، أومن به في العالم رُفع في المجد” (1تيمو16:3).
في الاصحاح الرابع يذكرالرسول بولس أن الروح يقول إنه في الأزمنة الأخيرة والتي بدأت بقيامة الرب يسوع المسيح وتستمر حتي مجيئه الثاني، سوف يرتد قوم عن الإيمان الصحيح تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين عن طريق معلمين كذبة ينادون بقواعد صارمة، لكي يظهروا للناس أبراراً عن طريق قهرهم الشديد للجسد، لأن ذلك لا يستطيع ان يرفع الخطيئة كما جاء في (كو20:2-23). كما أن هؤلاء المعلمون الكذبة ينادون بالامتناع عن الزواج وعن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين وعارفي الحق، لأن كل ما خلقه الله جيد ولا يجب أن يرفض منه شيء إذا أُخذ مع الشكر لأنه يُقَدس بكلمة الله والصلاة، ولكن عن طريق الإستخدام الجيد، فالشراهة في الأكل تسيء عطية الله للطعام الجيد، كذلك الشهوة تسيء استخدام عطية الله للمحبة، فما حلله الله يجب ان يكون لخدمته وإكرامه ويستحق منا الشكر لله علي عطاياه الحسنة (1تيمو 3:4- 5). ثم يقدم القديس بولس النصح والارشاد للقديس تيموثاوس بأن “لا يستهين أحد بحداثته وصغر سنه بل يجب أن يكون قدوة للمؤمنين في كلامه في التصرف في المحبة في الروح في الإيمان في الطهارة. وآلا يهمل الموهبة المعطاة له بالنبوة مع وضع أيدي الشيوخ. وأن يلاحظ نفسه والتعليم مداوماً على ذلك، لكي تخلص نفسك والذين يسمعونك.” (1تيمو12:4-16).
في الاصحاح الخامس يعطي الرسول بولس ارشادات لتلميذه تيموثاوس بخصوص خدمته كأسقف في حداثته بأن يتعامل مع الناس بالحق، بعاطفة صادقة وانضباط واع، وليس من اللائق له أن يزجر رجلاً أكبر منه سناً ،بل يعظه كأب والأحداث كإخوة والعجائز كأمهات والحدثات كأخوات بكل طهارة (1تيمو1:5).
ثم يقدم إرشادات بشأن الأرامل المعوزات، بضرورة الاهتمام بهن. أما الارامل الحدثات فخير لهن بالزواج ثانية ويتحملن مسؤولية انجاب الاطفال وتدبير المنزل (1تيمو3:5-16). ثم القى على عاتق تيموثاوس كأسقف بمسؤوليات خاصة من جهة الشيوخ المدبرين حسناً (الكهنة) لسد احتياجاتهم واحتياجات اسرهم المالية، لأنهم يقومون بتعليمنا وإرشادنا روحياً، والكتاب يقول:” لا تكم ثوراً دارساً . والفاعل مستحق أجرته. ومن جهة إختيار الكهنة فيحذره من وضع يده على أحد بعجلة ولا بد أن يكون جديراً بهذا المنصب، ويجب التأكد من مؤهلات الشخص قبل أن يدعى للخدمة الكهنوتية، ثم يعطي الحل لتيموثاوس بشرب قليل من الخمر كعلاج لمعدته وأسقامه الكثيرة (1تيمو17:5-23).
في الاصحاح السادس أوضح القديس بولس أنه في المسيحية يكون السادة والعبيد متساويين روحيا كإخوة وأخوات في المسيح وفي الإيمان(غل28:3). وأعطى إرشادات للعبيد المسيحيين والسادة المسيحيين، فالعبيد يجب ان يكونوا عبيداً صالحين ويكرموا اسيادهم، وعل السادة المؤمنين اكرام واحترام عبيدهم. ثم يوجه القديس بولس نظر تيموثاوس إلى المعلمين الكذبة ومحبة المال، فهؤلاء الناس ينشغلون بمباحثات ومماحكات كلامية بها يثيرون منازعات وتساؤلات ليست من أجل البنيان. ظانين أن التقوى تجارة لذلك اختاروا وظيفة معلمين دينيين تؤهلهم للحصول على مرتب عال، وبذلك يحولون أقدس المهن الروحية إلى حرفة لكسب المال. (1تيمو2:6-5). غير عالمين أن التقوى مع القناعة هي تجارة عظيمة. “لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء. فإن كان لنا قوت وكسوة فلنكتف بهما ” (1تميو7:6 -8). فأبونا السماوي يعلم بكل احياجاتنا وقد وعد بأن يعطيها لنا دون أن نسأل أونطلب، ولكن على المسيحي أن يطلب أولا ملكوت الله وبره. أما أولئك الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيقول لهم “محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذا ابتغاه قوم ضَّلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة. وأما أنت يا إنسان الله فأهرب من هذا واتبع البر والتقوي والإيمان والمحبة والصبر والوداعة. جاهد جهاد الإيمان الحسن وأمسك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيت أيضاً واعترفت الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين.” (1تيمو 10:6-12).
يوضح هنا أن محبة المال والرغبة الجامحة في جمعه هي أصل لكل الشرور ما يؤدي بالبشر إلى أن يضلوا عن الإيمان ويطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة، ولكن المال في حد ذاته نعمة إذا استخدم استخداماً جيداً في خدمة الله. فالتقوى هي محبة الله والناس واقتناء بعض صفاته كالقداسة ” كونوا قديسين لأني أنا قدوس”(1بط16:1)، والمحبة “ومن لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة ” (1يو8:4)، والكمال” وعلى جميع هذه البسوا المحبة التي هي رباط الكمال”(كو14:3)، والتواضع “الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعين فيعطيهم نعمة”(1بط5:5)، أما الإيمان فهو يعني الأمانة والصبر، هو الثبات والاحتمال وقت التجربة في حين أن الوداعة هي اللطف وتواضع القلب. وأن الاعتراف الحسن أمام شهود كثيرين فهذا كان إشارة إلى معموديته. ثم يخاطب تلميذه تيموثاوس ويصفه بأنه “إنسان الله” أي يجعل الناس يفكرون في الله يعبدونه بكل تقوى ويمجدونه، وعليه أن يمسك بالحياة الأبدية التي صارت من نصيبه منذ لحظة اهتدائه. وأوصاه”بأن يحفظ الوصية بلا دنس ولا لوم إلي ظهور ربنا يسوع المسيح الذي سيبينه في أوقاته المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب الذي وحده له عدم الموت ساكناً في نور لا يُدنى منه الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية. آمين”(1تيمو14:6-17). وفي آخر الاصحاح يطلب من تيموثاوس قائلاً: ” احفظ الوديعة معرضاً عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العالم الكاذب الاسم الذي إذ تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان. النعمة معك .آمين “(1تيمو20:6-21).
الرسول بولس أدرك أن تلميذه تيموثاوس سيواجه الكثير من التعاليم التي تتظاهر بالمعرفة الحقيقية مثل الغنوسية في ذلك الوقت، وفي حقيقتها تقاوم الإعلان المسيحي. وكان هناك أيضا “العلم النصراني” والذي يدعي أن هذا النظام ذو طابع مسيحي، مدعيا بأن عنده المعرفة الحقيقية، لكنه كاذب الاسم، وهو ليس علماً ولا مسيحياً. أيضا كان هناك ما يسمي ب”المذهب العقلاني”، و”التيارات العصرية”، و”التيارات التحررية” وكلها بعيدة عن المسيحية الحقيقية. ثم أعطاه البركة الرسولية “النعمة معك” لأن نعمة الله هي التي سوف تسنده في جهاده ضد هذه التيارات الكاذبة وتوصله وشعبه إلي الحياة الأبدية في المسيح يسوع ربنا.
الرسـالــة الثـانـيـــة
الرسالة الثانية إلى تيموثاوس كتبت عام 67م تقريبا حينما قُبض على بولس وسجن في سجن مامرتايم في مدينة روما حسب التقليد، فيه كان يشعر بأن ساعة انتقاله من هذا العالم اصبحت وشيكة (2تيمو6:4)، ولم يكن باستطاعة أحد طرحه إلى الأسود أو صلبه لأنه مواطن روماني الجنسية، ولكنه كان لابد أن يستشهد بقطع رأسه بحد السيف. وكانت تجول في خاطره تعليمات وارشادات ونصائح كثيرة من ناحية ما تم تأسيسه بعون الله وارشاد الروح القدس من كنائس خارج فلسطين.
هذه الرسالة تعتبر “الكلمات الأخيرة” له وايضاً ” كلمات البركة الرسولية” وهي خلاصة محبته ومشاعره وحكمته وفطنته .
في الاصحاح الأول استهل الرسول بولس رسالته بمقدمة غاية في الرقة تنساب في كل عباراتها محبة لتلميذه تيموثاوس”ياولدي تيموثاوس” والتي يدعوه فيها “بالإبن الحبيب” (2تيمو1:1-5). مذكرااياه تيموثاوس أن يذكر دعوته وبأن يضرم موهبة الله التي فيه وأن يستخدم مواهبه بكل جرأة (2تيمو6:2-10)، وعليه أن يتمسك بالحق بكل قوة(2تيمو13:1-18).
في الاصحاح الثاني يشجعه بالنعمة التي في المسيح يسوع، وبأن ‘يعدَّ آخرين بما سمعه منه لمواصلة الخدمة {التسليم }( 2نيمو1:2-2). وما أجمل هذه الكلمات المفرحة المطمئنة لنفوسنا وأرواحنا “صادقة هي الكلمة أنه إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضا معه. إن كنا نصبرفسنملك أيضاً معه. إن كنا ننكره فهو أيضا سينكرنا. إن كنا غير أُمناء فهو يبقي أمينا لن يقدر أن ينكر نفسه” (2تيمو11:2 -13) وأن يكون منضبطاً مستعدا لاحتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح، وان تكون كل افكاره وأنظاره موجهة نحو المسيح يسوع ربنا، وأن يتمسك بالتعليم الصحيح ويتجنب المجادلات الغبية، مفصلا كلمة الحق بالاستقامة، وأن يحفظ حياته طاهرة. (2تيمو1:2- 26).
في الاصحاح الثالث يحذرتلميذه تيموثاوس من المقاومات التي سيواجهها هو وغيره من أناس غير مؤمنين في الأيام الأخيرة ويقول له فأعرض عن هؤلاء لأنهم يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين… لهم صورة التقوى ولكنهم منكرين قوتها. ويعلمون تعاليم باطلة.(2تيمو1:3-9). مطالبا إياه بمواجهة هؤلاء الضالين والمضللين كما قاومهم هوفي أنطاكية وإيقونية ولسترة مستمداً قوته من كلمة الله في الكتب المقدسة القادرة أن ‘تحكمه للخلاص الذي في المسيح يسوع ربنا ( 2تيمو10:3-15). ويعلن له أن” كل الكتاب هو موحي به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح.”( 2تيمو16:3-17).
في الاصحاح الرابع يناشد تيموثاوس أمام الله والرب يسوع أن يكرز بالكلمة في كل وقت، يوبخ وينتهر ويعظ، لأن لهم معلمون مستحكة مسامعهم فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلي الخرافات. وعليه أن يعمل عمل المبشر في تتميم خدمته (2تيمو1:4- 5). ثم يختم رسالته ببعض المتطلبات الشخصية، ويكشف بهذه الكلمات الأخيرة له عن إحساسه بالوحدة وعن محبته القوية الصادقة لإخوته وأخواته في المسيح يسوع ربنا (2تيمو9:4-22).
الرســـالة إلـى تـيـطــس
إن التقليد يذكر لنا أنه بعد اطلاق سراح الرسول بولس من سجنه الأول في روما عام 63م، سافربصحبة رفيقه تيطس وتوقفا في كريت لفترة قصيرة من الوقت، وعندما غادرها الرسول بولس ترك تلميذه تيطس هناك لرعاية الكنائس بها والاشراف عليها ” من أجل هذا تركتك في كريت لكي تكمل ترتيب الأمورالناقصة وتقيم في كل مدينة شيوخاً كما أوصيتك. “(تي5:1). وبكل حب وعناية عاون الرسول بولس رفيقة تيطس وهو يوناني الأصل مؤمن مؤهل للنمو في الروح ليصبح قائداً مسيحياً ناضجاً ومسؤولاً كبيراً في الكنيسة، وقد جاءت الرساله إل تيطس خطوة أخرى في عملية تلمذته وأيضا لكي يعرف كيف يقوم الرسول تيطس بترتيب الكنائس وقيادتها. وهذه الرسالة شبيهة بالرسالة الأولى إلى تيموثاوس من حيث الغرض منها وهوإعطاء التعليمات بخصوص ترتيب الكنيسة وتنظيمها.
في الاصحاح الأول بدأ بولس كعادته بالتحية والمقدمة ولكنها جاءت أطول مما في بقية رسائله، معطياً “البركة الرسولية” لتيطس بقوله: “نعمة ورحمة وسلام من الله الآب والرب يسوع المسيح مخلصنا “(تي1:1-4) لأنها موجهة إلى أسقف منطقة في أمس الحاجة الى الكرازة ، موجزاً فيها تطورات القيادة وخدمة الرسول بولس، ومسؤوليات تيطس، والقادة الذين سوف يقيمهم ويدربهم. (تي5:1)، ثم يتطرق الرسول إلى مواصفات هؤلاء الشيوخ الذين يكلفون بالكرازة والتعليم بالكنيسة، موضحاً الفرق بينهم وبين القادة والمعلمين الكذبة (تي10:1-16).
في الاصحاح الثاني أكد على أهمية الأعمال الصالحة في حياة الإنسان المسيحي، مذكراً تيطس بأن يعلم بما يوافق التعليم الصحيح (تي1:2)، وطريقة التعامل مع الفئات المختلفة من الأعمار {الشيوخ، العجائز والاحداث} (تي2:2-6) ، مقدما نفسه قدوة ومثالا صالحا للمؤمنين الناضجين (تي7:2-8)، ناصحاً إياه أن يعلم بكل أمانة وشجاعة وسلطان (تي 9:2). ” لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوي في العالم الحاضر. منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة. تكلم بهذه وعِّظْ ووبِّخْ بكل سلطان. لا يستهين بك أحد” (تي10:2-15).
في الاصحاح االثالث يطالب الرسول من رفيقه تيطس بأن يذَّكر المؤمنين المسيحيين بمسؤولياتهم العامة في المجتمع(تي1:3-8). وأيضاً عليه أن يتجنب المباحثات الغبية والخصومات والمنازعات الناموسية التي تقود إلى الانقسامات (تي9:3-11). وفي نهاية الرسالة يبعث برسائل شخصية وتحيات وداعية (تي12:3-15).
تاسعـــأ الرسـالــة إلــي فليمــون
هذه الرسالة تتكون من إصحاح واحد ورغم قصرها إلا أنها تبرز شخصية مرسلها الرسول بولس، وقد كتبها له أنسيموس عام 60م أثناء سجنه الأول في مدينة روما. وقد بدأها بتحيته المعتادة مشركا معه تيموثاوس” بولس أسير يسوع المسيح وتيموتاوس الأخ” (8) وهي موجهة لفيليمون الذي كان مؤمنا مسيحيا حقيقيا ومضيفا للكنيسة في بيته. ويتضح من الرسالة أن فليمون كان له عبد إسمه أنثيمس هرب منه، ولما التقى أنثيمس بولس في السجن بروما ، قام الأخير بتبشيره فاعتنق المسيحية، لذلك قال عنه القديس الرسول بولس ” ابني أنثيمس الذي ولدته في قيودي”. وقد وصفه بقوله ” الذي كان قبلا غير نافع لك ولكنه الآن نافع لك ولي ” ونتيجة دخوله الإيمان المسيحي، شعر أنثيموس أن المحبة المسيحية تفرض عليه الرجوع إلي فيليمون وهو يعلم بأن رجوعه قد يعرضه لعقوبات صارمة. هذه الرسالة إلي فليمون هي التماس شخصي من القديس بولس من أجل أنثيمس العبد الهارب ، ملتمسا من فليمون أن يقبله لا كعبد بل كأخ في المسيح ” لأنه ربما لأجل هذا افترق عنك لساعة ليكون إليك إلي الأبد لا كعبد فيما بعد بل أفضل من عبد أخا محبوبا ولا سيما إلي فكر بالحري إليك في الجسد والرب جميعا ، فإن كنت تحبني شريكا فاقبله نظيري” (15-17).
في آخر السفر يطلب الرسول بولس من فيليمون أن يعد له منزلاً، لأنه كان يتوقع إطلاق سراحه من سجنه في وقت قريب.
إن هذا السفر الصغير، هو تحفة رائعة من أعمال النعمة، وصورة معبرة لعمل قوة المسيح والشركة المسيحية الصادقة المليئة بأواصل المحبة والرأفة والإخلاص.
عـاشـــرا الرسـالــة إلـي العبـرانييــن
هذه الرسالة منسوبة إلى الرسول بولس مع أنه لم يرد ذلك صراحة في نص الرسالة إسوة بباقي رسائله، ولكن ما يؤكد أن الكاتب هو ذاته بولس بدليل حديثه عن تيموثاوس ” كأخ” (عب23:13). وقد كتبت للعبرانيين الذين تحولوا إلي الإيمان المسيحي، ويريدون الإرتداد إلى اليهودية بسبب عدم نضوجهم في الإيمان المسيحي وعدم فهمهم للحق الكتابي (عب 1:2-3) وأيضا بسبب الاضطهاد الواقع عليهم من اليهود والرومان. وقد كتبت عام 68م ، والدليل علي ذلك هو أنها تذكر اشارات عن الذبائح والاحتفالات، ولم يأتِ ذكر لحريق الهيكل وخراب أورشليم علي يد تيطس الروماني سنة 70م. فعندما جاء ربنا يسوع المسيح في ملء الزمان أكمل الناموس والأنبياء وأعطانا الخلاص المجاني من خطايانا الموروثة قاهرا الشيطان والخطيئة، ونقض كل الحواجز للوصول إلي الله وملكوت السماوات من خلال عهد جديد أسسه بدمه غفراناً للخطايا. هذه الرسالة وثيقة ممتازة تنفرد بسيادة وتفوق العهد الجديد، وامتياز المسيحية علي اليهودية، لأن ربنا يسوع المسيح هو وحده مانح الخلاص وغفران الخطايا، وبذلك يكون ترك الرب يسوع المسيح هو تخلي عن خلاص الله.
في الاصحاح الأول يؤكد علي أن الله تدرج في الإعلان عن نفسه بما يتناسب مع قدرات الإنسان علي فهم أمور الله، فأعلن الله الديانة اليهودية وأعطاهم الناموس والوصايا العشر والنبؤات تمهيداً لإعلان المسيحية كما هو مكتوب “ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفدي الذين تحت الناموس لننال التبني” (غل4:4-5). فكلا من اليهودية والمسيحية هما إعلان إلهي (عب1:1-3). وأن المسيح له المجد “بعد ما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسما أفضل منهم…أليس جميعهم أرواحاً خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص.” (عب4:1- 14).
في الاصحاح الثاني شدد الرسول على أنه”يجب أن ننتبه أكثر إلى ما سمعنا لئلا نفوته. لأنه إن كانت الكلمة التي تكلم بها ملائكة قد صارت ثابتة وكل تعدٍ ومعصيةٍ نال مجازاة عادلة فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره قد ابتدأ الرب بالتكلم به ثم تثبت لنا من الذين سمعوا شاهدا الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب إرادته.”(عب1:2-4).
وعن سبب التجسد الإلهي في ملء الزمان يقول: ” فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس ويعتق أولئك الذين خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية. لأنه حقا ليس يمسك الملائكة بل يمسك نسل إبراهيم. من ثم كان ينبغي أن يشبه إخوته في كل شئ لكي يكون رحيما ورئيس كهنة أمينا فيما لله حتي يكفر عن خطايا الشعب. لأنه في ما هو قد تألم يقدر أن يعين المجربين.”(عب 14:2-18).
في الاصحاح الثالث يوضح الرسول سمو كهنوت ربنا يسوع المسيح الذي كان” كاهناً إلى الأبد على رتبة ملكي صادق”(مز 4:110) وأن رب المجد يسوع المسيح أسمى من موسى النبي وهرون الكاهن لأنهم من نسل لاوي(عب 1:3-4)”موسى كان أميناً في كل بيته كخادم شهادة للعتيد أن يتكلم به. وأما المسيح فكان علي بيته. وبيته نحن إن تمسكنا بثقة الرجاء وافتخاره ثابتة إلى النهاية “(عب 5:3-6). لقد كفل لنا الرب بدمه الذكي الكريم مغفرة خطايانا والدخول المستمر إلي محضر الله، في حين أن رئيس الكهنة كان يدخل مرة واحدة كل سنة في يوم الكفارة العظيم بدم ذبيحة حيوانية ولم تكن هذه الذبائح ‘تُطهر إلا من النجاسة الطقسية، وقد تحقق في رب المجد يسوع كل ما عجزت طقوس العهد القديم أن تحققه.
في الاصحاح الرابع يذكر الرسول أن ربنا يسوع المسيح له المجد يقدم لنا نحن المؤمنين راحة أفضل بإيماننا به رباً وفاديا ومخلصاً (عب 1:4-13). مقدما النصح والإرشاد بقوله” اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم…فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة لئلا يسقط أحد في عبرة العصيان هذه عينها”(عب7:4-13). مؤكدا “فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات يسوع ابن الله فلنتمسك بالإقرار. لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا بل مجرب في كل شئ مثلنا ماخلا الخطيئة. فلنتقدم بثقة لعرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونا في حينه.” (عب14:4-16).
في الاصحاح الخامس في العهد القديم كان الله يختار رئيس كهنة من الناس لكي يقدم قرابين وذبائح عن خطايا الشعب وأيضا عن نفسه، ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله، كذلك أيضا ربنا يسوع المسيح رئيس كهنة الخيرات العتيدة ورئيس السلام كان مختاراً من الله الذي قال له ” أنت ابني أنا اليوم ولدتك “(مز7:2) ، (مز4:110)، أيضا قال له ” أنت كاهن إلي الأبد علي رتبة ملكي صادق” (عب 21:7). ” الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي.” (عب 7:5-8 ) (1). لقد كانت حياة ابن الإنسان وهو علي الأرض حياة الاتضاع والتسليم والطاعة التامة للآب السماوي ،لذلك قال ” لهذا يحبني الآب لأني أضع نفسي لآخذها أيضا. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا. هذه الوصية قبلتها من أبي” (يو17:10-18).
ونظراً لأن اليهود المتنصرين كانوا غير ناضجين روحياً ورفضوا تخطي التقاليد العتيقة، ولم يكونوا قادرين على فهم ما يعلم به القديس بولس عن دور رب المجد يسوع المسيح كرئيس الكهنة الأعظم، لتمسكهم ببعض روابطهم اليهودية، لذلك يقول لهم الرسول بولس أنهم عديمي الخبرة في كلام البر كالأطفال الذين يحتاجون الى اللبن لا إلى طعام قوي وصارت حواسهم غير مدربة على التمييز بين الخير والشر.(عب 12:5-14).
في الاصحاح السادس يوضح لهم أن المبادئ الأساسية للإيمان هي التوبة والإيمان والمعمودية ووضع الآيادي قيامة الأموات والدينونة الأبدية، “لأن الذين استنيروا مرة وذاقوا الموهبة السماوية وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي وسقطوا لا يمكن تجديدهم أيضا للتوبة إذ هم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهرونه “(عب 4:6-6). لأن موقف الكنيسة منذ القرن الأول المسيحي من الذين دخلوا الإيمان المسيحي ثم تحولوا عن رب المجد يسوع المسيح عمداً ويستمرون في الرفض فهم غير مؤمنين ويرفضون الخلاص، لأنهم بذلك يجدفون على الروح القدس الساكن فيهم ويموتون في خطاياهم. لقد انتظر إبراهيم وعد الله بأن يعطيه نسلا، وإذ لم يكن له أعظم يقسم به أقسم له بنفسه، وانتظر إبراهيم خمس وعشرين سنة حتى ولد له إسحق (تك1:21-3).
الحجاب الذي يفصل بين القدس وقدس الأقداس في خيمة الإجتماع، كان يمنع حتي الكهنة من الدخول أو التطلع داخل قدس الأقداس. وكان رئيس الكهنة هارون يدخل داخل قدس الأقداس مرة واحدة كل سنة بدم عجول وتيوس ويقف أمام الله ليكفر عن خطايا الشعب وخطاياه. أما ربنا يسوع المسيح فهو في حضرة الله كل حين كرئيس كهنتنا ليشفع فينا أمام الآب علي الدوام (عب19:6-20).
في الاصحاح السابع ذكر بولس “ملكي صادق” وهو اسم عبري معناه ملك البر. وكان هو ملك ساليم أي ملك مدينة السلام ، لكي يوضح أن هناك من هو أعظم من إبراهيم الجد الأكبرللشعب الاسرائيلي والذي كان سبط لاوي من نسله، وبذلك يكون الكهنة اللاويين والكهنوت اليهودي أقل مرتبة من كهنوت ملكي صادق كاهن الله العلي الذي استقبلإبراهيم وهو عائد من الحرب وقدم له خبزاً وخمراً.
كهنوت ملكي صادق يرمز لكهنوت ربنا يسوع المسيح .
كان ملكي صادق ” بلا أب بلا أم بلا نسب. لا بداية أيام له ولا نهاية حياة بل هو مشبه بابن الله هذا يبقي كاهنا إلي الأبد”(عب3:7). وقد “استقبل إبراهيم راجعا من كسرة الملوك وباركه الذي قسم له إبراهيم عشرا من كل شئ ” (عب1:7-2).
كان الناموس في العهد القديم ‘يعرف الناس عن الخطيئة، لكي يتحرروا من عبودية الخطيئة المؤدية للهلاك الأبدي إلى طاعة البر الذي في تعاليم ووصايا ربنا يسوع المسيح بالعهد الجديد ” فإذ قذد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضا قد صار لنا الدخول بالإيمان إلي هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله ” (رو1:5-2).
“لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا “(رو4:5). إن ربنا يسوع المسيح كرئيس كهنتنا الأعظم، هو شفيعنا إلي الأبد وهو الوسيط بين الله وبيننا، كما أن رب المجد يسوع المسيح هو الآن في السماء جالس عن يمين الآب مما يؤكد لنا أنه دفع الثمن لخطايانا مرة واحدة وإلي الأبد وهو علي الصليب (رو32:8-34). فرب المجد يسوع المسيح قد أُسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا” (رو25:4).
وقد كانت ذبيحة الرب يسوع المسيح الكفارية علي الصليب كافية لخلاص كل المؤمنين به من شعوب العالم من آدم إلى يوم مجيئه الثاني، فقد نلنا بموته و بسفك دمه الذكي الكريم علي الصليب الحياة الأبدية.( رو22:7)، (رو25:7).
في الاصحاح الثامن يقول الرسول أن خلاصة الكلام هي أن لنا رئيس كهنة هو ربنا يسوع المسيح الذي جلس في يمين عرش العظمة في السماوات. خادماً للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان (عب1:8-2). كان كهنة العهد القديم يختارون من سبط لاوي فقط “الذين يخدمون شبه السماويات وظلها كما أُوحي إلى موسى وهو مزمع أن يصنع المسكن. لأنه قال أنظر أن تصنع كل شئ حسب المثال الذي أظهره لك علي الجبل ” (عب5:8-6). في العهد الجديد ذبيحة المسيح الكاملة التامة علي الصليب أنهت كل احتياج إلي ذبائح حيوانية. وهذا هو الطريق الأفضل والأكمل المكتوب في قلوبنا وأذهاننا وعقولنا بالإيمان بربنا يسوع المسيح فاديا ومخلصا . ففي العهد الجديد الروح القدس الساكن فينا يطهر ضمائرنا وقلوبنا ونياتنا ويذكرنا بوصايا الرب.
في الاصحاح التاسع نري أنه قد نصبت خيمة الاجتماع والمكونة من المسكن الأول وهو “القدس” الذي كان فيه المنارة الذهبية والمائدة وخبز التقدمة، ويدخله الكهنة كل حين للخدمة، ووراء الحجاب “قدس الأقداس “، فيه مبخرة من ذهب وتابوت العهد المغشى من كل ناحية بالذهب وفيه قسط المن المصنوع من ذهب وبداخله المن وعصا هارون التي افرخت ولوحي العهد. وفوقه كاروبا المجد الذهبيان مظللين الغطاء وهو ما يطلق عليه “عرش النعمة” . وكانت تقدم ذبائح حيوانية علي المذبح يوميا لمغفرة الخطايا (عب12:7-14). وكان رئيس الكهنة يدخل إلي قدس الأقداس بخيمة الاجتماع مرة واحدة في السنة يوم الكفارة العظيم بدم عجول وتيوس ليكفر عن خطاياه وخطايا شعبه (عب19:10).
كان الله يطالب الشعب أن يقدموا ذبائح حيوانية بلا عيب ويضعوا أيديهم علي رأس الحيوان قبل أن يذبح، مقرين بخطاياهم، وكان هذا إشارة إلى ربنا يسوع المسيح حمل الله الوحيد الذي بلا عيب وبلا خطيئة الذي “جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة… وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبدياً… فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي.” ( عب11:9-14).
فالدم هو الذي يسري في عروقنا لاستمرار حياتنا، وقد سفكه الرب يسوع المسيح علي صليب الجلجلة لأنه: “بدون سفك دم لا تحصل مغفرة”( عب 22:9)، حتى نجتاز نحن المؤمنون به الموت الروحي وهو الانفصال الأبدي عن الله، وبذلك أصبح ربنا يسوع المسيح هو مصدر حياة أبدية لنا. فبقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث كسر شوكة الموت معلنا لنا انتصاره علي الخطية والموت، ” ولكنه الآن قد أظهرمرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه ” (عب26:9)، ويشير انقضاء الدهور إلى زمان مجيئه الأول لكي يتمم نبؤات العهد القديم، فقد ولد ربنا يسوع المسيح وعاش علي الأرض واهباً عصراً جديداً هو عصر النعمة والمغفرة والذي سوف يستمر حتى يوم مجيئه الثاني. “وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة هكذا المسيح أيضاً بعد ما قدم مرة ولكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر مرة ثانية بلا خطيئة للخلاص للذين ينتظرونه ” (عب 27:9).
في الاصحاح العاشر كان الشعب في يوم الكفارة العظيم من كل سنة يجتمعون لتقديم ذبائح متذكرين خطاياهم ، ويشعرون مرة أخرى أنهم مذنبين يترجون مغفرة خطاياهم، ونظرا “لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا “(عب 4:10)، لذلك فهم في احتياج لمغفرة خطايا دائم وهذا لن يتحقق إلا بربنا يسوع المسيح الذي يمحوالخطايا ويرميها في بحر النسيان بمجرد أن نعترف له بخطايانا ونتوب عنها ثم نتقدم للتناول المقدس من جسده الطاهر ودمه الذكي الكريم. ثم اقتبس الرسول بولس من (مز6:40-8)” بمحرقات وذبائح للخطيئة لم تسر. ثم قلت هاأنذا أجئ في درج الكتاب مكتوب عني لأفعل مشيئتك يا الله… ثم قال هاأنذا أجئ لأفعل مشيئتك يا الله. ينزع الأول لكي يثبت الثاني. فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة.”(عب 6:10-10). فقد كان صعود الرب يسوع المسيح إلي السماوات وجلوسه إلى الأبد عن يمين الله يعني انتهاء نظام الذبائح الحيوانية . ” وأما هذا فبعد ما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلي الأبد عن يمين الله منتظرا بعد ذلك حتي تضع أعداءه موطأً لقدميه. لأنه بقربان واحد قد أكمل إل الابد المقدسين “(عب13:10-14)، المسيح ربنا جالس علي عرش الملك والسلطان لأن خدمة قربانه قد اكتملت، وبموت ربنا يسوع المسيح على الصليب انشق حجاب الهيكل الرمزي من أعلى إلى أسفل (مت51:27-53) معلنا أن كل شئ قد ‘أكمل ” لأنه بقربان واحد قد أكمل إلي الأبد المقدسين. ويشهد لنا الروح القدس أيضاً ” (عب14:10-15)، فقد أكمل لنا النبؤات وأكمل لنا الخلاص ووهبنا الحياة الأبدية. ثم ينتقل بعد ذلك إلي تقديم دعوته بالثبات في الإيمان والرجاء والمحبة والأعمال الحسنة (عب19:10-25). معلنا الدينونة المخيفة لأولاد الله إذا أخطأوا بإختيارهم حيث “لا تبقي بعد ذبيحة عن الخطايا” (عب 26:10-27). “مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي “(عب31:10) “لأنه بعد قليل جدا سيأتي الآتي ولا يبطئ. أما البار فبالإيمان يحيا وإن ارتد لا تسر به نفسي. وأما نحن فلسنا للإرتداد للهلاك بل من الإيمان لإقتناء النفس” (عب 37:10-39).
في الاصحاح الحادي عشر وصف الرسول بولس الإيمان بكلمتين محددتين وهما “الثقة ” و”الإيقان”، ويلزم لذلك أن يكون هناك نقطة بداية ونقطة نهاية.
ونقطة البداية فهي أن نؤمن ونصدق أن الله موجود. ونقطة النهاية هي أن نؤمن بكل وعوده لأنه صادق وأمين، لأن الله ” ليس إنساناً فيكذب ولا ابن إنسان فيندم. هل يقول ولا يفعل. ويتكلم ولا يفي” (عد 19:23).
ثم قام بعرض قائمة لأبطال الإيمان بالعهد القديم بحسب التسلسل التاريخي بشئ من التفصيل. مظهراً ادراكهم للحقائق الالهية غير المنظورة وعلي ثقتهم في ما هوعتيد أن يحققه لهم الله رغم أن المظاهر المنظورة والطبيعية كالسن يوحي بالنقيض (عب 9:11-11،17-18). ولكن الضمان الوحيد والأكيد الذي فيه الكفاية فهو في الله الحي وأمانته، لذلك نرى النبي موسى مثلا ” تشدد كأنه يرى ما لا يُرى. “(عب27:11)، وكان “حاسباً عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر لأنه كان ينظرإلي المجازاة ” (عب26:11). وأمثال هؤلاء وغيرهم من الشهداء يتخذهم الله خاصة له، ويتنازل ليدعي لهم الها، ويطلق على هذا الاصحاح الحادي عشر من الرسالة إلى العبرانيين ” باصحاح أبطال الإيمان” ونجد أنه ختم هذا الاصحاح بقوله “فهؤلاء كلهم مشهودا لهم بالإيمان لم ينالوا المواعد إذ سبق الله فنظر لنا شيئاً أفضل لكي لا يكملوا بدوننا. “(عب39:11-40).
في الاصحاح الثاني عشر يحثنا الرسول على الرجاء الذي لنا في ربنا يسوع المسيح، متحلين بالصبر والجهاد ضد الخطيئة بقوة الروح القدس الساكن فينا “ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً بالخزي فجلس في يمين عرش الله.” (عب2:12)، ولا يجب أن نضعف أونخور من الإطهادات والمضايقات لأن لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا.
ثم قام الرسول بتذكيرنا فقال” لم تقاوموا حتي الدم مجاهدين ضد الخطيئة “(عب4:12)، وعلينا ألا نحتقر تأديب الرب “لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله” (عب6:12)، لأن تأديب الرب هذا لكي نشترك في قداسته (عب10:12). ثم يقدم لنا النصح والارشاد فيقول “اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب” (عب 14:12). وأعطانا مثالاً حياً وهو عيسو” الذي لأجل أكلة واحدة باع بكوريته. فإنكم تعلمون أنه أيضا بعد ذلك لما أراد أن يرث البركة رُفض إذ لم يجد للتوبة مكانا مع أنه طلبها بدموع” (عب16:12-17).
في العهد القديم تقدم الشعب بخوف ورعدة إلي الله في جبل سيناء، أما في العهد الجديد فإن اقتراب الشعب إلي جبل الزيتون كان بفرح، لأن الله في العهد القديم كان يبدو بعيداً مخيفا حتي أن موسى النبي قال أنا مرتعب ومرتعد(عب21:12)، لكن بعد مجئ ربنا يسوع المسيح إلي العالم، صار لنا قبول إلي حضرة الله من خلال المسيح ربنا. وصار المسيحيون شركاء في أورشليم العلوية، لأن ربنا يسوع المسيح يملك على قلوبنا وأرواحنا ، والروح القدس ساكن فينا. أورشليم العلوية هي حقيقة كتابية أعلنها لنا الروح القدس في (رؤ 2:21).
الشعب الإسرائيلي عند جبل سيناء كان يستعفي من المتكلم، ووجدوا أن صوته زعزع الأرض، واما الآن فإن الله يتكلم بالرحمة بواسطة الدم المرشوش، ولذلك يجد المسيحيون أنفسهم أمام من يخاطبهم في السماويات ليكشف لهم الحقائق الأخروية، علما بأن إله العهد القديم هو إله العهد الجديد ذاته وهو نفسه المتكلم في كل الأحوال بصرف النظر عن الطريقة التي يتكلم بها.
لقد أعلن لنا الله في المسيح بواسطة الأنبياء كما ورد في (حج6:2) وأنه سينهي تعامله مع الكون بفعل دينونة حاسمة مزعزعا السماوات والأرض معاً (مر31:13)، (2بط7:3 )، وبذلك ننتقل من النظام الزمني إلى النظام الأبدي، فالنظام الزمني فيه الأشياء متزعزعة كمصنوعة لكي تبقى التي لا تتزعزع في النظام الأبدي ( عب25:12-29).
في الاصحاح الثالث عشريشدد الرسول بولس على” المحبة الأخوية في العائلة المسيحية ” من ضيافة الغرباء(10) (عب2:13)، التعاطف مع المقيدين في السجن والمذلين في الجسد (عب 3:13)، إحترام الزواج (4:13)، قناعة واكتفاء الإنسان بما يمتلك وألا يشتهي ما للغير(عب 5:13)، التعاطف مع المسيحيين المسجونين بسبب إيمانهم فزيارة المسجونين كأنما زار المسيح يسوع نفسه (مت36:25)، ونحترم قادتنا الروحيين، وأن نذهب إلي المسيح خارج المحلة حاملين عاره الذي احتمله (عب13:13). هذه المميزات والالتزامات المسيحية الخاصة تؤهلنا للدخول إلي الحضرة الالهية بالإيمان والرجاء والمحبة الأخوية في العائلة المسيحية وهي الكنيسة.
هذه كلها جاءت وليدة الحقيقة العظمى التي جاهد من أجلها القديس بولس وهي أن ربنا يسوع المسيح هو المخلص الوحيد الذي ليس بأحد غيره الخلاص.
سجـنـــه ثـم اسـتـِشـهــاده
سجن الرسول القديس بولس في روما للمرة الأولي في الفترة بين عام 61م وعام 63م . وكان الحراس في السجن يتناوبون على حراسته مرتين يوميا، وكان هؤلاء الحراس والمسجونين معجبين بهذا الأسير الممتلئ فرحا وتسبيحا رغم قيوده وسلاسله. وعندما كانوا يسألونه عن سبب فرحه كان يحدثهم ويشرح لهم أن سبب فرحه هو الرب يسوع المسيح الذي ظهر له في الطريق إلى دمشق ودعاه للكرازة بإسمه المبارك، وكان ينتهزها فرصة لتبشيرهم بديانته الجديدة، وكانوا يتحدثون عنه مع بعضهم البعض في معسكرهم. ومن كثرة تعلقهم به بدأت مجموعات صغيرة تتوافد إليه لزيارته والإستماع لكرازته بالمسيح ربا وفاديا ومخلصا، كقوله ” ثم أريد أن تعلموا أيها الإخوة أن أموري قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل. حتي أن ثقتي صارت ظاهرة في المسيح في كل دار الولاية وفي باقي الأماكن أجمع” (في 12:1-13)، مما كان له أثرا كبيرا في نفوس فرقة الحراسة خلال هذين العامين. ومع كونه مقيدا ومسجونا إلا أنه كان يدرك مقدار المسؤولية الموضوعة عليه وهي الاهتمام بجميع الكنائس التي أسسها والتي زارها كارزاً فيها . فكان يرسل إليهم من وقت لآخر رفقاءه المحيطين به كما كان ‘يحملهم برسائله للاطمئنان عليهم ولكي يثبتهم في الإيمان. وأخيرا بعد عامين كاملين مسجوناً وقف المجاهد في سبيل المسيح رسوله بولس أمام محكمة نيرون الاستئنافية، وشاءت العناية الالهية أن يصدر الحكم لصالحه. لأن اليهود المتعصبين سئموا وملوا من مطاردته فسكتوا ويبدوا أن التقارير الواردة من فستوس الوالي وقائد المئة يوليوس الذي كان مكلفا بحراسته حتى أوصله إلى رومية وأيضا شهادة الضباط الذين تناوبوا علي حراسته أثناء سجنه كان لها أثر كبير في براءته، وفوق كل ذلك كان القضاة الرومانيون لا يهتمون بالشكليات اليهودية، لذلك جاء الحكم ببراءته ففكوه من قيوده وأطلقوا سراحه. فذهب علي الفور ليستكمل رسالته العظمى التي كلفه بها ربنا يسوع المسيح عندما ظهر له وهو في الطريق إلي دمشق.
بعد خروجه من السجن الأول في روما لم يهدأ بولس بل زاد من نشاطه في الكرازة، فترك روما وذهب إلي كولوسي وأقام في بيت فيليمون، وهناك التقى للمرة الثانية مع أنثيموس. ومن كولوسي قام ببعض الزيارات الرعوية لجميع الكنائس التي أسسها في هذه البلاد المحيطة لكي يثبتهم في الإيمان ويعضدهم لكي تستمر خدمتهم الكرازية والرعوية. بعد ذلك سافر عن طريق البحر حتي وصل إلي أسيا الصغرى والبلقان وايطاليا وأسبانيا حيث قام بالكرازة وبتأسيس كنائس في هذه البلاد. ثم عاد إلي ترواس حيث تم القبض عليه بأمر من الطاغية نيرون و‘رحل إلي سجن مأمرتايم بمدينة روما حسب التقليد عام 67م. ووقف رسول الامم القديس بولس أمام نيرون الامبراطور الطاغية للمرة الثانية وكانت التهمة هذه المرة أنه زعيم لجماعة المسيحين الذين، اتهموا كذبا أنهم، قاموا بإحراق مدينة روما العريقة، ولم تستمرالمحاكمة طويلا وصدر الحكم بالاعدام، ولم يكن مع القديس بولس محام ليدافع عنه ولم يكن معه هناك أحد من المسيحيين أو الأصدقاء، حتى تلميذه تيموثاوس الذي كان يلقبه بإبنه لم يكن هناك. ونظرا لأن القديس بولس مواطن روماني لم يعدم شنقا أو مصلوباً أو رميا بالحجارة.
استشهد القديسان العظيمان بطرس وبولس هامتا الرسل في منطقة روما عام 67 م، وقد استشهد القديس بطرس مصلوبا منكس الرأس، والقديس بولس بقطع هامته بحد السيف خارج مدينه روما حيث كانت ساحة الاستشهاد علي طريق أوستيا. ولم يكن هناك أحد يحمل جسديهما في إعزاز ويبكي عليهما أو يواريهما التراب بكرامة واعزاز.
الخاتمة
باستشهاد القديسين العظيمين هامتي الرسل مؤسسي الكرسي الانطاكي ومؤسسي كرسي رومية الرسولين بطرس وبولس ارتفعت روحاهما الطاهرتين وانطلقتا إلي أرض الأحياء إلي راحتهما الأبدية وسط جوقة من الملائكة والقديسين المسبحين والفرحين والمهللين إلي فردوس النعيم وقد نال رسول الجهاد الامين القديس بولس بعد كل هذا الجهاد الامين وفتح كل هذه الكنائس في كل مكان بوصفه رسول الامم وبعد هذا الكم من التنظيمات والاوامر والنواهي التشريعية الرائعة التي نظم بها الكنيسة نال اشتياقه على حسب قوله:
“لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جداً “(في23:1).
لقد نال شهوته وتحقق مراد الرب يسوع في تلك المقابلة الرهيبة في الطريق الى دمشق وفيها صار القاتل والمضطهد الرسول المصطفى والاناء المختار رسول الامم ورسول الجهاد الامين ومشرع الكنيسة الساعي مستقيماً الى حقيقة الانجيل محذراً اياناً من الذئاب الخاطفة التي تأتينا بثياب الحملان.
شفاعته فلتكون مع كنيسته التي اسسها واقتناها بدموع وقد خدمتها يداه الطاهرتين.
حواشي البحث
(1) كان القديس برنابا الرسول من أوائل الذين باعوا ممتلكاتهم وألقوها عند أرجل الرسل
(2)أليس هذا عجباً، عرضوا عليه الإلوهية فرفض لإيمانه بالإله الواحد الذي لاتوجد آلهة غيره، فيكون جزاؤه الرجم. ما أعجب أعمالك يارب وطريقة تعاملك مع الإنسان !!! فرجم استفانوس قد أعطى الكنيسة القديس بولس الرسول الكارز العظيم، ورجم القديس بولس أعطى الكنيسة القديس تيموثاوس الذي جاهد معه إلى حد أن دعاه القديس بولس ب “ابنه” “ياولدي تيموثاوس”.
(3)لم تُسند إلى القديس بطرس رئاسة المجمع الرسولي الأول، ولو كان رب المجد يسوع قد عينّ القديس بطرس رئيساً للرسل كما يدّعي البعض، لسمح له الرسل بأن يرأس هذا المجمع الرسولي الأول. ولكن هذا الادعاء كان ذريعة لترؤس باباوات كرسي رومة على الكنيسة، وعلى ذلك فهذا الشرف الرئاسي كان يجب ان يكون لبطريرك انطاكية فهو وبولس من اسسا اول كرسي وهوالكرسي الانطاكي وهو كان اول بطاركته قبل تأسيس ورئاسة كرسي روما بعقدين من الزمان فكرسي انطاكية تأسس عام 42مسيحية واعتلاه بطرس كأول (اسقف) بطريرك (شيخ العشيرة) السنة 45مسيحية، بينما اسس هامتا الرسل بولس وبطرس كرسي رومية السنة 64 مسيحية واعتلاه بطرس كأول الاساقفة بتسمية بابا اي اب.
(4)كانت الشريعة الموسوية تحكم بأنه لإقامة مجمع لابد من وجود عشرة رجال أو أكثر، في حين أن وجود ألف إمرأة لايكفي لإقامة مجمع. علما بأن الرب بعد قيامته من بين الأموات ظهر للنسوة أولا لأنه حررالمرأة من لعنة الناموس كما حرر الرجل. وهكذا شاءت العناية الإلهية أنه في أولى مدن أوربة تتلقي المرأة البشارة من رسول الأمم، فهي قلب الكنيسة النابض لكونها مسؤولة عن بيتها وعن بيتها وأولادها في تعليمهم جيلا بعد جيل ترضعهم اللبن الروحي مع اللبن الجسدي.
(5)الكنيسة في روما بدأت باليهود الذين سافروا إلى أورشليم لحضور العيد وسمعوا عن السيد المسيح وحلول الروح القدس يوم الخمسين(أع2)، فآمنوا ونالوا العماد ولما عادوا إلي روما ذاع الإيمان وانتشر.
(6)البار هو الإنسان الذي يستطيع أن يقف أمام الله بدون لوم يوم الدينونة العظيم.
(7)فعند قيامة الرب يسوع من الموت في اليوم الثالث أصبح “روحاً محيياً” (1كو45:15)، وهذا معناه أن الرب عندما تمجد بصلبه وموته وقيامته وصعوده إلي السماوات أصبح في صورة أخرى من الوجود فهو حي في السماء وفي قلوب المؤمنين في نفس الوقت، وهذا سر لا يدرك حقيقة وجوده إلا المؤمنون بأن المسيح في داخلهم.
(8)لأن ربنا يسوع المسيح كان يعلم أن الشيطان يريد ويعمل جاهدا ويخطط لموته قبل الصلب لكي يعرقل ويلغي صلبوته ولذلك كان المسيح يتضرع للقادر أن يخلصه من الموت، ولذلك قال “لأجل هذا أتيت لهذه الساعة” (يو27:12) ، كما أنه “… انتهر بطرس قائلا اذهب عني يا شيطان . لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس . ” (مر31:8-33).
(9) قدم له أبونا إبراهيم العشور من الغنائم التي استولي عليها عندما هب لنجدة ابن أخيه لوط من الذين أسروه (تك18:14-23 ) ، وقد قبلها “ملكي صادق”.
(10) أستضاف ثلاثة رجال من العهد القديم ملائكة وهم لا يدرون ، الأول هو إبراهيم (تك1:18-5)، والثاني هو جدعون (قض11:6-24) ، والثالث هو منوح (قض2:13-21).
من مصادر البحث
كتاب تاريخ انطاكية للدكتور اسد رستم
كتاب بولس الرسول للبطريرك الياس الرابع
كتاب تاريخ انطاكية لخريستموس بابا دوبولس
كتاب بولس الرسول للدكتور جميل زكي فلتاؤوس
تاريخ الكرسي الانطاكي د.جوزيف زيتون-موقعه هنا
مختصر تاريخ الكرسي الانطاكي د.جوزيف زيتون- موقعه هنا
كتاب تاريخ الكنيسة المسيحية تعريب المطران الكسندروس جحا