دمشق والصناعة في تاريخها
تمهيد
عرفت الصناعة في العالم القديم فان توبال بن قايين كان اول ضارب بالمطرقة.
وكانت عند قدماء اليونان موهبة من اثينا الهة الحكمة وقد وصف هو ميروس ابو الشعراء اليوناني الضرير كثيراً من الصناعات والصنَّاع فوصف هيلانة تطرز بابرتها (راجع الالياذة العربية صفحة 324):
وجدَتها بالصرح تنسج ثوباً بحواشي البرفير والارجوانِ
وبرأس الخياط ترسم فيهِ واقعاتٍ أبلت بها الفئتانِ
ووصف المناضد المتحركة في صفحة 911 والحدَّاد هيفست اله النار في صفحة 911 أيضاً والحدادة 916 ومعادن قبرص الحديدية 625 وكوب نسطور والخراطة والصبغ للعاج والبرفير والصياغة وصياغة الفضة في صيدا. والصيقلة والغزل والنجارة وعمل المركبات والنسج الفينيقي وبناء السفن في كثير من الصفحات ومن ابدع وصفه ما ذكر فيه ترس أَخيل صفحة 925 وصفاً مطولاً منه:
أودعهُ نقشاً به تحارُ لحسنه الأنظار والأفكار
فالأرض والسماء والبحارُ منهن لاحت فوقه الآثارُ
وساطعُ الشمس وثمَّ البدرُ
وقد حذا حذوه المعتمد بن عباد ملك اشبيلية (الاندلس) يصف مجنَّاً فيه كواكب فضةٍ وقد أمره ابن المعتضد بذلك فقال:
مجنٌ حكى صانعوه السما لتقصر عنه طوال الرماحْ
وقد صوروا فيه شبه الثريا كواكب تقضى لهُ بالنجاح
اشتهر الآشوريون والبابليون والكلدان والمصريون…اشتهار الفينيقيين بالصنائع مما لا محل للافاضة فيه الآن.
دمشق وتوائم تاريخها وتاريخ الحرف الفنية ودور المسيحية
ولكن دمشق اشتهرت منذ بدء تاريخها بالصناعة والحرف، وتبلورت فنيات الحرفة والصناعة في دمشق المسيحية فيها … بصنائعها المتقنة وتميز الفنان الدمشقي المسيحي بفنه ورقيه لأن المسيحية قدست العمل اليدوي اكثر من التجارة لذا ازدهرت الحرف بيد المعلمين المسيحيين.
ولانخفي سراً ان قلنا انه وحتى اندحار الفرنجة من بلادنا في الفرن 13 كانت نسبة المسيحيين في سائر بلاد الشام عموماً وفي دمشق خصوصاً هو 60% من مجموع السكان، وقد انخفضت نسبتهم الى النصف بسبب ردات الفعل الدموية من مواطنيهم بكل اسف اذ اعتبروهم جهلاً وعند الحكام كان مقصوداً انهم مسيحيين كالفرنجة وقد حفزوهم على تلك الاضطهادات الدموية والتطهير العرقي كما فعل الظاهر بيبرس بأنطاكية واهلها وكانوا كلهم مسيحيين بابادة مائة الف ونقل من بقي منهم الى مصر واحلال مسلمين في انطاكية الامر الذي دفع الكرسي الانطاكي الى الانتقال من انطاكية المدمرة 1268 الى دمشق عام 1342. والبعض من المنصفين من المؤرخين النزيهين يقر بأن المسيحيين في بلاد الشام قاسوا الظلم والقتل والاستعباد ومحاولة فرض العقيدة الغربية بالقهر والقتل على المسيحيين الشرقيين من قبل الفرنجة، ويقرون بردات الفعل الدموي عليهم من مواطنيهم المسلمين ومن الحكام، وبمزيد من الاسف فان الكثير من مزوري التاريخ عندنا ومن دعاة الحاضر المتعصبين يعتبرون مسيحيي المشرق ويصرخون بأنهم صليبيين او من بقاياهم…
هنا لامندوحة من التذكير بأن مسيحيي المشرق هم اساس السكان وخاصة في سورية ومنذ قبل اعتناقهم المسيحية والمسيحية نمت في بلادنا والمسيح له المجد فلسطيني بالجسد… ومن سورية انطلقت وبالضبط من دمشق مع بولس الرسول.
مما لاشك فيه ان هذه الاحداث الدموية افنت الكثير من ارباب الحرف، ولكن التصميم والدأب دفع باعادة عجلة الصناعة برمتها الى التطور والرقي.
وبقيت هذه الصناعات الفنية والمسيحية برمتها راقية الى غزوة تيمورلنك لدمشق عام 1401م فانحطت وتلاشت. وقام تيمورلنك بعد ابادته العدد الكبير من رجال دمشق وشبابها من حاميتها ومن شعبها الذين قاوموا حصاره مدينتهم وأشعروه بالاهانة وهو القائد الحربي الدموي غير الرحيم الى ان استطاع اقتحامها ونكل بالمدافعين عنها وقطع رؤوسهم، واقام كعادته برجا من رؤوس الشهداء الدمشقيين في محلة برج الروس حاليا وكانت بيدراً، كما دمر دير الصليب المقدس الرهباني (بستان الصليب وهي كنيسة الصليب المقدس اليوم ومدرسة القديس يوحنا الدمشقي ودار جمعية القديس غريغوريوس الارثوذكسية لتربية الايتام ورعاية المسنين) وحرث أرضه وقطع رؤوس رهبانه وأضافها الى بقية رؤوس الشهداء في برج الرؤوس، واسترق كل حرفييها وفنانيها الى بلاده وهناك اقاموا صروح الحضارة الدمشقية وكان منها قصر تاج محل الذي بناه وجعله آية فنية اكراماً لزوجته.
من ضمن العائلات المسيحية الفنية التي ساقها الى بلاده، كانت اسرة بولاد المعروفة التي تميزت بسر صناعة وسقاية الفولاذ الدمشقي وجعله بشهرته المعروفة في صنع السيوف، وتنسب حارة بولاد في باب توما القديمة الى هذه الاسرة، كما ساق سبياً فنانون من آل هواويني (المعروفة في دمشق القديمة والصناعة القديمة، والمهجر حالياً) الى بلاده، وهم في الاساس من سباكي وصناع المدافع الثقيلة، وامتهن من بقي منهم في دمشق مهنة صناعة الهواوين النحاسية الشهيرة، فاشتهروا بها وينتسب الى هذه الاسرة مطران اميركا القديس روفائيل هواويني الدمشقي عام 1915 وكان الفرنجة قد نقلوا بعضها الى بلادهم فلم يتفوقوا فيها تفوق الدمشقيين ولاسيما صناعة السيوف الدمشقية التي طارت شهرتها بفضل الفولاذ الدمشقي، اضافة الى صناعة الهاون النحاسي وبقية الصناعات النحاسية، وصناعة الفسيفساء والبناء… وصناعة الزجاج التي نقلوها من صور، وصياغة المعادن الثمينة وتركيب الاحجار الكريمة، والقيشاني والخزف والفسيفساء والطلاء والنقش. وكلها طمست آثارها الى عهدنا الحالي منذ ما بعد دخول المكننة.
الفنون والحرف الدمشقية كما اسلفنا في معرض كافة منشوراتنا عنها، هي كانت وحتى منتصف القرن 20 تقريبا كانت حصراً بالمسيحيين الدمشقيين، وبعضاً من هذه الصناعات كانت مختصة حصراً باليهود، ومنها ماكان يعمل بها فتيات اليهود كحفر النحاس وتطعيمه بالذهب والفضة.
وكان حي آيا ماريا (القيمرية) المنسوب الى المريمية وخاصة هذه المنطقة المحيطة بالمريمية يتسمى حتى مابعد الاحتلال العثماني بتسميته الأصل (آيا ماريا).
وكان وبالاضافة الى انه حي سكني مسيحي كامل وبامتياز يصل الى مشارف النوفرة ودرج الاموي، كان يزخر بخانات المهن والحرف العائدة لسكان آيا ماريا، ومن أهم الحرف التي كانت تزخر به وعلى وعينا وفتوتناكانت مهنة صناعة الحرير من تسدية ونسج وصباغ، وكان قد اشتهربتسدية الحرير والد القديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي الذي استشهد ذبحاً في مذبحة 1860 ونقيم تذكاره في 10 تموز من كل عام، وعائلة شاتيلا الدمشقية الوجيهة، ومنها مطران بيروت الارثوذكسي غفرئيل شاتيلا بها، وعائلةطرزي التي ظهر منها مطران ارضروم قسطندي طرزي، وآل ابو شعر التي نبغ منها المطران اثناسيوس ابو شعر الوكيل البطريركي زمن البطريرك غريغوريوس حداد، وآل ابو عضل ومنهم اول مطران على ابرشية جبل لبنان بولس ابو عضل 1902، وعائلة الشاعر الشامي جورج صيدح عاشق الشام… وقلما نجد عائلة من العائلات الشامية المسيحية التقليدية خلال القرون المنصرمة حتى منتصف القرن 20 لم تعمل بمهنة سدي الحرير كما تبين لنا من بعض اعلامها الحضاريين، اما مهنة الصباغة فكانت في اغلبها بيد اليهود الدمشقيين…
ومن الصناعات الدمشقية الشهيرة التي تميز بها المسيحيون ولايزالون صياغة الذهب والمعادن الثمينة ذات الشهرة العريقة ولاتزال بمافيها من ثقة وموثوقية… ومايرتبط بها من تركيب الاحجار الكريمة ومعظم العائلات المسيحية الدمشقية ومن كل الطوائف نبغ منها معلمون فنانون كان منهم توفيق النحات والعربيلي ووديع شاغوري وعمي المعلم جوزيف زيتون والرومية و… ومئات من معلمي الكار…
وكان سوق الصاغة القديم يجاور الجامع الاموي بحي له بابين هناك تتم فيه صناعة المصوغات وبيعها… وهذا السوق تعرض لكارثة حرق اواخر العقد السادس من القرن 20 كانت وفق استطلاع الرأي مفتعلة لاخراج الصاغة من هذا السوق، وقد انتقل الصياغ الى السوق الجديد في محلة الحريقة.
وفي مطلع القرن 20 كان اهم معمل صناعي فيها للخواجات جرجس وجبران نعسان وشركائهم في منطقة الباب الشرقي واليوم بيتهم قصر النعسان في الموقع ذاته، وهو عبارة عن قصر مفتوح للسياح ويحتوي على روائع المصنوعات من النحاسيات والخشبيات والفسيفساء الخشبية والصدف وكان قد تأسس المعمل نحو سنة 1880 وكان يعمل بهذا المصنع في هذه الحرف الفنية حوالي 500 عامل وكان يشتغل بالنحاس والخشب والفسيفساء الخشبية والصدف، وادق مافيه وقتئذ ترصيع المعادن بالذهب والفضة وعمل الميناء وكان وفق شهادات الزائرين والمهتمين المعاصرين واولهم العلامة عيسى اسكندر المعلوف الذي يشهد بأن هذا المعمل التراثي الدمشقي ينفق كل سنة سبعة قناطير من القصدير المتخذ للترصيع بالصدف والتئام (لحام) النحاس وهذا الصنف يتم استيراده من انكلترا. ومائة وخمسين قنطاراً من النحاس ويتم استيرادهامن فرنسا وبلجيكا، وقيمة ماينفق من الخشب على اختلاف انواعه (وقتئذ)3500 ليرة ذهبية، ومن الصدف 20 قنطاراً تجلب من دير الزور وشواطىء شرق المتوسط، والفسيفساء الخشبية اكثر من مائتي الف غرش. والفضة نحو قنطار وربع تستعمل للترصيع على النحاس. اما الذهب فكمية قليلة يرصع بها النحاس. وانواع الخشب الجوز والليمون والمشمش والتوت والورد والزيتون، وهذه تجلب من الرقعة التي كانت تشكل الدولة العثمانية ولكن معظمها من دمشق ومن غوطتها المحيطة بها احاطة السوار بالمعصم.
اما الابنوس والماهو كوني والتوها فمن الخارج. والعظم يجلب من هذه الرقعة الخاضعة للسيطرة العثمانية، ويتخذ للفسيفساء والترصيع.
من الصناعات الشامية البديعة بكينونتها المسيحية الدمشقية هي صناعة الميناء وهي خرز يسحق كالدقيق، ويوضع فوق النحاس الأحمر ويذوب بطريقة دقيقة فيمثل القاشاني على الخزف رونقاً ورواءً، ويستخدم في السنة نحو ستة قناطير من الخرز الذي يجلب من خارج سورية.
وكان انتاج معمل النعسان (أعلاه) من الادوات هي مواعين واوانٍ ورياش ومناضد ونحوها من ادوات الزينة الفاخرة التي كانت تزدان بها بيوت الدمشقيين وتصدر الى اوربة، وهي مرغوبة بشكل عظيم هناك، لأنها على الطراز الشرقي القديم المعروف في العاديات العربية والاواني الشرقية بديع الهندسة والتقطيع والتلوين والترصيع، انتاج دقيق الصناعة متين الوضع بما يأخذ بمجامع الابصار دقة واتقاناً، ويبرهن عن الذوق الشرقي اللطيف ومع ذلك تجد اقبال الوطنيين على هذه المصنوعات قليلاً ومن طبقة الاثرياء، اما اقبال السياح الاجانب على اقتنائها فهو المعول عليه في العمل حتى ان المعلوف يشهد نتيجة مشاهداته في معمل النعسان عام 1910 هي الثريات والمصابيح الكهربائية المتميزة الصنعة…
المعلم الفنان جورج زيتون وحفر الخشب
اما النجارة فتميز بها المسيحيون الدمشقيون ومرد ذلك ان النجارة مهنة قدسها السيد المسيح له المجد بعمله فيها طفلاً وفتى في ورشة مربيه يوسف النجار خطيب السيدة العذراء مريم ام يسوع، كما يشهد الكتاب المقدس. لذا اشتهر المسيحيون بمهنة النجارة والصناعات المرتبطة بها كحفر الخشب وكانت منهم عائلات تتوارث هذه المهنة البديعة ومنهم عائلتنا آل زيتون وشهرتها بحفر المفروشات بتسمياته من فاطمي وايوبي ومملوكي ودق رمل كالمفروشات التي كانت تفرش بها الدوائرالحكومية في العهدين التركي والفرنسي وفي الاستقلال، اضافة الى قاعة ومفروشات البرلمان السوري ومفروشات رئاسة الوزراء السورية وهذه من حفر المرحومين جدي وعمي نفولا ووالدي جورج زيتون، والمفروشات الافرنجية تسمياتها والمنسوبة فنونها الى عهود ملوك فرنسا لويس السادس عشر والسابع عشر…، اضافة الى المفروشات والابقونسطاسات والمنابر الكنسية، ثم منابر المساجد التراثية والكنس اليهودية وكان والدي جورج رحمه الله (توفي عام 1995) قد ملأ تلك الاوابد الدينية من كنائس وكنس ومساجد من اعمال يديه، ونال تكريما عاليا من وزارتي السياحة والثقافة السوريتين وشكر من البطريركيات المسيحية ووزارة الاوقاف على ابداعه…
ومن العائلات التي اشتهرت بحرفتي النجارة وحفر الخشب كانت اسرة سيوفي التي انتقلت الى بيروت بتأثير مذبحة 1860 واشتهرت بحفر ايقونسطاس كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروت والكثير من ايقونسطاسات الكنائس والاديرة الارثوذكسية في لبنان…
ومن الحفارين المعاصرين لوالدي كان المعلمون روِّح وهنا وبخصار…
اما نقش الخشب فقد اختص به اليهود وكما اسلفنا كان عمل بنات اليهود…يرتبط بالنجارة البرداخ ومن ثم البخ، اضافة الى تخريق الخشب ولايزال بعض معلميها المسيحيين يعملون بها وهم من المعلمين المبدعين كبار السن، والصدف وكان ينتشر الصدافون في حي آيا ماريا (القيمرية) على وعي من المعلمين المسيحيين المشهورين وفن الموزاييك الذي ابتدعه السيد جرجي بيطار ( انظره هنا في موقعنا)
اما عمل النحاس فيقسمه ارباب هذا الفن الدمشقي الى ثلاثة اقسام دق وحفر وترصيع (تنزيل) واهمها الحفر. فدق النحاس او تطريقه صناعة قديمة استخدم الانسان بها النحاس وصنع اواني ومواعين وادوات تزيين كالمصابيح وماشاكل ثم عرف الحفر والترصيع. وكان سوق النحاسين في دمشق خارج المدينة القديمة مشهورا تتم فيه اقسام النحاس الثلاثة وقد اشتهرت عائلات مسيحية في هذا الفن لم يبق منها احد سوى الكنيات تشهد كما بقية الحرفيين وعائلاتهم…
وكان بعض الصناعات النحاسية تتم في خان النحاس وهو وقف لبطريركية الروم الارثوذكس يقع في مئذنة الشحم في منطقة البزورية وكانت تمارس فيه الصناعات النحاسية الدقيقة وخاصة الحفر والترصيع، واصل الترصيع من بلاد الموصل ومنها انتقل الى سورية لاشتهارها بالنحاس ولاتزال آثارها في متاحف اوربة ذات شأن ولاسيما الصُفو (النحاس الأصفر) والشبهان (النحاس الأسمر او البرونز) وقد عرفت هذه الصناعة بالظاهرية نسبة الى الملك الظاهر الذي وضع شعاره عليها حين تمدده من مصر الى سورية، وبعد وفاته اخذت في الانحطاط الى ان تلاشت ولم يبق من آثارها الا مصنوعتها الفاخرة التي تزدان بها المتاحف والكنائس والكنس اليهودية والمساجد الاسلامية وبيوت الخاصة.
وفي سنة 1856 ادخل حفر النحاس المعلم الياس الحمصي ودق النحاس المعلم رشيد الاراكيلي الى دمشق فاشتغلا في هذين الفنين بحسب حذاقتهما وفطرتهما. ولكن قدم الى دمشق في تلك الاثناء ميشيل دوناطو وشقيقه اسكندر، فساعدا المعلم الياس الحمصي بكتابٍ كان معهما فيه رسوم عربية قديمة لكثير من الاواني والمواعين فاستعان برسومه وارتقت صناعة الحفر وقلدت الرسوم المتقنة بنظام وترتيب مع رواء وبهاء.
لكن اول من بدأ بصناعة حفر النحاس في دمشق المعلم اليهودي الدمشقي يحي الزغلول واسس معمله سنة 1867 واستمر هذا المعمل حتى زمن الاستقلال في سورية، وكان معمله في الشارع المستقيم بدمشق القديمة، وكان الزغلول يستجر كل سنة عشرين قنطاراً من النحاس لتصنيع مصنوعاته التي كان يصدرها الى مصر والجزائر والقسطنطينية والمغرب وفرنسة والمانية وانكلترا.
ومن المصانع الشهيرة لحفر النحاس التي كثرت وكان اولها هو معمل الخواجات ديمتري طرزي واولاده في محلة آيا ماريا ( القيمرية) ومن عائلته مطران ارضروم قسطندي طرزي، وله مستودعات مشهورة في دمشق وبيروت والقدس، ومعمل هبرة اخوان والمشهور في مدخل القيمرية بورشة الهبرة والخواجات اصفر والخواجات كاتب واخوانه وبعضها يشتغل بالادوات الخشبية ايضاً كورشة الهبرةعلى وعينا وحتى الآن…
اما صناعة الميناء ففارسية اصلها مينه ( جوهر الزجاج) هي طلاءٌ زجاجي ممزوج بحوامض ( اكاسيد) معدنية يقال انها من صنائع الحثيين، ثم اخذها عنهم المصريون والفينيقيون والآشوريون وامم الشرق الأقصى من هنود وصينيين واشتهر بها الفرس ومنهم انتقلت الى الروم البيزنطيين والى دمشق تحديداً… فكانت دمشق مشهورة بمصنوعاتها هذه ومنها اخذ الفرنجة هذا الفن في غزوات الفرنجة الى اوربة، كما تميز الشركس بالميناء.
المعلم عبده جرجي النحات
من المعامل التي تميزت بصناعة النجارة الراقية في اواخر القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين معمل الخواجه عبده جرجي النحات وقد تفوق فيه بصناعة النجارة التي مارسها منذ نعومة أظفاره وسنفرد له في موقعنا بحث مستقل في باب (اعلام ارثوذكسيون) وله (طاولة وسط) خشبية بديعة مطعمة بالصدف والموزاييك اهداها الى البطريركية الارثوذكسية بدمشق، ونسخة مماثلة اهداها الى السلطان العثماني مطلع القرن 20 وتميز عمله بالمعرفة الهندسية التي وضع اسسها رغم انه ترك الدراسة بعمر 14 سنة وانصرف الى العمل وتميز بصناعة الاعواد الموسيقية، ومن اقتنى عوداً من انتاج المعلم نحات يفوق نظرائه من معلمي تونس والقسطنطينة ومصر…على وعينا وماكنا نسمع من كبار السن وشاهدنا بعضاً من الاعواد المصدفة الرائعة…
معمل الخواجه جرجي بيطار مبتكر فن الموزاييك ( انظره في باب اعلام سوريون في موقعنا)
الحديث يطول…