المجمع المسكوني الأول هو أحد المجامع المسكونية السبعة
توطئة روحية
أيتها الكواكب المنيرة للقطب العقلي……..
أضيئوا منيرين بشعاعاتكم فكري على آريوس
إن آريوس قال أن الابن غريب من جوهر الآب……..
فليكن هو غريباً ومنفياً من مجد الله الآب
إننا نعيد هذا العيد الحاضر لهذا التدبير الذي صار وذلك بعدما لبس ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد جسدنا وفعل كل التدبيرلأجلنا بحالٍ يحتجزوصفه بشرياً، بتجسده وصلبه وآلامه وموته على الصليب ودفنه الثلاثي الأيام، وقيامته من بين الأموات ثم عاد إلى العرش الأبوي بصعوده المبارك، فأراد الآباء القديسون أن يوضحوا أن ابن الله صار إنساناً بالحقيقة، وأنه صعد وهو إنسان تامٌ وإلهٌ تامٌ، وجلس عن يمين العظمة الالهية، يمين ابيه السماوي في الأعالي.
لقد كرزمّجْمَعَ الآباءِ القديسين المجتمع في نيقية من أعمال بيثينية بهذا، واعتُرف به جهاراً أنه مساوٍ للآب في الجوهر والكرامة. فلهذا السبب رتبوا بإلهام إلهي هذا العيد الحاضر بعد الصعود المجيد كأنهم تقدموا فرفعوا شأن مجمع آباء هذا مقدارهم الذين كرزوا به أعني أن هذا الصاعد بالجسد إله حقيقي وهو إنسان تامٌ بحسب الجسد.
تاريخ عقد هذا المجمع
هو المجمع “المسكوني” الأول وهو ليس المجمع الأول على العموم، ذلك أن مجامع كنسية عدة إلتأمت في القرون الثلاثة الأولى لأهداف خاصة وفي ظروف طارئة لبحث أمور معينة تهمّ الجميع. غير أن ما يميز مجمع “نيقية” (اسم المدينة التي عُقد فيها المجمع المسكوني الاول) عمّا قبله هو أن المجامع الأولى “كانت أحداثا اكثر منها مؤسِسة”، كما يقول الاب جورج فلورفسكي. وكان مجمع نيقية، بالتالي، نموذجا للمجامع اللاحقة، وذلك لأن إهتداء الإمبراطورية الرومانية جعل الظروف تتغير عما قبل، فاستلزم وضع الكنيسة الجديد عملا مسكونيا هو بالحقيقة موجود وأصيل في الكنيسة ولكنه بان بشكل مرئي اكثر.
عقد هذا المجمع على عهد المعادل للرسل الملك قسطنطين الكبير في السنة العشرين من ملكه، حيث ان قسطنطين هذا تملك أولاً في رومية عاصمة الأمبراطورية الرومانية بعدما أمر بكف الاضطهادات الدامية بحق المسيحيين عندما اصدر براءته الشهيرة السنة 314 من ميلانو والمعروفة ببراءة ميلان التي غيرت مجرى التاريخ البشري لأنه اوقف حمامات الدم بحق المسيحيين رعايا الامبراطورية الرومانية واباح لهم حرية العبادة واطلاق ايمانهم، وكان الفضل في ذلك لأمه هيلانة ولانتصاره المدوي على قيصر الشرق ليكيانوس بالصليب الوضاء في السماء في رابعة النهار، وبعد ذلك بنى عاصمته المسماة باسمه القسطنطينية، ودشنها في السنة 320 مسيحية،، وجعلها مدينة الله العلي وحرم اقامة اي هيكل وثني فيها، ولا اقامة اي طقس وثني فيها بل جعلكها مدينة الله وعاصمة المجد الرومي المجيد، وذلك في السنة خمسة آلاف وثمانمائة وثمانية وثلاثين لآدم.
هرطقة اريوس
ولما نشأت هرطقة آريوس الذي كان من ليبيا وصار من اكليروس كرسي الإسكندرية، وفيها تشرطن شماساً من بطريركها القديس الشهيد بطرس ورئيس اساقفتها. اريوس هذا تتلمذ على لوقيانوس الانطاكي. أنكر ألوهية الإبن فأعتقد بأنه كان هناك وقت لم يكن الإبن موجودا فيه، وأعتبره رفيعا بين مخلوقات الله ومِنْ صُنْعِهِ، كما أن الروح القدس من صُنْعِ الأبن ايضاً.
ومالبث أن بدأ يجدف على ابن الله مدعياً إنه مخلوق وليس ابن الله، وإنه صار من العدم، وبعيدٌ عن الرتبة الإلهية وإنه عندما يقال له:” حكمة الله وقوته” فهو تعبير مجازي، وبالتالي حتى ان هذا التعبير المجازي مخالف لزعم “صاباليوس الملحد” القائل أن اللاهوت وجهٌ واحدٌ وأقنومٌ واحدٌ، فوقتاً ما يصير آباً وتارةً يصير ابناً وقتاً روحاً قدساً.
لذلك ورداً على تجديفه الضلالي هذا بادر معلمه بطريرك الاسكندرية القديس بطرس الشهيد فجرده من الثوب الاكليريكي واعلن بقوله: “انه ابصر المسيح مثل طفل على المذبح المقدس لابساً ثوباً مشقوقاً، وقال أن آريوس قد شقهٌ بضلاله وهرطقته”، فجرده من الكهنوت.
بعد وفاة رئيس اساقفة الاسكندرية القديس بطرس تولى السدة اشيلاس فحلّ آريوس من تجريده وحرمانه من الكهنوت، على شرط أنه يرجع عما كان يقوله من هرطقة، فوافق اريوس ظاهريا، وتابع فرسمهُ أيضاً قساً وجعله قيماً على المدرسة، فلما توفي اشيلاس انتخب الكسندروس رئيس اساقفة على الاسكندرية، هذا وجد آريوس مجدفاً اكثر من الأول، فأقصاهُ بواسطة مجمع محلي، وإنه قال قول ثاودوريطوس المجدف “أنه اعتقد أن طبيعة المسيح متغيرة، وأن الرب اتخذ جسداً خالياً من العقل والنفس”، ثاودوريطوس هذا تم تجريده أولاً، وأما آريوس فإنه اقتاد إلى إلحاده كثيرين، وكتب ناشراً بدعته الهرطوقية فاختص لذاته اتباعا انتموا الى هرطقته منهم افسافيوس أسقف نيقوميدية، وبافلينوس أسقف صور، وافسافيوس أسقف قيسارية، وغيرهم. وتطاول على الكسندروس اسقف الاسكندرية.
قام الكسندروس فأنفذ إلى أصقاع الدنيا بأسرها مخبراً عن تجديف آريوس وعن قطعه له، فانهض كثيرين إلى الانتقام منه.
اضطربت الكنيسة برمتها من هذا الالحاد ومن انشقاقها ونمت الاريوسية بشكل مخيف وصارت الاعتداءات الدموية من الاريوسيين على الارثوذكسيين، ولم يظهر اي مؤشر لوقف التدهور مع النمو المتسارع لهذه الهرطقة الشنيعة.
الدعوة للمجمع
اختلفت الآراء حول تحديد من هو صاحب المبادرة لعقد المجمع المسكوني الأول، وتنوعت حول مَنْ رئسه. غير أن الأمر الذي لا ريب فيه هو أنه عُقد في نيقية في ىسيا الصغرى ورئسه اسقف ارثوذكسي (ربما يكون: أوسيوس اسقف قرطبة، او افسافيوس اسقف انطاكية)، وأن الإمبراطور قسطنطين الكبير حضر افتتاحه. اول ما يَلفت نظر الباحثين هو أن علامات الاضطهادات والتعذيب لأجل المسيح – التي هدأت – كانت ظاهرة جلياً على أجساد معظم الآباء الذين أتو من كنائس العالم الروماني والفارسي ليشهدوا للمسيح الحي والغالب على الدوام. فأعضاؤهم المشوّهة او المبتورة وآثار الجروح والضرب والجلدات شهادة على أن الإيمان الحيّ الذي دونوه في نيقية كان محفوظا في قلوبهم وعقولهم ومكتوبا على صدور أجسادهم. وبصبرهم ولا يُخفى على أحد أن هذه الآلام بقيت – وسوف تبقى – رفيقة القدّيسين الشاهدين، ولعل أبرز شهادة عليها هي أن الشمَّاس اثناسيوس، الذي رافق رئيس اساقفة الاسكندرية ألكسندروس الإسكندري الى المجمع كان بطل نيقية، نُفي بعد تَرأسه سدّة البطريركية في الإسكندرية خمس مرات، وبقي خارج كنيسته ما يزيد على العشرين سنة
وفي شهادة اخرى انه ولرأب الصدع ولأن الامبراطور هو حامي الايمان الارثوذكسي القويم، تدخل الامبراطور قسطنطين ووجه الدعوة الى آباء ولاهوتيي الكنيسة قاطبة من الشرق والغرب لحضور مجمع مسكوني، وارسل اليهم مركبات ملوكية تقلهم الى نيقية من اعمال بيثينية في آسيا الصغرى، و يقال انه حضر هو بنفسه المجمع ورئسه، وقد جلس كل الآباء الحاضرين كل الى كرسيه المعد له، عندها جلس هو في كرسي عادي، وليس على كرسي الامبراطوربكل تواضع.
أعمال وقوانين المجمع
بدأ مجمع نيقية جلساته في ال 20 من أيار عام 325 حضره حوالى ال318 أُسقف معظمهم من الشرق
دحض الآباء بدعة آريوس وشهدوا للإيمان المستقيم . يعتقد بعض المؤرخين أن الآباء في نيقية سدّوا آذانهم اشمئزازاً حال سماعهم الأقوال التجديفية من اريوس، وأكتفوا ببعض العيِّنات المقروءة من رسالة آريوس “المثالية” للحُكْم عليه ، فاعترفوا بأن المسيح إله حقيقي وهو وحده يستطيع أن يفتح للإنسان طريق الاتحاد به، فلو كان يسوع أحد المخلوقات – كما إدَّعى آريوس – لاستحال عليه أن يخلّص العالم، وتاليا أن يوصله الى غاية تدبير الله الآب، وأعني التأله. وَضعَ الآباء في نيقية دستور الإيمان الذي نتلوه في القدَّاس الإلهي والعماد وغيرهما من الصلوات، ومما جاء فيه أن المسيح “إله حقّ من إله حقّ، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآب في الجوهر (هومووسيوس)”. في دستور نيقية إعلان إيمان واضح بالثالوث القدُّوس وإنما من دون توسّع بعلاقة الأقانيم في ما بينها، فالإبن الذي هو متميّز – حسب الأقنوم – عن أبيه علّةِ الوحدة في الثالوث، هو غير منفصل عن جوهره الإلهي. إصطلاح “هومووسيوس omoousios” (مساوٍ للآب في الجوهر) سببَ جدلاً كبيراً داخل المجمع وخارجه، لأن أصحاب الرأي المشؤوم ومَنْ إنقاد الى ريائهم قالوا بأن العبارة غير كتابية، واتّهموا الآباء بالوقوع ببدعة صاباليوس (الذي اعتقد بإله واحد ذات أشكال ثلاثة)، وذلك لأن عبارة “هومووسيوس” – في العالم اليوناني – كانت تفيد “الكيان الواحد”.
الافلاطونية الحديثة و الغنوصية (العرفانية) في القرن الثالث استعملتا اللفظة للدلالة على الكائن العاقل أو الشخص. بيد أن آباء المجمع الذين دحضوا “شكلانية” صاباليوس (اي الاعتقاد بإله واحد ذات أشكال ثلاثة)، والذين هم، كما يقول القديس غريغوريوس النزينزي، من أتباع طريق الصيادين – الرسل وليس طريقة الفلاسفة، سَمَوا فوق الفلسفة البشرية وجميع مناهجها، فعمّدوا لفظة “هومووسيوس” اي أنهم أعطوها معنى مسيحياً مؤكدين أنها وإن لم توجد حرفيا في الكتاب المقدس إلاَّ أنها مستوحاة معنوياً منه. وقد ورد في مجموعة الشرع الكنسي للارشمندريت حنانيا كساب (ص 45) أن القديس إيريناوس أسقف ليون إستعمله أربع مرَّات، كما أن الشهيد بمفيليوس روى أن اوريجانس المعلم إستعمله أيضاً بالمعنى ذاته الذي أراده له المجمع النيقاوي.
مما قاله آباء المجمع ايضاً
“بما أن الإبن هو من جوهر الآب، فالإبن إله كما أن الآب إله، وتالياً يجب القول إن المسيح هو من الجوهر الواحد مع الآب. وضع مجمع نيقية تحديداً في تعيين تاريخ عيد الفصح، فأقرّ القاعدة التي كانت كنيسة الإسكندرية تحتفل بموجبها بالعيد، وهي التي تجعل عيد الفصح يقع بعد أول بدر بعد الاعتدال الربيعي في 21 آذار وبالتالي الاحتفال به بعد عيد الفصح الناموسي عند اليهود. كما عني المجمع بتنظيم الكنيسة الإداري فسنَّ عشرين قانونا، منها تثبيت رفعة مكانة الكَراسي الثلاثة الكبرى وهي رومية والإسكندرية وأنطاكية (قانون 6) وقرر أن يحتل كرسي أُورشليم مكانة الشرف الرابعة على أن يبقى خاضعا لمتروبوليت قيصرية فلسطين. لم يأتِ مجمع نيقية على ذكر القسطنطينية لأن مدينتها دُشنت بعد المجمع بخمس سنوات.
آباء المجمع النيقاوي
وكان بين هؤلاء الآباء القديسين مئتان واثنان وثلاثون رئيس كهنة وكاهن وشماس وستة وثمانون راهباً، وكان العدد الاجمالي ثلاثمائة وثمانية عشرأباً وكان اشهرهم سلبسترس اسقف رومة وميطروفانيس القسطنطيني الذي كان مريضاً فحضر هذان الاسقفان الكبيران بوساطة نوابهما، وحضر الكسندروس الإسكندري مع اثناسيوس الكبير لأنه كان في ذلك الوقت رئيس الشمامسة، وافسطاثيوس البطريرك الإنطاكي ومكاريوس الأورشليمي، والبار كوذروفيس الأسقف وبفنوتيوس المعترف ونيقولاوس وسبيريدونس تريميثوندس الذي هناك قهر الفيلسوف وعمده لما أوضح له النور المثلث الشموس، واثناء عقد هذا المجمع انتقل إلى الخدر الالهي اثنان من رؤساء الكهنة، فوضع قسطنطين الكبير شعار هذا المجمع المقدس في تابوتيهما وختمهما، “فوجد ذلك الحد مختوماً، وممضى منهما بكلمات الله التي لا يُلفظ بها”
فلما انقضى مجمع نيقية، وكانت القسطنطينية التي بناها قد اكتمل بناؤها استدعى قسطنطين الكبير جميع أولئك الرجال القديسين فذهبوا معه جميعهم، ولما صلوا ختموا وثبتوا أن هذه المدينة القسطنطينية كفؤ لأن تصير ملكة المدن وأوقفوها لأم الإله العذراء الطاهرة تنفيذا لرغبة الملك قسطنطين وهكذا توج الآباءه القديسون كل منهم إلى مكانه.
موت اريوس
لكن قبل أن ينتقل قسطنطين الكبير إلى الاخدار السماوية في حضن الله، لما كان يدبر الملك مع ابنه قسطنديوس تقدم آريوس إلى الملك قائلاً له أنه ترك هرطقته ويريد أن يعود الى كنيسة الله، فكتب تجديفه في قرطاس وعلقه في عنقه على صدره، وكأنه خاضع للمجمع وكان يضرب بيده على تلك الكلمات المكتوبة في القرطاس، ويقول إني أذعن لهؤلاء اي لاباء المجمع، فاقتنع الملك بكلامه ورغب الى بطريرك القسطنطينية أن يقبل آريوس في الشركة الإلهية مجدداً، وكان في ذلك الوقت البطريرك الكسندروس بطريرك الاسكندرية لايزال في القسطنطينية وكان عارفاً برداءة وخداع اريوس، فكان مشككاً به ومرتاباً ومتضرعاً إلى الله أن يكشف له الحقيقة، إن كان حسب إرادته تعالى يريد أن يشترك مع آريوس في الذبيحة الالهية، فلما حضر الوقت الذي فيه وجب أن يقدس مع اريوس استمر الكسندروس البطريرك في الصلاة، ريثما يصل اريوس الى الكنيسة.
اما آريوس فلما كان آتياً إلى الكنيسة ليقدس مع الكسندروس، وهو عند عامود السوق اصيب بمغص مفاجىء مؤلم، فدخل إلى مستراح عام في السوق، وهناك انشق جوفه كما حصل بالخائن يهوذا لأنه في تجديفه على المعلم الالهي وجعله مخلوقاً عاديا، ساوى نفسه بخيانة يهوذا وبتسليم الرب مقابل ثلاثين من الفضة، ووجدوه ميتاص في اقذر مكان وبأشنع الميتات وكان مشقوقاً جزاء على شقه الكلمة الالهية الرب يسوع من الثالوث الأقدس، وبذلك ارتاحت كنيسة الله من اذيته.
فبشفاعات قديسيك الآباء الثلاثمائة والثمانية عشر المتوشحين بالله أيها المسيح إلهنا ارحمنا آمين.