قلعة المينقة في ريف جبلة
موقعها
تقع قلعة المينقة عند الحد الفاصل بين جبال اللاذقية وطرطوس وفي منتصف المسافة بين جبلة وبانياس تطل قلعة المينقة بين الجبال كعش النسر قوية منيعة مسيطرة على الوديان المحيطة بها متفاخرة بحضارتها السالفة شاهدة ابدية على عظمة تلك الحضارات رغم ماعانته من تدمير وتخريب وقد عرفت هذه القلعة بالمينقة في الفترة الاسلامية بينما عرفت في فترة الفرنجة بحصن / مليكاس او حصن المالغانس / وهذه القلعة تعود للحقبة الرومانية…
أما مكان وجود القلعة ف«تبعد القلعة عن مدينة “جبلة” (37كم) على طريق “جبلة- وادي القلع” محيطها العام (489م) مبنية على هضبة صخرية وعرة المسالك وحصينة».
شكلها
تأخذ القلعة شكلاً متطاولاً غير هندسي، ماهو إلا نتيجة بناء السور بهندسة رائعة متناغمة مع الطبيعة، حيث أنه يتماشى مع الحواف الصخرية للهضبة بانسجام كبير، ترتفع الهضبة الصخرية التي تم بناء القلعة عليها من الجهة الجنوبية أكثر من الجهة الشمالية، لذلك تم اعتماد تعدد الطوابق في الشمالية والشمالية الشرقية وتركيز معظم فعاليات القلعة في المنطقة الممتدة بين الخندق وبداية بروز المستوى الأعلى للهضبة الصخرية وذلك في الثلث الجنوبي من القلعة، وحقيقة الأمر أن هذه المنطقة هي التي واجهت تحدي الزمن والأخطار، وبقيت صامدة في حين أزيلت معظم المعالم المعمارية في الثلث الجنوبي للقلعة، لعدم اعتماد المعماريين في البناء على الأحجار الضخمة التي تحفظ البناء فترة أطول.
ملاحظة مهمة: القلعة الآن مقسمة ومزروعة شجر زيتون من قبل أهالي قرية شلالات وادي القلع.
المينقـة قلعـة تـروي تـاريخ معـارك وقـادة مـروا علـى حجارتهـا
عرفت قلعة “المينقة” لدى المؤرخين كإحدى قلاع الدولة الإسماعيلية التي كانت منتشرة في منطقة جبال الساحل السوري، ولو أتيح لكل حجارة فيها للكلام لحدثتنا عن تاريخ معارك وعهود وقادة مروا عليها منهم من حماها ومنهم من غزاها وطمع بها. هذا الحصن المنيع كان في يوم من أيام سورية القديمة يشكل صرحاً منيعا للتصدي للغزاة المستعمرين لهذه المنطقة .
قلعة “المينقة” هي إحدى قلاع الدولة الإسماعيلية القابعة في منطقة جبال الساحل السوري الحافلة بالقلاع والحصون البيزنطية والتي كانت تسمى جبال “البهرة”، وكان أول الطامعين بها القائد “راشد الدين سنان” الملقب “شيخ الجبل” الذي استولى على هذه المنطقة في تأمين الدفاع عن دولته، حيث قام بالتصدي لمحاولات الزحف المتعددة الذي قام بها “نور الدين الزنكي” نحو تخوم جبال “البهرة” دون أن ينال منها، حتى جاءت الفترة الأيوبية وبقيت القلعة على حالها بسبب هدنة الصلح التي عقدت بين “صلاح الدين الأيوبي” و”راشد الدين سنان” وبتوسط من “شهاب الدين الحارمي” أمير “حماه” خال “صلاح الدين”.
وجاءت هدنة الصلح التي عقدها “صلاح الدين الأيوبي” مع “شيخ الجبل” بعد أن عزم “صلاح الدين” الثأر من دولته لمحاولة اغتياله، فحاصر “مصياف” عاصمة قلاع الدولة الاسماعيلة، ولكن بعد حصار طويل ومفاوضات مقرونة بالتهديد أدرك “الأيوبي” أن “شيخ الجبل” منيع الجانب لا يهاب التهديد ولايخشى الوعيد، تحميه قلاعه وتصونه جباله، مالبث أن أخذ بفك الحصار وترك القلاع لتقف حاجزاً يرد عن سورية عاديات الصليبيين ويدفع خطرهم .
وكان العهد الذهبي لقلعة “المينقة” انتهى بعد وفاة “شيخ الجبل” حيث بدأت النزاعات الداخلية التي ترافقت بهجمات التّتر ، ومع قدوم الفترة المملوكية وبعد التخريب التّتري والنزاع الداخلي سقطت أربع قلاع من قلاع الدولة الاسماعيلية “مصياف”- “القدموس”-“الخوابي”- “الكهف” بيد “هولاكو” وبعد اندحار التتر في معركة “عين جالوت” عرض الاسماعيليون صداقتهم على السلطان “الظاهر بيبرس” فقبل صداقتهم وترك لهم حصونهم وأعفاهم من الضرائب.
بعد ذلك أخذ “بيبرس” على عاتقه في هذه الفترة توحيد الجبهة الإسلامية وطرد بقايا الفرنجة في سورية، وشن حملات متوالية لتطهير الساحل، وتوجه لرد التتر الذين بلغوا الفرات في الشرق، وفي أثناء عودته هاجم الساحل وفتح العديد من القلاع من بينهم قلعة “المينقة”، ولكن “بيبرس” كان ينتظر الفرصة للتخلص من هذه الدولة بعد زوال مهمتها في الدفاع ضد الخطر الافرنجي وذلك بعد أن اعتراها الضعف، وشن على سورية ثلاث حملات متوالية، وسقطت فيها القلاع الواحدة تلو الأخرى وشرد زعماءها ونفى أمراءها، وفي عهد السلطان “المنصور قلاوون” كانت قلعة “المينقة” مع بقية القلاع خاضعة لشروط الهدنة التي عقدت بين “المنصور قلاوون” وبيت “الإستبارية” و”إمارة طرابلس”، وقد تقررت الهدنة مع متملك طرابلس لمدة عشر سنوات .
لم تنته الصراعات على قلعة “المينقة” مع خروج الفرنجة من تلك المنطقة، لأنه لم يمض وقت حتى احتلها العثمانيون ، فقد كانت القلعة في بداية الفترة العثمانية في صراع مع العثمانيين والاسماعيليين، إذ كان الولاة يأخذوها مراراً وكان الاسماعيليون يستردونها، ومنذ ذلك التاريخ هُجِرت “المينقة” واستمر هجر قلعة “المينقة” مع بداية الاحتلال الفرنسي لمنطقة الساحل السوري، وأصبحت قلعة “المينقة” في هذه الفترة معقل للثوار الذين يقومون بالغارات على قوات الاحتلال الفرنسي إلى أن تم تحرير البلاد سنة (1946م).
وبعد تلك الفترات الطويلة من المعارك والحروب واتفاقيات الصلح طوى عالم النسيان على قلعة “المينقة” إلى أن شرعت المديرية العامة للآثار والمتاحف عام (2000م) الاهتمام بها من أجل تسجيلها كإحدى المواقع الأثرية في سورية وفي عام (2008م) استكملت مديرية آثار “جبلة” أعمال الترميم لقلعة “المنيقة” حيث تضمنت أعمال الترميم ترحيل الأنقاض والردميات بالإضافة إلى تركيب أحجار مكان بعض الأحجار الفاقدة وتم استكمال ترميم الأسوار والأبراج في القلعة وتضمنت أعمال الترميم في السور الشرقي للقلعة فك وتركيب قسم من حجارة السور ووضع الحشوات المناسبة للحفاظ على الأقبية المجاورة له.