مطران ابرشية ارضروم قسطندي طرزي الدمشقي
تمهيد
مغلومات عن منطقة وابرشية ارضروم
ابرشية ارضروم هي الابرشية الشهيدة الثالثة من ابرشيات الكرسي الانطاكي الثلاث الشهيدة وهي كيليكيا وديار بكر وارضروم والتي هي في آسيا الصغرى وتقع في اقصى الناحية الشمالية الشرقية في الأناضول وقد استشهدت مابين اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين بالمجازر بحق مسيحييها والتطهير العرقي…
ابرشية أرضُرُّوم أو أرض الروم (أو أرزروم لأن الترك لا يفرقون في النطق بين الضاد والزاي) وتقع الابرشية على محافظة ارضروم ومقر الابرشية هو في مدينة ارضروم العاصمة.
جغرافيا تقع محافظة او ولاية ارضروم، وابرشية أرض روم موقعها في هضبة ترتفع نحو 1800م عن سطح البحر في هضبة الاناضول الشرقية، وارضروم العاصمة أكبر مدينة في هذه الهضبة، وترتفع بعض أحيائها إلى 2000م فوق سطح البحرعلى نهر قره صوه أحد روافد نهر الفرات الشمالية. وتبعد أرضروم نحو 150 كم إلى الشمال الغربي من بحيرة فان، وتقع عند تقاطع خط الطول الشرقي 41 درجة و26 دقيقة وخط العرض الشمالي 39 درجة و5 دقائق عند جبل عال يدعى لاباس أو اكرلي-داغ.
تواجدت مدينة أرضروم منذ قديم الزمان تحت اسم كارين، وكانت عاصمة مقاطعة بنفس الاسم خلال حكم ملوك ارمينيا. بعد تقسيم أرمينيا بين الروم والفرس في عام 387مسيحية، وقعت تحت حكم الرومان فحصّنوها وغيّروا اسمها إلى [ثيوذوســيوبوليس] (باليونانية: Θεοδοσιούπολις) على اسم الإمبراطور ثيوذوسيوس الثاني. نظرا لأهمّيتها العسكرية وموقعها الإستراتيجي على الحدود الشرقية للأمبراطورية الرومية، كانت موضع قتال شرس بين الفرس والروم. واهتم الإمبراطوران اناستاسيوس الأول ويوستنيانوس الاول اواخر القرن الخامس ومطلع القرن السادس المسيحيّين بتحصين المدينة وزيادة قدراتها الدفاعية.
في المرحلة التي شهدت الاستشهاد التدريجي لهذه الابرشية الانطاكية مع الشقيقتين الانطاكيتين كيليكيا وديار بكر الشهيدتين الأخريين كانت ارضروم تضم عدداً كبيراً من الرعية الانطاكية الأرثوذكسية وتتكون من اليونانيين والسوريين…في تلك المرحلة وبعد شغور كرسيها الاسقفي تم انتخاب علمنا الارشمندريت قسطنطين او قسطندي طرزي(1842-1902) وهو احد كبار الاكليروس الانطاكي تميزاً وعلماً ووجاهة متروبوليتا لها في مطلع مرحلة تعريب السدة الانطاكية واعتلاء مثلث الرحمات البطريرك ملاتيوس الثاني (الدوماني- الدمشقي1898-1906)
السيرة الذاتية
هو قسطنطين بن توما طرزي ولد في دمشق عام 1842 لعائلة دمشقية وجيهة حضورا ومالاً حيث كان والده توما من كبار العاملين في سدي الحرير وتجار الحرير الدمشقيين الأغنياء ومن ابناء محلة آيا ماريا (القيمرية) فالسكن كان في احد قصورها ويمتلك خاناً لسدي الحرير حيث يتم فيه تسدية الحرير، وفي جانب من الخان مايمكن ان نسميه في يومنا الحاضر الادارة ومكان التجارة.
الاسرة متمسكة بايمانها المسيحي الارثوذكسي وكان والداه من الغيرة المسيحية الدمشقية الارثوذكسية الشهيرة فنهل قسطندي من معينهما عشق الكنيسة ككل اقرانه ذاك الوقت وكانا يعلمانه كما بقية اولاد العائلة وفي بيت العائلة الحياة الايمانية من صوم وصلاة اضافة الى ممارسة الصلاة في مريمية الشام بالقرب من حارة آيا ماريا، (ومن المريمية انعكست التسمية على هذه المنطقة وحملت اسمها آيا ماريا…وتحولت التسمية تعريباً الى القيمرية مع تمادي الزمان).
تعلم منذ الطفولة الاعتماد على ذاته بتعليم من والده الذي كان يصحبه معه الى خان العمل فتعلم منذ طفولته بالاطلاع مهنة والده واكتسب مهاراتها كما كل الدمشقيين المسيحيين وهم اصحاب كل الحرف الدمشقية بامتياز، وكان انه لما صار في عمر المدرسة اي اربع سنوات ادخله والده في المدرسة الارثوذكسية ( الآسية حالياً) التي كانت بادارة الخوري يوسف مهنا الحداد حيث تلقى العلوم الابتدائية والتوجيهية…
والآسية او الكلية الارثوذكسية الدمشقية(1) كما كانت تسمى وقتئذ وكان تأسيسها قد تم بيد البطريرك افتيموس كرمة عام 1635، وقد استمرت في دار البطريركية الى عهد الخوري يوسف مهنا الحداد الدمشقي ( الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي الذي اعاد تأسيسها في عام 1836 في بيت وقف وفيه شجرة آس كبيرة (موقعها الحالي) ثم حدّثَّها مدرسة حديثة عام 1840 وكانت الاولى في هذا المضمار لي في دمشق وحدها بل في سائر سورية الكبرى وشابهت المدارس الاوربية بعدما اخرجها من مفهوم الكتاتيب التعليمي الشائع وفق النهج المدرسي الاسلامي…
واضاف اليها في عام 1851 المناهج الجامعية تمهيدا لجعلها جامعة كجامعات بطرسبرج واثينا وسالونيك، وافتتح فيها فرعاً لاهوتياً جامعياً ومدرسة اكاديمية عليا في الموسيقى الرومية.
ولما لاحظ الخوري يوسف وناظر المدرسة ميخائيل كليلة نبوغ علمنا ضماه الى الكلية اللاهوتية بالرغم من صغر سنه وكان من عداد اول دفعة من التلاميذ النجباء وعددهم 12 تلميذا ممن اختارهم الخوري يوسف ومنهم ملاتيوس الدوماني ( مطران اللاذقية- البطريرك) وغفرئيل شاتيلا (مطران بيروت)…وكانوا طليعة النهضة الانطاكية في عهد البطريرك ايروثيوس
حياته الاكليريكية
توفي والده في عام 1858 فترك العالم وانضم الى خدمة الدين المسيحي فلبس الاسكيم الرهباني في دير القديسة تقلا البطريركي في معلولا وأقام فيه مدة الى اواخر سنة 1859 فسافر الى طرابلس / الميناء “الاسكلة” وتتلمذ للطيب الذكر الارشمندريت اثناسيوس قصير الدمشقي واعظ الكرسي الاورشليمي ووكيل أوقافه في سورية وكان هو اول رائد لمدرسة البلمند الاكليريكية الرهبانية 1845…
في سنة 1860 سافر الى أثينا بمعية الارشمندريت اثناسيوس قصير المذكور وعاد منها سنة 1861 الى اورشليم قصد الدخول في مصاف طلبة اللاهوت في مدرسة المصلبة الا انه بسبب انحراف صحته لم تطل مدة إقامته فعاد الى دمشق، فضمه البطريرك ايروثيوس الى حاشيته البطريركية وجعله تحت رعاية وارشاد الأب ملاتيوس الدوماني (البطريرك) الذي بغيرته ومساعيه صار ارساله الى أثينا ليتلقى العلوم اللاهوتية في مدرسة الريزاريون وبعد ان انهى دروسه ونال درجة الدبلوم في العلوم اللاهوتية عاد الى بيروت.
في بيروت انتمى الى مطرانها المتروبوليت غفرئيل شاتيلا فرسمه في اول كانون الثاني 1872 شماساً انجيلياً وسنة 1875 رقاه الى درجة ارشيدياكون.
في عام 1881 سافر الى اوربة فزار أكثر عواصمها وتعرف بكثيرين من كبار رجال الكهنوت والعلم ووقف على بعض الأطباء اذ كانت صحته تستدعي ذلك.
عاد الى بيروت سنة 1882 فرسمه معلمه المتروبوليت غفرئيل قساً وذلك صباح يوم الخميس العظيم الواقع في 25 آذار سنة 1882 وأقامه رئيساً على دير القديس يوحنا في دوما حيث بادر للقيام بمهام رئاسته بنشاط عهده الجميع به وبغيرة وقادة اشتهر بها كل المدة التي فيها أقام في خدمة ابرشية بيروت ولبنان، وباشر إصلاح الدير وترميمه وتوسيع نطاق أملاكه. وفي سنة 1888 ترك رئاسة الدير لاسباب صحية.
تبعيته الى الكرسي الاورشليمي
زار الاماكن المقدسة في فلسطين في عام 1892 فاستدعاه البطريرك الاورشليمي جراسيموس ورسمه ارشمندريتاً وعهد اليه رعاية الأرثوذكسيين المقيمين في الاصقاع الاميركية مزوداً اياه بالميرون المقدس والأواني الكنسية والأوامر البطريركية فسافر الى الولايات المتحدة وقام فيها بواجبات الخدمة خير قيام.
خدمته في الكرسي الاسكندري
في اثناء المعرض الكولومبي في شيكاغو حضر مع مطران زانت جلسات المجمع الديني المنعقد فيه، وبقي مثابراً على خدمة الشعب السوري المهاجر الى اميركا الشمالية.
استدعاه البطريرك الاسكندري صفرونيوس الى مصر وأقامه على رعاية الرعية في مصر العليا والصعيد، فباشر اولاً الخدمة الروحية في مدينة اسيوط سنة 1894 ثم تنحى لدواعٍ صحية حيث لم يناسب مناخها صحته، وانتقل لخدمة حلوان الى ان انتخبه المجمع الانطاكي المقدس برئاسة البطريرك ملاتيوس الثاني(1898-1906) مطراناً على ابرشية ارضروم، ودعاه غبطته للقبول فأجاب بالموافقة بالطاعة والشكر
رسامته مطرانا على ارضروم
وصفت جريدة المنار البيروتية(2) “حفل الاحتفال بتسقيف قدس الارشمندريتي كير قسطنطين طرزي المنتخب مطراناً على أبرشية ارزروم”
” يوم الثلاثاء الذي حل فيه عيد الختانة الالهي(1كانون الثاني 1902) احتفل في الكنيسة المريمية الكاتدرائية عندنا بقداس حبري قام بخدمته غبطة هامة رعاتنا كيريوس كيريوس ملاتيوس البطريرك الأنطاكي الجزيل الطوبى وأصحاب النيافة غريغوريوس مطران حماه وغريغوريوس مطران طرابلس وأثناسيوس مطران اداسيس سيم فيه منتخب ارزروم مطراناً…(3)
…وقد غصت الكنيسة المقدسة بالجماهير الغفيرة وعلائم السرور تلوح على محياهم. وبعد ختام القداس الشريف وانتهاء الاحتفال بشرطونيته أُتي به الى الصاعة البطريركية حيث اقتبل التهاني من وفود المهنئين من ذوي الوجاهة والفضل وأصحاب المقامات نخص بالذكر منهم سعادة الموسيو بيلايف القنصل العام لدولة روسيا الفخيمة فكان يقابلهم نيافته باللطف والايناس شاكراً لهم حسن عواطفهم.
وبعد ظهر ذلك اليوم السعيد سار نيافته بمعية غبطته واخوانه المطارنة الى دار القونصلاتو الروسية لزيارة سعادة القنصل المشار اليه الذي ابدى مظاهر التكريم والاحترام ماهو معروف به.
وقد سمي نيافة المطران الجديد قسطنديوس حفظه الله وأخذ بيده ليقوم حق القيام بهذ الدرجة المقدسة التي انتدب اليها.”
انتقاله الى الاخدار السماوية
في فجر الاحد 13 كانون الثاني 1902 فجع الكرسي الانطاكي وابرشية ارضروم بمطرانها قسطنديوس طرزي الذي لم يكن بعد قد بارح الدار البطريركية بدمشق الى ابرشيته، وقد استأثرت به رحمة مولاه العلي عن ستين عاماً قضى معظمها في خدمة الكنيسة المقدسة خدمة أهلته لنيل رئاسة الكهنوت، فكان لفقده رنة حزن وأسف لأنه كان يرجى منه أن يرعى رعيته التي اؤتمن عليها في ارضروم في تلك الابرشية البعيدة جدا بقطيعها القليل والمنقسم مابين يوناني وسوري وتبعية اليونان بشكل واضح الى رفض تعريب الكرسي الانطاكي.
بعد تسقيفه مطراناً على ارضروم في مريمية الشام في 1كانون الثاني 1902 (كما مر معنا) كان يحتفل يومياً بالقداس الالهي في الكاتدرائية المريمية. ومع أن الثلوج والأمطار كانت غزيرة والبرد شديد أقبل عيد الظهور الالهي ويوم العيد احتفل بالقداس الالهي وصلاة تقديس الماء، ويوم الاثنين ثاني عيد الظهور اي في عيد القديس يوحنا المعمدان احتفل بقداس وجناز السنة عن نفس معلمه مثلث الرحمات المطران غفرئيل(شاتيلا) مطران بيروت ولبنان.
وبقي على ذلك وهو بتمام الصحة لايشكو ألماً أو انحرافاً حتى نصف ليل الأحد 13 كانون الثاني 1902 حيث شعر بغتة بألم في صدره ثم تقيأ ولما اشتد عليه الحال طلب مطران طرابلس فحضر واستدعى له الدكتور داود ابو شعر(4) الذي اسرع بالحضور وكذلك الارشمندريت بولس (5)ففحصه الدكتور داود ووصف له العلاج، ولكن لم يمض على ذلك بضع دقائق حتى اسلم الروح وهو متكىء على ذراع مطران طرابلس غريغوريوس حداد.
عندما وصل الخبر للبطريرك ملاتيوس بكاه بمرارة واسف اشد الاسف وامر بأن يحتفل بجنازه ودفنه احسن احتفال وعمم نبع الوفاة برقياً على مطارنة الابرشيات والى ابرشية ارضروم التي ترملت بوفاة من كان مؤهلاً لقيادتها بنجاح كما كان مأمولاً.
حضر المطارنة على عجل مع مصاف الاكليروس البطريركي وبدأوا بالجناز الكهنوتي بالصلوات والتراتيل وطفق الكهنة والشمامسة يتلون الفصول الانجيلية بالمناوبة
وصف الجنازة اوردته جريدة المنار(6)
“…وماحانت الساعة التاسعة عربية (الثالثة بعد الظهر) من نهار الاحد المذكور (13كانون الثاني 1902) وهو الاجل المضروب للاحتفال بالجناز حتى غصت الكنيسة المريمية وباحاتها والبطريركية بالألوف المؤلفة من الشعب على اختلاف المذاهب والمشارب والرتب والطبقات وأصحاب المقامات وعموم قناصل الدول الفخيمة بالألبسة الرسمية. فتولى صلاة الجناز غبطة البطريرك وأصحاب النيافة مطارنة حماه وطرابلس واداسي ولفيف الكهنة والشمامسة.
وبعد انتهاء الجناز رقي المنبر نيافة مطران طرابلس وابن الفقيد تأبيناً آية في البلاغة عدد فيه مناقبه الغراء وصفاته الحسناء وماكان عليه من الغيرة والتقوى والاهتمام بخدمة الكنيسة المقدسة والمحبة الخالصة نحو الجميع والسريرة الصافية الى غير ذلك من السجايا الكريمة .
فاستنزف العبرات وصعد الزفرات ثم ازدحمت الجماهير للتبرك بقبلة يدي الفقيد وتوديعه الوداع الأخير.
ولما انتهوا من توديعه حمله الكهنة بكمال التجلة والتكريم خرجوا به من الكنيسة وانتظم المشهد على هذه الصورة. الخفراء ثم تلامذة المدارس الأرثوذكسية ينشدون المراثي الشجية فالجنود فخفراء البلدية فخفراء الحكومة فخفراء القناصل فالجمعيات الملية يحملون الأكاليل البديعة الصنع والاتقان ثم غبطة البطريرك فالسادة المطارنة بينهم مطران السريان فمصف الاكليروس ثم قناصل الدول فالجماهير المجمهرة التي لايدرك الطرف آخرها. وكان الخشوع سائداً وعلائم الأسف بادية على وجوه الجميع والأجراس تُقرع برنات الحزن وكانت النوافذ والشرفات والسطوح والطرق غاصة. ولما بلغوا بالفقيد أمام كنيسة الأرمن استوقفهم رئيسها الروحي الذي حضر مع شمامسته وجنز وكانت اجراس كنيسته تقرع قرعاً مؤثراً. ثم استؤنف السير الى التل (مقبرة القديس جاورجيوس الارثوذكسية خارج الباب الشرقي مقابل باب بولس) حيث دُفن الفقيد الجليل في مقبرة البطاركة القديمة المعروفة(7) والقلوب تودعه والدموع تشيعه.
وحينئذ انبرى لتأبينه جناب جبران افندي لويس (عضو المجلس الملي البطريركي الدمشقي) معدداً أعماله الحسنة وخدمه المتعددة ومشيراً الى طاعته لرؤسائه وقبوله ابرشية ارزروم مع علمه بخطارة المركز الذي انتدب اليه وعقبه على الأثر جرجي افندي متى (عضو لجنة المدارس الارثوذكسية الدمشقية) وأبنه بأبيات شعر رائقة. ثم ارفض الحشد الغفير الذي كان يملأ تلك البقعة الكبيرة حتى قدره بعض الخبيرين بعشرين الفاً وهم يترحمون على هذا الفقيد الكريم ويذكرونه بالخير الجميل.” انتهى الاقتباس عن المنار.
وقد اقام غبطته والمطارنة ولفيف الاكليروس الدمشقي يوم الاحد التالي صباحاً الذبيحة الالهية بمناسبة مرور اسبوع على ارتقائه في الكاتدرائية المريمية التي غصت بالشعب.
بعض مما قيل في جنازته
مرثاة شعرية القاها جرجي متى عضو لجنة المدارس الارثوذكسية في مدفن المطارنة حال دفنه قال في مطلعها:
أعزز علينا أن تكون فقيداً………………………..وسرورِنا بك كان أمس جديداً
ياراحلاً أبكي عليه كنائساً………………………فقدت به ركناً لها وعموداً
قوَّضت أركان القلوب بذي النوى………………. رفقاً بهم فماخلقن حديداً
كنا نُعدُّ لك التهانيْ بالعلا………………………واليوم قد صغنا الرثاءَ قصيدا
يا ابرشية أرزروم تفجعي………………………وذري النواح على اللوا معقودا
لاتخلعي ثوب الحداد فقد سبى …………….. ريب المنون عريسك المعدودا
أصبحت أرملةً قبيل لقائهِ……………………..إذ قد تخرمه الحمام بعيدا
وفي ختامها….
فإلى قضاء الله نعنو بالرضى…………………إذ ليس سهم قضائه مردودا
وعلى ضريحك صبب من عفوه……………..وحباك في أخداره تخليداً
فاذهب عليك سلام ربك تاركاً………………ذكراً على مرِّ الزمان سعيدا
والقى الاستاذ فارس الخوري(8) مرثاة شعرية أنشدها تلاميذ المدارس الأرثوذكسية الدمشقية في المشهد ذاته قال في مطلعها:
الفضل يبكي ودمعُ العين ينهملُ…………..والقلب لله في الأشجان يبتهلُ
يبكي على سيد جلَّ المصابُ به………….لفقده الحزن في الأحشاءِ يشتعلُ
بالحَبر قسطنديوس ذي الفضل من جذلت
به الفضائل واليوم انقضى الجذل
في ختامها يقول الأستاذ فارس الخوري:
يارحمة الله جودي فوق تربته…………….وليسقِ منك ثراه عارض همل
وانتم باذويه بعد مصرعه………………..بحلة الصبر والسلوان فاشتملوا
فحلة الصبر تبقى الدهر زاهية…………..تردُّ نبل الأسى ان رثت الحلل
الخاتمة
صادفت هذا الحَبر الجليل منذ اللحظات الأولى لتكشيفي للوثائق البطريركية منذ عام 1987 وتألمت كثيراً لارتقائه الى سيده الذي خدمه منذ طفوليته راهباً، ولما آن اوان رئاسته للكهنوت بعد كل هذا الجهاد الحسن الذي جاهده وقبل انتقاله الى مسند مطرانيته في الاصقاع البعيدة ليخدم رعيتها المتعطشة للراعي الصالح…واذ بها تترمل ولما يصلها بعد عريسها وكان لايزال في دمشق مسقط رأسه…
لم استطع كتابة سيرته الا بعد كل هذا الزمن بما توفر لي من معلومات وبعد تكشيف كل الوثائق عن هذه الابرشية واستعنت بالمجلتين الارثوذكسيتين الانطاكيتين المحبة والمنار البيروتيتين… في معرض مشروع كتابة سيرة الابرشيات الانطاكية الشهيدة بتكليف من غبطته…
الحقيقة تألمت جداً…على هذا العلم الأنطاكي
كما انا متألم حتى الدقيقة الأخرى من عمري على استشهاد معظم ابرشيات الكرسي الانطاكي ومنها الأبرشيات الثلاث و ابرشية ارضروم ففرغت من رعيتها استشهاداً وتهجيراً
ولكن الكنيسة عامة وخاصة الكنيسة الارثوذكسية وبالأخص الانطاكية تبقى على الرجاء كسيدها الذي نزل الى القبر وقام من القبر …
الكنيسة بالعذاب تزدهر وتتجوهر كما الذهب يتجوهر بالنار ولكنه يبقى ذهباً…
والحديد يصبح بالنار والطرق فولاذاً…
حواشي البحث
!- انظر سيرة الشهيد القديس يوسف الدمشقي في موقعنا
2- جريدة المنار البيروتية بعددها رقم 10 السبت في 5كانون الثاني سنة 1902 السنة الرابعة
3- البطريرك ملاتيوس الثاني ( من عائلة الدوماني الدمشقية مطران اللاذقية من 1864-1898 والبطريرك الانطاكي الاول بعد تعريب السدة الانطاكية 1898-1906 وهو رائد التعريب وقد عانى مالايوصف من تعسف البطاركة اليونان (المسكوني والاسكندري والاورشليمي ورئاسة اساقفة قبرص واليونان ولم يعترفوا به وقد تم الاعتراف بعد اربع سنوات من بطريركية خليفته غريغوريوس الرابع. / غريغوريوس مطران حماه وهو ابن عائلة جبارة الدمشقية وكان موصوفا بالقداسة/ غريغوريوس مطران طرابلس ابن عائلة حداد من عبية بجبل لبنان ويمتد بالنسب للشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي، اعتلى السدة البطريركية خلفا للبطريرك ملاتيوس الثاني 1906-1928 وهو ابو الفقراء ومطعم الجياع في مجاعة سفر برلك والمعين للشريف حسين شريف مكة في حشد الصف المسيحي لتأييد الثورة العربية الكبرى للتحرر من الاحتلال التركي عام 1918 والمشترط على الامير فيصل للاعتراف به ملكا على سورية تساوي غير المسلمين في الحقوق والواجبات في المملكة وحصل عليها، وكان رافضا للانتداب الفرنسي. / اثناسيوس مطران اداسيس وهو ابن عائلة ابوشعر الدمشقية وكان الوكيل البطريركي. انظرهم جميعاً في (باب اعلام كنسيون) بموقعنا هنا.
4- الدكتور داود ابوشعر وهو اول الاطباء في ولاية دمشق وفي مستشفى القديس بندلايمون الارثوذكسي الدمشقي وهو قريب مطران اداسيس اثناسيوس ابو شعر.
5- المطران بولس ابو عضل الدمشقي اول مطران على جبل لبنان 1902 وبالتالي مؤسس ابرشية جبيل والبترون وتوابعهما، انظر سيرته في موقعنا هنا باب اعلام كنسيون
6- جريدة المنار البيروتية العدد 12 السبت في 19 كانون الثاني سنة 1902 السنة الرابعة ص177-178
(7) هو مقام القديس جاورجيوس حيث مدفن المطارنة والاكليروس وعلى مايبدو ان دفن البطاركة كان يتم فيه اعتباراً من تاريخ نقل المقر البطريركي الى دمشق عام 1344 حيث كان قبله يتم فيد دفن مطارنة دمشق، وكان وقتها قد بدأ دفن البطاركة في مدفن البطاركة في باحة المريمية الغربية وكانت رخامات القبر بالعربية واليونانية تدل على البطاركة الذين كانوا يُدفنون فيه وآخر من دفن به مثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع عام 1979، ثم وحين تم تجديد محيط وجدران الكاتدرائية عام 1998 وسقفها في عهد مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع تم نقل المدفن الى تحت هيكل الكاتدرائية شرقاً وامامه حديقة جميلة وهو عبارة عن ناووس كبير غاية في الترتيب وقام غبطته بالاشراف عليه شخصيا وتخصيص دروج خاصة لكل بطريرك كان قد دُفن فيه مع مجسم لصورة وجهه ونبذة عنه، حتى انه جهز مثواه رحمات الله عليه وقد دفن فيه في 20 كانون الاول عام 2012
8-الاستاذ فارس الخوري ( رئيس الوزارة السورية لاحقا لثلاث دورات متعاقبة وغير ذلك من المهمات الرسمية السورية) وكان يعلم في المدارس الأرثوذكسية الدمشقية…