الروم وكنيستهم اهل العلم والمعرفة…
كان قد قيل قديما من لا يعرف الثقافة اليونانية هو بربري…
ولاتزال بهدي من النتاج المعرفي اليوناني والهليني والحضارة المعمارية وهندسة الطرقات والري وفن العمارة والتماثيل والتصوير الكنسي الحاضرة الماثلة امامنا…
مدخل في مصطلح الفتح
الفتح مصطلح بغيض ان اتى في غير موضعه، والاساس ان ينطبق على مناطق متخلفة، عمل الفاتحون في فتوحاتهم على تطويرها، ونقلها من الهاوية الى القمة في معارج الحضارة، وقد اثرت في الحضارة العالمية وقامت بدور بناء في بنائها.
ولما كان مصطلح الفتح المستخدم اعتباطياً بالتالي لا ينطبق على مناطق يسودها الجهل كبلادنا المتجذرة في الحضارة، لذلك كلمة الفتح الواردة في تاريخنا العربي والاسلامي الذي درسناه مرفوضة قطعاً، لأنها مجافية للواقع والتاريخ والحضارة الانسانية، وربما قصد الذين وضعوها وقتها والحاضرون الحط من قدر البلدان التي اسقطوها والشعوب التي حكموها بكل تبعات حكمهم السلبية…اذ لا تنطبق على المناطق التي كانت تسود فيها الحضارة واساسها ورائدتها الحضارة الهلينية الرومية بلسانها اليوناني بكل مظاهر الزهووالريادة كسورية كلها ومصر… وهو الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط او بحر الروم…وهاهي اوابدها حاضرة من مدن لاتزال عامرة نعيش فيها،
وحتى الاوابد المتهالكة بفعل الانسان وعدوانيته والطبيعة الناقمة، وهاهي الشعوب الوريثة لهؤلاء الرواد الذين تركوا بصماتهم على كل شيء وفي كل شيء، وانتقلت الى العالم المعمور واسهمت في حضارته ومدنيته.
الفتح العسكري في الواقع هو مصطلح ممكن تطبيقه على مناطق متخلفة كان يسودها الجهل، وليس على مدن كدمشق مثلاً صرح بشأنها عظماء العلوم والمعارف عن فضلها على الحضارة العالمية عبر كل العصور وخاصة في العصرين الحديث والمعاصر كبارو ورينان…
مرفوض جملة وتفصيلاً هذا الوصف “فتح دمشق”، و”فتح حمص” وفتح الاسكندرية وفيها اكبر مكتبة في ذاك التاريخ ومع الاسف تم تدميرها… يعني تدميراجيال لاتعد من حضارة هذه المدينة التي بناها الاسكندر المقدوني…
وفتح بلاد الروم في آسية الصغرى التي اسهمت في نهضة رومية بيزنطية مشرقية… وفتح اسبانيا وهي من الجزر الايبرية بأصلها الاغريقي… وفتح القسطنطينية عاصمة المجد الرومي الزاهي وعاصمة الكنيسة الارثوذكسية الجامعة ولاهوتييها ومجامعها المقدسة، العاصمة اللاهوتية والعلمية والمعرفية التي سادت خلال احد عشر قرناً برعاية الامبراطورية والكنيسة…
والسؤال هل فتحت القسطنطينية بيد حضاريين اكثر منها حضارة؟ ام بيد وحوش؟
في الواقع الأليم اجتاحها برابرة قوامهم ثلاثمائة الف انكشاري ودرويش وبمختلف صنوف اسلحة الدماربأكثر من سبعمائة مدفع كانت تُجَّرَّب في دمارها…
برابرة عثمانيون اتوا من قعر التاريخ عاشقون لسفك الدماء ان عطشوا شربوا من دماء جيادهم بنخس اوردتها في اعناقها، عاشقون الدمار والجنس البربري وهتك الاعراض والسبي وتركوا هذه المدينة العظيمة ككل المدن التي احتلوها قاعاً صفصفاً بذلك الدمار الشامل وما ارتبط من ارتكابات يندى لها جبين الانسانية خجلا من ذبح وهتك اعراض وسبي نساء وغلمان وتحويل الكنائس وابرزهم تحويل كاتدرائية آيا صوفيا اي الحكمة الالهية الى جامع آيا صوفيا الامر الذي ينطبق عليه الاحتلال لا الفتح، ويدحض القول بأن الفتح تم لمناطق متخلفة حتى ان سلاطين العثمانيين بدءا من السلطان عثمان الملقب بالفاتح سمى نفسه “سلطان الروم” بصفته وريثاً لأباطرة الروم. كما وان التقويم الذي صار متبعاً في الدولة العثمانية، هو ما اسموه التقويم الرومي… والسلطان ذاته قام ببتويج الراهب جناديوس بطريركاً على القسطنطينية وريثاً لبطريركها الشهيد كما كان يفعل الاباطرة البيزنطيون بصفته وريثاً لأمبراطورامبراطورية الروم.
بهذا الغزو بل كانت كل ماقيل عن المدن المفتوحة بدءاً من دمشق عام 635م وانتهاء بالقسطنطينية عار عن الصحة وماهذا المصطلح الا مصطلح بديل عن الاحتلال بالقوة الحربية المفرطة وماتبعها من مخازٍ، ولغوياً هو مصطلح استعلائي استخدمه من تسمى فاتحا ليرفع من قدره…فكيف والحال هذه من ادعى فتح امصار تزهو بالحضارة الرومية كسورية الزاهية وخاصة وان هذه اللغة بقيت سائدة في البلاط الاموي اكثر من نصف قرن، وهذه اللغة ذاتها هي التي اثرت الحضارة العربية لاحقاً والمستوردة في اغلبها من الثقافة اليونانية عجنتها سورية بلد الشمس الساطعة وشعبها الفينيقي الكنعاني رفيع الحضارة…
التسمية
ومن الجدير ذكره أن لا اختلاف بين تـسمية “الـــروم” و بين تـسمية “الـيـونان – Greek” ونجده في اللغات الاخرى واحد…حتى ان المؤرخين المسلمين المعاصرين قالوا عندما دخلوا سورية اننا دخلنا بلاد الروم، وتحدثنا معهم بلغتهم لغة الروم…
اذن التسميتان هما لشعبٌ واحد اختلفت عليهما الاحتلالات، فاختلفت عليهم التسميات في فترات زمنية
وهنا نتذكر الشاعر الكبير “ابن الرومي” يفتخر بأصله الـرومي قائلاً:
” ونحن بنو اليونانِ قومٌ لنا حِجىً………… ومجدٌ وعيدانٌ صِلابُ المعاجمِ “.
وقال ايضا:
“آبائي الروم توفيل وتوفلس ………… ولم يلدني ربعي ولا شبث”.
وابن الرومي وهو الشاعر المولود سنة ” 836م” في القرن التاسع المسيحي، اي بعد 200 عام من وجود العرب المسلمين في سورية
بعض من الاسهامات الحضارية المدموغة للروم وكنيستهم في المعرفة والعلوم
– قالوا لك: ان القدماء كانوا يظنون الارض “مسطحة”، وان الكنيسة اضطهدت القائلين بكروية الارض…
هذه دعاية خاطئة .
فإن فيثاغوراس، الذي كتب باليونانية قبل المسيح ، أكد ان الارض كروية. ( ٥٧٠ – ٤٩٥ ق.م ). ومثله أكد أفلاطون وأرسطوطليس (٣٨٤ – ٣٢٢ ق.م ) على كروية الارض .
وفي الكتاب المقدس وردت الاية التالية: “الجالس على كرة الارض” ( اشعياء ٤٠ : ٢٢) والكتاب المقدس بعهده القديم ومنذ “الترجمة السبعينية” في الاسكندرية صارت لغته الاساس هي اليونانية.
وعلى اعتبار ان لغة الروم الرسمية كانت اليونانية “الرومية” ، فقد درسوا جيدا هذا التراث وفهموا ان الارض كروية قبل قرون من فهم الغرب لتلك النظرية.
كذلك فإن النسر ذو الرأسين، وهو رمز الروم القديم وهو راية الدولة الرومية البيزنطية ، يحمل بيده “كرة ارضية”.
– قالوا لك ايضاً، ان القدماء كانوا يظنون الارض ثابتة وانها محور الكون، وان الشمس تدور حول الارض. وعلموك ان الكنيسة اضطهدت العلماء الذين اعتبروا الشمس محور الكون.(مثل كوبرنيكوس وغاليليو).
هذه ايضا دعاية خاطئة.
وتأكيداً على ذلك ان المهاجمين نظروا في ذلك الى كنيسة الغرب فقط … فعمموا ربما قصداً! او جهلاً اتهام الكنيسة بالتخلف!… ولم ينظروا الى كنيسة الشرق الرومية.
الحقيقة ان الفلكي الاغريقي اريستارخوس الساموسي، ( ٣١٠- ٢٥٠ ق.م ) كتب باليونانية قبل قرون عن “مركزية الشمس” ، وقال “ان الارض تدور حول الشمس وحول نفسها ومن هذا الدوران يتعاقب الليل والنهار”.
أما أستاذه فيلولاوس ( ٤٧٠ – ٣٨٥ ق.م ) فقد اكد ان الكون واسع جدا وان الارض ليست محور الكون. وكذلك اكد “سلفكوس السلفكي” وهو فيلسوف من يونانيي سورية، من القرن الثاني ق.م ان “الارض تدور حول الشمس”. لذلك يتعاقب الليل والنهار.
صحيح ان العلماء اليونانيين قديما لم يجمعوا على هذه النظرية، وصحيح ان الغرب لم يعرف هذه الحقائق الا متأخراً(في القرن السادس عشر، والسابع عشر مع كوبرنيكوس ١٤٧٣ – ١٥٤٣م ، وغاليليو ١٥٧٠ – ١٦١٢م)، وصحيح ان الكنيسة الغربية اضطهدت العلماء لفترة بمحاكم التفتيش.
الا ان الشرق، وخاصة الروم الهلينيين، وبسبب لغتهم الرومية (اليونانية) درسوا كل هذا النتاج العلمي الغزير لفلاسفة اليونان القدماء، ونقلوه للاجيال الجديدة، وان ارباب عصر النهضة في اوربة درسوا ما اتاه العلماء والفلاسفة والادباء والفنانون الاغريق والهلينيون والروميون المسيحيون في الدولة الرومية وخاصة بعد احتلال القسطنطينية، فأنشأوا عصر النهضة.
وكنيسة الروم تقبلت العلم بل ورعته وكان الكثير من احبارها علماء، وهي لم تضطهد العلماء البتة، بل كانت جامعات القسطنطينية تعلّم هذا النتاج الفلسفي القديم مع تعليمها للاهوت وتهيئ العالم لعصر العقل.
ويجمع العلماء على أن سقوط القسطنطينية “عاصمة الروم” عام ١٤٥٣م ادى الى ان معظم علمائها ومثقفيها ولاهوتييها وفنانيها وقانونييها… هجّروها قبل الاجتياح العثماني البربري لها الى اوربة الغربية وخاصة الى البندقية وسواحل ايطاليا حيث الوجود اليوناني الاصيل هرباً من العثمانيين، حاملين معهم آلاف المخطوطات اليونانية”الرومية” القديمة، التي درسها الغرب … فأنتجت ثورته العلمية … وأنجبت كوبرنيكوس وغاليليو …
بعض مصطلحات عربية مشتقة من الرومية اليونانية
ما يعرف بالمفردات المستعارة أو الدخيلة loanwords، وهي ظاهرة معروفة عند جميع اللغات. فاللغات تختلط مع بعضها وتتلاقح.
ويمكن تبيان أصل المفردة ومعرفة جذورها عبر علم يدعى علم اشتقاق المفردات/الألفاظ أو إيتيمولوجيا etymology وهي اصلاً كلمة يونانية.
-“القنديل” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” و تعني الشموع الخاصة بالكنيسة والتي تنار امام الأيقونات بالفتيل والزيت وتكتب ” το καντιλι ” وتلفظ .” كانديلي” و “كانديليا ” بالجمع …
-“فتيل” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” و تكتب “το φυτιλι” و تلفظ “فيتيلي” …
-“السقاله” كلمه من اللغة الرومية “اليونانية” و تكتب “σκάλα” وتلفظ “سكالا” اي الدرج أو السلم والجمع σκαλες “سكالس” اي سلالم …
-“الفرشاة” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” وتكتب βουρτσα وتلفظ فورتسا و الفعل βουρτσιζω فورتسيزو اي يفرشي …
-“فانوس” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” و تكتب φανος و تلفظ “فانوس” و التشديد على الالف وليس الواو كما في العربية، و الكلمة العربية الصحيحة هي المصباح …
-“القميص” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” و تكتب πουκαμισο وتلفظ بوكاميسو …
-“البلوزة” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” وتكتب μπλουζα وتلفظ “بلوزا”
-“الكلسات” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية”و تكتب καλτσες وتلفظ كالتسيس …
مع العلم انها ليست ازياء عربية فيقال بالعربية جلباب وجلبابة للقميص والبلوزة وجوارب للكلسات …
-“الغرافة” او الغرافات..كلمة رومية وتكتب γραβάτα وتلفظ “غرافاتا” والكلمة العربية الصحيحة ربطة العنق.
-“الزوم” كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” وتكتب ζωμος وتلفظ “زوموس” وتحذف السيجما في حالة المفعول به والجار والمجرور فتصبح ζωμο وتلفظ “زومو” والكلمة العربية الصحيحة هي المرق او المرقة كما يؤنثها البعض …
-“الكستنا او الكستناء” كلمة رومية الاصل تكتب καστανα وتلفظ كستنا كما نلفظها تماما والكلمة العربية الصحيحة هي ابو فروة او القسطل، والقسطل نوع شجر من فصيلة البلوطيات …
-“الكنبة” كلمة من اللغة الرومية ” اليونانية” نستخدمها في لغتنا اليومية وتكتب باليونانية Καναπες وتلفظ كانابيس بصيغة الجمع، و تكتب Καναπας وتلفظ كاناباس بصيغة المفرد، ولكن في اثناء الكلام وفي معظم الحالات الإعرابية تحذف السجما (حرف سين باليونانية) من اخر الكلمة فتلفظ كانبا كما نلفظها تماما ماعدا الحالة الاسمية والجمع تبقى السيجما، ومعظم الاحيان تستخدم في حالة الجمع اي تبقى السين لانها تكون غالباً مصممة ليجلس عليها أكثر من شخص واحد، وعادة ما يكون لها مسند للظهر ومساند للذراعين. والكلمة العربية الصحيحة في الواقع لاتوجد لان العرب لم يعرفوا الكنبة وطالما كان يجلسون على الارض (القعدة العربية) وحتى ان كلمة اريكة العربية !!! ليست بعربية…
-“الافندي” كلمة من اللغة الرومية و تكتب αφεντικο وتلفظ افنديكو وتعني الريس او المعلم Boss وكثيراً مانقول في سورية ولبنان:”اجا او شرف الافندي او وين كاين الافندي”… مع العلم ان هذه الكلمة دخيلة للتركية من اليونانية، وتستخدم بالتركية كثيرا للاجابة بنعم ( افندم) اي نعم ياسيد… ومنها سادت في مصر مع حكم محمد علي باشا واسرته وحتى الآن…
-“القرميد” والاصل قرمود بنفس المعنى. كلمة من اللغة الرومية “اليونانية” وفي اليونانية القديمة هي κεραμίς تلفظ كيراميس و حسب قواعد الصرف اليوناني κεραμίδι كيراميذي. حيث كان اليونانيون يغطون أسقفهم بالقرميد حتى في عصر الفلاسفة أفلاطون وأرسطو اللذين ذكرا هذه الكلمة. لذلك نجد الطابع المعماري في سورية ولبنان ومنطقة توسكانا الايطالية بجذورها اليونانية مشابه تماما للطابع المعماري اليوناني الرومي…
وبدقة الكلمة من الجذر اليوناني الرومي κέραμος كيراموس ، من نفس الجذر جاءت كلمة céramique بالفرنسية وceramic بالإنجليزية و الكلمة العربية الصحيحة هي الفخار…