الشهيد عبد الله اللاذقي
(+1844 م).
في اللاذقية السورية لا زال بعض الناس، لا سيما من المسنّين، يردّد أبياتاً من قصيدة بالعامية المحليّة. دونك بعضها مما شاع
“الله أكبر. حَيَّ على الصلاة. حَيَّ على الفَلاح. كنت خوري وكان لي بالسَحَر قدّاس كنت إحمل جسد سيدي واندار بين الناس لما دخل برأسي عسكر الوسواس خالفت قولك سيدي وأصبحت خلف الناس الله أكبر. حَيَّ على الصلاة. حَيَّ على الفلاح. يا نفسي كوني حزينة وابكي بكا الزلاّت وتأسفي يا نفسي عللي مضى وفات يا نفسي كوني حزينة وابكي بكا المحزون على اللي بدل ثوب الصبايا بالجوهر المكنون الله أكبر. حَيَّ على الصلاة. حَيَّ على الفلاح. يا نفسي كوني شرّيرة وأشرّ الناس وادفني ذاتك بين الأنجاس موطنك هناك بعد ما بدلت جوهر الأديان بجهنّم النار” |
الأيام محت الدقائق في مَن يكون صاحب هذه القصيدة وماذا جرى له حتى صار إلى الحالة التي بلغها. غير أنّ ثمّة مَن استطلع ما بقي في ذاكرة العديدين واهتدى إلى معلومات ومعطيات جعلت الصورة في شأن الكاهن المشار إليه في القصيدة أجلى. هذا كان الأب الأرشمندريت أرسانيوس حانونيك. وقد دفعها إليّ، أنا الأرشمندريت توما بيطار، خلال شهر تموز من السنة 1990. وها نحن ننشرها للمنفعة.
أسماء عديدة وردت ممَن كانوا يعرفون شيئاً من قصة الشهيد عبد الله. كل هؤلاء من أبناء الرعيّة الأرثوذكسيّة في اللاذقية. من الأسماء حنا خوري إليان ابن المرحوم الخوري إليان، دانيال خوري، المتقدّم في الكهنة عبد الله الياس، توفيق عوض، حبيب ياخور، جورج ميسي، عزيزة كبّاس، جبرائيل مرطيشو، رزق الله طنبور، جبرائيل رشو، أم جاد بيطار، مجيدة صابور، الأب الراهب أنطون منصور، جبرائيل شرشر وهاني شرشر…
وإلى ما بقي في ذاكرة بعض المؤمنين، عندنا ما ورد في كتاب “آثار الحقب في لاذقية العرب” للياس صالح، نقلاً عن المخطوط البطريركي الأنطاكي الرقم 438 ونسخة من القصيدة الكاملة التي كان الشهيد عبد الله يُردّدها. هذه أُخذت عن مخطوط موجود في دير صيدنايا البطريركي. وما كان يُغنّى في اللاذقية، ما أوردناه أعلاه، هو نسخة مقتضبة محرّفة عن قصيدة صيدنايا. هذه منظومة على الحروف الأبجدية، وقوامها ثمانية وخمسون بيتاً.
لملمة المعلومات التي بين أيدينا وجَمْعُ قطعها إلى بعضها البعض يبرز صورة الشهيد عبد الله على النحو التقريبي التالي
اتّفق في زمن أسقفية أرتاميوس على اللاذقية، سنة 1844م، أن شهر الخوري عبد الله، أحد كهنة الروم الأرثوذكس في المدينة، إسلامه. سبب ذلك أنّه كان في اللاذقية وكيل لقنصل دولة اليونان اسمه ديمتري. هذا كان متأهِّلاً في بلاده. وقد جاء إلى اللاذقية وادّعى أنّ زوجته، في وطنه، ماتت وطلب الزواج من صبيّة لاذقانية اسمها كاترين كانت ابنة الكاهن ميخائيل النحّال. لم يعطه المطران أرتاميوس إذناً بذلك. قال له أن يأتي بشهادة من مطران مدينته تعلن صحّة وفاة زوجته. وحدث أن غاب المطران عن المدينة لبعض الوقت. فما كان من ديمتري سوى أن أقنع الخوري عبد الله بإجراء خدمة زواجه من كاترين. لا ندري كيف اقتنع الخوري بالقيام بهذا العمل من دون إذن مطرانه. ربما أخذ ديمتري على عاتقه أمر تغطية الخوري لدى المطران لِمَا له من دالة عليه. أنّى يكن الأمر فقد أُجري الإكليل وأخذ ديمتري كاترين إلى خاصته. وما إن مضت أيّام قليلة حتى حضر ابن ديمتري من زوجته الأولى ففوجئ بأنّ أباه تزوّج لأنّ أمّه كانت لا تزال على قيد الحياة. فلما عاد المطران من سفره وعلم بذلك أصدر حرماً شمل ديمتري وكاترين والخوري عبد الله وكل مَن يخالط، من المؤمنين، أحداً من الثلاثة أو يكلّمه أو يقبله في بيته. فكان الخوري عبد الله يطوف على كل صغير وكبير في المدينة يسأله التوسّط في أمره لدى المطران. فلم يلق غير الخيبة لأنّ الجميع كانوا يحوِّلون وجوههم عنه ويرفضون أن يكلِّموه. استمر على ذلك أيّاماً حتى ضاقت به الدنيا ولم يعد يطيق احتمالاً. فمضى إلى مشايخ المسلمين وعرض أمامهم أن يُسلِم، فقبلوه بالترحاب وأقاموا له احتفالاً. ثمّ بعد أيام من إسلامه طافوا به في المدينة، في أحد أيام الآحاد وكانوا جمعاً غفيراً، لأجل ختانته، وهم يعزفون بآلات الطرب ويضربون الطبول ويطلقون البنادق.
إلى هنا انتهت المعلومة الواردة بشأن الخوري عبد الله في كتاب “آثار الحقب…”. وما بقي في وجدان بعض الناس، بعد ذلك، هو أنّ الخوري بعدما أَسلم عاد فندم وحاول أن يرتدّ فلم يجد إلى ذلك سبيلاً. وكان كل يوم يقف أمام كاتدرائية مار جرجس ويقول: “يا كنيسة الربّ محبّتك في القلب”. ولشدّة تاثّره نظم قصيدة وأخذ يغنّيها، وكان صاحب صوت جميل. فسمعه المسلمون ينشدها في مئذنة الجامع المغربي، فألقوه من أعلى الجامع فوقع ومات. وقد أخذه المسيحيّون ودفنوه في كنيسة مار سابا. وثمّة مَن ينقل أنّ النور كان يُشاهَد على قبره. كما يُنسَب إليه شفاء عدّة أمراض كارتفاع الحرارة والحمّى والصرع. يُذكَر أنّ كنيسة مار سابا لم يعد لها وجود اليوم في اللاذقية لأنّ مدرسة ثانوية خاصة بالطائفة الأرثوذكسية بُنيت في المكان. كما نُقلت المدافن إلى مقبرة الفاروس.
أما القصيدة التي انحفظت منه على مرّ الأيام فهي التالية
نشيد القدّيس الذي أسلَمَ وندم على ما جرى له
(هكذا ورد في نسخة صيدنايا)
الألف | ||
إلى متى تِنْقِضي يا مِدِةْ الزلاّتْْ |
يا نفسي إِبكي ونوحي واتركي اللذاتْ |
|
الباء |
|
|
بِالله اتركوني أَبكِي بُكَا المحزونْ والمَديونْ |
وإنْ أَنصَفْ الدهر قُولْ للقَلْبْ يا محزونْ |
|
التاء |
|
|
تْهاوَنتْ يا قَلبْ مِينْ هُوِّ اللي رَمَاكْ |
يا مَنْ يْرِيد الخلاصْ قُوْم وانتبهْ يا ذَاك |
|
الثاء |
|
|
ث تُرى أَجِدْ مغفرةْ لْهَفْواتي |
أنا رأيتْ مَنَامَاتٍ عَجيباتِ |
|
الجيم | ||
جارْ عليِّ الزمَانْ وحطَّلْلي مَناماتْ |
يا ربْ اِغْفُرْ وسَامِحْ كِلْ ذَنْبْ كان |
|
الحاء | ||
حِدِتْ عن درْجةْ عهدي وميثاقي |
مِنْ بَعْد ما كِنتْ أنا في جُملة رفاقي |
|
الخاء |
|
|
خالَفِتْ عَدوّي حين نَهاني |
لَمَّنْ تبِعْتْ هَوَايْ رَاحْ وخَلاّني |
|
الدال |
|
|
دَارِتْ عليِّ الدَوَايِرْ شِبْه ________ |
مِنْ بَعِدْ اعتدالي قْوالي مِلِتْ هالْمِيْلِة |
|
الذال |
|
|
زَلِّيْت ما حَدا زَلْ مِتِلْ ما زَلِّيْت |
رْفاقي جاهَدُوا وأنا الشَقي تْخَلِّيت |
|
الراء |
|
|
رَبي خَلَقْني لأَعْبِدُه بِالسِبِحْ والتَقديس |
طاوَعْتْ ظَنِّي اللي حَكَمْ عليِّ بالتَعْكِيسْ |
|
الزاي |
|
|
زيادِةْ العِمِرْ عندْ المِسْتْقِرْ جديد |
يا مَن يْصُوْمْ وِيصَلِّي وِيْكَتِّرْ التَعْديدْ |
|
السين |
|
|
سَلاسِل الحزنْ _______ لتَقْييدِي |
يا كِتِرْ هَمِّي وبَلْوَاتي وتَنْهِيدي |
|
الشين |
|
|
شِمِتْ فيني عَدُوي وْجَمْيعْ حِسَّادِي |
بَعِدْ ما كِنِتْ مِتلْ الطِير بالوادي |
|
الصاد |
|
|
صِرِتْ اليوم أَبكي على حالي |
يا مَنْ يْصُومْ وْيصَلِّي بلسانك تِدْعَالِي |
|
الضاد |
|
|
ضَيَّعِتْ مِقِلْتي يا دَهِرْ يا خَوَّانْ |
وإنْ كانْ حَدَثُوك عنّي شِيْ كَان |
|
الطاء |
|
|
طْلَبِتْ حتى اسْتَقامْ سَعِدْ نَصري |
آخ، آخ لَوْ كُونْ مَيَّزتْ في فكري |
|
الظاء |
|
|
ظ ضَيَّقْ عليِّ الدَهْر وأَطْعَمْنِي مَرَارَاتُه |
قُولوا لِمَنْ استقى الدِنيا مَراراتُه |
|
العين | ||
عِدَاي عادُونِي وكَتْرُوا احْزَانِي |
بَنِيْتْ وْعَلِّيتْ فما حَدَا نَهَانِي |
|
الغين |
|
|
غَمَرْ عليِّ الوساق |
صَحيحْ ما لذةْ الدِنيا إلا مِنِ الأشواقْ |
|
الفاء |
|
|
فْعَالِي وِرْتِتْ عِلِّة الهِجْران |
كِيفْ حالي مِن بَعِدْ اليقظة والسِهْرَانْ |
|
القاف |
|
|
قد كِنتْ خوري وْكَانْ لِيْ بِالسَحَرْ قدّاسْ |
لَمَّنْ دَخَلْ في رَاسِي عَسْكَرْ الوِسْوَاسْ |
|
الكاف | ||
كِنْتْ إِشْتِهِي حِلْتِي لامْعَةْ بالنورْ |
زَلَّيْتْ رَبّي يا ربّي فيكْ العَسِيْر يْهُونْ |
|
اللام |
|
|
لَوْ اِنُو قلبي طاوَعني تِقْلْ ما فيه |
يا قَلبْ ارْجَعْ إلى ربَّكْ ولا تِسْليه |
|
الميم |
|
|
مِتِلْ اللي دَفَنْ الوَزنَات في ذاتُو |
إلاّ اللي رِبِحْ بِالمِكيَال وَزْنَاتُو |
|
النون |
|
|
نُوحُوا عليِّ يا جميع أهلي وعَزُّوني |
يا قسُوسْ النصارى الكِل ادْعُولِي |
|
الهاء | ||
هادا اللي حَبانِي مَنْ سُوء أَفعالي |
يا مَنْ يْصُوم وِيْصَلِّي بِسْأَلَكْ تِدْعَالِي |
|
الواو |
|
|
وِالصحيحْ بِالصدقْ ما كان مِنْ يَدِّيْ |
يا نفسْ إبكي بُكاكِي وما بَقَى تْهَدّي |
|
لام – ألف |
|
|
لا بُدْ ما يِتْجَلَّى الحَق سِبْحَانُو |
يِنْصُبْ الله يُومِ الحَشِر مِيزَانُو |
|
الياء | ||
يا نَفِسْ قومِي اشتري الـ مَوْضِعْ الـ بِعْتِ المصدر
“آثارالحقب في لاذقية العرب” (الياس صالح)
|
إذا اعترَفْتِ بِذنُوبِكْ تْخَلَّصْتِ |