الأب الروحي بحسب التقليد الأرثوذكسي
عندما نتكلّم عن الأب الروحي، نَصِفُه بشيئين أساسيين: فمن ناحيةٍ، نميّز بين الأب الروحي والأب الجسدي، والفرق بين الإثنين كبير جداً بمقدار ما تختلف الولادة الروحية عن الولادة الجسدية. يقول أرسطو أن الفضل يعود إلى أهله الذين أنجبوه في الحياة الطبيعية، بينما يعود الفضل في فضيلته إلى معلّميه. وهذا الإختلاف ينطبق علينا أكثر فأكثر لأن الولادة الجسدية تمهّد للولادة بالروح.
يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي أنّ العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة تكوّن أشخاصاً جدداً في الحياة. إلاّ أنهم، وإن كانوا جدداً، سيموتون. إنها فعلاً مشكلة: خلق جديد لكنه سيموت! بينما في الولادة الروحية يحصل خلق جديد يتجاوز الموت. من هذا المنطلق لا تكون الولادة الجسدية بالمرتبة نفسها بالمقارنة مع الولادة بالروح. هذا ما يعبّر عنه التقليد الرهباني القائل: “إنه أمر رهيب ومخيف أن ينجِب الأهلُ أولادَهم فقط للهلاك”. هذا يعني أنّ الولادة بالروح تُدخِلنا إلى عالم جديد، وتقودنا إلى الإتحاد بالمسيح والشركة معه، وتهيئنا لاكتساب مواهب الروح القدس.
نقول في اللاهوت الأرثوذكسي أنّ الحياة في المسيح هي لاهوتٌ تطبيقي. هناك وقائع معيّنة نعيشها. وبهذه الوقائع تحصل شركةٌ جديدة وفعلية بين الإنسان والمسيح. فكلّ ما حصل للمسيح يحصل للإنسان. يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي في إحدى عظاته عن الفصح المقدس: “إنّ المسيح وُلِد بحسب الجسد ونحن ينبغي أن نُولَد بالروح. ومثلما اعتمد المسيح يجب أن نعتمد. وكما صُلب المسيح يجب أن نُصلَب. وكما قام المسيح وصعد إلى السماء يجب أن نقوم نحن ونصعد إلى حياة جديدة…”. ويقول القديس مكسيموس المعترف: “ثمّة إمكانيتان يقدر الإنسان أن يتممهما، فإما أن يُصلب مع المسيح أو أن يَصلُب المسيح”. فإننا نصلُب المسيح لأهوائنا ونُصلب مع المسيح عندما نسمّر أهواءنا. وفي هذا المجال يساعدنا ويقودنا الأب الروحي. ولهذا نشدّد في اللاهوت الأرثوذكسي على أنّ اللاهوت حيّ معيوش ولا نظري مجرد. والحاجة إلى أب روحي تظهر جلياً وتتوضح من خلال الأمثلة التي سأوردها. إن القديسين مكسيموس المعترف ويوحنا السلمي يعطياننا مثالاً على ذلك: موسى النبي في قيادته للشعب في سيناء. فموسى كان ينقل رغباتِ شعبه إلى الله من ناحية ومن ناحية أخرى ينقل مشيئةَ الله إلى شعبه. وبهذه الطريقة حرّر شعبَه من العبودية في مصر وقادَه إلى أرض الميعاد. هذا هو العمل الأساسي للأب الروحي والأب الروحي يشبه موسى الذي قاد شعبه من عبودية مصر إلى أرض الميعاد. فمصر بالنسبة إلينا هي أرض الأهواء. وأرض الميعاد هي اللاهوى والشركة والوحدة مع الله. بين أرض العبودية وأرض الميعاد هناك صحراء. وهذه الصحراء في غالبية الأحيان تكون صعبة وقاسية. فكما تألّم موسى كثيراً في قيادة شعبه كذلك كلّ أب روحي سَيتعَب ليساعد أبناءه الروحيين ويقودهم إلى اللاهوى.
يطابق القديس سمعان اللاهوتي الجديد، في أحد أشعاره، بين حياته الشخصية وعلاقة موسى بشعبه فيقول أنه فيما مضى كان عبداً لأهوائه، إلى أن وجد موسى الخاص به، أي أباه الروحي الذي كان إسمه سمعان وقاده إلى أرض الميعاد. ويقول أيضاً، في هذه القصيدة، إن المصريين كانوا يلاحقونه ويركضون خلفه ليعيدوه إلى أرض العبودية. ويحدد أكثر بأن الشيطان كان يحاربه محاولاً أن يعيق مسيرتَه ليعيده إلى أرض العبودية. ويقول إنه في هذه المسيرة خَلُص بواسطة أبيه الروحي وشفاعاته وعبر الصحراء والبحر الأحمر. ويقول أنه في فترة من حياته، عندما كان صغيراً، وبالرغم من أنه كان يحيا خارج الكنيسة كليّاً، كانت له علاقة مع أبيه الروحي، يتردّد إليه ويراه رغم أنه كان يطيعه. ويقول أيضاً أن تعلّقه بأبيه الروحي ومحبته له الأمر الوحيد الذي حفظه في تلك الفترة في حياته، إلى أن ثَبَت في النهاية ودخل في الحياة بحسب المسيح.
لكي نعرف مقدار إفادته بشكل أوضح أورد مثلاً من حياة القديس الشخصية. يقول القديس سمعان اللاهوتي الجديد أنه رأى أباه الروحي عدّة مرات منخطفاً بالروح. فأراد التوصّل إلى هذه الحالة، فقام بصيام قاسٍ جداً وصار يصلّي بشكل متواصل وأمضى الليالي ساهراً. ولكن بالرغم من كل هذا لم يستطع تحقيقَ شيء من هذا فبكى أخيراً وذهب إلى أبيه الروحي وقال له بعبرات: “لماذا لم أستطع الوصول إلى هذه الخبرة مع أنني أصوم وأصلّي وأسهر الليل؟” فابتسم الأب وقال: “يا بنيّ، حتى تصل إلى اللاهوى مطلوب منك التواضع أكثر من هذه الأفعال النسكية. فاذهبْ اليوم إلى قلاّيتك ولا تصلِّ أيّ شيء سوى التريصاجيون أي قدّوس الله…ثم تنام”.
يقول القديس سمعان أنه ما إن بدأ بقول “قدوس الله…” حتى شعر بالنعمة وبالنور الإلهي ينسكبان عليه. هذا يعني أن طاعتنا لأبينا الروحي تقوم على قاعدة أساسية هي التواضع. إذاً، عمل الأب الروحي هو إعادة الولادة أي تجديد الإنسان. الأمر الذي يظهر جلياً في الرسالة إلى أهل كورنثس حين يخاطبهم الرسول قائلاً: “إن كان لكم ربوات من المعلّمين الاّ أن لكم أباً واحداً لأني ولدتكم بالمسيح في الإنجيل”. يسلّط هذا المقطع الضوء على معاني الأبوة الروحية. فمن الممكن أن نصادف معلمين كثرَ في حياتنا ويمكن أن نسمع تعاليم كثيرة ونظريات الكثير من الأشخاص والمعلمين المختلفين، ولكن أبانا الذي يلدنا هو واحد، بالنسبة لأهل كورنثس كان هذا الأب بولس الرسول رغم أن أشخاصاً آخرين عملوا في كورنثس مثل أبّولوس وأكيلا وبرسكيلا.
يقول الرسول: “أنا ولدتكم في المسيح بالإنجيل”. نفهم من هذا أن الأب الروحي هو أبٌّ وأمّ في نفس الوقت. يظهر هذا في المقطع الآخر حين يقول الرسول بولس أنه يظهر ألمه تجاه المسيحيين مثلما تتألّم الأم على أولادها ليصبحوا على قامة المسيح. تجدر الإشارة إلى أن الرسول يستعمل صورة الأم في تمخّضها لتلد لأن الأب الروحي يتألّم لسقطات أولاده، لأنه إن كان الأب لا يتألّم مع أولاده الروحيين لا يكون أباً روحياً حقيقياً.
إلتقاني شخص وقال لي: “إلتقيتُ فلاناً الذي هو ابنك الروحي”، فأجبته أنه ليس من داعٍ لتقول لي أنه ابني الروحي لأني أعلم من هم أبنائي الروحيون، ومن هم الأشخاص الذين يعترفون عندي ليسَ أكثر، فأكون بالنسبة إليهم أباً معرّفاً فقط. بينما هناك أشخاص يطلبون أكثر من ذلك، يطلبون علاقة روحية وأبوّة روحية ويتحسّسون معي وأنا أتحسّس معهم. كما أن الولادة التي نتكلّم عليها والتي ذكرها الرسول بولس، مرتبطة بالنمو على شاكلة المسيح، حتى يتشكّل ويتصوّر المسيح فينا، إذ أن حضور المسيح فينا هو التألّه والشركة مع الرب وليس الأمر عبارة عن تصرفات خارجية شكلية يمكن أن نقوم بها.
حدّّثني الأب صفرونيوس، قال: “قبل أن رقد القديس سلوان قال لي مرة، بعد بضع سنوات سأجعلك أباً روحياً ولكن يجب ألاّ تنسى هذه الوصية المهمة: عليك أن تكون أمّاً أكثر منك أباً…”.
ومثلما يقول الرسول بولس، إن هذه الولادة تتمّ في المسيح بالإنجيل، وعندما نقول “بالإنجيل” فهذا يعني أنها ليست ولادة فلسفية عقلانية إنما هي ولادة في المسيح، وبنعمته غير المخلوقة.
“إني ألِدُكم في المسيح بواسطة الإنجيل”.
ما هو هذا الإنجيل؟ هل هو الكتاب المقدّس؟
عندما كتب الرسول بولس هذه الرسالة لم يكن هناك أناجيل مكتوبة بعد. ولكن عندما يقول “بالإنجيل” يعني بالحياة الجديدة والبشارة الجديدة التي جاء بها المسيح. وكلمة إنجيل في اليونانية تعني البشرى السارة. في الرسالة إلى أهل غلاطية يتكلّم الرسول على هذا الإنجيل ويقول “إني أعرف بشكل جيد الإنجيل الذي أعطيتكم إياه الذي ليس بشرياً ولم أستلمْه من بشر ولكن بإعلان الربّ يسوع المسيح”. وهكذا نفهم أن كلمة إنجيل تتماهى مع الإعلان والكشف الإلهيين. لأن الكشف الإلهي الذي في الداخل هو بالضبط نوع من العنصرة. فالرسول بولس لم يكن موجودًا مع الرسل في العنصرة لكن نلاحظ أن الرسّامين الكنسيين يرسمونه مع التلاميذ في أيقونة العنصرة. هذا يعني أن هذه الولادة الروحية ليست عبارة عن تعليم بسيط أو أن نقول للإبن الروحي أجلس واسمع ما أقوله لك وما أعطيك إياه من الملاحظات والدروس. الولادة الروحية والأبوة الروحية هما علاقة وشركة بين الأب والابن. هذا الأمر سرّ كبير في الكنيسة الأرثوذكسية، إذ أن الطاعة ليست أن ينفّذ الابن ما يقوله الأب الروحي بشكل ظاهري. بل بالأحرى هي تداخل أو تفاعل بين الشخصين. هذا يعني أني أعترف لأبي الروحي وأحاول أن أنسى ما أريده أنا بالضبط وأسأل عمّا يهمّني في حياتي. وأحاول أن أنسى ذاتي وأدخل فيه هو وأعرف ما يريده هو وليس أن أجعله يتوصّل إلى ما أريده أنا!
هذا يعني، في لاهوتنا، أنّ الكنيسة هي شركة أشخاص. هذا الأمر هو حقيقة، لكن إن لم أستطع أن أعيش هذه الشركة مع أبي الروحي لن أستطيع أن أعيشها مع أي إنسان آخر. بهذا المعنى يلد الأب الروحي إبنه الروحي في المسيح ويعلّمنا أن الحياة المسيحية ليست انغلاقاً على الذات، إذ أن الإنغلاق على الذات هو الجحيم. هكذا (حين لا ننغلق على ذواتنا) يعطينا الأب الروحي الفردوس. أخذ القديس بولس الرسول النعيم وأعطاه للآخرين، وهكذا كل مؤمن يحيا في الكنيسة عليه أن يأخذ كي يتسنى له أن يعطي. والفردوس الذي نتكلّم عنه ليس عبارة عن مجموعة من التعاليم وحسب، بل هو الحياة التي نحياها في المسيح. يفترض هذا أن يكون الأب الروحي عائشاً في التقليد الأرثوذكسي. وبمقدار إرتباطه بالمسيح يستطيع أن يربطنا به.
ثمّة صورة لها علاقة بما نقوله. فالمسيح هو أبونا وهو ابن الله ويطيعه حتى الموت. فبمقدار ما يكون الأب الروحي بالنعمة ابناً لله، بهذا المقدار يمكنه أن يكون أباً يلدنا في المسيح. هذه الصورة نصادفها أيضاً في الحياة الجسدية. فلكي يقدرَ شخص أن ينجب أولاداً من المفروض أن يصل إلى نضج معيّن وعمر معيّن. الأمر ذاته يحصل في الحياة الروحية أي أنّ الكاهن يجب أن يصل إلى نضج روحي معين حتى يستطيع أن يلد أولاداً في الروح. إنه لأمر رهيب أن يوجد كهنة عقماء لا ينجبون أولاداً روحيين، لأن هذا يعني أنهم لم يذوقوا حلاوة الحياة مع المسيح.
يقول الآباء إن لم يكن فيك خوف الله ولا تتشبث به فأضعف الإيمان أن تتعلّق بشخص يخاف الله. يكفي الإنسان أن يلتقي في حياته مرة واحدة بشخص قديس حقيقة، ولو للحظات، وهذا اللقاء سيؤثر فيه لسنين طويلة. فهذه اللقاءات تجدّده داخلياً بإستمرار. نحن نلتقي حقيقة بأشخاص قديسين لكننا لا نشعر بهم لأننا خطأة.
لكي يتم الخلق الذي نتحدّث عنه أو الحياة التي نتكلّم عنها هناك فرضيتان:
الأولى: أن يوجد الأب الروحي الذي يستطيع أن ينجب أولاداً في المسيح.
الثانية: أن يكون هناك أولاد يريدون أن يولَدوا في المسيح.
إن هدف الأب الروحي أن يلدنا في هذه الحياة الروحية الجديدة لنرى الامور بنظرة أخرى، وليس أن نُستعبَد لأهوائنا، وعلى الأخصّ هو لا يريد أن يجعلنا أولاده الروحيين الخاصّين. فالشخص الذي يريد أن يخلق أولاداً روحيين له يعمل بطريقة بشرية، أما الأب الروحي الصحيح فهو الذي يعمل على إيجاد أولاد روحيين لله بالمسيح. لذا فالأب الروحي يعتبر أولاده كهدية قيّمة من المسيح وينظر الإبن الروحي، بالمقابل، إلى أبيه الروحي كعطية له من الله. وكما تعلمون لا تُستبدل العطية بالمُعطي ولا يُستغنى بالعطية عن المُعطي. وعندما نرى عطيةً ما فإننا نذهب باذهاننا فوراً إلى الشخص الذي أعطانا إياها. لذا فهدف وجود الأب الروحي أن يحرّرنا من أهوائنا، وبالتالي أن يقودنا إلى الاستنارة والوحدة مع الرب. ليس هدفه أن يستعبد أولاده الروحيين بل أن يحرّرهم. والحرية، عملياً، هي كما في الكتاب المقدس أن يصل الإنسان إلى استنارة الذهن (Nous) .
يتساءل الرسول بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنثس قائلاً: “ألست حرًّا؟ ألم أعاين المسيح؟” يُخيَّل إلينا أن الحرية هي أن نختار بين الصالح والطالح. إلاّ أن هذا التفسير هو بالحقيقة التفسير الفلسفي لمعنى الحرية. للحرية طابع أنطولوجي (كليّ، كياني…) بكلّ ما للكلمة من معنى. فمَن يملك الحرية هو الشخص الذي يستطيع أن يسيّر حياته بذاته. وبهذا المعنى، الحرُّ هو الله. أمّا نحن البشر فليس لنا الحرية الكاملة المطلقة ولكن لدينا حرية نسبية، لأننا قبل أن نولد وندخل إلى العالم لم نكن موجودين ولم يسألنا أحد إن كنا نريد المجيء إلى هذا العالم. هذا السؤال يطرحه الكثير من الشباب: “إني ولدت دون أن يسألني أحد، دخلنا العالم من دون حرية!”
نحن نعرف أنه قبل أن يُولَد الإنسان لا يكون موجوداً ليسأله أحد عن رغبته لكن يمكننا الوصول إلى هذه الحرية الكاملة عندما ندخل بملء إرادتنا الحياة الجديدة التي نتحدث عنها ونحدّد إتجاهنا نحو ملكوت الله. لذلك ينظر الأب الروحي إلى مشكلة ابنه الروحي ويساعده على التخلص من العبودية المهيمنة عليه، وبعد ذلك يتركه بحرية ليتّجه نحو الاستنارة والتألّه.
لذا يقول بستان الرهبان: “إنّ الأب الروحي لا يقف من ابنه موقف المشرّع بل هو كأب ومرشد نحو الخلاص”. بالإضافة إلى هذا، يهتمّ أيضاً بأمور أخرى بسيطة وعملية تخصّ أولاده الروحيين، لأن الإنسان لا يتكوّن من نفس فقط، بل من جسد أيضاً.
يقول القديس سمعان اللاهوتي الجديد أن رئيس الدير، وبالتالي الأب الروحي، يُضطر إلى الاهتمام بالحاجات الجسدية والمادية المتعلقة بأولاده الروحيين، ولكن من ضمن هذا المنظار تُسخّر هذه الحاجات في خدمة هذا الإبن ليصل إلى الاستنارة.
عمل الإبن الروحي في علاقته مع أبيه الروحي
أولاً: عليه أن يقتنع أنه بحاجة إلى مرشد وأب في حياته إذ لا يستطيع أيّ شخص اكتساب المعرفة الجسدية ما لم يكن هناك أساتذة يعلّمونه. الألعاب الرياضية أيضاً بحاجة إلى مدرّب مختبِر من دونه لا تنجح. فالمسيح في ظهوره لبولس الرسول على طريق دمشق أرسله إلى حنانيا، وكذلك أرسل الملاك العذراء مريم إلى اليصابات بعد البشارة. ينصح الآباء الإبن الروحي بأن يفتح قلبه لأبيه الروحي وأن يقول له كلّ شيء كي يساعده على تمييز الأمور التي من الله وتلك التي من الشرير.
يقول البعض “أستطيع التعلم بواسطة الإنجيل وكتب الآباء”. هذا الأمر ليس سيئاً بحد ذاته أو مرفوضاً، بل هو ضروري لكنه غير كافٍ إذ هو بحاجة إلى لاهوت حيّ. لا يستطيع الطبيب أن يصبح جرّاحاً لمجرد أنه قرأ كتباً في الجراحة فقط، بل عليه أن يتّصل بالذين كتبوا هذه الكتب ويتتلمذ على أيديهم بشكل عمليّ كي يصبح طبيباً جراحاً. وفي ما يختص بالكتاب المقدس والكتب الروحية الآبائية، يجب أن تُدرس في جو التقليد الكنسي، لذا نرى أن الكنيسة تقرأ في الخدم الليتورجية مقاطع كتابية مناسبة.
ثانياً: يجب أن يبحث الشخص عن الأب الروحي المناسب له، وإذا كان يصلي من أجل هذا الموضوع فإن الله يساعده حتماً لإيجاد هذا الشخص.
ثالثاً: في البداية، على الأقل، من الأفضل ان يسأل الإبن عن كلّ شيء وفي كلّ الأمور، لأن البعض يُخفون أشياء ويسألون عن أشياء أخرى، وهذا خطأ كبير. يذهب المريض إلى الطبيب ليأخذ العلاج المناسب، فإن أخفى عليه أمراً لن يشفى بالطبع.
رابعاً: يجب أن يحترم الابن أباه الروحي ولو أظهر الأب الروحي وداعة في تصرفاته، لأن بعض الآباء يعاملون أبناءهم بودّ ولطافة ليساعدوهم، فيستغلّ بعض الأبناء هذه البساطة والوداعة ويقابلونهما بعدم الإحترام.
خامساً: يجب أن يصبر الابن الروحي في الحالات الصعبة لأنه في أوقات صعبة يلجأ الأب إلى إجراء “عملية جراحية”، وعادة يخاف الابن من مثل هذه الحالات فيهرب مبدّلاً أباه الروحي.
سادساً: لا يغيّر الابن أباه إلاّ لسببين تسمح بهما القوانين الكنسية:
1 – إذا سقط الأب في هرطقة ما.
2 – إذا طلب الأب من ابنه أمرًا يتناقض مع إرادة الله.
سابعاً: أن يعترف الابن اعترافاً حقيقياً صادقاً وليس شكلياً. يعاني الكثير في أيامنا من إنفصام في الشخصية لأنهم يعيشون حالة إنغلاق على ذواتهم. من هنا نلاحظ أهمية وجود شخص في حياة المرء يستطيع أن يفتح له قلبه وأن يقول له كلّ شيء. يعاني الشخص المتقوقع على ذاته من مشاكل نفسية عديدة، لذلك من المستحسن، عندما يعترف، أن يقول خطاياه وليس قصصاً عنها!
أخيراً، أودّ أن أتلو عليكم مقطعاً من كتاب “السلّم” للقديس يوحنا السلمي؛ يقول القديس: “من الأفضل للإنسان المسيحي أن يتخاصم مع الله من أن يتخاصم مع أبيه الروحي… لأننا إذا خاصمنا الله يستطيع الأب الروحي أن يعيدنا ويصالحنا معه. لكن إذا خاصمت أباك الروحي فمن سيعيدك إلى الشركة مع الله؟”
الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس(ميتروبوليت مدينة نافباكتوس اليونان)