لماذا تُبارك الكنيسة الأرثوذكسية ثمار الرُّمان في عيد رفع الصليب المُحيي؟
من التقاليد الكنسيّة والشعبية الأصيلة والعريقة الخاصّة بعيد رفع الصليب المقدس أن يحمل المؤمنين معهم الى الكنيسة بعضاً من ثمار الرُمّان، ويقوم الكاهن في نهاية قداس العيد بمباركتها وتوزيعها عليهم.
انّ أصل هذا التقليد وجذورهُ تَمتدّ الى العهد القديم، حيث جاء قول الرب لشعبه: “وأوائلُ بواكيرِ أرضِكَ تأتي بها الى بيتِ الربّ الهك” (خروج 19:23). وقد لعبت التقوى الشعبية لدى الشعب الأرثوذكسي على بقاء أثر هذه التقاليد واستمرارها والحفاظ عليها، والتي الغاية منها التعبير عن شُكر الخالق الذي مَنَّ على الأرض بالأمطار واعتدال الأهوية التي آلَت الى الخِصب والنضوج والغلال الوافرة، فيُعلن المؤمنون من خلال تقديم بواكير ثمار الأرض ونتاجها عن فَضلِهم وامتنانهم للخالق على عطاياه وخيراته.
وفي الواقع يتزامن عيد رفع الصليب سنوياً مع بلوغ ثمار الرُمّان الى أوجِ نُضوجها وقطفها.
ان من يتأمّل ثمرة الرمان يُلاحظ أن قشرتها الخارجية قاسية وجافّة كما أنها مُرَّة الطعم والمذاق،
ولكن داخل هذه القشرة تختفي حُبيبات الرمان الحمراء اللون وحلوة الطعم، وقد وجدَ فيها الآباء القدّيسون والرهبان النُسّاك منذُ القرون الأولى للمسيحية رمزاً لسرِّ الصليب والموت والقيامة، حيث أن الحياة مع المسيح هي حياةُ جهادٍ روحيٍّ مُتواصل، تتطلّب من المسيحيّ المؤمن الموت كل يوم عن أنانيتهِ وكبريائه وانكاراً لذاته “من أراد أن يتبعني فليُنكر نفسه ويحمل صَليبه ويتبعني (متى 16 : 24 )، كما تتطلّب صَلباً لشهوات الانسان العتيق المُميته للروح “الذين هم للمسيح قد صَلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات (غلاطية 5: 24).
، كما أنّ العُصارة الحمراء لحُبيبات الرُمان ترمز الى دم المسيح الذي سُفك على الصليب لأجل فداء الانسان، ويرمز أيضاً الى دم كل الشهداء عبر العصور الذين حملوا الصليب في حياتهم بايمان وقاسوا الاضطهادات والقتل متمثّلين بسيّدهم ومعلّمهم، فكانت “دماء الشهداء بذار المسيحية” وعاملاً قوياً في نموّها.