كاتب الايقونات الأب يوسف “المصور الحلبي” ومدرسة عائلته الحلبية…
مدخل عام
الأيقونة
الأيقونة أساساً هي صورة القديس، وهو انسان قضى في سبيل معتقده. واذا كانت المسيحية قد ظهرت في فلسطين كجزء من اجزاء سورية الطبيعية في القرن المسيحي الأول، فقد كانت فكراً جديداً افتداه كثيرون بالاستشهاد وعلى رأسهم السيد المسيح له المجد على الصليب.وقد تداول الناس قصة الشهيد قائلين: ” لنصورن الشهيد كتابة ورسماً حتى يُخلد عبر الأزمان. ثم شملت الأيقونات السيدة العذراء والقديسين والقديسات …
لانعلم متى ظهر الفن الأيقوني تحديداً، وانما يُجمع الباحثون أن هذا الفن قد رافق انتشار الرهبنة في سورية ومصر منذ مطلع القرن الرابع المسيحي وذك في قلالي ومناسك الرهبان المتوحدين واديار الرهبان مجتمعين والتي انتشرت في القفار والبوادي والجبال والبراري وتحولت فيما بعد الى أديار وكنائس.
تأثر هذا الفن في بداياته باسلوب النحت التدمري في سورية وبأسلوب صور الفيوم في مصر. وبدأ هذا الفن متقشفاً، ثم اغتنى بالزخرفة البيزنطية، وجاء المسلمون فأجله بعضهم هذا الفن (وان كانت الاغلبية كفرته لمخالفته تعليم الاسلام بعدم التصوير) وحكى عنه المؤرخون والشعراء المسلمون.
كما فعل يوسف المصور الحلبي وابنه نعمة الله في تزيين عناوين الفصول في مخطوطاتهما المسيحية بزخارف مشابهة لنظيراتها الاسلامية المستخدمة في القرنين السابع عشر والثامن عشر المسيحيين.
فائدة الايقونة
ليس الجمال الفني هو هاجس الايقونة فحسب بل هو الرؤية التأملية في جانبيها التصوفي اللاهوتي والتعليمي القصصي.
والى ذلك ففن الايقونة فن طقوسي يتم تذوقه اثناء الصلاة، فنتأمل صورة القديس ونبخرها تكريماً لشخصه، ويكون القديس في ايقونته محاطاً بألوان النور الزاهية كما تكون عيناه واسعتين ذاهلتين وأذناه ملتصقتين بالخدين صاغيتين والشفتان رقيقتين صامتتين وأما القامة فعموداً منتصباً، ذلك لأن القديس في حضرة علوية.
تُصور الايقونة المتنقلة على الخشب او القماش أو تصور برفقة النص المكتوب في المخطوطات أو تكون الأيقونة ثابتة مصورة مباشرة على جدار وسقف الكنيسة بفن الفريسك.
الايقونات السورية
عندما نقول سورية فاننا نقصد سورية الطبيعية التي تشتمل على هذه الرقعة الجغرافية في غرب آسيا الممتدة جنوباً من شمال الجزيرة العربية الى منتصف آسيا الصغرى وكيليكيا وارضروم وماردين وديار بكرشمالاً. ومن ساحل البحر المتوسط غرباً الى بلاد الرافدين شرقاً.
وتدخل في هذ الرقعة (وبعيداً عن المنظور السياسي والمنطلقات النظرية لبعض الايديولوجيات الحزبية ) جزيرة قبرص وتعتبر جزءاً من بر الساحل السوري وكانت جزءا من ولاية الكرسي الانطاكي المقدس.
سورية هي هذا الكيان الجغرافي المتوسط للعالم القديم بقاراته الثلاث، بلد تتالت به الحضارات عقوداً طويلة منذ آلاف السنين في خط متواصل رغم تغاير أشكال تلك الحضارات والانهيار الذي أصابها من حين لآخر، وما ذلك الخط المتواصل سوى الشعلة التي حملها الانسان السوري في سعي للتكامل في شمول الذات والكون المطلق.
في منتصف القرن الخامس عشر كانت الامبراطورية الرومية ” البيزنطية” تلفظ انفاسها الاخيرة بحصار الاتراك العثمانيين لها بأعتى جيوش العصر واقواها واكثرها عدداً وعديداً، ولم يكن قد بقي من هذه الامبراطورية التي سادت عشرة قرون زاهية الا مدينة القسطنطينية…واستبيحت هذه المدينة واستشهدت…!
لكن الكنيسة الرومية البيزنطية استمرت وظل فنها وايمانها يشع في ظل هذا القهر العثماني، وعرفت الايقونة الرومية قمة ازدهارها وتجددها بفضل الطاقات الخلاقة الجديدة التي انتفضت على القهر التعصبي العثماني، وانتشرت مدارس تصوير الايقونات المتعددة وتوحدت وبدأ مصورو الايقونات من يونانيين وسوريين يمارسون نشاطاً واحداً معتمدة لغة واحدة مشبعة بألوان متعددة خاصة بها. والايقونة بانفتاحها الدائم على غير المنظور تحتفل بالقداسة بالخطوط والالوان كاشفة “سكن الله مع الناس” (رؤيا21)
ترعرت الايقونة في هذا المحيط الحضاري المتميز، وبالتالي كانت سورية هي المرتع الكبير لهذا الفن المقدس الالهي وماحمله من عبق قدسي.
بين آثار صالحية الفرات “دورا اوربوس” التي ترجع الى اواخر القرن الثالث المسيحي (وكانت حامية تدمر على النهر) بيتاً للعماد المسيحي صُورتْ على جدرانه فصول انجيلية…
يعود انجيل رابولا الى القرن السادس المسيحي، وهو مخطوط سرياني مزين بالأيقونات تم نسخه وتزيينه في (دير رغبة) الذي كان قائماً قرب الرها (حران)، وتصحح الابحاث الجديدة موقع هذا الدير، فتقول انه كان قائماً قرب أفامية (محافظة حماه) والمخطوط موجود الآن في المكتبة اللورنتية في فلورنسا بايطاليا.
كما تكثر الايقونات الجدارية في سورية ومنها ما اكتشف في دير القديس اليان الحمصي في حمص، ودير مار موسى الحبشي في شرقي النبك، وفي دير ماريعقوب في قارة، وفي كنيسة الاربعين شهيداالارمنية في حلب، وهذه الجداريات هي استمرار لما اكتشف في لبنان في وادي قاديشا وبحيدات وإدة البترون وكنائس خربة في الكورة، وكل هذه وتلك تعود الى الحقبة مابين القرنين الحادي عشر والثالث عشر المسيحيين.
وترجع مجموعة من المخطوطات المزينة بالأيقونات منها قصة برلعام ويواصاف ( في جامعة البلمند الارثوذكسية في لبنان) وهي باللغة العربية الى ذلك الزمن.
يستوقف زائر الاديار والكنائس في سورية اليوم عدد وافر من الأيقونات، معظمها مصور بأيدي فنانين يحملون اسماء عربية، كما ان الكتابات التوضيحية على الايقونة هي بالعربية الى جانب اليونانية أحياناً.
الكرسي الانطاكي المقدس
في الكرسي الانطاكي المقدس بالرغم من اذلاله باحتلال سورية موطنه باحتلالات متعاقبة منها احتلال الفرنجة وخاصة لانطاكية رمزه المبارك وتلاهم الظاهر بيبرس المملوكي المدمر ارثها الحضاري والقاتل لشعب مدينة انطاكية الرمز المسيحي، ثم الاحتلال العثماني لكل بلاد الشام ارض الكرسي الانطاكي، بالرغم من ذلك اتى نتاج كبير متميز من الايقونات ليكتمل النتاج المتتابع في العالم اليوناني- الانطاكي بدمشقه وحلبه.. وبكل ثقله السوري الكبير…
يبدو ان محترفاً حلبياً قد شكل مركز هذا النتاج الرئيس رائده الكاهن يوسف المصور الحلبي 1614-1665، وكان مصورا فذاً وهو مؤسس سلالة مصوري الايقونات في ما اصطلح على تسميته وبشهادة جدارة لحلب وهي موطن الفن والفنون ( المدرسة الحلبية)
الأب يوسف المصور وعائلته
حلب
إن أول مصور أيقونات “كاتب ايقونات” (وفق العقيدة الارثوذكسية لأن مصور الأيقونة يعد كاتباً لها كمن يكتب سيرة انجيلية او الليتورجيا المرافقة لسيرة قديس سيما وان الايقونة هي اداة تعليمية روحية نجد فيها كل الانجيل مصورا بالايقونة لتعليم المؤمنين الاميين قديماً…) في التاريخ الحديث للتصوير الكنسي في سورية هو الأب يوسف ” المصور الحلبي” في حلب، الذي برع في فن الايقونة الارثوذكسية، او الملكية، او الانطاكية، او السورية… كل هذه الاسماء لها، فصَّورَ أيقوناتَ على الخشب، وكان يتقن العربية واليونانية، كما كان ضليعا بالعربية واليونانية والنقل بينهما وخطاطاً، فعرب كتباً ليتورجية رومية بيزنطية وخطَّها بخطه البديع، وزينها بزخارف ورسوم وكان سباقاً في فن الزخارف على المخطوطات.
وتابع ابنه القس(الخوري) نعمة الله أعمال والده الأب المصور يوسف في تصوير الأيقونات والمخطوطات الملكية الارثوذكسية في الحقبة مابين اواخر القرن السابع عشر واواخر القرن الثامن عشر وقد عمل مع القس نعمة الله ابنه الشماس حنانيا ثم جاء بعده حفيده الشماس جرجس بن حنانيا وذلك حتى اواخر القرن الثامن عشر…
اما في دمشق
فقد عمل العديد من كتَّاب او مصوري الايقونات في القرن الثامن عشر، ومنهم حنا القدسي الدمشقي في مايقارب1737، و يوسف صيدح الدمشقي في ما بين 1775 و 1780 ، وسلبسترس القبرصي المنتخب بطريركاً على الكرسي الانطاكي ربيب جبل آثوس (عام1724)، ويوسف ولد الخوري ميخائيل اليان الدمشقي، والراهب كيرلس الدمشقي بين 1770 و 1781
وبقي من تلك الحقبة ايضاً أيقونات من فن المدرسة الدمشقية لمصورين آثروا عدم اظهار ذواتهم وكتابة اسمائهم على ايقوناتهم ورعاً وزهداً بالمجد المعلن…
ويظهر في القرن التاسع عشر في سورية جماعة من مصوري الايقونات مثل ميخائيل الكريتي الدمشقي، والمعلم نصر انكلاشا، ونعمة ناصر حمصي وابنه ابراهيم، وحنا صليبا القدسي ونقولا تيودوري القدسي… وبرزت للعيان المدرسة الاورشليمية في فلسطين في فن التصوير الكنسي…
اسلوب الايقونة
ايقونات السيد والسيدة والقديسين او مشاهد حياة كل واحد منهم متشابهة ومتكررة لأنها محدودة، ونميز في الأسلوب المتبع للتصوير طريقتين:
– الطريقة التقليدية، وهي التي اتبعها مصورو عائلة الاب يوسف العائلة الحلبية، وهذه الطريقة تسمى:”مابعد البيزنطية”.
– الطريقة الاخرى التي مارسها أكثر مصوري القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وفيها عفوية تميل أحياناً الى السذاجة وكانت شعبية محببة الى الناس ملأت ايقوناتها بيوتهم كما عند معظم العائلات الدمشقية التقليدية.
– كما تعود الى القرن التاسع عشر أيقونات تحمل اسلوب المدرسة الاورشليمية او المقدسية في تلك الحقبة، وقد اتبع مصوروا مدرسة القدس اسلوباً واقعياً متأثراً الى حد ما بصور الايقونات الغربية التي كانت ترد الى القدس والاراضي المقدسة، كان المصورون المقدسيون يُدعون للإقامة في بقية الارجاء السورية واللبنانية… بهدف تزيين كنائسها وأديارها ومنها أيقونسطاس الكاتدرائية المريمية بدمشق عام 1870م بعد اعادة اعمارها نتيجة دمارها بكارثة 1860، وايقونسطاس كنيسة دير سيدة صيدنايا البطريركي بعد عام 1870.
تقنية الأيقونة
اعتمد مصورو الايقونات في بلادنا السورية كلها تقنية تقليدية، وهي استعمال قطعة من الخشب (جوز، سرو، حور) و يجب أن يكون الخشب من النوع الجيد بحيث يقاوم الحرارة والرطوبة ولا يتشقق عند الرسم عليه وأفضل أنواعه للتصويرعليها هو خشب الزان.
تغلف قطعة الخشب غالباً بالقماش من جهة الوجه، ثم تطلى بالجص الممزوج بالغراء ويُصّوَرْعلى هذا السطح الابيض بألوان ممزوجة بصفار البيض والماء والخل.
وكان لابد لكاتب الايقونة او المصور قبل البدء بها من الاغتسال والصوم والصلاة، والصوم والصلاة ايضاً اثناء تصويره الايقونة، ويكون التصوير عادة نسخاً عن نماذج معروفة للحفاظ على التقليد. وكان على المصور أن يلتزم بنقل هيئة كل قديس بصدق لأن الشخص هو في صورته.
سيرة مصور الايقونات الأب “يوسف المصور” وإنتاجه
اسمه “يوسف بن أنطونيوس بن سويدان”، يُعرف بالمصور أو الحلبي، وجاء في المصادر التاريخية أن أسرة بيت “سويدان” دمشقية الأصل،( ولاتزال اسرة سويدان حتى الآن وهي من كرام العائلات الدمشقية الارثوذكسية ومنها الخوري الشهيد سليمان سويدان استشهد دهساً بسيارة ليلاً في منطقة اللاييكاواخر العقد الخامس من القرن 20)
استوطنت عائلة سويدان الدمشقية مدينة “حلب” منذ أوائل القرن السابع عشرالمسيحي، وقد ولد لها علمنا الاب يوسف فيها في بداية القرن السادس عشر المسيحي، وتتلمذ فيها على يد مطرانها “ملاتيوس كرمة” ( البطريرك افتيموس كرمة عام 1635 (ولأقل من سنة حيث توفي وخلفه مكاريوس بن الزعيم مطران حلب وتلميذ ملاتيوس عندما كان في حلب)،وكان الخوري يوسف ضمن مجموعة من الشباب المثقفين ومنهم مكاريوس بن الزعيم المحكي عنه الذين تجمعوا حول ملاتيوس مطران الابرشية المحب للعلم وعملوا في مجالات التأليف والفنون والتعريب وتصوير الايقونات، وبين سنتي 1645-1653م نال درجة الكهنوت على يد المطران ملاتيوس معلمه في كاتدرائية السيدة الارثوذكسية التاريخية بحلب، كان متزوجاً قبل رسامته شماساً وكاهناً وله ولدان: الأول هو “نعمة الله” الذي خلف والده في فن كتابة وتصوير الأيقونات، والثاني هو “زخريا”.
أما عن تاريخ وفاة الخوري يوسف المصور فلا يُعرف ذلك على وجه الدقة ولكن يمكننا أن نحصر تاريخ وفاته بين سنتي 1660-1665م والبعض يوصل سنة وفاته عام 1667م.
انتاجه
إن إنتاج “يوسف المصور” لم يكن مقتصراً على كتابة الأيقونات، بل عمل خلال حياته في مجالات الترجمة عن اليونانية للكتب الطقسية والليتورجية الارثوذكسية الى العربية لفائدة مطرانية حلب وكنائسها، وعمل في التأليف والخط وكان خطه متميزا يعرف من بين عشرات خطوط الخطاطين المعاصرين بجماله واناقته وكذلك برع كمصور أيقونات، ومن نتاجاته الأدبية كتاب “زبور داوود النبي”، وقد قام بنقله بخطه الجميل وأتمه في سنة 1641م، إضافة إلى كتاب “الدر المنظوم في أخبار ملوك الروم”، وله فيه رسوم رائعة، وقد نقله من اللغةاليونانية إلى العربية في العام 1648م، وكتاب “خلاص الخطأة” وقد نقله ايضاً من اليونانية إلى العربية بالتعاون مع رفيقه في التلمذة للمطران ملاتيوس وأستاذه لاحقاً البطريرك “مكاريوس الثالث بن الزعيم” عندما كان مطرانا لحلب خلفاً للمعلم البطريرك ملاتيوس او افتيموس كرمة مع كتب أخرى.
كما ان له منمنمة في مخطوطة محفوظة في المتحف “الآسيوي” مؤرخة من العام 1660م
وفي مجال فن الأيقونات فله عدة ايقونات من أهمها:
رسم لوحةً للدينونة الأخيرة في العام /1694/ وهي موجودة في “دير سيدة البلمند البطريركي بحسب الباحثة سيلفيا عجميان وهي تعبر عن إبداع رسام متمرّس ذي خبرة ورسمت على قماش من الخام بأبعاد /3,80 م×2,45 /م وهي من أقدم أعماله المعروفة، ورغم أنه قضى معظم حياته في مدينة “حلب” إلا أنّ أيقوناته منتشرة في كل سورية من أقدمها في العام /1686/ وحتى آخر عمل له بتاريخ/ 1722/، وقد عمل كثيراً في كنيسة الأربعين شهيداً للأرمن الأرثوذكس في “حلب” بأيقونة القيامة ومعه ابنه نعمة الله وحفيده حنانيا، وكان أول من وضع حواش زخرفية جميلة في الأيقونة وعرف كذلك برسم الصور الصغيرة(المنمنمات). ، وأيقونتان محفوظتان في “بيروت” في مجموعة السيد “هنري فرعون”، ويعد أسلوب “المصور” في تصوير الايقونات وسيطاً بين التقليد اليوناني والأسلوب المحلي، هذا الأسلوب الذي ظهر بوضوح في أسلوب ابنه “نعمة الله” المصور
أما الشماس “حنانيا” بن القس نعمة الله المولود في “حلب” في أواخر القرن السابع عشر، فقد سار على منوال أبيه وجده في تصوير الايقونات بالطريقة التقليدية، عاش في “حلب” وتوفي فيها بعد العام /1740/ وكان أول عمل له مع والده في أيقونة الدينونة الأخيرة في كنيسة الأربعين شهيداً التي تحوي أيضاً ست أيقونات حلبية وتعد أيقونة الدينونة الأخيرة فيها من أجملها.
هي موجودة في الجدار الشمالي للبهو الشمالي للكنيسة وقد ملأت القوس الأوسط من الجدار بكامله حيث صنعت خصيصاً للمكان الذي وُضعت فيه وهي على شكل قوس منتظم بارتفاع /4.46/ م وقاعدة أفقية بطول/3.75 /م ومرسومة على قماش قدمها الحاج “كركور شماع” خصيصاً إلى الكنيسة وهي من تصوير الفنانين ” الأب نعمة الله المصوّر” وولده ” الشماس حنانيا المصوّر” ويعود تاريخ رسمها إلى العام /1708/م وذلك بحسب الكتابة المدوّنة أسفلها باللغتين العربية والأرمنية
أيقونة القديس “جاورجيوس”
أيقونة “المدائح السيدية” بقياس 84-58سم وهي من المجموعة ذاتها لكنها غير مؤرخة.
أيقونة “رئيس الملائكة ميخائيل” بقياس 46-34سم.
“ايقونة القيامة” بقياس 81 -63 سم وهي من مجموعة السيد “هنري فرعون” في “بيروت” وقد قام بتصويرها وأوقفها على كاتدرائية “السيدة” الارثوذكسية في مدينة “حلب” في العام 1645م، ولا نعلم كيف انتقلت الى ملكية السيد فرعون وهي موقوفة لكاتدرائية السيدة!!!
وايقونة السيدة هي محفوظة في مطرانية الروم الكاثوليك في “حلب” ومؤرخة من العام 1653م، وأيقونة “الرسولين بطرس وبولس” بقياس 46-34سم، ومحفوظة في المطرانية ذاتها وغير موقعة وغير مؤرخة، ولكن عن طريق المقارنة والقياس بالأيقونات الأخرى لـ”يوسف المصور” استنتج الباحثون أنها عائدة له.
لقد ساهمت مدينة “حلب” من خلال فنانيها المبدعين في تطوير فن رسم الأيقونات، وذلك من خلال تأسيس ورشة عمل عائلية كبيرة من قبل عائلة “المصوّر”، حيث عمل العديد من الفنانين وتحديداً من عائلة المصوّر في رسم أكثر من مائة أيقونة توزعت بين كنائس سورية الكبرى في حلب ودمشق وبيروت ودير البلمند… ولدى العديد من العائلات الحلبية والدمشقية والبيروتية… المهتمة باقتناء الايقونات إضافةً إلى اكتشاف المزيد منها حتى اليوم.
تاريخ مدرسة الايقونات الحلبية عود على بدء
فلقد تأسست مدرسة الأيقونات الحلبية ونالت شهرة كبيرة خلال الفترة الممتدة بين النصف الثاني من القرن السابع عشر المسيحي، والنصف الأول من القرن الثامن عشر المسيحي، وذلك من خلال إنتاجها الفني الغزير بدءاً من إبداعات الأب الخوري “يوسف المصوّر الحلبي” ومن بعده ولده القس “نعمة الله المصوّر” وحفيده الشماس “حنانيا المصوّر” وابن حفيده الشماس “جرجس المصوّر”، وجميعهم توارثو الكهنوت في مطرانية حلب الارثوذكسية (لم تكن الكثلكة قد ظهرت عموما وفي حلب خصوصاً وهي قد ظهرت فعليا عام 1724م، ورسمياً عام 1835م)
الرائد الأوّل لهذا المحترف هو يوسف المصوّر الذي أعطى أجيالاً عدة من رسّامي الأيقونات. امتهن تصويرالأيقونات، وكان مترجماً وناسخاً ومصوّراً للمنمنمات، وكان من المقرّبين من يوحنا بن الزعيم او البطريرك مكاريوس الذي ارتقى إلى كرسي البطريركيّة الأنطاكيّة في سنة 1647 متّخذا اسم مكاريوس الثالث. من بعده، برع ابنه نعمة الله في صياغة أجمل أيقونات المدرسة الحلبيّة، ولحق به حفيده الشماس حنانيا، ومن ثمّ حفيد ابنه الشمّاس جرجس.
يقدّم يوسف المصوّر الأيقونة اليونانيّة في حلّتها التقليديّة بحيث يصعب التمييز بين أعماله وأعمال المصوّرين اليونانيّين المعاصرين له. مع الابن نعمة الله، تظهر الملامح المحلّيّة في بعض عناصر التأليف، إضافة إلى النقوش العثمانيّة التي تدخل لتملأ الخلفيّة الذهبيّة والمساحات الفارغة. تنصهر العناصر السوريّة في التأليف التراثي. تطبع الزخارف الهندسيّة والنباتيّة تشكيل الأيقونة بصداها الخاصّ. تدخل الكتابة العربيّة بأصولها النسخيّة إلى جانب اللغة اليونانيّة، وتتحوّل عنصراً عضويّاً من عناصر التأليف المختلفة. يجد الأسلوب الإنشائي القصصي صياغته المثاليّة، ويتمثّل في ابتكار مشاهد جديدة وصهرها في القالب التقليدي المعتمد منذ القرون الوسطى. تشكّل أيقونات حنانيا امتداداً لنتاج والده، وتمثل آخر تجلّيات الأيقونة قبل دخولها في عصر الانحطاط مع نهاية القرن الثامن عشر. يقارب جرجس في بعض أيقوناته أسلوب والده، وينتهج في البعض الآخر أسلوباً يغلب عليه الطابع الغربي في الموضوع كما في الأسلوب، وفقاً لتوجه فنّي طبع سائر أنحاء العالم الأرثوذكسي في تلك الحقبة التاريخيّة المتقلّبة.
لعل أهم ما تميزت بها الأيقونات الحلبية هي أنّ الرسامين الحلبيين الذين أبدعت أناملهم في كتابة تلك الأيقونات أضافوا إليها صبغة محلّية ونفساً سورياً بحيث يتم التعرّف عليها بمجرد رؤيتها من قبل الباحثين والفنانين المختصين ويتمثل هذا النفس المحلي في وجود سيف عربي إسلامي معقوف في بعضها وكذلك الوجه الشاحب والخلفية الذهبية وثياب البروكار /وهو نوع من الحرير الدمشقي الأصيل/ في بعضها الآخر.
رغم أن أسلوبه كان أقرب إلى الفن اليوناني، إلا أن الاب يوسف المصور الحلبي أسس مدرسة فنية مهمة لعبت دوراً في التاريخ الفني بـ”حلب”، كما ألف العديد من الكتب التي حفظها بخطه الجميل، وهو أول ممثل لعائلة من رجال الدين الحلبيين الذين قدموا سلالة من رسامي الأيقونات تبتدئ هذه السلالة به اي بالكاهن “يوسف المصور”، وابنه القس نعمة الله وحفيده الشماس حنانيا وأخيراً حفيد ابنه الشماس جرجس” رسم “حنانيا المصوّر” في العام/1717/ وعماد السيد المسيح من رسم الشماس “جرجس المصوّر في العام /1756/ والأيقونة الثلاثية /”العذراء” والقديس “يوسف” و”يوحنا المعمدان”/ من رسم “جرجس” في العام /1768 / وأيقونة الأربعين شهيداً من رسم “حنانيا، جميعهم /ومن اتى بعدهم / كانوا يوقعون انتاجهم على الايقونة بأسمائهم مماحفظها من الاستلاب الشائع، وهذا من فضل المدرسة الحلبية لمؤسسها الاب يوسف.
الشماس جرجس بن الشماس حنانيا، نتاجه حاضر في ايقوناته التي تشهد للتحول الكبير الذي طرأ على فن التصوير الكنسي في تلك الحقبة والتي استمرت بالاسلوب التقليدي لكبير العائلة الاب يوسف وابنه نعمة الله ووالد جرجس الشماس حنانيا.
يظهر هذا التحوّل في أثراللوحة الفنية الكاثوليكية التي حملتها الإرساليات الغربية الى حلب حيث صارت مركزا تجاريا وفيه بعثات قنصلية للدول الاوربية الكاثوليكية، فتأثر كل شيء في البيئة الحلبية المسيحية بطابع الكلاسيكية الاوربية الكاثوليكية ومنها الايقونات، وأبرز شواهده أيقونات تجسد مواضيع كاثوليكية صرفة لا تمت إلى الكنيسة الأرثوذكسية بأي صلة التي هو من كهنتها، ومنها “قلب يسوع” و”سيدة الوردية” في 1740، “الحبل بلا دنس” في 1762، و”القديس أنطونيوس البدواني” في 1764.
الخاتمة
ان تأثيرات المدرسة الحلبية امتدت من الاب رب العائلة الخوري يوسف الى الابن نعمة الله وحنانيا الحفيد وجرجس ابن الحفيد
ان هذا النتاج الجميل جداً والمتتابع من جيل الى آخر تعكس بوضوح التحولات التي عرفتها ايقونة العصور الحديثة، فتتجلى في ابداع الخوري يوسف لأمانة التقليد اليوناني، أما عمل نعمة الله فيبدو أكثر فرادة تطويعه لعناص الصناعة في تجدد دائم، وقد أغنى هذا الرسام النماذج الاصلية باستحداثه عناصر جديدة، ويمثل عمل حنانيا الشماس المصور مرحلة انتقال، أما آخر السلالة في (المدرسة الحلبية) فشاهد على انحطاط الفن الى مابعد البيزنطي.
بجدارة نشهد ان الايقونات الحلبية وليدة ( المدرسة الحلبية – مدرسة الاب يوسف العائلية) هي اروع أعمال الفن السوري المسيحي، وتحتل مكانة شرف في تاريخ الفن مابعد الرومي البيزنطي بفخامته وملوكيته، فهي تتعدى كونها مجرد إعادة لنتاج ايقونغرافي مستنفذ، لتنم عن ابتكار أمين ومجدد يُشَّعِّب التقليد الموروث ويحييه…
وأخيراً وعن الهدف من رسم الايقونات نقول: “كانت الأيقونة قديماً كتاب المؤمن الأمي الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة فكان يقوم باقتنائها ليفهم منها بعض الإرشادات الدينية البسيطة بوضعها على جدران الكنائس، أما اليوم فبالإضافة إلى تعليقها في الكنائس يقتنيها الناس لتعليقها في بيوتهم كنوع من الحصول على البركة أو إهدائها لكنيسة معينة كما يقوم السياح بشرائها أثناء زيارة المدينة”.
ان الايقونة بركة في كل بيت، وحامية له من غزو الشيطان، ويجب على المؤمنين اشعال القناديل الزيتية امامها وتبخيرها أقله مرة في الاسبوع غروب السبت اعترافاً بفضل صاحبها الرب يسوع ووالدة الاله والقديسين على ابعاد الشرير عن هذه البيوت.
.